بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

نازك الملائكة رائدة الحداثة في الشعر



نازك صادق الملائكة (بغداد 23 آب - أغسطس 1923- القاهرة 20 حزيران - يونيو 2007) شاعرة من العراق، ولدت في بغداد في بيئة ثقافية وتخرجت من دار المعلمين العالية عام 1944. دخلت معهد الفنون الجميلة وتخرجت من قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة ماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن في أمريكا وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. عاشت في القاهرة منذ 1990 في عزلة اختيارية وتوفيت بها في 20 يونيو 2007 عن عمر يناهز 85 عامابسبب إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية ودفنت في مقبرة خاصة للعائلة غرب القاهرة,
يعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماة الكوليرا من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي. وقد بدات الملائكة في كتابة الشعر الحر في فترة زمنية مقاربة جدا للشاعر بدر شاكر السياب وزميلين لهما هما الشاعران شاذل طاقه وعبد الوهاب البياتي، وهؤلاء الأربعة سجلوا في اللوائح بوصفهم رواد الشعر الحديث في العراق.
ولدت نازك الملائكة في بغداد لأسرة مثقفة، وحيث كانت والدتها سلمى عبد الرزاق تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو "أم نزار الملائكة" أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلدا. وقد اختار والدها اسم نازك تيمنا بالثائرة السورية نازك العابد، التي قادت الثوار السورين في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي في العام الذي ولدت فيه الشاعرة. درست نازك الملائكة اللغة العربية وتخرجت عام 1944 م ثم انتقلت إلى دراسة الموسيقى ثم درست اللغات اللاتينية والإنجليزية والفرنسية في الولايات المتحدة الأمريكية. ثم انتقلت للتدريس في جامعة بغداد ثم جامعة البصرة ثم جامعة الكويت. وانتقلت للعيش في بيروت لمدة عام واحد ثم سافرت عام 1990 على خلفية حرب الخليج الثانية إلى القاهرة حيث توفيت, حصلت نازك على جائزة البابطين عام 1996.كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26 مايو/أيار 1999 احتفالا لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي والذي لم تحضره بسبب المرض وحضر عوضاً عنها زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة. ولها ابن واحد هو البراق عبد الهادي محبوبة. وتوفيت في صيف عام 2007م.
الملائكة أطلقه بعض الجيران على عائلة الشاعرة بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية
مجموعات شعرية:أهم مجموعاتها الشعرية:
عاشقة الليل 1947,نشر في بغداد, وهو أول أعمالها التي تم نشرها.
شظايا الرماد 1949.
قرارة الموجة 1957.
شجرة القمر 1968.
ويغير ألوانه البحر 1970.
مأساة الحياة واغنية للإنسان 1977.
الصلاة والثورة 1978.
من مرثية للإنسانأيّ غبن أن يذبل الكائن الحيّ ويذوي شبابه الفينان
ثم يمضي به محّبوه جثما نا جفته الآمال والألحان
وينيمونه على الشوك والصخ ر وتحت التراب والأحجار
ويعودون تاركين بقايا ه لدنيا خفيّة الأسرار
هو والوحدة المريرة والظل مة في قبره المخيف الرهيب
تحت حكم الديدان والشوك والرم ل وأيدي الفناء والتعذيب
وهو من كان أمس يضحك جذلا ن ويشدو مع النسيم البليل
يجمع الزهر كلّ يوم ويلهو عند شط الغدير بين النخيل
ذلك الميت الذي حملوه جثّة لا تحسّ نحو القبور
كان قلبا بالأمس تملأه الرغ بة والشوق بين عطر الزهور
كان قلبا له طموح فماذا ترك الموت من طموح الحياة
يا لحزن المسكين لم تبق أحلا م سوى ظلمة البلى والممات
مؤلفاتها:ونازك الملائكة إلى جانب كونها شاعرة رائدة فإنها ناقدة متميزة، وقد صدر لها
قضايا الشعر الحديث ،عام 1962.
التجزيئية في المجتمع العربي ،عام 1974 وهي دراسة في علم الاجتماع.
سايكولوجية الشعر, عام 1992.
الصومعة والشرفة الحمراء.
كما صدر لها في القاهرة مجموعة قصصية عنوانها "الشمس التي وراء القمة" عام 1997.
وللشاعر العراقي فالح الحجية دراسة مستفيضة عنها في كتابه موجز الشعر العربي

الاثنين، 22 أغسطس 2011

في حوار حول أختام عراقية معاصرة -عادل كامل:











في حوار حول أختام عراقية معاصرة
عادل كامل:
الفن المتحرر أن تحفر في موتك كي تلخص لغز الإنسان

حاوره: محسن حسن
ريشة محلقة في فضاءات التكوين والتشكيل والحلم ، طالما استلهمت عوالمها الأثيرية من رموز الغائب والحاضر معاً ، واستنطقت معطيات الكون الواسع الفضفاض في تجوالها الحثيث المستمر ، بحثاً عن وجودها الخاص وحضورها الأكثر خصوصية .. تارة تعطيك لوناً مخلوطاً بأثر ،
فتحملك إلى ماض عريق تليد بأثريته وملامحه التاريخية ، وتارة أخرى تمنحك إشكالات تعبيرية وتكوينية مغرقة في التجريد والتخييل والوصف ، فتحملك إلى تساؤلات شتى ، وتثير فيك نوازع التحليل العميق والتأمل الدقيق لما عساه يوجد خلف تلك الإشكالات من دلالة ومعنى .. تلك هي ريشة الفنان التشكيلي العراقي عادل كامل ؛ حاضرة بحضوره ، مهمومة بهمومه وعالمه ومحنته الوجودية ، علاقة ثنائية فائقة الدلالة والعمق ، بين ريشة وفنان ، كلاهما وهب نفسه للحياة بكل أسرارها ومعطياتها المفرحة والمحزنة ، في مشوار طويل ملؤه البحث عن جماليات الحس والمعنى ، وتجليات الإنسانية السفلى والعليا ... في هذا الحوار مع الريشة والفنان تساؤلات مشروعة وإجابات أكثر شرعية ومشروعية .
بداية إلى أي فضاءات التشكيل حطت ريشة عادل كامل واستقرت؟ ـ " هو ذا السؤال الذي يجد ازدهاره في الأسئلة. لكنها ليست أسئلة خارج مداها في الإجابة. فأنا لا أعتقد أن هناك إجابات أو أسئلة أخيرة! هناك الامتداد، وهناك الانبثاقات التي يتجدد فيها لغز العمل؛ أي لغز الإنسان ذاته: كيف يعبر من ضفة إلى ضفة وليس أن يرتد أو أن يتصالح مع الخراب. أحيانا ً يغدو العالم أكثر أسوارا ً من أسوار كافكا، وجدرانه، وتشخيصاته للإنسان في عالم لا يدع له إلا أن يموت كلبا ً ـ أو ككلب، كما في خاتمة رواية القضية. لكن ما يتوارى في اللغز، أن للحياة غوايتها ـ وهي أنظمتها ـ تعمل على دحض حالة الاحتضار أو حتى الموت. فمن الأخير تخرج الحياة ذاتها، مثلما يسكن الموت في الحياة وفي مناطقها القصية. فعندما أستقر، فهذا يعني بمثابة الحرمان من المغامرة، والتوغل في المجهول، حتى لو كان جحيما ً، أو عودة إلى الأثير الكوني..". الوجود له أزماته واضطراباته في فضائك التشكيلي .. كيف تجسد وجودك داخل كل لوحة من لوحاتك...؟ ـ " لماذا نتذكر منعم فرات أو محمود صبري أو جواد سليم ..؟ نتذكرهم لأن الأعمال الفنية القليلة التي أنجزوها كانت بمثابة مواقف من الوجود: ضرب من الأنطولوجيا، لا عبر الكلمات، بل عبر النحت والرسم. أنا، هو الآخر، بدأت حياتي ضمن موجة نهاية الماركسية/ الوجودية، لكنني ـ بسبب المجتمع المعرفي المحدود في بلدي ـ لم أتحرر من قيود هذه الموجة إلا عندما أدركت أن الفن، لا ينجز إلا بعد تحرره من نموذجه السابق! لا أقصد أن يكون جديدا ً، كسلعة، أو حتى كعلامة، بل أقصد: أن تحفر في موتك كي تلخص لغز الإنسان في ديمومته. هذه ليست وجودية، وليست ماركسية، وليست منحازة إلى التصوف، أو إلى فلسفات عظيمة كالبوذية، أو الطاوية، أو لصالح التيار الاعتزالي.. بل أقصد أنني أنا هو من كان يبحث عن هذا الذي كنت أراه يغيب! إنها معالجة لقانون دفن البذرة ـ قتلها ـ كي تنبت. لكن هل الأمر يخص فلسفة فرد، أم جيل، أم عصر .. وأنت محاصر بالهواء، ومراقب، وليس باستطاعتك إلا أن تحتمي بمشفراتك، فأنت ـ خلال قرن ـ قد تقتل عندما تعلن انحيازك إلى ماني، أو إعجابك بزارا، أو بالمعري، أو بطرفة، أو بماركس، أو برامبو، أو بزرقاء اليمامة، أو بملا عبود الكرخي، أو بأي اسم له مكانته في عقلك، وفي اللاوعي المعرفي للناس، أو للنخبة. لقد دوّنت إشارات حول (أختامي) ألخصها لك: مادام الموت سابق على الوجود، فانا أعيش تجربة موتي، كوحدة معقدة لأبعاد زمنية في زمن الغياب الممتد ..فأي حضور هذا لوجودي المسبوق بغيابه؟ كيف أعثر على قناعة غير وهمية أسلكها وأنا محكوم بما لا يحصى من سلاسل الدورات ..؟ ألا ترى كم الدرب موحش، وليس لديك فيه، إلا القليل من الضوء، لكن هذا الضوء الذي جعلني أدرك أنني في كون خال ٍ من الحافات. وبمعنى أكثر دقة: إن نسبية اينشتاين، ليست إلا ذريعة للحياة، أما الإشكالية، فإنها مازالت خارج مدى الوعي ـ وبعيدا ً عن أدواتنا، مثل اللغة، التي تغدو قفلا ً، وليس مفتاحا ً"! أعمالك المرسومة لا تخلو دائما ً من شفرات متضادة، ومعطيات ملغزة، كيف تجتمع المتضادات لديك لتنتج شفرة..؟ ـ " متضادة، تقصد مختلفة، ومتنوعة، ومركبة، الأمر الذي يجعلها تبدو ملغزة. كلا! هي ليست ملغزة إلا في حدود سؤالنا: ما الإنسان ...؟ وأنت تعرف أن هناك تعريفات بعدد الأفراد ـ وبعدد الجماعات ـ وبعدد المدارس، والأيديولوجيات، والأقنعة، من الإجابات السحرية، مرورا ً بالمعتقدات، وصولا ً إلى ما بعد عصر الحداثة، والعولمة، وتفكيك الثوابت، وخلخلة البلدان..إلخ مما يجعل التجربة تبحث عن مناطق تبدو نائية. أنا شخصيا ً تركت بصري، خلال نصف القرن الماضي، وذهني، وأصابعي، يشتركون في بناء تجارب يجمعها خيط خفي ـ وتلك هي ملاحظة جميل حمودي كتبها عن تجربتي ـ ففي تجارب تسعينيات القرن الماضي ظهرت موروثات سحيقة، سومرية، وهي ملاحظة د. زهير صاحب، وفي أختامي الأخيرة ثمة أيقونات لزمن الصمت، وهي إشارة لعلي النجار، بمعنى ما حاولت أن أكون أكثر قربا ً إلى نفسي، فلا توجد تجربة أكثر وضوحا لدي من تتبعي نظام: الاندثار ـ الانبثاق. وهو القانون العام للموت والتجدد وقد وجد مشفراته عبر العلامات، من الجسد إلى الآثار إلى الطبيعة، كي تجاور انشغالي بما أنا عليه في بناء هذا الخطاب الفني ـ الجمالي. هل شفرت، بدافع إخفاء المعنى، أم أن الأخير، هو هو، يصعب تحديد معناه؟ الجسد ..هو شفرة، أم علامة، أم هيئة، أم تمثلا ً للثيمات، أو الرغبات أو الهواجس، أو هو نتيجة لوعة، وجور، وشقاء ..إلخ بل الأمر يخص الأجزاء الأكثر علاقة بالموضوعات: حيوانات/ بشر في أشكال اختزلت إلى بقع، ومجسمات، وإشارات، ومخلفات ..إلخ فالعملية ـ مع أنها تخص التعبير ـ إلا أنها تخص الفن وهو يسعى أن يقول كل ما لا يمكن قوله! لا أقصد النقد، أو الهدم تحديدا ً، بل بناء أشكال هندسية تعمل فيها الشفرات للحفاظ على بنية النص بصفته ديناميا ً. ولكن الصعوبة تكمن في أنني لا أستنسخ نفسي! من ناحية، كما لم أنسج أعمالي وفق جماليات البذخ: لم أقلد إسماعيل الشيخلي أو أقلد أصحاب اللوحة الواحدة! فالهوية هنا غائبة، أو سطحية، أو سياحة، لكن ماذا تقول عن أعمال لعشرات الرسامين لا علاقة لها بالرموز الشعبية، ولا بالأشكال التقليدية؟ مثلا ً: فائق حسين/ علي النجار/ هيثم حسن/ ستار كاووش/ مقبل جرجيس ..إلخ فضلا ً عن التيار الذي جاء بعد شاكر حسن، أي بعد تأثر الأخير بالفنان الإسباني تابيس، حيث لم نعد نميز تجربة لها هويتها بين خمسين تجربة، بل ولا نتعرف حتى على اسم الفنان إلا بشقاء! " الألوان لديك لها سحر الكلمات ... كيف تختار ألوانك ؟ ـ " اللون أقدم من الكلمة في الوجود، لأن تاريخ الكتابة ينحدر من الرسم: من العناصر التي كونت النص الفني أو الشبيه بالفن، ومن الختم القديم. أنا بدأت مع الألوان ـ وربما مع الأصوات ـ ولم تأت الكتابة إلا كمرحلة تجمعت فيها عناصرها الأولية، لكنها، في الأخير، ستؤدي أكثر من دور: الوظيفة/ التعبير/ وما سيشكل المجال الجمالي. في سؤالك ترد كلمة سحر، عمليا ً، في النصوص غير النقدية، ثمة حفر في ذاكرة مزدوجة: استعادة الصور، وإعادة تكوينها، كي تتحول إلى ذاكرة أخرى، كامتداد أو كدحض أو كمحاولة لا يمكن فصلها عن عالم يستكمل ماضيه. أنا أختار الألوان بحسب الموضوع، أحيانا ً يجري العكس: قليل من الظل له سحر حكايات عاشق، أو صدمة غياب، وأحيانا ً الخراب أو الرداءة تقودني للعثور على معادلها عبر الألوان. الخبرة تؤدي دورها في التنفيذ، والرؤية الجمالية، في الغالب، تعمل ضد العشوائية. فأنا أشم الألوان، مثلما للكلمات خزينها في ذاتها أو عبر التركيب، وأحيانا ً العكس: الرائحة تستدعي معالجة لونية محددة، مثلما يقيدني الموضوع بالأسلوب في المعالجة.." الطين/ الكرافيك/ الشعر ... مفردات احتلت مساحات متفاوتة من نشاط عادل كامل .. في أي من هذه المفردات تعانقت مع عالمك؟ ـ " مجتمعة كونت التجربة، في النص الفني وفي الحياة معا ً. فالطين اجتمعت فيه عناصر الكون، فضلا ً عن رمزيته، كأقدم مادة لخلق الإنسان، فهو يدخل في باقي الخامات، بنسب تحدد الوظائف، ورموزها. الطباعة، ترجعنا إلى الزمن السحيق، عندما بصم رجل المغارات بكفه أول علامة: طبعها فوق الجدار.. ثم، أدت أدوات الطباعة الفعل نفسه: ليس التكرار تماما ً، لكن النقش، أو محاولة الإمساك بما هو قيد الغياب. الشعر .. أي هذه الومضات الحاصلة في الطبيعة، وفي الكيان، فالشعر حالة دينامية، وديالكتيكية، تصوّر كل ما هو قيد الانبثاق، وكل ما هو في طريقه إلى الغياب. ربما هو أنت من يحدد ذلك.. فقد تكون الرواية، أو الأختام، أو النص المركب هو من منحني حرية أن لا أنظر من ثقب واحد!" . بين النقد والتشكيل .. أين يقف عادل كامل ؟ ـ " وهل يمكن عزل التشكيل عن جذره النقدي، عندما اشتغل أسلافي، قبل نصف مليون سنة أو أكثر، على رسم إشارات، وعلامات، وصنعوا خرزهم، وقلائدهم، وعندما اختاروا الصخرة التي كانت توضع فوق قلب الميت....؟ ألم يكن ذلك فعلا ً بدئيا ً للانشغال بالأسئلة؟ ـ: من نحن.. كيف تكّونا.. ولماذا نندثر ...عبر الولادة في الحزن، والموت فيه! أنا لم أختر لماذا إلا ومعها أدواتها، أي، كيف حدث أن تشكلت الحواس، من ثم الدماغ، كي يبزغ هذا الوعي، وهو يحفر في لغز حضوره العنيد؟" . استخلصنا من بعض كتابتك أنك ترى العلاقة بين الفن والنقد، علاقة مشبوهة لا تستند إلى الوضوح المعرفي الذي لا يقبل الدحض ... ما وجه الشبهة في هذه العلاقة؟ ـ " لا أعرف! لكنني لم أصبح ناقدا ً، ولم أشتغل في النقد! كل ما قمت به هو أن أؤدي دوري في توفير مادة للنقد.. لأن النقد هو حصيلة وجود عوامل أساسية كي يتكون، وليس محض انطباعات. وقد قمت بإعداد كتاب جمعت فيه النصوص التي كتبها رواد الفن، مع نصوص حوارية. لكن هناك فن، عند منعم فرات، وعند فاضل عباس، وعند رسول علوان، وعند محمد علي شاكر، وعند بهيجة الحكيم، وعند إسماعيل خياط ..إلخ فضلا ً عن إبداعات جواد سليم، ومحمود صبري، وفائق حسن، وعطا صبري، والدروب.. فالعلاقة ليست مشبوهة، لكنها محدودة، أو جاءت بحدود مشروع (التحديث) وليس تعبيرا ً عن الحداثة! " . في معرضك الأخير "أختام عراقية" تجردت ريشتك وطرحت أرديتها ..ترى هل هو نزوع إلى فلسفة الجسد...؟ ـ " الجسد، ليس مأوى تسكنه ما لا يحصى من الومضات والظلمات فحسب، بل هو المفتاح الذي يدور في القفل، أو في باب الوجود. من أنا خارج جسدي ..؟ قبر أم تمثال أم مجموعة عناصر ...؟ الجسد وحده يرمم علاقته بالوعي، فلا توجد ازدواجية بينهما، كما ذهب ديكارت. أنا هو جسدي، لكن جسدي هو علامة بين ما لا يحصى من العلامات: إنه يمرض، يتألم، يأن، يبتهج، يرقص ... وعندما يغيب التوازن، يحدث الخلل! " في تجارب "أختام عراقية معاصرة" التي عرضت بعضا ً منها في موقع (سومريون) وفي موقع (القصة العراقية) جمعت خبرتي، وسمحت لها أن تعمل، كما عمل أسلافي، في المغارات وفي الكهوف وفي الغابات، وكان للفنان علي النجار كلمة نشرها ووضع لها عنوان: أيقونات لزمن الصمت. جميل، لكن أي صمت هذا الذي تكتظ فيه أعلى الأصوات وأعلى الضجات: أصوات من غابوا، ومن هم قيد الغياب. في أختامي، كما في وعيي، لست منشطرا ً. لقد حاولت، ببساطة، ان أحدق في النور الذي سمح لي أن أعرف كم الظلمات بلا حافات. لكن هل للنور حافات...؟ في رأيك هل أنجبت غربة التشكيليين العراقيين كائنا ً جديدا ً على مستوى الفن ؟ ـ " الأساليب الفنية هي نتائج مزدوجة بين التصادم، والتكامل، بين التركيب والوحدة. وأعتقد أنك قصدت هل نجح الفنان (المخلوع/ المهاجر طوعا ً/ المنفي ..الخ) إضافة ما للتجربة في الوطن؟ قطعا ً كان اتساع المساحة التي عمل فيها الفنان مدخلا ً لإعادة قراءة ماضية، وتاريخه، كي تأتي النتائج أكثر صلة بهذا الاتساع، وبالتكيف أيضا ً. لكن الإشكالية ستبقى كامنة في القطيعة... فأنت لا تعرف ماذا يفعل الفنان العراقي في مئات المدن، الشرقية أو الأوروبية، إلا في حدود يصعب تتبع نتائجها. لقد فقدنا الكثير من المواهب، وعلى المؤسسات ان تؤدي دورها، هنا، في التعريف، والرعاية. لكنني اعتقد ان طبيعة القرن 21 ستذهب بعيدا ً في تفكيك الكيانات، وتركها تعمل للتعبير عن هذه القطيعة. على مدار سنوات الفن التشكيلي في العراق، وبين العراقيين، تُرى هل تحددت هوية العراق تشكيليا ً..؟ ـ " ما المقصود بالهوية، كي لا نغفل أن طبيعة عصرنا ليست مسالمة، أو آمنة. هل الهوية تعني خلاصة ما ينجزه الفنان، وضمنا ً أسلوبه، ومعالجاته التكنيكية، ضمن تيارات مازالت تمثل مرجعياتها من ناحية، ومغامرتها في (التدشين) من ناحية ثانية..؟ أستطيع القول: للسومري هوية مميزة وذات سمات يمكن معرفتها، كهوية الفنان الأكدي، أو البابلي، او الآشوري، أو فنون الحقب المنحطة ..إلخ لأن الهوية هي خلاصة ما لا يحصى من الروافد، وقد وجدت نظامها في التعبير. والقرن الماضي، منذ عثمان الأعرج، والمولوي، والرعيل الأول، وصولا ً إلى تجارب الفوتوشوب، والليزر، والخروج على تقاليد الأبعاد التقليدية، يمكن وضعها تحت مسار التجريب، وفي الغالب، لم تخل من العشوائية، وذات صلة بأسواق الفن، والمؤثرات الخارجية. جواد سليم وفائق حسن والرواد، بشكل عام، لم ينتجوا فنهم إلى الفقراء، بل ولا حتى للنخب،
بل كانوا وجدوا دعوة للحفاظ على مزاوجة بين مورثاتهم، والتيارات الأوروبية ـ وكان محمود صبري الوحيد الذي شخص هذه الظاهرة في خمسينيات القرن الماضي... واليوم، يصعب أن تجد صلات مشتركة بين فنان يعيش في السويد، عن آخر في كندا، وآخر في هولندة، أو في استراليا أو في عمان أو دمشق الحبيبة ..إلخ فالأساليب لا يمكن عزلها عن أيكولوجيا شاملة، وعن حضارة متنوعة المراجع، والمصادر، والمحركات، أي إنها نتيجة أفكار وبيئة وذاكرة ومحنة وتحديات تسهم ببلورة هوية الفنان. أما الهوية العامة ـ كالتي نراها في الفن الصيني أو في الواقعية الاشتراكية أو في الفنون الشعبية/ البوب / وفنون ما بعد الحداثة ...إلخ فأعتقد أنها ذات ارتباط بروح العصر، وليس نتيجة الجهود الفردية فحسب. فالحرية كلما اتسعت أصبحت الاختيارات أكثر صعوبة، الأمر الذي يجعل الهوية دينامية، تراها غائبة في الحضور، وحاضرة في غيابها"! ماذا عن أفكارك الجديدة لمعارض قادمة ؟ ـ " في الاحتلالات المتعاقبة على بغداد، مرت سنوات لا تجد فيها علامة دالة على المنصور، أو الرشيد، أو المأمون .. لا علامة للعقل، ولا علامة للإبداع، ولا علامة للحكمة، ولا للرجال! لكن الغريب أن هذا الجسد المحتضر، منذ ألف عام، لم يمت، وحياته ـ حياة بغداد ـ كباقي عواصم العالم، لم تعد تعمل بمعزل عن عالمنا، وأنظمته، وما ستؤول إليه خرافات الهيمنة، والعنف، والرداءة... فضلا ً عن عويل الضحايا عبر الأزمنة. ضمن هذا التصوّر، هل للكلمات أو المجسمات أو الألوان أن تمتلك مبررا ً للمحاورة ؟ لدي ّ ما يكفي لذلك ..هل من جدوى..؟ لا أعرف.. المهم أنني أموت وأصابعي لم تخذلني! "º

* تاتو/ ملحق جريدة المدى/ 15/8/2011 ص26 ـ27

عشوائيات...؟ الفنان ناصر عساف