بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 14 يناير 2017

عطر الامكنة او ريشة الهدهد مرويات في سيرة المهمشين والمنسيين -احمد الحلي


عطر الامكنة او ريشة الهدهد مرويات في سيرة المهمشين والمنسيين ,تأليف احمد الحلي صدر عن المركز الثقافي للطباعة والنشر بابل –دمشق – القاهرة لوحة الغلاف للفنان العراقي المغترب صدر الدين امين –الاشراف الفني ولاء الصواف

ذاكرة المدن العراقية-المعرض الشخصي الاول للفنانة الزهراء صلاح قاعة اوج للفنون





ذاكرة المدن العراقية-المعرض الشخصي الاول للفنانة الزهراء صلاح قاعة اوج للفنون

الرسم بمغزاه الابعد-مذ فتحت عيناها على الحياة ابصرت اللوحات معلقة على جدران المنزل, صار الرسم عندها طقس يومي تزاوله بعشق ومحبة متعالية ,هكذا قدم له الفنان والناقد صلاح عباس

الخميس، 12 يناير 2017

جدلية البناء …. والنظرة الفلسفية …. عند الفنان والكاتب عادل كامل -د. ماضـي حســن نعمــة





جدلية البناء …. والنظرة الفلسفية …. عند الفنان والكاتب عادل كامل

 


د. ماضـي حســن نعمــة




إذا كان السعي لتحقيق فعل التوازن داخل الذات القلقة .. من جراء الإمساك بمحصلة نتائج عملية النشاط لشروط قوانين المتضادات وصراعاتها الايجابية , أي بمفهوم – نفي النفي – فان البناء في نصوص الفنان – عاد كامل – يرتبط بمفهوم ه الفلسفي .. في الرؤى , والتصور الشامل .. لجدلية تصادمات الأضداد منذ المنشئ .. – وينطبق ذلك أيضا على كتاباته الشاملة – وان لهذه الفعالية النشطة في ضرورة حتميات قوانين – الكون – التي تولد بدورها انعدام واندثار , وانكسار , تماثلت مع ما تقدمه البشرية في بناء النظم من تحيات , ونذور , وقرابين على مذبح نيل – الحرية – هؤلاء المضحون .. دوما هم المنادون بها أنبياء , وحكماء , وفلاسفة , وفنانون , الذين حملوا مشعل – الحرية , والعدالة – في هذه الأرض , وطبقوها على النفس , كما فعل ( سقراط ) والتضحية في النفس عند ( المسيح ) إن الفنان عادل كامل لديه هاجس البحث عن مفهوم الحقيقة العادلة التي أضحت اليوم غائبة في أتون أطراف الغلو ا والمتشعبات , والمواقف التي غدت تنقسم على نفسها , وتتكاثر بشكل مطرد تحت مناخات ضبابية أفقدت رؤية خيوطها الأولى على وفق نسق – براغماتي – صرف , في هذا الزمن أصبحت الأيديولوجيات , والمبادئ ذات الطابع ألقسري .. – المنغلق – الذي يفقد المرونة في التعامل مع الحياة والإنسان أكثر من عدد نفوس البشر ذاتهم .. حيث أن أحداها تفي الأخرى .. في خضم هذا الاحتدام يقف بنا عادل كامل في منعطف يخشى المستقبل , انه قلق – الحكمة , والإنسانية العطوفة على مصائر البشرية , فالأجسام العارية هي رموز تطهير الذات من شطط الذات , انه تطهير الفكر من إلغاء الأفكار الأخرى وتنقية العلم من خطر العلم , إن الفنان يريد أن يقول ان الخطر على مستقبل الإنسانية من الإنسان ذاته , وليست براكين الطبيعة وفوارتها المزلزلة في الأخطر .. فالصراعات , والمتضادات , والنفور في الطبيعة , أخيرا يولد فعل ايجابي لاحق .. فالبراكين بالضغط والحرارة ينجم منهما أحجار كريمة , وتقلبات المناخ ينجم تولد الفصول .. ولكن العصف الذري , وجزئيات الصراع الذاتي .. لا يولد سوى الدمار , وتشويه صور الجمال , ونقاء المناخ والنفوس معا , ان الفنان عادل كامل يؤيد بنا العودة الى مظاهر انتقاء توائم مسعاه لحلول معضلات العصر , انه يحاول ان يمسك بتلك المظاهر , وينتشلها من عالم متحرك قلق ليسكنها في عالمه المثالي , ولكنه عند الفنان ليس بعالم صعب المنال ..اذ ليس بيننا وبينه سوى تطهير الذات من دنس الذات .. في الكشف عنها تحت وهج الضوء دون ريب لتكتسب الشفاء والصحو .. والظلال في مخبوء للخفاء والتضليل والريبة .. فالفنان عادل كامل ينسلخ من تراكمات العصر وامتداداته السحيقة التي أثقل بها الإنسان محملا بأغلاله اطرافها المقيتة التي كتمت عل أنفاسنا , ليس في إبداء الرائي الحر فحسب , بل تعدى ذلك الى استنشاق ديمومة الحياة في مناخ نقي , انه يريد ان يحمل ذاته على اكفه ويمضي بها الى عالم ساكن خال من الافتراءات الكاذبة , ويغلفها بثياب وأغطية من فعل اختياره هو , ان تلك النوازع هي ليست نزاع مع المألوف في مظاهره الشرعية – الشكلية – لأنه بالي ومعيب , بل هي نزاعات تتوق الى تلمس أطراف الصدق والحقيقة الغائبة , ان رفضه لمقيدات الاجساد هو رفض للعودة لأصنام قديمة .. أفضت إلى فرز مقاييس ( ديماغوجية ) جاهزة للارتداء , كبلت البشر وأفقدتها حرية المرونة في الابصار والتبصير في مصائر الإنسان دون زيف وتعتيم … ان أزمة الإنسان المعاصر تتجلى في تعدد الأقنعة والاتجاهات والمواقف – البراغماتية – التي باتت مشروعة في تعامل العصرنة , وهي الوجه الآخر للانا وعبادة الذات ومصالحها المغلقة .. لذلك نجد ان عادل كامل في أعماله النحتية تحديدا لاسيما ( الريليف ) منها يعمد في تمثيل الأجساد التي غابت عنها ( الرؤوس ) ولكن : هل ان الفنان ابعد هذا الجزء لأنه يمثل الصورة الحسية .. المرئية للوجه وما يترتب عليه من حديثنا الانف الذكر ؟ أم ان الرأس يمثل العقل والفكر أيضا , والذي بدوره سيعكس بعد ا آخرا لمقاصد الفنان في نزعته الذاتية ؟



     





أرى ان كلا الأمرين حاضرين في التحليل والاستنتاج ولو توغلنا أكثر كمحاولة لفهم شخصية الفنان فيما تنطوي عليها من رؤى سيكولوجية تتسم بسمو معرفي شامل , لادركنا الازمة الحقيقية للبشر , لقد كانت تراوده دوما اجوبة مجهولة لأسئلة معلومة كثيرة , تلك هي مشكلة البحث الصميمة عند عادل كامل وأزمته التي لازمته منذ معارضه الاولى حينما كان طالبا في معهد الفنون الجميلة , إنها مشكلة البحث عن العدالة المفقودة , ففي تلك المرحلة كانت رؤوس الأشخاص عند الفنان مطاطاءة ويذكرنا قول خليل عبد الواحد عام 1971 حينما وصف أعماله بأنها … ( وجوه نحيلة بارزة العظام كأنها خطت عليها المرارة والالم ) في تلك المرحلة ونتيجة للظروف التي يمر بها البلد والمنطقة , ومنها أحداث عام 1967 وما تلاها من أحداث .. جسدها الفنان من خلال منح شخوصه صفة التشبث بالأمل برغم الالم والمرارة , لكنه بالمقابل استنفذ روحه وطاقته برغم شعوره بنشوة النصر , لقد سام الفنان تلك الرؤوس الماثلة أمامه , فأزالها من الأجساد وأبقى شخوصه أجساد تجمعها وحدة التشابه فهي إذا عودة إلى وحدة الاحساس بإزالة الفوارق القسرية , ليست نزعة تشاؤمية قانطة , بل هي استذكار وعودة الى الاختلاء بالذات الحرة التي تدرك حقيقة مفادها – ان الأجساد قد تجردت من الوجوه , التي توارت خلف اقنعة الاقنعة المزيفة , وجوه عانت الالم بفعل جلادها , فأفضت في النتيجة وحدات متشابهة على حد سواء , لا فرق بين الهامات .. ان تلك الإيقاعات الجسدية أضحت مسترخية غير مشدودة , منتصبة بأنماط قصدية , كما تناولتها ( الميثولوجيا )” في الماضي , فهي دينامية الايقاع , وان استحضرت معها طقوسها المعبدية , لكنها متحركة على وفق صياغة بنائية الشكل في التصور والعصرنة , والبعد الاخر عند الفنان بما يمثله مصدر الفكر – الذهن – الذي تتمثل فيه المعتقدات والاختيارات والمسارات التي باتت غير مجدية في تفعيل صياغة سبل الاختيارات المنفلتة من معاقل القيود القسرية …إزاء هذه المحن اختار الفنان , ان لا ضرورة في وجود قيود الافعال المتحكمة بالمصائر حينما تكون مصادرة هي الأخرى .. وهنا نسال أنفسنا : هل ان الفنان يبغي وراء هذا الخطاب اثارة تساؤلات , تحرك فينا ما حصل له وحقق له نتائج يرضي شعوره اللحظي ؟ وهنا نرى ان الامر ابعد من ذلك , ففنان ك ( عادل كامل ) عاش غمار تجاربا حياتية , وتشكيلية , ونظر في كتاباته الفلسفية والبحثية ازاء عقود من الزمن , اهلته ان يكون لخطابه ابعادا تتسم بتصورات فوق التصورات الحسية السائدة , وهو يدرك تماما ان غياب الوجوه غياب لوسائل الاتصال الحسية المدركة , والتي تتحقق فيها , او تكمن فيها اعماق الانسان , فالعاطفة والانفعالات الداخلية , وتحسس الأنغام والأصوات لا يتم الا بالوسائل الماثلة في الرأس , إلا ان ما أراده الفنان هو تأهيل المتلقي لان يعيش تجربة الفنان التعبيرية , وليثير تساؤلات , ويجيب عنها بنفسه , فضلا عن محاولته في إبقاء شخوص عائمة في سياقات الأزمنة وديناميتها في فضاءها المتحرك , والمنفلت من تحديدات معاقل المكان , اذا هي رؤية الفنان تتمثل بأبعاد قد استحدثت منابعها من نضوج شامل قد اجتاز فهم المعضلات والازمات والمحن في عصر الحداثة , بل امسك بخيوط الألغاز والمأزق لما بعد الحداثة , تفسح عنها حدسية ثقافته الشاملة . .


إيحاءات داخلية من الباطن , ومناجاة للشعور
  من جهة أخرى لا نستطيع ان نفصل تداعيات الفنان السيكولوجية في تعبيره الباطني بفعل غليانه الداخلي الذي رافقه منذ طفولته والى الحاضر , هذه التداعيات المنضبطة بفعل عقلنته الواعية , وحدسيته الحسية , والفطرية , فضلا عن اكتسابه لحيثيات , هي من مؤثرات المحيط وتنشئة البيئة الاجتماعية , الفنان عادل كامل كغيره من العراقيين تنقل بين محافظات , وأماكن متعددة ومتباينة في البيئة الاجتماعية – كمستويات المعيشة – وطرق التفكير لهذه المجتمعات والبل والأعراف التي يتعاملون بها بما توائم طرائقهم في الحياة , كل ذلك جعل الفنان يكتسب ويقارن , ويحلل ,. ويخزن في ذاكرته لإشباع مخيلته عبر أزمنة صاخبة وضاغطة أحيانا فأصبحت الأجساد الحرة في مواضيعه , هي ضرب من الرفض الداخلي لنزعته الصريحة , ارتبط بعضها ( الانحباس الداخلي ) مما اكسبها رمزية ذات أبعاد أخرى وهي اسمي من صفة الكبت السيكولوجي للفنان وأصبحت بث شفراته تارة ذات أبعاد أخرى , هي أسمى من صفة الكبت السيكولوجي للفنان وأصبح بث شفراته ذات دلالات فكرية وفلسفية , بل ووطنية تارة أخرى , فالأجساد التي اتخذت مفردات تكويناته ذات إيقاع متناغم , هي عودة الى الجذور , وعودة الى النقاء , وعودة إلى الأصل و لم تعد في النتيجة منفلتة عن انظمة المقاييس الأخلاقية في الأعراف الوضعية , لأنها اكتسبت قيم جمالية ( صوفية ) بلا نفاق او عضات شكلية غرضها استهلاك القيم الجمالية لإثارة عملية نشاط انفعالي جمالي ذاتي للفرد قد تصل الى حد الجلال في الحكم في التذوق , ان تحقيق صفة الجمال المتناغم والقوام الحسن في المخلوقات ( كنصوص ) هو وصول الى درجة الرقي والسمو التذوقي , وهو تجل , وعبادة صوفية خالصة , واذا كان الفيلسوف ( كانت ) اعتبر الجمال هو الاخلاق ومن قبله ( اليونان ) فان – عادل كامل – قد ازال الظلال عن وهج السمو وقدسية الجلال , فاضحت نصوصه الجمالية جزءا من العرف السلوكي وليس ضده , ان معرفتي بشخصية الفنان والكاتب المبدع عادل كامل عن قرب شكل لدي صورة واقعية في التحليل والاستنتاج لإماطة اللثام عن معنى اعمق في اعماله , ولفك الغاز رموزه المشفرة وقد عزز ذلك ملازمتي له لمدة غير قصيرة , اكدت لي مدى الجدية والصبر والشفافية في الحس والصدق في التعبير لديه , اذ ان الفنان لا يبغي من المنجز التشكيلي او الادبي سوى تحقيق الانسجام وتوافق مع مكنوناته الداخلية هذا الصدق قد ابعده عن الاستعانة بالاستعارات والتقنيات المألوفة ذات الصياغة الشكلية المزوقة لغرض تسويقها تجاريا , ان المتتبع لأعمال الفنان منذ كان طالبا في معهد الفنون الجميلة لا يكترث لتلك الوسائل , فهو يرفض استجداء اراء الاخرين , وهذا ما اكده النقاد في بداياته الاولى , لقد ذكر ( ابراهيم الزاير ) عن المبدع عادل كامل عام 1969 ( بالإمكان اعتبار عادل كامل ردا عمليا على تحذلق المتحذلقين الواهمين بحجر عريض ودليلنا على بساطة ونقاء الانسان العادي القريب نمن ذاته , ولم تفسده حيل التكنيك ) لذلك ارى ان ميزة الصدق الطفولة والعفوية الخالصة في اعمال الفنان ستجعلها تراثا حيويا مهما مضافا الى النتائج والعفوية الخالصة في اعمال الفنان ستجعلها تراثا حيويا مهما مضافا الى النتاج الحضاري للبلد تزداد كلما انحدرت نحو الماضي , وهي امتداد لموروثنا التشكيلي المعاصر , الناتج من رموز الحركة التشكيلية المعاصرة كـ ( جواد سليم وخالد الرحال ) . .
رموز معبدية تمسك بالأهداف
للمناخ المعبدي اجابات عن اصالة العصر من خلال الامساك بلحظة الزمن المتحرك , طالما ارقت مضاجعه , اذ تنطق بجمل ومقاطع ذات اشكال طوطمية – ميثولوجيا – ورموز تتوشم بنظام الايقاع السومري , فالفنان في منحوتاته الناتئة ( الرليف ) قد وضع كفه على نبض التاريخ الرافديني كي يقيس بها تجربته ومشروعه كي يخاطب بها حداثة العصر , وازماته المعلنة , والفن العراقي بشكل عام لا يخلو من أزمات اكتنفت مسيرته أسوة بأوجه الثقافة الأخرى , هذه الأزمة ارتبطت بالواقع الموضوعي للعراق والمنطقة بصورة عامة دفعت المبدعين لاختيار علامات ورموز , واحيانا دلالات مشفرة يكتنفها غموض وتأويل اسسه غياب الحرية وفرض الرقيب على النتاج , ولكن من الملاحظ ان اعمال الفنان عادل كامل كانت تتسم بالابتعاد عن التراكيب المعقدة , والتي لا تقبل الوهم في التفسير , وترمز على جانب الحرية بوصفها بؤرة مركزية لرموزه الاخرى , وهذا الامر يعود الى التعبير عن الازمة ذاتها , فهي اذا بحث عن أسباب شروط بقاء ونمو الإبداع وليس ما تلاه , فمنهم من مضى بإصرار على الرغم من عجاف سنواتهم , ومنهم من ضمن اعماله مغزا يحقق نتائج الاطمئنان وازالة الرقيب , والبعض تعطلت مواهبه ليدخل غياهب الصمت والهجرة , لينطوي مع سكون الذات المؤجلة من بين هذه المسارات تمحورت اعمال الفنان ( عادل ) بفعالية مؤجلة صارخة ضد صمت مقيت , ولكن بهدوء الحكمة .. فنجد ان الوانه اتسمت بأطياف هادئة – محايدة – لا تتخللها متضادات سوى تقنيات , ونتائج لجدلية الفكر , مستثنين من ذلك بدايته الأولى في المائيات والأعمال الزيتية التي تتضمن مواضيع نكبة 67 حزيران , والموضوعات الوطنية ( الشهيد ) وغيرها كتعبير حماس شبابي آنذاك , ولكن بعد ثلاثة عقود من الزمن تبلورت عنده الرؤى لتحويل ( الاحتباسات الحسية ) الى دفق من المعرفة التي توازي مستوى النضج الثقافي ( في الرواية والادب والنقد التشكيلي ) تلك المسارات في تنوع حقول المعرفة لم تشتت اوصاله بل تظافرت في تكامل القدرة على القياس والتمييز والحكم على النتائج لنفسه ولغيره من الفنانين , هذا الهدوء في تلمس حساسية اللون كان ينطبق تماما مع بساطة تقنياته كما ذكرت انفا , ومن الملاحظ ان الفنان كان ميال في اغلب الاحيان الى النحت – الناتئ -والذي خلق من خلاله اشكالا بأبعاد ثلاثية , او سطوح مستوية ذي بعدين ربما لانه يجمع بين خصائص الرسم والنحت معا , كما ان خلفية الفنان الكرافيكية , وتمرسه فيها عمليا من حفر ( طباعة ) تلصيق ( كولاج ) قد اوجد له في النحت الناتئ ما يجمع بين هذه التجارب , لاسيما وانه قد ادخل اللون على أعماله النحتية , كما إننا نجد في أعماله الكرافيكية والنحتية ( الريليف ) التخطيطية تقاطعا لإيقاعاته التصويرية بخطوط مائلة , لم تفقد العمل ( دراماتيكية ) كمضمون أو حركة الشكل الهرموني , وقد تزداد هذه الإشعاعات والتقسيمات الهندسية لتخلق تداخل تكعيبي يوصلنا في الغاية الى بساطة التنفيذ , وأصالة الفكرة .


تحولات
أما في أعماله الأخيرة فعلى الرغم من ان للفنان تجارب سابقة في النحت المدور , وهذا ما لمسناه في معرضه الشخصي عام 1994 إلا ان هذه الأعمال المنفذة بمادة – الجبس – كانت حقا تحقق ( الإثارة الحسية ) للمتلقي , ان لم نقل الصدمة الحسية له , فهي خلاصة مخاض محتدم داخل ذات الفنان في الإحساس بمحنة القدر ( الموت ) التي طالما شغلت هاجس الفنان والكاتب عادل كامل كرؤية فلسقيه تتحدى النزوع إلى قدرية الاستهلاك إلى مأزق الخوف من الاقتراب إلى مصائر صنعتها أيدي تريد ان تلغي مبررات قدسية الموت , من اجل إفساح المجال إلى الحياة , ان الترويج إلى صفات الموت , والترويع , وتهديد الأمل , والسوداوية للموت هي امر من الموت ذاته .. في أعمال الفنان عادل يريد ان يوازن بين الحياة والموت , في ان يشيد صروح الأمل والخلود في شخوصه التجريدية التي استلقت من خلال استلقائها في وعائها المحرابي والمستطيل الهيئة , أضحت جزء من محيطها والفته اكثر مما كانت تؤرق مضاجعهم في الحياة , تلك الرؤى لدى الفنان قد عصرتها الأحداث , لاسيما الأخيرة منها .


ضحايا وقصص قصيرة أخرى- عادل كامل









ضحايا وقصص قصيرة أخرى





   [ ـ" انه لمن الغريب والمثير لأقصى درجات الأسى أن نلاحظ كيف إن سباق التسلح يدمر الحس الأخلاقي. فانا لو تسببت عمدا ً بإصابة شخص بالسرطان وجب أن اعتبر وحشا ً، غير أنني إذا ما تسببت عمدا ً بإصابة آلاف الناس بالسرطان اعتبرت وطنيا ً نبيلا ً"]
بيرتراند راسل  



[ـ سيدي...، علينا أن نعرف ماذا يريد العدو...، كي نحاوره، ونتصالح معه.؟
ـ يا حمار...، نحن مازلنا غير متصالحين مع أنفسنا..، فهل باستطاعتنا أن نعرف ماذا يريد هذا العدو ، كي نعرف ماذا نريد؟!؟]







عادل كامل
 [1] ضحايا
ـ جد لي حلا ً لمعضلة الإناث، فهن يضاعفن الولادات، كلما حصل نقص في عدد أفراد القطيع. إنهن لا يمتنعن عن إنتاج المزيد من الضحايا، إزاء تزايد الهجمات علينا، بل يعملن، كما تعمل البكتريا والجراثيم، كلما حاولت القضاء عليها، استحدثت دفاعات تجدد إرادتها على إنتاج المزيد من المواليد ...
وأضاف:
ـ أريد أن تجد لي حلا ً لهذا العويل والصراخ والنحيب الدائم بين الأمهات الثكالى، لا يضربن عن إنتاج الضحايا، ولا يعرفن ماذا يفعلن إزاء تزداد شراهة الأعداء في طلب المزيد...؟
ـ حتى لو فكرن بالإضراب..، والامتناع عن الحمل والولادة، فإنهن ـ سيدي ـ سيعرضن القطيع برمته إلى الانقراض، والزوال؟
ـ تقصد انه لا توجد حلول سليمة تضع حدا ً للمعضلة، وإنهن عاجزات إلا على ديمومتها؟
ـ أنت تتحدث ـ سيدي ـ عن برمجة ترجع إلى ملايين الملايين من السنين...
ـ ولكني أيضا ً أتحدث عن الأمهات اللائي ينجبن المزيد من الأبناء، أما يرسلوهم للموت في الحروب، وأما العيش تحت خط الفقر، وأما للتشرد والسكن في المنافي ...؟
ـ آ ...، فهمت قصدك...، فأنت مازلت تحلم بوجود قانون يحد من التضخم، من ناحية، ومن الفقر المدقع، من ناحية ثانية؟
ـ أحسنت! بدل أن نرى هذه المشاهد المروعة لأشلاء الموتى وكأن برنامجها مازال مستمدا ً من أصوله الضاربة بالقدم...،  إن الإناث لم يعد يكترثن لخسائرهن، حتى لو  ملأن الدنيا عويلا ً وصراخا ً واستغاثات، بل يصررن بعناد غريب على إرضاء أفواه المفترسات الأكثر شراسة، بطيب خاطر!
ـ سيدي ...، لو لم يحرصن على أداء هذا الواجب على أكمل وجه...، فان الحياة بأكملها ستتعرض للاندثار، والزوال.
ـ ها أنت لا تفكر إلا بالقانون الذي يحمي الجائرين، وبالقانون الذي يجعل من الإناث أنفسهن ضحايا لا عمل لديهن إلا على إدامة المجازر....؟!
ـ آ ....، اذهب وأسأل الحوت كم ألف ألف سمكة تكفيه في الوجبة الواحدة؟
ـ أسأل من؟
ـ اذهب وأسأل هؤلاء....، ولا تسأل الأمهات الشبيهات بالمصانع لا عمل لديها إلا على زيادة الإنتاج ومضاعفته، أو  الطرد! فهن لا يمتلكن إلا عبوديتهن..، من جهة، وعلى إنتاج عبيد لا يمتلكون إلا عبوديتهم، من جهة ثانية.
ـ  ها أنت تسد أبواب المستقبل علينا؟
ـ لا ...، إن أبواب المستقبل مشرعة أبدا ً...، فمن يفقد الأمل كمن ارتكب ما لم يرتكبه القاتل الأول...، ولا القاتل الأخير!
ـ هكذا سنمضي في مشاهدة استعراضات أسلحة الفتك، والدمار...، لا نعرف، بعد استخدامها، من سيبقى على قيد الحياة ...؟
ـ لا تكترث...، فالجنة تحت أقدام الأمهات!
ـ والجحيم؟
ـ  سيدي، من يتذوق مرارات هذه الدنيا، لا يسمح إلا للقلة التي تهاب الجحيم، إن كان في عالمنا، أو في العالم الآخر!  

[2] عبور
  اقترب منه كثيرا ً:
ـ أنت تتألم كثيرا ً ..، ولكنك لا تعمل على معالجة ألمك، بل كأنك لا تريد أن تتخلص منه؟
   لم يجب. فعاد يخاطبه:
ـ  بل كأنك وجدت في ألمك فرحك الوحيد...، مثل من يتتبع موته برزانة، وهدوء؟
رفع رأسه قليلا ً:
ـ  هذا غير صحيح! فانا لا اجلد نفسي، ولا أعاقبها، ولكن ماذا افعل عندما لا امتلك إلا أن أرى النكبات تحدث الواحدة بعد الأخرى، عبر الشاشات...، وأنا وحيد معزول أعيش أيامي الأخيرة...، سوى أن اكتم لوعتي وافضحها، بشهادة تبدو، كما قلت، تضاعف سقمي، وأوجاعي؟
ـ لكن النكبات تقترب منك، زاحفة، وكأنك بانتظارها، وليس هي من تسعى إليك!
ـ وماذا افعل سوى أن استقبلها، وأنا أسير جسد غدا فائضا ً، وبحواس عاطلة عن العمل، وبإرادة عمياء!
ـ كأنك لا تريد حتى أن تنجو...؟
ـ آ ...، إنا لم اختر ألمي،...، فهل ترغب أن ادع الألم يمشي وحيدا ً ولا أشاطره عبوره نحو المجهول؟


[3] ثور ليس للبيع
   رأى الغراب ثورا ً ضخما ً يقف وسط المزرعة وينادي:
ـ رأسي للإيجار!
  فاقترب الغراب منه وسأله:
ـ أنا اشتريه، فهل تبيعه؟
ـ آ ...، سيدي، أنا لم يعد لدي ّ رأس للبيع...، بل للإيجار!
ـ لم افهم؟
ـ  سيدي هو من اشترى رأسي، ولما وجده لا يساوي شيئا ً، قرر أن يعرضه للإيجار، فانا لا يحق لي أن أبيع شيئا ً لا امتلكه!
ـ بالعكس...، كان على سيدك أن يبيع رأسك!
ـ سيدي يقول:  المزرعة التي لا ثيران فيها لا حكمة فيها أبدا ً!

[4] قطيع
    خاطبت الحمامة رفيقها، وهما يراقبان قطيعا ً من الخراف:
ـ  مع أن عدد أفراد هذا القطيع لا يحصى...، إلا أنني لم اسمع خروفا ً واحدا ً قال كلمة تختلف عن باقي أفراد القطيع؟!
ـ اقترح عليك أن تصبح خروفا ً لتعرف الحقيقة عن قرب!
ـ لم يكن هذا ـ هو ـ قصدي، بل سألتك لماذا يذهبون إلى المسلخ وهم يهتفون بصوت واحد؟
ـ أعود وأقول لك أن تصبح خروفا ً كي تخبرني بالحقيقة!
ـ لا أريد أن اذهب إلى الموت وأنا لم اقل كلمتي بعد!
ـ إذا ً ...، ليس لديك إلا أن تتمتع بصوت القطيع الموحد...، وأنت تنتظر الموت!



[5] مرة أخيرة
ـ هل تصدق ...، أن ما تراه...، لن تراه مرة ثانية؟
ـ اجل!
ـ غريب..، انك أجبت ببرود، بلا تردد، ومن غير خوف؟
ـ لأنني مازلت لا اصدق  هل حقا ً أنني رأيت كل هذا الذي لن أراه مرة ثانية، والى الأبد؟

[6] سخرية
ـ أتعرف لماذا انقرضت اللقالق، في حديقتنا؟
ـ  لم يعد الأطفال يسألون أمهاتهم: من أين جئنا؟
ـ لا! ...،  بل لأن الأمهات لم يعد لديهن إجابات مراوغة!
ـ آ ...، أرجوك اشرح لي قصدك؟
ـ ألا ترى أن الشرح، في هذه القضية، يفسد المعنى؟
ـ لا تراوغ!
ـ لو كنت راوغت لقلت لك: اللقالق لم تعد تحتمل أكاذيب الأمهات...، والآن لم يعد الأطفال يصدقون أكاذيب أمهاتهم...، كما أن الأمهات لم يعد لديهن أولاد يسألون أسئلة لا تثير إلا السخرية!

[7] كفن
ـ ما الذي يؤلمك...؟
فرد عليه بصوت مرح:
ـ هذه هي المعضلة...؛ أمضيت حياتي كلها أتألم من اجل قضايا لا تستدعي الألم...، والآن، وأنا استعد للمغادرة، لا أتألم من اجل قضايا  تستحق ما هو اكبر من الألم!
ـ هذا هو التوازن...، أليس كذلك؟
ـ لا ...، هذا هو الذي منحني اللامبالاة السعيدة:  انك توهمت انك كنت على صواب، فعندما كان عليك أن تتعلم كيف تكون صادقا ً، لم تفعل...، وعندما تحتم عليك أن تراوغ لم تفعل...، وقد فات أوان المحاسبة!
ـ ها أنا أجدك تتألم؟
ـ ربما ...، ولكنه الألم الذي  يماثل عمل الكفن وهو يتستر على الجسد!

[8] عزاء
   بعد غيابهم لسنوات طويلة، حتى كاد لا يتذكرهم، عادوا... فسألهم، الواحد بعد الآخر:
ـ أين ذهبت...، وماذا رأيت؟
ـ  ذهبت إلى كوكب كافة سكانه يعملون..، فصرت اعمل مثلهم، وهكذا أمضيت حياتي أتنعم بالأمن والسلام.
ـ وأنت؟
ـ أنا ذهبت إلى قارة لا يعرف سكانها سوى الرقص..، فرحت ارقص حتى صرت واحدا ً منهم.
ـ  وأنت؟
ـ أنا عثرت على بلاد لا يعرف سكانها إلا المرح...، والغناء، بعد انجاز الواجب، فصرت اغني في العمل، واعمل فرحا ً بما اعمل.
ـ وأنت؟
ـ أنا ذهبت إلى مدينة لا يوجد فيها أشرار...، فدربوني، حتى عشت حياة خالية من الشر ومن الشقاء.
ـ وأنت..؟
ـ  أنا ذهبت إلى عالم آخر...، مختلف، حيث الجميع يعملون، كما تعمل خلية النحل، يرقصون، ويغنون، حتى كدت أنسى أن هناك خاتمة للحياة.
ـ وأنت...؟
ـ أنا رأيت ما لم أره من قبل...، فلم أر قويا ً ولا ضعيفا ً، لا غنيا ً ولا فقيرا ً، لم أر أحدا ً يحمل سلاحا ً، ولم أر مكظوما ً، لم أر أيتاما ً، ولا أرامل ولا ثكالى ولا معاقين ولا عاطلين....، لم أر سجونا ً ولا بيوت للعجزة، ولم أر بيوتا ً للدعارة،  لم أر مصحات ...، حتى أني عندما أفقت أدركت أني أمضيت حياتي وأنا لا اعرف اهو حلم حياتي، أم أني أصبحت مأوى للأحلام!
ـ آ ... يا أحفادي، آن لكم  أن تقتربوا مني ...، وتقيموا مناحة علي ّ...، آن لكم أن تحفروا لي قبرا ً...، فانا ليس لدي ّ ما يروى...، فقد آن لكم أن تشاركوني البكاء، للحظة، آمل أن لا تدوم...، بانتظار عودة أحفاد أحفادكم إلينا، كي لا يجدوا سوى الرماد..، وهذا الغبار،  ويشاركوننا العزاء، والبكاء!

[9] حلم
   قال الحمل لامه:
ـ سمعت الواعظ يقول أن الإله سيعاقب الذئاب  بنار خالدة في جهنم ...
ـ الم أخبرك أن حياتنا، يا عزيزي، في هذه الحديقة، وجيزة..
ـ ها، ها، أصبحت تتحدثين مثله، كي أبقى احلم  بحديقة خالية من الذئاب!


[10] دعوات
   وهو محاصر من الجهات كلها، داخل مغارته، مع أفراد عشيرته، سمع فأرا ً يهمس في آذنه:
ـ لابد انك لم تدعو اله غابتنا لإنقاذنا من هذه الوحوش...؟
ـ الم اقل لك انه استجاب لندائي فأبقانا أحياء حتى هذا اليوم...، وإلا من أنقذنا من أنياب هذه القطط، ومخالبها...؟
ـ أرجوك ..، ادعوه...، أن ينقذنا مرة واحدة أخيرة...
ـ  يا حمار...، وما علاقة إلهنا بنا بعد أن انزل الطاعون والجذام والفزع في قلوب أعدائنا!
ـ هذه هي المعضلة، أعدائنا يموتون فزعا ً، ونحن نموت جوعا ً..،  فلا تعرف دعوة من استجاب لها اله هذه الغابة، دعوات الوحوش أم دعواتنا...، فمنحهم الصبر بانتظار هربنا، لافتراسنا، ونحن منحنا هذه الثقوب كي تخمد أنفاسنا فيها!

[11] مسرة!
ـ متى تشعر بالمسرة...؟
ـ عندما يبلغ العجز في ّ ذروته وقد فشل في أن يخمد أنفاسي، فأقول: يا لها من مناعة نادرة حتى إنها لم تسلبني لذّة  الحلم بالموت!


[12] حروب
ـ رأيت البحر يغلي، كأننا في قدر، ورأيت الغيوم تسقط حجارة من نار، ورأيت السماء  تطبق علينا...، ثم أفقت، فما هو تأويلك لهذا الحلم وتفسيره الصحيح؟
ـ يا أحمق...، هذه هي الحقيقة، فبعد أن  نزول، ربما سنحلم بالعثور على مستنقع لم تصله ويلات الحروب!


[13] مفارقة
ـ الآن فقط عرفت لماذا ينتصر الحمقى والأشرار!
ـ لماذا...؟
ـ لأنهم لا يستمدون قوة بطشهم إلا من الأحلام المستحيلة للأكثر ذكاء ً فوق هذه الأرض!



[14] ملاذ
   سأل الغراب حمامة كانت تراقب ـ معه ـ الاشتباكات:
ـ لِم َ تحصل هذه الحروب التي لن تترك سوى الدمار، والخراب؟
ـ هذه هي المهزلة...، فهؤلاء الأقوياء الذين يمتلكون المغارات، بعد الاستيلاء على الغابات، وعلى مصادر المياه ...، يواجهون هؤلاء الذين لا يمتلكون حتى حق الدفاع عن حفرهم التي تركت لهم، مع المياه الآسنة، والدغل...
فقالت الحمامة بسخرية:
ـ  إنها ليست مهزلة فحسب، بل لا اسم لها...، لأن ما ترك لهم من حفر، ومستنقعات، ودغل، تركت لهم كي يواصلوا العمل من اجل هؤلاء الذين يمتلكون الغابة!
ـ وهم يعرفون؟
ـ هم لا يعرفون، في الغالب، ولكن ماذا لو عرفوا، وهم لا يمتلكون إلا أجسادهم يبحثون لها عن حفر يدفنوها فيها!
قال الغراب:
ـ أنا سأمنحهم أجنحة للطيران!
ضحكت الحمامة بأسى عميق:
ـ وهل تركوا لهم ملاذا ً للخلاص؟

[15] مفترسات
  خاطب الأرنب جاره بعد بزوغ أشعة الشمس، وملأت فضاء الغابة:
ـ الآن تستطيع أن تعترف للعالم بما فعلوه بك، خلال ظلمات الليل.
ـ ألا تغلق فمك وتدعني أموت بسلام!
ـ آ...، ماذا فعل بك الخوف؟
ـ إذا كانت مفترسات الليل قد تركتنا على قيد الحياة، فمفترسات النهار لن تترك لنا حتى على اثر!

[16] حمقى
ـ هل تعتقد أن الإله قاس ٍ حد انه يرى الأطفال يذبحون ويقتلون ولا يفعل شيئا ً لهم؟
ـ يا أحمق..، انه يمتحن صبر الأمهات!
ـ آ..، لو لم أعرفك، لقلت كلاما ً آخر..
ـ وأنت ماذا تقول؟
ـ  أنا اعتقد أن الأمهات هن ّ من نذرن أولادهن!
ـ من اجل أن يتسلى القتلة بسفك دمائهم البيضاء؟
ـ لا..، يا أحمق، بل تحديا ً لهم، لأنهن لن يتوقفن عن مضاعفة الإنجاب!


[17] ديمقراطية
ـ أتعرف ما هو أفضل تعريف للديمقراطية؟
ـ أن يجري الحوار بين النار والماء، من غير هزيمة احد على حساب الآخر!
ـ جيد! هذا ما قيل قبل قرون طويلة..، ماذا عن اليوم؟
ـ أن تبقى تحاور الجدار حتى تدرك  انه سينطق بما هو ابعد من صمته!
ـ هذا هو بمثابة الهزيمة المكللة بالنصر؟
ـ يا حمار...، ومتى انتصر الهواء على التراب، ومتى انتصرت النار على الوحل...، ومتى انتصرت الظلمات على النور؟
ـ ولكن هل وصفك لي بالحمار هو جزء من الديمقراطية؟
ـ عندما تصغي إلى صمت الصخور  ستدرك إنها لم تخرج إلا من رحم اعتى البراكين غضبا ً، وأكثرها قسوة!

[18] الكنز!
ـ أراك لم تعد تخاف حتى من الموت؟
ـ سيدي، من يتذوق مرارات هذه الحياة، يدرك...للآسف، إنها لا تساوي شيئا ً وأنت تمتلك الكنز!
ـ ولكن موتك يمنح الجائرين علوا ً آخر...؟
ـ بالاقتراب من ذروته!
ـ  ألا ترى انك تتحدث بلا حول ولا قوة؟
ـ  اخبرني...، لطفا ً، كم عمرت الديناصورات، كم عاشت الخراتيت، كم...، وكم سيدوم أمد الشمس، وكم سيطول عمر هذه الحديقة؟
ـ ها أنت ـ سيدي ـ تساوي بين الجلاد والضحية؟
ـ آ ...، لِم َ تحرجني، وتربكني وأنا استعد للرحيل، وأنت مازلت لا ترى المشهد إلا في مقدمته؟!

[19] إضراب
   بعد أن أضربت الحمير عن النهيق، اثر أوامر صدرت باستبدال الشعير والبرسيم بعلف مستورد مصنع من المواد غير الطبيعية...، سأل المدير مساعده:
ـ ما هي أهداف هذا الإضراب؟
ـ لا غايات له، إلا عدم الاشتراك بالهتاف لمجدك؟
  صمت المدير برهة، ليسأل مساعده:
ـ وهل لهذا الإضراب اثر في باقي المواشي، والبهائم، والدواب؟
أجاب المساعد حالا ً:
ـ نعم، نعم سيدي، فالنعاج هي الأخرى كفت عن الترنم باسمك، والبغال كفت عن المشاركة بالاحتفالات، والضفادع لم تعد تنق أيضا ً.
ـ البغال..، آ .. حتى البغال؟
ـ أصابتها العدوى...، سيدي.
ـ وما الحل؟
ـ  سيدي، لدينا الحل الوحيد المجرب ألا وهو حرمانها من العلف..، كي تدرك إنها ستموت جوعا ً، قبل أن نرسلها إلى السباع والذئاب والنمور ...!
   لكن كبير الحمير تقدم بطلب لمقابلة السيد المدير، فأذن له، فسأله المدير:
ـ  تفضل..، قل ما لديك.
ـ سيدي، إن الأعلاف الجديدة..، تجعلنا نهتف بأسماء الشركات المصدرة للعلف...، ولهذا قررنا إعلان الصمت، وليس إعلان الإضراب!
ضحك المدير بقهقهة متقطعة:
ـ  كنت اعرف أن ولائكم لي بلا حدود...، بل وأنا أشاطركم صمتكم أيضا ً!


[20] النملة والفيل
   وقفت النملة فوق رأس الفيل، وقالت له:
ـ كم أنت عظيم، يا سيدي!
وأضافت:
ـ حتى أني كلما هتفت امجد عظمتك، أجد أني لم افعل شيئا ً..!
   هز الفيل خرطومه، وقال لها:
ـ  هذه هي المعضلة...، كلما سمعتك تهفين بحياتي، أدرك  أني لم اقدر إخلاصك، وعظمتك أيضا ً!
ضحكت النملة:
ـ  أتسخر مني؟
ـ بل اسخر من القدر الذي جعل عظمتي مقترنة بهتافك لي، أيتها النملة العزيزة!
5/1/2017