بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 11 يونيو 2010

الفنان ناصر عساف ورحلة البداية -كتابة د.غالب المسعودي

الفنان ناصر عساف ورحلة البداية -اهوار الجبايش عام 1980
ان وظيفة الفن الكاملة هي تجميل الواقع الذي لم يعد عند الفنان الواقع الطبيعي ,وبالرغم من ان الفنان ناصر عساف فتح عينيه في مدينته الناصرية على مرارة معاناة ساكني الاهوار الا انه اثر ان يصور جماليات اخاذة تجعل المتلقي يغوص في اعماقها بحيوية الصورة والفتها. صورها بالوان احادية وحيادية وانشاء تشكيلي رائع فكانت فاتحة لمعرضه الاول في مدينة الناصرية 1980 والذي ظل يناغم مسيرته الابداعية الى الوقت الحاضر.

الأربعاء، 9 يونيو 2010

سمراء بغداد-بقلم ايمان اكرم البياتي-تخطيطات د.غالب المسعودي


سمراء بغداد*

سحرُ ليل بغداد لا يكتملُ إلا مع دفءِ أنثى خمرية

"سمراء" صفة لطالما نُعتُّ بها منذ الطفولة، في البيتِ وبين أقاربي ذهبتْ سمراء، جاءتْ سمراء، وفي المدرسة طالبتنا الذكية تلك السمراء هناك، فازتْ بالتقييم المدرسي السنوي الأعلى السمراء، أفضلُ من يرسمُ في المدرسة السمراء، أفضلُ من يُلقي الخطابة "سمراء"، حتى شعرتُ أن "سمراء" هو أسمي وليس صفة بشرتي!.
حين كنتُ في المدرسةِ الابتدائية، كثيراً ما نظرتُ للمرآة بعد سماعِ تلك الكلمة، كنتُ أحدّقُ في لوني الخمري، واسألُ نفسي لمَ خلقَ اللهُ البشرَ على ألوان؟ لمَ هناكَ الأبيض والأسمر؟ كان قادراً على خلقِ الجميعِ بلونٍ واحدٍ، وعندما سألتُ والدتي ذات مرة لمَ لمْ أولد ببشرةٍ بيضاء؟، أجابتني: اللونُ الخمري هبةٌ من الرّحمن فالبشرة الخمرية ترافقها روحٌ جميلةٌ تتركُ أثراً كعطرِ الياسمين في نفوسِ الآخرين، فنجدُ أن المرأةَ السمراء والرجل الأسمر هما صاحبا أجملَ روح، محببانِ للنفس، وأذكر أنها ختمتْ حديثها بمقولةٍ عراقيةٍ تنعتُ أصحاب البشرةِ السمراء ب (دمهم يلعب) للإشارةِ إلى أنهم يتسمونَ بالنشاطِ والحركةِ اللا اعتيادية، وفي ذلك السن لم يكنْ اللونُ الخمريُ يسببُ لي أي ضيقٍ حتى كبرتُ قليلاً وصرتُ صبية فوجدتُ أن لوني الخمري لا يناسبهُ بعضُ ألوان الثياب، أصبحتُ أرى نفسي غير جذابة باللونِ الأحمر، ووجدتُ نفسي أكتسبُ بشرةً غامقةً حين أرتدي فستاناً زهرياً، وكان هذا اللون هو أكثرُ لون تهواه البناتُ قريناتي، فبدأتُ أنزعجُ تدريجياً وأشعرُ بالامتعاض من لوني الأسمر كلما ضيّق من حريتي في اختيار فساتيني!
كبرتُ بضع سنواتٍ أخرى ومازالَ الجميعُ يناديني "سمراء"، وبعد أن كنتُ في طفولتي أعتبرُ اللون ميزةً وهبة الرّحمنِ كما علمتني والدتي، بدأتُ أعتبره نقمة، فبشرتي تصبحُ دهنيةً لامعةً مع صيفِ بغداد الساخن وكان يتوجبُ عليَّ أن أهتم بنظافتها أكثر من غيري، كما كانتْ شمسُ شهر أغسطس تُكسبني سُمرةً فوق سُمرتي، فأجدُ لوني قد أزدادَ غُمقاً وكان هذا الأمر يسببُ لي الحزن والضيق، لكن  لحسن الحظ ما أن كان يحلُ الشتاء حتى تعودتُ أن يعودَ إليّ لوني الخمري الذي ألفتهُ.
تفوقي الدراسي قادني بسهولةٍ إلى جامعةِ العاصمةِ لأجلس على مقعدِ واحدةٍ من أعرق كلياتها وأعلاها شأناً، الهندسة المعمارية وكان حُلمي أن أرسمَ عمراناً بطرقٍ مبتكرةٍ مقتدية ب (زها حديد)* ، وأصبحَ شغلي الشاغل في تلك السنواتِ الجامعية الدراسة والاجتهاد، أما قلبي كأنثى فكنتُ أتجنبُ أن اُذكرّه بالحبِ أو الانجذاب الفطري لرجلٍ ما، كان هنالكَ إحساسٌ ما يخالجُ صدري دائماً بأن لوني الخمري لونٌ مألوفٌ وليسَ جميلاً كفاية لألفتَ انتباه رجل عظيم وكنتُ دائماً أصفُ فارسَ أحلامي ب(الرجل العظيم)، اعتقدتُ بأن الرجالَ الجيدون أو الرجالَ المميزون في هذا العالم دوماً يبحثونَ عن الجميلاتِ الشقراواتِ، صاحبات البشرة ناصعة البياض، فكرةٌ قد تولدتْ واستوطنتْ في ذهني منذ المراهقة، ورسختْ شيئاً فشيئاً مع السنواتِ، وكان هذا الأمرُ يزدادُ تعقيداً داخلي كلما علمتُ أن فلاناً الرجل الثري قد أرتبطَ بتلك الفاتنة الشقراء(.......) أو فلاناً الرجل حامل الشهادة العلمية العليا قد وقعَ بحبِ الشابةِ الجميلةِ (.......) وأن الرجل الفلاني ذا الحسبِ والنسبِ الرفيعين قد أقترنَ مؤخراً بالبيضاءِ الساحرةِ (........) التي خلبتْ لبه، تلك العناوين كانتْ همساتُ صديقاتي في جلساتهنَ الخاصة وإعلاناتُ الصحفِ والمجلاتِ وهي تتحدثُ عن مشاهيرَ الرياضةِ والفنِ والسياسةِ ورجال الأعمالِ والناجحين في كلِ مجالٍ من مجالاتِ الحياة، ولأني لم أكنْ أعدُ اللون الخمري لوناً جميلاً أو ساحراً أو فاتناً فلقد كنتُ متأكدة أنَ من الأفضل أن أهتمَ بدراستي فحسبْ حتى أحصلَ على المرتبةِ الأعلى باستمرار وأسبقَ قريناتي فأتفوق بذلكَ على صاحباتِ البشرةِ البيضاءِ، كأن هنالكَ ثأراً بيني وبينهن! وكنتُ قد عزمتُ مع نفسي أن أرفعَ شعارَ العزوبية دائماً، ففي الحين الذي كانتْ فيه رفيقاتُ دراستي أو صديقاتي الجميلات ذوات البشرةِ البيضاءِ يرافقنَّ الشباب ويقعنَّ في الحبِ وينلنَّ وعودَ الخطوبةِ والزواج كنتُ أبررُ أنا انسحابي من كلِ ذلك ب : لا وقتَ لدي، العلمُ أهم، الحبُ يُعطّل العقل ويؤخرُ دراسياً، وكنتُ أحياناً أخرى أتهربُ بردٍ طريفٍ: آه ....يظهرُ أني نسيتُ أن أفكرَ بالموضوعِ لكثرةِ انشغالي! شكراً للتذكير.
حتى ظهرَ هو في حياتي فقلبَ كل الموازين مع بعض، شابٌ في الثانيةِ والثلاثين عائدٌ للتو من بريطانيا حيث أنهى هناكَ دراسة الماجستير في هندسة الطرق والجسور، وقعَ عليه بصري لأولِ مرة في معرضِ الجامعةِ السنوي لأنشطةِ الطلاب، كنتُ قد شاركتُ بمخططٍ هندسي أطلقتُ عليه (أوبرا بغداد) وكنتُ قد أنجزتُ تشكيلاً مجسماً صغيراً يمثلُ شكل مبنى الأوبرا الذي تمنيتُ أن تحظى به بغداد مستقبلاً، حاولتُ أن أنجزَ شيئاً لا تقليدياً وأبعدُ ما يكون عن شكلِ أوبرا (سيدني) التي يصفها الجميعُ بالجمالِ والسحرِ، فلقد جعلتُ تصميمي يتسمُ بروحٍ عراقيةٍ خالصةٍ، حيثُ تأريخ بغداد، وتراثُ الأجدادِ العريق في نمطٍ من الحداثةِ و العصرية، أساتذتي كانوا مبهورين بخيالي ووصفوني بالفنانة لكن أغلبهم أخبرني إنهُ كان من الأفضل أن أرسمَ عملاً أكثرَ واقعية مستشفى مثلاً، مبنى حكومياً عصرياً، شركةً، مجمعاً سكنياً، لكن!...أوبرا مع وضعِ العراق اليوم يعد أمراً مستحيلاً، فأغلبُ الفنون اليوم راحتْ تندثرُ فكيفَ مع فنٍ كالأوبرا غربي الأصل!
إلا هو!... ظهرَ وجههُ فجأةً بين الوجوه المزدحمة في ذلك المكان، لا أعرفُ أينَ كان يقفُ، فلم أكنْ قد لمحتُه وأنا أناقشُ تصميمي، شابٌ أبيضٌ فارعُ الطولِ، جميلُ الوجه يميلُ شعره للشقرة، كما لو كان بريطانياً فعلاً! يرتدي قميصاً زهرياً تحت سترة رمادية، أبتسمَ في وجهي وهو يُعلّقُ قائلاً: أنا أرى عكس ما ترون، المعذرة أيتها السيداتُ والسادة.... اسمحوا لي جميعاً، العمارةُ فنُ الخيال والحواس معاً لمَ نكبّلها بقيودِ الواقع؟! الخيالُ سُمّي خيالاً لأنه كالكون بلا حدود، كطائر بلا قيود، له الفضاءُ كله ليُحلّق......أحسنتِ آنستي، تمتلكينَ خيالاً واسعاً وجميلاً، ولو لم تكوني صاحبةَ إحساسٍ مرهفٍ وميولٍ فنية لما خطرتْ لكِ فكرةً كهذه.
كانتْ تلك هي المرة الأولى في حياتي التي أشعرُ فيها أني فقدتُ القدرةَ على النطق!، لا أعرفُ هل وسامته كانتْ السبب أم رده اللا اعتيادي؟، أم أن الدهشةَ كانتْ وليدة أسبابٍ أخرى؟، يومها تلعثمتُ ببعضِ الكلماتِ، أتذكرُ أنها كانتْ شكراً لذوقهِ فحسب!.
بعدها اختفى الوجهُ كما ظهرَ، عندما انتهى المعرضُ وجدتُ نفسي اسألُ عنه من يكونَ؟ أكان طالباً أم أستاذاً أم ضيفاً؟ هل هو فنان؟ نحات؟ تشكيلي؟ أو ربما صحفي؟ أم ماذا؟ فضيوفُ المعرضِ تختلفُ خلفياتهم الثقافية، ولم أكنْ أعلمُ بعد عندها أنه أستاذٌ جديدٌ في الجامعة، الغريبُ وقتها أني سألتُ عنه زميلاتي وزملائي، لم يشاهدهُ أحد، حتى شعرتُ لبعضِ الوقتِ أنَ شخصيته كانتْ من نسجِ خيالي الخصب فحسب!
حتى تقابلنا من جديد بعد أسبوعٍ تقريباً في أحد أروقةِ الجامعة حين استوقفني، كان ظهورهُ للمرةِ الثانيةِ أيضاً مثيراً لاستغرابي، فمن أينَ جاءَ وكيفَ وصلَ إلى حيثُ يقفُ الآن أمام عيني بهذه السرعة؟! ألقى عليَّ أرق التحياتِ وعرّف بنفسهِ هذه المرة، و اعتذرَ لأنهُ لم يتمكنْ يوم المعرضِ من فعلِ ذلك، عللَ سبب حديثه معي هذه المرة بأنه يودُ أن أصممَ له منزله الخاص!.
ضحكتُ وأنا أستفهمُ منه، لمَ تركَ مكاتبَ التصميم الكثيرة في البلادِ بل حتى العالم وهو القادم من أوربا ليطلب مني أنا أن أضعَ له المخططات؟!! وأنا مازلتُ طالبةً في المرحلة الأخيرة من دراستي الجامعية؟!! ردَّ بدبلوماسيةٍ: أثبتي جدارتكِ فقط!.
سألتهُ عن متطلباتهِ في المنزل الذي سأرسمه، فالمنازلُ تعبرُ عن أفكارِ وميولِ وحاجةِ ساكنيها، كان جوابه المقتضب: أرسمي منزلاً طالما تمنيني السكنَ فيه!.
لا يمكنني أن أنكر أن غموضه ذاكَ وإجاباته المميزة تركتْ في نفسي انطباعاً جميلاً عنه ذلك اليوم، وجعلتني أفكرُ فيه رغماً عني، وفعلاً سهرتُ ليالٍ طوال أرسم في المخطط، أرسم في منزلِ الأحلام وأنا أتخيلُ وجهاً واحداً، وجهه هو فحسب!، اتفقنا أن أسلّمه الرسوم بعد أن أنهي امتحاناتي، موعدنا سيكون في آخر زيارةٍ لي للجامعة.
جاءَ اليوم الذي كنتُ أترقبه، كنتُ سعيدةً جداً، لا أعرفُ بالضبط لماذا، هل فقط لأني أنهيت مخطط منزل الأحلام كما راقَ لي تسميته؟ أم لأني احظي بلقاءٍ جديدٍ مع رجلٍ استثنائي؟، كان حواراً قصيراً لا يمكنني أن أنساه أبداً، سألتهُ بعد أن شرحتُ له تفاصيلَ التصميم إن كانتْ المخططاتُ مناسبةً، أجابَ مع ابتسامةٍ رقيقة: وأنتِ ماذا تقولين فيه؟
سألتُ مستغربة: أنا؟!..... أنا مصممة المنزل، لذا سأرى دوماً أعمالي فريدة، وإن كانتْ خيالاً ولا تمتُّ الواقع بصلة، علّق قائلاً: جميل جداً.... و ما رأيكِ لو نحوّل الخيالَ إلى واقع ؟
سؤالهُ كان مبهماً لي، فاستفهمتُ: ماذا تقصد أستاذ سنان؟
أجابَ: ما رأيكِ لو أهديتكِ هذا المنزل؟
انفعلتُ وأجبتُ بعصبيةٍ: لا أحبُ هذا الأسلوب بتاتاً......أفضّلُ أن تتحدثَ بلغةٍ مفهومة.
أبتسمَ ابتسامةً صافية، كان هادئاً جداً مع أني كنتُ متوترةً وأنتظرُ رده: وهل دوماً النساء الخمريات بهذه السخونةِ والحدية في الإجابة؟.. لطالما اعتقدتُ ذلكَ، وأنتِ ماذا تقولين؟
ثارتْ ثورتي، انزعجتُ جداً لتطرقه ذكر لوني، أجبتُ بحزمٍ وتوترٍ: نعم.... جداً....جداً.
أعتذرَ ب(آسف) ثم تابعَ: حنان....مهندسة حنان...أنا أتقدمُ لكِ طالباً الزواج، كنتُ أتمنى أن تفهمي طلبي منذ أن سألتكِ أن تصممين منزلَ أحلامكِ.....تابعتكُ منذ يوم المعرضِ، راقبتكِ من بعيد وسألتُ عنكِ بعد أن أثرتِ فضولي وإعجابي، أنتِ امرأة مميزة، تجمعُ الذكاء والفن، أتوقعُ لكِ مستقبلاً مهنياً فردياً لو تزوجتِ رجلاً يقدّرُ هذا.
كاد يغمى عليَّ، لم أكنْ أتوقع أن أسمعَ تلكَ الكلمات أبداً، فما زلتُ أؤمن أن الرجالَ المميزون ينجذبونَ للنساءِ الفاتناتِ، وجدتُ نفسي اسألهُ بشجاعةٍ دون تردد هذه المرة وكأني بسؤالي احاولُ أن أتخلصَ من عقدةِ لوني الخمري إلى الأبد: لكن أستاذ سنان ...أنا لستُ بالجمالِ الذي قد يتمناهُ رجلٌ مثلكَ، ما الذي يجذبكَ باللون الخمري؟
أبتسمَ قائلاً: لا أخفي عليكِ...أعجبني لونكِ وذكاؤكِ بنفسِ المقدارِ.
نظرتُ إليه باستغراب، تابعَ رده قائلاً:
لا تحبينَ لونكِ، فهمتُ ذلك ... لكن اعلمي أنه ساحرٌ جداً لرجلٍ بغدادي عاش مغترباً لستة أعوامٍ في لندن، رجلٌ ملَّ الضباب والثلج، باتَ اللونُ الأبيضُ عنده مقروناً بالبرد، مقروناً بالغربةِ والوحدةِ والبعدِ عن الوطن، سؤالٌ أخير وأتمنى أن لا تنزعجي..... ما يكونُ لونكِ في الصيف الساخن عادةً؟
أجبتُ: أسمراً لامعاً.
أبتسمَ كمن توقعَ الإجابة: بل قولي برونزياً نارياً وصفٌ أدقٌ يا فنانة، إلا يعجبكِ النظرُ إلى منحوتاتِ النحاس والبرونز، ألا تشعرينَ عندما تنظرينَ إليها بأنها تكادُ تنصهرُ لحرارةِ معدنها، تمدكِ بإحساسٍ دافئ وتحفزكِ لتمدي أصابعك وتلمسيها وتتمني مع نفسكِ احتواءها؟
علقتُ ب: نعم.
أسترسلَ: سحرُ ليل بغداد عند عاشقٍ للفن مثلي، لا يكتملُ إلا مع دفء أنثى خمرية.
ـــــــــــــــــ
* سبق ونشرت القصة ضمن كتاب (نصوص عربية) الصادر عن دار شمس المصرية للإعلام والنشر 2010
* زها حديد  معمارية عراقية/بريطانية، ولدت في بغداد 1950، حاصلة على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية في بيروت 1971 ، كما تخرجت عام 1977 من الجمعية المعمارية "AA" أو "Architectural Association" بلندن، لها العديد من الأعمال الشهيرة ومن أهمها تنفيذها لنادي مونسون بار في سابورو في اليابان وكذلك محطّة إطفاء فيترا ويل أم رين في المانيا و المتحف الوطني للفنون من القرن الحادي والعشرين في روما، مرفأ ساليرنو، أما أكثر مشاريعها الجديدة غرابة وإثارة للجدل مرسى السفن في باليرمو في صقلية، ومتحف الفنون الإسلامية في الدوحة وجسر في أبو ظبي، مركز روزنتال للفن المعاصر سينسيناتي- الولايات المتحدة و المبنى الرئيسي للمصنع بي ام دبليو في لايبزيج، مشروع متحف المتوسطية دي ريدجو كالابريا.

الفنان غالب المسعودي في معرضه الاخير-بقلم الفنان عادل كامل-لوحات المسعودي

علامات الخطاب واسلوب الرؤية-عادل كامل
بين التوقف عند خصائص العمل الفني وبين الانشغال بصانعه,علاقة متداخلة,لقد كان للتعبير منذ انفصال المرحلة الجمالية,عن العضوية علامة جديرة بالتامل,مع ذلك,ليس الفن هو (الانسان )ابدا,انه مسعاه كي يحقق غايات مختلفة,ومنها,الحفاظ على شرعية التعبير كعلاقة جدلية بين اللغة والفضيلة.
والطبيب الفنان غالب المسعودي,لا يخفي قلقه,ولا يخفي تباهيه بالازمنة !انه-كالممثل فوق المسرح-يعلن عن استمرارية النص,فلقد اعلن المسعودي,بتجاربه المختلفة,عن عاطفة شائكة العلامات,لكنهاتحاول-بحسب تدريباته-التمسك-كما يعلن-باخر السومريين:انسانا وخطابا...انه مثال ابعد من المنجز ! وقد كان كاظم حيدر,يجد متعة بتفرد كل تجربة,وكل لوحة,بل وكل لمسة,فالمسعودي يهدم الوثن(المثال) بدافع صراعات شرعية,ففي فاتحة زمن امبراطورية الخيال,في القرن الواحد والعشرين,يتهدم اليقين باليقين,ليغدو التمرد الرديكالي سمة دائمة لبناء العمل,اننا نراه يتنزه مع زمن سابق,مع السومريين,ونراه يتوقف عند تقنيات القرن الحادي والعشرين,محلية واوربيةمعا,فالشك التجريبي يعمق اماله ولا يضعفها,فثمة تمسك بما هو صادق حتى لو عارض الحقيقي,الاكثر استحالة,هذا الصدق,جعله يغلي ويقدم تجارب ذات نزعة زلزالية,متمردة,متجانسة في عدم تكرارها,لان الفنان لا يصنع اوثانه داخل منفى واحد للزهو,والتعبير,الا باستحالة اي عمل اخر.
فالتعبير في الحصيلة يغدو صنيعة للاعتراف ولكنه في ذات المنحى يتمسك بالبعد التاملي... ففي اعماله الاخيرة تتداخل الازمنة وتتوحد فضاءات الفنان,فالقصائد القديمة الى جانب حرية الاشكال,تتمسك بالتعبير في بحثه عن علاماته,ذلك الامتداد للفنان معنا,نحو الوثيقة(الشهادة).....فهناك هاجس الحوار الدائم مع الاخر,لان الجحيم,في تجريبه,يكمن في الاعماق,ولايكمن في الفن,فالفنان يقترح اسئلة,مع الحفاظ على تجريبيته(التنفيذ) واسئلة الفنان هي الاسئلة ذاتها منذ فجر الاسطورة وقد صارت لوحاته,في حدود المرئيات,تخص الجوهر,فايهما اكثر(حركة وقلقا) السطح ام محركاته؟
ان تجارب غالب المسعودي بين النزعة الشخصية والتجريدية,تعلن عن شرعية البوح,التوازن بين فن الطب, والنزعة الفنية بسياقها الجمالي...لان غايات الفنان متوحدة بخطواته نحو الامتلاء...فالزمن والافكار والرغبات,تتوحد بهاجس التمرد,وبارادة اليقين معا,فهو داخل الاسطورة,يتمسك بنوايا وجدت تحولاتها في زوايا النظر,لانه يضع ذاته في الشكل,احيانا ويتمسك بالشكل كجزء من ذات لم تفقد ديناميكيتها,فالصراع بين الحقيقي والصادق,في البحث والتامل خصائص هذه التجربة,ولا يموهها بالتكرار كاسلوب بل يجعل الافق مشرعا لتمردات قادمة, فالمستقبل يتحقق كازاحة لركام الثوابت,اننا ازاء اصوات تجد في المطرقة اشارة للتقدم .
عادل كامل

الاثنين، 7 يونيو 2010

الفن وحدود الاشكال-د غالب المسعودي-لوحات غالب المسعودي


الفن وحدود الإشكال
عاش الإنسان ألاف السنين حياة بدائية  أوضحتها لنا أدواته في صور لأتقبل الشك مؤشرة مدى الزمن الطويل الذي مضى على ظهور الإنسان فوق وجه البسيطة,كما إن  الانتقال من البدائية إلى الحضارة قد حصل أكثر من مرة في التاريخ,بيد إننا تعرفنا على التحضر بمآثر الفن الذي تركه شهود تلك الحضارات,ويبدو إننا كنا سباقين إلى تلاشي الذات وتماهيها مع المطلق وهذه السمة الأساسية التي استمرت طويلا ولازالت تمارس فعلها في حياة الشعوب تحت مسميات شتى,لقد عاش الفن كباقي عناصر الثقافة حياة هلامية في مراحل التحولات الجذرية لاتعدو إن تكون ضبابية المشهد فد سحقتها إلى ابعد مدى,والفن عموما يتماها مع المطلق باعتباره وليد لحظة توهج جمالي لا تولد إلا في محراب الحب ولا يشكل بعدا أخر لان الحب السامي عاطفة غير مصاغة بقوالب جغرافية الجسد الذي يشدنا إلى فنائه المحتوم.وهذا بمجمله ينير الطريق لنا لنفهم تجارب عمالقة الفن من عصر سومر إلى العصر الحديث, فالحب معرفة وهي متعالية على موضوعاتها,ولما كانت المساحة المتاحة للفنان هي فضاءه المعرفي فعليه إن يسمو به فوق الحدود التو صيفية.إن الفنان منذ عصور البدء مارس وعيه لحقيقته الكونية وظل يبحث عن النص الكوني ليموسق إبداعاته,مداده سلافة الروح واضعا شفراته داخل النص بصيغة سحر تأويلي,فالبشرية لم تعبر حدود انسجامها مع واقعها المر إلا بالفن,والفن السامي بعيدا عن اجترار الأخر بهوس براغماتي وتحت مسميات طالما عانت اللغة منها من دون دلالة سينوغرافية.عند عتبات الحضارة مارست التراجيديا فعل التطهير وذلك بحيوية فعل النص داخل منطقة تمركز الحدث الدرامي ومحايثته مع ما يعتمل داخل الروح من صراعات مدمرة فيزيح ثقل المأساة كمن يرمي لواعجه في ساحات اللامرئي ليمارس انطولوجيا الحب لا بمعنى الاستحواذ الجسدي بل بمعنى وعي الوجود إذ أننا نعيش لحظة بين مطلقين,وبدون إنعاش هذه اللحظة لا توجد فضيلة.
د.غالب المسعودي