بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 4 أبريل 2018

عن ثراء الأثرياء وأسبابه-صائب خليل 2 نيسان 18


عن ثراء الأثرياء وأسبابه
صائب خليل
2 نيسان 18
كنت أمس استمع لكتاب صوتي رائع للدكتورة كاثي اونيل المختصة بالرياضيات، وكان بعنوان "أسلحة تدمير رياضية شاملة" (Weapons of Math Destruction) يتحدث عن إساءة استعمال الرياضيات في النظام الرأسمالي، وذكرت في فصله الأول انها انتقلت (في مرحلة ما) من التدريس في الجامعة إلى إحدى مؤسسات المال الكبيرة. ومما ذكرته عن الفرق أن مرتبها كان ثلاثة اضعاف الأول!

هذه القفزة في الراتب، ذكرتني بجدل سياسي اقتصادي مازال يدور منذ قرون حول سبب الفارق في الدخل وثراء الأثرياء، وإصرار المدافعين عن الرأسماليين بأن أثريائها صاروا أثرياءاً لأنهم أكثر ذكاءاً وأكثر عملا. علينا هنا ان نطرح ثلاثة أسئلة:
1- هل أن العمل في المؤسسة المالية أكثر ارهاقا من التدريس في الجامعة؟
2- هل عمل المضاربات المالية أكثر انتاجيةً وفائدة للمجتمع من التدريس الجامعي؟
3- هل صارت الدكتورة كاثي فجأة اذكى بثلاث مرات؟

1- ليس العمل في الجامعة أسهل منه في المؤسسة المالية بالضرورة، فالتدريس الجامعي معروف بأنه مرهق ويستغرق كل وقت الأستاذ واغلبهم يضطر للعمل في بيته ايضاً. لذلك حتى لو افترضنا أن العمل في المؤسسة المالية أكثر ارهاقا فلا يمكن ان يكون أكثر من 10% مثلاً، وليس ثلاث مرات.
الشائع أن عمل الرأسماليين والمضاربين والتجار طويل ومرهق وأنهم لا يجدون وقتا للراحة. وقد يكون هذا الأمر صحيحاً في بعض الحالات فقط، يتم التركيز عليها لتعطي انطباعا انها حالة عامة.
لكني اعرف صديقا تاجراً أخبرني أن عمله يتخلص بتغيير تاريخ وبضعة كلمات في نسخة قياسية لفاتورة ويرسلها، ويقوم ببضعة اتصالات تلفونية، ويكون قد انتهى من عمله لمدة أسبوعين! عدا ذلك فهو يقوم برحلتي عمل مرتين او ثلاثة في السنة.

2- عن إنتاجية وفائدة العمل للمجتمع، الدكتورة كاثي وجدت أن عملها في المضاربات المالية عمل ضار بالمجتمع وقررت أن تتخلى عنه رغم مميزاته وتنضم الى الناشطين الذين تعهدوا بكشف حقيقة أن اثرياء النظام الرأسمالي يعيشون على سرقة جهود العاملين المنتجين. وتبين د. كاثي في كتابها، كيف تستخدم الرياضيات “كأسلحة تدمير شاملة” لأموال الغافلين من الذين يشتغلون في الاعمال الإنتاجية الحقيقية.

3- من المؤكد أن د. كاثي لم تصبح أذكى بثلاث مرات لمجرد انتقالها إلى عملها الجديد. ومن المؤكد ان المعتاد في القاء اللوم على قلة الذكاء لتفسير محدودية النجاح المادي، أو شدة الذكاء لتفسير الثراء، ليست طريقة صحيحة أبداً، كما نرى بوضوح من مثال د. كاثي. ولا نظن أنه مثال نادر. فليس الإثراء هدف جميع البشر، فالكثير جدا من الناس يفضل عملا يشعر فيه بالمتعة والقيمة الاجتماعية أو يحس بفائدته للمجتمع حتى لو كان يدر عليه دخلا أقل. ولولا هذه الحقيقة لما وجدنا آينشتاين فقيرا، أو وجدنا جومسكي أقل ثراءاً من ترمب.

إذن لا العمل الشاق ولا فائدة المجتمع ولا الذكاء تفسر الفوارق الطبقية في المجتمع الرأسمالي، وإن أردنا الحقيقة، فعلينا ان نبحث عن سبب هذا الفارق في الدخل في عوامل أخرى.