بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 25 يناير 2013

إضاءة-حذارِ من دعوات الشيخ جعفر الإبراهيمي !!!-حامد كعيد الجبوري


إضاءة
حذارِ من دعوات الشيخ جعفر الإبراهيمي !!!
حامد كعيد الجبوري
بدءاً أعترف أني لست من المؤمنين بأن هناك من ينتصر لك دون أن تنتصر  لنفسك ، بمعنى أن ليس هناك قوة خفية نطرق أبوابها لتحل لنا معضلاتنا وما أختلف علينا ، ويقول القرآن الكريم ( لا يغير الله ما بقوم حتى  يغيروا ما بأنفسهم )، وكما يقول أمير الشعراء ( احمد شوقي ( وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ) ) ، والعراق مرَّ بحقبٍ سود منذ بدأ الخليقة  وأحصى التاريخيون أن العراق خضع الى الاحتلال والاستعمار مئة وأربع وستون مرة ( 164 ) ، وخلال هذه الحقب الطويلة سلبت ذاتية الإنسان العراقي تدريجا  حتى بدء يقول ( أني شعليه ) ، وآخر يقول ( خليها على الله ينتقم من الظالم ) ، ويتحدث رواة الدين والعاملون عليه أن حُلم الله جلت قدرته أربعون سنة ، ويتبادر لي أن الله سبحانه وتعالى يقول لعباده هبوا أنتم لأخذ حقوقكم المسلوبة والمغتصبة لأن حلمي أربعون سنة وهي طويلة على صبركم  ، ويقال أن أحد  المظلومين وظالمه أمامه وكل يوم يرتكب البشاعة والحماقة والظلم ، والمظلوم يعمل بخدمته ، وحدث أن طال الظلم لهذا الذي يعمل بمعيته ولم يستطع أن يأخذ حقه فرفع يده الى السماء وقال ( ربي حلمك على الظالم فتت كبد المظلوم ) ، فصعق الظالم في حينه وفرح المظلوم بفعل السماء كما يزعمون ، ويقول النبي الأعظم محمد ( ص ) ( دعوة المظلوم على الظالم ليس بينها وبين الله حجاب ) ، وهناك فرق إسلامية كثيرة أوجدت لنفسها العذر في عدم المطالبة بالحقوق أسموها ( التقية ) ، وهي عندي تشبه ال( الشعليه ) ، أو ( لست أنا المقصود ) ، أو ( لتأتي من غيري ) ، ودليلي لما أذهب اليه هو الوضع العراقي المتردي الذي لم نشهد له مثيلا على مدى تشكيل الدولة العراقية الحديثة ، صراع لا لأجل البلد ولكن الصراع من أجل مصالح فئوية ضيقة ، ومصالح مادية ، ونهب ثروات البلد أمام الأنظار وبوضح النهار وكما يقول المثل الشعبي ( عينك عينك ) ، اتهامات سياسية مختلفة ، فلان عميل لأمريكا ، وآخر لإيران ، وآخر لقطر ، وآخر لإسرائيل وهكذا ، والبلد يعاني من البطالة ، ومن سوء الخدمات ، وعدم توفر الكهرباء ، ناهيك عن النقص في كل شيء غذاء ودواء ، وازدياد المتخمين ، ومضاعفة الفقر  وازدياد البطالة والتسول الذي أصبح تجارة ، ومن هنا بدأ الدور الأخلاقي للإنسان الذي يريد أن يوجه الناس الى حقائق الأوضاع المزرية ، ولست هنا داعية لأحد ، أو مروجا لفكر أحد ، أو ناقما على أحد لعدم اتخاذه موقفاً  يراد منه ، ولست بصدد الإشارة الى مئات الأحزاب التي تعمل في الساحة ، أو الأحزاب التي أصبحت ذيلا لتلك الأحزاب الفاعلة ، وهناك خطيب يختلف عن بقية خطباء المنابر الإسلامية ، خطيب يعطي جزءا من وقته للفت نظر الحكومة الى خلل موجود ، ولعدم تنفيذ الحكومة لوعودها قال مخاطبا الجمع الغفير الذي يحاضر له ، قال لهم الى متى نبقى على هذه الحال ، لسنا نطلب من الحكومة المستحيل ، أردنا خدمات ، وأردنا أن نشعر بإنسانيتنا في هذا العراق ، والحكومة مشغولة بين ( الطالباني ) و ( البرزاني ) و ( نوري ) ، وليس لنا إلا أن ندعو لله منهم ، أرفعوا أيديكم للدعاء وقال ما نصه ، ( اللهم اهلك الظالمين  ، اللهم انتقم لنا ممن ظلمنا ،اللهم فرق بينهم وبين العافية ،اللهم اهلكهم بأجسادهم وأموالهم ، يا الله   يا الله يا الله )  ، ولأننا المظلومين أرى أن العراق لا يستقر أبدا على هذا الحال ، وأعتقد أن علينا واجبا إنسانيا  وأخلاقيا لنا ولأجيالنا اللاحقة  لنطالب وبصورة حضارية بحقوقنا التي ضاعت بين أفواه الذئاب التي تسلطت على رقاب العباد  والبلاد ،  للإضاءة .......... فقط .

غالب المسعودي - تأملات في الحداثة بين الواجب الديني واضطراب الذاكرة

العراقيون بقلب واحد. . ولكن-كاظم فنجان الحمامي





العراقيون بقلب واحد. . ولكن



جريدة المستقبل العراقي



إذا تألمت لألم أبنا شعبك فأنت نبيل, اما إذا تفانيت في الدفاع عنهم فأنت عظيم
                            


كاظم فنجان الحمامي

لا يوجد في الوطن العربي كله قوم يمرون بمحنة واحدة, يتكلمون بلسان واحد, يأكلون طعام واحدا, يسكنون بيوت موحدة, في مدن مستنسخة متناظرة متماثلة, مثل فقراء الشعب العراقي, الذين يمثلون الأغلبية الغالبة المغيبة. .
نحن هنا نعد طعامنا بالطريقة نفسها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب, نأكل من صنف واحد, فأطباق الطماطة والباذنجان المقلي والبطاطة المسلوقة هي القاسم الغذائي المشترك بيننا, وتبقى الكبة والكباب واللحم بعجين والدولمة والكفتة ومرقة الباميا والبرياني والمحشي والقوزي والسمك المسقوف هي الأصناف المفضلة في موائدنا, التي يتصدرها خبز التنور المكسِّب في تنانير الطين المبنية في باحات منازلنا أو فوق سطوحها. .



نتحدث بالفطرة بلهجة عربية دارجة, تشوبها بعض المفردات الكردية والسومرية والأشورية والبابلية والكلدانية الجميلة, نرتدي الثياب نفسها بأزياء وألوان وتصاميم موحدة, نمارس في الأفراح والأتراح بعض التقاليد والعادات المشتركة, نؤدي الطقوس نفسها, ننحدر من القبائل العراقية المتجانسة المتآلفة في نسيج اجتماعي متماسك, لا فرق في تراكيبنا القروية والمدنية والبدوية بين أبناء كربلاء وأبناء سامراء, ولا اختلاف عندنا بين أهل الأنبار وأهل الأهوار, كلنا من جنس واحد, ولنا نفس الملامح في الوجوه والتجاعيد والسحن الحنطاوية, ويكاد يكون اللون العسلي الغامق هو اللون السائد في عيوننا. .


مناطقنا السكنية. . . فوارق معدومة
اما مناطقنا السكنية ففيها من التطابق والتناظر ما يذهل العقول, وربما يتعذر على المرء رصد الفوارق بين قرى محافظة ذي قار وقرى محافظة واسط, أو قرى ميسان, فالفوارق تكاد تكون معدومة, وهكذا الحال بالنسبة للأحياء السكنية في ديالى وبابل والبصرة والمثنى والقادسية, كلها متناظرة بطريقة تبعث على الدهشة والطرافة, لأنها تتشابه في كل شيء ابتداء من الطرق والشوارع المغطاة بالرمال والأتربة, إلى طريقة توزيع الأعمدة الناقلة للطاقة الكهربائية, مرورا ببرك المياه الآسنة المنتشرة في الساحات والأزقة, حتى إن مكبات القمامة (أعزكم الله) تكاد تكون نفسها من حيث التراكم والتعفن والانتشار, فما تجده في (البطحة) خارج مركز محافظة المثنى, تجده في (الغراف) خارج مركز ذي قار, وتجده في (المجر) خارج مركز ميسان, وتجده في (الفاو) خارج مركز البصرة. .

مدن الزي الموحد
فالزي الموحد باللون البيجي, أو (الخاكي), أو الترابي, أو الرملي, أو (الطيني) هو الزي الذي ارتدته المدن والقرى العراقية, وهو العلامة الفارقة في كل مواسم العصر الجلكاني, الذي توحدت فيه مجاري الصرف الصحي, فتوقفت عن الجريان في (بدرة وجصان) وتشعبت في (الشعيبة), واختنقت بدخان مدينة (الشعلة) ببغداد, وأصيبت بكولسترون الأطيان في النعمانية بالكوت, والتهبت مجاريها في الرميثة, وانسدت في سدة الهندية, وتعطلت في حي (أور) في الناصرية, حتى يخيل إليك إنها تنتظم في مصفوفة سكانية تتكرر فيها المشاهد واللقطات بطريقة رقمية تبعث على القرف, وخير مثال على ذلك: هذه الصور التي التقطناها من دون أن نشير إلى اسم القرية, تاركين حرية التعرف عليها لمن يرغب في خوض هذه الامتحان الصعب, إذ يتعذر معرفة فيما إذا كانت هذه اللقطات أخذت في مدينة (الزبير) بالبصرة, أم في مدينة (الصالحية) بالناصرية, أم في (أبي غرق) ببابل, أم في (الحي) بواسط, أم في الحي العسكري بالنجف, أم في (صبخة العرب), و(العالية) بالبصرة, أم في حي (الغدير) بكربلاء, أم في حي (الشهداء) في الفلوجة, أو الحي الصناعي هناك, أم في أحياء بغداد مثل: (العبيدي), و(سبع البور), و(الفضيلية), و(النهروان), و(الكمالية), ومنطقة (الشيشان) الواقعة في نهاية حي (الشعب) ؟؟, كلها سواء في اللون (الأملح الترابي) الطاغي على جدران البيوت, أو في أشكالها البائسة, أو في الأصوات المنبعثة من المولدات الكهربائية, أو في تشابكات الأسلاك في كل الاتجاهات, أو في الغبار المتطاير, أو في سحب الدخان الأسود, أو في نوعية المطبات (الطسّات), أو في مشاريع الحفر, التي مزقت جسد كل مدينة بالطول والعرض, فوحّدتها مع بعضها البعض, حتى إن الكراجات, والمدارس, ومراكز الشرطة, والعيادات الطبية, ومقرات المجالس البلدية, وساحات كرة القدم, ومحطات تعبئة الوقود تشابهت إلى حد بعيد, وكأنها صنعت في قوالب متماثلة في معامل الجمود والإهمال. .


مفارقات عجيبة
من المفارقات العجيبة نذكر: ان حي (الجمهورية) في النجف يكاد يكون صورة طبق الأصل من حي (الجمهورية) في البصرة, من حيت التركيبة المتداخلة, والجدران المتشققة, والأسلاك المتقاطعة, والأزقة القذرة, ومن حيث التجاوزات العشوائية التي تكاثرت بعد تفشي ظاهرة (الحواسم). .
تتكرر صورة الأسواق التابعة للأحياء السكنية الموحدة, حيث يلهو الذباب نفسه, وتنبعث الروائح نفسها, فالواجهات تعكس صورة واحدة متكررة, وكذا العربات التي تجرها الحمير, والعربات الآلية (الستوات). .

تتراكم خلف كل دكان أكداس من الصناديق الفارغة, والأكياس البلاستيكية, والمغلفات الورقية الممزقة, والبضاعة التالفة المرمية منذ أسابيع في الزوايا الرطبة, فتتحول في الليل إلى ولائم مباحة للكلاب السائبة (المستنسخة), والقطط الضالة, والجرذان المحصنة جينيا ضد كل أنواع المبيدات الكونية, وهذه هي ظروفنا التي صبرنا عليها بانتظار الفرج الذي طال انتظاره. . .


نقمة المحاصصة الطائفية
لكننا وعلى الرغم من تنوع مذاهبنا وتعدد طوائفنا الدينية, التي تنتمي إلى فسيفساء الملل والنحل منذ القرن الهجري الأول وحتى يومنا هذا, كنا نتعايش في تواد ووئام وتلاحم, ولم نكن تهزنا بعض السلوكيات الطائفية الشاذة التي نسمع بها من هنا وهناك, حتى جاء اليوم الذي هبطت فيه علينا (نقمة) المحاصصة الطائفية, وصار التطرف الطائفي هو المعيار الأساس في تقييم الأداء السياسي, وهو المقياس في ضمان الفوز بالانتخابات, وظهر علينا أبطال التراشق الطائفي, والتناحر المذهبي, وتسللت إلينا النعوت والمسميات العنصرية السخيفة, التي يتشدق بها بعض المحسوبين على الثقافة والإعلام, فصنفونا إلى فئات عرقية غريبة, هذا (شروكي متخلف), وهذا (مصلاوي متعجرف), وهذا (دليمي متحجر), و(بغدادي متكبر), في حملات مبرمجة يقودها السفهاء والمتواطئين مع قوى التقسيم والتشرذم, فنسمعها منهم بصيغة النكتة والدعابة المسمومة. .
نقرأ أحيانا بعض المقالات التي يكتبها بعض الذين يحملون درجة الدكتوراه في ثقافة (الماكو), فنتعجب من تفاهتهم وخستهم وهم يمعنون في تصنيفنا وتشتيتنا إلى أقسام وشعب وعوائل ومجاميع عرقية وطائفية ومذهبية وعنصرية وفئوية, لكننا على يقين تام: ان الذين تطاولوا علينا, وتجاسروا علينا, واشتركوا في حملات التفريق والتمزيق لا ينتمون إلينا البتة, فهؤلاء ليسوا منا, ولم يكونوا عراقيين في يوم من الأيام. . .

الأربعاء، 23 يناير 2013

هذه القصيدة التي اعتبرتها الأمم المتحدة قصيدة العام





هذه القصيدة التي اعتبرتها الأمم المتحدة قصيدة العام 1429هـ (2008م)
كتبها طفل أفريقي

حين ولدت , أنا أسود
حين كبرت , أنا أسود
حين أنا في الشمس , أنا أسود
... حين أخاف , أنا أسود
حين أكون مريضاً , أنا أسود
حين أموت , أنا أسود

و أنت أيها الأبيض..
حين تولد , أنت زهري
حين تكبر , أنت أبيض
حين تتعرض للشمس , أنت أحمر
حين تبرد , أنت أزرق
حين تخاف , أنت أصفر
حين تمرض , أنت أخضر
حين تموت , أنت رمادي
و أنت تصفني بأني ملوَّن .....؟؟؟؟؟؟

--

حضانة الأطفال-عادل كامل



قصة قصيرة


حضانة الأطفال

 
عادل كامل

    
لا أحد   يعرف متى بدأ الإضراب، ومن مهد له وقاده إلا بعد سنوات طويلة. في ذلك اليوم كان ثلاثة من المشاركين فيه يجلسون في مقهى المدينة ويتحدثون عنه بصوت مسموع. بيد أن الأخبار التي تناقلها سكان المدينة سرت بشكل غريب أضطر السلطات إلى التدخل. لكن ذلك التدخل جاء بمثابة إشعال فتيل الإضراب الحقيقي، فقد بلغ الخبر أن أطفال دار حضانة "...."      الكائنة في نهاية المدينة، فوق مرتفع جبلي محاط بأشجار معمرة كبيرة جداً قد أعلنوا احتجاجهم لأسباب غير مفهومة تماماً. فأطفال دار الحضانة تلك وعددهم لا يتجاوز المائة طفل أغلقوا الأبواب ومنعوا اتصال أي كان بهم. كان إضرابهم بلا مطالب أو غايات محددة. إلا أن تدخل السلطات في الإضراب دفع الأطفال إلى الاعتصام وعدم مغادرة صفوفهم وغرف نومهم. وللحق فأن دار الحضانة المشيدة بالحجارة الجبلية بمثابة ضرب من المعمار المحكم والجميل..يضاف إلى ذلك وجود سور محكم بها. أما المربيات فأن الاعتقاد الأكيد المعروف عنهن يقول بأنهن قط لم يتدخلن في السياسة ولم يمتلكن أفكاراً غير سليمة. أما عن مشعلي نار الإضراب وأسبابه فبقيت أموراً مجهولة حتى زمن لاحق..وعلى كل فقد تم تطويق دار الحضانة بفصائل مدججة بالسلاح وأعلن آمرها أن الدار محاصرة من الجهات كلها، وأن على المضربين الاستسلام فوراً، بيد أن تلك القرارات دفعت المعتصمين إلى إعلان مطاليبهم التي تكونت من فقرة واحدة وهي أنهم سينتحرون جميعاً لو أستمر وجود فصائل الشرطة من حولهم، ونجحوا فعلاً في بادئ الأمر، إذ تدخل آباء الأطفال وأعلنوا أنهم حالما ينتهي الإضراب سيعاقبون أطفالهم..كما تدخلت الأمهات وهن خائفات مذعورات وقلن أنهن عارضن فكرة تأسيس الحضانة، ومع ذلك قلن أنهن سيجلدن أطفالهن جلداً مناسباً وعنيفاً لهذا العمل الفظيع.


   
بيد أن فشل المحاولات دفع بآمر الفصائل إلى رفع صوته. قال أنه سيدفع بجنوده إلى احتلال المكان..لكنه شاهد بوضوح أن الأطفال كانوا على استعداد لحرق أنفسهم فوراً، وأعلنوا بأنهم سيموتون الواحد بعد الآخر. ومرة أخرى تدخل الآباء والأمهات في الأمر، الذي دفع بآمر الفصائل إلى التراجع. قالت له أحدى النساء:
    - ..
دع الأمر لنا..نحن سنتدخل ونعالج الأمر..
    -
ماذا ستفعلن؟
   
أجابت بهدوء:
    -
سنقطع أصابعهم..
   
وتدخلت امرأة أخرى إذ ْ قالت بصوت مرتفع:
    -
سنلقنهم الدرس الذي سيتذكرونه طوال حياتهم!
   
وتأكد لآمر الفصائل أن من المستحيل إنهاء الإضراب بالقوة. ذلك ليس للفضيحة التي ستنتشر وتتناقلها الأفواه وربما الإذاعات والعالم بأسره. آنذاك سيعاقب آمر الفصائل من قبل الجهات العليا وبالذات ليس لفكرة إضراب الأطفال وهم دون سن الثالثة والثانية.من العمر، وإنما لأنه لا يمكن استعمال القوة ضد أطفال تأكد له بجلاء أن نصف عددهم في الأقل من أبناء رجال الفصائل وأن أبنه معهم أيضاً. وحار في اتخاذ قرار مناسب ينتهي به انتشار الخبر. وقال أنه لو كان الإضراب خفياً لما ضر الأمر ولأبقى الأطفال محاصرين حتى ينفذ الحليب والطعام المتوفر لديهم والذي لا يكفي لثلاثة أيام. بيد أنه خاف من انتشار الخبر ومدى تفسير الناس له بصفته حالة غريبة لمدينة عمل فيها ضمن فصائله سنوات طويلة. وأرتجف جسده وشعر بدوار وغثيان لم يكن ليحصل له لو أنه تراجع عن فكرة تحطيم السور الخارجي ومحاصرة الأطفال ومنعهم من القيام بأي عمل تخريبي.
    
في هذه اللحظات جاء أحد مساعديه وأدى التحية. قال الآمر:
    -
تفضل.
   
فأجاب المساعد بصوت عسكري:
    -
سيدي..هل هم عُزّل من الأسلحة أم....؟
   
لم يجب الآمر..واستدار بجسده الكبير،  وسأل مساعده الآخر:
    -
أي الأسلحة يحملون..وهل لديهم  ذخيرة كافية؟
   
ذهب الآخر لاستطلاع ومعرفة التفاصيل. أما الآمر فتذكر أنه جاء ببندقية صغيرة لولده الذي تخيل أنه- الآن- يجيد استعمال الأسلحة. فقد كان طوال الوقت يصوب نحو السماء ونحو الأشخاص بخبرة رجل دخل عدة حروب.
   
مع أن أبنه لم يتجاوز العام الثاني من حياته إلا بشهر واحد فقط، فقد تخيل الآمر أن أبنه قد قام بتدريب التلامذة على بعض الأسلحة الخفيفة، إلا أنه أستبعد    معرفته بأسلحة الدفاع ضد الدروع أو الطيران بشكل خاص أو غيرها. ثم أن من المستحيل الحصول على أسلحة متطورة يمكن بها مواجهة أسلحة العدو المتطورة. ودار بخلده أن معظم الصغار لم يحصلوا على تدريب مناسب، وأن أفدح ما في الأمر هو أنهم يستطيعون البكاء والصراخ والعويل ولا شيء آخر. وأبتسم بخبرة رجل، ولكن بحيرة تامة راح خلالها ينتظر مساعدة الآخر الذي جاء وأعلن له بأنه لا يوجد لدى المضربين أية أنواع من الأسلحة، وقال بالحرف الواحد:


    - أنهم يهددوننا بالشوكات..والأكواب..وغير ذلك!.
    - الحمد لله
     أما المساعد الأخر الذي فكر بقصف دار الحضانة بالهاونات وتحطيم السور بصواريخ القذائف المضادة لحصون المشاة والدروع فلّم يصدق كلمات آمره..وعندما غادره أمر فصائله بأن تبقى قوته حذرة وتحتاط لأية مفاجآت غير متوقعة، فقد كان يعتقد بأن شهراً من التدريب يكفي لخلق رجال مدربين على الأسلحة المتوسطة، ثم أنهم- دار بفكره- كانوا لا يثيرون الشبهات قط: فهؤلاء الأطفال كانوا يتسللون إلى المعسكرات مع أولياء أمورهم وربما لهذا السبب- ولأسباب أضافية- نجحوا في سرقة عدد منها. ولم يطمئن للموقف الذي تزايدت شدته وخطورته أثر عودة الفصائل للاقتراب من الأسوار، الأمر الذي دفعه لإعلان الحذر الشديد وفتح النار في الوقت المناسب


     كانت الشمس في كبد السماء، وأشعتها الذهبية تضيء الغابنة، فيما كان عدد كبير من النسوة قد استسلمن وجلسن فوق العشب باكيات وكأنهن في مأتم وكن يخشّين أن يصبن بسوء بعد أن فقدن، نصفهن على الأقل، أزواجهن وأشقاءهن، في معارك السنوات الست السابقة بعد اندلاع الحرب.
     أما الرجال فكانوا أكثر تجلداً، وكانت أحاديثهم مع آمري الفصائل تبدو متماسكة، ذلك ليس لأنهم خبروا حياة الحرب والموت، بل  لأنهم كانوا غالباً من الرجال الذين سحقت أية معارضة في أعماقهم.
     وجاء نداء الأطفال مرتفعاً، ولم تكن ثمة مطالب جديدة، لقد كانوا يطالبون بابتعاد الفصائل، والآباء، والأمهات أيضاً، وجاء الصوت واضحاً يقول أن المضربين لا يطلبون بشيء، وأنهم، عندما تتركهم فصائل المحاصرة سيتخلون إلى الأبد عن دار الحضانة ويذهبون إلى الجبال والغابات، وأنهم هم ذاتهم سيتحملون المسؤولية. بيد أن ذلك النداء جاء بمثابة التحدي. وقال آمر الفصائل لمساعديه


      - ربما سيباغتوننا بهجوم مضاد.
      وأمر مساعديه بالحذر من وقوعهم في كمين ومحاصرتهم من الخارج. قال لمساعده الأول:
      - وربما ستصلهم نجدات ..!
      وأستمر الحديث المتبادل بين المضربين وأفراد الفصائل حتى اختفى آخر أشعاع للشمس وتوقع آمر الفصائل أنهم سيستلمون حالاً. لكن القمر في تلك الليلة كان يضيء الغابة كأنه نجم ساطع. ثم أنه منع قواته من قصف دار الحضانة بسبب وجود أبنه معهم. ولأنه خاف من أن ينتقل الخبر إلى القرى والمدن المجاورة، بل ربما تناقلت إذاعات العالم الخبر الغامض الطريف! آنذاك سيعاقب ويطرد من وظيفته التي لم يحصل عليها إلا بعد ربع قرن من العمل والكفاح اليومي والالتزام  المطلق..قال:


   
 - لننتظر حتى الفجر
           ومضى الليل بطيئاً. وجاءت أشعة الفجر ليكون الإضراب قد دخل يومه الثاني. قال آمر الفصائل يهدئ الآباء ولأمهات أن المضربين سيستسلمون قبيل الظهر. بيد أن المضربين أعلنوا أنهم لن يغادروا دار الحضانة أبداً، وأنهم في حالة بقاء القوات تحاصرهم سيضطرون إلى اتخاذ قرارات مهمة تناسب منعهم من المشاركة في قتال العدو.
    آنذاك قال أحد مساعديه
    - أنه إضراب سياسي..
    - كلا..بل هم ينوون دخول المعركة.
    وساد الصمت بين قادة الفصائل وكل منهم لا يفكر إلا في وسيلة لاحتلال البناية وإنهاء الإضراب، بيد أن جهودهم باءت بالخيبة. وهكذا دارت بخاطر آمر الفصائل فكرة أن تكلف الأمهات بدور الاقتحام، من ثم يكون الآباء في الخط الثاني.
    - بعد المعركة، أن حصلت، نكون قد سيطرنا على الموقف
    لكن نداء أحد المضربين، وربما قائدهم جاء مدوياً بأن الجميع سيحرقون أنفسهم داخل أسرتهم ذاتها وفي غرف نومهم، وأنهم لا يسعون إلى شيء، فقد أدى الاعتصام غرضه وأنهم سيغادرون دار حضانتهم ويعودون إلى منازلهم..إلا أن آمر الفصائل لم يطمئن لهذا الأمر وعده كميناً، لأنه كان يدرك جيداً أنهم سيهربون إلى الجبل، أو إلى أي مكان آخر خارج المدينة..وكاد يأمر قواته بقصفهم لولا أنه خاف الفضيحة..آنذاك هدأ نفسه وراح يضرب الأرض الصلبة بهدوء، ضربات متتالية، قيل أنها كانت تدل على قلقه وعدم قدرته على اتخاذ قرار مناسب، وبعد ساعة، قبيل غروب الشمس، جاء الأمر من السلطات العليا بإعفائه من القيادة، وتنفيذ حكم الإعدام فيه فوراً أمام باب دار الحضانة. وحدث ذلك سريعا ً، ضمن ضجة الأمهات والآباء..وعندما تسلم قيادة الفصائل أحد مساعديه أكتشف الآخر أن مصيره لن ينتهي  إلا إلى ما انتهى إليه الأول، فقرر، بعد تفكير وجيز، احتلال البناية، لكن القمر في مساء ذلك اليوم لم يظهر وكان الظلام حالكاً شديد السواد، وثمة عواصف ممطرة هبت، وبدأ الرعد والبرق، وسقط المطر غزيرا ً..لكن الآمر الجديد قرر تنفيذ الأوامر التي صدرت إليه..وبالفعل تم هدم السور الأمامي..ونجحت فصائله بالتقدم دون أية مقاومة..وبعد نصف ساعة من ذلك. تم احتلال دار الحضانة..إلا أنه لم يكن هناك أي طفل يمكن إلقاء القبض عليه!! 

1982-8-21