بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 23 أبريل 2010

مقطع مستل من السيرة الذاتية لشبيه همنجواي الحلي-كتاب في حلقات-كتابة احمد الحلي






مقطع مستل

من السيرة الذاتية

لشبيه همنجواي الحلي


مقطع مستل

من سيرة شبيه همنجواي الحلي

كتابة احمد الحلي

نصوص صباح شكر محمود

طبعة أولى

2009
المركز الثقافي للطباعة والنشر

The Cultural Center for Printing and Publishing C.C.P.P

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حلة/شارع الإمام علي (ع) /عمارة علي ط2

Mob: 07801168410

Mob: 07707179956

E-mail:w_alsawaf@yahoo.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الطباعة والنشر محفوظة للمؤلف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التنضيد الالكتروني والإخراج الفني : نبيل الحسيني

تصميم الغلاف : المركز الثقافي للطباعة والنشر

إشـــــــــــــراف : ولاء الصواف

نجمة في راحة اليد

يعد الأدب الشفهي المكتوب احد أهم مصادر المعرفة الإنسانية ، وتاريخ البشرية حافل وزاخر بالمنجزات على هذا الصعيد ، منذ الفيلسوف الإغريقي سقراط الذي لم يدون شيئاً من أفكاره وفلسفته ، والذي اضطلع بذلك هو تلميذه ومريده أفلاطون ، مروراً بالحكيم الصيني كونفشيوس، ووصولا الى العديد من الأسماء التي خلدها التاريخ وأصبحت نجوماً لامعة في سفر الإنسانية الخالد .

وفي عصرنا الراهن ، وجدنا كيف ان عدداً من الروائيين والكتّاب يستمدون رؤاهم من شخصيات لها وجودها على ارض الواقع ، فيعكسون أفكارها ورؤاها ويقدمونها طازجة الى قرائهم ، ولعل ابرز مثال على ذلك ما فعله الروائي اليوناني الشهير نيكوس كازانزاكي في روايته ( زوربا اليوناني ) .

الذي نريد ان نقوله هنا ، ان مثل هذه الشخصيات موجودة دوماً وفي أيما مكان ، إنها موجودة وحاضرة حوالينا وبيننا ، وان كل الذي يتوجب علينا ان نفعله هو ان نكسر ولو جزئياً من حدة الهالة الأرجوانية التي نحوط بها أنفسنا ، وان نتقرب بما يكفي من هذه الشخصيات ، ننفض عنها الغبار الذي علق بها بمرور الزمن ونحاورها ونستنطقها بحنو وصبر حتى نصل الى العمق المطلوب من القاع الذي سيمنحنا بالتالي ماساته الأثيرة ، واحسب ان صديقي صباح شكر محمود أو ( أبا رياض ) بطل هذا النص هو واحد من هؤلاء الذين عاشوا ردحاً طويلاً من الزمن دون ان يكلف احدٌ نفسه عناء الالتفات الى هذه الخامة الظاهرة للعيان أو المنجم القابل للعطاء .

إنها دعوة إذن ، الى ان يقوم الأدباء والكتّاب بحملة استقصاء وتنقيب ، ليس في أمكنة الآثار القديمة لعلهم يعثرون على لقية أو كسرة حجر أو رقيم يتضمن كتابات مسمارية ، وإنما بين الناس الأحياء أو الذي انطوت صفحة حياتهم منذ عهدٍ قريب ممن تحمل تجاربهم الحياتية وذواتهم معاني وآفاق تستحق ان تدوّن وتقدم الى القراء الذين هم في نهم الى قراءة هكذا مدونات تنطلق من الواقع وان رفرفت بأجنحة الخيال في بعض الأحيان .

احمد الحلي

ahmad_alhaaly@yahoo.com

الاحتفاء بـ (همنجواي الحلي ) *

علي الاسكندري

لا تقتصر الحفاوة على إقامة الندوات البروتوكولية التي تزخر بالثناء والشهادات والمديح لشخص المحتفى به بل إنني أرى إن الخروج من هذا النفق التقليدي الذي تتلاشى اثاره وفعله الإعلاني والإعلامي بمجرد أن تنتهي جلسة الاحتفال والاحتفاء إلى فضاء الكتابة والتحليل والمداولة ومن ثم النشر في وسائل الإعلام الثقافية إجراء يخلف أثرا تدوينيا يمكن أن يولد إضافة وتراكما كميا ونوعيا إلى المعرفة والثقافة والأدب ، ذلك لان تلك الوسيلة الثانية تـُـعــد ُّ الأكثر نفعا لكونها الأسهل للأرشفة والحفظ من الطريقة الأولى .. فقد يتيسر للبعض من الأدباء في الساحة الثقافية أن ينتشروا ويصبحوا وجوها تلفزيونية أو نجوما محلية على الأقل يتمتعوا برذاذ الكاريزما ولمعان الفضائيات والصحف التي تحولت إلى منابر سهلة المنال لقربهم من تلك المنابع الإعلامية أولا ولكثرتها ثانيا رغم حداثة عهدهم وتواضع منجزهم الإبداعي ،وربما مر وقت طويل ولم يشعر المتلقي بوجود تجارب لها أهميتها وحجمها وهي الأكثر أهمية من سابقاتها لكنها بعيدة عن اذرع الإعلام وربما كان لعامل الجغرافيا واحد من تلك الأسباب ونرى في الكتاب الصادر من المركز الثقافي للطباعة والنشر في بابل في نهاية 2009(( مقطع مستل من سيرة شبيه همنجواي الحلي )) لمؤلفيه الشاعرين احمد الحلي وصباح شكر محمود مثالا يكتسب أهمية واضحة لما ينطوي عليه من تجربة إنسانية تتوفر على الجمال والنفع والمتعة واحسب إن تلك العناصر الثلاث إذا ما اجتمعت في إي عمل أدبي أو إبداعي فإنها سوف تضعه موضع اهتمام المتلقي وحفاوته وباعتقادي أن الكتاب الذي اشرتُ إليه ربما حمل إلى المتلقي من جانب أخر رسالة مفادها انتشار حرية النشر والممارسات الثقافية التي لم تعد تأبه لسلطة الرقيب وأوامر المركز وحسابات المؤسسة المهيمنة التي كانت تمارس دوري الأب والراعي لكل شاردة وواردة وان كانت تلك الممارسات تصل في بعض الأحايين إلى درجة الانفلات في أنحاء البلاد ، وبالعودة إلى الكتاب موضوع المداخلة فإننا نجد بين شاطئيه وفرة الفائدة التي تضمنتها سرود الشاعر احمد الحلي الذي قدّم للكتاب ودوّن سيرة الشاعر الشفاهية كما نوّه في مقدمته ونستطيع أن نتلمس في تلافيف هذا الجزء الذي شغل نصف الكتاب الأول والذي يمكن أن نطلق عليه شعرية السيرة والمفارقة والمواقف الإنسانية التي حفلت بها حياة شاعر وفنان امتدت منذ بدايات الأربعينات في القرن الماضي ولغاية الآن ولايقتصر الأمر على الفائدة لوحدها بل إننا سوف نحصد الكثير من المتع والطرائف من خلال شخصية ( همنجواي الحلي ) تلك الشخصية الواقعية الحلية الرائعة التي تعلقت بالفنون والآداب والشعر الذي كان على رأس قائمة تلك الفنون ، إنها شخصية الشاعر صباح شكر محمود والذي يعرفه الوسط الحلي عموما بابي رياض للعلامة الفارقة التي ميزته في ذلك المحيط ألا وهي لحيته البيضاء التي أطلقها تيمنا وتشبـّها بالروائي الأمريكي ارنست همنغواي ، ونرى إن الكتاب الذي لم تتجاوز عدد صفحاته ثمانين صفحة والذي ينقسم إلى قسمين كما ذكرنا إضافة إلى انه يحمل عتبتين للعنونة ، الأولى المذكورة في مكان سابق من هذه القراءة والتي تخص لمحات من حياة الشاعر شبيه همنجواي والثانية العتبة التي تتوسط الكتاب وتتقدم النصوص الشعرية ( أحلام صياد ) والتي كتبها صباح شكر محمود ، نرى إن مدونة كهذه قد يسرت باحة من الاسترخاء والتجربة التي اعتمدت على المنابع الفطرية التي لم تخضع لمهيمنات الشروط الأكاديمية وقيود المدارس والضوابط المحسوبة على أجناس الكتابة وربما كانت جماليات السرد الذي يهتم بآداب السيرة قد امتصت الكثير من الاحتقان والتشنج الذي يتسرب إلى دواخل المتلقي إزاء السيــّر المروية والمكتوبة بتعالٍ وفوقية والذي حققه احمد الحلي في تدوينه لمواقف وطرائف السنوات السبعين التي عاشها المبدع صباح شكر محمود بدء من ولادته في الكرادة الشرقية ببغداد عام 1941 مرورا بميله إلى الموسيقى والشعر والرياضة ونزوحه إلى مدينة الحلة في أيام الصبا والشباب كدريئة وتقيــّـةٍ من بطش الآخر المتغابي والناقم لأسباب متعددة ومن ثم عمله لاحقا سائقا في مصلحة نقل الركاب في الحلة وبأسلوب مبسط وتلقائي ، وحين نتعرض للنصوص التي كتبها صباح شكر في الجزء الثاني من هذا الكتاب تحت عنونة ( أحلام صياد ) فسوف نجد نصوصا خالية من الانزياحات والمجازات إلى حد كبير لكنها تحقق شعريتها بصدق ودهشة واستفزاز من خلال المفارقة والمغالاة والمواقف الشاجبة والرافضة لامتهان الإنسان وانتهاك إنسانيته وحقوقه أينما كان فهي نصوص موقف قبل كل شئ بعيدا عن قوالب الشعر وتقنياته وبحوره وشروطه اللاحقة .. هي نصوص ملتصقة بالحياة رغم الإجراءات والتغيرات والدراسات التي أُخضع لها الشعر وتحولاته واجبر على أن يكون فنا مصنوعا أو مصنعا على طرق الحداثة أو كائنا من ضمن فنون الحاضنة التي تنتمي إلى هندسة اللغة والمعمار الصارم .. و لنذهب إلى نص المشانق ص64 (( إنها تعشق الرقاب الضعيفة .. وتمقت الرقاب الغليظة ..هل للفجر رائحة الحياة ..؟ لماذا إذن تـُـنــَـفـَـذ ُفي ساعاتهِ أحكام الموت ..؟ بعد ملامسةٍ قصيرةٍ تــَـلـدُ المشنقة ُرقبة طويلة .. ! مـم َّ تـُــصـْــنـع المشانق ...؟ من خشب الصاج أو الزان .. ..؟ ليس الأمر بذي أهمية .. الأهم أنها تقوى على حمل الجسد .. عند ولادته قطعوا حبله السري .. وعند بلوغه أعادوا له الحبل بصيغة أخرى )) إن الفطرة التي جعلت من محمد الماغوط نجما شعريا كبيرا في فضاء الشعرية العربية ومعها ظروف وعوامل أخرى ساهمت في تألق هذا الشاعر الكبير ربما لم يحظ بها صباح شكر محمود ورهط كبير من هولاء المبدعين الذين ينتمون بقوة الحياة إلى منابع الفن وروافده الخلاقة فبقوا تحت دثار السنوات العجاف بانتظار سراج يشع على سنواتهم المهدورة

_________________________________

* نشرت المقالة في جريدة الاتحاد بتأريخ 15 /2/ 2010

مقتربات أولى

تعرف مدينة الحلة ، وعلى الأقل الوسط الثقافي ومرتادو المقاهي (أبا رياض) جيداً ، بوصفه سميا وشبيها لارنست همنجواي ، ذلك الروائي الشهير ، صاحب المغامرات التي لايجرؤ أديبٌ على الخوض فيها ، كما انه صاحب الروايات التي شكلت منعطفاً في الأدب الانكليزي والعالمي ولاسيما لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية .

(أبو رياض) واسمه الكامل كما هو مدون في بطاقة أحواله المدنية ؛ صباح شكر محمود ، وتشير البطاقة أيضاً إلى انه مولود في مدينة بغداد عام 1941 بمنطقة الكرادة الشرقية ، أحس منذ نعومة أظفاره بان لديه ميلا فطرياً نحو الفنون والموسيقى التي جرفته باتجاه عوالمها الخلابة ،

وبدأت تباشير الرحلة الثقافية لديه مع كتاب ( ألف ليلة وليلة ) بطبعته المصرية المذهبة المتكونة من مجلدين كبيرين ، ثم وبفضل أساتذته في المدرسة المتوسطة يتعرف على الروايات العالمية المترجمة ليقرأ بشغف كل ما كان يقع في يده منها ،

شكلت الموسيقى ، كما قلنا هاجساً للفتى الصغير الحالم ، فحاولت أصابع خياله ، أن تتلمس سحرها، وتقف عند منابعها ، فشرع هو وابن عمته (سعيد) بادخار (اليومية) التي يحصلان عليها من أبويهما، وبالتالي اشتريا آلة العود الخاصة بالملحن محمد نوشي الذي كان يعمل خياطاً بالقرب من منزلهما ، غير أن نشوة الفتى بامتلاك العود العائد إلى محمد نوشي سرعان ما تبددت وتلاشت أمام هجمة الأب الشرسة محطماً الباب الذي كانا يتواريان خلفه هو وابن عمته ليتدربا على العزف، وليحطم بالتالي العود على رأسيهما ، وقد بكيا بحرقة وألم ، كما يذكر (أبو رياض) ، ليس لآلام الضرب المبرحة التي عانياها وإنما لأنهما وجدا عودهما الأثير محطماً وأوتاره مقطعة بغير رحمة ..

إلا انهما ، الفتى وابن عمته ، قررا مواصلة السير على هذا الطريق الوعر الذي سلكته قبلهما أجيال وأجيال من المبدعين الذين لم تنثني همتهم أمام عواصف الجهل والتخلف التي تحكم مجتمعنا، يتذكر أبو رياض ، كيف ان جذوة الأمل قد تم إحياؤها في نفسه من جديد على يد الفنان القدير منير بشير وأخيه الموسيقار جميل بشير ، لاسيما بعد ان تعرفا على المخاض المؤلم الذي مر به ، فرحبا به في معهد الفنون الجميلة الأهلي الذي كانا يديرانه أبان فترة الخمسينيات ، غير ان الفتى ما لبث ان ترك الدراسة في المعهد لسوء الأوضاع الاقتصادية التي كانت تمر بها عائلته واستيقظ في نفسه إحساس آخر بالانتماء إلى الأدب والشعر بصفة خاصة ، وقد تفتحت هذه الجذوة لديه منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ، مع انه ظل محتفظاً ومتوائما مع خطه السياسي حيث قدم من كلماته وألحانه وأدائه وباللغة الدارجة أغنية ( يا مصر يا أهرام بابل بتقولك حرام ) وكانت موجهة آنذاك ضد زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل ، وتمت إذاعة هذه الأغنية عبر إذاعة ( صوت مصر ) التي كانت تبث برامجها من بغداد .


الهبش-مفترس الافاعي-بقلم حامد كعيد الجبوري




( الهبش ) ... مفترس الأفاعي

حامد كعيد الجبوري

كثيرا ما أستمع لحديث من هنا وهناك عن شخصية غرائبية تسميها العامة ( الهبش ) - بكسر الهاء والباء - ، وقد رأيت هذا الرجل فعلاً وأنا بمراحل الدراسة الابتدائية ، ولم أستطع تذكر ملامحه الآن ، وكنت أراه يدلف لمقهى ( كاظم أبو سراج ) والذي أتخذها اليسار العراقي شبه مقر له فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم ، وقد حفزني لاستذكاره البروفيسور العراقي المغترب ( عدنان الظاهر) وهو يتحدث عن مدينته الفيحاء بابل ورجالاتها بصورة عامة ، لم أجد من يرفدني بشئ مفيد عن هذا الرجل ، ولا أعرف أحدا من أقاربه يسكن الحلة الآن ،أفادني أحدهم بالدخول الى سوق الحلة الكبير وتقصي حقيقة هذا الرجل لأن أحد أخوته كان له محلا للحلاقة بالسوق الكبير للحلة ، وفعلا نفذت ذلك فوجدت المسألة أسهل من أعقدها هكذا وأرشدت لرجل حلي والجميل أنه صديق وأخ كبير أنه (مسلم باديم) الشخصية الوطنية والاجتماعية المعروفة ، لم يبخل علي أخي أبو (عبد الله) بشئ عن هذا الرجل لأستكمل موضوعتي وعرفت منه الكثير عن هذه الشخصية .

نهاية القرن الثامن عشر وصل للحلة الفيحاء رجل كردي من آل ( زنكنه) أسمه ( هاشم ) ليتخذ من الحلة موطنا له ، والحلة الصغيرة آنذاك يشطرها نهرها لشطرين ، الكبير ويضم سبعة أطراف وهي (الطاك ، الجامعين ، الجباويين ، المهدية ، الأكراد ، التعيس ، جبران) ، والصوب الصغير يضم ( كريطعة ، الكلج ، الوردية) ، أشترى الرجل دارا له في محلة (المهدية) وسكنها مع زوجته القادمة معه من الشمال ، ومن الطباع الحلية الأصيلة احتضان الضيف والقادم والمستجير بها ، ولم تكن للطائفية المستجلبة حديثا تأثيرا بينا وواضحا على سلوك ساكنيها ، فالسني يشارك الشيعي بطقوسه الدينية ، ويحترم الشيعي طقوس أخيه السني ، وفي الحلة المسيحي وهو آمن على نفسه وماله ومعتقده ، وكذا اليهود ، وهناك أكثر من وشيجة تجارية بينهم وبين أهالي الحلة الكرام ، و(هاشم) القادم للحلة سني المذهب إلا أن أولاده اتخذوا من المذهب الشيعي معتقدا لهم ، مخالفون هوى والدهم الراحل ، وأنجب الرجل – هاشم – أولادا وهم (فخري وعباس انتقلا لبغداد ولا نعرف مصيرا لهم ، حسن وهو معاق توفي بالحلة ، علي الملقب ب علوكي وهو حلاق ، وحسين الذي غادر لبغداد وعاد للحلة وتوفي بها وتركت عائلته الحلة بعد وفاة أبيهم ، ومحمد موضوع حديثنا وتلقبه العامة بالهبش ) .

بداية القرن التاسع عشر ولد (محمد) في مدينة الحلة وترعرع بها ولم يحصل على نصيبه الدراسي فيها ، يقول الأستاذ (مسلم باديم ) كان محمد (الهبش) ضخم الجسم أبيض الوجه يرتدي (الدشداشة) ، ولم يكن يضع شيئا على رأسه (أمفرع) ، وكان الرجل على خلق عال جدا ، لم يتشاجر مع أحد رغم قوة عضلاته ، ولم يعتدي أو يعتدى عليه ، كان مسالما جدا وفي أحايين كثيرة يستمع لنقد لاذع من أحدهم دون أن يرد عليه بشي ، أستفاد من قوة عضلاته ليعمل في (حمام المهدية الرجالي) وعمله (أمدلكجي) – يغسل للزبائن لقاء أجر زهيد - ، ومن الطريف ذكره بهذا المجال أن رأس المال الظالم كان يستوفي نصف المكسب البسيط لتعطى لصاحب الحمام ، والغريب أن صاحب حمام المهدية لم يستوفي ذلك من (الهبش) بل أعتبره عاملا لديه لقاء أجر آخر لتسخين ماء الحمام – الصفرية – بالطرق البدائية القديمة – نفط أسود وجذوع الأشجار - ، كان ل( الهبش) أصدقاء كثر ومن هؤلاء الأصدقاء من يحتسي الخمر وجمعتهم أكثر من مائدة لذلك ، فبدأ مشوار التصعلك معه ولم يذكر أحد لي أنه أساء لفرد ما من أبناء الحلة ، أضاف (الهبش) عملا جديدا له غير العمل بالحمام وهي صنعة اصطياد الأفاعي – الحيه - ، ومعلوم أن أغلب البيوت العراقية بما فيها الحلة يكون سقف الدور من جذوع النخيل وهي مكمن آمن للأفاعي ، والأفعى مرعبة للكثير ، بداية كانت العملية تطوعا لمسك الأفعى من قبل (الهبش) ، وبعد تمكنه من هذه المجازفة بدأ يأخذ أجرا لقاء إمساكه بالأفاعي ، يقول الأستاذ (مسلم باديم) أن ( الهبش ) بعد أن يرشد الى مكانها او يجده بنفسه ، يمسك الأفعى من ذيلها ويبدأ بسحبها حتى يصل الى الرأس ، فيمسك بكامل قوته حول رقبتها حتى تموت ، وفي أحايين أخرى يضعها بعلبة زجاجية ويحكم غطاءها ويقبض ثمن مسكها ويذهب بها صوب الصيدلية الهاشمية ليبيعها لصاحب الصيدلية المرحوم الصيدلي (إسماعيل أسكندر الجبوري ) ، ويروي الكثير من أهالي الحلة أنهم سألوا (الهبش) ألا تخاف من أن تلسعك أفعى فتموت ، فيبتسم لهم الرجل ويقول أن لسعتني أفعى فستموت هي ولا أموت أنا على طريقة الطرفة ، ويضيف الأستاذ (علي هادي) وهو من أهالي (المهدية) الكرام أنه رأى ( الهبش) بعد أن يمسك فريسته – الأفعى و يبدأ بقضمها – أكلها – مبتدءا من الرأس وكان يرى دماء الأفعى تسيل من فم (الهبش) ، وهذا ما أورده الدكتور الظاهر بحديثه ولم يؤكده الأستاذ (مسلم باديم) ، ويروي الأستاذ (روؤف الطاهر) عن جدته(العلوية) الساكنة محلة (المهدية) فيقول ، ذات يوم رأت جدتي أفعى متدلية من سقف دارها فهرعت صوب (الهبش) لإمساكها والقضاء عليها واتفقا على مبلغ من المال ( مئة فلس) ، حضر (الهبش) لدار العلوية وأمسك بالأفعى وطالب بأجره فدفعت المرأة (درهم) فقط وهذا خلاف ما أتفق عليه ، قال لها (الهبش) (علوية بعد درهم) أجابته المرأة (أنت أشسويت يمه غير أكمشت الحية درهم كلش كافي) ، لم يقل لها شيئاً وأطلق الأفعى من يده لتهرب وأعاد لها ال (الدرهم) وغادر الدار ، وبدأت صعلكة الرجل أكثر فأن زاد على المقرر مما يحتسيه من خمرته يبدأ بأكل قدحها حتى تدمي فمه ، ويقول الدكتور (عدنان الظاهر) أنه كان جالس بمقهى (كاظم أبو سراج ) ودخل لها (الهبش) وهو ثمل جدا فأخرج من كمه أفعى يتلهى بها وكأنها مسبحة وطلب قدحا من الشاي وبعد أن احتساه بدأ بقضم ذلك القدح ورأيت الدم يسيل من شدقيه – الحديث للظاهر – وحضر صاحب المقهى وقال له ما هذا فأخرج منة جيبه مبلغا من المال وأعطاه لصاحب المقهى وأعتذر منه وغادر مقهاه .

قلت بداية موضوعتي عن (الهبش) أنه خلوق ولم يعكر صفو أو ود أحد من الناس ويروى عنه الطرف الكثيرة ، أيام الشتاء الممطرة والأزقة غير معبدة يطفح الماء بهذه الأزقة ولا يستطيع أحد المرور دون أن يقع في البرك الكثيرة وبخاصة الأطفال والنساء منهم ، وفي يوم شتائي ممطر أراد شيخ حارته ومختار ها ووجهيها الوصول لداره إلا أن البرك الكثيرة والحفر المغطى بالمياه حالت دون عبوره ، تقدم نحوه (الهبش) وهو القوي العضلات وقال له هل أوصلك عمي لدارك ؟ أجاب الرجل شاكرا فعلته نعم يابني ، فما كان من (الهبش) إلا حمل ذلك الوجيه (الحاج جاسم حمادي الحسن) على عاتقيه والسير به نحو داره ، منتصف الطريق قال (الهبش) لشيخ محلته (المهدية) ، عمي أختر واحدة من اثنتين ، قال الرجل ما هما يا محمد ، أجابه أما أن أنزلك من على ظهري أو تعطيني (ربع دينار كروة) ، ضحك الرجل وهو محمول على أكتاف (الهبش) وقال له حاضر ولكن حين وصولي للدار ، أجابه ( الهبش ) لا عمي (هسه) ، وقبض (الهبش) من شيخ الحارة أجره ، ولم يكن يأخذ أجرا من أحد لقاء هذه الخدمة الإنسانية وإنما أخذها من شيخه للطرفة والتندر بها ليس إلا ، تزوج (الهبش) من أرملة له بنت واحدة من زوجها الأول وولدت ل(الهبش) بنتان ، توفي الرجل بسبعينات القرن المنصرم و بداية الثمانينات ودفن بالنجف الأشرف ، حاولت جاهدا الوصول للمتبقي من عائلته أو من أقاربه للحصول على صورة شخصية له ولم أفلح ، طرقت باب أستوديو (الزنابق) المحتفظة بصور أغلب الشخصيات الحلية السياسية والاجتماعية والتراثية لنفس الغرض ولم أفلح ، ومن حسن الصدف أن التقيت بالأستاذ (باسم جاسم حمادي الحسن) عضو البرلمان السابق ، وهو أبن لشيخ المهدية وحدثته عما توصلت إليه عن هذه الشخصية التراثية ، وأكد لي المعلومات المدونة وأرشدني الى حفيده من ابنته الملقب (عامر عضلة) بسبب ممارسته رياضة كمال الأجسام ، حملت أوراقي صوب الرجل والذي يعمل مع ابنه( ضياء ) ببيع بيض المائدة قرب أسواق (الحاج مالك عبد الأخوة) ، فرح الرجل – عامر عضلة – كثيرا ولم أجد لديه ما أضيفه لمعلوماتي بل أنا قد نورته بشئ منها ، أوعدني بالحصول على صورة لجده (الهبش) من خالته التي تسكن بغداد حالياً ، لربما بقادم الأيام بعد نشر هذه الموضوعة سأجد مبتغاي .