بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 27 مارس 2014

تشكيل -فالنتينوس كارالامبوس ثلاث حضارات لخزف ينبثق من المهارة والجمال-عادل كامل

تشكيل
فالنتينوس كارالامبوس
ثلاث حضارات لخزف ينبثق من المهارة والجمال



عادل كامل







     كلما دار الحديث عن نشأة الخزف الفني الحديث في العراق، يرد اسمي الخزاف الانكليزي (أيان أولد) والخزاف فالنتينوس كارالامبوس، القبرصي المولد، والذي حصل على الجنسية العراقية منذ العام 1980.. فكلاهما وضعا الأسس المبكرة لمشروع فن السيراميك، في أبعاده التقنية الحديثة.  إن هذه الحقيقة لا تتقاطع مع دور الموروث الخزفي العراقي وجذوره التراثية: الموروث الخزفي الذي سبق عصر الكتابة بقرون، بل ليبرهن ـ الموروث ـ على شيء يجدد قانون انبعاثه وتجدده مرة أخرى وفي عصر مختلف. إن الأشكال تستكمل دورة اكبر في وجودها، لا بصفتها محض أجزاء، وإنما لأنها حلقات في سلسلة تحولات مترابطة في اتساعها. على أن هذه المفارقة تنطبق على أسلوب فالنتينوس أصلا ً، فهناك ثلاثة مصادر متداخلة لتبلور هويته الفنية أو توقيعه الفني الخزفي.. [1] الأصل القبرصي بمرجعياته اليونانية وبتراث البحر الأبيض المتوسط  [2] دراسته في انكلترا وتعرفه على تيارات الحداثة الأوروبية والانكليزية المتشددة بتطرفها من ناحية والمتزمتة في تقاليدها من ناحية ثانية.. [3] تعرفه على خزف وادي الرافدين والشرق بشكل عام، والإسلامي منه تحديدا ً.



     إنها فرصة استثنائية يندر تكررها، إلى حد ما، في التشكيل العراقي، إلا عند جواد سليم، حيث توفرت له روافد (جذوره العراقية ودراسته في فرنسا وروما ولندن) غذت ريادته الإبداعية ووسعت من رويته الخلاقة وصقلتها. فالنتينوس، الصامت، حد الكتمان، هو ثمرة طبائع البحر المتوسط، والخلق الانكليزي الرصين، والقلق العراقي المشحون بالأسى، والغضب، والتجدد، وقد وحدها سحر الابتكار ونزعة البناء. انه ثراء معالجة الطين في تركيب كامل الأناقة والدقة والرسوخ. فالخزاف اختار هذه المعالجة للوحدة الخفية بين المهارة وذروتها في الرهافة، بين القاعدة كشرط للتباهي بالمنجز الفني وعمله بما يكتم في سياق التكوين وباثاته. إن فن الخزف، هنا، مثل حوار الروافد، عبر أداة المبدع؛ بالأصابع وما تمتلكه من جذور دفينة، الأمر الذي أبعده عن التطرف والغلو.  لقد أدار مساره لثورة الفن الحديث، وللحداثة، لا استعلاء ً، أو تكبرا ً، بل ـ وهذه حسنة نادرة ـ علم ذاته الأشياء المناسبة لطبيعته وخلقه وما يطمئن إليه، مثل فائق حسن، في


الرسم العراقي، لم يغامر إلا في حدود وعيه لشخصيته. فالنتينوس لم تبهره فنتازيا المتغيرات، وموجات الصخب. كان يعمل في محترفه، منسيا ً تقريبا ً، تلك التي أصبحت أثارا ً تحمل ثلاثة محيطات مختلفة: تاريخه الشخصي، وأسلوبه الذي هو توقيعه في الأخير من خلال ثلاث حضارات( يونانية وأوربية وشرقية). فمنذ تم تكليفه بإدارة فرع السيراميك، بمعهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1957 وإدارته لفرع الخزف في أكاديمية الفنون الجميلة، جعل رسالته ـ لطلابه ـ مماثلة لرسالته: إن الخزف  لا يبلغ ذروته إلا بالحرفة، لكن بالحفاظ على جماليات الفن وسحره.  لأن الخزف، في عمله، فن مهارة، وهو ـ لأسباب لا تحصى ـ أرقى أشكال العمل اليدوي ببلوغ  هذه الذروة. إن إرشاداته لطلابه تشبه عمل (البنّاء) البغدادي: فن الحرفة، حيث ترتقي الحرفة بالمهارة درجة تتقدم على الإتقان، نحو جماليات اللعب، وكلاسيكيته الساحرة. إن الكلمات ذاتها ـ عند المبدع ـ تعدل هفواته، بهذه الصرامة، مع مزيد من التأني، علم طلابه، الذين لهم امتياز الريادة في الخزف المعاصر في العراق خلال نصف القرن الأخير. هكذا سيشارك سعد شاكر أفق تحولات الطين، وفي حدود ميتافيزيقته السحرية، المقننة، البصرية، والمرئية كفاية، تاريخ مرحلة التأسيس. فقد كف أن يكون مغامرا ً، مع تقدير عميق لا يشبه إلا ولاء الحرفي لأزمنة كامنة في وجودها المتجدد، في سياق التوحد بالمنجز الخزفي كمشروع يتوازن مع ما اكتنزه من الموروثات، والمستحدثات. وهنا يحق للمتابع اكتشاف عظمة المنجز بصفته منجزا ً لسلسلة من التحولات الذهنية ـ والتاريخية، عبر الطين. فلماذا (الحداثة) إذا لم تكن خاصة ومشغولة ببهاء الامتلاء؟ بهذا المنطق صنع حدود الرؤية الجمالية ولدقته منطلقات الإتقان والمهارة، حيث توحدا لصياغة أسلوبيته في التركيب، لكن بدمج لم يلغ حرارة متوازنة بين مرجعياته وشخصيته التأملية. موجها ـ في هذا السياق ـ طلابه ، دون إبعاد الفن عن الحرفة وعن التشدد فيها، ولا فصل الفن عن موقعه في باثات النص الخزفي.. هذه (الحداثة) كانت متقدمة في مرحلة سيادة الخزف التقليدي، والشعبي، لكن في زمن كان جواد سليم وفائق حسن علامتان لحداثة مبكرة في التشكيل العراقي، دون إهمال العقل النقدي لمحمود صبري، وبعد ذلك، كانت أسماء تبحث عن حل: كاظم حيدر، إسماعيل فتاح، ومحمد مهر الدين مثلا ً، فوسط حداثات أوروبية متنوعة المصادر (فرنسية/ ايطالية/ انكليزية/ واقعية اشتراكية) كان فالنتينوس يتمسك بالنوع الموحد لثمرات الجذور، في سياق جلال النمو الشرعي للمبتكرات، وبحوار عميق ورصين منح الأشكال منطقها البيئي، والداخلي، مع تقدير دقيق وجليل لحركة الزمن أو ما يسمى باختلاف المؤثرات والاتجاهات والأساليب. كان فالنتينوس على وعي مضاف بغريزته وشخصيته في منح الابتكار شرعيته، ومصداقيته، لا كطرف مغاير، وإنما ليوضح ريادته المتمردة، بوضع القواعد، والأسس، وأصول العمل الخزفي، وليس هدمها أو قلب مفاهيم الجمال بحسب آليات الحداثة وتشعباتها الراديكالية. هذا هو امتياز كل كلاسيكية لا تبالي بالضجات والمتغيرات العابرة أو البراقة. فالفنان لم ينشغل بـ [لماذا] ـ كما تبنت الحداثات نزعة الشك ـ وإنما كان قد منح [المنجز/ النوع] أسئلة تبنيه لقضايا الوجود، فنيا ً، بزخرفات يونانية، وأشكال انكليزية لهيئة السيراميك، وحرارة غير معلنة لعناصر الموروث الرافديني، لتأتي خزفياته، وجدارياته، وفخارياته، وحدة متماسكة لروافد غير متجانسة نسبيا ً. فقد اشتغل على بلورة منظور جمالي أخفى بنية المتضادات، والاختلافات، والتقاطعات، لصالح كلاسيكية الحداثة، ووضعها في سياقها المزدهر. وحدة متجانسة وكأنها، في سياق تاريخ تداخل الحضارات، لا تصادماتها المهلك، جعل المسرة والنبل والصفاء قيمة لكل بناء مأخوذ بالدهشة الجمالية ولغزها الفني، مع الاحتفاظ بأسئلة الفن الخزفي، بعيدا ً عن الاستعمال، والعابر، والتعليمي، والاستهلاكي، لصالح: أسرار تحولات الطين، وأشكاله كعلامات لعصور تتوحد في زمن النص الجمالي ورمزيته غير المعلنة.  



بعض أوجه إشكاليات الصفحات الثقافية والسياسية-وليد خالد أحمد حسن


 
بعض أوجه إشكاليات الصفحات الثقافية والسياسية

وليد خالد أحمد حسن









أود بداية لفت الانتباه إلى أن ما سنذكره ليس عاماً بالطبع وليس مطلقاً ، فقد نصيب في طرح بعض النقاط الأساسية الخاصة بإشكالية الصفحات الثقافية والسياسية في صحفنا اليومية والأسبوعية ، وقد نخطئ في بعض منها مما يتوجب علينا أن نتفق مع ما أصاب هذه الصفحات من تعثر ومن ثم نرفدها برؤيتنا الخاصة وقد نختلف مع ما نعتقد أنها أخطأت فيه ، ونصبوا بها في الرؤية التي تنطلق من مواقفنا الفكرية.
ما الذي تريده صفحة أو صفحات محدودة تعنى بالشأن الثقافي والفكري والسياسي بين صفحات جريدة يومية أو أسبوعية ؟ ثم ماذا تستطيع أن تقدمه هذه الصفحات المعدودة في مطبوع غير ذات اختصاص ثقافي / سياسي مباشر بل تسعى لأن يكون جامع شامل بما يعطي للإسهام الفكري خطاً مناسباً فيه ؟
سؤالان نحس بضرورة الإجابة عنهما بتوضيح عناصرهما مع بسط ما يمكن أن يشكل الرؤيا الثقافية والسياسية للعمل الخصوصي والإضافي الذي تزعم أن هذا المطبوع أو ذاك يريد أن يسهم به الإسهام المتواضع والخلاق في آن .
إن المقصود بالصفحتين الثقافية والسياسية في رأينا :- تلك الصفحات التي توجه اهتمامها للقراء عامة من دون تخصيص فئة محددة منهم ، إذ تعمد إلى عرض موضوعاتها بأسلوب يبتعد عن لغة التخصص البحت وحرفيتها وأن كانت مطلوبة بعض الأحيان ، وتهدف إلى توسيع مدارك القراء عامة بتقديم موضوعات شاملة أو تقريب حقائق معرفية لهم يصعب عليهم تتبعها في الأعمال التخصصية ولايعني هذا الاهتمام السعي نحو كسب جمهور كبير من القراء تنازلها الموضوعي لما ينشر فيها بل يجب أن تحرص على ذلك متوخية تبسيط الموضوعات لتكون قريبة من ذهن القارئ غير المتخصص .
وعلى ذلك فإن من أبرز ما يميز تقديم أية صفحة ثقافية أو سياسية متميزة في جريدة يومية أو أسبوعية لقرائها هو مساهمتها في أثراء معرفتهم بحوار عقلاني خصب وخلاق من خلال تقديمها لهم موضوعات ذات مستوى معرفي معقول لايقل عن مستوى أي واحد منهم مهما كانت مستويات خلفياتهم المعرفية لتكون بذلك مجالاً رحباً لمناقشة قضاياهم ومشكلاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والأدبية على هدي من الموضوعية العقلانية والنقدية وفي ضوء الجديد من معطيات البحث السياسي والفكري والأدبي وانعكاسات الواقع الحي وما يفرضه عليه من تحديات توجب مراجعة متجددة لرصيد وأدوات وثقافة عمل هؤلاء القراء .
وبذلك ، سيصبح لهذه الصفحات في واقع الأمر دور مهم وخطير إذ إنها ستسعى نحو نشر الوعي الفكري والسياسي بين قطاع كبير من القراء الذين يجذبهم لقراءتها تنوع موضوعاتها وسهولة التناول للقضايا المصيرية المطروحة على أرض الواقع أولاً وثانياً حتى تكون لسان صدق يعبر عن العقل والحرية باعتبارها أداتين لبناء المستقبل ووسيلتها إلى ذلك أن تكشف عن مواضع الداء وسلبياته المحبطة في حياة مواطننا بجوانبها المتعددة وما تنطوي عليه من ايجابيات محفزة أو تحديات تستفز الهمم لمواجهتها وتجاوزها على نحو يدفع هذا القارئ إلى التزام نهج قويم في معالجة شؤون العامة .
إن الإسهام الثقافي / السياسي لأكثر المطبوعات العراقية الآن يريد أن يكون عراقياً أولاً ، أي منطلقاً من صميم الإحساس بشواغل الثقافة والسياسة العراقية الراهنة وبحثها لإعادة صياغة وتجديد قدراتها وهياكلها الفكرية . وهذا المسعى لاينفصل في العمق عن التجربة العربية الشاملة متعددة الفروع في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، في منظورنا جزء من هذه التجربة الكلية وباعث من بواعث نهوضها وتحررها .
إن هذا الإسهام الثقافي / السياسي ثانياً يريد أن يعالج قضايا الثقافة والأدب والسياسة والفكر ... معالجة متفحصة نقدية بما يجنبه الإسفاف والمحاباة أو يوقعه في كثير من المزالق المعهودة ، ولكي يصدر عن هذه الروح لابد له من خط فكري جاد ومن التزام مبدئي غير هين يجنبه الترواح الانتهازي والتلفيقي بين كل المواقف والتيارات


إن الالتزام الفكري المبدئي من شروطه الأساس وضوح في الرؤيا وإحساس بضرورة تنوير فكرنا / ثقافتنا ، وتعميق كثير من مفاهيمها ومجانبة السطحية وأساليب المعالجة المخملية . غير أن هذه المبدئية لاتعني الجمود أو المفهوم الثقافي ذا البعد الواحد بل تحب أن تتحرك في بحبوبة التصورات والاجتهادات الثقافية والإبداعية حين تصب هذه في مجرى أنماء رؤيتنا الفكرية / الثقافية نحن وتمكننا من توليد وتقديم إنتاج ناضج عميق ومتفتح
وفي خط الالتزام الفكري المذكور لانعدم أن نتحرك ضمن فضاء سياسي وإيديولوجي ، على أن العمل الفكري / الثقافي هنا يأخذ بعين الاعتبار ظروف ومكونات هذا الفضاء ، ويعمل على استيعابها محققاً التفاعل والريادة في صيغة مشتركة . وإذا كنا نفهم سلفاً بأنه لاثقافة بدون سياسة أو موقف سياسي فأننا في الوقت ذاته نطلب من السياسة أن تشترك معنا في أهداف التقدم والتجديد وعندئذ فلن ينظر إلى الإسهام الثقافي كتابع أو بوق ولكن كمشروع خلاق يمتلك زاده الخاص وأدواته المستقلة في إخصاب الحياة السياسية والفعل الاجتماعي في وطننا العزيز العراق .
ونحن نتحدث عن الخط الفكري السديد عن الجدية لانريد أن يكون هذا مبعث استثقال أو يسري الضجر إلى احد . إن صفحات معدودة أياً كانت نوايا واستعداد من يشرف عليها غير قادرة على أن تقدم الكثير أو أن تكون بديلاً لمشروع ثقافي سياسي دراسي حقيقي نحلم به جميعاً .
منذ فورة إصدار الصحف التي أعقبت يوم التاسع من نيسان وأنا أتابع ما ينشر في صفحاتها الثقافية والسياسية بحرص وبدقة ، ولأنني كذلك سأقول رأيي بصدق وبموضوعية فيما ينشر في هذه الصفحات . ويقيني أن مسؤولي هذه الصفحات لن يغضبوا وهم يقرأون رأيي وتعليقاتي لأنه يعتمد على متابعة جادة وتجربة مهنية مازالت قائمة وقريبة من عمل هذه الصفحات ، وماذنبي إذا التزمت الصدق والموضوعية في تقييم واقع هذه الصفحات التي سأعرض هنا بعض وجوه اشكالياتها أو أزمتها بلا غمز ولا لمز والمتمثلة في:-
1- غياب المسؤول أو المشرف ، الحر الواعي ، المثقف ثقافة واسعة . فأن أكثر الأضرار التي ابتليت بها هذه الصفحات هي بسبب غياب هذا المسؤول.
2- الشللية التي تتحكم في بعض هذه الصفحات من أدعياء المعرفة تجمعهم غرائزية نفعية شخصية وعقد نفسية ومركبات نقص ، تدفعهم في إحاطة هذه الصفحات بأسلاك أدمت أقلام ارفع منهم منزلة ، أبقوها متعمدين خارج حدود مطبوعهم لغايات باتت معروفة للجميع .
3- إطلاق أحكام وتأويلات بائسة فقيرة بخلفيتها المعرفية من قبل المشرفين على هذه الصفحات عند فحصهم أية مادة مقدمة لهم لاتعتمد أساس أو مقياس أو منهج ثابت في تقييم كتابات عدد لا يستهان به من ذوي الخبرة الفكرية والسياسية والأدبية .
4- النمطية الشكلية التي تتمتع بها هذه الصفحات من خلال التشابه التقليدي للموضوعات فيما تحتويه وبخاصة المناسباتية .
5- فقدان الحوار الحقيقي على هذه الصفحات الذي يتناول موضوعات ذات موقف فكري مستقل وشجاع وواع ومدرك لخطورة المواقف وحساسيتها ، حوار من ذلك الذي لاينتهي بالضرورة إلى اتفاق كامل في وجهات النظر ولكنه الحوار الذي يوضح الأفكار ويعمق الرؤى ويدفع بالاجتهادات المتعددة إلى أقصى نتائجها المنطقية أو يرشد المواقف حتى تمضي على طريقها الصائب الذي يحاول ان يقترب من الحقيقة دائماً.
6- نشر المقالات الإنشائية البائسة جداً التي تعكس مستوى أخلاقيات المسؤول / المشرف ومستوى نضجه المعرفي والتي دفعت قارئنا اللبيب إلى النفور منها وبالنتيجة فقدانه – تم فقدانه فعلاً – ومن ثم انعدام إمكانية صحفنا من أنجاز مهمتها أو رسالتها المكلفة بها في صناعة مفاهيم عقل القارئ وتكييف اتجاهاته السياسية والفكرية ، وهذا الحاصل الآن للأسف الشديد على ارض الواقع، والأمثلة عديدة وملموسة ومعروفة للجميع إحداها أكوام الصحف المرتجعة في مخازن مراكز التوزيع .
7- عدم نشر مقالات طويلة خشية لاداعي لها من كونها قد تأتي على نصف المساحة المخصصة أو مايزيد ، بينما هي في تقديري مسألة طبيعية يجب أن تتبناها هذه الصفحات كحالة استثنائية في ظل غياب وجود مطبوعة أسبوعية متخصصة .




إن الصفحات الثقافية / السياسية تعتبر اليوم أداة فكرية حضارية راقية من دون شك تسعى إلى أن تكون وسيلة تساعد على كسر الحاجز المعرفي بين قرائها وبين الآخر المتقدم أولاً وثانياً لتصبح منبراً مستنيراً للحوار الفكري الجاد والمثمر حول القضايا المهمة التي تشغل بال أي مثقف أو متابع وتمثل همومه ، وان الثقة التي يمنحها القارئ المتابع لهذه الصفحات ، لا يجوز أن تكون يوماً مادة تفريط وتبديد بل يجب أن تكون سنداً للمواجهة ولتأكيد فعل وعمق مادتها في العقول والقناعات ، تلك قواعد التعامل السليم الذي يجب أن يقوم بين هذه الصفحات ومن يقبلون عليها ويعطونها ثقتهم وهو ما يلزمها تحديداً .
إننا نريد من هذه الصفحات وفي هذا الظرف القاسي أن تكون واضحة القسمات تسعى لخدمة جوانب حياتنا السياسية والفكرية والاجتماعية بل وحتى الاقتصادية حيث تحمل هموم وقضايا لا نريدها أن تتحول – وهذا الواقع بالفعل – إلى أشبه بالدوائر الرسمية يقتلها الغباء الإداري .
نريد منها أن تكون رائدة ثورة فكرية حقيقية ترفع القارئ وتنشر الوعي الفكري والسياسي بلا تحجر، لكن الذي يبدو للمتأمل في حياتنا الفكرية الراهنة أننا نعود من حيث ندري أو لاندري ، بقصد قد يكون مبطناً أو من دون قصد إلى نقطة الصفر . وليست هذه العودة كما يظهر لأول وهلة نتيجة لمراجعات فاحصة للتجربة أو التجارب التي مرت بنا وتقييمات دقيقة لأسسها ومعطياتها ونتاجها ، ولكنها إعادة لنفس التجربة أو التجارب انطلاقاً من نفس الأسس والمقدمات وكأنه محتوم علينا كمثقفين أن نظل ندور داخل محيط الدائرة المغلق .
إن التزام الصفحات المعنية بخط فكري مبدئي تنويري سيغذي حتماً شرايين الفكر المعرفي والسياسي العراقي بدم جديد . فلماذا غلق الأبواب في وجه البعض بحجج واهية ؟ ولماذا عدم إفساح المجال للحوار الفكري والسياسي الملتزم والواعي من خلالها ؟ ولماذا النظر إلى الأشياء من منظار شخصي خاص قد يكون مصاباً بخلل نفسي ؟ ولماذا لاتكون قيمة النص جواز مروره إلى النشر في الصفحة ؟
هذه أبجدية مبدئية أساسية نعترف بأنه صار مطلوباً منا تجديدها في دماء صفحاتنا الثقافية والسياسية وتوجهاتها الفكرية وألا سنسقط – ونحن فعلاً سقطنا من زمن بعيد في الواحدية الشكلية - وسنفقد قارئنا - ونحن فعلاً فقدناه - وبذلك سعينا بأنفسنا نحو تضييق حيز النخبة الفكرية من حيث نعلم بقصد أو لانعلم ...
أننا نأمل من صفحاتنا الثقافية والسياسية في قادم الأيام أن تتجاوز كل هذه الأمور نحو الصدق والصفاء والوضوح والبحث عن الحقيقة المجردة وبأسلوب واقعي وبروح علمية لا تهويل فيها ولا تجريح ، تحترم الطرح الموضوعي والعلمي، واضحة الأفكار والمبادئ البناءة ، تسعى بكل ذلك إلى إثراء فكر القارئ ووجدانه ، وان كل محاولات التدجين والنفاق والمساومة ستفشل إمام علمية المسؤول المبدئي الحر وعدم رغبته في تقديم أي تنازلات على صعيد قناعاته المبدئية التي تقف في وجه كل تزييف للحقيقة وتشويه الواقع الفكري .


أنهم يذبحون الكلمة بدم بارد-كاظم فنجان الحمامي

 Mar 26 at 11:19 PM
أنهم يذبحون الكلمة بدم بارد


كاظم فنجان الحمامي

ليس شجاعاً ذلك المُسلَّح الرئاسي الذي يطلق النار على رُسل الكلمة الحرة والمواقف الوطنية الشريفة, ويذبحهم بدم بارد, وليس منضبطاً ذلك الضابط المغرور, الذي لا يحترم القوانين ولا يعبأ بالشرائع, ولا يتقيد بقواعد السلوك, وليس ديمقراطياً ذلك الذي يكمم أصواتنا, ويمنعنا من المطالبة بحقوقنا المهدورة, وليس عدلاً أن تُصادر حرياتنا, وتُزهق أرواحنا, وتُرمى جثثنا في المزابل والجداول والأنهار والطرقات.
ما الجرم الذي ارتكبه الدكتور محمد بديوي الشمري حتى يُذبح في قلب بغداد بسلاح البيشمركة ؟. وبأي حق يموت الإنسان العراقي في بلده وعلى أرضه وبين أهله من دون أن يرتكب ذنباً أو يقترف إثماً ؟, وهل وصل الطغيان والاستهتار بعناصر القوات العراقية إلى إصدار الأحكام الفورية والأوامر الارتجالية لإطلاق النار على الصحفيين والمراسلين بذرائع لا يقبلها العقل ولا المنطق, وبحجج لا تقبلها القبائل البدائية, وأساليب عدوانية لا تتعامل بها الأقوام الغارقة في التخلف ؟.

لقي (الشمري) حتفه وسط بغداد على يد صبي من صبيان البيشمركة, هو الملازم (محمد مصطفى), بسبب اعتراض الشهيد على المخالفة المرورية, التي ارتكبها الملازم متعمداً بسيارته المدنية الحمراء, فهرع جنود البيشمركة نحو سيارة (الشمري), وانهالوا عليه بالضرب المبرح أمام أنظار الناس, ثم تقدم نحوه الملازم المتعجرف شاهراً مسدسه الشخصي, ليطلق النار عليه, ويرديه قتيلاً في الحال.
الشهيد (الشمري) أستاذ جامعي في قسم الإعلام التابع إلى كلية آداب الجامعة المستنصرية, وهو مدير مكتب إذاعة العراق الحر, لكنه فقد حريته, وخسر حياته كلها على يد ضابط مستهتر من ضباط المجمع الرئاسي.
--

الثلاثاء، 25 مارس 2014

سوريا والمصير البائس : شمشون السوري واللعب مع الشياطين-بقلم د . لبيب قمحاوي




سوريا والمصير البائس : شمشون السوري واللعب مع الشياطين
                                                                                                     
بقلم  د . لبيب قمحاوي
lkamhawi@cessco.com.jo
        عند بدايات الثورة في سوريا , لم يكن هنالك مؤامرة أو تدخلات خارجية . كان هناك غضب شديد واحتقان طال أمده في الشارع السوري وجاءت أحداث درعا لتكون شرارة الانفجار . وكما هو متوقع كان هنالك سوء تقدير مفجع من قبل القيادة السورية لحجم الغضبة الشعبية تلك , واستهتار واضح في تعامل المسؤولين مع تجلياتها , وفشل شديد في استقراء آثارها المستقبلية .
        لم يكن هناك في تلك اللحظة أي تدخل أمريكي أو روسي أو سعودي أو قطري أو إسلامي أو عربي . كان هناك فعلٌ شعبي سوري بحت , يقابله رد فعل رسمي سوري بحت .
       ما الذي حصل وأدىّ الى انفلات الأمور وفتح أبواب الجحيم على مصراعيها لِتَدَخّل الآخرين مما سمح لهم بفرض اجنداتهم الخاصة وعلى حساب مصلحة سوريا والشعب السوري؟
       ما الذي حصل فعلاً ومَكَنَ دولة صغيرة هامشية بل وهامشية جداً مثل قطر من لعب دور مؤثر ومُدَمّرْ في عمق دولة عربية محورية مثل سوريا ؟ ومن الذي فَجّرَ القمقم الإسلامي في داخلها وهي التي كانت شبه خالية من أي نفوذ حقيقي للإسلام السياسي عشية اندلاع الثورة؟
      أسئلة كثيرة ومختلفة قد يشكل استيعابها وفهمها ومعرفة الإجابة عليها المدخل الصحيح لفهم واستيعاب أبعاد ما أصبح يدعي بالمعضلة السورية .    
        الحديث عن المعضلة السورية هو فعلاً معضلة . والمعضلة تكمن في صعوبة اتخاذ موقف مما يجري الآن في سوريا . هناك من يعارض نظام الأسد باعتباره نظاماً دكتاتورياً ودموياً , وهنالك من يعارض المعارضة السورية في الخارج لتشتتها و ارتباط معظمها بأجهزة مخابراتية مختلفة تابعة لهذه الدولة المضيفة أو تلك . وهناك من يعارض الإسلاميين لابتعاد برامجهم عما يريده الشعب السوري ناهيك عن ارتباطاتهم مع دول عربية أو اسلامية أو أجنبية بالإضافة إلى سلوكهم الدموي الموتور. هنالك من يؤيد نظام الأسد باعتباره آخر قلاع المقاومة والحليف الأبرز للقوى المناهضة لأمريكا واسرائيل مثل ايران وحزب الله , وهنالك من يعارضه لارتباطاته الأنانية والمصلحية مع روسيا وايران , وسكوته الغامض على احتلال الجولان الذي بقي جبهة هادئة لعقود .
        المعضلة الحقيقيه إذاً هي في القدرة على اتخاذ موقف مما يجري في سوريا , وليس في فهم ما يجري في سوريا , إذ أنه معروف في إطاره العام . فالأمور ابتدأت في سياقها الطبيعي كصِدام بين نظام حكم دكتاتوري وراثي دموي وفاسد , وشعب يريد نظام حكم ديموقراطي تداولي شفاف . ولكن قوى أخرى اقليمية ودولية دخلت على الصراع وأجّجته بهدف تصفية حساباتها مع النظام السوري أو إعادة توزيع مناطق النفوذ في الإقليم الشرق أوسطي , أو إضعاف ما تبقى من الدول العربية المحورية الى حد النزاع أو الموت . ومن هؤلاء الذين دخلوا على الصراع من يريد أن تصبح سوريا احدى ركائز الخلافة الإسلامية الجديدة في المنطقة , وأطماع وأهداف الإسلام السياسي في ربط التغيير في سوريا بعجلة التغيير الإسلامي في المنطقه واضحة . وهنالك بالطبع اسرائيل ومصالحها وخططها وهي دائما موجودة , وان كان في معظم الأحيان في ضمير المستتر , ومن خلال دول غربية وإسلامية وحتى عربية .
       التدخل الأجنبي في سوريا جاء , وللأسف الشديد , بناء على رغبة وطلب نظام الحكم وكذلك المعارضة . كلا الفريقين استعان بالشيطان على حساب ابن البلد والبلد نفسها ومستقبلها, متناسين أن لا أحد يقدم العون مجاناً وانما بناء على حساب المصالح التي قد تكون فردية أو متبادلة بين طرفي العلاقة . وفي كل الأحوال , كان الخاسر الأكبر , إن لم يكن الوحيد , هو سوريا والشعب السوري . واللوم الرئيسي يقع هنا على نظام الحكم الذي يملك مقدرات السلطة ومنابع القوة ومع ذلك فشل في أن يتصرف بطريقة مسؤولة وأن يترفع , ولو قليلاً , عن أنانية الحكم وأن يتوقف عن اعتبار سلامة النظام هي سلامة الوطن وليس العكس . وقد يكون هذا النمط من التفكير وراء موقف العديدين في توجيه اللوم لنظام الحكم باعتباره الأكثر قدرة على العمل لما فيه مصلحة الوطن وعلى انتهاج سياسات تهدف الى تلبية مطالب الشعب أو على الأقل مقابلتها في منتصف الطريق , الأمر الذي لو حصل لأنقذ سوريا من الدمار والقتل الذي خبرته طوال الأعوام الثلاثة الماضية وما زالت .
        لقد اختار النظام السوري اللجوء إلى كل ما يملك من سلطة , واستغلال علاقاته الدولية لتعزيز وضعه وقدراته عوضاً عن العمل على انقاذ سوريا . كان النظام ينطلق في ذلك من قناعات لم تَعُدْ مقبولة من الشعوب وتتلخص في أن مصلحة الوطن تعتمد على سلامة النظام . كلام عجيب غريب عفا عليه الزمن .
       نحن لا ننطلق من محاولات تجريم النظام السوري وتحميله مسؤولية ما حصل ويحصل , ولكن من منطلق الإقرار بأن مطالب الشعب السوري أصبحت متناقضة مع ما يريده النظام ويقبل به , وكان لا بد من ايجاد معادلة تسمح بالتوصل الى حل وسط مع الإقرار بأن الأولوية يجب أن تكون للشعب وليس للنظام .
        إن غَلّ يد الشعب من خلال الاستقواء بالغريب أمر لا يبعث على الرضا والقبول . وفي حين أن المعارضة السورية تتحجج بأن طلبها الدعم من الغريب هو نتيجة لتعنت النظام ورفضه للحوار الايجابي مع الشعب والاستجابة لمطالبه , فإننا لا نملك إلا أن نقر بأن ذلك الموقف من قبل المعارضة قد فتح الباب أمام النظام لفعل الشيء نفسه . ان محاولة اللوم والتجريم من خلال مناقشة من بدأ هذا النهج هي محاولة سقيمة ولن تؤدي الى أي نتائج ايجابية . وفي الوقت نفسه فإن كون الصراع قد ابتدأ داخلياً ودون أي تدخل خارجي ، يؤشر على أن استمرار ذلك الصراع كأمر داخلي كان ممكناً خصوصاً وان تدخل القوى الخارجية لم يؤدي الى أي حسم حقيقي بل على العكس ساهم في تزايد دموية الصراع وتوسيع أبعاده التدميرية إلى الحد الذي أصبحت فيه مشكله اللجوء السوري الى خارج سوريا غير مسبوقة في التاريخ الحديث بحجمها وآثارها الاجتماعية والإنسانية المرعبة .
       لقد ساهم تدويل الصراع في سوريا في تحويله الى معضلة حقيقية , كون مفاتيحه انتقلت من الأطراف السورية المحلية الى اطراف دولية تهتم بمصالحها أولاً وأخيراً , حتى لو كانت تلك المصالح متناقضة مع مصالح الشعب السوري والوطن السوري .
        هذا هو الوضع الذي نشهده الآن . فالخلافات الروسية – الأمريكية أخذت منحاً جديداً مؤخراً بعد أن قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم . هذه الخطوة وَسّعت نطاق الخلاف الأمريكي – الروسي حول سوريا ونقلته من المحلية والإقليمية الى العالمية من خلال ربطه المتوقع مع الخلاف  الأمريكي / الغربي –  الروسي حول شبه جزيرة القرم . فالتسوية القادمة للخلافات الأمريكية – الروسية ستكون عبارة عن صفقة متعددة الجوانب وسوريا ستكون فيها عبارة عن موضوع للمساواة دون أن تملك من أمرها شيئاً .
       الصراع الداخلي في سوريا قد انتقل الآن وبجدارة محزنة الى صراع دولي في سوريا وعلى سوريا . من يريد هذا ؟ ومن له مصلحة في هذه النقلة البائسة التي جَرّدَتْ السوريين شعباً ونظاماً من أي سيطرة على مقدراتهم وعلى مستقبلهم . أرض الصراع سوريةَ , وضحايا الصراع سوريون , والدمار في سوريا , ومفاتيح الحل أصبحت الآن في أيدٍ غير سورية , وأي واقع أكثر بؤساً من هذا ؟
       ماهو الموقف المطلوب حقيقة تجاه ما يجري في سوريا ؟
         إن الأحاديث السائدة والحجج التقليدية بين مؤيدي هذا الطرف أو ذاك لم يعد لها أي معنى كون الصراع فقد طبيعته السورية , ولم يعد لأطرافه أي قيمة بعد أن تم تدويل هذا الصراع .
       فبعد أن سَلّمَتْ جميع الأطراف مقدراتها الى أطراف دولية سواء عن قصد أو عن غباء , فإن ما ستؤول اليه الأمور قد أصبح حُكْماً بيد روسيا وأمريكا. وقد تدفع سوريا ثمن ما يجري في أوكرانيا والقرم دون أن يتم سؤالها عن ذلك . وقد يستمر الصراع وتدفع سوريا والسوريين ثمنه الباهظ من قَتْلٍ ودمارٍ وتشريدٍ دون أن يُسمح لها بخطوات ذاتية لوقفه بمعزل عن القوى الخارجية , حتى لو أرادت ذلك .
       إن تدخلاً عربياً ايجابياً وحاسماً قد أصبح أمراً مطلوباً بل ومُلِحاً . وهذا يتطلب من الأنظمة العربية أن تتوقف عن كونها جزءاً من المشكلة , وعليها إعادة تقييم مواقفها حتى تصبح جزءاً من الحل . وبخلاف ذلك لن يتمكن العرب من القيام بأي دور ايجابي للمساهمة في حل الصراع في سوريا مع العلم أن الانعكاسات السلبية لذلك الصراع سوف تصيب العالم العربي دون تمييز, وإن كان بدرجات متفاوتة.
       أما على الصعيد السوري , فالمطلوب الآن توفر إرادة سورية وطنية لوقف القتل والتدمير قد تنطلق من موقف كريم للنظام بتسليم القيادة الى حكومة سورية انتقالية موسعة تشمل أركان النظام والمعارضة معاً , وهذا قد يشكل البداية لعملية انفكاك سوريا من القبضة الدولية وإعادة مفاتيح الحل الى الأيادي السورية .
        وبخلاف ذلك سيبقى الاقتتال والتدمير والتشريد , وقد يتفاقم ويؤدي الى انفجار كارثي من الداخل يؤدي الى تفتيت سوريا , أو الى تحولها الى دولة فاشلة غير قابلة للحياة والاستمرار, خصوصاً اذا اخذنا في الأعتبار أن الاقتصاد السوري قد خسر أكثر من مائتي مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الصراع ناهيك عن عشرات آلاف القتلى , وملايين المشردين وتدمير معظم المدن الرئيسية في سوريا . ماذا تبقى بعد كل ذلك ويستحق أن يتقاتل السوريون عليه ومن أجله ؟

الاثنين، 24 مارس 2014

فارس حميد أمانة - من حمورابي الى الشمري .. بين تزويج الصغيرات .. وتمتيع الكبار

مدن الزرق ورق- كاظم فنجان الحمامي


مدن الزرق ورق


كاظم فنجان الحمامي

لسنا هنا بصدد التعليق على التوصيف المعماري الذي أطلقه السيد أمين العاصمة بغداد, عندما قال عن مدينة دبي أنها (زرق ورق), ولسنا هنا بصدد الدفاع عن هذه المدينة الخليجية التي تحولت في القاموس الانجليزي من (اسم) إلى (فعل) بسبب كثرة استعمالاتها اليومية المتكررة في المخاطبات والمراسلات.
فدبي التي كانت أسيرة السواحل الملحية المقفرة, تحولت بجهود المصلحين والحكماء والعقلاء إلى جنة للمستثمرين وقبلة للمنتجين والمتاجرين والمصدرين والمستوردين, أنها اليوم قلعة عملاقة من قلاع الاقتصاد العالمي, وجبهة استثمارية من أقوى جبهات المال والأعمال, وواحة جميلة مزدانة بالزهور والنخيل والأشجار والأبراج السامقة.
لم تقف العوامل الجغرافية القاسية بوجهها حين واجهت وحدها أصعب التحديات, ولم تكن الموارد المالية الشحيحة عقبة في منظورها, فلم تتراجع خطوة واحدة عن صناعة مستقبلها بأحرف من نور, ولم تتقاعس عن تحقيق أهدافها نحو الارتقاء إلى مصاف الأقطار الأوربية المتقدمة, فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.
كانت العاصمة بغداد في الخمسينيات من أجمل العواصم الآسيوية والأفريقية, وكانت دبي عبارة عن صحراء قاحلة تُغرقها الأمواج المتلاطمة, وتخنقها الرطوبة القاتلة, ولسنا مغالين إذا قلنا أنها كانت مضرب الأمثال في التخلف الحضاري, وربما كانت قصيدة الشاعر العراقي (الملا عبود الكرخي) خير شاهد على صحة كلامنا, بقصيدته الشعبية التي استعرض فيها المستحيلات, فقال:
أيصير نملة تدفع الملوية ؟
أيصير من لندن تجي مـﭽارية ؟
أيصير بدبي مدرسة حربية ؟
لقد سخر أمين العاصمة من (دبي), مثلما سخر منها شاعرنا (الكرخي) في الخمسينيات, وما هي إلا بضعة عقود حتى سخرت (دبي) من قوافي قصيدة المستحيلات, عندما فتحت معسكراتها لجنودنا وضباطنا, وسمحت لهم بالتدريب في بعض الدورات التعبوية لصنف المشاة الآلي.
استحوذت (دبي) اليوم على أنظار العواصم العالمية بنهضتها العمرانية غير المسبوقة, والتي استعانت فيها بأبرع المهندسين والمعماريين, فشيدت جزر النخلات, وشيدت برج خليفة, الذي يعد الأعلى (حتى الآن) فوق سطح الأرض, بارتفاع شاهق يصل إلى (828) متراً, وبمكونات مذهلة مستوحاة من زهرة (التوليب) الصحراوية.
يتألف البرج من (160) طابقاً, ويحتوي على (330000) متراً مكعباً من الاسمنت, و(31400) طناً من القضبان الفولاذية, وفيه (57) مصعداً, وهنالك مئات التحف والروائع الهندسية, التي جعلت من (دبي) أيقونة عمرانية بكل معنى الكلمة.
في دبي الآن أكثر من (30) محطة لقطارات المترو, أما موانئها فهي الأروع والأكفأ والأسرع, ولا يضاهيها أي ميناء في العالم, بل صارت (دبي) هي التي تدير أكبر الموانئ الأمريكية والأوربية والآسيوية, وهي التي جلبت القلق والأرق لأمناء عواصم الشرق, فهل يجوز وصفها بمدينة (الزرق ورق) ؟. .