السبت، 18 أكتوبر 2014

كولن ولسون يكتب عن فاضل العزاوي:-"آخر الملائكة" رواية عن قرون من ثقافة العراق


كولن ولسون يكتب عن فاضل العزاوي:
"آخر الملائكة" رواية عن قرون من ثقافة العراق


ما يعرفه معظمنا عن العراق يبدأ مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية في العام 2003. كل صورنا الذهنية عن هذه البلاد هي عن سجن أبو غريب، العنف الطائفي والأفلام الإخبارية التي تنقل صور أولئك المصابين في تفجيرات القنابل. "آخر الملائكة" تتيح لنا أن نعيش أجواء عراق مختلف عن كل ذلك.

تدور أحداث الرواية في بداية الخمسينات في حي إسمه جقور في مدينة كركوك التي يتميز المجتمع فيها بالتعددية الثقافية: هناك نلتقي عربا وتركمانا وأكرادا وبدويين وغجرا، فضلا عن شخص من أصول إفريقية. معطم الأبطال مسلمون، على الرغم من أن العديدين منهم لا يقصرون في احتساء الكحول. المسيحيون واليهود حاضرون أيضا، ولكن في الغالب على هامش الأحداث.

ولسكان محلة جقور حصتهم أيضا من الأشباح والموتى الأحياء والملائكة الصغيرة المتنكرة. ثم هناك الإنكليز الذين يديرون صناعة النفط المحلية، وسلوكهم على العموم شاذ وغريب على السكان. وأبطال الرواية يحملون وجهات نظر سياسية مختلفة ــ كان من السهل على الشرطة السرية التعرف على الشيوعيين المحليين لإمتلاكهم جميعا شوارب كثة، تقليدا لشارب ستالين. وفي مشهد آخر نلتقي في حفل ديني شبحا ينتقد من وجهة نظر إسلامية الرئيس المصري جمال عبدالناصر.

معظم الكتاب مصمم على أساس كونه كوميديا إجتماعية تدور بصورة خاصة حول عبثية سلوك النخبة في مدينة صغيرة. على سبيل المثال، ثمة فكاهة تتركز على الملالي، تكاد تقترب من طريقة تناول "الأب تيد" في نقد القسس ("الأب تيد" كوميديا تلفزيونية بريطانية شعبية إشتهرت في التسعينات، تدور حول حياة ثلاثة قسس يعيشون في جزيرة نائية). ومع ذلك فإن للكتاب طريقته اللولبية بعض الشيء في التحدي الذي يمكن أن تقدمه الرواية كجنس أدبي. الكوميديا تلقي بظلالها هنا على مشاهد الصراعات الإجتماعية لتمهد الطريق لحكايات عن عالم روحاني آخر.

في نقطة معينة مثلا يتناهى الى أسماع الناس في الحي أن شركة النفط التي يسيطر عليها الإنكليز تخطط لشق طريق يخترق المقبرة، فينفجرالأهالي في مظاهرات غاضبة، مما يؤدي الى إطلاق الشرطة السرية النار عليهم فيقتل حلاق يدفن بعد تشييع شعبي هائل لجثمانه. في الليلة التالية تقع المعجزة. ينفتح ضريح الحلاق ليتدفق منه عمود ضوء يعشي الأبصار ويرى الناس الميت يرتفع الى السماء في طريقه الى الفردوس، على ظهر البراق،الفرس الخاصة بالنبي، ثم يعقب ذلك ظهور طيور أبابيل سحرية في السماء تلقي بحجارة من سجيل على الشرطة الذين يلوذون بالفرار.
تتغير نبرة الكتاب في الفصول الأخيرة، حيث يقدم الكاتب وصفا لإنقلاب 1958 الذي أدى الى تشكيل الجمهورية العراقية. في النهاية يخرج بطل الرواية الشاب الى المنفى ثم يعود ثانية الى المدينة بعد سنين طويلة.

من خلال ذلك يرجع بنا مرة أخرى الى الحاضر. ترينا رواية "آخر الملائكة" أكثر من أي عمل آخر قرونا من الثقافة العراقية المتجذرة عميقا في القدم. إن موشورها اللوني المتغير (كلايدوسكوب) الذي تلتقي فيه كل العناصر يعكس صدى الغنى والتعقيد الذي يمتلكه ذلك المجتمع.
إنها رواية رائعة بحد ذاتها، كما سيجد فيها الكثير من القراء الإلهام لمواصلة الكفاح من أجل وضع نهاية للحرب.  

                                                     كولن ولسون عن "سوشيالست ريفيو"
                                                           عدد أيلول (سبتمبر) 2007
Al-Azzawi.Fadhil@t-online.de

ليست هناك تعليقات: