بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 22 يونيو 2012

كم باباً فتحت؟- عبدالله المغلوث

كم باباً فتحت؟ دون أن أقصد تسببت في جريمة بأمريكا. فلم أفتح الباب لسيدة كبيرة في السن كانت تسير خلفي وأنا أهم بالخروج من باب مجمع تجاري. ارتطمت السيدة بالباب وتعثرت وتبعثرت أغراضها على الأرض دون أن تصاب بأي أذى. لكن خلال محاولتي مساعدتها في جمع أشلاء أكياسها سألني رجل أمن أن أرافقه إلى مكتب الإدارة في المجمع بصوت عال كالذي ينادي به اللصوص. وفور أن دخلت المكتب دار بيننا الحوار التالي، والذي بدأه بسؤال فظ: "هل لديك مشاعر؟". أجبته باقتضاب: "بالتأكيد". فرد ووجهه يفيض غضبا: "لماذا إذاً لم تفتح الباب للسيدة التي وراءك؟". رددت عليه قائلا: "لم أرها. فلا أملك عينين في مؤخرة رأسي". فقال وهو يبحث عن قارورة الماء التي أمامه ليطفئ النار التي تشتعل في أعماقه إثر إجابتي التي لم ترق له: "عندما تقود سيارتك يتوجب عليك أن تراقب من هو أمامك ومن خلفك وعن شمالك ويمينك. فمن الأحرى أن تكون أكثر حرصا عندما تقود قدميك في المرة المقبلة". شكرته على النصيحة، فأخلى سبيلي معتذرا عن قسوته، مؤكدا أن تصرفه نابع من واجبه تجاه أي شخص يبدر منه سلوكا يراه غير مناسب.خرجت من مكتبه وأنا أهطل عرقا رغم أن درجة الحرارة كانت تحت الصفر وقتئذ في ولاية يوتاه بغرب أمريكا. كان درسا مهما تعلمته في سنتي الأولى في أمريكا عام 2000. فأصبحت منذ ذلك الحين أفتح الأبواب لمن أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي. ومن فرط حرصي أمسكه لمن يلوح طيفه من بعيد في مشهد كوميدي تسيل على إثره الضحكات. فتح الأبواب في المجمعات التجارية والمستشفيات والجامعات يعد سلوكا حضاريا ويعكس ثقافة تجيدها دول العالم الأول مما جعلها تقطن الصدارة، فيما نقبع في المؤخرة. لا أقصد فقط الأبواب الفعلية التي نعبرها في أماكننا العامة بل أيضا الأبواب الافتراضية التي تقطننا وتشغلنا. في يقظتنا وأحلامنا. باب الوظيفة وباب الترقية وباب الفرصة. هذه الأبواب التي يملك بعضنامفاتيحها ومقابضها بيد أنها للأسف لا تفتح إلا لمن نحب ونهوى. لمن له منزلة في نفوسنا وقلوبنا، مما أدى إلى ارتطام وسقوط الكثير من الموهوبين، ممن لا حول لهم ولا قوة، أمام هذه الأبواب، متأثرين بجراحهم ومعاناتهم. فأبوابنا موصدة ومغلقة إلا أمام قلة قليلة لهم الحظوة والشفاعة وربما ليس لديهم أدنى الإمكانات للحصول على وظيفة معينة أو فرصة تتطلب مواصفات ومعايير محددة. في حفل تخرج صديقي من جامعة مانشستر ببريطانيا العام الماضي تأثرت بكلمة الخريجين التي ارتجلها طالب سوداني حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة. سحرتني كلمته القصيرة التي قال فيها: "لن أفسد فرحتكم بكلمة طويلة مملة. سأختزلها في جملتين. دكتور جون فرانك، شكرا لأنك فتحت باب مكتبك وعقلك لي. هذا الباب هو الذي جعلني أصعد هذه المنصة اليوم وأزرع حقول الفرح في صدر جدتي مريم". قطعا، لا يرتبط السوداني صلاح كامل وأستاذه جون فرانك بوشائج قرابة وروابط دم. لكن الأخير آمن بمشروع طالبه فشرع له أبواب طالما اصطدم بها في وطنه وعدد من الدول العربية. يقول صلاح وهو يدفع عربة جدته التي جاءت إلى بريطانيا خصيصا لتتقاسم مع حفيدها الوحيد فرحته بالحصول على الشهادة الكبيرة: "الدكتور فرانك الوحيد الذي أصغى إلي. طفت دولا عربية كثيرة وجامعات عديدة ولم أجد أذنا صاغية". إن مجتمعاتنا العربية تحفل بالأنانية وحب الذات. فتكاتفنا وتعاوننا وفتح الأبواب لبعضنا البعض سيثمر نجاحا غفيرا. يقول المفكر الفرنسي، لاروشفوكو: "الأنانية كريح الصحراء.. إنها تجفف كل شيء". ثمة حل واحد يقودنا لإفشاء الإبداع وإشاعة النجاح وهو نكران الذات وإعلاء محبة الإنسان عاليا وتطبيقه في كل معاملاتنا. وليبدأ كل واحد منا بسؤال نفسه قبل أن يخلد إلى النوم: "كم بابا فتحت اليوم". إجاباتنا ستحدد إلى أين نتجه. فماذا ننتظر من مجتمعات مغلقة لا تفتح الأبواب... لاشك أنها تركض وراء السراب؟

باليت .. العدد الثاني

باليت، جريدة ثقافية شهرية متخصصة بالفنون التشكيلية، والبصرية، صدر عددها الثاني، في بغداد، بكلمة لرئيس تحريرها، الفنان ناصر عبد الله الربيعي، جاء فيها: " هذا الشهر كان مميزا ً جدا ً للفن التشكيلي العراقي، بالرغم من الظروف السياسية المعقدة التي يمر بها البلد، ولكن إصدار صحيفة باليت التشكيلية فرض على نوع جديد من النشاط والحركة لمتابعة دقائق الفن التشكيلي العراقي ورصد فعالياته، وهذا ما سمح لي بسجيل حالة واقعية أدهشتني فعلا ً، أولا ً ان الكثير من العراقيين يحبون الحياة ويجدون في صنع الجمال لرونق أيامهم، وثانيا ً العراق كبلد يملك من الطاقات والإمكانيات الفنية خزين خرافي بلا مبالغة، وثالثا ً هذا الخزين محاصر بالكثير من العوائق والفتاوى والإهمال وينتظر اللحظة الحقيقية للانطلاق وما ان تلوح بعض المنافذ حتى تراه يخرج منها بقوة ليملأ الدنيا نور وضياء...في هذا الشهر تم إصدار صحيفة تشكيلية، والقاعات الفنية لم تهدأ على قلة عددها (أربع فقط في بغداد وواحدة في بابل وقاعات كردستان) من عروض مهمة لفنانين عراقيين من الداخل والخارج وكذلك قاعات العاصمة الأردنية عملت طوال الشهر والذي قبله بلا كلل لعرض المنجز العراقي ناهيك عن المعارض الأخرى في أوربا ودبي وقطر، ثم أكملت دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة فورة هذا النشاط بمعرض شامل للفن التشكيلي العراقي مع لإنعاش الأمل بتحريك عملية التسويق الفني للإعمال عبر برمجة الاقتناء التي وعد بها الدكتور جمال ألعتابي، اذا ً يحق لنا ان نتفاءل بعودة مجيدة لتاريخنا التشكيلي من جديد" وقد تضمن العدد رصدا ً للمعارض، والنشاطات، وأخبار الفنانين. باليت صدرت بالحجم الكبير ، وبالألوان، وبورق مميز. فضلا ً عن الجهد الشخصي لصاحب الامتياز، رئيس تحريرها، الفنان ناصر الربيعي.

قصة قصيرة- عيـون-عادل كامل

قصة قصيرة عيـون سأكرر، مرة ثانية، أنني امرأة رحلت منذ زمن .. منذ سنوات .. منذ عقد .. وربما منذ زمن بعيد . كذلك دار بخاطرها، وهي تحدق في عينيها. لقد حدث ذلك على نحو مباغت .. عندما أحسست، بأن الشيخوخة قد سكنت أعماقها . صرخت .. لقد كانت تود ألا تصرخ .. لكنها استسلمت لصراخ مكتوم، وهي تتمتم مع نفسها ( انطفأ البريق .. انطفأ البريق ) . في تلك اللحظة ناداها زوجها : - "حبيبتي ".. - "نعم .. أنا هنا ".. إلا إنها ارتجفت وشعرت أن رأسها سيسقط من جسدها النحيل .. يسقط ويتلاشى . رأس بلا عيون ويتحول الى كتلة متحجرة صماء .. رأس في متحف للآثار . ودار بخلدها، وهي تحدق في المرآة، بأن الضوء إنطفأ في عينيها . واآسفاه . اقترب زوجها منها وقال بهدوء : - "أيتها العزيزة .. لقد تأخرنا " . - "آه .. حسنا .. بعد لحظات أكون…" وفقدت القدرة على النطق . كانت تود أن تقول له : تعال انظر .. الا ترى ذلك اللون الذهبي الداكن المحروق في عيني . الا انها كانت تحب الا تؤلمه.. بل قالت في نفسها انها لن تدعه يعرف سر هذا العذاب الذي عصف بحياتها، وهي تستعد لمغادرة البيت، والذهاب الى حفلة عيد ميلاد احد الاصدقاء . الا انها حدقت في عينيه، كأنها تتعرف .. بل كأنها تكتشف أسرارا غريبة.. فقال بالهدوء ذاته، وببرود أرعبها : ت " لقد تأخرنا كثيرا ". ذلك لانها كادت تعترف له، حالا، بأنه رجل من مرمر . إلا أنها راحت تسترجع ذكريات غامضة عن العيون . كان الضوء الفضي يشوش عليها الرؤية .. اغمضت عينيها لحظة ثم حدقت في عينيه .. فعلت ذلك بلا قصد وبلا إرادة . انهما عينا صقر .قالت ذلك وتركت المرآة . غادرت البيت معه كي تستقبل ظلام الليل . إن المرء يبصر على نحو أفضل في الظلام ويستطيع أن يرى ، ما لم يستطع أن يراه في وضح النهار . كذلك جال بخاطرها، وهي تفكر لماذا مازالت على قيد الحياة، إنها لم تبلغ الثلاثين من عمرها، وانها عرفت مالا يحصى من خفايا السعادات .. قاطعها .. بصوت هاديء : - " لا أحب الليل ". - "مثلي " على انها لم تعترف له بأنها كانت تشكو من وهن في جسدها، وأن راسها يكاد ينفجر .. وإنها تكذب . بل تابعت : - "الليل يخفي الأسرار ". - "آه .. هذا أكيد .. لكني أحب ان نتحدث عن النهار . " خمسة أعوام مضت على زواجها .. خمسة أعوام من الهدوء، لكنها الآن لا تعترف هل تقول له صراحة، بانها لم تعد على قيد الحياة .. أحيانا أشعر بأن الحياة ستستمر الى الابد . كذلك خاطبت أعماقها، وأحيانا أشعر بأن صاعقة ستنهي حياتي بعد لحظة . آه. كل هذا حصل لانها أحست بأن الضوء في عينيها تحول الى رماد . هناك، وسط حشد من الأصدقاء .. والأهل .. والمعارف .. بين نسوة تجاوزن السبعين وفتيات في العشرين .. بين شيوخ وكهول وشباب، كانت وحدها تراقب انعكاسات الضوء في حدقات العيون . ولقد أحست بندم لأنها لم تدرس، بل إنها لا تعرف شيئا عن العيون، إلا ما ورد في الشعر والأدب .. - "انك تنظرين لهم بقسوة ". ثم أضاف زوجها هامسا : - "إنها حفلة رائعة .. أليس كذلك ..؟" اجل .. اجل إنها حفلة رائعة . وحمدت الله انه لم يكتشف قلقها .. ولم يكتشف ان قلبها يكاد ينخلع .. وان رأسها أصبح بثقل الأرض .. لكنها تذكرت، فجأة انطفاء النور في عينيها. إنها لم تشك من أي مرض .. وهي الآن ترى على نحو أدق… إلا أنها، بلا وعي منها، قالت بان الحياة تكمن في العيون . وإنها في تلك اللحظات الغريبة اكتشفت نهايتها. ليس ان أموت، قالت، بل ان أتحول الى لا شيء. الى رماد . وعادت وحيدة تتأمل انعكاسات الضوء في حدقات عيون الجميع . - طان العجوز التي تجاوزت السبعين .. تلك .. لها عينان غريبتان . أما ذلك العجوز فأنه ينظر مثل ذئب . تلك الفتاة، لاتختلف عن الثعلب وهو يتربص بفريسته. ذلك الكهل ينظر مثل حصان سباق .. أمي .. حتى أمي في عينيها شيء من فضة القمر . عمتي تختلف عنها : إنها تحدق بعيني دب .. دب منقرض .. لكن ما لا يحصى من الفضة في عينيها، تلك الشابة رائعة الجمال لها شعر أسود جعل من عينيها تشعان الذهب . ذلك الطفل يفصح عن موهبة رسام كبير . رباه . ماذا يحدث هناك بين العروسين الشابين .. إنهما يتبادلان الاسرار الاليفة العذبة بالنظرات .. وذلك العجوز الذي يحتسي النبيذ ينظر الى النسوة كنمر .. الاخر .. الاخرى .. كلها عيون واسعة كبيرة كأنها من صنع رسام .. وهناك طفلة نائمة منذ دقائق لابد انها تحلم . وأنا الآن لا اعرف هل سأفقد أحلامي في يوم من الأيام لو .. ثم راحت تحدق في عيني رجل غريب .. ماذا تراه يرى . هذا المخلوق .؟ وضحكت لطرفة خاصة. لكنها عادت تراقب .. وتتفحص ما شاهدته قبل قليل . بغتة قال لها زوجها ؟ - "انك تنتظرين بقسوة .. يا شمس ". هذه المرة الاولى التي ينطق بأسمها . شمس . كي يقول مضيفا: - "إنك تنظرين بقسوة .. ماذا في الامر ؟" - "أبدا .. أبدا " وكادت تفقد قواها .. بل شعرت إنها تذوب .. وتتلاشى .. لأنها صدمت به وهو يخاطبها باسمها : شمس .. ولقد كادت تغادر المكان .. لكنها هدأت من مخاوفها وهي تنظر في الوجوه .. الواحد بعد الآخر .. وهو ما دفعها، وهي تتعذب، الى ان تحدق في عيني زوجها: لقد شعرت بالارتباك برهة من الزمن، كي يسألها : - "هل أنت مريضة يا شمس ؟ " كانت لحظتها تحدق في عينين واسعتين لرجل ثمل .. ثم حدقت في عيني رجل مجهول كي تشعر ان إشعاعا غامضا يشع منهما . بعدها قالت له، ببرود لم يستفزه : - "أنا أشعر بعذاب سعيد ..!" - "بعذاب سعيد .. ماهذا ..؟" لقد كانت لاتريد، وسط الحشد أن تدخل بحوار صاخب معه . فقالت : - "أقصد أنا راضية .. وكفى .." وكانت وحيدة مرة أخرى تحدق في الوجوه .. في العيون .. وثمة من يرقص تحت الاضواء الذهبية . وكأن العيون تحولت الى زجاج .. الى مرمر .. الى حجر ملون وهي تقترب منها .. تقترب سريعة .. لتخترقها .. لتخترق جسدها الذي أحست بثقله.. واستحالة طلب النجدة .. إنها لم تشعر بهذا من قبل، حتى يوم كادت الحمى تقتلها قبل سنوات . بل ولم تحس قط بهذا الثقل وقد كانت ترى الاجساد الصغيرة تصدمها بكتل حادة مثل الرصاص الذي يمزق الجسد . واحست، في لمحة بصر، إن مالا يحصى من عيون الذئاب والصقور والافاعي والنمور والثعابين تخترق جسدها محدثة الما حادا .. عيون قادرة على تفتيت الصخر أو إختراق الفولاذ . قالت ذلك وهي لاتعرف ايحدث هذا في الواقع ام في الحلم ؟ الشيء الوحيد الذي شكت منه، مع نفسها ، انها لا تريد الاعتراف لزوجها بما يحدث لها، منذ غادرت البيت . الا انها استطاعت تحدي حالة الاعياء . حالة التعب والفزع كي تنهض وتمشي نحو اقرب مرآة . ووقفت أمامها، في مكان لايراها فيه احد. كانت تحدق بذهول ..( لقد انطفأ النور فيهما .. واختفت الفضة ) ولاتعرف لماذا خيل اليها ان عين كل انسان، اطلاقا، هي سره ..سره مع ذاته.. سره مع البشر الغرباء.. سره مع الاحبه.. سره مع الابدية .. (لن أرسم بعد الآن) وتذكرت ذلك الرسام الذي فقد بصره تماما لكنه كان يرسم .. وتذكرت ان كبار الرسامين لايعتمدون علىبصرهم .. ( الا انها ذريعة) الا انها لم تفكر كرسامة قط .. انها كانت تريد ان تقول ان اسرار البشر تكمن في حدقات عيونهم .. وفي الفضة او ذلك الاشعاع الماسي السحري الغامض ، او ذلك الصفاء المشوب بلون السماء أو .. أو .. الكامن في العيون . انها لم تفكر كرسامة .. بل كانت تريد ان تقول ان العين، العين وحدها، تفشي سر الموت . جمعت قواها وعادت الى مكانها .. مثل جريح يخلي نفسه من ارض الموت نحو الساتر .. لكنها في الطريق، الذي حسبته يمتد الى مالا نهاية، تسمرت تحدق في عيون سيدة شابة ( يالها من عيون مخيفة ) وحدقت في عيني زوج تلك السيدة المشدوهة ( صافية مثل بلور ) .. وتحركت خطوة نحو عجوز تجاوزت السبعين (عيناها كل ماتبقى لها ).. وحدقت في عيني طفلة ( تنظر لي كصقر).. وقالت ( وربما مثل ديك ) قالت الطفلة فزعة تسألها : - "خالتي ماذا تفعلين ؟" لكنها كانت تحدق في الوجوه كلها .. في العيون كلها .. متذكرة بحدة عيون البشر والطيور والعيون اتي تحولت الى شموس .. والعيون التي تحولت الى كواكب منطفئة . كواكب من رماد، أو رمل، أو حجر .. الكواكب التي لاترى ولا أحد ينظر إليها. ثم تحركت .. مشت .. وأستقرت في مكانها . سمعت زوجها يخاطبها: ـ "شمس .. هل أنت مريضة ؟" ـ "لا اعرف " . لقد كانت تود أن تهرب .. تهرب بعيدا عن الجميع .. عن البشر كلهم .. بعيدا في مكان مجهول . . ( لا ليس مكانا بعيدا جدا ) .. ثم أضافت في نفسها ( أود أن أدفن في حديقة المنزل ) قالت ذلك واصغت لكلماته : ـ "اذن .. لنغادر .. ياشمس " ـ " لا ..لا .. ارجوك .. دعنا نحتفل .. معهم " . قالتها كأنها مازالت تنتظر إكتشاف ماعذبها.. إكتشاف صواب ما ذهبت اليه، وفي هذه الليلة .. وفي هذه الليلة على نحو خاص . ـ "انك متعبة ياشمس " . ـ " لا .. دعنا نحتفل معهم " . للحظة خاطفة تخيلت العالم عينا كبيرة قادرة .. قادرة على .. على ابتلاع الاشياء كلها . العالم .. العيون .. العيون التي تحولت، بغتة، الى شيء أرعبها .. وهزها .. تلك العيون التي تغنى بها زوجها على مدى أعوام الحب، قبل العرس .. لكنها سألت نفسها :ماهذا ؟ الا انها شعرت بعذاب محرق .. وحارق .. للفكرة التي راحت تكبر وتكبر . إن كل انسان، قالت، يشم رائحة موته . بل الانسان، وكادت تصرخ، يعرف متى يموت . مر ذلك بخلدها وهي تحدق في عينيه .. ماهذا..؟ تساءلت: ماهذا الاسى الذي سحقني ؟ وحدقت في عينيه . وكادت تصرخ: إن كل انسان يكاد يرى موته.. وعادت تحدق في عينيه كأنها لم تنظر اليه من قبل . عينان واسعتان صافيتان تشعان فضة . وكادت تعترف له بانه يمتلك عينين خارقتين، لكنها قالت لنفسها : لن أعذبه بهذا.. ذلك انه سيصدم بموتي . وحاولت، بصلابة الا تفكر . أو تتكلم مع نفسها .. لكنها قالت لنفسها : إنها مشكلة بلا حل، ترى ماذا أقول له؟ الا انها خافت ان تحدثه عن العيون وهي تتحول الى كواكب جامدة .. كواكب بلا معنى .. من حجر .. شموس تحولت الى حجر . -" انك تتحدثين مع نفسك ".. - "كنت أفعل ذلك منذ سنوات" . -" منذ سنوات ..؟" ـ "قبل ان اعرفك .. كما يبدو ..؟" ـ "عن أي شيء كنت تتحدثين ؟" قالت وكأنها نائمة، قالت وكأنها في كابوس: - "الم ترْ اني لم أعد انظر ..؟" قال حالا : - " لا" واضاف بهدوء، بالهدوء الذي عرفته : - "لقد كنت أنظر بعينيك .. وما أزال " . قالت بصوت مسموع : - " لا .. أرجوك .. لاتفعل ذلك ". لأنها كانت تتخيل كيف ستدفن بعيدا عن المدينة .. وحيدة .. وحيدة تماما .. قالت .. هناك .. مع موتى عظام .. مع .. هناك .. ستدفن وحدها تحت الأرض .. وستتفسخ بهدوء . ترى كيف سأنظر الى الديدان والحشرات والنمل و .. وأنا بلا حراك ؟ قالت له : - "لا .. لا تنظر بعيني ". - "شمس ؟" لقد كانت لاتريد أن تحدثه عن سر الفضة أو ذلك الشعاع الخارق .. ولا عن إنطفاء أشعة عينيها ولكنها تابعت بلا وعي : - " لا أريد أن أرى ". - " غريب .. طوال الحفلة كانوا يتحدثون عن نظراتك الحادة في عيون المدعوين .. حتى أن سيدة قالت لي : لا أجمل من عينيها . اليست هي الفنانة البارعة برسم سحر الوان الاشجار والمياه والسماء ؟." ولم يستمر الحديث بينهما طويلا . كانت للمرة الأولى تستمع الى صمتها .. متخيلة أنها نائمة تحت التراب .. وحيدة .. وليس هناك من يتحدث معها أو يصغي الى كلامها . يالها من لذة .. وقالت أيضا : ياله من هدوء ؟! وعلى الرغم من انها لم تتحدث عن صمته اوقسوته معها او مع نفسه.. وعلى الرغم من انها كانت، طوال الحفلة، تحدق في العيون، الا انها لم تعلن عن عذابها الى احد.. او الى زوجها الذي كان، قالت، يرقص على نحو مدهش . لكن خاطر الموت أفزعها : أحدنا سيموت . على انها أبتسمت ساخرة : كلنا سنموت .. أنا وأنت .. أنا وأنت وكل البشرية . أجابها ببرود، وكأنه كان يعرف كل شيء دار بخلدها منذ غادرا البيت: - "اعرف هذا ". - "كلنا سنموت .. أليس كذلك ؟ " -" نعم" - " لا .. أنا لا أقصد هذا . بل اقصد .." وأضافت بعد صمت قصير : لم تعد فضة في عيني ولا شموس .. ـ "ماذا ؟" ـ " لا شمس ولا فضة ." ـ "ماذا تقولين ياشمس ؟!" ـ "ماذا ترى في عيني ..؟" ـ "العالم .. العالم كله .. يازوجتي .." ـ "فقط " - "وأرى في عينيك التعب اللذيذ .. والخوف الذي قاومته بالعمل .. وأرى في عينيك حياتي كلها . لكن ماذا في الامر .. ماذا حدث؟" ـ " لاشيء .." لكنها قالت في نفسها أنها كانت تتحدث عن رؤية الموت . أي، قالت، العين التي تنطفيء فجأة، بلا سبب .. ولمليون سبب . العين التي لاترى الا الموت ، ولا تخاف منه . - "ماذا ؟" - "العين التي لا ترى الموت نفسه .." أبتسم قائلا : - "إنك مريضة " . قالت باصرار : - " لا .. أنا لست مريضة .. وأرجو أن تتركني أتأمل الأصدقاء في حفلة عيد الميلاد ..حقا .. إنها حفلة جميلة .. بعد ذلك كانت تنظر إليه ، وهو ينهض ، مبتعدا عنها .. وكانت تراه يدخل حلبة الرقص : ويرقص .. كانت ، قالت لنفسها :انه يتلاشى .. وكأنه خلق من لون واحد امتزج بما لا يحصى من الألوان . وكانت ترى الأشياء كلها مبهمة ، متحركة، متمازجة .. متداخلة .. متحدة . آنذاك أدركت ان حياتها ، وهي تشم موتها ، كرسامة ، قد بدأت .. لحظة واحدة والى الأبد .

أبو ذيات وموال-حامد كعيد الجبوري

أبو ذيات وموال حبيبي نار هجرانك وبالي / الوباء من المرض وعليمن ماخذ الروحي وبالي / عقلي يلوموني الشعر أبيض وبالي / قديم شتريد أتلوم وآنه النار بيه ----------------- وحك الله عليك عيون صبيت / بجيت وألك تمثال وسط الروح صبيت / عملت يلوموني أكبرت حبيت صبيت / متصابي وآنه أباب الكبر روحي طريه --------------- سلام الله على خدودك وشافك / الشفاه أحط عيون بكليبي وشافك / يراك طبيبك واعرف ابعلتك وشافك / الشفاء أطيبك بس تمر شفتك عليه ------------------- قليتو مودتي وتميت ما قال / لم أكره ترخصوني وعليت ابزود ما قال / لا أقل ، لا أنقص ضعت بين البخت والقيل ما قال / القيل والقال آنه بيا قال يالتحجون بيه -------------- وكِّر يطير الكلب جم غصن جنحك فار / يجوب ، يتنقل ناعورك الياوكت يلهم ونين وفار / يغلي هجيت ما تلزم الياحضن تنوي فار / يهرب أنصحك ما تنصح ما طاوعتني قط / أبداً تبريني مثل القلم متولي عمري قط / أخذ الزيادة لعابه بيدك صرت لعبه ولعبها قط / القط ما يكضي وكتي أبسعد بزون يطرد فار / الفأرة ------------------