اغنية.... كالحياة ا!!
د. جمال العتابي
أكثر من خمسين عاماً وأنا استمع لهذا الإيقاع الأخاذ الساحر المنضبط بصوت(ملك) .. المطربة المصرية التي أحسنت وتجرأت لغناء أغنية عراقية صميمية .. لايمحوها الزمان ولا المكان .. تتجدد في كل الأزمنة والمواسم .. تولد من جديد .. من كل سماع وفي كل صدى .. في كل القارات شرقاً وغرباً ..( يظل من يبات قانع من الرحمن يطلب ) تصدح ملك : (ولاينضام يالولوه...)
أغية تغسل وجهك في الصباح تعلقك بابتسامة .. تمر كالفراشة أنها تجعل من القمر قندولاً يتدلى وسط الوطن ، أغنية تجيد أيات العشق والوجد ..
أيها الوطن كم كانت أغانيك حلوة وجميلة .. فقد علمتنا ألف باء الحب ..أغنية بألوان ، فعلها فعل المخدر الذي يسري في الشرايين ، تنساب على حافة جرح .. ليشفي، تعبر الطوفان والعواصف ،. تدون ذكريات على أوراق كل الفصول في الخريف والربيع ..، هي ذراع تتوسده خصلات شعر لفتاة ناعسة .
أي سحرٍهذا (.. صباح الخير يالوله على بغداد .. يالوله) ..أنها الأغنية الدرس للمغنين والملحنين .. المثيرة بتساؤلات التي لا نهاية لها .. ماسر خلود هذه الأغنية وتجددها ؟
أنها مملوءة بحياة لاتنتهي .. قبل بضعة أيام استوقفني عنواناً على صفحات موقع (الأخبار) على شبكة الانترنت يقول : ((تذكر صباح بغداد عندما تسمع هذه الأغنية)) .
تواجهك في البدء صورة لشارع الرشيد قبل ان يجتاحه الخراب .. صورة أنيقة زاهية . لشارع نظيف وأنيق تحتل (الأمانة أم قاطين ) فيه حيزاً يسحر العين بلونيها الأحمر والأبيض .. فجأة يصدح صوت واحد من الملائكة على إيقاع ينتسب للأحلام والطفولة .. للضفاف والنجوم والضياء ... مازلت ألح بالسؤال ، كم من مختص وباحث في الموسيقى بإمكانه أن يعطيني الإجابة ؟ هل للاغاني أسرار وبوح من طراز خاص ... لماذا أتذكر أمي .. وضفاف الغراف ، وقبلات الأعياد ، والمواسم .. فوانيس الجدران الرطبة ، الثيل المليء بالأوراق الذابلة ، الأشجار التي تجهش بالبكاء .. ثوب الزفاف الذي رأيته لأول مرة .. يغطي جسد فتاة لم تتجاوز العشرين عاماً ..
أغنية صباح الخير .. طقوس للاصدقاء ، للأيام التي تحترق فيها مشاعل الذكريات ، للأيام التي نتجول فيها بشوارع بغداد .. على ضفاف الأنهار .. وهي تداعب موجات جميلة هادئة ..
للرغبات حين تتحول إلى أمطار ورذاذ خريفي ينهمر على أعشاب في الكرادة ، الوزيرية ، الصالحية . الأغنية نوافذ لأنسام ليلية تفتح لتزيل أسباب الغربة والوحشة .. هي حالة اندماج ونشوة ، تتوحد مع العصافير المنشدة بفرح .. هي أغنية لاتنتهي .. صوت ينادي أبدا ، وصدى يعود بي إلى الماضي والحاضر ..
الماضي حين كنت ارقب جدي وهو يصغي ل(حضيري أبو عزيز) بأغنية (حمام لتون) . ويدفع باهاته وحسراته قائلاً (والله اغنية تفسر الصخر!!) أي تفتته ، وفي الحاضر حين نتطلع لسماع أغنية جديدة تستطيع أن تزيح الكتل الصخرية من شوارع بغداد ، وتزيل الوحشة من أماسيها .
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/index-20090826-75005.html
د. جمال العتابي
أكثر من خمسين عاماً وأنا استمع لهذا الإيقاع الأخاذ الساحر المنضبط بصوت(ملك) .. المطربة المصرية التي أحسنت وتجرأت لغناء أغنية عراقية صميمية .. لايمحوها الزمان ولا المكان .. تتجدد في كل الأزمنة والمواسم .. تولد من جديد .. من كل سماع وفي كل صدى .. في كل القارات شرقاً وغرباً ..( يظل من يبات قانع من الرحمن يطلب ) تصدح ملك : (ولاينضام يالولوه...)
أغية تغسل وجهك في الصباح تعلقك بابتسامة .. تمر كالفراشة أنها تجعل من القمر قندولاً يتدلى وسط الوطن ، أغنية تجيد أيات العشق والوجد ..
أيها الوطن كم كانت أغانيك حلوة وجميلة .. فقد علمتنا ألف باء الحب ..أغنية بألوان ، فعلها فعل المخدر الذي يسري في الشرايين ، تنساب على حافة جرح .. ليشفي، تعبر الطوفان والعواصف ،. تدون ذكريات على أوراق كل الفصول في الخريف والربيع ..، هي ذراع تتوسده خصلات شعر لفتاة ناعسة .
أي سحرٍهذا (.. صباح الخير يالوله على بغداد .. يالوله) ..أنها الأغنية الدرس للمغنين والملحنين .. المثيرة بتساؤلات التي لا نهاية لها .. ماسر خلود هذه الأغنية وتجددها ؟
أنها مملوءة بحياة لاتنتهي .. قبل بضعة أيام استوقفني عنواناً على صفحات موقع (الأخبار) على شبكة الانترنت يقول : ((تذكر صباح بغداد عندما تسمع هذه الأغنية)) .
تواجهك في البدء صورة لشارع الرشيد قبل ان يجتاحه الخراب .. صورة أنيقة زاهية . لشارع نظيف وأنيق تحتل (الأمانة أم قاطين ) فيه حيزاً يسحر العين بلونيها الأحمر والأبيض .. فجأة يصدح صوت واحد من الملائكة على إيقاع ينتسب للأحلام والطفولة .. للضفاف والنجوم والضياء ... مازلت ألح بالسؤال ، كم من مختص وباحث في الموسيقى بإمكانه أن يعطيني الإجابة ؟ هل للاغاني أسرار وبوح من طراز خاص ... لماذا أتذكر أمي .. وضفاف الغراف ، وقبلات الأعياد ، والمواسم .. فوانيس الجدران الرطبة ، الثيل المليء بالأوراق الذابلة ، الأشجار التي تجهش بالبكاء .. ثوب الزفاف الذي رأيته لأول مرة .. يغطي جسد فتاة لم تتجاوز العشرين عاماً ..
أغنية صباح الخير .. طقوس للاصدقاء ، للأيام التي تحترق فيها مشاعل الذكريات ، للأيام التي نتجول فيها بشوارع بغداد .. على ضفاف الأنهار .. وهي تداعب موجات جميلة هادئة ..
للرغبات حين تتحول إلى أمطار ورذاذ خريفي ينهمر على أعشاب في الكرادة ، الوزيرية ، الصالحية . الأغنية نوافذ لأنسام ليلية تفتح لتزيل أسباب الغربة والوحشة .. هي حالة اندماج ونشوة ، تتوحد مع العصافير المنشدة بفرح .. هي أغنية لاتنتهي .. صوت ينادي أبدا ، وصدى يعود بي إلى الماضي والحاضر ..
الماضي حين كنت ارقب جدي وهو يصغي ل(حضيري أبو عزيز) بأغنية (حمام لتون) . ويدفع باهاته وحسراته قائلاً (والله اغنية تفسر الصخر!!) أي تفتته ، وفي الحاضر حين نتطلع لسماع أغنية جديدة تستطيع أن تزيح الكتل الصخرية من شوارع بغداد ، وتزيل الوحشة من أماسيها .
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/index-20090826-75005.html