‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصورة للفنان ناصر عساف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصورة للفنان ناصر عساف. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 14 ديسمبر 2014

قبائل عربية احترفت الجنون-كاظم فنجان الحمامي


قبائل عربية احترفت الجنون

كاظم فنجان الحمامي

ما أكثر القبائل العربية التي امتهنت الجنون، وأصرت على العودة إلى العصور البدائية، واختارت العيش في عزلة تامة بين الكهوف والجبال والصحاري أو في أعماق المستنقعات النائية. وما أكثر القبائل التي ظلت تتصرف بهمجية مطلقة، وتتباهى بجهلها وتخلفها، معلنة رفضها لنداءات التحضر والتمدن.
في اليمن قبيلة (حميرية) قرر أبناؤها خلع ثيابهم والاحتفاظ بما يستر عوراتهم، والتجوال نصف عراة لأسباب لا تخطر على بال الهنود الحمر ولا على بال قبائل التوتسي والهوتو وقبائل البالوبا. لكنك ما أن تعرف السبب حتى تُصاب بالذهول، وربما تصاب بصدمة عنيفة تسقطك بالضربة الحضارية القاضية، فالناس هناك وعلى وجه التحديد في مدينة (تُلُّبْ) قرروا خلع ثيابهم لأن رئيس قبيلتهم أُصيب بمس من الجنون أفقده عقلة، ثم عاد إلى قريته بعد سنوات طويلة أمضاها هائماً على وجهه في الوديان والبراري وهو حاسر الرأس، حافي القدمين، عاري الجسد، وقد أطلق العنان للحيته وشعره الكثيف على طريقة الأقوام الأسترالية البدائية، وما أن رأوه حتى خلعوا ثيابهم مثله، لأنه مثلهم الأعلى في كل شيء حتى في الجنون، وهكذا أصبح الجنون من خصالهم القبلية المتوارثة، التي ظلوا يتفاخرون بها ويتمسكون بها حتى يومنا هذا.
ثم يأتي دور شعراء القبائل ومغالاتهم في التلاعب بأعصاب المجانين والمخابيل فيمجدونهم ويعظمونهم ويرفعونهم إلى العلياء، عندئذ ينتفخ المجانين فيقفون على حافة الانتحار، وتصبح الرعونة رجولة، والتهور حكمة، والمجازفة شجاعة، فتضيع الحقوق، وتذوب الأعراف، ويتهشم العدل والإنصاف تحت أقدام القطعان البشرية الزاحفة على غير هدى نحو ارتكاب المزيد من الحماقات الموروثة. فتتوسع دوائر الشر وتتعمق جراحها يوم لا ينفع النصح ولا تجدي الموعظة، ويصبح التبجح بالجهل سمة المجانين، الذين ظلوا يتغنون بهذه الأبيات حتى يومنا هذا:-
لَئِنْ كُنْتُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحِلْمِ إِنَّنِي إِلَى الْجَهْلِ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ أَحْوَجُ
وَلِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالْجَهْلِ مُسْرَجُ
فَمَنْ شَاءَ تَقْوِيمِي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ وَمَنْ شَاءَ تَعْوِيجِي فَإِنِّي مُعَوَّجُ
وَمَا كُنْتُ أَرْضَى الْجَهْلَ خِدْنًا وَلَا أَخًا ولَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ حِينَ أُحْوَجُ
أَلَا رُبَّمَا ضَاقَ الْفَضَاءُ بِأَهْلِهِ وَأَمْكَنَ مِنْ بَيْنِ الْأَسِنَّةِ مَخْرَجُ
فَإِنْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِيهِ سَمَاجَةٌ فَقَدْ صَدَقُوا وَالذُّلُّ بِالْحُرِّ أَسْمَجُ
نتمنى أن نرى حداً لهذا الانزلاق الحضاري والسقوط الاجتماعي الذي أحدث شرخاً كبيراً في اللحمة الوطنية لمعظم البلدان العربية، ومزقها أشلاءً بين القبائل المستهترة. من هنا يتعين على الحكومات أن لا تكون طرفاً في تأصيل القبلية والعنصرية، وأن تقف وقفة صادقة في مواجهة دعاة الجنون القبلي. آملين أن تكون لمؤسساتنا الثقافية إسهامات تليق بنا كـأمة عريقة تتباهى بإنسانيتها وعدالتها ووعيها وعبقريتها، وتتفاخر بثقافتها وشموخها بين الشعوب والأمم، وأن لا نعود القهقرى نحو التعصب والجنون، وإلا فأن مصيرنا سيكون كمصير الديناصورات العظيمة التي قتلها طيشها وتهورها.

--

الجمعة، 20 يناير 2012

مشهد الشمس ...-حامد كعيد الجبوري



إضاءة
مشهد الشمس ...
والأربعاء الأخير من صفر . !!!
حامد كعيد الجبوري
من المعلوم أن الأشهر الحرم في الجاهلية هي محرم ، رجب ، ذي القعدة ، وذي الحجة ، وحين بزوغ فجر الإسلام أقر حرمة هذه الأشهر التي كان الأعراب يتجنبون الحرب فيها لقدسية يرونها فيها ، وأيام زمان تعمد أمهاتنا لصبغ ملابسهن و ملابسنا ( الدشاديش ) باللون الأسود بداية شهر محرم الحرام ليعبرن عن حزن الجميع لما أصاب عترة آل محمد ( ص ) من قتل وسبا أيام عاشوراء في كربلاء ، ولا ينتهي حزنهن وخلع ملابسهن السود على سبط الرسول الأعظم (ص ) إلا بنهاية شهر صفر ، وأخريات من النساء ينزعن سوادهن بعد ذكرى وفاة الرسول ( ص ) ، ووعيت لطقس يمارس من نسوة الحلة فقط وهو الذهاب الى مقام أمير المؤمنين علي ( ع ) في ( مشهد الشمس ) ، والمقام لا يبعد عن مركز المدينة سابقا إلا بعشرات الأمتار ، أما الآن أصبح جزءا من مركز المدينة ، و ( مشهد الشمس ) معبد لآلهة الشمس عند البابليين ويسمونه ( معبد أدد ) ، حل فيه أمير المؤمنين علي ( ع ) وهو عائد من معركة ( النهروان ) ، ويروي الكثير من المؤرخين بإثبات واقعة رد الشمس لعلي ( ع ) بعد أن فات عليه صلاة العصر ، الأربعاء الأخير من صفر ينهضن أمهاتنا وأخو
اتنا مبكرات ليذهبن الى مقام مرد الشمس في الحلة ، من الليل هيأن مستلزمات الزيارة من أكل وشرب ، وقسم منهن يؤدين دينا من النذور برقبتهن لأن الله قد حقق حلما لهن ، وكل الزوار الى المقام من النسوة فقط ، صبايا ينذرن للنجاح ، الشابات نذرهن للزواج ، الحوامل يردن ولدا ، الأم تطلب لأولادها ما يريدونه ، وهكذا ، يقطع السير للعجلات من الصباح الباكر ، ويحول سير المركبات لطرق أخرى ، حشد لا حصر له من النساء ، وأجمل ما في هذا الطقس ، أو قل العرف المجتمعي الجديد هو صعود قسم من النسوة لباحة المنارة ومن خلال الدرج الحلزوني ورمي العباءات من أعلى المنارة بعد تعليم العباءة أو زرها بشئ يدل على صاحبتها ، أو تطريز طرفا من هذه العباءة بلون مغاير للسواد ، والفأل الحسن أن تطايرت العباءة سابحة في الجو ، ودلالة ذلك أن صاحبة العباءة سوف تحصل على مرادها الذي أتت من أجله ، يستمر هذا الطقس من الصباح الباكر ولبداية أذان المغرب ، وسمعت أخيرا أن قسما من النسوة يضعن تحت وسادتهن شيئا من المال ليتصدقن به في اليوم الموعود لفقراء المدينة ، وحقيقة سألت الكثير من الحليين ليرشدني أحد لمغزى هذا الطقس ولم أجد له جوابا شافيا لحد الآن ، ويرى ال
بعض أن التقاليد المجتمعية التي توطد العلاقات العائلية وتوثقها يقرها الدين والعرف ، وهذه مما أقرها العرف ولم يعارضها الدين ، ونهاية شهر صفر يجوب الصبية أزقة المدينة وهم يرددون ( يا محمد يا شفيع / راح صفر جانه ربيع ) ، للإضاءة ...... فقط .

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

ثقافة شعبية-صاعود النخل-حامد كعيد الجبوري




( صاعود النخيل )

مهنة لا تنـقرض

حامد كعيد الجبوري

منتصف الخمسينات من القرن المنصرم صَحَت محلة الوردية من مدينة الحلة المحروسة ، على أصوات نسوة يندبن ( علوان ) الذي سقط من نخلة باسقة ، كان قد تسلقها بواسطة ( التبلية ) ومات ، كنت أحد الصبية الذين هرعوا لدار ( علوان ) فوجدت أن الخبر حقيقة واقعة ، ولأن أبن ( علوان) الكبير ( رحيم ) صديق لي فقد تعاطفت معه كثيرا ، رغم صغر سننا ولم نكن ندرك حقيقة الموت و نستوعبه جيدا .

هذه المقدمة البسيطة أجدها مدخلا للحديث عن هذه المهنة الخطرة ، والتي راح ضحيتها الكثير ممن يمارسها ، ورغم ذلك فالمهنة متواصلة ، إذ لا بديل عنها في الوقت الحاضر على أقل تقدير ، ولأن والدي رحمه الله يملك بستانا بأطراف الحلة الشرقية وقريب لمسكننا في ( طرف الوردية ) – الطرف يعني المحلة – ، لذا فأنا وأخوتي ووالدي نجيد استخدام ( التبليه ) لصعود أو لتسلق النخيل ، ووالدي رحمه الله خبير بأنواع وأصناف التمور ، ناهيك عن أنه يعرف جنس النخلة من خلال أغصانها ( سعفها) ، وقد أورثنا هذه المعرفة بها وبخبرة أقل منه ، وهناك حادثة طريفة وقعت لي وأنا بمراحل الدراسة الابتدائية الصف الثاني أو الثالث عام 1959 م ، لدينا نخلة باسقة جدا في بستاننا ، ولأنها باسقة ويطالها ضوء الشمس أكثر من النخيل الآخر ، ومعنى ذلك أن تمرها سينضج قبل التمور الأخرى في بستاننا ، لذا كانت مغرية لي فترة الصبونةُ لتسلقها وجلب ما تمنحه لي من تمر ناضج ، ولم أستخدم ( التبلية ) لصعودها ، بل اعتمدت على يدي وساقي للتسلق ، ملأت جيبي من تمرها الجني وهممت بالنزول ألا أنني لم أستطع ذلك ، حاولت وحاولت وكل محاولاتي فشلت للنزول ، أمسك الطرف القوي وأنزل رجلي لأضعها على أحد ( كرب) النخلة إلا أن ( الكربة) تتحرك تحت قدمي ، ناديت والدي بأعلى صوتي لينقذني من معضلتي هذه ، حضر والدي تحت النخلة ليشجعني ويعلمني طريقة النزول المثلى ، ولكني لم أستوعب ما يريده مني لخوفي الشديد من عقوبته أولا ومن السقوط ثانيا ، أضطر والدي أن يجلب ( التبلية) ويصعد لي وهو مغضب ويتوعدني بالعقاب ، قلت له أني مستعد لعقابه ولكن أنتظر نزولي ، ضحك بوجهي وألتقط قدمي ووضعها على ( زند التبلية) ومرت بسلام .

هناك مفردات قد لا يعرفها من لا يزاول مهنة الفلاحة أو صعود النخيل ، وأول هذه المفردات هي ( التبلية ) ، وهذه المفردة بابلية الأصل كما أثبت ذلك العالم ألآثاري طه باقر الحلي ، وكذا الدكتور ألآثاري نائل حنون الديواني ،بأن هذه المفردة أتت لنا من البابليين وكانت تسمى لديهم ( تابليو ) ، و ( التبلية ) تتكون من أقسام رئيسية أولها ( الجفه ) ، وسابقا تصنع هذه ( الجفه ) من ( ليف) النخيل ، وتتكون النخلة من الجذع والأطراف – السعف – والليف الذي يفصل بين طرف وآخر ، وتحاك ( الجفه ) من قبل النساء ، وهي التي تحمي أو تسند ظهر المتسلق للصعود ، وحاليا تصنع من مادة الكتان اللون (الخاكي) ، كي لا يؤذي ظهر المتسلق ، وبنهايات هذه ( الجفه ) حلقتان لتربط بهما طرفي ( الزند ) ، و ( الزند) هو عبارة عن أسلاك ملفوفة مع بعضها تشبه ( سلسلة ) سحب السيارات وبطول متر وربع تقريبا ، بعد أن يلف الزند على ساق ( جذع ) النخلة ويربط بواسطة حبل كتاني قوي أبيض اللون ، ويربطه بشكل جيد كي لا يحل لأي طارئ ما ، يبدأ ( صاعود) النخيل بتسلق النخلة بحركات متناسقة دقيقة ، فهو يقدم جسمه صوب الجذع ليتمكن من نقل ( زند التبلية) ل ( كربة) أخرى ، مع ملاحظة رفع قدميه بالتعاقب بين ( كربة ) والتي تليها ، و( للصاعود ) عدته المهمة من سكين كبير تسمى ( سجينة تكريب أو تجريب ) ، وأفضل هذه السكاكين تعمل من مخلفات المبارد التي تستخدم لحد السكاكين ، وهي باهضة الثمن ، يصنعها الحداد ويقوسها ويجعل لها أشفاراً حادة جدا ، وقد لا يمكن لصاعود النخيل أنجاز مهمة ( تكريب) أو قص تمور البستان دون أن تحد هذه السكين لأكثر من مرة ، ولكن أهل الصنعة ( الصاعود ) يحتاج لأكثر من سكين لإنجاز بستان واحدة ، وعلى (الصاعود) هذا أن يجلب معه ( المنجل ) لأنه ربما سيحتاج إليه .

ويصعد النخيل مرتان أساسيتان بالسنة الواحدة ، غير عملية التلقيح وعملية ( التركيس ) - ونعني بها تدلية العثوق نحو الأسفل – ، وأجمل عملية ( التركيس ) الطريقة الكربلائية ، حيث تدلى العثوق دون أن توضع على أطراف النخلة لتسهل عملية ( الكصاص ) ، المرة الأولى لجني محصول التمر بعملية ( الفزعة ) ، أو الاستئجار ( للطواشين والطواشات ) ، لقاء حصة قليلة من الناتج أو أجر زهيد ، وما أجمل تلك الأغاني التي تقال من قبلهم ، ولكن أصحاب البساتين عامة يلجئون لطريقة ( الفزعه ) حيث اليوم بهذا البستان واليوم الذي يليه ببستان آخر ، بمعنى أننا ننجز مهمتنا بمساعدة عوائل أهل البساتين الأخرى وهكذا ، وتتولى زوجة صاحب البستان أو أمه أو بنته تقديم وجبة الغداء وما إليه لضيوفها ، وهي عبارة عن الخبز الحار وشئ من اللحم أو الدجاج والجيد من التمر طبعا ، وعملية قص العثوق تكون بداية الشهر العاشر وتستمر لنهاية الشهر الحادي عشر لتجنب الأمطار التي تتلف الناتج ، المرة الثانية لعملية ( تكريب ) النخيل ،وتكون هذه العملية بفصل الربيع حصرا ، وسبب ذلك أن ( كرب ) النخلة قد شرب من ماء الأمطار أن وجدت ، أو من عملية تكاثف البخار على الأطراف وبالتالي ستنزل هذه القطرات من ( الخوص ) صوب ( الكرب ) ، ومعلوم أن ( الكربة ) الطرية أكثر و أسهل قصا من اليابس ، وعملية ( التكريب ) شاقة ومتعبة تحتاج لقوة أذرع ، ناهيك عن فنية عملية ( التكريب ) ، و ( المكربجي ) الجيد لا يقص الأطراف الخضراء لأن ذلك سيؤول الى تشقق ( الكربة ) عند جفافها ، يضع ( المكربجي ) سكينه بمنتصف ( الكربه ) ويسحبها بقوة نحوه ولمرة واحدة تقريبا ، ينزل مسافة صغيرة عن الشق الأول ويصنع شقا ثانيا فيسقط جزءا كمثريا من ( الكربة ) يسمى ( الجعب ) ، ثم بسحبتين أو أكثر يكرره على المكان المقطوع فتقع ( الكربة ) بكاملها نحو الأرض ، ومرات يستعين بيده لخلعها من مكانها ، مع ملاحظة هامة ، فإن كانت نتيجة القطع غير مسرحة الى الأرض فمعنى ذلك أن صاحب هذه الصنعة ردئ ، لأن مياه الأمطار سوف تتخلل لداخل ( الكربة ) مما يؤدي الى ( خشعها ) – بمعنى تشققها بسبب الرطوبة – مستقبلا ، وملاحظة مهمة أخرى ، على ( المكربجي ) الجيد أن لا يأخذ أكثر مما هو مقرر من أطراف النخيل لأن ذلك سيقلل من تعرضها للشمس ، ومن ثم قلة غذائها بسبب التماثل الضوئي ، وهناك من ( يكرب ) نخيله بغير هذه المدة ولكنه خطأ فادح .

أكرموا عمتكم النخلة ، هذا الحديث الذي أطلقه نبينا محمد (ص) لهذا الكائن النباتي العجيب ، حيث أن كل الأشجار لها مخلفات قد لا يستفاد منه إلا النخلة التي يستخدم كل شئ فيها ، وحتى ( النوى) كعلف ذي قيمة غذائية عالية ، ولقد رأينا وسمعنا أن هناك من قزّم النخلة بتعامله مع جيناتها ، ورأينا الأجهزة الحديثة التي دخلت بصناعة التمور كالسيارات الرافعة لغرض القيام بمهمات التلقيح والجني لثمار النخيل ، وإن أتسع لي المجال سأكتب عن أنواع النخيل والتمور الجيد منها والنادر لا حقا بإذن الله.