بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 13 يوليو 2013

قصص قصيرة-بلقيس الدوسكي

3 قصص قصيرة

بلقيس الدوسكي
هي والقمر

    كان ليلا ً بلا نوافذ، والقمر يبحث عن وسادة بين النجوم يضع عليها رأسه المثقل بهموم النيازك التي كانت تنتحر بين حين وآخر وتتحول إلى شظايا على حافة الأرض. وكانت أميرة تقرأ سورة الكرسي بإيمان مطلق لأنها كانت تخشى ان تداهم صومعتها الأرواح الشريرة.
    أعواد البخور تعطر بأريجها أرجاء البيت، ومسبحة أمها لا تفارق صدرها، فهي قلادتها المفضلة. الكتب متناثرة هنا وهناك، وهي زادها اليومي.
   من يراها للوهلة الأولى يظنها عبثية متمردة على كل قيم الحياة، لكنها تحمل في أعماقها إنسانة أخرى. تبحث عن قمر ضائع في متاهات الوجود الذي وعدها برحلة في الفضاء البعيد.
   تجولت كثيرا ً فوق خارطة حياتها. أرهقها اللهاث وراء السراب وكاد الظمأ ان يقتلها. أضرمت النار في ثياب صبرها واغتالت حالة التراجع والخضوع إلى الأمر الواقع.
    ولكن عندما حاول الليل ان يكبح جموحها ويمتص حماستها امتشقت سيف جدها وقطفت رأس المستحيل وأضرمت النار في غابة الأوهام.
   ربما اعتبرها البعض لبوة شرسة لا تقيم وزنا ً حتى لطبيعة الغاب وشريعته، لكن من يقرأ سفرها يتأكد له بأنها الحمل الوديع الذي تعرض لأكثر من جرح من ذئب بشري.
 حاولت ان توصد الأبواب كلها بوجه الريح، لكنه كان يتسلل إليها من خلال الجدران لكي يحرمها من رؤيته القمر الذي توسد الظلام وأبكى نجومه.
    رفضت الاستكانة، وحكمت على الصبر بالإقامة الجبرية في دهليز الغضب وقررت ان تشق طريقها إلى ما وراء حدود المستحيل.
   إنها على موعد مع قمرها الذي فقد ضوءه في محيط الصمت والقلق وأبكى حتى نجمة الصباح التي تودع آخر فرصة للظلام.
     إنها تذرف الدموع السخية، وتحاور القلب بكل لغات يرضخ لمشيئتها.
    الليل مازال يرسم غيمة سوداء فوق أجفانها ليهزم أحلامها الوردية ذلك لأنه عدو النهار ولأن الورود كلها تعشق الشمس، وتمنح للنسيم شذاها. لكن أميرة كانت ولم تزل اصلب عودا ً وأكثر شجاعة من قراصنة الهموم جميعا ً، ومن لصوص الحب بلا استثناء. فهي رغم هذه التيارات المشاكسة ستبقى تبحث عن قمرها. 



وأنا في مهب العواصف


   كان الفجر مازال يرتدي معطف الليل والنجوم مازالت معلقة في عمق الفضاء وهي ترنو من بعيد إلى ما يدور على وجه الأرض. كانت الأبواب كلها مقفلة والمدينة تغط في نوم عميق عندما أيقظتني  هواجسي وأفقدتني لذّة الكرى، شعرت ان قافلة محملة بالصراخ تجوب في أروقة كياني وتنثر الصداع في راسي.
    ألقيت نظرة مضطربة إلى الشارع الطويل الممتد من نقطة الصفر إلى نقطة الفراغ فرأيت نفسي وهي تتسلق أعمدة الكهرباء لتسرق نقاط من الضوء لتبدد بها الزوايا المظلمة في أزقة الروح، إلا أنها تعرضت إلى صعقة كهربائية ألقت بها إلى الرصيف المقابل لرصيف الزمن.
    استطعت ان أسعفها في الوقت المناسب وأعيد لها الحياة لكنها ظلت تعاني من عقدة الخوف، وهي مازالت تخجل من مواجهة الروح التي وعدتها بومضات الضوء، لكن الروح مازالت حزينة على ما حدث للنفس.
   وعندما استيقظ الصباح من غفوته وتلاشت أحلامه الكثيرة راح يهرول على بساط الشمس بكل قواه، ثم رشق الروح بهالة من الضوء غمرت كل جوانبها فعانقته النفس لأنه جلب للروح من الضوء ما يعادل الملايين من ومضات ضوء أعمدة الكهرباء.
     جلس الصباح عند باب صومعتي بعد ان أتعبه الركض الطويل، فطلبت منه ان يدخل إلى صومعتي لكنه اعتذر ورفض بإصرار:
ـ لماذا يا سيدي الصباح الجميل، لماذا ترفض دعوتي..؟
ـ أنا لا ادخل إلى الأماكن الباكية التي تصرخ في أرجائها الهواجس ..
ـ إذا ً، ساعدني على إذابة جليدها بحرارة شمسك.
ـ ابحثي عمن له القدرة على إذابة هذا الجليد المزمن، وهذه المهمة ليست من واجبي، وإنما هي من واجباتكم انتم يا أبناء ادم وحواء، لأن جليد صومعتك ليس من صنع الشتاء وإنما هو من صنع الإنسان، ونادرة هي الوحيدة القادرة على إذابته.
ـ لكن الإنسان الذي تقصده مازال في ظهر الغيب.
ـ هذه مشكلتك أنت.
ـ وأين أجد الحل لهذه المشكلة..؟
ـ لا استطيع التنبؤ.
    ثم نهض الصباح وتلمس قدميه اللتين أخدرهما الجلوس الطويل، ثم التفت نحوي وقال:
ـ لقد انتهى زمني المحدد. وداعا ً والى لقاء آخر، فقد حان زمن المساء.
    ذهب الصباح الجميل، وحل مكانه المساء، مساء الهواجس والقلق والجليد، وبدأت النفس تعاني من جديد. والمسافة شاسعة بين النار والجليد، وأنا في مهب العواصف.





سفينة نوح


    على الجدران الخلفية يرتعش الضباب، والفرشاة أرهقها الصراع مع الألوان، وهناك عيون في زاوية أخرى، ظلت تقرأ سطورا ً مبهمة حتى داهمها النعاس ونامت في معطف الليل.
    تداخلت الأشياء بالأشياء. فامتدت يد من العتمة لتوقظ حصانا ً أعمى افقده اللهاث بصره، لكنه رفس الجدار الأول فانهار جسد الزمن الذي كان يبحث عن نفسه في تلك اللحظة الهاربة منه.
   وبدأ الضجيج، فاستيقظت العيون وبدأ المطر فاحدث طوفانا ً رهيبا ً في غابة الصمت، غرقت أشجار عملاقة ونجت من الغرق براعم صغيرة كانت تحبو في أحضان الغابة، وهناك، على المدى البعيد، كان الصدى لصوت ينطلق من وراء الأفق، يتردد في أعماق الأودية التي لم يغمرها الطوفان بعد..
   ينادي المتدثرون بالجليد، أضرموا النار في قمصانكم لكي تضيء لكم الدرب نحو بر الأمان واخرجوا من جلودكم المتهرئة التي لم تعد فيها مكان لذنوب أخرى، ثم ساد الصمت من جديد.  واقتربت الأعاصير على أجنحة من الطين القديم وهي تنذر بالقضاء على كل من يقف متحديا ً لها..
   رقصتن الأفاعي ظنا ً منها بان قرار الأعاصير لا يشملها. لكن الأعاصير كانت لا تعرف المساومة.
     وارتعش الضباب ثانية على الجدران الثلاثة بعد انهيار الجدار الرابع على جسد الزمن الذي كان يبحث عن اللحظة الهاربة التي كانت وراء هروب نفسه...
   وعلى اثر صرخة هزت الصمت ثانية، حفر البعض خندقا ً لنفسه في أعماقه، لكن هذا البعض لم يهيأ منفذا ً له، فالطوفان غطى كل العيون، وربما ساعدته على ارتفاع مناسيبه.
    كانت وراء الأفق البعيد، وعلى مسافة لا احد يعلم مداها، شجرة مازالت مورقة، ولكن، من أية فصيلة هذه الشجرة ..؟
    الوقت قد فقد مسافته، الليل لا يعرف انه ليل، والنهار لا يشبه نهاره القديم، ترى هل اقتربت النهاية..؟ لا وجود للأرض، فالطوفان يغطي الحياة برمتها. وسقط آخر الجدران بفعل الأمواج العاتية.
ثم جاءت حمامة بيضاء تحمل غصنا ً من شجرة الزيتون، ونزلت ورقة مقدسة من السماء تبشر من تبقى. ستعود الحياة من جديد. لقد غسل الطوفان ذنوب الأرض، وسترتفع الجدران من جديد، وتنمو البشرية..انظروا...انظروا جيدا ً...وابشروا لقد أقبلت سفينة نوح!


20قصة قصيرة جدا ً0 عادل كامل



20    قصة قصيرة جدا ً






عادل كامل
[1] رماد
ـ آن لك أن تموت.
  لم يعترض، فقد انشغل بمراقبة حلقات الدخان تتموج أمامه، غير مكترث للسؤال الذي طالما شغله: ما الذي يجعل الأشكال منتظمة..؟
   كانت الغرفة التي احتجز فيها ضيقة، لها باب حديدي وليس فيها نافذة. ثمة مصباح يشع لونا ً رماديا ً، والآخر، الملثم، مازال يحدق فيه، بصمت، فمكث يراقب دوائر الدخان ترتفع إلى الأعلى، ولم يخطر بباله السؤال الذي أربك حياته: لماذا ولدت!
    قال الآخر، يحدّث نفسه، بصوت مسموع:
ـ ما الذي انتظره ..؟
   رفع المخطوف رأسه، قليلا ً،ولم يفتح فمه، إنما شعر انه لم يعد يمتلك أسئلة. فهو يموت بسبب مصادفة، عندما غادر بيته لشراء علبة سكائر، لا أكثر ولا اقل. وكاد يقاوم ابتسامة غامضة منه حسبها الآخر اعتراضا ً، أو لا تخلو من الاستفزاز، فخاطبه بصوت حاد:
ـ هل لديك ما تريد ان تقول ...؟
ـ الآن لم اعد ابحث عن أسباب الموت!
      بعد ذلك وجد انه لا يمتلك سيكاره أخرى يدخنها، فترك بصره يحدق في الرماد، فوق الأرض، إنما الأشكال رآها تحولت إلى ذرات مبعثره، من غير نهايات.

[2] حلم
   ممنوع ان تفكر، ممنوع ان تعمل، ممنوع ان تحلم!
   وراح يكرر، مع نفسه، الكلمات بفم مغلق. إنما ـ وهو يراقب المارة في طريق عودته إلى البيت ـ: تستطيع ان تفكر شرط ان لا تفكر. وتستطيع ان تعمل من غير لفت نظر احد، وتستطيع ان تحلم، فقط، عندما تدرك انك لم تعد تحلم!

[3] جثث
  ثلاث جثث، أربع، جثة واحدة لرجل يبتسم، وأخرى، بلا ملامح..
    ولم يرفع يده لتلمس رأسه، لأنه، لم يعد يفكر ما اذا كانت الرصاصة قد استقرت في رأسه، أم إنها مازالت لم تصل بعد.
    عندما آفاق، وجد ظله يتتبع خطاه:
ـ لا تكترث، لأن المسافة بين موتك وحياتك تلاشت منذ زمن بعيد!
[4] أصوات
ـ آه...
 ودار بخاطره، انه مازال يمتلك قدرة سماع الأصوات تلامس نهايات الرأس!
وآفاق، ذلك لأنه انشغل بالعثور على الفجوات التي تأتي منها الأصوات:
ـ لا جدوى ...، إنها الأصوات ذاتها التي سبقتني في الوجود، الأصوات ذاتها التي سكنت راسي، وهي، وحدها، ستغادر!
 [5] تأمل
   عندما خطر بباله سؤال: كيف تتدبر الأشجار حياتها، أدرك إنها تعمل، بنظام لا يتطلب الشك الذي كاد يدفعه للتوقف عن العمل، والاكتفاء بالمراقبة. فذهب إلى الشجرة التي زرعها قبل نصف قرن، ولكنه اضطرب، وكتم السؤال، لأنه سمعها تطلب منه ان لا يتركها عطشى، وان يحميها من المارة. آنذاك وجد انه يقاوم وهنه، من غير تفكير.
[6] ومضات
   خلع رأسه ووضعه بمحاذاة جهاز التلفاز، ثم غادر البيت. ذهب إلى دائرته، فلم يستوقفه احد، خلال اجتيازه عددا ً كبيرا ً من المفارز، والسيطرات، ويسأله احد لماذا تخلى عن رأسه، وما الغاية من ذلك، لكنه كتم السؤال، من غير تفكير، بالبحث عن إجابات. عندما عاد إلى البيت، لم يخطر بباله انه فقد شيئا ً. تناول طعامه، وشرب كأسا ً من اللبن، ثم ترك جسده يدب، باتجاه سريره. عندما رقد، ليسأل نفسه: كيف كان يفكر..؟ فنهض، مهرولا ً، وامسك برأسه، بأصابع متوترة، لكنه، بدل ان يعيده إلى جسده، حمله بعناية وذهب إلى الحديقة، ودفنه عند إحدى الأشجار، عميقا ً، آنذاك لم يكرر السؤال: كيف كان يفكر، بل وجد نفسه، يرتل، بصمت، الكلمات ذاتها التي كانت تلامس جسده برمته، إن كانت بفعل الريح أو بفعل ومضات نجوم نائية.
[7] قرار
   عندما القوا القبض عليه، فتشوا حقيبته، وملابسه، فلم يعثروا إلا على مجموعة من الهويات، والوثائق تحمل اسما ً واحدا ً، رغم تنوع جهات الإصدار، فسأله احد الملثمين:
ـ أتسخر منا ..؟  فلم يجد إجابة عدا الاستيلاء على سلاح احدهم وإشهاره في وجوههم، والاختباء خلف جدار:
ـ ليس لدى إلا هذه الهوية!
 
[8] شرود
   عندما طلب جاره منه ان يطلق النار، في لمحة، استعاد كيف توارى خلف الأشجار: كانت العائلة ذاهبة إلى الصيد، وما ان اقتربت الطيور منهم، إلا وزعق عمه: صوبوا...
    عاد جاره يخاطبه بصوت مرتبك:
ـ أطلق، فهم يقتربون.
   فراح يراقب عمه يصوب بندقيته ويطلق النار، مصغيا ً إليه: اصطدتها!
ـ لا!
فقال جارة يخاطبه فزعا ً:
ـ أنهم يقتربون منا، لماذا لا تطلق النار...؟
    لم يستطع ان يخبره انه منذ ذلك اليوم، قبل زمن بعيد، لم يخرج إلى الصيد، ولم يكلم عمه، ولا من اشترك في الصيد.
ـ سيمسكون بنا، وسيمثلون بأجسادنا، ويرموننا إلى المزبلة، إن لم ندافع عن أنفسنا.
    لم يجد مكانا ً يهرب إليه، ويتوارى فيه، فقد وجد الجميع يصوبون بنادقهم باتجاه مجموعات زاحفة من الطرف الآخر، من المدينة، وليس إلا أصوات الرصاص تصدع سكون الليل.

[9] غبار
    بعد ان شذّب النحات الصخرة من الزوائد، وحولها إلى مكعب، وجدها مازالت تدندن، حتى كاد يتخلى عنها، ويهملها، لولا ان أصابعه امتدت إلى حبل، كان بجواره، تأمله، وتلمسه، ثم راح يشده بحلقات حول المكعب مرات عدة حتى وجد الصخرة تهمس بصوت خفيض:
ـ حتى لو قيدتني بالسلاسل، وليس بهذا الحبل، أو حتى لو قذفتني في بئر، فانا سأشهد انك كنت كتمت غيضا ً حتى استحال إلى ..
   لم ْ يفتح فمه، ولم يدع الكلمات تعمل داخل رأسه، بل ترك الحبل يدور حول رقبته، ثم ترك جسده يتدلى فوق ظل رآه يغادر. آنذاك سمع الصخرة تخاطبه:
ـ حتى ..استحال .. إلى مكعب، وجسده إلى غبار.
[10] العميان
 ـ لا تنظر إلى ...
   رفع رأسه، مبتسما ً، وقال لها:
ـ أحيانا ًيعبر الأعمى من النهار إلى الليل، وأحيانا ً يعبر من الليل إلى النهار...، وأنا، ليس لدي إلا ان ارفع بصري من الأسفل إلى الأعلى، ومن الأعلى إلى الأسفل...، تارة أخرى.
  ـ إنها حكاية عميان.
ـ بل كلمات عمياء في الحكاية التي يرويها العميان.
    انه القبر، ندخله كي نخرج منه، ونخرج منه كي ندخله. ورفع صوته قليلا ً:
ـ وحدهم ...، وحدهم القتلة، لا ينطقون، ولا يتكلمون، إلا هذا ...، الذي يعيدنا إلى الأصل.
ـ كنت احلم ان تنظر في عيني، في النصف الأعلى من جسدي، في الومضات، وألا ينخفض بصرك إلى ...
ـ في الومضات التي اتحدت بتراب الأرض، فخرجت منها بذرة الخلق، أنا وأنت، كي نعود إليها من غير هذا المرور، بالوسط، الذي منحنا القليل من النور، إنما كي ندرك كما الظلمات بلا حافات.
[11]  حوار
     يقال إننا، في العصور السحيقة، كنا نعيش في حديقة خالية من الجدران، واليوم، قال لها، بعد ان أصبح زوجا ً لها، وبعد ان أصبحت زوجة له، وهما يغادران دار العدالة: لا حديقة لنا.
   لم تصغ إلى كلماته، كانت منشغلة بصوته، لكنها أصغت إليه، بعد سنوات، يقول لها:
ـ كما أخبرتك، في ذلك اليوم، إننا ولدنا في هذه المكعبات، السراديب، الصناديق، الأقفاص، ولم تكن هناك حديقة، ولا بساتين، ولا برية، بل ولدنا داخل تلك الفراغات المحاصرة بالفراغات، وداخل تلك الممرات، وتلك الجدران.
     فلم تجب، لأنها كانت ترقد وبصرها لا يذهب ابعد من صوتها، في فضاء الغرفة، فيما لم تعد تميز لون السقف، وما اذا كان يبتعد عنها، أم كان يقترب من جسدها، وقد كفت عن تذكر الكلمات.
[12] ادوار
ـ أنت كن الذئب، وأنت كن الأفعى، أنت كن وديعا ً مثل حمامة، وأنت كن كالأسد في بطشه، أنت تعلم زهو الطاووس، وأنت تدّرب على المراوغة، أنت اخف سمك، وأنت لوّح به، أنت امش كغزال، وأنت تعلم صبر التمساح، أنت كن ثعلبا ً، وأنت كن ثورا ً. أنت كن كالنملة، وأنت كن كالفيل ......،
       وأنا، دار بخلده، ماذا سأكون عليه..؟ لم يجد ـ وهو يتابع الإصغاء ـ فسحة للكلام، إلا عندما وجد انه يؤدي الدور الذي ما ان يبلغ ذروته، حتى يكون قد بدأ به من جديد.
   آنذاك لم يفتح فمه، فما من كلمات كانت لديه. إنما سأل نفسه: وهل كانت ثمة كلمات...؟
[13] زيارة
    استعاد، في لمحة، وهو يحدق في عيني النمر، القابع خلف القضبان، انه، انه في ذات يوم، في الغابة، هو الذي افترسه، أو كان واحدا ً من أسلافه. فرفع رأسه إلى الأعلى، كانت بضعة غربان تراقب المشهد، فتخيلها تنقر أعلى رأسه. حدق يسارا ً فلم ير إلا مجموعة ذئاب، بجوارها، غزلان، وطيور ملونة تزقزق، يمينا ً، كانت هناك أفعى وحيدة ...، فلم يصرخ، ولم يستغث، ولم يهرب ويغادر الحديقة، بل وجد قواه وقد خارت، فقد كانت ثمة أنياب، أكثر حدة من النظرات، تخترق جسده.
   أحس، قال في نفسه، كأنها لذّة من لا يمتلك قدرة على الاعتراض. آنذاك أكمل زيارته، في ذلك الصباح، وتأمل باقي الأنواع، إنما لم يعد يحلم ان يذهب إلى البرية. ففي المدينة، دار بخلده، لا تعرف من روّض من ...؟
[14] القائد
    طلب من أتباعه، بأمر لا تريث أو اعتراض عليه:
ـ أنت كن ممثل اليمين، اليمين المتطرف، وأنت اخترع لنا يسارا ً جذابا ً، وأنت كن ممثل الوسط، الوسط من غير يسار أو يمين، وأنت لا تذهب ابعد من دورك، وأنت أتقنه، ولكن لا تغطس فيه، أنت كن المراقب، وأنت راقب من يراقب، وأنت كن هناك وهنا، وكن هنا وهناك، وأنت لا تكن هنا ولا تكن هناك، أنت، وأنت، وأنت كن مخترع الآمال، وأنت اخترع لنا ما بعدها، ولا تخلط بينهما، وأنت ناور، وأنت تعلم كيف تتوارى عندما نطلب منك الظهور، وأنت أد ْ الدور الآخر، كن مرئيا ً ما ان نطلب منك ان تغيب، وأنت، وأنت، وأنت....
     فدار بخلد احد الحاضرين، وهو ينتظر ما سيوكل إليه، انه لا يجيد أداء أي دور من هذه الأدوار!
ـ وأنت...؟
ـ أنا ..؟
ـ كن كما تشاء، شرط ان تؤدي دورك بمهارة..
     لم يغضب، دار بخلده، إنها المقدمات ذاتها، ألا تكون هناك، يعني، ألا تكون هنا، وان تكون هنا، يعني ألا تكون هناك؟
قال السيد القائد موجها آمره إليه:
ـ لا تسرق دوري!
    بعد ذلك الاجتماع، لا احد يتذكر، انه نطق بكلمة، فقد أوكلت إليه مهمة رعاية مصائر من لا ادوار لهم.
[15] رغبة
    في العصور السحيقة، لم تكن ثمة كلمات، كانت الأرض وحدها تضج بصخب عناصرها، أمطارها وبراكينها ورياحها...، وخاطب المرأة التي أخبرته، قبل قليل، بحملها:
ـ وكانت الأرض هي التي أنجبت المرأة، من الماء والتراب والنار والهواء، فأحبته. كان هو النور، فحبلت منه بالكلمة. وشرد صوته:
ـ فلم تكن الكلمة، هي، في البدء، كانت ـ هي ـ الأرض، ثم النور، ثم ولدت الضوضاء.
   ولم يسألها بماذا حبلت، بعد سنوات من الانتظار، من الموت والولادات، ومن الولادات والموت، إنما  ـ ولم يفتح فمه بكلمة ـ ود لو أعادته إلى الظلمات، بحثا ً عن النور، الذي لم يصبح كلمة!
[16] س
ـ هو ذا أنت...؟
    في السرداب، تأمل الوجوه، بعد ان آفاق: نعم، هو ذا أنا. كانوا غرباء، ولا يتذكر انه أساء إلى احد منهم، فأنا، دار بخلده، عشت حياتي كنبات.
   فقال من غير تردد: اعترف أنكم تبحثون عن س..
ـ هذا ممتاز.
ـ ولكنني لست أنا هو س.
ـ هذا يعني انك تعرفه.
   أعرفه، خاطب نفسه، ومن لا يعرف ان كل إنسان، في هذا الكون، هو س...، وسبق ان ارتكب إثما ً.
  عندما أدركوا انه لم يكن هو المقصود، لم يعتذروا له، ولكنهم أشاروا إلى الباب:
ـ تستطيع ان تغادر.
    قرون، قرون أخرى مضت، وتبعتها قرون، حتى وجد انه يشاركهم البحث عن س.
[17] كلمات
    لا يتذكر انه قال لا أبدا ً. فلم يعترض، عند ولادته، على الضوء أو على الضوضاء، ولم يعترض انه خرج من الظلمات إلى النور، وانه سيرجع إليها، بعد حين، ولم يبد أدنى تردد في الذهاب إلى المدرسة، وإكمال دراسته، وتدرجه في المناصب، والمسؤوليات، وتسنمه أخيرا ً لمنصبه الجديد. لا يتذكر أيضا ً انه قال نعم! حتى عندما اشرف على مراسيم وداع كل من لم يقل لهم لا، فالحياة، قال لنفسه، لا تعمل بالكلمات.
   ولكن هل عليه ان يعترض، على المنصب الذي لم يحلم ان يشغله، أو يقول نعم، ويترك الحياة تذهب من غير كلمات..؟
ـ سيدي...، آن لك ان تلقي الخطاب إلى الأمة...!
    لا يتذكر انه قال نعم، ولا يتذكر انه قال لا، تاركا ً الحياة تغادر، من غير كلمات!
[18] وثيقة

" هؤلاء، هؤلاء الرجال، إلى أين يذهبون ...؟" وبصوت خفيض سأل نفسه، وهو يراقبهم يأتون من جهات متعددة ويتجهون إلى ممر يقودهم إلى مكان طالما ذهب إليه، إنما خاطب نفسه من غير كلمات: كان ذلك عندما لم أكن بلغت السابعة من عمري، والآن تجاوزت السبعين.  
   كان لا يرى إلا بقعا ً رمادية، وأخرى لها أشكال متداخلة، متعرجة، فأغلق فمه كي لا يستنجد بأحد، لطلب المساعدة حتى بقليل من الماء.
   ولأنهم كانوا مسرعين، في مشيهم، وهرولة بعضهم، فان أحدا ً لم يلتفت إليه، أو يكون لوجوده، عند حافة الدرب، انتباه احد منهم. هو وحده كان يصغي إلى أصوات أقدامهم تدك الأرض، وإبصارهم متجه نحو السماء. آنذاك ترك رأسه يستقر فوق صخرة، غير مكترث لنبضات قلبه، وهي تنخفض، وصوته يغيب، فيما كانت أصداء أصوات أقدامهم مازالت تدك الأرض، وأبصارهم شاخصة نحو السماء.
[19] حرية!
     عندما أعيد، مرة أخرى، إلى زنزانته، لم يتردد في الاعتراف، انه كلما أطلق سراحه، يجد انه تقمص دور بطل فكتور هيغو، السجين الذي أطلق سراحه بعد هدم الباستيل، حيث لا تراه يبتعد، بل يرجع إلى سجنه طواعية!. وأنا ـ قال لمدير السجن ـ كلما قيّدت، امتلك قدرة أفضل على التفكير والعمل. فعندما قلتم لي: أنت حر ...، أدركت أنني قد قيدت بشروط أقسى من شروط الحرية:
ـ لأنني طالما أدركت ان الموت هو مصير كل كائن حي، وان زمن حياتي وجيز، في الأصل، ويتحتم علي ّ ان انتزعه انتزاعا ً، فان ركنا ً في زنزانة، في الأخير، لا يعادله قصر في هذه البلاد!
    الحرية، قال لنفسه، كلمة! إنما ان تبقى تحلم بها، لا ان ترى ما دفن في قاعها، يسمح لك ان تكون ضحية، لا ان تتحكم بالمصائر!
أجاب آمر السجن، هامسا ً:
ـ لا توجد ...، في بلادنا، سجون!
   فقال لنفسه، هذا يعني، هذا يعني تماما ً، ان الحرية لم تعد حتى كلمة!
[20] محنة
   بعد ان بلغ من العمر أرذله، استجاب الإمبراطور لطلبه، فمنحه حق قراءة ما يدور في رؤوس الآخرين، إنما، بعد لحظات، سأل الإمبراطور:
ـ أنا اعرف انك كنت تمتلك هذه الموهبة، واعرف انك قرأت ما كان يدور في رؤوس شعبك، ولكني أسألك، يا من أيامه دائمة، كيف استطعت ألا تقرأ ما كان يدور في أعماق نفسك ..؟
   ابتسم الإمبراطور، وقال:
ـ الآن لا اعرف هل ادعك تقرأ ما في عقول الآخرين، وما يدور في راسي، أم ان استجب لرغبتك، وأقول لك: لو كنت قرأت ما كان يدور في راسي، لكنت في عداد هؤلاء الذين لا وجود لهم!
Az4445363@gamil.com
12 تموز 2013لأ

الاثنين، 8 يوليو 2013

( شك ما يتخيط شكينه )-أهازيج ثورة العشرين-حامد كعيد الجبوري

( شك ما يتخيط شكينه )
أهازيج ثورة العشرين
حامد كعيد الجبوري
     لا أدخل بآليات صناعة الأهازيج وشرحها وسنذكر قسما مشهورا من هذه الأهازيج .
( بس لا يتعلك بأمريكا ) ، ومفادها أن قسما من الشيوخ أرادوا أن يستنجدوا بقوات أمريكية وحال الثوار دون تلك الرغبة ، ولكن ما حصل أن قوات الثوار تكبدت خسائر كبيرة في المعارك فقال مهوالهم ( كطان أحميد صرت آنه ) ، وحميّد هذا سماكا يرمي شباكه فأصطاد كما يظن سمكة كبيرة ( كطان ) ولكنها كانت صخرة علقت بشباكه ، بمعنى أننا لن نحصل على النجدة الأمريكية كصاحبهم ( أحميّد ) .
( هز لندن ضاري وبجاها ) ومعلوم أن الشيخ ضاري قتل القائد لجمن فقيلت له هذه الأهزوجة .

( الطوب أحسن لو مكواري )

أهزوجة مشهورة رددها الثوار عند قنطرة ( الرارنجية ) بعد أن غنم الثوار مدفعا بريطانيا بأسلحة بسيطة وهي الفؤوس و ( المكاوير مفردها مكوار) وهو عبارة عن عصا غليظة تنتهي بكتلة من القار المتماسك . 

 ( بلشها ونام أبسردابه ) قيلت بعد أن توفي أحد رؤساء القبائل وكانت الطائرات التي تشترك لأول مرة ضد الثوار لذا قيلت هذه الأهزوجة ودلالتها أن شيخهم تركهم وهم بحاجة له .
وقال مهوال آل أزيرج مخاطبا القائد البريطاني ( هملتن ) عندما أراد الهجوم على عشيرته
ذوله أفروخ الأزرج موش أهل لملوم
يهاملتن تأدب لا تزومش دوم
بالسنكي نريد أوياك نصفه اليوم
( رد لا تتدهده أبحلك آفه )
وخاطب المهوال محمد آل صيته عشيرته وهو يشاهد بنات آوى يأكلن جثث الجنود الأنكليز
واوي الكوت جايع وأعتنه متمور
يكول أشهل الربيعه أشكثر بيها أكسور
واوي العارضيه أيكله من يا خور
( يتكلب وأهله يندهونه )
قاد الشخ شعلان أبو الجون عشيرته بمعركة العارضيات الشهيرة  وهناك منطقة أخرى تسمى ( العارضيات ) أيضا بين الأنبار والفلوجة ، تقدم شعلان عشائره هازجا
بيه خير ويجثر عسكر وريلات
أسواريه وبياده وفوك طيارات
أبعزم الله وعزم حيدر أبو الحملات
( يتوزع وطروح أنشيله )
وقال أحد ( المهاويل ) للعارضيات هذه
هاي العارضيه الها عالدول معتاد
كل جيش اليطبها أيصيح منها الداد
الفاله أبظهر الآمر وصلت البغداد
( مشكول الذمه أعله الفاله )
والشاعر يقصد أن الشخص التي علقت ( الفالة ) بظهره كأنه سرقها من صاحبها لذا أشكل ذمة سارق الفالة وهنا تكمن روعة ( الحسجه ) العراقية .
ولعل من أجمل الأهازيج ما قاله شعلان أبو الجون مخاطبا أفراد عشيرته وهم يحرسون جسر ( السوير )  ويدافعون عنه ، وهو يعلم أن النسوة يخفن شن الهجوم المقابل الانكليزي ، وقد مثل القائد أبو الجون ( السوير ) حسناء يجب عليه الدفاع عنها  فقال
أكنللج يجامعة الحسن عيناج
فن كوكس وديلي أبعسكره يدناج
كون أهلج جفوج أحنه أبطرب جيناج
( خل يامن كلبج يرعيعه)
والرعيع : الخائف
( يالترعد بالجو هز غيري )
قالها الثوار بعد إسقاط طائرة بريطانية .
( تندار الدنيه وهذا آنه ) هذه الأهزوجة للشيخ عبد الواحد الحاج سكر.
وللشاعرة ( أفطيمة ) من عشيرة الظوالم أهزوجة جميلة فحين عاد أخا لها من المعركة سألته عن أبنها فقال لها ( جن لا هزيتي ولوليتي ) بمعنى أن ولدها قد أستشهد فأجابته على الفور ( هزيت ولوليت الهذا ) بمعنى أني ادخرته لهذا اليوم ، يوم القتال ، وامرأة أخرى شاعرة أسمها ( عفته بت أصويلح ) أسر البريطانيون ولدها وخشيت من أن يتعذر من فعلته وحمله البندقية مع الثوار وهو مار عليها مقيدا أسمعته ( بس لا يتعذر موش آنه ) بمعنى أني لست من ثار ضدكم ، فأجابها ولدها ( حطوني أبحلكه وكت آنه ) أي أنني وضعوني بفم الموت ولم أعتذر عن فعلتي ، وأخرى توفى زوجها وهو من عشيرة أخرى فعادت مع وليدها لأبيها ، وتربى الولد مع أخواله وحين بلوغه مبلغ الرجال تفجرت ثورة العشرين ، فشق على الشاب أن يقاتل مع أخواله ويترك أعمامه ولكن أمه أرغمته على البقاء مع أخواله حفاظا عليه كما تعتقد ، وحين تلاحمت قوات العشائر مع الانكليز وعرف الجميع ذلك قالت الأم مخاطبة ولدها المقاتل الغائب ( بس لا ما يتنخه أبخاله ) ، وفعلا لم يستنجد ذلك الشاب بخاله وأستأذنه باللحاق مع عشيرة أبيه وكانت له صولات تذكر ، وإحداهن هزجت لولدها المضرج بدمه وقد عض من طعنه من حنجرته فأرداه قتيلا وتوفي الشاب من طعنته فقالت أمه ( عفيه أبني الجاتل جتاله ) ، وامرأة من العمارة هزجت لولدها الذي أستشهد وهو بأيام عرسه الأولى فقالت ( عربيد أسم أمك يالهيبه ) .
وللشيخ عبد الواحد الحاج سكر هذه الأهزوجة
جميع الناس مني وأني أبيها
ومواجب سرت كثره وآنه بيها
طيور أم العلا رفت وآنه بيها
( تندار الدنيه وهذا آنه )
وللشيخ سلمان العبطان من الخزاعل مجمل أهازيج مسجلة له
( رد مالك ملعب ويانه )
و( للحله ونتباصر بيها )
و ( بالسيك أمربع واوينه )
و( مشتهيه الكل يا عنانه )
و مما ينسب له  ( ودوه يبلعنه وغص بينه )
وللشيخ ( عجمي السعدون ) هذه الأهزوجة
غذايّ الماطلي لوثار طريت
ثمل لو دخن البارود طريت
أنه سن البحر للميل طريت
( خل الطك للصد بالبيضا )
وللشيخ ( منذر آل فرعون ) هذه الأهزوجة
ما تنداس ثايتنه وحدنه
مبارد ما تحت بينه وحدنه
نشك أشكوك ونخيط وحدنه
( شك ما يتخيط شكينه )
ولم تكن الحلة الفيحاء بعيدة عن الأهازيج فهذا الشاعر الشيخ حسن العذاري يقول
حدنلي أبكل الناس والشر
ولا نتبع حجي النمام والشر
أحنه اللي أبحد الموت والشر
( والموته أبكل عز نشريها )
بعد انكسار عشائر ( المنتفج )  بمعركة الشعيبه وهروب الرجال صوب الشيخ ( خزعل ) أمير عربستان ، وكان الشيخ خزعل يسلي نفسه مع مواليه وقام أحد عبيده بالرقص أمامه تحركت دماء مولى للشيخ عجمي باشا من آل السعدون وخاطب الشيخ خزعل قائلا ( أنا عندي ما يرضيك أمير ) وأردف قائلا
أهي حرب أدول يخزعل ما هي درننكات
        وخلها لبو أمطشر خلفت البيكات
تتراكض صبايا تكسر الجيمات
( أسأل قنصلها أشسوينه )
درننكات / الطبل / آلة للعزف
وأهزوجة أخرى
يكوكس وين وجهك جوك أهل لملوم
نطلبك بالشعيبه وأعرضيت اليوم
لابد ما نسوي أعله السماوه أعلوم
( تستانس بيه حتى أمريكا )
وهناك ملاحظة تدل على الوعي السياسي للثوار فأمريكا كانت تطالب بحرية الشعوب يوم ذاك والأهزوجة معناها أننا سنهزم بريطانيا وتفرح أمريكا بذلك .
انقاتل بالسمه ونقاتل البلگاع
ولا بينه الجبان و لا بنا اليرتاع
واليجفل يخوتي يرخص المبياع
) ها حميّد جينا أنموت اهنا(
وأخرى
يبت وبت أخوتي تابع السيرة
ومن اكعد يخوتي تبطل الغيرة
 خالي ألما عرفني هاي هالحيرة
( حسباله أتطلب ييت انطيه )
الأهزوجتان أعلاه قالهما ( خيون صبر الدوشان ) .
وحين تشييع جنازة الشيخ ( عارف حمد  الفهد ) أنبرى ولده الشيخ ( حمد ) هازجا
ارخصوني عمامي خل اون اعليه
لا بهل الجنوب ولا وسط نلگيه
اهو سور العشيرة وللوزن نرجيه
( الموت من الله الما مر بيه )
وقال
ريض يل المشيع وين بيه تريد
چا يا هو الأعيده من يجيني العيد
ويا هو يسد مسدك گلي يوم الويد
( يل بين احسابك باطل تحصد بالزينين )
وأكمل قائلا
   يا عارف صدك تجفي وما تشوفك عين
وحاير باليــعوضك گلي اجيــبه أمنـــين
ما ينطـــينه فنتگ ردف طــگ البيـــــن
 )ان چان الحگ يتسولف هذا المشرك بالشريان(  .
وهناك ( مهوالا ) من سوق الشيوخ يعد أفضل ( المهاويل ) أسمه ( حامد سعدون ) له هاتان الأهزوجتان
لغز يبقى الرجل من يمتلك عگله
لما يحچي اتعرف اشخفة وشثگله
بالك بالسواد اتعير المگله
( ابنار العلية اتچوة وصار اسود لونه )
شوف اشحچت وشگالت الدوده
ادخلوا ابيوتكم والبوب مسدوده
لا يسحگم سليمان وجنوده
( قانون الدوده بنادم بلكت عدك )
وهناك أهازيج لم يصل منها ألا قفلها ( الهوسة ) 
( شرناها وعيّت يا هيزه )
و ( هيزه ) منطقة تلال شمال الناصرية حيث قبائل المنتفج ، يقول ( المهوال ) أننا أستشرنا منطقة هيزه بقبول المحتل فرفضت لذا قاتلنا لأجل رفضها هذا ، ويرى آخرون أن ( هيزه ) هذه امرأة من عشائر المنتفج  .
( من ذوله أتربع واوينه ) قالها أحد ( المهاويل )  أمام القائد البريطاني الذي زار العشيرة بعد ثورة العشرين وشاهد القائد كلاب القرية سمينة ومليئة باللحم ، بمعنى أن هذه الكلاب شبعت من جثث قتلاكم ، و ( أتربع ) من الربيع لأن الأغنام يتوفر لها المرعى في الربيع ، وقرن المهوال الأغنام بالذئاب وبنات آوى .
( سوالك مسند تركينه )
 قيلت أمام الملك فيصل بمعنى اننا من أوجد مملكتك ببنادقنا التركية .
وهناك معركة سميت بمعركة المخفر شاركت فيها عشائر الظوالم وبني حجيم وعشائر آل زياد ضد الجيش البريطاني واستمرت يوما كاملا كللت بنجاح العشائر ودحر الجنود الانكليز وأهزج مهوالهم مخاطبا قائده بل شيخ عشيرته شعلان أبو الجون ( يشعيّل يجري الشط هندو ) وشعيّل تصغيير لشعلان .