بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 9 أغسطس 2012

غروب وقصص قصيرة جدا-عادل كامل


غروب وقصص قصيرة جدا
[ غروب ] لم تكن قد تعودت صناعة أشياء ذات قيمة.. إنها في الأربعين، ولم يشغلها الزمن، أو انها امرأة عاقر..ولم يكن ليخطر ببالها هذه الإشارات،الاوهي تتأمل أشعة الشمس من وراء زجاج النافذة، كانت الأشياء كلها مرتبة ونظيفة، لكن فكرة ما، راحت تتبلور لديها..كانت الساعة الثامنة صباحا، وهي في اجازة اعتيادية، وقد تناولت فطورها،وجلست في لحظة تامل لاتعرف نتائجها . لقد مات زوجها منذ عام تاركا لها ثروة وذكريات، لم تعد تشغلها.. بل لااحد شاهدها متذمرة وعندما كانوا يطلبون الزواج منها كانت تقول ان المرأة لاتتزوج اكثرمن مرة، وعندما كانوا يذكرونها بمواهبها القديمة كانت تجيد حسن التخلص بابتسامة موجزة وبكلمات إعتذار شفافة. في تلك اللحظة الصباحية، وعند اقتراب فصل البرد، شعرت بألم في صدرها.. لم تحدده، بل حتى انها لم تراجع طبيبها منذ رحيل زوجها، على الرغم من تكرر الثقل في قلبها، وهو احساس لم تعلن عنه لاخشية اتهامها بالوسواس، بل لأنها كانت تتجاوز تلك الحالة، فتشغل نفسها بأدق تفاصيل البيت،الذي كانت تعيش فيه شبه وحيدة..فالعلاقات الاجتماعية عندها شبه معدومة،كما إنها لم تعد تحتمل الدخول في حوارات، إلاانها لم تكن إنطوائية فالابتسامة المختزلة الشفافة لم تغادرها، وقيل إنها تغيرت بعد رحيل زوجها، لكنها لم تفقد آمالها غير المعلنة،وهي آمال لاهي، ولاسواها، يعرف شيئا عنها،إنها ضرب من الإغراء الداخلي بمواصلة الحياة، فهي لاتظهر عواطفها، أو تشكو، أو تتذمر،إنها، ولم تعلن ذلك لأحد، كانت لا تريد أن تشغل نفسها بصناعة أشياء ذات قيمة، لكن وهي تتنفس هواء الصباح، وتتأمل أشعة الشمس فوق الاشياء، كادت تعترف بأن نهاية حياتها قد أقتربت،لكنها لم تنبس بكلمة، وطردت شبح انها قد تكون مريضة، بأي مرض يثير الشبهات أو الأقاويل،وطردت من ذهنها أية أفكار حول الموت والحياة..كما لم تسمح لذاتها بالحديث عن أصوات داخلية، أو نوايا عدوانية من قبل الاخرين، كما لم تشعر بالاثم لاي عمل قامت به ، فقط كانت تحدق في أشعة الشمس حتى تلاشت معها وأختفت. [ مرآة ] قبل نصف قرن كانت المرآة التي يحدق فيها كبيرة ، وكان كلما تقدم فيه العمر، تميل المرآة الى التقلص، وهاهو، في صباح يوم بارد، جلس يحدق في مرآة صغيرة جدا، لم يكن يرى فيها شيئا. [ ظلال ] بينما كانا يتبادلان كلمات الاطراء أو الحب ، أمام نهر المدينة الكبير، كان كل منهما يردد في أعماقه.. لايكفي هذا.. وعندما حدق كل منهما في محيا الآخر، أدركا للحظة استحالة الكلام إلا أنهما كانا لا يحتملان الصمت. قالت: انت منقذي الوحيد.. ولن أبحث عن كائن آخر، قالت ذلك، وهي تعرف خفايا أعماقها، إنها لا تستطيع ان تعيش بعيداً عنه. قال: لا أختلف معك في شيء .. أنت نجمتي الوحيدة. وهو يعلم ، قال في نفسه، أنه من العبث البحث عن أمرأة أخرى . كانا في الخمسين أعزب وأرملة ، لكنها قالت: -انك مازالت تحب تلك الفتاة… -قبل ثلاثين سنة.. ودار بخلده انها الغيرة، فهي مازالت تحب زوجها وتردد أسمه، وهو أيضا مازال يتذكر، فتاته الوحيدة التي اختارت مكانها الخفي في ذاكرته… وبينما كانا يتكلمان في أشياء تنقذ الموقف من نهايته، سألت نفسها: ماذا لو عاد زوجي الى الحياة ، وجلس أمامي هنا ، أمام هذا النهر، حيث كنا نجلس، نراقب الأشجار وأشعة الشمس والعشاق .. ماذا لو عاد زوجي الآن؟ وسأل نفسه، بالصوت المكتوم نفسه: لو أنها معي، تلك الفتاة اليافعة ، تحدق في زرقة السماء، يوم كنا نجلس معا ونفكر في مستقبلنا.. إنها اختفت.. وشاركت حياتي أمرأة ثانية .. ليست بديلة .. لكني لا أستطيع أن أعيش بعيداً عنها. كان كل منهما يحدس ماكان يدور في أعماق الآخر .. الا ان القصة لابد ان تستمر ..وكانا يتأملان أمواج النهر .. همس فجأة : هذه هي قصة معظم البشر .. أجاب : واأسفاه . و عادا يحدقان في امواج النهر، ثمة صيادون في الضفاف البعيدة، وأشجار النخيل تترك ظلالها فوق الماء. كانت أشعة الشمس الذهبية تترك بريقاً رقيقاً شفافاً فوق أعالي الأشجار، وكان يجلس من حولهم مجموعة من العشاق الفتيان. حدقت في عينيه، بتوقد، وكانت تطلب منه مغادرة المكان ، كذلك حدق في عينيها ، دون أن يضعها بديلا لفتاته، ومضى معها بصمت . [وكان يتكلم] كان يتكلم .. لايعرف مع من .. ولا يريد أن يعرف مع من .. كان يتكلم بحرارة ، بتدفق، بدقة ، ولم يفق إلا بعد أن سمع من يقول له: -مع من تتكلم ؟ لم يكن يتكلم مع نفسه أو معها أو مع شخص محدد .. كان يتكلم مثلما فعل لسنوات طويلة ؟ قالت هامسة: -إنك تكلمت الى نساء كثيرات .. والى أصدقاء .. والى .. تكلمت وتكلمت .. كان يبكي ، لكنه رفع صوته: -لم أكن أنا الذي كان يتكلم .. -بل أنت .. يا لك من رجل صادق .. شفاف .. -لأنني أتكلم .. وحدق في عينيها ، في شعرها وقد غزاه الشيب ، في تجاعيد محياها ، في أصابعها النحيلة : قالت : -انها رحلتنا جميعا .. كلمني عن رحلتي … -حسنا .. وكان يتكلم .. لايعرف مع من .. والى من.. ولا كان يريد أن يعرف من كان يصغي إليه في هذه الدقيقة. [رسالة ] بعد أن أنجز كتابه عن مصائر المجتمعات ، ووضعه جانبا راح يطالع في رسالة موجهة إليه، قبل نصف قرن، كانت مكونة من عشرة أسطر، بسيطة، ولكنه لايعرف لماذا احتفظ بها ، طوال هذا الزمن.. ولما كان يعود إليها ، في كل يوم ، خلال العقد الأخير من حياته، ان لديه مئات الرسائل المماثلة ، إلا انه وضعها في صندوق قديم ، أعاد قراءة الرسالة ، مرة ثانية وثالثة . قال انها تكاد تكون بلا معنى ، ثم إنها تعود الى زمن بعيد، بل في الغالب، دار بخلده ، أن صاحبة الرسالة قد تكون في عداد الموتى، أو انها، في جانب آخر، لم تعد تتذكر حتى أسمه، ولاشهرته.. ولاما يعاني من أمراض الشيخوخة ، وقرأ بشغف " أحبك مثل نجمة.. مثل قطرة ندى فوق برعم مبلل بفضاءات هذا العالم ".. وقرأ ، بعد ان أشعل عود الثقاب ليدخن " لاتتركني .. فسأبقى أتعذب حتى آخر لحظة في حياتي ".. -لكن أين هي ؟.. وتساءل : من تكون؟ . اني في الواقع لا أحب الا هذه الرسالة ، هذه الكلمات الغامضة .. حسنا.. حمد الله إن لديّ رسالة تعيد لي الحياة .. فماذا كنت سأفعل ، وأعيش ، بدونها ؟. ولا أحد يعرف ، كم مرة طالعها ، قبل أن يعثروا عليه ميتاً، وهو يحدق في الكلمات . [حادث غير مثير] ما الذي أراد أن يقول لها " لست أنا المسؤول عن الحادث .." أم كان يريد التحدث عن العرس؟ كان يسير معها صامتاً ، متعباً، وشارد الذهن، ولم تكن ، هي تفكر في شيء، لقد قررت الا تجرح مشاعره ، وهي تعترف له باستحالة الارتباط ، فالعمر مضى .. لكنه قال لها : حسنا- إننا نتقدم.. أجل .. قالت بصوت حزين .. ولم تكمل ، شعرت انها لاتستطيع تركه، لا بالنسبة لها، بل له، فهي اجتازت محنتها.. وها هي لا تريد أن تتخلى عنه وهو يعيش محنة خلفتها هي له" الحب " كذلك دار بخلدها أنه لم يتخل عنها في أكثر الايام تعاسة، وضربت الارض برفق، كانت تراه شاحباً، شارد الذهن.. ما الذي حصل؟ سألته، فلم يخبرها بالجريمة التي وقعت لجاره.. قتل سبعة أسخاص دفعه واحدة.. ليس هذا فقط .. تمتم مع نفسه ، بل كانوا يتفسخون على مدى ثلاثة أيام قبل أكتشاف الحادث المروع.. بل أبتسم لها ، حسنا، ورفع صوته.. مالعمل – أحيانا أشعر إننا نسير الى المجهول .. ولم ينتظر ردها.. كان يتكلم معها بوعي غائب : الى مكان غامض بارد قليلاً.. بلا هواء .. بلا أصوات .. وسكت – ربما آفاق .. وجدها تتخلف عنه عدة خطوات..آه .. أين أنت؟ وكاد يعترف لها ان الاشياء تحدث تلقائيا .. دون تدخله، إنما توقف وشاهدها تتقدمه عدة خطوات " الى أين ؟" لقد شعر ان خللا ما، لايكمن في علاقتهما .. " إنما" وكان يريد ان يحمّل نفسه مالا تتحمل، لكن لماذا أهملت الجثث ثلاثة أيام كاملة؟ قالت بصوت هاديء: تبدو مثل المريض؟ وشرد ذهنه.. وعندما آفاق لم يرها تتقدم .. أو تتأخر.. كان يعرف من ذا الذي كان يسير معه، هي .. هي التي أحبها .. أم أي مخلوق آخر، يقوده الى الفضاء البعيد.

اصدار جديد-حفل تأبيني لذاكرة ما-تأليف: إيمان أكرم البياتي


حفل تأبيني لذاكرة ما تأليف: إيمان أكرم البياتي جرت العادة أن يهدي الأدباء ما تخطه أقلامهم إلى أناس تجمعهم بهم معاني الود والحب والصداقة، أما أن تجد كتاباً يهديه مؤلفه إلى من جرحه أو آذاه أو كذب عليه وخدعه، ذلك هو ما أرادته الكاتبة العراقية "إيمان أكرم البياتي" في مجموعتها القصصية الرائعة "حفل تأبيني لذاكرة ما" وهي تقول: "... اليوم وأنا أكتبُ عن الذاكرة والذكريات، وعمن مروا في الحياة خلال دروبها، أجد من الأجدر أن أقدم الكتاب هدية للصنفين معاً، فالذاكرة لا تمتلئ بصور الأحبة والأخيار فحسب، بل هي فيلم روائي تختلفُ فيه ألوان قلوب المؤدين، كاختلاف ألوان وجوههم، وأحجام أدوارهم، وكعمق تأثيرهم على مسيرتنا اليوم، وتطلعنا نحو الغد. وتتابع: أهدي مجموعتي القصصية الثانية (حفل تأبيني لذاكرةٍ ما) إلى كافة من تعج أصواتهم وصورهم الذاكرة ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، أقارب وأصدقاء... وغير أولئك؛ على اختلاف أهمية أدوارهم في حياتي، لأن هذا الكتاب سيكونُ آخر عهد للبعض منهم مع الذاكرة! ومع طباعة هذا الكتاب أكون قد شيدت للبعض قصوراً في القلب، وأقمتُ للآخر حفلاً تأبينياً ومدافنَ لرمادهم تحت البحر حيثُ طريق اللاعودة!...". قدم لهذه المجموعة القصصية الكاتبة والإعلامية العراقية "رشا فاضل" بعنوان سيال (إيمان البياتي) من ظلال البوح... إلى قلب الأفق. تقول فاضل: مثل زهرة وحشية تنبت فوق الخرائب، تشاكس الرماد بيناعة حمرتها، تخرج إيمان البياتي بحكاياتها، لتكون وريثة شهرزاد بامتياز القص/الحكي، الذي أجادته ورسمت به جداول وطن مراق، وأحلام مذبوحة لا تنفك عن ترقب انبعاثها من جديد، هو صوتها الهادئ ينبعث ما بين السطور، يغري بالسكينة، ويضرم الأسئلة في فضاء الصمت. يحمل تلك الذاكرة الجمعية التي تستنزف مكنوناتها على الورق، حكايات، من نار ورماد. عاشقات يتدثرن بخيبة الأحلام، وأخريات يمارسن انتظارهن الصعب لظل مستحيل؛ يأتي ولا يأتي، وأوطان تختبئ تحت ظلال الجدران، وجدران يكفر أبناؤها بتاريخها بعد أن أفلسهم الحاضر. ولا تنفك البياتي عن ممارسة تلك اللعبة السردية في القصّ، وهي تغور في شخصيات أبطالها دون مصادرة لحرياتهم أو تقمصهم. وقد يكون ذلك من ابرز ما تميزت به هذه المجموعة، حيث يغيب فيها صوت الكاتب، ليأخذ البطل حريته في الانتقال على صفحات الورق، وكأنها تبتكر وطناً، حلماً، ملاذاً جديداً يمنح لكلٍ صوته، ويعيد لكل وجه ملامحه. ومن هذا الأفق الافتراضي تنطلق الحكايات، وتغيب الأجناس، فلا نكاد نميّز سوى صوت البطل بلا ظلال الراوي العليم الذي يندس ما بين السطور بكل دكتاتورية، مصادرا أصوات الأبطال الحقيقيين، أولئك الذين يكتبون حكاياتنا في ذاكرتنا المتوردة بالخيبات الحميمة، تلك الخيبات التي أينعت كل هذه القصص، الكامنة في عتمة الحبر حينا، وفي زرقته حينا آخر، في هذه المملكة السردية التي تضم الشعر والقصة والتأريخ في نص واحد، يحمل هوية القصة القصيرة، حيث تتمظهر مقدرة الكاتبة على المزاوجة بين ألوان الكتابة، لتولد قصتها ببصمة خاصة وبرمزية عالية، تعمّق الفكرة وتؤكد على ترابطها، كما يتضح ذلك في نص (مدينة الجدار) حيث تتجلى تلك الصياغة التاريخية التي تروي تاريخا متشابها متداخلاً، برمزية تؤطر المعنى ولا تضيعه ضمن سياق سردي لا يذهب بعيداً عن دائرة الشعر. وإذا تأملنا ثيمة المجموعة بإطارها العام، سنجدها تسير وفق نسق يتنوع في شكله، غير انه يحمل ترابطا ضمنياً في محتواه، مرتكزا على المرحلة الزمنية الراهنة، التي كُتبت فيها هذه المجموعة. وما أفرزته هذه المرحلة من إرهاصات وإشكاليات وأسئلة، وجدت طريقها لتتجسد في نصوص مجموعة (حفل تأبيني لذاكرة ما)، كما لو إنها أنهار متفرعة تصبّ في مجرى واحد. ولعل تلك الانتقالات الرشيقة بين الأحداث، وذلك الوصف الدقيق للتفاصيل، هو ما يميّز الكاتبة إيمان البياتي فيما استخدمته من تقنيات سينمائية، رسمت لنا الحدث القصصي بمهارة وتفرد، يجعل لهذه المجموعة أهميتها واستحقاقها لأكثر من وقفة نقدية، سيما أن الكاتبة لم تنضوي تحت خيمة الهموم النسائية فحسب، بل تجاوزتها إلى آفاق أوسع وأشمل، لتنطق بكل تفاصيل الحياة، مؤكدة على أن النص القصصي قادر على احتواء الحياة بتناقضاتها، وان الكتابة النسوية - إذا جاز التعبير - قد خرجت من تلك القوقعة، التي اتخذت من الرجل ثيمة أساسية في معظم منجزها. وما قصص البياتي إلا تأكيد على هذا الانفتاح، برؤية حداثوية أجادت الكاتبة توظيفها، منذ العنوان وحتى آخر حرف يسدل الستار على تلك الذاكرة، التي تجلت قصصاً بإيقاع الموسيقى، ورائحة الشعر.

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

الشاعر الغنائي ( محمد علي القصاب )-حامد كعيد الجبوري


; الحديث عن الشاعر الشعبي الغنائي ( محمد علي القصاب ) حديث طويل ومتشعب ، ويأخذ أبعادا وحيثيات لا تلم  بعجالة ، سبق وأن تناولت حياته وشعره بإيجاز واضح ، وكتب عن الراحل القصاب الكثير من المهتمين بالأدب الشعبي ( رحيم الحلي ، كاظم السيد علي ، صلاح اللبان الذي حقق ديوانه ) ، وأخيرا همس بأذني أحد الأصدقاء قائلا لم لا تكتب عن ( محمد علي القصاب ) وعلاقته بالسلطة الحاكمة المتعاقبة ، وكان لصديقي ما أراد ، بداية الثلاثينات ( 1934 م ) من القرن الماضي ولد الشاعر الحلي ( محمد علي القصاب ) ، بمعنى أنه أدرك الحكم الملكي والجمهوري في العراق ، وتوفي الراحل عام 2003 م ولم يشهد  الأحداث التي مر بها البلد بعد سقوط صنم الدكتاتورية البغيضة ، وطبيعة الشاعر محمد علي القصاب الابتعاد عن ( تيل الحكومة ) كما يقال في المثل الشعبي ، لأنه وبصريح العبارة رجل مسالم يخاف من أن يذكر أسمه بشئ حتى وأن كان شجارا بين فلان وآخر ، ومعلوم أنه صاحب طرفة لا يجارى بكيفية صياغتها ، وناهيك أنه يحمل صوتا جميلا وأداءً مميزا بالغناء ، ويقال أيضا أنه من علم الفنان سعدي الحلي طريقته الغنائية المتفردة التي كانا يؤديانها سوية في حفلات الختان وحفلات الأعراس والمناسبات الخاصة ، والشاعر القصاب لم ينتمي لحزب بعينه ولكنه كان وطنيا بوعي فطري لمجالسته أكثر من صديق له يحمل هوية سياسية معينة ، ولأنه شاعر مميز ومعروف فلابد وأن تقع عليه أنظار الساسة ليطلبوا منه مدح أحزابهم ، أو تمجيد الشخصيات السياسية المعروفة ، وهذا الحديث لا ينطبق على فترة الحكم الملكي إذ لم أسمع أن أحدهم طلب من الشعراء الكتابة لتلك الأحزاب ، وما يقال عن الحكم الملكي يمكن أن نقوله عن النظام الجمهوري الذي فجّر ثورته الشهيد ( عبد الكريم قاسم ) رحمه الله ، ولا يعني هذا أن شاعرنا القصاب لم يكتب للثورة الفلسطينية من خلال قصائده المنبرية الحسينية ، لأنه كان مؤديا ناجحا لتلك القصائد ، وربما قصائد مدح كتبت للجيش العراقي حينما واجه الصهاينة خلال الحروب المتعاقبة معهم ، ومن الطرف التي ينقلونها عن الشاعر القصاب ما حدث معه عام 1968 واستيلاء البعث على السلطة ، ومعلوم أن البعثيين آنذاك أرادوا تحسين صورتهم أمام الشعب العراقي ، لذا سمحوا للمواكب الحسينية أن تقام بمحافظات العراق الشيعية ولحين منعها عام 1975 م ، وبما أن القصاب هو شاعر ومؤدي- ( رادود ) - القصائد الحسينية لمحلة ( المهدية ) فقد طلب منه المحافظ ( هاشم قدوري ) أن يذكر الحزب بشئ من المدح أثناء ترتيل القصائد الحسينية ، وكما قلنا أن القصاب يخاف كثيرا من الساسة والمسئولين لذا قال للمحافظ ( تامر أستاد ) ، في اليوم الثاني والقصاب معتليا المنبر لم يتطرق للحزب بشئ  ، فقال له المحافظ بعد نهاية قصيدته ( مُله – هكذا كان يسمى - هم ما ذكرت الحزب ) ، أجابه القصاب ( أستاد نسيت ) ، في اليوم الثالث والقصاب على المنبر قال المحافظ رافعا صوته ( مله لتنسه اليوم ) ، مسك القصاب قصيدته بيده وقرب فمه الى ( الميكرفون ) وقال ( أخوان تدرون الحسين شنو وصه زينب ليلة العاشر ، كلها خويه زينب ديري بالج على العيال والنسوان وأكو بالصندوك مالي كراسات لازم توزعيها على الناس بالكوفة وبمسجد الشام ، سألته زينب كالت خويه شنو هاي الكراسات ، كلها هاي كراسة الثورة العربية مال حزب البعث العربي الأشتراكي ) ، ولا أعتقد بصحة هذه المقولة وربما أطلقت للطرفة فقط ، ولازم القصاب الكثير من الأصدقاء وهم يروون – من الرواية – عنه الكثير من هذه الطرف ومنها ، كان ( أحمد حسن البكر ) متعلقا بزيارة الأمام ( الحمزة ع ) ، ولا يكاد يمر شهر إلا و( البكر ) يزور ذلك المرقد الشريف فقال عن ذلك القصاب ( أبشركم اليوم الحمزه صار عضو فرع الأيمة ) ، ومن طريف ما ينقل عن القصاب أنه سيق جبرا الى ما يسمونه الصف الوطني ، الذي أنتظم فيه الكثير من الشيوعيين قسرا أيضا ، حدثهم مسئول الصف الوطني قائلا ( رفاق شنو هيه أمريكه اللي تريد أتطب أفغانستان ويّ روسيا عله مود تتحارب  مو صعبه علينه  باجر بس يأمر الحزب نشيل تواثينه ومساحينه ونهد عليها فد هده ، ومنرجع ألا تسقط أمريكا ) ، أبتسم القصاب بوجه المسئول وقال له ( عمي هذا شلون الحجي أشو أحنه طبينه الكويت قسمونه أثلث أقسام ، رفيقي إذا رحنه لمريكا حرام بعد ميطلع من عدنه المخبر ، بويه خليها سكته ) ، وقوله ثلاثة أقسام مرتكزا على العقوبات الدولية التي قسمت العراق من خلال خطوط العرض الى ثلاث أقسام ، ومعلوم أن الفنان سعدي الحلي له علاقة وطيدة جدا مع الشاعر القصاب ، ويقال أن الفنان الحلي لم ينصف القصاب ، لأن المردودات المالية التي كانت تأتي الى الحلي لا يحصل القصاب على شئ منها ، رغم أن القصاب هو صاحب الكلمات ، وهو الذي يعطي الطور الغنائي الى الحلي ، ومع كل ذلك لم يتبرم القصاب و يشكوا لسعدي هذا التجاهل ، رغم معرفة سعدي الحلي أن القصاب لا يملك حتى أجرة العودة لداره ، وفي أحدى الجلسات الليلية كما يروي الصديق المغترب الفنان ( حمودي شربه ) ، حضر لتلك الجلسة رجل طويل القامة ، مفتول العضلات ، يرتدي الملابس الزيتونية ، حاسر الرأس ، مسدسه بنطاقه ، وكما يقول الفنان ( حمودي ) حينما شاهد القصاب هذا الرجل الداخل على جلستهم لاذ القصاب بسعدي الحلي خوفا من ذلك الرجل الطوّال ، قال سعدي للقصاب ما بك ( محمد علي ) ، أجاب القصاب ( سعدي شوفه ولك  هذا يمكن جاي يا خذنه للأمن ) ، نظر سعدي الى القادم وعرفه تماما وقال مخاطبا إياه ( ولك وين جنت البارحة ليش ما جبت ...... مو أحنه متفقين ) ، عرف القصاب من هو القادم ، وما هو عمله ، فقال القصاب مخاطبا إياه ( ولك شوف مو جاي لابس زيتوني وحاط مسدس عبالك أتخوفنه ، ولك أحنه حكومة خبلناها ) ، والقصاب رحمه الله كان عفيفا جدا ، لم يتسول بشعره كما الآخرون ، وكانت تربطه علاقة مجالس أنس مع الفريق ( عدنان خير الله طلفاح ) وزير دفاع الطاغية صدام حسين ،  التي بقيت أسرار قتله مبهمة ليومنا هذا ، وكان عدنان يبعث بسيارته الخاصة لتجلب له الشاعر القصاب ، لأن القصاب نديم لا يجارى ، ولم يأخذ من عدنان درهما واحدا قط ، ولم يطلب منه معونة يذكرونها ، وللتاريخ نقول أيضا أن الشاعر ( حميد سعيد ) له يد بيضاء على الشاعر القصاب ، فهو الذي درّج أسمه ضمن القوائم التي كان الطاغية يكرم بها مداحيه من الشعراء والفنانين  ، وهو الذي أوجد فرصة عمل وظيفي الى الشاعر القصاب ، وهناك طرفة جميلة نختم بها حديثنا عن القصاب ، كان القصاب كريم عين ، ومعروف أن الذي يعيّن يبعث الى اللجنة الطبية للفحص ، جلس القصاب أمام طبيب العيون لفحص نظره ، وقال له الطبيب أغلق عينك اليمنى بهذه القصاصة ، ضحك القصاب وقال للطبيب أنها مغلقة دكتور ، بدأ الطبيب يسأل القصاب عن وضعية الرموز – الدوائر - وفتحاتها يمينا أم شمالا ، أعلى أم أسفل ، لم يستطع القصاب تمييز تلك الرموز بعينه الصحيحة ، قال الطبيب ( أخي أنت فاشل بالفحص الطبي ) ، ضحك القصاب وخاطب الطبيب قائلا ، ( راسب ميخالف بس بروح أبوك دكتور هم أنت شفت حرامي بكد الذبانه ، بويه دكتور شنو راح أتعين راصد جوي لو حارس نهاري ) ، ضحك الدكتور من هذه المفارقة الجادة ، وأعتبر القصاب ناجحا بالفحص الطبي وأستلم وظيفته 

ريموتات الحكم والتحكم جريدة المستقبل العراقي / بغداد 16/7/2012 -كاظم فنجان الحمامي


ريموتات الحكم والتحكم جريدة المستقبل العراقي / بغداد 16/7/2012 كاظم فنجان الحمامي لقد منحني الريموت كنترول مساحات واسعة لتنظيم القنوات الفضائية, وجعلني قادرا على ممارسة هوايتي الاستبدادية بإصدار أحكام التوقيف والتعطيل والحذف ضد القنوات, التي لا ارغب بمشاهدتها, ولا فرق عندي بين صولجان الحكم وجهاز التحكم, بعد أن أضحى الرسيفر مملكتي, وشاشته الملونة نافذتي التي اطل منها على القارات السبع, ولن يقدر السياسيون على اقتحام خلوتي المنزلية بعد الآن, ولن يتسببوا بإزعاجي بمواقفهم المتأرجحة, وتصريحاتهم المتناقضة, وبات من حقي الاستمتاع بسلطاتي التعسفية في حشد القنوات المفضلة بقائمة منفصلة, واحتجاز القنوات المملة, وتصنيفها خارج الترتيب العام, ولن يفلت جهاز التحكم من يدي حتى عند انقطاع التيار الكهربائي, فالتنازل عنه يعني التفريط بسلطتي التلفازية في البحث والتقييم والانتقاء والمشاهدة, فالترتيب الذي تندرج فيه المحطات المفضلة يعبر عن شخصيتي وهواياتي, ويحدد رغبتي في متابعة برامج القنوات الجغرافية والتاريخية والرياضية. . كنت من المدمنين على متابعة أخبار قنوات بعينها, لكنني اكتشفت إنها كانت عبارة عن أبواق مدسوسة, وواجهات مغشوشة, مهمتها الأولى تضليل الناس, وتشتيت أفكارهم بالأخبار الملفقة والأفلام المفبركة, فكان مصيرها الحذف والإهمال, ورحت ابحث برغبة جامحة عن القنوات الإخبارية المحايدة فلم اعثر عليها حتى الآن, ولم أجد قناة عربية محايدة, فمعظمها مشفرة ومجيرة لحساب الجهات التي مولتها ووجهتها, اما القنوات العراقية التي تبث برامجها من هنا أو من هناك فقد أصيبت كلها بحمى الأزمات السياسية المحلية, فتفاعلت مع الأحداث, وانقسمت في مواقفها الإعلامية, بين من يطالب بسحب الثقة, وبين من يطالب بتعزيز الثقة, فسئمت ضجيجها وصراخها, ولم اعد أصغي للمهاترات والتجاذبات والتنافرات, ثم ظهرت علينا نماذج متناظرة من المحللين والمحللات والناطقين والناطقات, ممن تخصصوا بإطلاق التصريحات المحبطة والتلميحات البليدة المعادة, ومن المفارقات العجيبة إنهم اختاروا الظهور في القنوات كلها بوقت واحد, وباتساق واحد, حتى يخيل إليك إنهم احتكروا الاستقطاب العمودي والأفقي في لواقط النايل سات والعرب سات, فكان لابد من التصدي لهم بجهاز التحكم, فحرمتهم من الظهور, وأخرجتهم من الترددات كلها, ولم اسمح لهم بالتسلل إلى ذاكرة الرسيفر. . توفي في شهر مايس الماضي المخترع الأمريكي (يوجين بولي) عن عمر يناهز 96 عاماً, الرجل الذي اخترع الريموت كنترول عام 1955, لقد منحنا (يوجين) قبل وفاته سلطات واسعة في التحكم عن بعد ببرامج التلفزيون, واختيار القنوات المريحة, والتحكم بأجهزة التبريد والتكييف, والتحكم بأفران المايكرو ويف, والسيطرة على الألعاب الالكترونية المنزلية, وفتح أبواب السيارة وأبواب الكراجات, وتشغيل المحركات وعدسات التصوير, وضبط الإنارة الخارجية والداخلية, والتحكم بالستائر والنوافذ, وتحديد درجات اللهب في المطابخ, وعدد دورات زعانف المراوح الكهربائية, فتعلمنا منه الاسترخاء والكسل. . وربما تتسع استخدامات أجهزة التحكم في يوم من الأيام لتشمل التفاصيل الدقيقة لحياتنا اليومية في ضوء الرؤية الخيالية, التي صورها لنا الممثل الأمريكي (آدم ساندلر) في فيلمه الكوميدي (كليك (Click, فقد حصل (آدم) على ريموت خارق يمنحه قدرة التحكم بنبرة صوت زوجته, وتصغير حجم رئيسه في الشركة, وحذف المواقف المزعجة من حياته, وتعطيل سيارة جاره, والتحكم بنتيجة مباريات كرة السلة, وأشياء أخرى تعبر عن رغباته المكبوتة بأسلوب هزلي ساخر, فاستهوتني الفكرة, وتمنيت أن نحصل على ريموتات حديثة لتسريع إيقاعات العملية السياسية والخروج من الأزمة الخانقة, وإنزال القصاص العادل بالمجرمين واللصوص والحرامية, والتخلص من الوصوليين والفاسدين, وتوفير الأمن والأمان, وضبط توقيتات القطع المبرمج للتيار الكهربائي, وتوحيد أيام الأعياد والعطل الدينية, وحذف النعرات الطائفية والتخلص منها, وتصفية الأجواء الوطنية وتحصينها وتنقيتها, بيد ان الحقيقة المرة توحي بوجود حزمات خفية من الريموتات الخارجية, التي ماانفكت تتحكم بحياتنا وتتلاعب بمصيرنا عن طريق تسللها من زوايا الاستقطاب الطائفي والعرقي لتعبث في مدارات التضليل والكذب والتلفيق. والله يستر من الجايات

الاثنين، 6 أغسطس 2012

اللبان ووهم العروض والأوزان !!!-حامد كعيد الجبوري


اللبان ووهم العروض والأوزان !!!
( اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية ) ، معرفتي بالصديق الشاعر صلاح اللبان تمتد لبداية عقد السبعينات من القرن المنصرم ، له هم يحمله منذ بداية كتابته للقصيدة الكلاسيكية ، فهو مهتم أيما اهتمام بوزن قصيدته التي نادرا ما يخطئ بعروضها ، وهذا الاهتمام متأتي من كونه قد زامل أعلام القصيدة الكلاسيكية الحلية العراقية أمثال المرحوم عبد الصاحب عبيد الحلي ، المرحوم محمد علي المله ، المرحوم عبد الأمير الجبوري ، المرحوم محمد الرشادي ، المرحوم حسان الحلاق ، المرحوم سليم شاكر العزاوي ، المرحوم شاكر نصيف ، عبد الكريم النور ، وغيرهم ومثلهم الكثير ، وهذا الاحتكاك والتلازم صقل موهبته النظمية مضافا لها كتاباته المبكرة للقصيدة العامية الكلاسيكية ، حتى عد شعره نظما لاهتمامه المفرط ببناء القصيدة وزنيا ، ومعلوم أن القصيدة لا تحاكم وزنيا فقط ، بل تحاكم وتنقد موضوعا ، وصورةً شعرية ً ، وسباكة ً ، ووحدة موضوع ، وما الى ذلك من أسباب النقد الأدبي العلمي البناء ، والغريب أن الشاعر اللبان حينما ينظر لنتاج غيره لا يذهب إلا لمسألة الوزن والعروض فقط ، ومحاولة إيجاد الثغرات في قصائد الشعراء ، ويقول اللبان بموضوعة كتبها لصفحة الأدب الشعبي في جريدة الفيحاء أنه يجد نفسه في حلبة ملاكمة ويتصيد الفرصة للإيقاع بخصمه وكأنه في معركة وليس بموضوعة نقدية تقويمية لنتاج الشعراء ، ومن يتذكر أنه أنبرى لشاعر العراق الكبير عريان السيد خلف محاورا إياه بوزن قصائده فقط بأمسية أقيمت له قبل سقوط النظام السابق وعلى قاعة نقابة الفنانين ، دون نقد تلك القصائد وما لها من إيقاع على نفوس المتلقين ، وعريان معروف للجميع شاعرٌ وشاعر كبير أثبت حضورا واقعيا وعمليا بساحة الشعر الشعبي العراقي ، وكذلك حين يتناول الشاعر الكبير الراحل كاظم إسماعيل الكاطع يتحدث عنه بمثل ما يتحدث عن أي شاعر يخطو خطواته الأولى صوب النجاح والوجود مع عمالقة كبار ، وما يقال عن هذين العمودين الشعريين البارزين – عريان وكاظم - اللذين يشكلان أضلاع مثلث شعري كبير ومدرسة حديثة ، قاعدته الرمز العراقي الكبير مظفر النواب ، والذي يسخر اللبان ويقول عن النواب الكبير ، ( خطيه ميضبط الوزن ) ، علما بأن النواب الرمز لا يعير أهمية للشطحات العروضية المتعمدة منه لأنه ضليع في التفاعيل والأوزان لأنه أستاذ للغة العربية ، كل هذه المقدمة بسبب موضوع أثاره الصديق اللبان ونحن بمعرض حديث نقدي دراسي كتبته عن قصيدة ( موت وجنازه وكبر ) للشاعر المبدع ماجد كزار ، ولا أخفي إعجابي وتعجبي من شيئين ، إعجابي بقصيدة الشاعر ماجد كزار التي نشرت بأهم موقع عراقي عربي للشعر الشعبي ، وهو موقع ( الجيران ) لصاحبه الشاعر الكبير زهير الدجيلي ، وموقع الجيران لا ينشر الغث من الشعر ولأي كان ، فهو موقع مميز يتبنى نشر القصائد التي تتناغم مع الذائقة العراقية السليمة ، ولم أجد قصيدة في هذا الموقع منشورة لفلان أو فلان من شعراء حلتنا الفيحاء بما فيهم اللبان ، وأتمنى عليه إرسال أي قصيدة من نتاجه لهذا الموقع الرصين وسنرى تنشر أم تهمل ، وقصيدة الشاعر كزار لها مدلولاتها الإنسانية ، والاجتماعية ، والنفسية ، التي لم يشر لها الصديق اللبان من بعيد أو قريب ، وبخصوص هذه القصيدة _ موت وجنازه وكبر - أتصل بي الصديق الراحل ( كاظم أسماعيل الكاطع ) يهنئني بهذه القراءة لها ، متمنيا علي نقل إعجابه للشاعر ماجد كزار ، وهذا ما حصل من ستة أشهر و قبل وفاته رحمه الله ، وعجبي أن الصديق اللبان لا يريد أن يخرج من جلباب جده القديم كما يزعم ، لأن من يلاحظ اللبان يجده قد خرج عن هذا الجلباب كما أراه ويراه الناس ، فجده ووالده رحمهما الله يرتديان الملابس العربية وهو يرتدي غير هذه الملابس ، بمعنى أنه خرج للحداثة ونتاجها الجميل ، ويريد اللبان أن يبقى الوحيد الذي يغرد خارج سربه ، يريد أن لا يقعّد – يجعل له قاعدة تحكمه - الشعر العامي بحجة واهية لا تصمد أمام العلم اللغوي الحديث ، وهي عدم حركة نهاية حروف الكلمات ، ويريد أن يبقى الشاعر الشعبي على تخلفه معتمدا على أذنه السمعية ، والسمع يخون السامع كثيرا ، واللبان كما أراه لا يقر بما أنجزه الكثير من الباحثين لتقعيد الشعر العامي أمثال الشيخ جلال الحنفي ، الدكتور صفاء خلوصي ، السيد أحمد الهاشمي ، ناهيك عن عشرات الباحثين في هذا المضمار أمثال ربيع الشمري في كتابه ( العروض في الشعر الشعبي العراقي ) ، ود كريم جبر الزبيدي وكتابه ( استقراء في أوزان الشعر الشعبي العراقي ) ، وأخص من الحليين المرحوم السيد حمزه الحسيني في كتابه ( جذور الشعر الشعبي ) ، والدكتور السيد مضر السيد سليمان الحلي الذي حاضر في جمعية الرواد الثقافية المستقلة التي يرأسها الصديق اللبان ، بحضور جمع من المختصين والباحثين من النجف الأشرف بموضوعة كتاب السيد الحلي الموسوم ( أطوار الشعر الشعبي ) ، كل هذا ولا يزل اللبان محافظا لرأيه بعدم جدوى وقبول ما أثبته الباحثون ، وهذا رأي أراه خارج حدود التنظير العلمي البلاغي العروضي للقصيدة الشعبية العامية ، ويخطئني الصديق اللبان بأني قلت أن قصيدة الشاعر ماجد كزار هي من بحر الهزج ، وتفاعيل قصائد الهزج الأساسية هي ( مفاعيلن و فعولن وفعولان ) ، ويدخل في هذا البحر أو الطور كما يسميه الباحث الدكتور مضر سليمان كل من ( التجليبه و البحر الطويل والنصاري و العتابة والأبوذية ) ، ويختلف الباحثون بموضوعة الأبوذية فمنهم من عدها هزجا ومنهم من عدها غير ذلك ، والأصح عند عامة الباحثون أن الأبوذية من بحر الهزج ، وقد أحصى الصديق اللبان عدد أشطر قصيدة موت وجنازة وكبر فوجدها ( 60 ) شطرا ، ( 37 ) شطرا من التجليبة وهذا اعترافه ، والأخرى تتنقل بين البحر الطويل وتخريجاته ، والغريب أيضا أنه يقول ( أن وعد الله حق ) وهي آية قرآنية يكتبها الناس حين وفاة أحدهم ، وقد أخضعها اللبان للعروض وعدها عجزا لوزن الهجري أنقصه كما يحب هو حرفا ليصبح من وزن ( الشبكها ) ، والغريب أيضا أنه يحاسب الشاعر أنها جاءت خلافا لميزان القصيدة التي كتبها الشاعر ، ولا يعير أهمية للأقواس التي وضعها الشاعر تضمينا لنصه ، ودلالة الأقواس أن المقوس لا علاقة له بوزن القصيدة ولا بمنشئها ، والغريب أيضا من اللبان الذي أقفل أذنه عن سماع البحوث التي أنجزها الشعراء لتطوير وترشيق القصائد العامية ، فاللبان لا يزل يعيش في حقبة الستينات التي أنتجت لنا القصيدة الحديثة ( قصيدة التفعيلة ) التي يشترط على شاعرها أن تكون من بحر واحد كما فعل الشاعر ماجد كزار الذي لم يخرج بقصيدته الحديثة عن وزن ( الهزج ) متنقلا بين تفاعيل هذا الوزن الراقص الجميل ، ولو افترضنا أنه كتبها على بحر الرمل والذي نسميه نحن الشعبيون ( الموشح ) وتفعيلته ( فاعلاتن ) وبدائلها ، ولو افترضنا أن الشاعر كتب قصيدته على هذا البحر متنقلا بين ( الموشح أو الهجري أو الشيعتي أو ساعدوني وغيرها ) فلا يعد خروجا وزنيا لأنه بنى كل قصيدته الحديثة على تفعيلة بحر الرمل ، وقد أبدع الشعراء المحدثون أذ طوروا نتاجهم الشعري العامي ليبتكروا نوعا جديدا يضاف الى القصيدة الكلاسيكية ، وقصيدة التفعيلة والتي تسمى الحديثة ، وهو النص المفتوح الذي يبنى على أوزان متعددة متجانسة لكي لا تثير خدش الأسماع بموسيقاها العذبة الجميلة ، وماذا سيقول اللبان لشعراء قصيدة النثر الشعبية والتي لا تقيم للوزن اعتبارا ، بل تجد أن كل أشطر هذه القصائد غير موزونة بالكامل كقصيدة ( طشة ملبس ) للنواب الكبير ،وتبنى مدرستها شعراء ورموز في ساحة الشعر الشعبي العراقي أمثال رياض النعماني ، علي الشباني ، جمعه الحلفي ، ريسان الخزعلي وغيرهم ، وماذا سيقول الشاعر اللبان بخصوص القصائد الرقمية التي تعتمد على مخارج الحروف وتناسقها ، فمثلا حرف السين يتناغم لفظيا مع حرف الشين ، وكذا حرف الغين وحرف العين ، ختاما أقول للصديق اللبان ما تقول في هكذا نتاج أدبي أخذ حيزه الكبير بين أوساط الشعراء الشباب ، أخيرا أتمنى على الصديق اللبان أن يضيف ويوظف خبرته للأخذ بيد الشعراء الشباب وغيرهم ، وأتمنى أن أسمع منه كلمة ثناء واحدة على قصيدة يسمعها أو نسمعها سوية ، أم لا يزل رأيه أن لا شاعر يستحق الثناء إلا أصحاب القصائد الكلاسيكية التي لا يجد شاعرا لها برأيه المستغرب الآن .