بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

كما وصلني-تحذير الى العراقيين والعرب من الجامعات المفتوحة بهولندة


كما وصلني
تحذير الى العراقيين والعرب من الجامعات المفتوحة بهولندة
د. رائد سلمان
قد يندهش المرء عندما يجد في مدينة لاهاي(دنهاخ) الهولندية حوالي 10 جامعات عراقية أو ما يسمى بجامعات تعتمد التعليم عن بعد (خاصة عبر الانترنيت). ولألقاء الضوء عليها دعونا نسرد كيفية فتح مثل هذه الجامعات بهولنده: أولا يتم تسجيلها في الغرفة التجارية في مدينة لاهاي مقابل مبلغ ضئيل جدا (50 ايرو)على أساس هي مؤسسة غير ربحية (يعني تعمل في سبيل الله!) اذا جاز التعبير. ثانيا لا تعترف الحكومة الهولندية بمثل هذه الجامعات ولكن بما أنها مسجلة قانونيا على أساس مؤسسة غير ربحية فيمكن التصديق على توقيع رئيس الجامعة أو من ينوب عنه إما في الغرفة التجارية ومن ثم الخارجية الهولندية أو من طرف كاتب العدل والخارجية الهولندية. ثالثا: لا تشترط غرفة التجارة أن يكون المؤسس من أصحاب الشهادات العليا بل أن هنالك جامعة رئيسها حاصل على البكالوريا فقط بالعراق! إن أغلب مؤسسي هذه الجامعات هم من الذين لم يستطيعوا الحصول على عمل في هولنده لأسباب كثيرة منها قلة المامهم باللغة الهولندية.
مقرات هذه الجامعات عادة غرفة في شقة أحدهم تحتوي على حاسوب أو أكثر ورقم هاتف مثل جامعة فان هولند وابن رشد...الخ, وهنالك ثلاثة جامعات في شقق وأحدى هذه الجامعات استأجرت شقة صغيرة في برج سكني لطلاب المدرسة العليا لمدينة دنهاخ أو لاهاي ولكن من يطلع على موقع الجامعة هذه يقرأ أن مكاتب هذه الجامعة برج الطلاب السكني كاملا المؤلف من أكثر من 15 طابق!: هذه هي جامعة لاهاي الدولية.
تقوم الجامعات هذه باصدار شهادات تصل الى الدكتوراة باختصاصات متعددة : علوم انسانية, لغات, اقتصاد, محاسبة, ادارة الاعمال, الفنون الجميلة, بل حتى طب بشري وهندسة بترول ومعماري وفيزياء نووية وبستنة... الخ كل التخصصات والحمد لله متوفرة مقابل رسوم دراسية معينة. عموما الطالب يكون تحت اشراف استاذ المفروض أن يكون من ذوي المؤهلات ويتم تزويد الطالب بالحقيبة الدراسية اما ورقية أو على شكل رقمي. هنا نتوقف ونقول هنالك أساتذة ذوي مؤهلات معقولة ولكن أيضا هنالك اساتذة يقومون بتدريس أو الاشراف على دراسة الطلاب دون أن يكونوا أصلا متخصصين : مثلا يقوم مدرس اقتصاد بالاشراف على دكتوراة أو ماجستير علم النفس , أو أن يقوم استاذ مساعد بالاشرف على أطروحة الدكتوراة !: الطالب المسكين لا يعرف ذلك وفي نهاية المطاف يحصل الطالب على شهادة بدون جهد كبير ورسوم معتدلة نوعما مقارنة بالتعليم المعترف به.
إن الهدف الرئيسي والأوحد لمثل هذه الجامعات هو المال فقط لا غير حتى ولو قامت جامعة ما بتنظيم لقاء أو اجتماع لبعض الاساتذة تحت اسم مؤتمر علمي والبرهان على ذلك لم نجد أي بحث علمي يصدر من هذه الجامعات. طبعا هنا قد يسأل أحدهم: كيف اذن يتهرب مؤسس الجامعة من الضرائب لأن المؤسسة غير ربحية: الجواب بسيط: كل الجامعات تتوفر على حساب جاري في بنك هولندي وهو الحساب الأبيض, وكذلك تتوفر الجامعات على حسابات سوداء لا تخضع للضرائب بهولندة لانها غير معروفة لدى الدولة الهولندية, مثلا هنالك طلاب يدفعون مباشرة باليد إلى الجامعة كطلاب الشرق الأوسط : العراق المثل الأوضح : مثلا جامعة لاهاي الدولية تملك فرع لها في مدينة الموصل وجامعة فان هولنده لها فرع بمدينة تكريت : والجامعتان تتعاملان مباشرة ماليا مع ممثل الجامعة هناك: أي لا تقوم الفروع بأرسال المال مباشرة الى هولنده.وللجامعة الحرة فروع في العراق أيضا مع أنها أصبحت أكثر الجامعات العراقية هنا تعرضا للضغوط , ونفس الشيء بالنسبة لجامعة لاهاي.
الغريب في الأمر أن الحكومة الهولندية التي لا تعترف وزارة تعليمها بمثل هذه الجامعات لم تحرك ساكنا تجاه هذه الوضع مع الفضائح الكبيرة التي حدثت في الماضي والتي تحدث: والسؤال هنا لماذا؟ سؤال منطقي وغريب لكن لا احد يعرف الجواب عنه إلا بالنسبة للجامعة الحرة التي صدر بحقها حكما قضائيا يمنع السلطات الهولندية من تصديق شهاداتها وذلك قبل أكثر من شهر.
كانت بالسابق بعض السفارات العربية تصادق على ختم وزارة الخارجية الهولندية ولكن بعد الفضائح الكبيرة بدأت السفارات العربية كلها ترفض التصديق على ختم وزارة الخارجية الهولندية ما عدا سفارة الامارات العربية المتحدة, هذا مع العلم أن وجود أو عدم وجود مثل هذا التصديق لا يعني شيئا بالنسبة لقيمة الشهادة لسبب واحد هو انها شهادات غير معترف بها اطلاقا.
هنالك طلاب يقومون بالتسجيل عندما يرون على موقع جامعة معينة أن وزارة الخارجية الهولندية تصادق على الشهادة : وهذه خدعة أخرى لأن وزارة الخارجية انما تصادق على توقيع غرفة التجارة أو كاتب العدل ليس الا: ويكتشف الطلاب الخدعة بعد فوات الأوان. كذلك هنالك طلاب يقدمون على التسجيل ولا يهتمون لمصداقية هذه الجامعات والدافع هو حصول على شهادة تسمى بالجامعية مع ختم وزارة الخارجية الهولندية, ومثل هؤلاء الناس يريد فقط أن يكتب امام اسمه "دكتور".
ونشير أن بعض المسؤولين العراقيين حصلوا على شهادات من مثل هذه الجامعة: فوزير الزراعة الحالي عز الدين الدولة وابنه علي قد حصلا على ماجستير بالقانون من احدى هذه الجامعات عام 2010!
هذه معلومات يجب أن يطلع عليها كل من يهمه الأمر خاصة العراقيين كونهم الضحية الأكبر بسبب ظروف البلد وعدم مصداقية الحكومة العراقية بما يخص التعليم عموما ولان الكثير ممن يتولى مناصب عليا في العراق حاصل على مثل هذه الشهادات من هولنده أو المانيا والدانمارك أو ايران الاسلامية جدا .
لاهاي (دنهاخ) آب 2011

عرض كتاب-الشيخ عبد الكريم الماشطة-حامد كعيد الجبوري


عرض كتاب
الشيخ عبد الكريم الماشطة
أحد رواد التنوير في العراق
حامد كعيد الجبوري
صدر عن الدار
العربية للطباعة والنشر كتاب ( الشيخ عبد الكريم الماشطة أحد رواد التنوير في
العراق ) ، بقلم الباحث الأستاذ أحمد الناجي ، ويقع الكتاب ب 157 صفحة من الحجم
الكبير ، وبورق أبيض صقيل ، صمم الغلاف د فاخر محمد .
مقدمة الكتاب
بقلم د رشيد الخيون ، وحقيقة أن هذه المقدمة تغني القارئ عن الغاية التي توخاها
الباحث الناجي من هذا الكتاب ، يقول الدكتور خيون ( كم كان وعي شيخنا متقدما
مقاربة مع أوضاع العراق آنذاك ، الأربعينات ، أن يأخذ عالم ديني عراقي على عاتقه
مسؤولية النضال من أجل السلم ، وسط محرمات لا عد ولا حصر لها ، قد تحرمه من
الأتباع والمريدين ، وربما جعلته قائما وحيدا في محراب الصلاة ، من هنا يقاس تفوق
هذا الرجل ، وتجاوزه للمألوف والمحذور أن يقف بين شباب وشيبة ، نساء وعمال وطلبة ،
يلقي على أسماعهم الكلمات التالية : أرجو لكم من الله التوفيق في أعمالكم ، وأن
يمكنكم من خدمة أبناء النوع الإنساني عامة ، ولا بد أن تحبوا الله ، وتحبوا عباد
الله ، لأن من يحب الله يحب آثاره ، والله تعالى يباهي بكم الملائكة على معاونتكم
لإخوانكم ، واهتمامكم بردع الحروب ، وتخليص البشرية من ويلات القنابل الذرية
والهيدروجينية ) ، ويلخص الشيخ عبد الكريم الماشطة الإسلام كما يرى د رشيد الخيون
(رابطا إسلامه بالسلام وبإطلاق حمامة السلام من بين يديه في قاعة المؤتمر ) ،
وينهي الدكتور الخيون قائلا ( أجد بين عمامة عبد الكريم الماشطة والعمائم التي
تصدر فتاوى الموت وتتقدم للتحريض على الحروب ، هو الفارق بين الغرابين والحمائم
البيض ) .
قسم الباحث
أحمد الناجي كتابه لتسعة فصول ، سنأخذ من كل فصل لمحات لنضئ بها عرض هذا الكتاب
القيم .
الفصل الاول / السيرة
الذاتية :
هو عبد
الكريم بن الحاج عبد الرضا بن الحاج حسين بن الحاج محسن الماشطة ، ولد عام 1881 م
في أحد بيوتات محلة جبران زقاق ( الجياييل ) في الحلة الفيحاء .
الفصل الثاني /
في الفكر والسياسة :
كان والده من
الشخصيات الوطنية التي طالبت بالدستور ، ( وسعت الى تنظيم نفسها منذ بدايات القرن
العشرين لتحقيق ما جاء به على أرض الواقع ، وامتدت طموحاتهم الكبيرة الى إزالة
الوضع الاستبدادي القائم ، وتحسين أحوال الناس الاجتماعية والمعيشية ، وتماشيا مع
تلك التوجهات قام مجموعة من مفكري الحلة بتشكيل جمعية سرية تكون فرعا لجمعية الاتحاد
والترقي ) ، لذا نجد أن الشيخ الماشطة حسم أمره مبكرا كما يقول الباحث الناجي صوب
التحرر والتجديد ، بدأ الشيخ الماشطة تعليمه بكتاتيب الحلة وبرغبة من والده شد
رحاله الى النجف الأشرف فأكمل المقرر من دروسه في النحو والبلاغة والمنطق والفقه
وأصوله ، فحاز على ناصية وزمام أمره ، ومما يميز النجف أنها تستقبل كل الاتجاهات
المضادة والمتطابقة لدراستها وتحليلها ومنهجتها ، فتتبع الرجل الأصالة وتقصى
النظريات الفلسفية للكون والحياة ، وحين هبت رياح التجديد ارتبط بالفكر التنويري ،
ممثلا بأفكار رفاعة الطهطاوي ، وعبد الرحمن الكواكبي ، وجمال الدين الأفغاني ،
ومحمد عبده ، وكان الشيخ الماشطة أحد طلاب الحوزة الدينية المدافعون عن الدستور
متأثرا بفكر وسيرة والده ، وتطورت مداركه بعدما أدرك بوعي أهمية الجدل والتأمل في
فضاء المعرفة ، والوصول لإجابات العقل المقلقة وأفضت به الى مخاض وعي مكنه من
أجتراح جملة من متبنيات فكرية وسياسية ، وهذا ما أورده الباحث وأكد على أن الشيخ
الماشطة بقي أمينا لمنهجيته الدينية والتمسك بآراء أساتذته ، ولم يتوقف الشيخ
الماشطة عن البحث والتقصي والقراءة حتى بعد أكماله مقررات دروسه الحوزوية وامتدت
سني دراسته مستكملا لها في حلقات دراسية فقهية حلية .
الفصل الثالث /
النشاط السياسي والاجتماعي :
ما مر على
العراق عموما وعلى الحلة الفيحاء خاصة لم يكن الشيخ الماشطة ببعيد عنها ، كل خفايا
الاحتلال البريطاني 1914 – 1918 م وأحداث
معارك الشعيبه عام 1915 م ، والأحداث المروعة التي مرت بها الحلة أواخر العهد
العثماني في ( دكة عاكف ) 1916 م ، وأساليب دعم حركة الجهاد كل ذلك بلوّر حياة
وسيرة الشيخ الماشطة ، و( تبلورت صور
المشهد السياسي في ذهن الشيخ الماشطة المتابع لتفاصيل الأحداث ، لتنعكس انطباعاته
ومعها فيض مما أنغرس في أغوار الذاكرة من بذرات الخراساني والنائيني ، متناظرة مع
بصيرته الثاقبة للعديد من الأحداث المهمة المتزامنة مع تأسيس الدولة العراقية
بداية عشرينات القرن الماضي التي ساهمت بفتح نوافذ على الحياة السياسية ) ، وخاض
الشيخ الماشطة الانتخابات النيابية عام 1954 م متحالفا مع تكوينات الجبهة الوطنية
التي ضمت تحت لواءها الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال ، والحزب الشيوعي
العراقي وحركة أنصار السلام ، ومنظمات الطلاب والشباب ، والنقابات المهنية ،
والعمالية ، وممثلي الفلاحين ، وبسبب كل هذه النشاطات والتجمعات والمحاضرات فقد
ضيّق على الشيخ الماشطة ومما يذكر قيادته لتظاهرة انتخابية عام 1954 م ولما أرادت
قوى الأمن تفريق التظاهرة خاطبهم الماشطة ( مالكم قلقون اعتبروها زفة عرس ) ،
وتمادى الشرطة أكثر وحالوا تفريق التظاهرة وألقي القبض على قسما من منظميها وسلم
الشيخ من ذلك ولكنه أحيل لمحاكمة جزائية تطوع ( 36 ) محاميا للدفاع عنه ، وعلى
رأسهم المحامي الأستاذ ( حسين جميل ) ، و ( مظهر العزاوي ) ، و ( توفيق منير ) ، وردّ القاضي ( فريد فتيان ) الدعوى وبرأ ساحته
وعد الحاكم التدخل الأمني استفزازا للمتظاهرين ، وبعد شهرين ألقي القبض على الشيخ
وأحيل الى بغداد وبرأ أيضا ، كان الشيخ من الكتاب والصحفيين الوطنيين الذين لم
تسخر أقلامهم إلا لمصلحة شعبهم وتطلعاته ، بعد التغيير الوطني عام 1958 م نشر
الشيخ الماشطة مقالاته في كبيرات الصحف العراقية آنذاك ، ( اتحاد الشعب ) ، و( صوت
الأحرار ) .
الفصل الرابع /
مجلة العدل ومقالاتها :
أصدر
الشيخ الماشطة من مجلته ( العدل ) عددا واحدا في آذار عام 1938 م ، طبع في المطبعة
العصرية في الحلة الفيحاء ، وقد صادرته السلطة قبل توزيعه ، وألغت امتياز المجلة ،
وهنا رأي للدكتور علي جواد الطاهر الذي لم يخف مشاعر الفرح والغبطة بهذا الإصدار
الذي لم ير النور حينما سؤل فأجاب ، (
الشيخ عبد الكريم الماشطة وجه وطني جرئ
وقد أصدر مجلة باسم ( العدل ) والاسم ذو
دلالة فرحنا بها وأبهجنا ما وراء حروفها من حس انتقادي للأوضاع ، كان الشيخ ينفذ
الى غايته من عنوانات بدايات لا تبدو لها علاقة بقصده ، وكان طبيعيا أن يصادر
العدد ويمنع الشيخ من إصدار عدد ثان ) .
الفصل الخامس /
الشيخ الماشطة والصوفية :
يقول الباحث
الناجي قدم الشيخ الماشطة في سلسلة مقالاته عن الصوفية دراسة مستفيضة متطرقا الى
عناصرها وأفكارها ومفاهيمها وموروثها وتأثيرها على المفكرين المسلمين فكشف بذلك عن
ثراء معرفي وعمق فكري مكتنز لا ريب من سنين مضنية قضاها في البحث والتقصي عن
ينابيع معرفية نقلت الفكر الى حالة من الانفتاح العقلي والانطلاق بعيدا عن متاهات
الجدل الدائر لسنين طوال بين الجبر والاختيار ، والأشعرية والمعتزلة .
الفصل السادس /
حركة أنصار السلام :
للحاجة الإنسانية للسلام وتجنبا للكوارث والحروب
وهدر الطاقات فقد عقد مؤتمرا عالميا في ( بولونيا ) ، حضره المثقفون من سائر بقاع
الدنيا كرس للسلام العالمي عام 1948 م ، ومما يذكر ان شاعر العرب الأكبر محمد مهدي
الجواهري كان من الحاضرين لهذا المؤتمر العالمي ، واختير الجواهري ليكون عضو
المؤتمر الأول الذي عقد عام 1950 م ، ولم يكن الشيخ الماشطة ببعيد عن هذا المؤتمر
فقد لبى الدعوى لمناصرة ( نداء أستوكهولم ) الصادر من مؤتمر السلام العالمي في 19
/ آذار / 1950 م لتحريم القنبلة الذرية ، ولبى الدعوة أيضا شخصيات سياسية عراقية
أخرى ، ويعد الشيخ الماشطة رجل الدين الأول الذي لبى نداء السلم ووقع على بنوده
الخمسة الصادرة عن اجتماع أستوكهولم ، وبذلك يعد مطلع عام 1950 بداية تأسيس حركة
أنصار السلام في العراق ، وبعد تنامي هذه الحركة التي استقطبت وطنيِّ العراق وبدأت
الأجهزة الأمنية متابعة نشاطات هذا التجمع العالمي الجديد ، وأعتقل الكثير ممن
انتمى لهذا التجمع بذريعة عدم أجازة هذا التجمع رسميا ، ومن هؤلاء شاعر الشعب محمد
صالح بحر العلوم ، ولقد أسهم الكثير من المثقفين العراقيين بإنارة طريق هذا التجمع
من خلال القصائد التي صدح بها شاعر العرب محمد مهدي الجواهري وعبد الله كوران ،
ومما يذكره الباحث أحمد الناجي بكتابه موضوع عرضنا قصيدة ( أمي والسلام ) للمناضل ( حسن
عوينه ) ،
أماه رهط الظالمين تآمرا
ليشن حربا غادرا وتآزرا
تطوى الشباب على الشيوخ وللدم
الزاكي الطهور ترين بحرا زاخرا
والأرض تزرع بالضحايا إن
ذكت ويبدل الروض الخصيب مقابرا
الفصل السابع /
الاتهام بالشيوعية :
ربما - وهذا
رأيي الشخصي - أن الباحث الناجي لم يعطي هذا الفصل مما يستحق من تسليط ضوء ، ورأي
مبلور ، لا لكون الباحث غافلا عن خطورة هذا المبحث لأسباب كثيرة جدا ، ومن أهمها
أن من يركب موجة الدين سفاها ، ليغوي بها السذج ويعتاش على تخلفهم ، قد يتقاطع
كليا مع الشيخ الماشطة الذي أوجد لذاته فلسفة أستمدها من بطون كتب غيبت تماما
ليبقى الكم الهائل من البشر متخندقون ومتترسون وراء حجب لا يعرفون لها خلاصا ، لذا
صدرت الفتاوي التي حرمت الانتماء لأحزاب تناضل من أجل رفعة البشر وخيره ، ويجد
الدعاة الى الإسلام من هذه الشريحة الديمقراطية حراما ولا يؤمنون بها ولكنهم
يؤمنون بآلياتها التي أوصلتهم لمآرب خاصة ، وينسب للكثير من هؤلاء مقولتهم أن كانت
الديمقراطية تعني حكم الشعب فذلك خلاف التشريع الذي وكلنا به من قبل الله ، بمعنى
أدق نحن ولاة أمور الناس بتكليفنا الشرعي الإلهي ، وهذا ما أستنتج خلافه الشيخ
الماشطة ، ولكونه قريبا الى اليساريين والليبراليين والشيوعيين وحتى القوميين ،
لذا حورب هذا الشيخ الجليل لصدق سريرته مع ذاته ، ومع الله ، وأتهم بالشيوعية
لتقارب آرائه مع فكرهم .
الفصل الثامن /
آثاره :
للشيخ
الماشطة مؤلفات كثيرة مطبوعة ومخطوطة ،
ومقالات لا تحصى نشرت بالصحف العراقية ، وأهم ما يذكر في هذا الباب كتابه
الذي ذكره الأستاذ كوركيس عواد في ( معجم المؤلفين العراقيين ) ، ويؤكده الأستاذ
حميد المطبعي في ( موسوعة أعلام العراق في
القرن العشرين ) ، وعنوان كتاب الشيخ الماشطة ( الشيوعية لا تتصادم مع الدين ولا
مع القومية العربية ) ، ولا أعرف لم لا يؤيد الباحث الناجي وجود مثل هذا الكتاب ،
مستدلا على عدم وجوده بين يديه ، أو لم يسمع به من أحد غيره ، ولعمري هذا يخالف
النهج البحثي ، وإلا ما كان ( كوركيس عواد ) ، ولا ( حميد المطبعي ) يذكرون وجود
مثل هذا الكتاب ، وأقول الى الصديق الباحث الناجي ترى أيمكن أن نجد مثل هذا الكتاب
وبتلك الفترة من الحكم الشمولي ، وبعد
صدور فتاوى تقول ( الشيوعية كفر وألحاد ) ، نجد من يقرأ أو يحتفظ بهذا الكتاب ،
ومن خلال هذه المنابر الحرة أقول لابد وأن تكن هناك نسخة واحدة على الأقل موجودة
في بطون مكتباتنا البيتية العامرة ، فأدعو راجيا ومرتجيا ، ممن يملك هذا النسخة أن يحاول أن يقدمها هدية
لأي مطبعة وطنية تقدمية لأحياء تراث هذا الرجل الإنسان .
الفصل التاسع /
وفاته :
أصيب شيخنا الجليل الماشطة بمرض عجز القلب بداية عام
1959 م وغادر الى الإتحاد السوفيتي آنذاك لتلقي العلاج ، ولم يمكث طويلا في موسكو
وعاد الى مستشفيات بغداد وتوفي فيها في 3 أيلول عام 1959 م ، ونقل جثمانه الى
الحلة الفيحاء ومنها شيّع لمثواه الأخير النجف الأشرف ، وأقيمت له أكثر من مجلس
فاتحة أو أربعينية في مختلف المحافظات العراقية ، وكذا خارج العراق ( موسكو –
صوفيا – برلين – بودابست ) ، ونعاه المكتب الدائم للمجلس الوطني لأنصار السلم في
الجمهورية العراقية ببيان تحت عنوان ( ذكرى الأربعين لوفاة سماحة العلامة الكبير
الشيخ عبد الكريم الماشطة فقيد حركة السلم العراقية والعالمية ) .
رأي :
الكتاب ( الشيخ
عبد الكريم الماشطة أحد رموز التنوير في
العراق ) ،
كتاب قيم بذل
الباحث احمد الناجي لأجله وقتا مضنيا وفتح الباب واسعا للباحثين بفكر هذا الرجل –
الماشطة - ، طبع الكتاب عام 2006 م ، ومن المؤكد أن الباحث قد ورد له من أصدقائه
ملاحظات ، وإضافات جديدة ، ومعلومات تستحق أن تنشر ، ويشار لها ، أتمنى على الصديق
الباحث أعادة النظر جديا بما تمنيت عليه ، وأن يترك الدعوة التي وضعها بداية
الكتاب ، متمنيا على الباحثين والمؤرخين لينهضوا بأعباء دراسة هذا الشيخ منهجيا ،
فأنت يا صديقي أحق بالبحث المنهجي لما تمتلكه من خبرة واسعة ، وشهادة تؤهلك لخوض
هذا المضمار .

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

شطي الحبيب. . شطّ العرب-يعقوب أفرام منصور




شطي الحبيب. . شطّ العرب
جريدة المستقبل العراقية / بغداد في 14/11/2011
يعقوب أفرام منصور
آهِ, لو تعلم, شطّي الحبيب, شطّي العربي, كم أحببتُك منذ صِباي ويفاعتي وشبابي, وكم أحببتُك في كُهولتي, وكم اُحبّك الآن وأتوق إلى رؤياك في كهولتي. .
تخللّتْ فترة عُمري أعوامٌ, نأيتُ فيها عنك أعواماً وشهوراً, لكنّ هواك الكامن في دمي وحجيراتي, كان يزداد في البعد والأسفار والإغتراب, فَنِصْفُ دمي من مائك الوافد من الفراتين, ورُبعه من تمور نخيلك. .
تمّنَيتُكَ يا شطّي العربي مخلوقاً حيّاً, يا واهب الحياة بكل أشكالها على جانبيك من القرنة حتى الفاو, مخلوقاً ذا ذاكرةٍ وخافقٍ وباصرةٍ وذراعين, كي تعرف هُوِيّتي, وتتذكّر جلساتي العديدة على كورنيشك الجميل, وركوبي (بَلَمَكَ) العشّاري البديع مراراً, وصعودي إلى ظهور سفنك البحرية الراسية في مراسيك العديدة, سُفنٌ هندية وأخرى ألمانية وأمريكية وبريطانية وغيرها, كي تشعر بحرارة معانقتي إيّاك, وتستطيع سَبْرَ عُمقِ محبتي نحوك, كما لو كنت أبي وأمّي, أو صديقاً حميماً فارقته منذ عهد الصبا الذي أفنيته في ربوعك. أو أساتذتي الذين درّسوني في ثانوية بصرتك العزيزة في العشّار إبان العامين 1945 و 1946. .
آهاً يا شطّي العربي الأثير, يؤسفني كونًك تجهل كم أنت عزيز لدى جناني وأفئدةِ البصريين الأقحاح والنشامى الحاليين, وعند أشقائهم البغداديين الأُصلاء الغيارى, وعند العراقيين المخلصين لعروبتهم, والأوفياء لوطنهم المضطهد من بغض الأجانب, ومن بغض أبناء العمومة والخؤولة وعصابات الجيران. . .
لكن, واأسفاه, واحسرتاه, أنت لا تعلم مدى وعمق هذه المودّة, ومغزى هذه المشاعر المكنونة نحوك ممّن أسلفت ذكرهم , فالمحبً يَهمُّه أن يعرف بكون محبوبه عارفاً بمن يحبّه. .

فمجراكَ في المدِ والجزِ عندي وعندهم أجمل من قنوات البندقيّة, ومشاهدك على الضفتيَن الكحيلتين بكحل باسقات النخيل, أبهى من مُقلتي فاتنةٍ عربيةٍ حوراء, مكحلتين بالأثمد, ومناظرك الخلابة على جانبيك في حمدان والمحَوْلة والسرّاجي والصالحيّة والبراضعيّة وأبي الفلوس, أزهى من مناظر ضفاف الدانوب والرّاين والميسيسيبي والأمازون والسين. .
كم عانيتَ وأُهملتَ وأُوذِيتَ أيها الشطّ العزيز, شطّ العرب, من ذوي القربى, وكم قاسيتَ وتقاسي من الجيران, كم تعمّد الغُزاة الجُناة ومناصروهم إغراق السفن في مياهك لغايات دنيئة, وأحقاد دفينة, وكم سعوا في غلق المنافذ والمسالك نحوك, وكم اغتصبوا ضفافك, وكم غمروا مجراك بالسموم والفضلات والنفايات المهلِكة للحرث والنسل ؟؟. . .
هؤلاء وأولئك قد تمادوا في إيذائك, يا شطّنا, وقد أضمرّوا لك أسوأ النيّات, وتجاوزوا حدودَ أقصى الظلم والعُسف, وتجاهلوا كل دينٍ ومحرَّم وشرعٍ وضمير, حتى فاقوا الأعداء في العداوة والإضرار. .
لِمَن المشتكى, يا شطّنا العزيز, إلا إلى ذي الجلال والإكرام والقدرة, الواحد القهّار, فالربابنة عندنا ساهون, متناومون, متهاونون. .
وا أسفاه, وا ربّاه, إليك المشتكى ربّاه, أنت أعدل من يعاقب ومن يُثيب. .
الله أكبر فوق كيد المعتدي, والله للمظلوم خير مؤيد. .
أربيل

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

قصة قصيرة-الديناصور-عادل كامل



قصة قصيرة

الديناصور

عادل كامل

" كان يستطيع ابتلاع ثلاث بقرات دفعة واحدة ..." وواصل كلامه، حيث كنا نصغي إليه بانتباه. فتوقف عن الكلام وكأنه حدس ما دار بخلدنا، فكنا نخاف ان يتركنا، أو يدعنا ننتظر حتى اليوم التالي. لكن جدي طالما واصل سرد باقي الحكاية، وقد أخذت بالاتساع والتشعب، حتى كنا لا نمتلك قدرة رسم شكل الحيوان الذي كان يتحدث عنه.
ـ " حسنا ً، حسنا ً، أين وصلنا...آ... تذكرت" فيروي لنا كيف استطاع ذلك الحيوان ـ وقد قال انه شبيه بالديناصورات، لولا انه أعظم منها حجما ً، وشراسة، ومكرا ًـ ان يجتاز البحر، ذات مرة، بوثبة واحدة، مع انه كان يمتلك قدماً واحدة..! وكيف دخل معركة ضد الحيتان السوداء، والزرقاء، وانتصر عليها جميعا ً دون ان يصاب بأذى يذكر، ثم بعد ذلك ذهب الى الجبال المغطاة بالثلوج وعاش هناك قرون عدة مستمتعا ً بالبرد، وأعشاب الوديان.
كنا نصغي إليه بانتباه، وشرود، شديدين، حتى أصبحنا ندرك انه عاش مع ذلك الكائن الغريب، زمنا طويلا ً، حتى أصبحنا ندرك ان هناك صداقة عقدت بينهما. المهم اننا كنا ان نعرف كيف كانت الأشجار تنحني له عند مروره من أمامها، وكيف فرض سيطرته في الغابة، وفي الوديان، وفي البحار. ومع انا لم نكن نصدق كل ما كان جدي يرويه، ومع اننا لم نكن نخفي شعورنا بالمبالغة، التي كان يتحدث فيها عن ذلك المخلوق النادر، إلا إننا كنا نشعر برعب عميق كلما مر بخاطرنا شبحه، وشكله، وما كان يقوم به من أعمال غريبة، تتجاوز تصوراتنا، فكنا نغطي رؤوسنا عند النوم، بعد إغلاق الأبواب، والنوافذ، وكان من المستحيل التفكير في مغادرة منازلنا ليلا ً، أو قبيل شروق الشمس.
قال جدي:" إلا انه لم يكن ظالما ً أبدا ً ...." ثم أضاف، بعد لحظات صمت كتم فيها أنفاسنا، وهو يراقبنا، الواحد بعد الاخر، نحن احفاده، فيما إذا كنا نصدق كلامه، أم أن الشك قد تسرب الى نفوسنا:
ـ " فهو لا يؤذي من لا يؤذيه، ولا يغضب إلا اذا ...اقتربتم من عريته" أهو أسد؟ لا .. قال جدي، انه ينتمي الى سلالة كائنات الليل، من الزواحف التي عاشت في العصور السحيقة، قبل ظهور البشر فوق البسطة. فسأله احدنا ببراءة:
ـ " من كان يقترب منه إذا ...؟" غضب جدي وهم بالنهوض، صحنا:
ـ " لا تفعل ذلك "
ـ " حسنا ً، اين وصلنا؟" قلت:
ـ " انه ينحدر من ... عصور ... سحيقة"
ـ " تذكرت " وغرق في الصمت، ثم ضحك:
ـ " كان كبير الحجم، وله أشكال متعددة، ولكن ليست تلك هي المشكلة.." صمت. فصرخنا:
ـ " أكمل، يا جدي، أكمل..." لأننا كنا نخاف ان يغادرنا، والقصة لم يبلغ نهاياتها. فقال:
ـ " إننا ـ نحن ـ الذين كنا نراه بهذا الحجم.. " وتذكرنا قصة الأسد الذي غلبته سمكة صغيرة وسخرت منه عندما استدرجته إلى الماء، وحكاية الفقير الذي نجا من الجحيم بعد ان ترك أغنياء القرية يدخلون فيها، وقصص كثيرة متناثرة لا نعرف من أين كان يأتي بها، لكننا كنا، في واقع الأمر، نراه صادقا ً، ولا غبار على ما كان يقول. ولم يخطر ببال ايا ً منا انه كان يهوّل، أو يسرد حكايات من نسج خياله، بعد أن كبر وبلغ من العمر عتيا، او كان يضمر شيئا ً ما لنا غير أسرنا بتلك الحكايات، حتى حدث في ذات مرة أن سأله احد أحفاده:
ـ " وكيف إذا ً اختفى الديناصور، وأين توارى، ومن انتصر عليه ..؟"
غضب جدي غضبا شديدا ً، وسكت، ولم يعد يروي لنا شيئا ً من حكاياته، بل ولم يعد يستقبلنا في بيته ايضاً. كان جدي يعيش وحيدا ً، ولم نكن نعرف كيف كان يعيش، ومن يساعده في شؤون حياته الخاصة، وماذا يفعل طوال الوقت في عزلته، حتى تسلل الينا الشك بانه ربما كان هو الذي اخفى الديناصور في بيته الكبير، أو ان له علاقة ما معه، وإلا لماذا كان يكيل اليه المداح، ولم يذمه ابدا ً، ولم يتحدث عنه بسوء، مع انه كان اغرب كائنات الغابة، واشدها فتكا ً؟ وازداد شكنا، وازدادت حيرنا، وفي الاخير كنا قررنا اغفال هذا كله والاعتراف بذنوبنا لجدي، كي لا يخفي عنا خاتمة الحكاية، ومصير الديناصور، بعد ان تعلقنا به، واصبحنانحبه، ولا نخاف من قوته، أو بطشه. فتجمعنا امام البيت الكبير، بافواه مغلقة، وانفاس متجمّدة، واعلنا لجدي أننا لن نغادر، ولن نذهب الى بيوتنا، واننا سنضرب عن الطعام حتى الموت، إن هو تجاهل مطاليبنا. لم يمتد زمن الاضراب طويلاً، فقد استجاب جدي لنا. في البدء سمعناه يهمهم، ويقهقه، ثم سمعناه يتمتم، واخيرا ً رق قلبه، ففتح لنا الباب، وخاطبنا:
ـ " سأكمل لكم الحكاية، يا احفدي...." ثم تابع:
ـ " في ذات يوم شديد الحراة، والامطار تسقط بغزارة، والارض ترتجف، والريح تعصف، خرج المسكين من عرينه، واتجه الى الصحراء.." لم نتفوه بكلمة، وكلنا كنا اذان مصغية:
ـ " وما ان دخل الى الصحراء، ونظر الى افقها الممتد مع البصر، حتى رأى الوحوش قد تجمعت، تؤدي له ولاء الطاعة، والامتنان.." ومضى يسرد لنا، دون مقاطعة، أو اعتراض:
ـ "حتى حل الربيع، واعشوشبت الارض، وبدأت الاشجار ترتفع عاليا ً، وتتحول الصحراء الى غابة كبيرة مترامية الاطراف... " تعب جدي من الكلام، فطلب منا ان ننتظر الى اليوم التالي. انتظرنا، انتظرنا بشغف. فعاد جدي يستكمل الحكاية:
ـ " وفي ذات صباح جمع الديناصور اتباعه، ورجال مملكته من الفصائل كافة، وأعوانه، في ركن من اركان الغابة، وطلب منهم الاصغاء إليه. فقال بصوت خفيض: يا ابنائي، أنا آسف ان اقول لكم انني ساغادركم، بعد ان مكثت معكم هذه السنوات، الى مكان بعيد .. مكان من يذهب اليه لا يعود... فبكى الجميع، وعم الحزن، مما جعله يرفع صوته قليلا ً:
ـ "لا تفعلوا ذلك، لا تفعلوا .." وقال جدي:
ـ " ذلكلأنها كان تصرخ: لا تغادر، لا تغادر، لن ندعك تغادر... " فقال الديناصور بصوت حزين:
ـ " لن أستطيع البقاء معكم بعد الآن.. " للمرة الاولى رأينا جدي يبكي، وتنهمر منه الدموع. فلم نتكلم. لكنه فجأة تابع:
ـ " ثم اختفى، ولا احد عرف اين توارى، ولا احد يريد ان يصدق..تاركا ً الاسى يملأ قلوبهم، ذلك لان الامطار توقفت، وعادت اشعة الشمس تضرب الرمال، والحراة ترتفع، والعواصف تهب محملة بالتراب، والجفاف.. " وماذا بعد؟ سألنا بصوت واحد. قال جدي:
ـ " ذهب إلى وطنه ...."
أصبنا بالشرود، ورحنا نتساءل: أين ـ هو ـ وطنه الذي ذهب إليه..؟ وهل ذهب الى وطنه الاول. أجاب جدي، بعد ان كدنا نفقد أملنا في الرد:
ـ " أصبروا ..أصبروا.." وراح يحدق في مكان بعيد. كان جدي يجلس فوق دكة مرتفعة، وعندما كان يحرك رأسه الى جهة من الجهات كانت رؤوسنا تتحرك معه، فقد كنا نحاول ان نرى ما كان يراه. قال فجأة:
ـ " ايها الاشرار! يا شياطين الارض..." فزعنا، وخفنا أن يغلق الباب علينا، ويجلدنا، أو ربما قد يقوم باي عمل غير متوقع، بعد ان وسمنا بالاشرار، والشياطين! أو، في الاقل، أن يطردنا من بيته، إلا ان قلبه الرقيق، عاد ينطق عبر شفتين كانتا تتحركان برقة:
ـ " لقد ذهب الى وطنه النائي، خلف عالمنا، وهناك تم استقباله استقبالا ً عظيما ً، فجددت الطيور، والانعام، والبهائم، والكواسر، وكل دابة تدب فوق الارضولاءها له، وطاعتها لشخصه، كزعيم أوحد للبلاد النائية، من شمالها الى جنوبها، ومن شرقها الى غربها. وسجدت له النمور والاسود والفيلة والحيتان والنمل الخنتزير والابقار والكلاب والذئاب والغزلان والزواحف كافة، الى جانب الثديات، والفقريات، واللافقريات، والديدان، واحشرات، وباقي السكان كافة بلا استثناء. فقد كانت تهابة، وتخشاه، وتتاشى غضبه إن غب، أو تعرض لمكروه، أو خدش. كان الديناصور، يا احفادي، متقلب المزاج، وسلوكه لا يحزر، ومشاعرة متضاربة، فتارة تراه مرحاً، وسعيدا ً، وتارة مكفهراً، حد الجنون! " وتابع جدي، وهو لا يكف يراقب اثر كلماته فينا:
ـ " ولا أحد تجرأ، أن يخبره بذلك ..فالخوف روّض الجميع حتى بالكاد كنت تلمح فما ً في موقعه! وهكذا عاد الديناصور الى قصره في وطنه النائي وعاش زمنا ً طويلا ً..لا سواه امير، ولا سواه زعيم، ولا سواه امبراطور..."
كنا نظن ان الحكاية انتهت، نهاية بلهاء، كلل النهايات التي كانت تنتهي بالسعادة، والمجد، والمسرة، لولا اننا كنا حدسنا، أن شيئا ً ما كان مبيتا ً لنا، مما زرع فينا الذعر، والخوف، وجعلنا نصمت، ولا نثير مشاعر جدي أو غضبه، كي لا يختتم قصته قبل نهايتها، كما فعل، أوقبل ان يطردنا إلى بيوتنا. لكن جدي تكلم، وبدد مخاوفنا:
ـ " كان يعمل ليل نهار في إعادة بناء وطنه المترامي الأطراف، فكانت أوامره تنفذ قبل ان يعلنها، ويتم تنفيذها حتى قبل ان ترد بباله، لأن الجميع خبروا نواياه، ومقاصده..وهكذا تم لوي عنق البحر، حيث جاءت الحيتان والبرمائيات، وكافة مخلوقات البحر، زاحفة لأداء قسمها بالولاء، والطاعة، فمنحها مباركته، وأعادها إلى وطنها الأم، منشغلا ًبدك القمم ومعاقبة المرتفعات، وكل ارتفاع يتجاوز قامته، فانصاعت لقراراته، السهول، والمنخفضات، وفي الوقت نفسه اجتمعت، من الجهات الأربع، أشجار الغابات، ونباتات البرية، وكل ما هو شبيه بالزرع، وبسطت ثمارها، وأغصانها، وورودها، وجذورا، وبذورها له بالطاعة والولاء. كانت الأشجار تبدو كعصافير بللها المطر، ندية، وترقص طربا ً، حتى أمرها بالعودة من حيث أتت. واستمر الأمر سنوات وسنوات امتدت إلى مئات السنين..فلا الشمس تشرق، ولا تغرب، إلا باشراه منه، ولا الريح تأتي بالأمطار إلا بقرار يصدره لها، فعاشت البلاد متنعمة بالوفرة، والنعم، قرون أخرى...." فصرخنا، بصوت واحد:
ـ " ولكن كيف كانت نهاية الديناصور، يا جدنا العظيم، أم القصة لم تنته بعد..؟"
ـ "لا..."
وصمت، متفرسا ً في وجوهنا، وقد تركنا ننتظر ان يكمل. كان الخوف لدينا يمتزج بشغف معرفة كيف بلغت الحكاية ذروتها، أم انها ستكون بلا خاتمة؟ لا اعرف لماذا فكرنا بالهرب، ومغادرة البيت، إلا انه باغتنا بصوت حازم،يقول ً:
ـ " في ذات يوم، جمع ملك الملوك أتباعه، وجنده، وحاشيته، وطلب منهم إقامة وليمة كبرى، وأمرهم، على غير عادته، بالغناء، وعزف الموسيقا، والرقص.. لم يصدق أتباعه، وجنده، وحاشيته ذلك الأمر. لكن طاعته كانت واجبة التنفيذ كفرض، ثم انه لم يطلب منهم إلا الابتهاج، وإقامة المسرات. كانوا يعزفون الموسيقا، ويشربون أغلى الخمور واعتقها، ويتبارون بمهارات الرقص، والأناشيد، والأفراح، وقد غمرتهم نشوة الاحتفال حتى أنستهم انهم كانوا في حضرة ملك ملوك العالم، بعد ان فاجأهم في الحضور. ابتسم، واستقبلهم بود، وظهر انه في غاية السعادة. قال يخاطبهم:
ـ " سأرقص، اليوم، معكم... " تابع جدي:
ـ " ورقص، بل وشاركهم العزف، والغناء بمهارة لم يصدقها احد. غنى لهم أغنيات ملأت قلوبهم نشوة، حتى كاد الفجر ان يبزغ، عندما أمر كبير سيافيه، بهدوء، وبإشارة خفية، أن يغلق أبواب القصر، ويباشر بقطع رقاب الجميع..."
ولم تكن الحكاية قد انتهت، هنا، لكننا كنا ـ في أعماقنا ـ نلعن اليوم الذي تورطنا في سماعها، والحضور إلى بيت جدي، لسماع هذه الخرافات، فقال متابعا، فيما كانت قلوبنا ان تتوقف:
ـ " اقترب السياف من جلالته، هامساً: ولماذا افعل هذا أيها الإمبراطور العظيم...؟ صمت عميقا ً ثم أجاب، والشرر يتطاير من عينيه: ومتى كنت تعترض؟ ابتعد السياف، كي يرجع، بعد زمن وجيز، منحنيا بعد تنفيذ الواجب. رفع الإمبراطور رأسه، وحدجه بنظرة خاطفة، تركته يتلوى، لثوان، ثم يسقط ميتا ً."
تجمد الدم في أجسادنا، وكأننا تحولنا الى قطع من خشب، أو حجارة، فالذعر شل قدرتنا في استيعاب الخاتمة، فكيف النطق، لكن احدنا، تجرأ، وسأل جدي:
ـ " وهل انتهى عصر الديناصورات، يا جدي..؟" أجاب غاضبا ً:
ـ " كلا.. كلا..." عاد وسأله:
ـ " والهياكل التي نراها في المتاحف، لمن تعود... إن لم يكن عصر الديناصورات قد مضى...." وسأل آخر:
ـ " أم لم يمت بعد..؟" فقال جدي، وثمة ابتسامة ارتسمت فوق شفتيه:
ـ " ها انتم تتعجلون.. فانتم لا تريدون سماع خاتمة الرواية إذا ً ...؟" صرخنا بصوت واحد:
ـ " لا، لا يا جدي، لا، نحن نريد سماع نهاية هذه القصة، وسنصغي إليك حتى خاتمتها.."
في واقع الأمر لم تكن لدينا قدرة الهرب، أو الفرار، ثم أين يمكن ان نذهب، وأين يمكننا الاختفاء، أو التخفي. قال جدي يقطع علينا لحظات الصمت:
ـ " بعد ذلك ذهب الديناصور إلى بلاد لا يعرفه فيها أحد، ذهب وأسس مملكة كبيرة ..."
همس احدهم في آذني" إذا ً..شعبه القدم هو الذي انقرض وزال من الوجود..."
رفع جدي صوته وهو يحدق فينا:
ـ " سمعت همسكما أيها اللعينان، يا أولاد الشيطان!" قلت مذعورا ً:
ـ " لن نعود إلى الهمس، يا جدي، أبدا ً.." وأضاف الآخر:
ـ " لم نقصد عصيانك في أمر.."
تراجع جدي إلى الخلف، مسترخيا ً، وعاد يكلمنا والشرر يتطاير من عينيه:
ـ " ثم أسس إمبراطورية كبيرة، مترامية الأطراف، تكاد تكون بلا حدود، أو حافات، وعاد يصنع المعجزات لشعبه، بعد ان صاغ لهم قوانين جديدة ..."
قلت في نفسي ـ وأنا أخشى ان يكون عارفا ً بما كان يدور في رأسي ـ وفي يوم من الأيام، سيدعو الإمبراطور شعبه إلى قصره العظيم، وسيقيم لهم احتفالا ً كبيرا ً، ويأمر كبير سيافيه، بالقضاء على الشهود. لكن جدي تكلم بصوت عالٍ، وهو يرتجف:
ـ " أبدا ً، أبدا ً..فقد أقام الشعب، في هذه المرة، احتفالا عظيما ً لجلالته..."
لم نفهم ما الذي جرى لنهاية الحكاية، على الرغم من انها أصبحت ليست بحاجة إلى الشرح، أو التأويل. فقد كان الناس يحفظونها عن ظهر قلب، مثلما كانت مدوّنة في الكتب، ويتغنى بها الشعراء، وقد نقشت فوق جدران المعابد، ومنازل الناس، وبيوت الدولة. كما كانت وسائل البث، المختلفة، تذكرها طوال الوقت. آنذاك ابتسم جدي بمرح، ولم يعد غاضبا ً، كما لم نكن نخشى ان يقوم بما هو غير متوقع، ونهض من دكته:
ـ " غدا ً، يا أحفادي، سأكمل لكم باقي القصة..."
نهض جدي، فنهضنا. لنكتشف، للمرة الأولى ان قامته كانت عملاقة، حيث لا مست قمة رأسه سقف الغرفة، وان أصابعه بدت لنا مصنوعة من الحجر، تنتهي بمخالب فولاذية، ثم ان الأرض اهتزن، والجدران ارتجت، حتى لمحنا بعض الشقوق والتصدعات تحدث في جدران الغرفة، فتجمدنا، مذعورين، نتحاشى الاقتراب منه، أو نتركه يلمسنا. كنا نراقبه بحذر، وهو يتجه نحو باب البيت، حيث توقف لحظة، وهو يرمقنا بنظرات حادة، غامضة، لم نفهم منها شيئا ً. ثم، بهدوء، أدار المفتاح في قفل الباب، وعاد يمشي، بالخطوات ذاتها، نحو دكته، حيث جلس، وطلب منا ان لا نصدم بخاتمة الحكاية.
[3/5/1992]

منحوتات على الشاطيء


















في مدينة سدني الاسترالية اقيم معرض للمنحوتات لعدد كبير من الفنانين الاستراليين وقد استعمل الفنانون مواد مختلفة في اعمالهم وباحجام كبيرة مما اضفى متعة على العض

الأحد، 13 نوفمبر 2011

عرض ديوان شعري-ديوان الشاعر السيد سليمان الكبير -حامد كعيد الجبوري


عرض ديوان شعري
ديوان الشاعر السيد سليمان الكبير
حامد كعيد الجبوري
صدر عن مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة - كربلاء - العراق ، وبيروت – لبنان ، ديوان الشاعر السيد سليمان الكبير المتوفى سنة 1211 هجريه ، أي قبل حوالي 210 سنة ميلادية ، بواقع 343 صفحة بورق أسمر ومن الحجم الكبير ، وبغلاف جلدي أنيق ، والديوان دراسة وتحقيق الدكتور مضر سليمان الحلي ، ومحقق الديوان من أبناء أحفاد الشاعر سليمان الكبير .
أسمه ونسبه :
سليمان بن داوود بن حيدر الشرع بن أحمد المزيدي ، وينتهي نسبه الى يحيى بن الحسين ذي الدمعه بن زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين ( ع ) بن الإمام السبط الحسين ( ع ) ، ولقب بالكبير للتمييز عن حفيده الشاعر سليمان بن داوود والد الشاعر الخالد السيد حيدر الحلي ، ويلقب الشاعر السيد سليمان ب ( الحكيم ) لأنه مارس الطب وأشتهر به وصنّف فيه ، ويسمى أيضا ( سليمان المزيدي ) نسبة لقريته التي عاش فيها آبائه وأجداده ، ولقب أيضا بالحلي ، وهناك ظاهرة جميلة يمتاز بها النجفيون عن غيرهم من محافظات العراق وقصباته ، وهي منحهم درجة الشرف النجفي لكل من درس وتعلم ونبغ في النجف من غير أهله ، فأطلقوا على السيد حيدر الحلي بالنجفي مضافة لحلته التي أنجبته ، وكذا لجد السيد حيدر وأعني به مترجمنا السيد سليمان الكبير ، وكذا للشاعر الشعبي الشهير الحاج زاير الدويج الحلي ، والشاعر عبود غفله الحلي أمير الشعراء الشعبيين ، والأمثلة كثيرة .
ولادته :
ولد شاعرنا في النجف الأشرف سنة 1141 هجرية ، ويقول محقق الديوان لا نعلم متى أستقر والد الشاعر السيد داوود بن حيدر في النجف ، ويقول نحن نعلم أن موطن حيدر الشرع وآبائه في المزيدية جنب ضريح جدهم السيد أحمد المزيدي ، ويضيف لا نعرف أيضا متى نزح الى النجف ، وما هو عمله فيها لقلة ولعدم وجود مصادر لذلك .
نشأته :
نشأ شاعرنا في النجف الأشرف ونحل من علومها وآدابها وفقهها وعلوم اللغة العربية ، وبعد وصوله لمستوى رفيع ، وفاق أقرانه أصبح يشار له ولقب بالحكيم كما أسلفنا ، وترجم له الكثير من المؤرخين ، يقول العلامة المؤرخ الشيخ محمد طاهر السماوي ( كان فاضلا مشاركا في العلوم ، نشأ في النجف وحضر على علمائها ، ثم أرتحل الى الحلة فسكنها ، وله فيها مع أدبائها مجاريات ، له ديوان شعر ، وله في الأئمة شعر كثير في المديح والرثاء ) ، وقال عنه الشيخ أغا بزرك ( سليمان بن داوود النجفي ، ولد في النجف 1141 هجرية ، وسكن الحلة سنة 1175 هجرية ، رأيت ديوانه بخط يده عند الشيخ محمد السماوي ، فيه قصائد في مدح أمير المؤمنين ع وتشطير عينية السيد الحميري ، وتشطير قصيدة الحافظ رجب البرسي ، وتخميس قصيدة أبن السبع ، مات في الحلة وشيعه أهلها ، وأستقبلهم أهل النجف يتقدمهم السيد بحر العلوم ) ، وأجمل ما قيل فيه قول د الشيخ محمد هادي الأميني ( عالم فاضل ، طبيب جليل ، أديب ، متتبع ، ولد في النجف وتتلمذ على العلماء والفضلاء ، وصنّف في كل فن ، وكان عالما بعلم الأديان والأبدان ، نقيا ، كريما ، أديبا ، يرتجل الشعر ارتجالا ) ، يقول دارس الديوان ومحققه الدكتور مضر السيد سليمان الحلي لا نعرف شيئا عن أسرة الشاعر السيد سليمان ولم عاد الى الحلة الفيحاء وما هي الدروس التي حصل عليها وأكمل دراستها في النجف الأشرف معتمدا على ما كتب عن جده الشاعر السيد سليمان الكبير ، ويضيف هناك بعض المصادر تقول أنه درس علوم العربية وأتقنها ، ودرس الفقه ، كما درس الطب وتضلّع به وصنف فيه ، وبعودة السيد سليمان الكبير الى الحلة الفيحاء أثار فيها الحراك الثقافي والمعرفي ، ومما ينسب اليه ( خلاصة الأعراب ) التي يقول عنها الباحث محمد علي اليعقوبي أنها صغيرة الحجم كبيرة الفائدة رتبت على مقدمة وفصول أربعة وخاتمة ، وهي من أحسن ما كتب في العربية على أوجز طرز وأسهل أسلوب مدرسي كتبها لتلامذته وكنى نفسه بأبي عبد الله سليمان بن داود الحسيني ، ويعارض هذا الرأي الشيخ أغا بزرك الذي نسب هذا الوجيز في الأعراب الى حفيده السيد سليمان الصغير ، ويرى محقق الديوان صحة ما ذهب اليه الشيخ أغا بزرك ، ومن آثار السيد سليمان هذا الديوان الذي نحن بعرضه ، ومجموعة من أحاديث نبوية في آل البيت (ع) أثبتها المحقق بمقدمة مخطوطة الديوان .
وفاته :
توفي شاعرنا المترجم له السيد سليمان الكبير سنة 1211 هجرية ، في الحلة الفيحاء وشيعه أهلها الى النجف الأشرف ، ودفن في الروضة العلوية المطهرة ، وصلى على جثمانه السيد محمد المهدي ، الذي لقب ببحر العلوم ، ورثاه جمع من شعراء جيله ، ومنهم الشيخ محمد رضا بن الشيخ أحمد النحوي قائلا
ألما على دار النبوة وأنشدا
بها من قضى لما قضى الدين والهدى
ورثاه الشيخ محمد علي الأعسم قائلا
لقد تضعضع ركن المجد وأنهدما
واليوم ثلم من الإسلام قد ثلما
ورثاه الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني ، والشاعر الحلي محمد بن إسماعيل الملقب ببن الخلفة صاحب البند الشهير قائلا
بمن سرى الركب يفري مهمة البيد
وخداً ومخترق الصمِّ الجلاميد
ورثاه العالم الشيخ محمد بن نصار الشهير بكتابة الشعر الحسيني الشعبي والذي ينسب له ( وزن أو طور النصاري ) قائلا
لم تبك عيني من الأيام مفقودا
إلا التقي سليمان بن داودا
ورثاه جمع كبير من شعراء جيله وولده وأحفاده من الشعراء بقصائد غر لا تزل تحفظ من قبل أعلام هذه الأسرة الفاضلة .
أغراضه الشعرية ومختارات من شعره :
لا يمكن للباحث او القارئ أن يعد الشاعر السيد سليمان الكبير إلا شاعر ولاء لآل البيت الأطهار ، رغم وجود بعضا من النصوص التي تناول بها الشاعر الأغراض الشعرية الأخرى كالمديح والغزل والوجدانيات والأخوانيات والهجاء الذي خص به مبغضي رسول الله وآله الأطهار ، وكتب الشاعر بهذه الأغراض كلها ، إلا أنه لم يثبتها لتبقى للدارسين والمتتبعين لهذا الشاعر الكبير ، وليس استنتاجي هذا شخصيا بل مما أورده شاعرنا المترجم له أبياتا بهذا الخصوص يقول فيها
جبل الفؤاد على حقيقة ودكم
وعلى سواه وحقكم لم يطبع
مالي سواه وقد رأيت بغيره
عمل الخلائق صالحا لم ينفع
مدح شاعرنا المترجم له الرسول الأعظم محمد ( ص ) بقصيدة عصماء ومنها
نبي يريك البخل في البحر جوده
وأنواره دانت لهن بدورها
أهل بعد مدح الله يحتاج مدحة
فيكفيه (يس) و (طه) و(طورها)
وأنجيل عيسى جاء أعدل شاهد
وتوراة موسى شاهد وزبورها
ودان جميع الأنبياء لفضله
ولولاه لم تبعث ولم يبد نورها
وله بمدح أمير المؤمنين علي (ع)
هو الآية الكبرى أمام ذوي النهى
هو العروة الوثقى رقى أي غارب
وكرس مترجمنا جل شعره لمدح ورثاء الأمام الحسين ( ع ) وصحبه الأبرار شهداء طف كربلاء
يا سيدا ثلت بيوم مصابه
أركان دين الله عند نعائه
ورغم هذا وذاك ، فقد وجدت في ديوانه المحقق نصوصا ينح بها الشاعر صوب الشعر الجاهلي ، وشعر صدر الإسلام ، التي يبدأ شعرائها بالتغزل ثم يذهبون للغرض المراد الوصول له كقصيدة الشاعر ( كعب بن زهير بن أبي سلمى ) التي مدح بها الرسول الأعظم محمد ( ص ) التي يقول مطلعها
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم أثرها لم يفد مكبول
وغزل السيد سليمان الكبير غزل شفاف لا يعتريه الفحش ولا المجون وألفاظه سلسة تطرق شغاف القلوب وله هذه الأبيات
مرت تميس كميس غصن مثمر
وعليه يزهو وجه بدر مبدر
ظعنت وقد طعنت برمح مهجتي
فظللت بين ممرض ومحسر
وسمت وقد وسمت بسهم لبتي
فغدوت بين محسر ومحير
نفرت وقد ظفرت بقلب متيم
صب يردد حسرة بتزفر
سكرت وقد شكرت عظيم توجدي
هجرت وقد جهرت بطول تكدري
ونلاحظ الجناس والطباق والمرادفات اللفظية جلية في مقطوعته الغزلية المصنوعة كما أراها ، مع ملاحظة أن القصيدة بكاملها ، وهي طويلة ، بنيت وهي تخلو من حرف الألف .
وخمّس قصيدة الشيخ رجب البرسي الرائية العصماء بمدح أمير المؤمنين علي ( ع )
أعيت صفاتك أهل الرأي والنظر
وأوردتهم حياض العجز والخطر
أنت الذي دق معناه لمعتبر
( يا آية الله بل يا فتنة البشر
يا حجة الله بل يا منتهى القدر )
---------------------------------