بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 20 أكتوبر 2013

عباس علي العلي - أين نزرع الأشجار _قصة قصيرة

الآكلون من السُفرة الممدودة-كاظم فنجان الحمامي

الآكلون من السُفرة الممدودة


كاظم فنجان الحمامي

موظفون حكوميون من مختلف الدرجات والمراتب والمناصب والعناوين, وفي مختلف المواقع والمراكز والواجهات الحكومية, يمارسون الابتزاز المالي على كيف كيفهم, يسرقون الناس عيني عينك من دون رادع ولا وازع, بذرائع غريبة وتبريرات عجيبة, وحجج ومسوغات ما أنزل الله بها من سلطان.
فاسدون في كامل صورهم الخَدّاعة, ومظاهرهم المتجلببة بجلباب الورع والتقوى, استمرءوا مصادرة أموال الناس بعناوين هلامية مائعة, تارة تحت عنوان (الإكراميات), وتارة تحت عنوان (الهدايا), و(العطايا), و(المُنَح), حتى جاء اليوم الذي دخل علينا اصطلاح (السُفرة الممدودة), وهو اصطلاح مطاطي يوحي للسامع أنه أمام وليمة عامرة بما لذ وطاب, لكنها وليمة مجهولة المالك, مفتوحة للجميع, متاحة لمن يريد أن يعبئ معدته وجيوبه وحقائبه.
نسألهم لماذا تفرضون الإتاوات المالية المرهقة على الناس, فيقولون لنا: (أنها سُفرة وممدودة). نقول للصائم منهم والمتدين: كيف استحوذت على أموال غيرك بهذه الطرق غير المشروعة ؟, فيجيبنا ويده على جيبه: كلا أنها طريقة مشروعة ولا غبار عليها, لأنها سُفرة وممدودة.
نسمع عن الجهة الفلانية أنها استوفت عمولات كبيرة جداً من المقاول الفلاني, فيدفعنا الفضول للاستفسار عن المسوغات والمبررات التي سمحت لها باستيفاء تلك المبالغ الطائلة من المقاولين والمستثمرين, فيأتيك الجواب: أنها سُفرة وممدودة.
ممارسات مرفوضة بحجم لوعة الفقراء والمعدمين, صار فيها الفاسدون والمفسدون يأكلون بشراهة ما بعدها شراهة من السُفرة الممدودة أمامهم, أحيانا يأكلون منها بمقادير مقننة, وتسعيرة معلنة, ومواعيد محددة, وأساليب مبوبة, وسياقات مفصلة بحكم الممارسات الفوضوية اليومية المنتعشة هذه الأيام في ظل الأجواء الفاسدة.
السُفرة: هي مائدة الطعام باللهجة العراقية والمصرية الدارجة, والسُفرة تعني طعام المسافر, والسَفر طاس: أو (طاسات السفر), وتسمى أيضاً (المطبقية) وهي من أطباق وأوعية نقل الطعام باللهجة التركية المأخوذة عن العربية, والسُفرَجي: هو خادم المائدة, أما إذا كانت السُفرة ممدودة فهي في العرف العراقي من الموائد السخية, الغنية بالمأكولات والمشروبات والمرطبات والفواكه والأطعمة اللذيذة, ولا تحتاج إلى دعوة رسمية, فهي مباحة للجميع, ومتاحة للصغير والكبير, ولا تستدعي الحرج ولا التكلف, وتُعد من المكاسب المجانية الشائعة, أما صاحب الوليمة الغائب الحاضر, فهو هذا المواطن المغلوب على أمره, الذي صار ماله ولحمه ودمه (حلال بلال مثل لحم الغزال).
لقد كثرت الأحاديث هذه الأيام عن الأموال المسلوبة من مائدة (السُفرة الممدودة), وكأنها من غنائم الفتوحات ومكاسبها, أو كأنها من اللُقط المتروكة على قارعة الطريق, أو  كأنها من الهبات المتساقطة من جيب المواطن, حتى صارت عبارة (السُفرة الممدودة) هي المرادف اللغوي لمفردات الفساد الإداري والاجتماعي, وصارت الرشاوى والعمولات والإكراميات والهدايا والهبات من انضج ثمارها وأشهى مأكولاتها, وربما يطول بنا الحديث عن مسوغات (السُفرة الممدودة) وتبريراتها المخجلة, التي لا تمت للمنطق ولا للمصلحة العامة ولا للشرع بأي صلة. ختاماً نقول: نخشى أن يتحول العراق كله في يوم من الأيام إلى سُفرةٍ ممدودة.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين