ناظم السعود
حين دعيت قبل شهر أو أكثر( لا تنجح ذاكرتي المنتهكة بتحديد الزمن) الى ندوة
شعرية أقامها اتحاد أدباء كربلاء للشاعر المبدع عبد الحسين خلف ألدعمي تمنّيت
وقتها ان تخصّص الندوة للنظر و الجدل والبحث في القصيدة النورسية ..تلك القصيدة
التي ابتكرها الشاعر عبد الحسين ألدعمي في زمن ليس للشعر!!.
وتكمن أهمية وفرادة هذه القصيدة بكونها جاءت في مرحلة كاسدة للنوع الشعري
وهناك تزاحم من قبائل الشعر على فنون الاجترار والاستلاف والنهل من تجارب محلية
وغير محلية بحجة المثاقفة والتناص والأثر والتأثر وسوى ذلك من عناوين ومصطلحات
لا تعني الا درجات من الخواء والجدب وربما ... اللصوصية!.
وقد أدرك الشاعر ألدعمي هذا المأزق الشعري الذي وقع فيه شعراء سابقون ومجايلون
ظلوا عقودا يدبجّون المعاني والبحور ضمن خانات تحيلهم فورا الى مفهوم شعراء الظل!
واحدس بما يقرب من الحقيقة الشعرية ان عبد الحسين ألدعمي قد وعى مقولة سارتر
المعروفة والتي ترى ( ان المضمون الجديد يحتاج شكلا جديدا) وهذا ما دفعه قبل ربع قرن
ويزيد ان يتوغل في تجاربه ويهضم الأشكال الشائعة والمطروقة ( في كتابة القصيدة
بجناحيها الفصيح والعامي) حتى يحقق تميّزه وكينونته بل وقطيعته بما يرتع الآخرون
فيه ويتغالبون على ما ليس لهم ..إفرادا وجماعات!.
وأي متابع حقيقي للشعر العراقي في عقوده الثلاثة الأخيرة يدرك مبلغ نجاح الشاعر
ألدعمي في مشروعه التجديدي للشكل الشعري وشحن القوالب الساكنة للجسد الشعري
بدماء موّارة بالإضافة والحداثة والانفلات من دوائر النمط ، وهكذا ولدت القصيدة
النورسية التي يراها الشاعر والناقد علي الفتال ( قصيدة مبتكرة يتحّد فيها حرف
الشعر مع نبض الوتر وتتزاوج المفردتان العامية والفصحى بانسيابية تامة مع الاحتفاظ
بالدفق الموسيقي المتصاعد مع الحدث .... والشاعر بهذا يتحدى المقاييس التي وضعها
النقاد !) وقد فطن الفتال بحذق الى ما أحدثه ألدعمي من بناء جديد للقصيدة الحديثة
ولكنه عوّل كثيرا على جهود مستقبلية يمكن ان يقوم بها نقاد ودارسون للكشف
والتعريف بآفاق هذه القصيدة المبتكرة وملامح جدّتها وافتراقها عن تجارب نظيرة.
والحقيقة أنني شغلت كثيرا بهذا ( التعويل ) وان كنت لا أحسن الظن به أو لا انتظر
منه الكثير نتيجة تراكم تجارب شخصية وعامة تنبئ ان هناك مشكلة كبرى في تلفي
تجارب الابتكار والتحدث وفداحة الرؤية السلبية التي تواجه التجارب المؤسسة وأصحابها!
وقد ساءني كثيرا ان تنبلج تجارب ريادية خارجة من أفق البلادة والتوجس والكراهة
لكل جديد ،مؤسس،ولا تجد استقبالا لائقا ولا أنصارا ذائدين، هكذا واجهت تجربة الروائي
المجدد طه حامد الشبيب صنوفا من التشكيك والعداء والغض الرخيص، وشبيها من
هذا واجهته تجربة التشكيلي غالب المسعودي برغم ريادتها المعروفة في تطويع الحرف
السومري للمنظومة الحروفية العربية.
ولذلك ،حين أقبلت على ندوة ألدعمي توقعت ان يكون هناك تغير نوعي في كيفية
التعامل مع التجارب المؤسّسة ( كما الأمر مع القصيدة النورسية) أو في الأقل أجد
رؤية متعافية من علل مؤسسات المركز وإشكالية الهامش المقصي ،غير ان أيّا من هذه
الأماني لم يتحقّق للأسف الشديد برغم الجهد الواضح الذي بذله الزملاء في الاتحاد
المحلي، فلم تزل الرتابة والتعامل الفوقي واجترار الكلمات الخطابية تهيمن على
منهاج احتفالاتنا حتى أصبحنا نعرف مسبقا ماذا سيقدم قبل وقوعه!!.
وكما كتبت أكثر من مرة فان الثقافة العراقية تفتقد على الدوام ما اسميّه ( فن
الاحتفاء) بالرموز والتجارب وان القائمين على تنظيم الندوات والاحتفالات لايعرفون
شيئا من أسرار ذلك الفن ولهذا تأتي مبادراتهم شاحبة وواهية من كثرة التنميط!
والواقع أنني خرجت من الندوة محزونا ، كسيرا لأنني لم أجد ما عوّلت عليه وكان
الزملاء في اتحاد كربلاء كحال زملائهم في بغداد وبقية المحافظات لا يحسنون الاحتفاء
بالإبداعات الجديدة وبجهود الأسماء المتنورة ، وستبقى النيّات البيض هي اللافتة
المرفوعة .. وأخشى ان أقول الوحيدة فوق القاعات الباردة !!
حين دعيت قبل شهر أو أكثر( لا تنجح ذاكرتي المنتهكة بتحديد الزمن) الى ندوة
شعرية أقامها اتحاد أدباء كربلاء للشاعر المبدع عبد الحسين خلف ألدعمي تمنّيت
وقتها ان تخصّص الندوة للنظر و الجدل والبحث في القصيدة النورسية ..تلك القصيدة
التي ابتكرها الشاعر عبد الحسين ألدعمي في زمن ليس للشعر!!.
وتكمن أهمية وفرادة هذه القصيدة بكونها جاءت في مرحلة كاسدة للنوع الشعري
وهناك تزاحم من قبائل الشعر على فنون الاجترار والاستلاف والنهل من تجارب محلية
وغير محلية بحجة المثاقفة والتناص والأثر والتأثر وسوى ذلك من عناوين ومصطلحات
لا تعني الا درجات من الخواء والجدب وربما ... اللصوصية!.
وقد أدرك الشاعر ألدعمي هذا المأزق الشعري الذي وقع فيه شعراء سابقون ومجايلون
ظلوا عقودا يدبجّون المعاني والبحور ضمن خانات تحيلهم فورا الى مفهوم شعراء الظل!
واحدس بما يقرب من الحقيقة الشعرية ان عبد الحسين ألدعمي قد وعى مقولة سارتر
المعروفة والتي ترى ( ان المضمون الجديد يحتاج شكلا جديدا) وهذا ما دفعه قبل ربع قرن
ويزيد ان يتوغل في تجاربه ويهضم الأشكال الشائعة والمطروقة ( في كتابة القصيدة
بجناحيها الفصيح والعامي) حتى يحقق تميّزه وكينونته بل وقطيعته بما يرتع الآخرون
فيه ويتغالبون على ما ليس لهم ..إفرادا وجماعات!.
وأي متابع حقيقي للشعر العراقي في عقوده الثلاثة الأخيرة يدرك مبلغ نجاح الشاعر
ألدعمي في مشروعه التجديدي للشكل الشعري وشحن القوالب الساكنة للجسد الشعري
بدماء موّارة بالإضافة والحداثة والانفلات من دوائر النمط ، وهكذا ولدت القصيدة
النورسية التي يراها الشاعر والناقد علي الفتال ( قصيدة مبتكرة يتحّد فيها حرف
الشعر مع نبض الوتر وتتزاوج المفردتان العامية والفصحى بانسيابية تامة مع الاحتفاظ
بالدفق الموسيقي المتصاعد مع الحدث .... والشاعر بهذا يتحدى المقاييس التي وضعها
النقاد !) وقد فطن الفتال بحذق الى ما أحدثه ألدعمي من بناء جديد للقصيدة الحديثة
ولكنه عوّل كثيرا على جهود مستقبلية يمكن ان يقوم بها نقاد ودارسون للكشف
والتعريف بآفاق هذه القصيدة المبتكرة وملامح جدّتها وافتراقها عن تجارب نظيرة.
والحقيقة أنني شغلت كثيرا بهذا ( التعويل ) وان كنت لا أحسن الظن به أو لا انتظر
منه الكثير نتيجة تراكم تجارب شخصية وعامة تنبئ ان هناك مشكلة كبرى في تلفي
تجارب الابتكار والتحدث وفداحة الرؤية السلبية التي تواجه التجارب المؤسسة وأصحابها!
وقد ساءني كثيرا ان تنبلج تجارب ريادية خارجة من أفق البلادة والتوجس والكراهة
لكل جديد ،مؤسس،ولا تجد استقبالا لائقا ولا أنصارا ذائدين، هكذا واجهت تجربة الروائي
المجدد طه حامد الشبيب صنوفا من التشكيك والعداء والغض الرخيص، وشبيها من
هذا واجهته تجربة التشكيلي غالب المسعودي برغم ريادتها المعروفة في تطويع الحرف
السومري للمنظومة الحروفية العربية.
ولذلك ،حين أقبلت على ندوة ألدعمي توقعت ان يكون هناك تغير نوعي في كيفية
التعامل مع التجارب المؤسّسة ( كما الأمر مع القصيدة النورسية) أو في الأقل أجد
رؤية متعافية من علل مؤسسات المركز وإشكالية الهامش المقصي ،غير ان أيّا من هذه
الأماني لم يتحقّق للأسف الشديد برغم الجهد الواضح الذي بذله الزملاء في الاتحاد
المحلي، فلم تزل الرتابة والتعامل الفوقي واجترار الكلمات الخطابية تهيمن على
منهاج احتفالاتنا حتى أصبحنا نعرف مسبقا ماذا سيقدم قبل وقوعه!!.
وكما كتبت أكثر من مرة فان الثقافة العراقية تفتقد على الدوام ما اسميّه ( فن
الاحتفاء) بالرموز والتجارب وان القائمين على تنظيم الندوات والاحتفالات لايعرفون
شيئا من أسرار ذلك الفن ولهذا تأتي مبادراتهم شاحبة وواهية من كثرة التنميط!
والواقع أنني خرجت من الندوة محزونا ، كسيرا لأنني لم أجد ما عوّلت عليه وكان
الزملاء في اتحاد كربلاء كحال زملائهم في بغداد وبقية المحافظات لا يحسنون الاحتفاء
بالإبداعات الجديدة وبجهود الأسماء المتنورة ، وستبقى النيّات البيض هي اللافتة
المرفوعة .. وأخشى ان أقول الوحيدة فوق القاعات الباردة !!