بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 23 مايو 2015

هلاوس أعلنت التوبة بالثمل -نجاح زهران فلسطين

هلاوس أعلنت التوبة  بالثمل

 

تذكّرت غفوة الأشجار بظلالها
سر الوجود
وقوعي بمأزق الإدراك
كنت طفلة على حافة الوعي
لم أختبر الحياة بإنائي
من سيأكل ثمرة تمردي
تبكي الطريق بفرائسها الى مدرسة الوظيفة
أتذكر أنني نسيت غباري على فيض الأماني
ركلت الهواء بعتمة المداد
خارج الزمن
بروح دقت الفجر بحرية السحاب
أقسمت على أناشيد الحرائق لظل في الغياب
وكان علي الإحتفاظ بكتف النار
ومملكة النداءات لتذكر صوتي من مائها
إمرأة أنا الآن في مزادات الإسم
دارجة بطقوس لا ضمان لها بمعاجم النور
أتدحرج قليلا ربما أجد توبة وزعت ترابها على منحدرات الطين
تذكرت رسائل استكبرت قبل تحذيري
حوتة إبتلعها السر
على سجية الحرمات تلتهم قلبا يافعا من أرض التكوين
وكنت أتأمل قراءة القول القائل لهاتفك النّقّال أن الخاتمة لن تعود بظهيرتي
وبكلّ سرور الحلم الوحيد والصور التي أتت به تذكرتُ تيه الحضارة وهي تفارق الحنين
وطبق من الأبجدية بيد نادل يسجد ليوجا من السلام
و تذكرتُ
ماذا؟
إجماع حقيقي لدموع الحنين الشاملة لتخفيف الشعور بالتوتر
نازلة من يوم إحتفى بالاهتمام
لا ...يهمّ،أنني تذكرت الشجرة النائمة ولا طفولة أرهقتها مقاسات التنشئة على فخذ الرعاية
أو كهولة أطلقت توقير التجانس لخلفيات الإهتمام
أو حياة كونتها أطباق القدر
لوجه يهرب بعيدا نحو المعصية
والآن وقد صرت بصدد تعرية الخطى من الكلام
كبدي مزروع من حوله الدهر
قتّال من ورائه شرر وما كنت مطر ولا أوراق متساقطة
وكنت أخاف من تاريخ العباءات بحلمي
أتذكر أحبائي المارون في أريكتي
وافلاس الوقت بغيابهم ولم يعمر الرجاء حضورهم الي ثانية
رافقت النهارات المدمنة على هدهدة الزمان بجلسات عائلية
لكني ما زلت رضيعة ضائعة بالبحث عن حلمة السماء
أقبل هلاوس أبو النوس حين مرّ على الشِعر ليعلن التوبة من حبه للثمل
فرض تعذب بالشرر نام على أجفاني القرفصاء
أنا الآن أخط الحريق في ذهن الجنون بإسم مفازة ضيعت الكتابة
وسكرة البخور بمناجم الحياة
آسفة ربما يحملني هذا المسحوق الآدمي وفي قلبي لا يذاع له حريق أو طرفة عين
لتطبق علي القبور المضيئة بسباتها ولغة ترحل بدروبي
وشخص ، قبل قليل نام بمركبي على الريح ليثير حفيظة العناق
برنامج لحفلة أبدية ،
قلت قبل ان أبدأ: ماذا أحمل بقارورة إنساني وقد قبضته رعايا الهزيمة والأساطير؟
منحت خطوط يدي وعاءا من ماء وتراب يبنت به غيري من حدقّة الجرار المليئة
بالحياة
ولم أعد أتذكر العدّ للنجمة الآتية



نجاح زهران
فلسطين

غالب المسعودي - لعبة (قصة سُريالية)

مستويات البوح في القصة السريالية ( متاهة التماسيح ) للدكتور غالب المسعودي -د أنور غني الموسوي



مستويات البوح في القصة السريالية ( متاهة التماسيح ) للدكتور غالب المسعودي
د أنور غني الموسوي

لا ريب ان الرمزية قد احدثت تطورا مهما في التعبير الادبي ، الا ان الانتقالة الجوهرية في فكرة الابداع و التلقي كانت في الحركة السريالية و ما تبعها من حركات تعبيرية . فصار تعدد مستويات البوح و الايحاء من سمات العمل الابداعي  . ففي جوار البوح و التعبير الآني للعبارة و المقطع و باسلوب الكتابة ، فان لتراكم التعبيرات و طبيعة انتشارها في النص وسط علاقات تعبيرية معقدة تعطي زخما و طاقة تعبيرية عالية للغة ، تحققت انظمة عالية متعددة من التعبير على ايدي السرياليين و التعبيريين .
في قصة ( متاهة التماسيح ) السريالية للاديب و الفنان التشكيلي العراقي الدكتور غالب المسعودي ، نجد تلك التوظيفات و انظمة البوح المعقدة و مستوياته المتعددة حاضرا و بوضوح ممثلة نموذجا للغة تعبيرية  تتعدد فيها مستويات البوح   . و من المفيد ان نورد القصة أولا :


متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية (
د.غالب المسعودي
المتاهة الأرض التي يتوه فيها السالك ،  ولايكاد يعرف فيها طريقاً, ويراد بها في ألأساطير مبنى التّيه ذو الممرات الفرعية المعقدة الذي بناه ديدالوس للملك مينوس ملك كريت ، حسب الأسطورة الإغريقية، وأراد مينوس أن يجعل منها سجنًا للوحش الذي يسمى الميناتور, إذ كان يضحَّى بسبعة من شباب أثينا، وسبع عذارى لهذا الوحش كل سنة(ملاحظة نحن نضحي أكثر).
قبل أن يوقد مصباح النوم, هو يخاف النوم في الظلمة, نسي أن التلفاز موصول بالكهرباء الوطنية (في حينها كانت لاتوجد وطنية), أضاءت الشاشة, برنامج عن الحياة البرية للتماسيح في بوتسوانا , سمع بدموع التماسيح , أسنان التماسيح ,علاقة الديناصورات بالتماسيح, لكنه لم يعرف أن التماسيح تبني تحت الماء متاهة, تصور أنها تبنيها لأجل أن تسحب فريستها وتأكلها بهدوء, دون تطفل الأخرين وخصوصاً الحيوانات ألقمامة, إلا أن الباحثين أثبتوا أنها لاتستعملها لهذا الغرض(التماسيح لاترى في الظلمة وهي تحت الماء), وضع وسادته تحت رأسه, إستغرق في نوم عميق بعد أن تبللت أطرافه وظهره بالعرق ,نصحوه أن يشرب ماء مالح ,هو شرب ماء العلقم,علامات ألأستفهام تنمو في مخيلته ,لم متاهة التماسيح ,هناك متاهات في الحياة ثمة متاهة بين الحرمين, ثمة متاهة في المدينة القديمة, بعضها يوصلك الى جنة تحت أرضية, بعضها يوفر لك الفاكهة في غير موسمها, وهناك متاهة السياسة العراقية ,وهناك متاهة النسيان, يبدو إنه إستغرق كثيراً, في حلمه تصور نفسه في الفردوس, تقف أمامه وجها لوجه جنيته التي اطاحت بحياته, ومن أجلها راح شهيداً, لكي يضمن أن تكون نهايته الجنة بلا حساب ,قال لها حبيبتي ها نحن في الفردوس تمني , فاكهة أعطانيها الرب, عصير محلى , خمر ليس فيها غول, أنهار عسل, أنهار لبن مزكى كرائحة عطرك يوم إلتقينا لأول مرة ,قالت له أمهلني لحظة لأستطلع أمنياتي,هل هناك ولدان مخلدون يحملون أباريق من فضة وكأنهم الؤلؤ المكنون.........؟ ,رد الصدى نعم ها نحن, قالت لهم دلوني على الفاكهة المحرمة, كانت لنا سلوى في الدنيا ,نأكلها بغير إشتهاء,وهذا ذو رائحة الجرذ أطعمني إيها رغم أنفي ,ألا تعلموا كم أنا مشتاقة أن يسقينيها ولد أو ولدان ويكفوني شر هذا الذي يتابعني حتى الفردوس, سأختار سبعة , أنا أعرف أن خيارته إثنان وسبعون ,لكن عليكم أن تتبعوني الى متاهتي رغم أن رضوان وكل حراس الفردوس يعرفون مساحتها,إلا أن متاهتي تسكنها آلهة المغاليق, ترّجع الصدى لن ينال منها أحد, متاهتي هي رعب المكان, إنها متاهة الجسد في الأولى, وقفت على أطراف أصابعها, خلعت أهدابها ,لم يكن العري مذموما في الفردوس, في زاوية مظلمة من متاهتها استدرجت سبعة ولدان ,قالت للأول إخلع نعليك ,إنك بالوادي المقدس طوى, لم يصغي لأنه كان بلا نعل, قالت للثاني أفرد جناحيك, لم يصغي ,لم يكن طائراً ,قالت للثالث أطفيء نارك في ملعقتي, لم يصغي كله من نار, جاء دور السابع, كان يطوف حول رأس الشهيد, ناولها رسالة منه حذفتها في الماء الآسن (لايوجد في الفردوس ماء آسن) لكنها ظنت أنه موجود, قالت له أنت خياري الأخير, دع شهيدك وأغمرني بقبلة, قال لها أنزلي رأسك الى الأسفل, وجدت حوضه وما تحته ممسوح كلعبة مانيكان بلاستيكية, ضحك الشهيد, غادر جنة عدن, شغل التلفاز رأى إن أسباب بناء التماسيح لمتاهتها هو سبب نفسي ,عندما تتعرض لضغط ما تلجأ اليها لأخذ قسط من الراحة, ثم تعود لمزاولة حياتها العادية, لكن مشكلته أن متاهته هي مساحة وطن ,والتماسيح قمامة ,لم يتسع له المكان إستشهد ثانية.
-------------
في هذا النص للبوح مستويات ، فهناك بوح على مستوى الفكرة ، و على مستوى السرد ، و على مستوى الصور و الايحاءات .
فاما الفكرة فمن الظاهر ان المؤلف قد عبأ نصه بافكار و هواجس و رؤى كثيرة ، نقلها النص بلغة واضحة و صريحة و احيانا ايحائية .فبين التيه العريض و على مستويات مختلفة و التي تذهب فيه الارواح و السنين ، فالحيرة و الوهم و اللامعنى ، و الوحوش البشرية و من يعتاش على دماء الناس و حياتهم ، كلها نجدها حاضرة في مراجعة و طلب مراجعة للفكرة و الفكر .
و اما البوح على مستوى السرد فمن الواضح ان سريالية النص تمثل طبقة للبوح و شكلا تعبيريا اخر عن التيه و الضباب  و الوهم و حياة كالحلم في عدم منطقيتها و التباس امورها ، فينتقل السرد بشكل عشوائي لا منطقي بين المقاطع و الاحداث بشبكة ترابطات بعيدة تحقق سريالية واضحة في النص .
و اما على مستوى الصور ففي النص مقاطع و عبارات اعتراضية و جزئية تتسم بايحائية و توظيفات بوحية عالية كما في قوله :
(وأراد مينوس أن يجعل منها سجنًا للوحش الذي يسمى الميناتور, إذ كان يضحَّى بسبعة من شباب أثينا، وسبع عذارى لهذا الوحش كل سنة(ملاحظة نحن نضحي أكثر). )
فبعد مقدمة تعريف المتاهة بين سبب وجودها الاسطوري ، و يبين انها لاجل الحماية من الوحش و باسلوب ارتدادي ينقدح استفهام مبطن بانه ما السبب الحالي لهذه المتاهة ؟ و تغير عنوانها و معناها فصارت و سيلة الوحش البشري  لصيد الضعفاء في عالم الغاب الجديد .
و يقول :
(لكنه لم يعرف أن التماسيح تبني تحت الماء متاهة, تصور أنها تبنيها لأجل أن تسحب فريستها وتأكلها بهدوء, دون تطفل الأخرين وخصوصاً الحيوانات ألقمامة, إلا أن الباحثين أثبتوا أنها لاتستعملها لهذا الغرض(التماسيح لاترى في الظلمة وهي تحت الماء),
هنا شعور و اشعار بامور خفية و ان الامور في عالم المتاهات ليست كما تبدو ، و ان الظاهر ليس كل شيء ، كما ان هنا يظهر سلطة العلم في عصر العولمة و عدم كفاية الافكار الموروثة و الاسطورية .
و يصل الى الثيمة الرئيسية في النص :
(وضع وسادته تحت رأسه, إستغرق في نوم عميق بعد أن تبللت أطرافه وظهره بالعرق ,نصحوه أن يشرب ماء مالح , هو شرب ماء العلقم ,علامات ألأستفهام تنمو في مخيلته ,لم متاهة التماسيح ,هناك متاهات في الحياة )
بيان شخصية البطل الرئيسي في القصة وسط هذا المزاج العام من التيه و الوهم ، نجد وصفه بالتعرق و الضغف و الحاجة للماء المالح انه يمثل الانسان التائه في هذه المتاهات ، كما انه لا يعرف مصلحته و ربما يسعى نحو المرارة بارادته و ربما بدافع و قوى خارجة عن ارادته حتى انه شرب العلقم ثم يستحضر المتاهات المحلية بالسياسة العراقية و العميقة في المعتقدات ثم في الحياة كلها كما هي خاتمة النص .
الا انه مع ذلك هو لا يزال قادرا على التساؤل ، و يستفهم ، و ايضا مدرك للوضع و الواقع ، لكن مجمل الاحداث و السرد يظهر انه عاجز و واهم .
ثم يغرق البطل و يوغل في وهمه و حلمه حتى يصل الى امنياته و تمنياته العميقة و غاية مناه ، فيرى نفسه في الفردوس و ايضا يكون لديه تصورات غير صحيحة ، حتى في هذا الجانب الذي عليه ان يتحفظ فيه على اعتقادته و افكاره    ،وفق تساؤلات كبيرة بين تطلعاته  و تطلعات الاشياء و الامور
بتصور خيالي :
(,قال لها حبيبتي ها نحن في الفردوس تمني , فاكهة أعطانيها الرب, عصير محلى , خمر ليس فيها غول, أنهار عسل, أنهار لبن مزكى كرائحة عطرك يوم إلتقينا لأول مرة ,قالت له أمهلني لحظة لأستطلع أمنياتي )
ثم يفيق او يتشظى اكثر فيعود الى العلم و سلطته ، فتصدمه الحقيقة بان للمتاهة سبب اخر لم يكن بباله ولا تشبه وجوده حيث انه :
(شغل التلفاز رأى إن أسباب بناء التماسيح لمتاهتها هو سبب نفسي ,عندما تتعرض لضغط ما تلجأ اليها لأخذ قسط من الراحة, ثم تعود لمزاولة حياتها العادية, لكن مشكلته أن متاهته هي مساحة وطن ,والتماسيح قمامة ,لم يتسع له المكان إستشهد ثانية. )
هكذا يجد نفسه في متاهة كبيرة تأسر كل شيء متاهة الوطن ، و متاهة النفس و الافكار ، انه نص لا يترك صغيرة و لا كبيرة الا تخبرك و تعلمك و تدلك على التيه و المتاهاة في حياة الانسان المعاصر .


الجمعة، 22 مايو 2015

قصة قصيرة-موكب سعادة المدير-عادل كامل

قصة قصيرة


موكب سعادة المدير


عادل كامل
     أفاق الفهد مذعورا ً، اثر سماعة أصوات عالية، فسأل جاره:
ـ ما الذي حدث...؟
ـ يقولون إن السيد المدير يقوم بجولة تفقدية...، وربما سيمر بجناحنا.
ـ آ .....
   تراجع إلى الخلف، للعودة إلى مغارته، لكن الآخر مكث يناديه:
ـ لا جدوى من الاختباء، والتستر...، والتواري عن الأنظار، ولا جدوى من ترك الأمور تجري وكأنها لا تعنينا، ولا تعنيك أنت تحديدا ً، أيها الجار العزيز...!
هز الفهد رأسه بارتباك:
ـ ولكن بماذا نخبر سعادة المدير...، وهل سيصغي إلينا...، وأنت تسمع الجميع يهتفون، ويهللون، ويزعقون، وينشدون مرحبين بزيارته الميمونة...؟
   وأغلق فمه، فقال الآخر:
ـ أنا أتكلم من أجلك، فلو مكثت متواريا ً، بعيدا ً عن الأنظار، والمراقبة، والرصد....، فسيعتقدون بأنك مازالت تنوي الهرب...، أو ...
ـ أنا لم انو الفرار، والكل عرف ذلك...، فلقد حسمت الأمر: فانا سأرجع إلى المكان الذي خرجت منه، فما الجدوى من البحث عن قبر آخر...؟
ـ إذا ً لا تفضح نفسك، ولا تثر غبارا ً ...، فعندما لا تقف معنا وترحب بمقدمه فسيظنون انك تعمل كما تعمل الديدان في الحفر المظلمة! تنخر وتنخر بصمت حتى ما أن تلامس الريح جدرانها حتى تتهاوى!
ـ يا جاري العجوز...، الكل يعلم إنني أصبحت فائضا ً عن الدنيا، مثلما الدنيا أصبحت فائضة علي ّ. فلا أنا اعرف ماذا تريد، ولا هي تريد أن تقول لي شيئا ً.
ـ أيها الجار العزيز، وأنت في نهاية أيامك، تعصف بك العلل، وجسدك مصاب بالوهن، والضعف، وبصرك كليل، وسمعك وحده مازال حادا ً...، أنا لم اطلب منك أن تستقبله...، بالترحيب، والتصفيق، والزغاريد، والأناشيد...، بل أن تقف معنا لتطرد عن نفسك الشبهات!
ـ ولكني أقف في مركزها؟
ـ لا يراك احد وأنت تقف معنا في هذا المركز، بينما ستكون مرئيا ً في غيابك!
ـ يا جاري...، مهما فعلت: فانا مشبوه!  فان صرت معهم سيقولون انظر ها هو تنازل عن كبرياءه، وإن لم افعل فإنهم بانتظار أن اركّع، كما يفعلون بالكلاب....!
ـ وأنا، يا جاري، مثلك لم احصل من هذه الدنيا على شيء يذكر....، فدعنا نمضي شيخوختنا بهدوء، وسلام، وهذا كل ما في الأمر.

   ارتفعت الأصوات، مرحبة بالمدير، فقال الفهد لنفسه؛ ما شأني...، لكنه قرر أن يتقدم خطوة نحو الأمام، مبتعدا ً عن مغارته، لإثبات وجوده، فقال جاره يخاطبه:
ـ دعنا نتقدم خطوة أخرى ...،لأن سيادته سيمر، وربما سيستمع إلى شكاوانا...
ـ آ ...، هذا ما كنت أخشاه.
    مرت بقرة يتبعها ثور، ومر ديك تجري خلفه دجاجاته، فقال الفهد لنفسه: لا احد امشي خلفه، ولا احد يمشي خلفي!
فاخبره جاره القط الأسود:
ـ تقصد لا احد يسمعك، ولم تعد تجد من تتكلم معه...؟
     لم يصدم، بل اعترف بان المعضلة باتت غير قابلة للحل:
ـ ليس لأنهم يسعون لمعالجتها، بل، على العكس، إنهم يسعون إلى حلها، وبهذا باتت الحلول مستحيلة!
ـ أية معضلة...؟
ـ حتى أنت، لم تعد تفكر بها، وبوجودها.
وأردف متابعا ً:
ـ فالجميع غير معني بما كان  قد شغلنا أيام زمان....، في شبابنا.
ـ آ ...، أيها الفهد الحزين، ما الجدوى من إضاعة الوقت بالبحث عن حلول لمشكلة لا وجود لها، في الأصل....، ألم ْ تخبرني ذات مرة بان المشكلة القابلة للحل شبيهة بالتي لا يمكن حلها، فكلاهما لا يقدمان ولا يؤخران في ديمومة هذا الذي يذهب ابعد من الجميع...؟
ـ كان ذلك منذ زمن بعيد....، أما الآن، فها أنت تخرجني من جحري كي أرى هذه الحشود الكبيرة، ترقص، وتهتف، وتنشد، وتزعق، وتلهو، وتصرخ باستقبال سعادته ....؟
فقال القط الأسود:
ـ الم تكن أيام السرداب شديدة البرودة، وحالكة الظلمات...، وأنت قلت لي: دع الشمس تتمتع برؤية آثامها!
     مر قطيع الذئاب يقوده حمار ابيض، وآخر للثيران يقوده جرذ، اقتربا من الفهد:
ـ حسنا ً... فعلت! لا تكترث، اخبر مديرنا بما يشغلك!
فقال للجرذ من غير تفكير:
ـ لم يعد لدي ّ ما يشغلني!  لقد كنا نعيش في البرية، والصحارى، فالقوا القبض علينا، وقالوا لنا: لا ظلم بعد اليوم!
ضحك الجرذ وخاطب الثيران والذئاب:
ـ هذا هو صديقي في السرداب، كم كان صلبا ً، وعنيدا ً!
وقال للفهد:
ـ وهذا القطيع الذي تراه أمامك، هو فصيل  من حرسي الخاص!
قال القط الأسود للجرذ:
ـ سيدي...، قال الفهد لك بوضوح إن الرفاهية تعني توفر إرادة التغيير...، وقال لك مادامت إرادة التغيير لا تتقاطع مع عدمها، فان الانشغال بالتغيير سيغدو لهوا ً أو عبثا ً أو وزرا ً على كاهل أصحابه...؟
ـ جميل.
   وقال الجرذ للذئاب والثيران:
ـ لا تكمن قوته هذا القط الأسود في مخالبه، ولا في لونه المخيف، المشع فزعا ً، ولا في سرعة جريه التي فاقت سرعة الغزلان والنمور ...، بل في رأسه!
ـ آ ...، كم أنا ممتن لك...، سيدي.
   ضحك الفهد:
ـ عندما كنا نظن إن لنا رؤوسا ً...؟
   فخاطبه الجرذ:
ـ مازالت الحرية تشغلك، أيها المسكين؟
ـ لا، لا، لا....،ولا القيود!
رد القط الأسود:
ـ انه على صواب...، فمادامت مصائرنا معدة لنا، كمصائر الديدان والحشرات والقوارض والخنافس والعناكب....،  فان تمرد الأسود والضباع والتماسيح يغدو بلا معنى ...، لكن مادامت اللعبة لا تلعب إلا بوصفها لعبة...، فان من لم يشترك فيها لا يفقد دوره أبدا ً!
هز الجرذ رأسه وقال للذئاب والثيران:
ـ لنتقدم....
وخاطب الفهد:
ـ تستطيع العودة إلى الصحراء التي انزعوها منك!
ضحك الفهد:
ـ وهل تركوا شبرا ً منها لنا، وهل تركوا لنا ثقبا ً للاختباء، والدفن!
غادروا.
فسأل القط الأسود الفهد:
ـ هل فهمت شيئا ً...؟
ـ نعم!
ـ ماذا فهمت...؟
ـ إن الهواء غير الصالح للتنفس، كالماء، والغذاء...، لم يعد معضلة، لأننا جميعا ً، بعد اجتثاثنا من بريتنا، ومن غاباتنا، ومن ودياننا، سنمضي ما تبقى من أعمارنا هنا داخل هذه الأقفاص!
ـ هل نرجع إلى مغاراتنا ونردم فتحاتها...؟
ـ سيان...، لكن هل هكذا يتم الاستقبال...، ألا تتذكر الأزمنة السابقة ...؟
ـ اخبرني، سيدي، ماذا باستطاعة النعاج، والضفادع، وبنات أوى، والأسماك، والخنافس، والبرغوث، والبعوض...، غير أن يتشبثوا بمواقعهم وألا يطردوا، ويهجروا، ويشردوا....، في المنافي، والقفار...؟
ـ حقا ً لا توجد مشكلة، عندما أصبحنا جميعا ً أسرى!
ضحك وقال متندرا ً:
ـ كأنك اكتشفت الزمن؟!
ـ بل أكثر.
ـ لم افهم...؟
ـ نحن أسرى هذا الوهم الذي صار اصلب من اشد المعادن صلابة. أسرى سراب، ونوادر حريات، ومخاوف عقاب، وغياب عقول...، فمادمنا لم نستطع أن نمشي فوق الوحل، فها أنت ترى استحالة وجود قوة تمنع أن يغطينا هذا الوحل!
ـ عدنا إلى أزمنة الظلمات، والكهوف...
همس الفهد:
ـ أخشى أن نفقدها...، ونصبح كالبرغوث والبعوض والخفافيش والصراصير لا عمل لنا غير الهتاف، والاستغاثة، وطلب الغفران...!
قال القط الأسود:
ـ أحيانا ً أسأل نفسي: لولا هذا المدير...، هذا الزعيم....، لكانوا أعادونا إلى السراديب، أو أرسلونا إلى المحرقة؟
ـ لا ....، لم ـ ولن يفعلوا ذلك ...، لأن اللعبة تتطلب وجودنا!
ـ بهذا العدد ....يولدون بالقوة ويرحلون بأقوى منها، فلا ناقة لهم بولادتهم، ولا بعير يتركون من بعد موتهم...؟!
ـ كهذا العدد الكبير من المبتهجين، والمصفقين، والمغفلين ..
ـ آ ...، فهمت، فان لم تكن مغفلا ً بإرادتك، بوعيك، بعقلك، فلن تكون مغفلا ً إلا بالسليقة!
   مر بعير يمشي خلفه فيل، وخلفهما بنات أوى، ومن ثم مر سرب من القطا، والحمامات، والنسور، والسلاحف،..
فضحك القط الأسود:
ـ كل من نجا من الطوفان، جاء يقدم الشكر، والطاعة، والولاء...، والنذور.
   ارتفعت الأصوات مرحبة تدوي باقتراب موكب سعادة السيد المدير، فسمع الفهد صقرا ً يخاطب بومه:
ـ جيد...، فقد يفكر بزيارة مغارتنا؟
قال القط للفهد:
ـ الكل رآك....، والكل قال: ها هو معنا!
ـ وماذا لو كنت مكثت في مغارتي....، ما الذي يحدث؟
ـ سيقولون: غاب الفهد!
ـ وما الفارق...، إن شاركتهم أو لم أشاركهم، إن خرجت أو لم اخرج...، إن كنت معهم أو كنت ضدهم....، فالنتيجة واحدة!
ـ أغلق فمك...، أرجوك، إنها ليست واحدة، فقد يراك المدير وقد يستدعيك ويستمع إليك!
   ضحك الفهد:
ـ سيدي، ليس للسيد المدير صلاحيات تذكر...، فلو فكر بالإصلاح، لفعل...، وشرع في التنفيذ....، كي يعاقب!
ـ لا تذهب بعيدا ً في ... الظن..!
ـ ليس ظنا ً، وإلا لماذا لم يفعل..؟
ـ دعنا ننتظر.
   ومر حصان يمشي خلف زرافة:
ـ ها لو ...
رد الفهد:
ـ مرحبا ً.
    وشاهد الأسد يمشي خلف لبؤته، فقالت اللبؤة تحدث الأسد:
ـ ها هو السيد الفهد...، على قيد الحياة، لم تجر تصفيته، كما لم يهرب.
فقال الفهد لهما:
ـ لقد تم إطلاق سراحي، منذ زمن بعيد...، وأنا الآن أعيش بكامل حريتي في هذه المغارة.
هز الأسد رأسه:
ـ أنت تعيش في المغارة....، وأنا أعيش في القفص!
ـ لا تكترث....، فالبرية أصبحت من الماضي، عتيقة، مضى زمنها، عجوز وقد هرمت مفاتنها!
وأردف بنشوة لم يخفها:
ـ ثم ماذا جنينا منها غير الذي تعرفه....، احدنا يفترس الآخر...، واحدنا يهرب من الآخر...، واحدنا يتربص بالأخر ...، فأما أن تفترس الأقل قوة، وأما أن يفترسك الأشد منك مكرا ً!
ضحكت اللبؤة:
ـ أنت على حق...، فالسلام الذي نتمتع به، هنا، لا يختلف كثيرا ً عن فوضى الماضي ورعبه، فكلاهما ينتهيان نهاية واحدة. وهذا هو رأي حكماء الأسود!
قال القط الأسود للبؤة:
ـ حتى أنت...؟
ـ ما شأنك أنت...، فانا لم أروض بعد!
   وارتفعت الأصوات آتية من وراء الأشجار، ومن الممرات، ومن ضفاف الأنهار، والجداول الخلفية، ومن الكهوف، والمستنقعات، ومن وراء المرتفعات، والأسوار، والحيطان العالية...، مدوّية.  فقال الحصان للأسد:
ـ هذه هي الشفافية، سيدي، لا تختلف كثيرا عن عمل الأنظمة التي تشتغل كما تشتغل الساعة!
أجاب الفهد جاره:
ـ الم اقل لك: دعني أفطس في حفرتي...؟
ـ أسكت....، فالذبذبات قد تفضحنا. فأنت تعرف كيف أصبحوا يفككون مشفرات صمتنا، وكل ما ننوي أن نتفوه به، أو نعمله!
ـ يا جاري...، كل ما في الأمر لن انتظر مزيدا ً من الوقت... فدعني أعود إلى المكان الوحيد الذي أجد نفسي فيه محميا ً، وكأنني عدت نطفة!
    فسألت اللبؤة الفهد:
ـ متى يظهر، يبزغ، يطل علينا.....، سيادته؟
    رد الأسد عليها:
ـ ما شأنك، يا لبؤتي الغالية، إن ظهر أو لم يظهر، إن بزغ أو غاب، إن أتي أو ذهب...، المهم إننا نؤدي ما علينا بهذا الاستعداد لاستقبال فخامته...، مع هذه الملايين، الملايين، الملايين ...!
فسأل القط الأسود الأسد:
ـ ما هي أخبار السيرك، سيدي...؟
ـ أي سيرك...؟
ـ سيركنا....، الذي تترأسه؟
ـ آ .....، إنهم يعيدون النظر فيه...، فالقرود لديها مشكلات...، والفيلة تعاني من هوس البدانة، والضفادع لا تريد الاندماج بالبعوض، والنمور تعاني من الخمول، والبرغوث ينوي الاستقلال عن حديقتنا، والنسور عجّزت، والديناصورات مربكة أن تظهر من غير رهبتها القديمة...، فأي سيرك تتحدث عنه...، ثم انه غدا يتقاطع مع أعراف أسلافنا، واجددنا العظام.
ـ صحيح، آسف، سيدي، أخذتني الغفلة.
وأضاف القط يسأل الأسد بصوت خفيض:
ـ آ ...، ما هي مشكلة القرود...؟
ـ يقول زعيمها إن زمن الرفاهية قد يفضي إلى الخراب...، بل وأكد ذلك بدلالة إن الرفاهية ليست غاية، ذلك لأنه لا توجد غايات من غير وسائل، ومادامت الوسائل باطلة فكيف يتسنى عزل الشوائب عن نهاياتها...؛ فهو يرى مادام الأصل قد انبثق عن جرثومة العفن الأولى فان عصر الرفاهية هذا لا يقدر أن يتلافى خاتمته الكامنة في المقدمات!
ـ آ ...، أنا أيضا ً قلت لنفسي: كم أنت بدين! فهناك إفراط في الوزن، وثقل في التفكير، ووهن في الذاكرة، وتراخي في ....
صاحت اللبؤة:
ـ اجل، اجل، اجل... فالوقت كله يمضيه في النوم، ويتخيل انه يستمتع بماضيه.
ـ آ ...
   تابع الأسد بنشوة:
ـ ومتى احلم إذا لم تدعوني ارقد...، واستعيد زمني الغابر الجميل...؟
   عادت موجة من التصفيق تدوي عاليا ً، تبعتها موجة زغاريد، وثمة أناشيد أعقبتها حزمة أناشيد...، فهمس الفهد في أذن الأسد بحذر:
ـ اسمع...، هذا هو رغاء الإبل، يتبعه ثغاء النعاج، ممتزجا ًبنهيق الحمير، وصهيل الخيول، مع نغمات لشحيح البغال، وخوار الثيران، وبغام الظباء ..
فهمس الأسد:
ـ وها هو عواء الذئاب، ونباح الكلاب، وزقاء الديكة، وضغاء السنانير، وهدير الفحول، وصفير النسور، وصوصأة الجراء، وقوقأة الدجاج، ونعيب الغربان والبوم، مخلوطا ً بنزيب ذكور الظباء، وكشكشة الأفاعي وهي تحك جلدها بالأرض، مع فحيحها وهو يخرج من أفواهها كأنها في احتفال أو في عيد!
فقالت اللبؤة للأسد:
ـ  أغلق فمك...، فقد نطرد من القفص!
    ذلك لأنه تذكر سنوات السرداب التي أمضاها مع الفهد، فهمس في أذنه شارد الذهن:
ـ انظر....، ماذا فعلت الأقفاص بنا؟ كنا نظن إن البرية هي حريتنا، وقد سلبت منا، وها نحن نراها جحيما ً، وكنا نستبسل في تحطيم قضبان أقفاصنا وها نحن نعمل من اجل ديمومتها!
ضحك الفهد:
ـ بل قل العكس: ماذا فعلنا بها؟ فبدل أن تبقى المعادن طليقة في الأرض قيدناها، وجعلناها طوع إرادتنا!
ـ غريب...، كأنك لم تعد تؤمن بشيء.....؟
ـ ولم اعد أؤمن باللاشيء...؟
   ابتعد الفهد خطوات عن الطريق العام، نحو مغارته، مع القط الأسود، اثر مرور جحافل من القوات الضاربة، ومن النمل الآلي، مع اسراب من الغربان والحيتان الطائرة:
ـ ماذا يفعلون...؟
 ـ يمهدون الطريق ....، ويتأكدون من سلامته.
    فكر الفهد: للآسف... لم اعد أرى ما يحدث أمامي. معترضا ً: على م َ الأسف....، بدل الشعور بالمسرة.  لكن أصابعه قالت له:
ـ لا تغامر...، ولا تدع فمك يعمل كما تعمل بعض البراكين!
ـ ليس لدي ّ ما اخسره، أجدادي قالوا: الذي لا يمتلك شيئا ً لا يخاف من اللصوص، ولا من القتلة!
ـ مع ذلك...، فالماء هو الماء، والهواء هو الهواء.
مر دب يغني بصوت ناعم:
ـ من الجبل إلى الوادي، ومن الوادي إلى التلال، ومن القفص إلى المحرقة!
فضحك الفهد:
ـ ومن الرماد إلى الحديقة!
ـ آ.....، أيها الرفيق، فرصة سعيدة أن أراك...!
ـ أنا أكثر سعادة! هل مازلت على قيد الحياة...؟
ـ لا! وأنت...؟ فالأمور حسمت، يا سيدي، فالذي سيأتي مضى منذ زمن بعيد!
ـ ماذا تقول...؟
ـ لقد اعتقونا....، وسمحوا لنا أن نحلم، حتى إننا، سنرى السيد المدير نفسه!
ـ في الحلم ...؟
ـ طبعا ً، طبعا ً ....، وإلا ماذا كنا فعلنا...؟
ـ صحيح .... غير انتظار مرور موكب سعادته إلى الأبد...، هل أتى، هل مر....؟
ـ لقد مر....! الم تره...؟
ـ مر ....، متى...؟
ـ كنت اعتقد انك رأيته..
ـ لا...
فسأل الفهد جاره القط الأسود:
ـ هل مر موكب سيادته...؟
ـ منذ دهر!
وسأل اللبؤة، بصوت مذعور:
ـ هل مر حقا ً...؟
ـ أنا لا استطيع التكلم إن لم يأذن لي سيدي الأسد....
أجابها الأسد:
ـ آ ...، ماذا فعلت بك الشفافية؟
  فصرخ الفهد في وجه الأسد:
ـ لا تشتم بذرتك، ومأواك، ومدفنك! ولكن اجبني: هل مر موكب سعادة المدير حقا ً...؟
    لم يجب. وساد الصمت برهة امتدت ...، فهمس الفهد يخاطب أصابعه:
ـ دوّني...!
ردت:
ـ قبل قليل طلبت مني أن أبعثر الأصوات...، والآن تطلب مني أن اجمعها...؟
ـ سيان....، يا أصابعي، فانا اجهل من يعاقب من...؟
أجاب القط الأسود وهو ينسحب إلى مغارته:
ـ آن لك يا جاري أن تمحو ما حدث لنا في هذا النهار...
     لم يقدر الفهد أن يمنع نفسه من الضحك حد التمرغ بالتراب:
ـ وسيأتي الليل، لكن من ذا باستطاعته أن يطرد كوابيس النهار؟!
19/5/2015

تزوير- د.إحسان فتحي

تزوير

الأعزاء الفنانين العراقيين والأصدقاء
تحيات طيبة
 
د.إحسان فتحي
كما ذكرت مرارا، فان عصابات التزوير تعمل بتواصل وكثافة على أمل أن تعثر على مغفل هنا او هناك. ويبدو أن هناك وفرة لاباس بها من الساذجين والمغفلين والا فلم هذا الإنتاج التزويري المستمر؟  وبغياب أي رادع من أجهزة الدولة فان خرق القانون اصبح اسهل من النزهة. وتهدف هذه العصابات وبعض (الفنانين) العراقيين الذين فقدوا ضميرهم، الى استهداف كبار الفنانين من الرواد المتوفين، ذلك لقلة وجود الخبراء الذين يستطيعون حسم الشك في أصالة عمل فني كما هو الحال في بقية الدول، حيث يوجد خبير عن فنان معين مثلا، وهذا يقضي اغلب سنوات عمره في توثيق وتحليل مسيرة هذا الفنان، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنه. يعرف كل تواقيعه ويعلم بجميع أعماله وتواريخها، ويوثقها توثيقا شاملا مملا، ومن ثم يستطيع الحسم والبت بشكل نهائي. كما إن هناك لجان متخصصة ومرخصة من الدولة وأعضائها من خبراء في الفن ومؤرخين وأكاديميين وحتى علماء لفحص العمل الفني والتأكد من أصالته. هذا الأمر مفقود تماما عندنا وعند اغلب الدول العربية.
ولحسن حظنا، فان الأغلبية الساحقة من المزورين العراقيين هم من الدرجة العاشرة تقنيا، فهم يجهلون ابسط (قواعد) التزوير كالتوقيع والتاريخ والأسلوب وغيرها الكثير. لكنهم مع ذلك يستهدفون أولا جواد سليم، وفايق حسن، وعبد القادر رسام، وحافظ ألدروبي، وخالد الجادر، وكاظم حيدر، وإسماعيل فتاح، ونجيب يونس، وغيرهم. أنا شخصيا اكتشف في عمان لوحتين او ثلاثة شهريا اغلبها مزور. ويساعدني في ذلك هو التوثيق المفصل ( حتى درجة الإعياء) الذي قمت به في تسجيل أعمال الرواد وغيرهم أيضا. فمن الصعب جدا ان تنبع فجأة لوحة منسوبة لجواد سليم مثلا دون أن نعرف عنها. ذلك لان امام المزور خيارين لا ثالث لهما: أما أن ينسخ لوحة لجواد سليم تماما ويزور توقيعها، اوان يرسم لوحة جديدة ينسبها الى جواد سليم وموقعة بتوقيع مزور وبتاريخ مفتعل ولكنها مرسومة ب(روحية واسلوب جواد). في كلا الخيارين سيقع المزور في مأزق وسيكتشف عمله المزور فورا، ذلك لانه من الصعوبة بمكان، ولكن ليس من المستحيل في بعض الاحيان النادرة، ان ينجح اي شخص في تقمص روحية الفنان المتوفى. إن جميع الحيل البائسة التي يستعملها المزورون باتت معروفة الآن، كالتعتيق المتعمد، والمسامير الصدئة، والأطر الخشبية القديمة، وغيرها، لم تعد تنفع.
لكن هناك وفرة جيدة من المغفلين في كل أنحاء العالم حيث يتواجد العراقيون الذين يحنون لعمل فني عراقي يزين صالاتهم ويدفعون عشرات الآلاف من الدولارات دون أن يتأكدوا أولا من صحة أصالتها، فهي في أحسن الاحوال لا تساوي قرشا واحدا!
أترككم مع عمل منسوب الى عبد القادر رسام وهو في الحقيقة نسخة من بورتريت  للفنان الاسكتلندي المعروف، ديفيد روبريت!  إلى أي درجة من الغباء وصل هؤلاء؟




مسرح مع عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد-د. وريا عمر أمين




مسرح
مع عملاق المسرح العراقي سامي عبد الحميد

د. وريا عمر أمين

الفنان الكبير الممثل والمخرج و الباحث الاكاديمي المبدع و  صاحب الرؤية الخصبة  البروفيسور سامي عبد الحميد   احد رواد و عمالقة و اعمدة المسرح العراقي.  من مواليد مدينة السماوة عام 1928.
بدأ اهتمامه بالتمثيل وهو في مرحلة مبكرة من حياته عندما كان طالبا في ثانوية الديوانية، حيث شارك في تمثيل مسرحيتي: البخيل، وفي سبيل التاج.
 انتقل   الى بغداد و التحق بكلية الحقوق.
عام 1950 وبعد ان أنهى دراسته في كلية الحقوق التحق بمعهد الفنون الجميلة،
التقى في بغداد الفنان يوسف العاني، الذي كان يترأس حينذاك فرقة (جبر الخواطر) المسرحية، وقدم مع  زميل له مسرحية  "تاجر البندقية" أخراج الفنان الراحل ابراهيم جلال الذي اكتشف المواهب الفنية لسامي عبدالحميد وشجعه على دراسة التمثيل.
 عام 1952 ولدت لدى الثلاثي ابراهيم جلال، ويوسف العاني، وسامي عبد الحميد فكرة تأسيس فرقة المسرح الحديث، أيمانا منهم بأن المسرح وسيلة لنشر الثقافة، واداة للتوعية أكثر منه وسيله للترفيه والتسلية.
سافر الى انكلترا  وحصل على شهادة الدبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن.
ثم حصل على شهادة الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون الولايات المتحدة.
  قدم عبر مسيرته الفنية الطويلة  أعمالا مسرحية متميزة، فضلا عن عشرات الأعمال السينمائية والإذاعية والتلفزيونية.
 من اشهر ما أخرجه من مسرحيات: ثورة الزنج، وملحمة كلكامش، وبيت برناردا، والبا، وانتيغوني، والمفتاح، وفي انتظار غودو، وعطيل في المطبخ، وهاملت عربيا، والزنوج، والقرد الكثيف الشعر.
كتب عشرات البحوث أهمها: الملامح العربية في مسرح شكسبير، والسبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، والعربية الفصحى والعرض المسرحي، وصدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
الف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: فن الإلقاء، وفن التمثيل، وفن الإخراج،
 ترجم عدة كتب تخص الفن المسرحي منها: العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لالكسندر داين. وتصميم الحركة لاوكسنفورد. والمكان الخالي لبروك.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والعالمية التي تخص المسرح.  كما شارك في مهرجانات مسرحية ممثلا ومخرجا أو ضيفا منها: مهرجان قرطاج، ومهرجان المسرح الأردني، ومهرجان ربيع المسرح في المغرب، ومهرجان كونفرسانو في ايطاليا، ومهرجان جامعات الخليج العربي، وأيام الشارقة المسرحية.
رئيس اتحاد المسرحيين العربوعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين.
 وهو الان أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد.
نتاجاته
1 -  افلامه
فيلم (من المسؤول؟ - 1956) إخراج : عبد الجبار ولي .
فيلم (نبوخذ نصر 1962) إخراج : كامل العزاوي. (أول فيلم عراقي ملون) .
فيلم (المنعطف 1975) إخراج : جعفر علي.
فيلم (الأسوار 1979) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (المسألة الكبرى)  1982 إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (الفارس والجبل 1987) إخراج : محمد شكري جميل.
فيلم (كرنتينا) للمخرج : عدي رشيد.
2 - مسرحياته
مسرحية (النخلة والجيران) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) للمخرج المسرحي الراحل : قاسم محمد.
.مسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل : عوني كرومي.
مسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي : غريغوري غورين - إخراج : فاضل خليل.
مسرحية (قمر من دم) إخراج : فاضل خليل
مسرحية (غربة): اخراج كريم خنجر

الثلاثاء، 19 مايو 2015

مجلة الأدب العربي المعاصر : متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية)

مجلة الأدب العربي المعاصر : متاهة ألتماسيح (قصة سُريالية): د غالب المسعودي ا لمتاهة ألأرض التي يتوه فيها السالك ولايكاد يعرف فيها طريقاً , ويراد بها في ألأساطير مبنى التّيه ذو الممرات ال...

لم أفق مني-نجاح زهران




لم أفق مني
نحو سطوة اللهب أستدير لعروج النور من شقوق الفعل
كل بحر مسجور بتمجيد التسبيح على فضة الملائكة
فقد علمتني الأرض أن السماء طوافة على السطر الخامس من الكون
ولم أزل أفتح سريرتي للرد على إغواء مستطرد قد توقف بي
من بصيرة الجنة ...
لكن بلا طائل
*
ما تبقى من لمعان الغفران يؤذي صورتي
مفتونة بشفة الإرتواء لعبور رياض التسمية
ربما ذلك السفر بين العطش السريع
يرحل بي نحو حدود النارنج
وأفواه تركت مقاسات التوحد لأصابع التزكية
*
يبعثرني المباح
سهوة تلق بخميرتي من جذب التفسيرات النبيلة
لحنين لم تستيقظ عيوني عليه و ما تبقى من حُمرة التفاحة الآثمة
*
صورة حريق إدعى إهتمامه بأسعار الصلاة
أسئلة تضمر رأسمالة إنساني
ومصيدة آفلة بالثواب
تحسب الربح في مخزوني
لكنك لم تأت سوى من غفلة جوعي
بإحتمالات ظنك من اليقين
لترتفع خيّل نيتك بحصاري
وأنا بهوامش الطمع من حاجتك
لخيباتٍ طالت إستيفاء أنفاسي في سبيل رغباتك
*
لم أفق مني
أنا لعبة الأسواق
أتيت من مكر التعرية لروحك المتصحرة
من نفحة شجر تأوي مطري
من ثمرة نكزت مصوة الرطب على فيض الإنتاج
تمد شطاطها لسحابة دنت من الأرض
ليس لي فيها بوصلة حب
وقد بلغ الإحتواء سماعة الذِّكر
لم أعهد بهم رئة تُثبت الله بين دروبهم
لا إيثار يغتسل بمدام السماء
تسحب شروع عنترة ببأس الندِّ
عن صدود الجنةِ
نجاح زهران

الاسطورة والحياة-اعمال عادل كامل





موسيقى كلاسيكية في الأراضي الفلسطينية: - عبدالكريم سمارة ـ رام الله مراجعة:عبده جميل المخلافي





موسيقى كلاسيكية في الأراضي الفلسطينية:
موسيقى موتسارت تصدح في سماء رام الله


عبدالكريم سمارة ـ رام الله
مراجعة:عبده جميل المخلافي


على مدى ساعات حلَّق جمهور الضفة الغربية في سماء الموسيقى الكلاسيكية التي عزفتها أنامل طلبة معهد برنباوم سعيد مع وتحت إشراف فرقة بوليفونيا برلين وبدعم من الخارجية الألمانية. عبدالكريم سمارة حضر الحفل الموسيقي وأعد هذا التقرير.


"الرسالة التي يحملها المشروع هو خلق التواصل الثقافي والفني بين ألمانيا والفلسطينيين" استمتع مئات الفلسطينيين وعلى مدار ساعتين ونصف بالاستماع إلى مقطوعات موسيقية كلاسيكية من عزف فرقة بوليفونيا برلين وبمشاركة من طلبة معهد برنباوم سعيد لتعليم الموسيقي. فقد غصت مقاعد قاعة العرض في مسرح وسينما تيك القصبة في الضفة الغربية بالمشاهدين من مختلف الأعمار والقطاعات، ممن أتوا لحضور الحفل، والاستماع إلى نتاج ورشات عمل امتدت ثلاثة أيام، درب فيها موسيقيون ألمان تسعة عشر طالبا وطالبة من أعمار ثمانية إلى سبعة عشر عاما، على عزف المقطوعات الكلاسيكية لكبار الموسيقيين الأوروبيين وخاصة موتسارت وهايدن وباخ.

كان الطفل الصغير سري باسم، يجلس في الصف الخامس، من مقاعد قاعة العرض في مسرح القصبة، عندما صعد الموسيقيون الألمان من فرق بوليفونيا برلين، على المنصة، فانتصب قائما وبدأ التصفيق وتبعه سائر الحضور في تحية العازفين. أخذت الموسيقى تتخلل الآذان والأذهان والقلوب، في عزف مقطوعة خماسية كلارينت.. وعلى مدار نصف ساعة ران الصمت على الحاضرين، باستثناء التصفيق في الوقفات بين مقطوعة وأخرى. حتى الأطفال الذين رافقوا أهاليهم إلى هذا الحفل، تفاعلوا بصورة لافتة. وتوالت فقرات الحفل، بعزف مشترك هذه المرة بين موسيقيين ألمان وطلبة معهد برنبناوم سعيد ، فقدمت عدة فقرات حيث عزف المحترفون الألمان مع الطلبة الفلسطينيين، في تناغم، لفت الأنظار.

دعم ورعاية ألمانيين 

"لقد فوجئت بمواهب هؤلاء الأطفال الذين تعلموا بسرعة وسلاسة وقدموا ، كما رأيتم، عزفا لمقطوعات ألفها موسيقيون عالميون كموتسارت وباخ وهايدن"

هذه الفعالية كانت حصيلة ورشات عمل، برعاية مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية الألمانية بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية بهدف خلق التواصل الثقافي بين ألمانيا وأوروبا من جهة والفلسطينيين والعرب من جهة أخرى. في هذا السياق يقول غيرو شيلس، مسؤول برامج التعاون في دويشه فيله ومنسق المشروع الذي ينفذ في الضفة الغربية، لـ دويتشه فيله: " الرسالة التي يحملها المشروع هو خلق التواصل الثقافي والفني بين ألمانيا والفلسطينيين، فالموسيقى خاصة والثقافة عامة، تربطان بين الشعوب وتوحد الأذواق. " ويضيف أن الفلسطينيين يستحقون هذا الدعم الفني والثقافي والإنساني. وفي اعتقاده أن هذه الرسالة قد وصلت حيث لوحظ التفاعل الجيد مع الإبداعات الموسيقية والفنية. وأشاد شيلس بالمجهود الذي قدمه المعهد الفلسطيني، برنباوم سعيد، ووفر المناخ لتعليم الأطفال والشباب، الموسيقي الكلاسيكية.

من ناحيته يقول نبيل الأشقر، مدير معهد برنباوم سعيد، لدويتشه فيله:"نوفر للطلبة التعلم على كافة الآلات الموسيقية، ولدينا مدرسين عربا وأجانب يقدمون جهدا كبيرا، وقد ظهرت نتائج ذلك عبر ورشات العمل والتدريبات التي تلقوها في اليومين السابقين للعرض، حيث استوعبوا تنفيذ عزف المقطوعات المطلوبة وأتقنوها كما ترون." ويتابع أن الموسيقى بصرف النظر عن نوعها وطبيعتها فهي لا تنحصر في منطقة معينة، بل إنها قابلة للانتقال من منطقة إلى أخرى، وهذا ما نجح هنا أيضا.

الموسيقى لغة التواصل بين القلوب والعقول

"الجمهور الفلسطيني بدأ يعتاد تذوق الموسيقى الكلاسيكية" 

العازفة الألمانية الشابة، فراوكه جيسون، دربت عددا من الأطفال على آلة الفلوت، تحدثت لـ دوييتشه فيله عن تجربتها، فقالت: " لفتني أن الفلسطينيين شعب ودود، وأنا أقابل هذا الود بان أقدم لهم كل ما لدي من موهبة موسيقية. أؤمن أن الموسيقي هي لغة تواصل فيها مع الناس الذين لا اعرفهم، ولا اعرف لغتهم، فهي تنتقل من القلب إلى القلب، دون حواجز.". لقد فوجئت بمواهب هؤلاء الأطفال الذين تعلموا بسرعة وسلاسة وقدموا ، كما رأيتم، عزفا لمقطوعات ألفها موسيقيون عالميون كمتسارت وباخ وهايدن.

الطالبة الهام أبو ريا التي تعزف على التشيلو، ترى أن الموسيقي الكلاسيكية الغربية قادرة على الانتشار في الشرق، وتابعت:" لقد تمكنا من العزف على الآلات الغربية وإتقان عزف المقطوعات المختلفة، وفي رأيي فان الذوق وان خلق مع الإنسان فهو قابل لهضم أنواع الموسيقى المختلفة." وحول المشاكل التي واجهتهم كطلبة في ورشات العمل، تقول :" لم نواجه مشاكل، بل اعتبرنا الأمر تحديا لنا كطلبة موسيقى، وقد خضنا هذا التحدي بنجاح كبير وهو ما رفع ثقتنا بأنفسنا وبمستقبلنا، حيث أتيحت لنا الفرصة في العزف مع موسيقيين عالميين من الدرجة الأولى.. "

تنامي الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية الغربية


يقول نبيل الأشقر، مدير معهد برنباوم سعيد: نوفر للطلبة التعلم على كافة الآلات الموسيقية، ولدينا مدرسين عربا وأجانب يقدمون جهدا كبيرا. خلال السنوات الأخيرة، قدمت فرق وعازفون عالميون، عروضا موسيقية كلاسيكية، في الأراضي الفلسطينية، وشهدت العروض وخاصة في قصر الثقافة ومدرسة الفرندز في رام الله، حضورا يرتفع باستمرار، ما يدلل على أن الجمهور الفلسطيني بدأ يعتاد تذوق هذا النوع من الموسيقى. يقول سمير الحسن ابن الخامسة والخمسين: " لقد شاهدت عدة عروض لفرق عالمية عزفت هنا، لكن الفرق أن ترى طلبة بل وأطفالا فلسطينيين، يشاركون عازفين عالميين في تقديم مقطوعات لعمالقة الموسيقي الكلاسيكية. وفي رأيي، فان تنامي الانجذاب إلى هذا النوع من الموسيقى، يحتاج إلى وقت أطول وزيادة عدد العروض". وأشاد الحسن بالدعم الألماني في هذا الجانب.




ثقافة التمرد- أجرت الحوار: أميرة محمد مراجعة: عماد مبارك غانم



ثقافة التمرد

أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب:
"فقدان المواطن لكرامته دافع للانتحار على خطى البوعزيزي"

أجرت الحوار: أميرة محمد
مراجعة: عماد مبارك غانم

عشر محاولات انتحار على خطى البوعزيزي، ومازال الحكام يقبضون أنفاسهم خوفاً من المزيد. هي موجة يُخشى أن تتحول إلى ظاهرة جماعية في ظل حالة من الهياج تنتاب الشارع العربي جراء ضغوط عديدة، فما هو رأي الطب النفسي؟ أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب، يتحدث في حوار مع أميرة محمد حول هذه القضية.



البوعزيزي.. يائس حوله طغيان الحكام إلى قدوة تحول الانتحار حرقاً إلى حديث الساعة في الشارع العربي مع إقدام المزيد من العاطلين واليائسين كل يوم في البلدان العربية على محاولة جديدة للتخلص من حياتهم، احتجاجاً على غياب العدالة الاجتماعية ونقص فرص العمل والعيش الكريم. ومنذ نجاح ثورة الياسمين، تصدر محمد البوعزيزي، مفجر انتفاضة التحرير التونسية، اهتمام الشباب العربي، فهل اتخذوا منه قدوة؟ وباتت طريقته في الاحتجاج وسيلة للتعبير عن رفض غياب العدالة الاجتماعية. توجهت دويتشه فيله بهذه الأسئلة وغيرها للدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب، للإجابة عنها.

موجة الانتحار التي تجتاح الشارع العربي هذه الأيام تعبر بطبيعة الحال عن يأس المواطنين وشعورهم بالكبت والعجز، وما إلى ذلك.. ولكن علمياً، هل لهذا الأمر علاقة بـ"أحلام الاستشهاد" للشهرة التي تعد نوعاً من أحلام اليقظة؟

أحمد عكاشة: لا أعتقد أن لها علاقة بأحلام الاستشهاد ولكن هذه الظاهرة، بل وظاهرة الانتحار بشكل عام، تعتبر صرخة للمساعدة، للاحتجاج على مواقف معينة، وصرخة لإزالة العجز واليأس والإحباط الذي يعاني منه الناس. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن في العالم ينتحر سنوياً ما لا يقل عن مليون نسمة. وهناك محاولات الانتحار التي لا تنتهي بالوفاة، وهذه تمثل عشرة أضعاف حالات الانتحار.

ولماذا انتشرت تلك الظاهرة فجأة بعد محمد البوعزيزي؟


الدكتور أحمد عكاشة: طالما ظلت كرامة الإنسان ممتهنة ستزيد حالات الانتحار عكاشة: ما حدث أنه عندما انتحر البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على البطالة والظلم وأثارت العملية زوبعة في العالم العربي كله، تفاعل معه الكثيرون في المنطقة، ممن يشعرون أيضاً بالإحباط واليأس والعجز ولا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، فكان البوعزيزي بالنسبة لهم نوعا من المثل الأعلى والقدوة. ولعلك تلاحظين أن حالات الانتحار، التي حدثت في مصر وغيرها، تحدث عادة أمام مواقع صانع القرار السياسي، أمام مجلس الوزراء، أو مجلس الشعب، وكأنهم يقولون: "ساعدونا نحن غير سعداء وغير راضيين.. إذا لن تستطيعوا مساعدتنا، سنتجه إلى الله". هو نوع من الهروب من المعاناة والعجز والاكتئاب.

من وجهة نظر علم النفس، لماذا يلجأ المنتحرون من بعد البوعزيزي إلى وسيلة الحرق نفسها؟

عكاشة: كل بلد لها طريقة معينة في الانتحار، البلاد المسموح فيها باستخدام المسدسات والبنادق والرشاشات مثل الولايات المتحدة، تجدين المنتحرين فيها يستخدمون الأسلحة النارية. أما في المجتمعات التي لا يتم فيها تداول تلك الأسلحة، فيلجأ المقدمون على الانتحار إلى أساليب أخرى. مثلاً في مناطق الفلاحين في مصر، النساء يلقين على أنفسهن البنزين ويشعلن النار، لا تجدينهن يتعاطين الحبوب وليست لديهن وسائل أخرى. الرجال أو النساء في المدن يلقون بأنفسهم من الجسور في النيل أو يحرقون أنفسهم أيضاً.

إذاً طريقة الانتحار تختلف بين شعوب وتتباين من ثقافة إلى أخرى؟

عكاشة: نعم، الانتحار يعتمد على الثقافة والميول الدينية ويختلف من بلد إلى بلد. وسيلة الحرق وإلقاء النفس في النيل هي مثلاً طبيعة الانتحار في الثقافة المصرية بل والعربية بشكل عام.

عودة لأولئك الذين أقدموا على محاولات انتحار من بعد البوعزيزي، هل تعتقد أن عقلهم الباطن صور لهم أن استخدم الوسيلة نفسها سيؤدي بالضرورة إلى النتيجة نفسها وهي تحرير الوطن؟ أم أنهم انتحروا يأساً دون النظر إلى أي أبعاد أخرى؟


محاولات الانتحار مرشحة للزيادة في الشارع العربي عكاشة: في لحظة الانتحار، التي مر بها هؤلاء ومن قبلهم البوعزيزي، كانوا يمرون بحالة يأس لأسباب اقتصادية ونفسية واجتماعية. البوعزيزي انتحر لأن كل شيء كان مغلقاً أمامه في الحياة. حاول أن يبيع الخضر، فمنعوه. شكاهم، فسخروا منه. لم يتمكن من الأكل أو الشرب أو تأسيس أسرة، فلم يكن أمامه سوى الهروب من هذا الموقف والاحتجاج على الحكومة والسلطة التي أوصلته إلى هذا الحد، كان لحظة الانتحار يهرب من هذا الألم.
دكتور عكاشة.. هل لك أن تصف لنا سيكولوجية المنتحر بشكل عام، وهؤلاء المنتحرين الجدد على وجه التحديد؟

تختلف سيكولوجية المنتحر من شخص إلى آخر. إن 70 في المائة من حالات الانتحار في العالم تكون نتيجة لمرض الاكتئاب والقلق. هذا المرض يعطي صورة تشاؤمية للحياة بأنه لا يوجد حاضر، وبأن الماضي ظالم، والمستقبل أسود. وبالتالي يكون الانتحار هنا للتخلص من المعاناة. وللعلم، فإن آلام الاكتئاب أكبر من آلام السرطان. مريض السرطان، الذي لا يعاني من الاكتئاب يرغب في الحياة، لكن لو أصابه اكتئاب، سيفقد الرغبة في الحياة وقد يقدم على الانتحار. الاكتئاب يصاحب الأمراض المزمنة المؤلمة بحوالي 40 – 50 في المائة من الحالات.

وما هي أسباب الاكتئاب؟

عكاشة: لاكتئاب ممكن أن يأتي لأسباب اقتصادية، مثل البطالة والفقر. ومن الممكن أن يأتي لأسباب اجتماعية، مثل الظلم والقمع والقهر وإهانة كرامة الفرد. ومن الممكن أن يقدم إنسان على إنهاء حياته لأسباب نفسيه، عندما يفقد حبيبته أو عزيزي عليه مثلاً. لكن هناك مرضى الفصام، هؤلاء عندما ينتحرون يقدمون على ذلك لأنهم يسمعون أصواتاً تأمرهم بالانتحار. يشعرون أنهم تحت رقابة أو اضطهاد، تحدث لهم ضلالات مثل الغيرة أو الخيانة الزوجية.

وهل يعكس الانتحار ضعف الفرد أم قوته على اتخاذ تلك الخطوة؟

عكاشة:
محمد البوعزيزي، مفجر ثورة الياسمين البعض يعتبر الانتحار هروباً وجبناً، وآخرون يعتبرونه شجاعة وكرامة، هذه آراء فلسفية مختلفة. لكننا كطب نفسي نعتبر أن أي محاولة للانتحار هي صرخة للمساعدة علينا أن نأخذها على محمل الجد، ولا نقول إنهم يمثلون أو يهرجون، لا يصح ذلك إطلاقاً. وأعتقد أن هذه الأيام وصلت الصرخة لصناع القرار السياسي، على الأقل في الكويت، هناك خطوات، وفي السعودية، هناك خطوات، وأرجو أن تلتفت سائر الحكومات إلى مواطنيها لدراسة مدى جودة حياتهم حتى لا يصل إلى درجة اليأس والعجز.

كانت هناك محاولات انتحار مماثلة أيضا في أوروبا الشرقية في فترة من الفترات.. كيف تقارن بين الحالتين؟

عكاشة: الأمر واحد، عندما يكون هناك كبت وإحباط شديدين وانعدام لحريات التعبير، وكبت للديمقراطية، وعندما تكون هناك حالة من الطوارئ تحكم البلاد، وعندما يكون هناك اعتقال للسجناء وتعذيب للمعتقلين، عندما تهان كرامة الإنسان ويفقد آدميته، وعندما يهان الإنسان في كبريائه بالفقر والبطالة والقمع والقهر، لاشك أن كل هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة حالات الانتحار.


أ. دوكر: دور الثقافة الشعبية ومتاعبها -بقلم أ. دوكر





أ. دوكر: دور الثقافة الشعبية ومتاعبها


 






بقلم أ. دوكر
"ما الساحرُ غير مُنظَرٍ ممارس" (أوبي ـ وان كينوبي)
في الدراسة المعاصرة للثقافة الشعبية يتم التسليم بضياع "ثقافة الشعب المشتركة" واستبدالها بثقافة جماهيرية متشظية، أي أن المقاومة  تكون هنا بين الفرد والمجتمع، ولعل ما يشغلنا اليوم هو وصف ثقافة المستهلك. فما الإنجازات السياسية التي حققتها الثقافة الشعبية إذا علمنا بخاطبها الديمقراطي؟ ما الذي حققته الحقول المعرفية الأكاديمية القليلة المهتمة حقاً بدراسة الشعبي، والتي تؤكد بأن عامة الشعب هم جزء من الصراع السياسي وبأن الحياة اليومية هي مُبدعة بطرق ما كانت لتتحقق في السابق إلا في ميدان الفنون الجميلة وأوساط المجتمع الراقية؟
كان أحد أهداف الدراسات الثقافية هو إبراز ثقافة عامة الناس التي لقيت إهمالاً كبيراً بدلاً من التركيز على الثقافة النخبوية للفنانين. ولأن الشعب في المجتمع الصناعي المتأخر هو من المستهلكين، أدى ذلك في النهاية إلى إهمال تام لإمكانيات الإنتاج الشعبي للثقافة. ولعل واحداً من أبرز الأمثلة على ذلك نجده في مقال جون فسك "فهم الثقافة الشعبية" (1990)؛ إذ يتناول فيه الاستعمال الشعبي للنصوص التي تقدمها صناعة الثقافة بمجملها. وهنا تكون حرية المضطهَدين ـ (لأن الثقافة الشعبية هي ثقافة المضطهَدين) ـ هي حرية قراءة وتأويل وإنتاج المعاني الشعبية من داخل المادة التي تقدمها القوى المهيمنة (ويفيد فسك هنا من مقال ميشيل دي سيرتو"ممارسة الحياة اليومية"، بل يركز عليه جداً).
المشكلات التي تعاني منها هذه المقاربة تؤثر في الفورية السياسية لهذه النظرية كما تؤثر في منظورها؛ فالتركيز المطلق على استعمال النصوص الشعبية ينكر على الشعب أية إمكانية لتناول أي موضوع آخر عدا الموضوعات التي تخص المستهلك، والناس ببساطة ليس بمقدورهم الإتيان بشيء عدا القراءة واستخلاص المعاني لكن بغض النظر عن مدى التخريب أو المعارضة التي تكنه هذه القراءات والمعاني فإنها لا يمكن أن تضاهي الإنتاج الشعبي للثقافة، والذي أراهُ ممكناً. الثقافة الشعبية، باختصار، ثقافة المستهلكين هي بالدرجة الأساس لا المنتجين.
ويكون طابع الاستهلاك المهيمن (والذي يطلق عليه فسك تسمية "الإنتاج الثانوي") فردياً وخاصاً (وهو غالباً ما يصف الناس الذين يشاهدون التلفزيون في منازلهم)، وبذا تكون تأثيرات المقاومة الشعبية مقتصرة في النهاية على فضاء غرفة الجلوس. إن هذا التشظي الاجتماعي الذي يُعدّ سمة المجتمع الرأسمالي المتأخر أدى أيضاً إلى جعل القوى (الرأسمالية) المهيمنة هي التي تحتل ذلك الفضاء، ولا عجب أن رأينا فسك يردد، ولمرات عدة، الاستعارة التي أطلقها دي سيرتو على السوبر ماركت بوصفه فضاء الثقافة الشعبية. وهكذا يتم إنكار التدخلات الشعبية العامة، التي تكون مشابهة لإمكانات الإنتاج الشعبي. وهذا بدوره يسهم في الفصل بين مديات السياسة والترفيه (بوصفه جزءاً من صناعة الثقافة).
وفي السياق المعاصر تكون القوة المهيمنة متمثلة بشركة ترفيه ـ صناعي (ومعلومات عسكرية) إلا أن هذا النهج لا يكون المسؤول عن إضفاء عنصر الجمالية على السياسة لأن ذلك لا يحدث بالدرجة الأساس إلا من خلال الثقافة الشعبية. الموقف الذي أتبناه هنا في تحليل الثقافة الشعبية ينبع من هذا النقد الفاحص، وأنا أركز بالدرجة الأساس على مواضع المنافسة والمقاومة، لا بمعنى القراءات التدميرية للنصوص التي تنتجها صناعة الثقافة ووسائل الإعلام (لأن القراءة المجردة تكون غير فاعلة سياسياً)، بل بمعنى الإنتاج الشعبي للثقافة الشعبية، هذه المواضع التي تخص إنتاج المعارضة هي موجودة حقاً، وهناك الكثير من الجدل في حقل الدراسات الثقافية يرمي إلى التنظير بشأن المشكلات التي تتناولها هذه الممارسات. والمهم أنها لا تلقى تجاهلاً تاماً، بل أرى أن ثمة إجحاف في تقدير مكامن قوتها.
كان على سمات، أو بالأحرى متطلبات، مثل هذه الممارسات الخاصة بالثقافة الشعبية، والتي تتبع النقد المذكور آنفا، أن تعتمد الاختلاف، أو أن تلجأ بدلا من ذلك إلى الثقافة المهيمنة مادامت الفرضية التي تقول بأننا نناقش ثقافة المضطهَدين فاعلة. ولعل مثل هذه الممارسة تتضمن، بالضرورة، إنتاج الثقافة لكن على وفق مبادئ تنظيمية واقتصادية، وفي النهاية، سياسية مختلفة تماماً. أي بعبارة أخرى سيحاول أن يبرهن على وجود فضاءات عامة مستقلة نسبياً يتم فيها إنتاج ثقافة شعبية معارضة.

تقاسيم الليل والنهار" لعبد الرحمن منيف: ملحمة روائية...دهاليز المكائد وعالم الحروب-أنغيلا شادر ترجمة: صفية مسعود









تقاسيم الليل والنهار" لعبد الرحمن منيف:
ملحمة روائية...دهاليز المكائد وعالم الحروب

أنغيلا شادر
ترجمة: صفية مسعود


تعتبر خماسية عبد الرحمن منيف "مدن الملح" التي يبلغ عدد صفحاتها الإجمالية نحو 2500 صفحة ركنا مهما من أركان الأدب العربي وتأريخاً للأحداث التي مرت بها السعودية. أنغيلا شادر تعرفنا بالجزء الثالث من الخماسية المعنون بـ"تقاسيم الليل والنهار" والذي صدر حديثاً بالألمانية.



رواية تشكل شاهدا على حقبة تاريخية وكذلك رصدا للتحولات التي مرت بها الدول العربية، ولاسيما النفطية منها كتب عبد الرحمن منيف خماسيته "مدن الملح" في سنوات الثمانينيات. ولا ترتكز الخماسية فحسب على المعلومات التي اكتسبها الكاتب خلال عمله سنوات طويلة في صناعة النفط العربية. لقد كان منيف - المولود عام 1933 ابناً لتاجر سعودي ولأم عراقية - ناشطاً سياسياً أيضاً، وهو ما جعله يتعرف مبكراً على آليات القمع التي تمارسها الأنظمة العربية مثلما تبين روايته "شرق المتوسط".

حقول البترول بدلاً من نخيل البلح

هناك أسباب وجيهة جعلت دولاً عربية عديدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تضع "مدن الملح" على قائمة الأعمال الممنوعة؛ فالخماسية تعكس البانوراما التاريخية الشاملة والساخرة والنقدية لدولة النفط التي تدعى "موران". بسهولة يدرك القارئ أن المقصود بالقائمين على أمور تلك الدولة هم أعضاء العائلة السعودية الحاكمة. ونحن ندين بالفضل إلى دار نشر "ديدريشس" التي اختارت هذا العمل لتقدمه إلى القارئ الألماني وعهدت بترجمته إلى لاريسا بندر وماجدة بركات. هذا المشروع يصل إلى نهايته الآن بصدور الجزء الثالث المعنون بـ "تقاسيم الليل والنهار".


الرواية تعكس أيضا التحولات في المجتمع السعودي يعود الجزء الثالث بالقارئ إلى الأحداث التاريخية التي وقعت قبل أحداث الجزأين الأول والثاني من الخماسية، ولدى المطالعة ينتاب القارئ شعوراً بأن منيف يتناول عصراً لم يعايش أحداثه بنفسه.

الجزء الأول وعنوانه "التيه"، والثاني وعنوانه "الأخدود" يغطيان الفترة من 1933 حتى 1964، وفيهما يجد الكاتب صوراً بلاغية مدهشة يعبر من خلالها عن العنف الهائل الذي فجرّه التقدم الذي غزا البلاد مع اكتشاف النفط لدى أناس تعودوا على العيش في البيئة الصحراوية الضنينة.

دقة في التصوير 

لم يسبق لكاتب قبل عبد الرحمن منيف أن صوّر بهذه الدقة وذلك الغضب المقدس تلك الحالة البائسة التي وجد فيها أنفسهم المقتلعون من جذورهم الذين رأوا الدخان يتصاعد من حقول البترول العجفاء التي أخذت في الانتشار طاردةً أشجار النخيل المثمرة، أو تلك الإهانات التي شعر بها مربو الخيل والجمال الذين رأوا حيواناتهم التي طالما تغنوا بجمالها في أشعارهم تخلي الساحة للسيارات، أو إدمان الترف الذي انعكس في ذلك الأسلوب الفني الشرقي-الغربي الشنيع.


"الخماسية تعكس البانوراما التاريخية الشاملة والساخرة والنقدية لدولة النفط التي تدعى "موران". غير أن قارئ "تقاسيم الليل والنهار" يفتقد بعض الشيء تلك الصور المعبرة، وإن كانت أحداث الرواية تثير اهتمام القارئ بعد البداية الجافة بعض الشيء التي يستهل بها منيف هذا الجزء الذي تدور أحداثه خلال العقد الأول من القرن العشرين. الكاتب يصف هنا التوسعات التي قامت بها موران، تلك الدولة الصحراوية المتخيلة، ناسجاً– على نحو ما يوحي به العنوان - التناقضات العديدة التي ينطوي عليها الصراع بين طموحات الأمراء المحليين وشيوخ قبائل البدو من جهة ومصالح التاج البريطاني من جهة أخرى.

في هذا الجزء يدخر منيف إلى أقصى حد في الأوصاف الحسية، ويسلط الضوء كله على الشخصيات والأفكار والأحاديث التي تتبادلها. الكاتب يعتمد هنا بحذق ومهارة على نوع من الضبابية التي يقدم بها المشاعر والأفكار التي تنشأ داخل الإطار الضيق الذي تتحرك فيه حاشية الأمير التي تنسج المكائد، كما يعرض للأفكار التي تشيع في المجتمع الأوسع الذي لا يعرف قنوات إخبارية عامة. تلك الضبابية تتبدى أيضاً في التبادل العربي البريطاني حيث لا يريد أي طرف أن يكشف أوراقه تماماً أمام الطرف الآخر وحيث تؤدي الفروق الثقافية إلى سوء فهم إضافي.

قاعة المرايا التاريخية


في مركز الأحداث يقف السلطان خربيط وابنه فنر اللذان يرمز بهما منيف إلى مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز بن سعود وفيصل بن عبد العزيز في مركز الأحداث يقف السلطان خربيط وابنه فنر اللذان يرمز بهما منيف إلى مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز بن سعود وفيصل بن عبد العزيز. في البداية قد يعتقد القارئ أن شخصية البريطاني هاميلتون - الذي يقف في صفه السلطان وابنه في المفاوضات التي يجريانها مع انكلترا كوسيط نزيه ذي ولاء – تمثل صورة روائية لشخصية ت. أ. لورانس الذي دخل التاريخ باسم "لورنس العرب"، غير أن المقصود هنا هو هاري سانت جون فيلبي الأقل شهرة من لورنس. كان لورنس، مثله مثل فيلبي، شخصية مستقلة لا تصلح للوظيفة ولا تتقيد بقيودها، كلاهما كان يشعر بالانجذاب تجاه الثقافة العربية والبدوية، وكلاهما يقع فريسة لصراع الضمير ما بين سياسة المصالح الغربية وبين صداقاتهم مع العرب. غير أن كليهما وقفوا في صف الخصوم: كان لورنس يدعم الشريف حسين أمير مكة الذي انتصر عليه عبد العزيز بن سعود في عام 1924 ثم طُرد من بلاد الحرمين الشريفين.

لعل القارئ الألماني كان بحاجة إلى مقدمة أو تعقيب يلقي الضوء على الخلفيات التاريخية، فالقراءة تضعه في منطقة مجهولة إلى حد كبير. نادرة هي اللحظات التي يجعل فيها الكاتب أحداث الرواية تجري في مكانها التاريخي الحقيقي وفي زمانها، مطلع القرن العشرين، مثل المشهد الذي يركب فيه خربيط السيارة لأول مرة.

إن فتوحات السلطان والتحالفات الشائكة التي يعقدها مع أمراء القبائل المحلية متجذرة في التراث البدوي أكثر منها في السياسة أو الحروب الحديثة، أما الدسائس والمكائد في القصور حيث الخدم والوصيفات والمخصيون يخوضون باسم زوجات السلطان الغيورات حروباً غريبة الطابع، وكثيراً ما تكون حروباً وحشية أيضاً، فهي تكاد تعود بالقارئ إلى عالم ألف ليلة وليلة.

انسجام ظاهري

في جحيم الحسد والجشع هذا يلفت نظر القارئ من بين الأبناء العديدين لخربيط ابنه فنر الصموت الذي "يسمع بعينيه وقلبه وأذنيه" – ولهذا يبدو وكأنه مزود بقرون استشعارية تستشرف التحولات الضخمة التي ستعيشها بلاده. العالم بدا له مجموعة من الصخور الخفية التي ترتطم وتحطم بعضها بعضاً. خربيط وهاميلتون ينظران إلى الشاب المتأمل باعتباره ولياً للعهد، ولذلك يرافق هاميلتون في رحلاته الدبلوماسية إلى لندن حيث يتلقى الشاب هناك دروساً في اللغة الانكليزية من "ميس مارغو"، عمة مضيفه العجوز.


يعد عبد الرحمن المنيف أحد أهم الروائيين العرب في القرن العشرين؛ حيث استطاع في رواياته المتعددة أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي بكل تحولاته وتداخلاته، لاسيما في دول الخليج هنا يرسم منيف صورة مثالية بديلة لتلك العلاقة بين خربيط والرجال البريطانيين الذين يوفرون له الحماية، وهي علاقة تمليها لغة المصالح والنفوذ. وإذا كانت العلاقة بين التلميذ والأب الروحي تبدو غير متوازنة - بسبب شخصية فنر القوية من ناحية والتمزق النفسي الذي يعيشه هاميلتون من ناحية أخرى والذي يجعله في النهاية يختار لنفسه موران مقراً والإسلام عقيدة – لذلك لا يمكن النظر إلى تلك العلاقات إلا باعتبارها تنويعاً إيجابياً على أنماط السلطة الكولونيالية.

بشخصية هاميلتون خلق عبد الرحمن منيف بدوياً مفكراً مهموماً يتأرجح بين العالمين دون أن ينتمي لأي منهما، ولهذا تحديداً يستطيع الاحتفاظ بالمسافة النقدية الواجبة؛ أما فنر فهو أمير يعلو على مكائد القصر ودسائس القبيلة. وهناك أيضاً "ميس مارغو" الحكيمة التي تعلم الأمير الشاب أنه إذا أراد التوصل إلى انسجام بين الثقافات فعليه أن يراعي الفوارق بينها وليس فقط نقاط الاتفاق. مَن قرأ الجزء الأول والثاني من "مدن الملح" لن يغرق في الأحلام عندما يقرأ تلك الفقرات، فالصخور "التي ترتطم ببعضها بعضا" ستسحق موران وأهلها – سحقاً تاماً وبلا رحمة.




صدرت الترجمة الألمانية للجزء الثالث من خماسية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف تحت عنوان "تقاسيم الليل والنهار" لدى دار نشر "ديدريشس" في ميونيخ 2009 (448 صفحة). أنجرت الترجمة لاريسا بندر وماجدة بركات.

معهد مانيفيكات الموسيقي في القدس: عالم موسيقي موحد في مدينة مقسَّمة-ترجمة: رائد الباش





معهد مانيفيكات الموسيقي في القدس:
عالم موسيقي موحد في مدينة مقسَّمة

ترجمة: رائد الباش


تعد القدس عاصمة الديانات السماوية الثلاث وهنا في قبو أحد الأديرة في البلدة القديمة في مدينة القدس توجد المدرسة الموسيقية الوحيدة التي يتعلَّم فيها طلبة مسيحيون ويهود ومسلمون العزف والغناء الجماعي. دانيال بيلتز قام بزيارة لهذه المدرسة في مدينة القدس وأعد هذا التقرير.


 عندما يمارس شباب وشابات جوقة مانيفيكات تمارينهم تكون هناك واحدة من اللحظات القليلة التي يسود فيها الوئام في مدينة القدس القديمة. وهنا خلف مقاعد خشبية بُنِّية اللون، يقف ثمانية شباب وشابات يرتدون ملابس عصرية، ومن فوقهم سقف مقبَّب مصبوغ باللون الأبيض. ويعتبر هذا القبو الذي يقع أسفل دير الفرنسيسكان بعيدًا عن الأزقة الضيِّقة وجموع الناس الذين تعجّ بهم المدينة القديمة. وفي هذا القبو لا تُسمع إلاَّ أصوات جوقة الشباب والشابات وهم يتمرَّنون على غناء أغنية اسمها "زهور" .

وتتولى قيادة هذه الجوقة الشابة الفلسطينية المسيحية، هانية صبَّارة التي يبلغ عمرها أربعين عامًا وترتدي بنطالاً أبيض وقميصًا أخضر، وشعرها أشيب. وعندما تتكلم تضحك كثيرًا وتحرِّك يديها. ولكنها عندما تتحدَّث حول رسالة هذه المدرسة الموسيقية، فتصبح جادة ورصينة. وهي موجودة هنا منذ تأسيس المدرسة في عام 1995 وتقول صبَّارة: "يزور معهد مانيفيكات أبناء كلِّ الطوائف والمذاهب؛ طلاَّب من مختلف الطوائف المسيحية ومسلمون ويهود". وتضيف: "هنا يحصلون على الدروس نفسها، وعلى التعليم نفسه، ويلتقون ببعضهم في الجوقة ويكتشوفون أنَّهم جميعهم متشابهون".

جنبًا إلى جنب في مدينة واحدة


مدينة مقسَّمة - تتكوَّن البلدة القديمة في مدينة القدس من أربعة أحياء للمسيحيين واليهود والأرمن والمسلمين وهانية صبَّارة تعرف من خلال تجربتها الخاصة السبب الذي يجعل من مدرسة موسيقية مثل معهد مانيفيكات مهمة إلى هذا الحدّ. فقد نشأت في منزل لا يبعد سوى مائتي متر عن دير الفرنسيسكان. وكانت تشاهد منذ طفولتها من فوق سطح منزل والديها الشيء نفسه: أي أسوار المدينة القديمة وأبراج الكنائس. ومن هنا يتَّضح مدى تأثير الأديان المختلفة في صورة هذه المدينة. وفي مدينة القدس القديمة تكتظ الكنائس والمساجد والكنس اليهودية فوق بقعة لا تزيد مساحتها عن مساحة ثلاثين ملعبًا لكرة القدم. وفي كلِّ مكان بين قبة الصخرة وبين قبتي كنيسة القيامة ترتفع في الهواء كثير من الصلبان والنجوم السداسية والأهلة. وما يزال يعيش بين الكنائس والمساجد والكنس اليهودية ثلاثون ألف شخص - في مناطق مقسَّمة تقسيمًا شديدًا حسب الأديان. وتتكوَّن البلدة القديمة في مدينة القدس من أربعة أحياء، للمسيحيين واليهود والأرمن والمسلمين.

ولكن من ناحية أخرى يلتقي في معهد مانيفيكات أبناء المجموعات العرقية والديانات المختلفة من أجل تلقي درس على آلة الكمان. والطالبان المشاركان اليوم هما ديفيد وحبيب. ولا تبدو عليهما أي اختلافات من منظرهما الخارجي: إذ يبلغ عمر الأوَّل عشرة أعوام والثاني إحدى عشر عامًا، ولكليهما شعر أسود وبشرة سمراء. ويرتدي حبيب ملابس رياضية مخطَّطة باللونين الرمادي والأبيض، أمَّا ديفيد فيرتدي قميصًا أزرق وبنطال جينز. ويحمل كلّ منهما آلة كمان في يديه.

وينحدر حبيب من عائلة فلسطينية مسيحية، أمَّا ديفيد فهو من عائلة أرمنية؛ في حين أنّ معلمتهما تانيا بيلتزر، يهودية. وتقول إنَّها تنتظر زياراتها الأسبوعية إلى مانيفيكات بسعادة: "تعتبر البلدة القديمة دولة قائمة بذاتها داخل هذا البلد. وفي حياتي اليومية لا ألتقي بفلسطينيين وأرمن ويونانيين. وذلك لأنَّ هذه المجتمعات منغلقة جدًا". وتضيف: "لهذا السبب تعتبر هذه المدرسة فريدة من نوعها؛ هنا يمكن الاطلاع على طوائف، لا يمكن الالتقاء بها أو التعرّف عليها عن كثب في مكان آخر قطّ".

الموسيقى تجمع بين الناس


تقول مديرة المدرسة الموسيقية، هانية صبَّارة: "يزور معهد مانيفيكات أبناء كلِّ الطوائف والمذاهب؛ طلاَّب من مختلف الطوائف المسيحية ومسلمون ويهود". وبينما تتحدَّث معلمتهم، يذهب ديفيد في طريق العودة إلى البيت. ولكنه حتى الآن لم ينته من التمرين على آلة الكمان. ويجلس والده هارود على أريكة جلدية سوداء اللون ويراقب ابنه. و يقول: "في القدس لا توجد لدينا أماكن كافية يستطيع الشباب فيها الالتقاء ببعضهم. ولهذا السبب من الجيد أن يتمكَّنوا من الذهاب إلى معهد مانيفيكات". ويعدّ هارود وابنه شخصين من بين نحو ألفي شخص أرمني يعيشون في المدينة. ومعظمهم غالبًا ما يبقون ضمن محيطهم في حي الأرمن في القدس. وهارود أصلانيان يريد لابنه شيئًا مختلفًا - ولذلك أيضًا فهو يرسله إلى معهد مانيفيكات.

ويقول: "الموسيقى تجمع بين الناس، وتجعلهم ينسون السياسة والدين، بحيث أنَّهم يصبحون طائفة واحدة". ويستمر ديفيد في التمرين على آلة الكمان. وديفيد الذي يبلغ عمره إحدى عشر عامًا، لم يقرِّر حتى الآن إن كان سيصبح موسيقارًا محترفًا أو ربَّما طيَّارًا. ولكن على أي حال يأمل والداه أن تساعده المدرسة الموسيقية على أن يصبح شخصًا منفتحًا.


إصدارات لا .. يا شيخ-رواية لـ سعيد حبيب


إصدارات
لا .. يا شيخ

رواية لـ سعيد حبيب
 

  عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة،  صدرت رواية " لا .. يا شيخ" للكاتب الصحفي "سعيد حبيب" في 148 صفحة من القطع المتوسط ، تصميم الغلاف: إسلام الشماع
"لا .. يا شيخ" هي الرواية الأولى لـ"سعيد حبيب" والتي استوحاها من قصة حقيقية، وتتناول حياة شقيقين الأول ملتزم دينيًا والآخر عابث؛ غير ملتزم؛ تحركه رغباته.
الرواية تقدم صورة مغايرة عن عالم الملتزمين دينيًا، حيث يستند سعيد حبيب في روايته على معايشته عن قرب لهذا العالم، فوالده هو الدكتور كمال السعيد حبيب أحد رموز الحركة الإسلامية في مصر، فبطل الرواية "منصور" الشاب الملتزم دينيًا الذي يغمر زوجته بحبه، ويمطرها بكلمات الغزل؛ يتم اعتقاله بموجب قانون الطوارئ لإجباره على العمل مرشدًا لأحد ضباط المباحث.
هذه الصور المغايرة يرسمها "فتحي" الشقيق العابث من خلال أحداث الرواية؛ قائلاً:
(هو دا عيب التليفزيون والمسلسلات والأفلام.. دول ناس عاديين جدًا كل حاجة حلال عندهم إلا اللي قال عليه ربنا حرام.. ملتزمين شوية بيصلوا ويصوموا ويزكوا ويتفسحوا ويحبوا ويتحبوا وبياكلوا كل حاجة إلا الحرام وبيشربوا كل حاجة إلا الحرام وبيتفرجوا على التليفزيون ويروحوا سينما ويسافروا برة. طب دا أنا اخويا منصور دكتور حب زميلته واتجوزها عمري ما شفت اتنين بيحبوا بعض كده بس مش حب بوسة ونغمض ويالا وجنينة الأسماك وكوبري الزمالك وتحت بير السلم أو ابقى تعالي بالليل وأنا أوريك الويل لا، حب بتاع رحمة ومودة وخلفة عيال حب يدوم مش حب لف وارجع تاني. ومشفتشاتنين أسعد منهم لغاية ما الحكومة قفشته. بس المصيبة أننا بنقعد نتفرج على التلفزيون كده ونصدق أي حاجة غلط.)

تستعرض الرواية أيضًا قانون الطوارئ وظاهرة الاعتقال المتكرر، وبحسب المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فإن الاعتقال المتكرر يمثل أحد التطبيقات الشاذة لإساءة السلطات الأمنية استعمال صلاحيتها الاستثنائية بموجب المادة الثالثة من قانون الطوارئ والتي تجيز لها اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام. وتؤكد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الاعتقال المتكرر أخذ طابع الظاهرة العامة المطردة وذلك بالنظر لكثافة أعداد المعتقلين بشكل متكرر من ناحية، وتعمل السلطات الأمنية على إعادة اعتقالهم بموجب قرارات إدارية جديدة بمجرد حصولهم على أحكام نهائية بالإفراج عنهم من ناحية أخرى.

( تتمنى لو كنت تاجر مخدرات أو حتى قاتل أو متهم في قضية قلب نظام الحكم؛ على الأقل كنت ستعرف التهمة الموجهة إليك والعقوبة التي تنتظرك..
تتذكر المرة التي قلت فيها لحمدي بك:
- سيادتك أنا دكتور.. مش مسجون جنائي.. أنا مسجون سياسي وليا حقوقي.
أجاب بشراسة بدائية:
- دا عند أمك، يا روح أمك.. انت هنا مش داخل بتصريح ومحدش يعرف عنك حاجةني ممكن أموتك دلوقتي عادي.. لأنك مش عندي ومحدش حيسألني عنك وعلشان تصدق أنا حاحكيلك القصة في حاجه اسمها الاعتقال المتكرر يعني إيه بقى؟ يعني المادة الثالثة من قانون الطوارئ تجيز اعتقال الأشخاص المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام ودا رأي أو وجهة نظر وأنا ممكن أقول أنك خطر على الأمن والنظام العام بمزاج أمي، المهم حضرتك بعد ما باعتقلك حتتظلم وبعد ما تتظلم حاطلع قرار جديد من وزارة الداخلية بتاريخ لاحق لتاريخ الإفراج عنك.. وممكن القرارات دي تطلع لمدة عشرين سنة عادي.. بمزاجي.. وعلشان إحنا كويسين وقلبنا رهيف ساعتها حنبلغ أهلك علشان يجولك زيارات وحنقعدك مع بقية المساجين وحتعيش حياتك بقى في السجن كأنه بيتك.. أتمنى تكون فهمت؟..
ترتبك لأن كلامه منطقي فأنت بلا تهمة.. أنت معتقل بموجب قانون الطوارئ ولا أحد يسأل.!)

لم ينس حبيب أن يستعرض في روايته أزمة العنف والعنف المضاد، حيث يقول على لسان "منصور" بطل الرواية:
( ... نشأة فكر التكفير الذي ترفضه تمامًا لا تختلف كثيرا عن المناخ الذي تعيش فيه ولا علاقة لها بأي تأصيل ديني، إنها فكرة نفسيه جاءت نتيجة العنف والتعذيب الشديد، وبدأت بأسئلة منطقية:
هل من الممكن أن يكون ذلك العسكري الذي يواظب على ضربي بالخيرزانة تارة وبالسوط يع تارة أخرى مسلمًا؟
هل الضابط الذي أمره بأن يفعل ذلك مسلم؟
هل الحكومة التي وضعت هذه القوانين حكومة مسلمة؟
هل العنف الذي يتقنون ممارسته مع أهالي المعتقلين من الإسلام؟
ولماذا يندهشون إذا تم الرد عليه بعنف مماثل..
القضية برمتها تتحول إلى ثأر وليس عمل إرهابي. إنه عنف وعنف مضاد ليس أكثر من ذلك، لكن الناس لا تعرف ذلك؛ هي تعتقد أن العنف مجاني وأنه يمارس من قبل جماعة من البدائيين يطلقون لحاهم ويرتدون جلابيب قصيرة ويمارسون العنف لمجرد العنف.
إذا عرفت أن زوجتك تم تهديدها بهتك العرض أمامك وأنت معلق كالشاه المذبوحة ماذا ستفعل؟
دعك من أن أول قرار ستتخذه هو أن تطلقها وإن كانت روحك في يدها لأنك انكسرت أمها مثل كوب من البلور رديء الصنع، لكن ستصبح قضيتك الشخصية هي أن تنتقم.. الانتقام يصبح قضية حياتك مهما كلفك ذلك من فاتورة.. ستصبح.. "بايعها")!!!

سعيد حبيب في روايته الأولى يكشف لنا صورًا ومشاهد من واقع الصراع الأمني في المجتمع المصري، في لغة سهلة بسيطة، لكنها مرسومة بدقة وعناية.