بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

فرشاة الفنان كامل الموسوي تستنطق سومر-بقلم احمد الباقري







فرشاة الفنان كامل الموسوي تستنطق سومر

قرآه في اعمل كامل الموسوي السومرية

بقلم : احمد الباقري

ان الأعمال السومرية للفنان كامل الموسوي شكلت ملحمة سومرية استوحى فيها رموز ومفردات الحضارة السومرية . كانت لوحة ( موت انكيدو ) الأكثر بروزا من اعماله الفنية .

وقد رسمها بألوان متنافرة لكننا نحس من خلال التنافر اللوني صخبا شعوريا عنيفا حيث توسطها جلجامش الباكي على جثمان صديقه الوفي ( انكيدو ) وكان وجه انكيدو سابحا في شفق حلمي ، وقد انبثق حيوان خرافي في الزاوية اليسرى العليا للوحة يجاور شمسا صفراء تنبئ بكارثة الموت ، وثمة في يسار اللوحة تنتصب البغي ( شمخت ) بشهوانية فاضحة حيث ارادت ان تغوي جلجامش كما ورد في متن هذه الملحمة الخالدة .

اما لوحة ( رموز سومرية ) فهي مشهد سومري اخاذ جمع قيثارة اور والملكة شبعاد والثور المقدس ، ويتوسط اللوحة الملك اورنمو يحمل طاسة الطين وقد برزت خلفه مسلة صفراء علتها شمس سومر وتحت الشمس هلال مضيء ، ينتصب الملك اورنمو امام زقورة اور الخالدة ... ان التكوين الإنشائي لهذه اللوحة يقتبس من الرموز السومرية ايحاء بديمومة الحياة والنماء .

ولوحة ( الحروف الأولى ) فيها ثمة رقيم سومري مدون عليه كتابة مسمارية ينتصب على ضفته ساحل بحر تعلوه سماء زرقاء ويحلق في اعلاها طائر يحمل رسالة العلم للبشرية والتي بدأت على ارض سومر ، وثمة ورقة بيضاء ملقاة بجوار الرقيم تمثل حاضر ارض سومر الذي غدا ثريا بعطاء اهل سومر من المفكرين والأدباء والفنانين . اما لوحة ( الخصب ) فهي تحتضن رموز الخصب في الأساطير السومرية فثم في يمين اللوحة ينتصب الثور السماوي بعينيه الشهوانيتين تحدقان بأمرآة بأشتهاء .

كانت تلك المرآة السومرية مستلقية على بساط مزركش وقد اكتست برداء مطرز بألسنابل ومالت على صدرها سنبلة ضخمة وثمة اناء سومري مليء بأنقوش السومرية التي ترمز للخصب والعطاء . كانت كتل اللوحة متوازنة بحذق وقد اعتراها جو حلمي حيث كانت اشعة الشمس مشرقة في اعلى اللوحة وكان النهر انشودة خصب صامتة خلف تلك الرموز السومرية .

ولوحة ( بلاد ملك القصب ) فهي تنويع جميل على الموضوعة السومرية فثمة الهور يحتل ثلثي اللوحة واحتل المضيف القصبي جانبها الأيمن ، والمضيف القصبي الأخر في الجانب الأيسر وبينهما فجوة انتصب امامها مشحوف في مقدمة الهور الذي احتل ثلثي اللوحة وكان ينتصف في يسار المشحوف صياد سمك سومري وهو كوديا وجلست امرآة سومرية ممسكة رمزا سومريا ابيض لجلب الفال الحسن كان الصياد ممسكا بوثوق مرديا مائلا منغرزا في ماء الهور . جمعت هذه اللوحة بعدين : بعد واقعي من خلال الهور والمشحوف والمضيفين ، وبعد رمزي من خلال الصياد السومري وأمرآته التي تنظر اليه بتقديس ملحوظ . تناول الفنان كامل الموسوي موضوعتين ( الحرب والسلام ) في لوحتين منفصلتين فكانت لوحة الحرب تمثل افاريز سومرية ، تصطف على الأفاريز الثلاثة عربات الحرب السومرية والمحاربون السومريون الذين يمسكون برماحهم الحادة . اما لوحة ( السلام ) فهي تمثل افاريز سومرية ... اصطف على الأفريز الآعلى الكهان وقد اصطف الفلاحون ، والوعول على الأفريز الأوسط ، اما الأفريز الأسفل فقد ضم فلاحين يحملون الغلال خلف خيولهم الرشيقة . وقد تناول الفنان كامل الموسوي ( الجنس في ملحمة جلجامش ) فرسمها بألوان بهيجة وبراقة وثمة عيون بارزة على يسار اللوحة واحتل يمينها انكيدو حيث يبرز من رآسه سعف النخيل يحتضن امرآة ساهمة فيما وراء المجهول .

اما لوحة ( الطوفان ) فهي تصوير عنيف للطوفان الذي حل في ارض سومر ، وقد تركز مثلث خشن وسط المياه الصاخبة وثمة شكل ابيض يذكرنا بطفل بريء يلتصق بقاعدة المثلث وينظر بثقبي عينيه الى ذلك المصير المجهول . واخيرا كانت لوحة ( الحرب ) التي صاغها الفنان كامل الموسوي ، من خلال التمثال المشهور لرآس فتاة سومريه حيث تتميز بعينيها الفارغتين وقد التصقت رصاصة في عينها اليسرى ، وانهمرت دمعة بيضاء من عينها اليمنى على خدها الساكن . ثمة ترميز مرهف في هذه الوحه الرائعه ، إذ ان هذه الفتاة السومريه ترمز لديمومة الحياة وجذل الشباب ، غير ان الحرب الحديثة داهمتها برصاصة قاسية فأنبجست من عينها تلك الدمعة الحرى التي ترثي قتامة الحياة وبؤس الحاضر . كانت لوحات الفنان كامل الموسوي السومريه العشر افتتاحيه لمرحله جديدة تمنح من الموروث السومري نبعآ لرموزها واجوائها وتستمد منه قوة اسطورية تضاف الى حاضر يرفل بالخصب والديمومه والنماء .

الفنان ظاهر النجار-حاوره في مدينة الناصرية ناصر عساف





الفنان التشكيلي ظاهر النجار

ناصر عساف / الناصرية

امام اصابع ظاهر النجار ، وفرشاته المتوترة ، تفقد طيات القماش ذاتها ، كي تتيح اقصى تقابل ممكن في حيز الفراغ .

هو لايفكر ان تكون الوانه متراصفة وبأبعاد متساوية في امامية الفضاء . لايفكر في الشكل واللون والنسق ، بقدر ما يفكر بتحديد اطراف هذه القماشة . الم اقل في بداية حديثي ان اصابعه وثنية ذات ثلاثة ابعاد !

الشاعر والاعلامي

رياض عباس العصمي

تمتاز مدينة الناصرية بتعدد ينابيعها الفنية والفنان ظاهر النجار واحد من ينابيعها وقد امتاز هذا الفنان بأسلوبية معقدة وذات اخاديد تملئ اللوحة .

يعمل بصمت وعزلة مقصودتين في مرسمه ليفاجئنا بكم من الأنجاز الفني والافكار التي تحكي هم الانسان واضطهاده ومعاناته من خلال معايشته ومتابعته لهذا الواقع المرير .

الشاعر والناقد ( عبد جبر الشنان ) ترجم اعمال النجار بلغته الفلسفية قائلا :

بأللون وحده استطاع الأستدلال والوصول للدهشة ، افزعته الريبة وظل يقلب الشمعة حتى لايلامسها الأنطفاء ، الكثيرون لم يدركوا انه كان يثأر حتى من اسمه لذا لم يكن ظاهرا في لوحاته بل خبأه اللون في محراب اللوحة التي جنت عليه ، لوحته لايقين لها ، لوحته سحاب يرتقي سلم من حلم لذا يصعب الأمساك بها ، كأنه يرى الفردوس ضريرا .

لوحته هادئة ... ساكنة تقف في مفترق طرق ، عليك ان تدلها على رشدها ، الوانه تتأفعى وبمعرفيته رزنة تترك للمتلقي فضاءات التأويل .

يستفزك صمت لونه احيانا لأنه ضاج بألأحاسيس واحيانا اخرى يفاجئك بأخفاءه داخل اطارها ويدعوك بموده لأحترام سكونيتها او هوسها البليغ .

لونه يقف منتشيا بملامحه الصافية امام غموض ظاهر وهو تكتحل عيناه بأسراب صخب الوانه الشارد بوعي معمق .

يؤثث المكان بأللون وهناك احيانا لون ثقيل ، لايكون امام ظاهر سوى مغادرة لوحته والوقوف امامها كمتلقي نزق مذهول من الوانه وخروجها عن طاعته .

من ميزات لوحاته انها خرقت التنميط لأنه ادرك بشكل واع ان لوحته غير قابلة للتدجين لذلك سعى مثل اقرانه المهوسين بألجمال المحض الى البحث عن اللون الخالص ، اللون الذي لن يتخلى عن اهداف نبيلة تشكل هوية الأنسان المتجرد الباحث عن المعنى المطلق .

بشغب وهناء روحي خفي‘ يخبأ تذمر الجمال تحت الوانه التي تخفق بعيدا عن القفر والبدائية ، بعيدا عن الأوحال وقمامة ضجيج الأدعياء ، انه غير معني بألحدث السياسي لكنه معني بألحلم الذي حاولوا اغتياله لذا كان مع المشاركين في استعادته في عيون المارة وتحليقه خارج الفضاء الراكد بل سعى بشكل جدي لتمسكه جسد اللوحة ، لوحته .

ظاهر لم يستجدي اللون بل تشتقه فرشاته من حركة أصابعه الرشيقه على فضاء بياضه.

متى يتفرغ ظاهر النجار الى مرسمه ؟

الأن اتمنى لو اني لم اكن نجارا ، لأستثمرت الزمن الماضي كله للرسم فقط .

لأحقق شيء من طموحاتي الفكرية والأنسانية كواجب اخلاقي يتحمله كل فنان نزيه .

وبعد الجهد العضلي في العمل خلال ساعات النهار ، لااستطيع الا ان أركن مساءا في مرسمي الى ساعة متأخرة من الليل مع الفكرة واللون والفرشاة لأطرح همومي الأنسانية من خلال فرشاة لاتتقيء عن مواضيع لانؤمن بها .

ومن خلال اراء بعض النقاد والفنانين ، امتازت لوحاتي بكثافة لونية عالية ذات اسلوبية خاصة .

ماذا تبغي من الكثافة في تكنيك لوحاتك ؟

ان الكثافة اللونية التي استخدمها بألفرشاة والسكينة فقط تجعل من اللوحة شاشة متجانسة من الألوان المختلفة سرعان ما تكشف اللثام عن محاسنها ومغزاها .

ان قصدية اللوحة في اعمالي تحدد نوع التكنيك في ذاتها . اما العلاقة بين المشاهد ولوحتي تتحول من تكوين مادي الى مضمون فني دلائلي وجمالي بعد ان تتصل خيوط الوعي والمعرفة بينهما .

كانت لوحاته تملئ مرسمه عددا وكثافة لونية مليئة بألوعي الثقافي والمعرفي والأفكار الأنسانية والأجتماعية انها المفاجأة .

اقام الفنان النجار ثلاثة معارض شخصية في مدينته الناصرية ؛ومشاركات عديدة ضمن معارض نقابة فناني ذي قار ومشاركة في معرض افتتاح قاعة( ود ) في الحلة وله مقتنيات من اعماله في بعض الدول الأوربية . ايطاليا ، امريكا ، فرنسا ، بريطانيا . كما حضيت لوحاته بأهتمام العديد من المجلات والصحف العراقية

هل تأثرت بفنان تشكيلي قريب منك بألأفكار والأسلوب ؟

نعم تأثرت بألأفكار فقط حيث مارسنا الرسم في مراحلنا الاولى وبأشراف اساتذتنا الكبار امثال : استاذي الفنان كاظم ابراهيم والفنان الراحل ليث الخفاف والفنان ابراهيم حمود . اما الاسلوب فهو خاص ابتكرته لأعمالي كوني اجد فيه حرية اكثر ولونية متتعددة وشفافية عالية من خلال حركة السكين والفرشاة .

هل من كلمة توجهها الى الفنانين وماذا تتمنى ؟

اعتقد بعد ان تسربت المياه الأسنة والروائح النتنة من تحت اقدامنا ادعوا جميع الأدباء والفنانين وخاصة التشكيليين الى رفع اصواتهم وتوجيه صرخة عارمة على كل مظاهر التخلف والأستبداد وهذا يعتبر ضمن مبادئنا الأنسانية والأخلاقية وما تعلمناه في الزمن الجميل وان يلتصق الفن عموما بهم الأنسان والآمه وطموحاته .

واتمنى ان نثب الى نهضة جديدة وجريئة في الفنون جميعا لأن تاريخ الأمم والشعوب يعرف من فنونها وادبها . فألأمة تكون ذليلة ومستعبدة متى قفرت من الفنون والاداب وهي حرة مقتدرة متى ما شاعت فيها اذواق الاستحسان والجمال وهذه هي فلسفة الفنون بذاتها .

ثقافة شعبية-صاعود النخل-حامد كعيد الجبوري




( صاعود النخيل )

مهنة لا تنـقرض

حامد كعيد الجبوري

منتصف الخمسينات من القرن المنصرم صَحَت محلة الوردية من مدينة الحلة المحروسة ، على أصوات نسوة يندبن ( علوان ) الذي سقط من نخلة باسقة ، كان قد تسلقها بواسطة ( التبلية ) ومات ، كنت أحد الصبية الذين هرعوا لدار ( علوان ) فوجدت أن الخبر حقيقة واقعة ، ولأن أبن ( علوان) الكبير ( رحيم ) صديق لي فقد تعاطفت معه كثيرا ، رغم صغر سننا ولم نكن ندرك حقيقة الموت و نستوعبه جيدا .

هذه المقدمة البسيطة أجدها مدخلا للحديث عن هذه المهنة الخطرة ، والتي راح ضحيتها الكثير ممن يمارسها ، ورغم ذلك فالمهنة متواصلة ، إذ لا بديل عنها في الوقت الحاضر على أقل تقدير ، ولأن والدي رحمه الله يملك بستانا بأطراف الحلة الشرقية وقريب لمسكننا في ( طرف الوردية ) – الطرف يعني المحلة – ، لذا فأنا وأخوتي ووالدي نجيد استخدام ( التبليه ) لصعود أو لتسلق النخيل ، ووالدي رحمه الله خبير بأنواع وأصناف التمور ، ناهيك عن أنه يعرف جنس النخلة من خلال أغصانها ( سعفها) ، وقد أورثنا هذه المعرفة بها وبخبرة أقل منه ، وهناك حادثة طريفة وقعت لي وأنا بمراحل الدراسة الابتدائية الصف الثاني أو الثالث عام 1959 م ، لدينا نخلة باسقة جدا في بستاننا ، ولأنها باسقة ويطالها ضوء الشمس أكثر من النخيل الآخر ، ومعنى ذلك أن تمرها سينضج قبل التمور الأخرى في بستاننا ، لذا كانت مغرية لي فترة الصبونةُ لتسلقها وجلب ما تمنحه لي من تمر ناضج ، ولم أستخدم ( التبلية ) لصعودها ، بل اعتمدت على يدي وساقي للتسلق ، ملأت جيبي من تمرها الجني وهممت بالنزول ألا أنني لم أستطع ذلك ، حاولت وحاولت وكل محاولاتي فشلت للنزول ، أمسك الطرف القوي وأنزل رجلي لأضعها على أحد ( كرب) النخلة إلا أن ( الكربة) تتحرك تحت قدمي ، ناديت والدي بأعلى صوتي لينقذني من معضلتي هذه ، حضر والدي تحت النخلة ليشجعني ويعلمني طريقة النزول المثلى ، ولكني لم أستوعب ما يريده مني لخوفي الشديد من عقوبته أولا ومن السقوط ثانيا ، أضطر والدي أن يجلب ( التبلية) ويصعد لي وهو مغضب ويتوعدني بالعقاب ، قلت له أني مستعد لعقابه ولكن أنتظر نزولي ، ضحك بوجهي وألتقط قدمي ووضعها على ( زند التبلية) ومرت بسلام .

هناك مفردات قد لا يعرفها من لا يزاول مهنة الفلاحة أو صعود النخيل ، وأول هذه المفردات هي ( التبلية ) ، وهذه المفردة بابلية الأصل كما أثبت ذلك العالم ألآثاري طه باقر الحلي ، وكذا الدكتور ألآثاري نائل حنون الديواني ،بأن هذه المفردة أتت لنا من البابليين وكانت تسمى لديهم ( تابليو ) ، و ( التبلية ) تتكون من أقسام رئيسية أولها ( الجفه ) ، وسابقا تصنع هذه ( الجفه ) من ( ليف) النخيل ، وتتكون النخلة من الجذع والأطراف – السعف – والليف الذي يفصل بين طرف وآخر ، وتحاك ( الجفه ) من قبل النساء ، وهي التي تحمي أو تسند ظهر المتسلق للصعود ، وحاليا تصنع من مادة الكتان اللون (الخاكي) ، كي لا يؤذي ظهر المتسلق ، وبنهايات هذه ( الجفه ) حلقتان لتربط بهما طرفي ( الزند ) ، و ( الزند) هو عبارة عن أسلاك ملفوفة مع بعضها تشبه ( سلسلة ) سحب السيارات وبطول متر وربع تقريبا ، بعد أن يلف الزند على ساق ( جذع ) النخلة ويربط بواسطة حبل كتاني قوي أبيض اللون ، ويربطه بشكل جيد كي لا يحل لأي طارئ ما ، يبدأ ( صاعود) النخيل بتسلق النخلة بحركات متناسقة دقيقة ، فهو يقدم جسمه صوب الجذع ليتمكن من نقل ( زند التبلية) ل ( كربة) أخرى ، مع ملاحظة رفع قدميه بالتعاقب بين ( كربة ) والتي تليها ، و( للصاعود ) عدته المهمة من سكين كبير تسمى ( سجينة تكريب أو تجريب ) ، وأفضل هذه السكاكين تعمل من مخلفات المبارد التي تستخدم لحد السكاكين ، وهي باهضة الثمن ، يصنعها الحداد ويقوسها ويجعل لها أشفاراً حادة جدا ، وقد لا يمكن لصاعود النخيل أنجاز مهمة ( تكريب) أو قص تمور البستان دون أن تحد هذه السكين لأكثر من مرة ، ولكن أهل الصنعة ( الصاعود ) يحتاج لأكثر من سكين لإنجاز بستان واحدة ، وعلى (الصاعود) هذا أن يجلب معه ( المنجل ) لأنه ربما سيحتاج إليه .

ويصعد النخيل مرتان أساسيتان بالسنة الواحدة ، غير عملية التلقيح وعملية ( التركيس ) - ونعني بها تدلية العثوق نحو الأسفل – ، وأجمل عملية ( التركيس ) الطريقة الكربلائية ، حيث تدلى العثوق دون أن توضع على أطراف النخلة لتسهل عملية ( الكصاص ) ، المرة الأولى لجني محصول التمر بعملية ( الفزعة ) ، أو الاستئجار ( للطواشين والطواشات ) ، لقاء حصة قليلة من الناتج أو أجر زهيد ، وما أجمل تلك الأغاني التي تقال من قبلهم ، ولكن أصحاب البساتين عامة يلجئون لطريقة ( الفزعه ) حيث اليوم بهذا البستان واليوم الذي يليه ببستان آخر ، بمعنى أننا ننجز مهمتنا بمساعدة عوائل أهل البساتين الأخرى وهكذا ، وتتولى زوجة صاحب البستان أو أمه أو بنته تقديم وجبة الغداء وما إليه لضيوفها ، وهي عبارة عن الخبز الحار وشئ من اللحم أو الدجاج والجيد من التمر طبعا ، وعملية قص العثوق تكون بداية الشهر العاشر وتستمر لنهاية الشهر الحادي عشر لتجنب الأمطار التي تتلف الناتج ، المرة الثانية لعملية ( تكريب ) النخيل ،وتكون هذه العملية بفصل الربيع حصرا ، وسبب ذلك أن ( كرب ) النخلة قد شرب من ماء الأمطار أن وجدت ، أو من عملية تكاثف البخار على الأطراف وبالتالي ستنزل هذه القطرات من ( الخوص ) صوب ( الكرب ) ، ومعلوم أن ( الكربة ) الطرية أكثر و أسهل قصا من اليابس ، وعملية ( التكريب ) شاقة ومتعبة تحتاج لقوة أذرع ، ناهيك عن فنية عملية ( التكريب ) ، و ( المكربجي ) الجيد لا يقص الأطراف الخضراء لأن ذلك سيؤول الى تشقق ( الكربة ) عند جفافها ، يضع ( المكربجي ) سكينه بمنتصف ( الكربه ) ويسحبها بقوة نحوه ولمرة واحدة تقريبا ، ينزل مسافة صغيرة عن الشق الأول ويصنع شقا ثانيا فيسقط جزءا كمثريا من ( الكربة ) يسمى ( الجعب ) ، ثم بسحبتين أو أكثر يكرره على المكان المقطوع فتقع ( الكربة ) بكاملها نحو الأرض ، ومرات يستعين بيده لخلعها من مكانها ، مع ملاحظة هامة ، فإن كانت نتيجة القطع غير مسرحة الى الأرض فمعنى ذلك أن صاحب هذه الصنعة ردئ ، لأن مياه الأمطار سوف تتخلل لداخل ( الكربة ) مما يؤدي الى ( خشعها ) – بمعنى تشققها بسبب الرطوبة – مستقبلا ، وملاحظة مهمة أخرى ، على ( المكربجي ) الجيد أن لا يأخذ أكثر مما هو مقرر من أطراف النخيل لأن ذلك سيقلل من تعرضها للشمس ، ومن ثم قلة غذائها بسبب التماثل الضوئي ، وهناك من ( يكرب ) نخيله بغير هذه المدة ولكنه خطأ فادح .

أكرموا عمتكم النخلة ، هذا الحديث الذي أطلقه نبينا محمد (ص) لهذا الكائن النباتي العجيب ، حيث أن كل الأشجار لها مخلفات قد لا يستفاد منه إلا النخلة التي يستخدم كل شئ فيها ، وحتى ( النوى) كعلف ذي قيمة غذائية عالية ، ولقد رأينا وسمعنا أن هناك من قزّم النخلة بتعامله مع جيناتها ، ورأينا الأجهزة الحديثة التي دخلت بصناعة التمور كالسيارات الرافعة لغرض القيام بمهمات التلقيح والجني لثمار النخيل ، وإن أتسع لي المجال سأكتب عن أنواع النخيل والتمور الجيد منها والنادر لا حقا بإذن الله.

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

الفية الولد الخجول-العشر الرابع-عادل كامل-تقديم مدني صالح




العشر الرابع


[1]
لاأبحث عن بحار
أنا ابحث عن غريق نسي اسمه عندي .
[2]
في كوخي رجل كف عن الأحلام
فلم تطرق بابي أيها الغريب ؟
[3]
خذ ما تشاء
إلا وردة تتفتح فوق الجرح .
[4]
هذا الغريق يأتيني يوميا
انه .. أنا .. نفسي .. الذي ابحث عنه .
[5]
ما الذي جعل الأشجار .. تنحني
بلا أعذار .
[6]
خذ زادك وارحل
لدى ما يكفي من الزاد .
[7]
نستني ذاكرتي في البرد
فيما أنا أقدم أعيادي هدايا للرمال .
[8]
كوخ العاشق هدمته الريح
وكلماتي سرقتها غيمة .
[9]
في عيد ميلادي الأخير .. هبطت غيمة على
غنت .. ثم تركت حمتها للمجهول .
[10]
هذه المرة تشتكي اليّ الصخور
أنا الذي هناك 00 أوزع خجلي على الوديان .
[11]
ما الذي جاء بك إلى قلب كف عن التذكر .
[12]
جمالها تخجل منه الشمس .. وأنا الشمس
تخجل مني .

[13]
الليلة أتحدث عن امرأة لم تولد بعد
لكنها وضعت رداء البرد فوق جرحي .
[14]
تأمل : انها لم تلد موجة
انها ولدت قطرة دم .
[15]
النسوة يتحدثن عن رجال كسالى
أيضا .. يتحدثن عن .. ولد لا يعرف اغتيال النور .
[16]
النسوة اللائي كن وضعن الورد فوق قبري
كن
جميلات.
[17]
قال حبيبي من أنت ؟ قلت : أنا نبع ماءٍ مجروح .
[18]
ومن شدة خجله كنا أشداء
وكنا ضعفاء .. ولم نكن بين بين .
[19]
هي .. لا تتكون إلا من بضع غيوم
وسواحل لا تنـزف إلا حكمة .
[20]
ليس هو النور
إنما هي الشمس نثرت ظلالها وغادرت .
[21]
في مساره لم يعثر علىّ
وفي مساري أضعته .
[22]
أنا أكثر من دليل لعاصفة تائهة
وتلك الذكرى ..
أكثر من حقل بلا أسوار .
[23]
لا احد تغنى باستقبال الموت .. مثلي
وبابي لم أغلقه تجاه العواصف .
[24]
أسرقت جمالها مني أم من ..
تلك ..
تنحني لها أضرحة الخلود !
[25]
اصطحب طفولتي إلى الحدائق .. فيما أبدا
شيخوختي لا تعيش في الأدغال .
[26]
إنهم يتحدثون عن غريق
وثمة حارس .. قبيل الفجر
يداعب ظله .
[27]
إنما بسبب الإمطار المجرّحة بالنبال
كنا نعبر أقسى الصفحات.
[28]
الهم اعني على أثقالي
الهم لا تجعلني ثقلا على احد.
[29]
أكل هذه الأسلحة ضد فراشة
نست أن تقول : وداعا أيها الليل.
[30]
انتم تساومون أعراسكم
أنا لا أساوم خجلي .
[31]
فيما انتم تهربون من الموت
أكون معه نتحدث عن أوسمتكم .
[32]
كلاهما يقتربان مني .. شيخوخة
ومعابد بلا أوثان .
[33]
قاسمني الليل أثقاله
أنا .. قاسمت أوزار النهار ..
[34]
شمعة اثر شمعة تتوقد انطفاءات الروح .
[35]
أهذا قديس أم بائع هوى .. أتساءل:
ما الذي تفعله الأسلحة بين أصابع الأنبياء ؟

[36]
أقسى المواسم رحلت .. إنما الناس .. بلا استئذان
يخزنون الصخور .
[37]
أهذا متسول أم عاشق .. سيان
أصابع الأطفال تطلق النار أيضا .
[38]
كلانا .. أنا والليل .. نوزع أحلامنا ..
للعشاق .
[39]
طفولتي عند شيخوختها .. تنحني
لكن لتماثيل الصمت .
[40]
أتوقد انطفاءً مثل كتاب الأرض فوق الأصابع .
[41]
أينما تذهب تجد
الموت
يوزع الحلوى والمقابر والنياشين.
[42]
اى حمل جريح هذا الذي تحرسه الذئاب
أهي الكلمات .. أم ظلال قديس باع أضرحته.
[43]
ما سر صمت البراعم .. فيما الحرائق تلتهم الجذور!
[44]
أهذا قديس يباركني أم بائع خمور
أم انه بين .. بين
يسرقني إلى الفضاء تارة
وتارة إلى الجذور.
[45]
لحظة غابت عني ذاكرتي
فاستيقظت في أضرحة لم تولد بعد .
[46]
مثل السماء كان البحر ازرق
وكالحالم أرى سواحله الآن تستجدي دموع الغرباء .
[47]
كذلك البرعم يوشي بك عند الحطابين
إلا أيها الحلم
خذ سهما وصوب
إنما الكلمات هكذا .. لها حكمة المناورة.
[48]
والآن لنتقاسم موتنا .. هو ذا الزاد
هذا هو الربح الوفير
فلم تنظر إلى ملائكة يسرقون الذاكرة
ولم تستدرج النسيان إلى الحروب ؟
[49]
هذا الفجر أجمل من الكلمات
فدع صوتك مثل الريح
لا يبحث عن أسئلة .
[50]
لا تتحدث إلى آخر .. سر بمحاذاة روحك
دعها تنحني للصمت
هذه كلماتي احملها معك أينما ذهبت
وعند الموت .. لا تدعها تبحث عن آخر .

[51]
أشم رائحة كلمات مرتجفة .. أذن ..
لا تؤذ البراعم .. ولا تدع الأرض تشكو من
ثقل ظلالك.
[52]
هذا الوتد في القوس من حليب البلابل
هذا السهم من أحلام العشاق .. فيما
الهدف أنت .. وأنا .
[53]
أنا حرثت الأرض .. وبيدي بذرت البذار .. وبأصابعي
حرست الغابة
لكن من ذا الذي أطلق النار ؟
[54]
إذا لم تكن أنت الهدف
فلا تسرق سكرك من الوهم
وإياك إياك أن تفرح إذا لم تكن روحك
مثقلة بالمستحيل .

[55]
كلانا غريب .. أنت سرقت البحار
فيما أنا بللت شفتي قبيل الرحيل .. فقط
لكي تذهب روحي ندية إلى الفضاء .
[56]
الصخور التي سمعتها تولول . هي بعض
أفراحي .
[57]
الرصاصة التي اخترقت الجسد .. ما زالت منذ
دهر .. تصلي
فيما أنا غفرت لأمهر القناصين حكمة التذكر.
[58]
الأرض أعطتني كسرة خبز .. وبضع نوايا
وبحار خوف أتطهر فيها عند الحاجة .
[59]
دعك من الحديث عن الشعوب .. تكلم لغة البلابل واصنع نشيد الصخور .
[60]
بالمعول ينقشون أمجادهم .. فوق الصخرة والفولاذ
فيما أنا العصور تكتب تاريخها في قلبي .
[61]
ميتان يتعلمان الرقص .. وميت مستحيل
يذهب إلى الحرب .
[62]
أعطونا أقنعة ضد الأحلام
فيما البلابل تغرد للمجهول.
[63]
ذات يوم سأعود مع ذاكرتي .. نجمع النجوم والحصى
نلعب في حدائق الذئاب
ذات يوم سأعود .. بلا أحلام ولا شموس
ولا عشاق يحملون الأسلحة.
[64]
للقصيدة باب .. أغلقه لتتعلم .. افتحه لتنسى
إن أزمنة البراءة لم تولد بعد
ولم تتلوث بعد.
[65]
ما الذي تفعله قمة الجبل في الوادي
ماذا يفعل الصقر في الدغل
وما أنا فاعل بأعمى تخاف منه الشمس
حيث رأى حملانه تغادر إلى المصانع.
[66]
إذا وجدت بين الحضور ملائكة
قل أن سكري سرقني إلى الصحو
وإذا وجدت بين الملائكة حضور
قل أن صحوي سرقني إلى الفناء .
[67]
ليست هذه قصائد حب
بل كلمات لم تكتبها
إلا أصابع سرقتها الأعشاب.
[68]
من نثرني فوق الأرض .. من لملم روحي
من أعطاني هذا الزاد وقال :
خذ سرك وارحل ؟
[69]
روحي لؤلؤة .. حديقة ذاكرتي
ومثواي يرقد في بذرة .
[70]
بينما الكواكب تتناثر
جدران قلبي تحميني من الضوضاء.
[71]
ما الذي افعل لروح تهلهل
لعشاق ماتوا قبل الميلاد.
[72]
معادن عند المثوى .. توزع أشلائي
هدايا ونياشين.
[73]
مثلما جئت بلا أسباب
دعوني أغادر بلا أعذار .
[74]
ماذا افعل لأسلحة تبكي ما بين الأصابع ؟

[75]
أينما تذهب تجد الصحارى غادرتها الغزلان.
[76]
بمحاذاة روحي موتى .. وبراعم
لا اعرف من جاء بهم
ولا اعرف من جاء بي .
[77]
قل للعاشق زادنا وفير
قل للموتى : لا قصائد هناك
قل لنفسك : اصمت.
[78]
كانت المدن التي زرعتها بانتظارك
فوا أسفاه – الآن – انك تبحث عن :
ارض بحجم ورقة.
[79]
الم تكن ترسل صوتك إلى الأعالي
فيما أراك الآن
لا تجمع إلا الأصداء .
[80]
مدنك التي انتظرتك .. لم تذهب إليها
واأسفاه .. لم تأت إليك أيضا .
[81]
أعظم ما في الموتى أنهم يبحثون عن ذاكرة .
[82]
لا اعرف من رأى .. ملائكة يتسولون
لكني رأيت .. في الأسواق .. موتى يتشاجرون .
[83]
الذين ماتوا .. هم حبر فوق هذا الورق اخذ شكل
كلمات .
[84]
تحجر برفق .. هذه آخر النبوءات
هذه فاتحة الحكمة.
[85]
حذار .. حذار أن تتحدث إلى نفسك إذا كنت
وحيدا.

[86]
أتريد معرفة أسرار العاشق – أصغ – أذن –
لأسلحة تجهل قتلاها.
[87]
قلل السؤال .. قلل الزاد
هذا أول الحب .
لا سؤال .. لا زاد .. هذا هو الاكتمال .
[88]
حتى انها بعد انطفاء الرغبات كانت
زنبقة بيضاء .
[89]
أصغ .. المطر يغني .. لا تكتب ذلك ..
أصغ .. المطر لا يغني .. لا تكتب ذلك ..
[90]
الموتى الجدد ظرفاء أيضا
تركوا أسلحتهم .. رسائلهم .. وقصائدهم
وعقود من الثار بلا نهاية.

[91]
بصري الكليل أبدا
يتلمس في العتمة .. انه مثل قمر ينـزف بلا مبالاة .
[92]
الريح تأتى بالكلمات .. المطر يسقيها
البلابل تغرد لها
واأسفاه أصابعنا تطلق عليها النار .
[93]
وكانت لدينا غزال .. لا يرقد في البرد
إنما كانت لدينا حبيبة
تأتي بالغيوم إلى مائدة الإفطار.
[94]
مثلما أبدا لن ننسى .. كان العيد يأتينا فجرا
إنما ها هي خطانا .. تتعثر فوق الأعياد .
[95]
دائما أحدق في الفضاء .. مودعا نجمة تسرق نجمة .
[96]
القلب القديم المرح يتعكز على قهقهات صاعدة إلى السماء .
[97]
المعلم الذي قال : هذه أناشيد البلابل
هو الآخر يجلد الأشجار .
[98]
إذا كنت تبحث عن كنوز
لست أنت صانعها
دعها تذهب إلى الريح.
[99]
وإذا كنت تبحث عن كنوز
في البحر أو السماء
فانا لا باحث إلا عن كلمة باتساع جميع
الكلمات
[100]
أبفعل البراءة
صنعت هذه المدافن
أم بفعل ولد أضاعته الأصوات ؟

في الرد على المرتد-سيد القمني-اختيار احمد الحلي



في الرد على ( المرتد ) ‏‏

مقالة للمفكر المصري سيد القمني

هذه واحدة من مقالات الدكتور ( سيد القمني ) الذي عوّد قرّاءه أن يضع يده على الجرح .. فيما عيون السلفيين ينظرون اليه ليس شزراً ، و لا حقداً ، حسب ،، بل بإشارات تهديد مباشرة ، كالتي وصلت اليه قبل بضع سنوات من البريد العلني المباشر ، فأعلن الرجل ( توبته ) و تخليه عن أفكاره التي تصدم جهات كهذه .. و تبرأ ـ حينها ـ في بيان علني عن طروحاته الصادمة الصريحة ، و هو ما آخذه عليه بعض المثقفين العرب الليبراليين..
في هذه المقالة الباحثة تحت صخور و تراب و رمال تاريخ العرب عبر ما تسمى بـ ( الدولة العربية الإسلامية ) يعود دكتور سيد القمني الى ساحة المواجهة .. و هذه المرة في الرد على دكتور ( محمد عمارة ) الذي كان قد تحول ـ ربما بتأثير ( المفكر ) الفرنسي السفيه ( روجيه غارودي ) ـ من أقصى اليسار الماركسي الى أقصى اليمين السلفي الإسلامي .
اليكم : مقالة دكتور سيد القمني في الرد على الماركسي ( المرتد ) الإسلامي السلفي د. محمد عمارة حول كذبة : ( وامعتصماه ) : نصاً

ــــــــــــــــــــــــ





معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد لم يمنعهما إسلامهما من قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين، الحجاج بن يوسف الثقفي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين ,العباسيون قتلوا خمسين ألفا من أهل دمشق وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. نشر المقال في مجلة "روز اليوسف"
هل كان ممكناً أن ترتج أجهزة الدولة كلها مستجيبة لاستغاثة مواطن يعاني القهر والظلم في بلاد المسلمين على يد المسلمين، في الإمبراطورية الإسلامية العظمى الغابرة، كما ارتجت وتحركت بعدّتها وجيوشها في القصة الأسطورية استجابةً لصرخة امرأة مجهولة منكورة لا نعرف من هي، وهي تنادي الخليفة من على الحدود عندما اعتدى عليها بعض الروم: "وامعتصماه"؟!.



إن هذا النموذج من القصص يريد أن يعلن مدى اهتمام الدولة جميعها بمواطنٍ فردٍ يعاني أزمة، وهو ما يستثير الخيال العربي المقموع ويدفعه إلى محاولة استعادة هذه الدولة الأبية التي كانت تردع الأعادي بكل فخرٍ ومجدٍ كما كانت تنشغل بالمواطن الفرد كل الانشغال، حتى بات عزيزاً كريماً مرهوب الجانب أينما كان. لكن بين القص الأسطوري وبين ما كان يحدث في الواقع مفارقات لا تلتئم أبداً، ولا تلتقي أبدا. والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصيها مقالة كهذي، بل تحتاج إلى مجلدات من الكتب. لكن يكفينا هنا اليسير منها لنكتشف هل كانت ثقافة "وامعتصماه" أمراً حقيقياً فاعلاً في الواقع أم أنها مجرد قصة لرفع الشعارات دون الفعل وليس أكثر، كالعادة العربية المعلومة! خاصة أن هذه الدولة العزيزة بمواطنها الكريم هي الدولة النموذج التي يطلبها اليوم المتأسلمون على كافة فصائلهم وأطيافهم، ويزينونها للناظرين بقصٍّ كهذا عادة ما يبدأ بمسئولية الخليفة الراشد وهو في يثرب عن دابة لو عثرت بالعراق.
وينتهي بالحفل البانورامي حول احتلال "عمّورية" انتقاماً للفرد العربي الأبي حتى لو كان امرأة! مع علمنا بحال المرأة قياساً على الرجل في تراثنا.
لقد صرخت القبائل العربية في الجزيرة منذ فجر الخلافة "وإسلاماه" تستغيث بالمسلمين لردع جيوش الدولة عن ذبحها وسبي حريمها وأطفالها لبيعهم في أسواق النخاسة، تلك القبائل التي تمسكت بحقها الذي أعطاه لها ربها بالقرآن في الشورى والمشاركة الفاعلة في العمل السياسي. فرفضت خلافة أبي بكر"الفلتة" بتعبير عمر بن الخطاب لأنها تمت بدون مشورتهم ولا ترشيح احد منهم ولا أخذ رأيهم، فامتنعوا عن أداء ضريبة المال للعاصمة تعبيراً عن موقفهم، لكنهم عملوا برأي الإسلام فجمعوا الزكاة ووزعوها على فقرائهم في مضاربهم التزاماً بهذا الركن الإسلامي بجوار صلاتهم وصيامهم وقيامهم بقية الأركان المطلوبة. فلم يعفها ذلك من جزِّ الرقاب والحصد بالسيف. والصراع هنا لم يكن حول الإيمان والكفر، بل كان الشأن شان سياسة دنيوية لا علاقة لها بالدين.
ورغم الجميع فقد تواطأ السَّدنة مع السلطان ضد تلك القبائل ليؤسسوا في التاريخ المذهب السنِّي الذي وجد فرصته في مكان سيادي بجوار الحاكم، فقام بتحويل الخلاف السياسي إلى خلاف ديني، واعتبر أن محاربة هؤلاء واجب ديني لأنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام لا لشيءٍ، إلا لأن هكذا كان قرار الخليفة؛ ولأن هذا الخليفة كان "الصدِّيق" صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصهره ووزيره الأول. فالبسوا الخليفة أولاً ثوب القدسية ولو ضد منطق الإسلام الذي لا يقدس بشراً، ثم البسوا القرار قدسية الخليفة، ثم أصدروا قرارهم بتكفير هذه القبائل بتهمة الردة عن الإسلام لأنها حسب القرار البكري قد "فرَّقت بين الصلاة وبين الزكاة"، وهو أمرٌ فيه نظر من وجهة نظر الشرع لا تبيح قتالهم ولا قتلهم. لذلك تم تدعيم القرار بأن تلك القبائل قد خرجت على رأي الجماعة وخالفته وهو اختراع آخر كان كفيلاً بوصمها بالارتداد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

وهكذا، ومنذ فجر الخلافة جلس الفقيه في معية السلطان يصوغان لنا إسلامنا، إسلام يؤسلم ويكفّر حسب مدى التزام المواطن بالمذهب السيد الذي هو مذهب السدنة والسلطان وأولي الأمر، وطاعتهم أمر رباني وفرض سماوي. ومنذ خرجت جيوش أبي بكر تحارب تاركي الزكاة تحت اسم الدين والصواب الديني، أصبح معنى أن تخرج جيوش المسلمين لتحارب الكفار "غير حروب الفتوحات". إنها خارجة للقضاء على المعترضين أو المخالفين في الرأي السياسي الذي تتم إحالته إلى الدين، حتى يتم الذبح والحرق والسبي باسم الدين وليس لخلاف سياسي.
ونظرة عجلى على تاريخ العرب المسلمين ستكتشف أن مقابل "وامعتصماه" الأسطورية، ألف "وإسلاماه" كان جوابها مختلفا. وبلغ الأمر غاية وضوحه في زمن عثمان بن عفان الذي فتق بطن عمّار بن ياسر ضرباً وركلاً، وكسر أضلاع إبن مسعود حِبِّ رسول الله، ونفى أبا ذر إلى الربذة، فقتل المسلمون خليفتهم، وتم قتله بيد صحابة وأبناء صحابة. ومن بعدها خرجت الفرق الإسلامية تحارب بعضها بعضا وتكفّر بعضها بعضا، حتى مات حول جمل عائشة خمسة عشر ألف مسلم، ومن بعدهم مائة ألف وعشرة من المسلمين في صفّين، لا تعلم من فيهم من يمكن أن نصفه بالشهيد ومن فيهم من يمكن أن نصفه بالظالم المفتري!
أما عن زمن معاوية وولده يزيد فحدث ولا حرج عما جرى لآل بيت الرسول، وكيف تم جز رأس الحسين لترسل إلى العاصمة، وكيف تم غرس رأس زيد بن علي في رمح ثم غرسه بدوره فوق قبر جده رسول الله!. وإن ينسى المسلمون السُّنة، فإنَّ بقية الفرق لا تنسى هذه الأحداث الجسام التي فرَّقتْ المسلمين فرقاً وشيعاً، كلها تمسَّحتْ بالدين وكان الشأن شأن سياسة ودنيا وسلطان.
وإن ينسى المسلمون أو يتناسوا فان التاريخ يقرع أسماعنا بجملة مسلم بن عقبة المري لتأديب مدينة رسول الله "يثرب" ومن فيها من الصحابة والتابعين بأمر الخليفة القرشي يزيد بن معاوية. فقتل من قتل في وقعة الحرة التي هي من كبرى مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها ألف عذراءٍ من سفاح واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة والصحابيات.
أما زياد بن أبيه، والي الأمويين على إقليم العراق، فقد شرَّع القتل بالظنة والشبهة حتى لو مات الأبرياء إخافة للمذنب، وشرَّع قتل النساء. أما نائبه الصحابي "سمرة بن جندب" فان يديه قد تلوثتا فقط بدماء ثمانية آلاف من أهل العراق على الظن والشبهة، بل اتخذ تطبيق الحدود الإسلامية شكلاً ساخراً يعبر عن تحكم القوة لا حكم الدين، كما في حال "المسود بن مخرمة" الذي نددَّ بشرب الخليفة للخمر، فأمر الخليفة بإقامة الحد إحقاقاً للشرع لكن على المسود بن مخرمة.
ثم لا تندهش لأفاعيل السلطة وشهوتها في التقوى والأتقياء. فهذا الملقب بـ"حمامة المسجد" عبد الملك بن مروان لكثرة مكوثه في المسجد وطول قراءاته للقران وتهجده ليل نهار، يأتيه خبر أنه قد أصبح الخليفة فيغلق القران ويقول له: "هذا آخر العهد بك"، ثم يقف في الناس خطيباً فيقول:"والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا وإلا ضربتُ عنقه".



ولابد أن يجد الحجاج بن يوسف الثقفي هنا ولو إشارة؛ لأنه كان المشير على الخليفة؛ ولأنه من قام على إصدار النسخة الأخيرة من القرآن بعد أن عكف مع علماء الأمة على تصويب الإصدار العثماني وتشكيله وتنقيطه بإشراف شخصي دائم منه، ولم يثبت عليه حب الخمر أو اللهو. لكنه كان أيضا هو الرجل الذي ولغ في دماء المسلمين، وكانت مخالفته في أهون الشئون تعني قص الرقبة، فهو الذي قال:"والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الذي يليه إلا ضربت عنقه". وهو أحد خمسة ذكرهم عمر بن عبد العزيز قبل خلافته في قوله: "الحجاج بالعراق والوليد بالشام وقرة بمصر وعثمان بالمدينة وخالد بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا".
وقد سار الحجاج على سنَّة سلفه زياد في إعدام النساء والقبض على أهل المطلوب حتى يسلم نفسه، ومنع التجمهر، وإنزال الجنود في بيوت الناس ووسط العائلات يلغون في الشرف كيفما شاءوا إذلالاً للناس وكسرا لإنسانيتهم، حتى انه أعدم من العراقيين في عشرين سنة هي مدة ولايته مائة وعشرين ألفا من الناس بقطع الرأس بالسيف أو الذبح من القفا أو الرقبة، دون أن نعرف من هم هؤلاء الناس ولماذا ذبحوا اللهم إلا على الاحتجاج على ضياع كرامة الإنسان، أو لمجرد الشبهة والظن.
وقد وجد هؤلاء السادة في الذبح والحرق لذة وسعادة، بل فكاهة دموية. ففي فتوح جرجان سال أهل مدينة طمسية قائد المسلمين سعيد بن العاص بن عم الخليفة القائم عثمان بن عفان الأمان، مقابل استسلامهم على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، ووافق القائد سعيد ففتحوا له حصونهم فقرر الرجل أن يمزح ويلهو ويضحك، فقتلهم جميعا إلا رجل واحد!
وعندما وصل العباسيون إلى السلطة بدأوا حملة تطهير واسعة شملت من مواطني دمشق خمسين ألفا تم ذبحهم، وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. ولما استقام لهم الأمر استمروا على النهج الأموي في ظلم العباد وقهر آدمية الإنسان، وهو ما كان يدفع إلى ثورات، تنتهي بشي الثوار على نيران هادئة، أو بمواجهتهم للضواري في احتفالات رومانية الطابع.
وهكذا كان الإنسان سواءً مواطناً عادياً كان، أم كان في جيوش السلطان، في مقتطفات سريعة موجزة مكثفة من تاريخنا السعيد وزماننا الذهبي الذي يريد الدكتور محمد عمارة استعادته، لماذا؟ يقول لنا تحت عنوان "مميزات الدولة الإسلامية"، إن الشريعة الإسلامية فيها "تفوقت على غيرها من كل الشرائع والحضارات والقوانين الدولية، في أنها جعلت القتال والحرب استثناء مكروها لا يلجا إليه المسلمون إلا للضرورة القصوى". لذلك يرى الدكتور عمارة: "أن الدولة الإسلامية لم تخرج عن هذا المنهاج السلمي، حتى تضمن الدولة للمؤمنين حرية العيش الآمن في الأوطان التي يعيشون فيها"- مقالاته الحروب الدينية والأديان السماوية 7،8".

لكن ماذا عند سيادة الدكتور ليقوله بشان تلك الجسام الجلل في تاريخ ما يسميه الدولة الإسلامية؟!.



وإعادة الإمبراطورية القوية مرة أخرى. لقد كان زمنا ذهبيا بكل المعاني الذهبية بالنسبة للسادة الفاتحين الغزاة الحاكمين وحواشيهم من سدنة الدين وتجار البشرية، لكنه كان زمانا تعسا بائسا دمويا بالنسبة للمحكومين المغزوين المفتوحين.
وإذا قيل هنا أن ذلك كان منطق ذلك العصر، فلا خلاف أبداً حول قول القائل. وإذا قيل إنه لا يصح محاكمة ذلك الزمان بذوق زماننا الأخلاقي، أيضا ليس ثمة خلاف. لكن الخلاف ينشأ فور القول باستعادة هذا الشكل من الحكم والأنظمة بحسبانها الأمل والمرتجى. هنا لابد أن نحاكمها بذوق أيامنا، لنرى إن كانت هي الحلم المنشود والأمل المفقود، أم ستكون هي الختام لخير أمة أخرجت للأنام!