بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 11 سبتمبر 2016

أختام *-عادل كامل
















أختام *





 الختم الثالث




عادل كامل
 [15] ماذا خلف الذي لا وجود له..!
    في الختم القديم، وفي ما أصبح نصا ً معاصرا ًـ مع تزايد مناهج القراءة وتنوعها حد التقاطع ـ لم يتم إعلاء شأن اللا قصدية/ والعشوائية/ والنص في ذاته ـ درجة التأليه إلا للأسباب ذاتها الخاصة بالقصد، وأنظمته. إن انتشار المبررات الخفية للفوضى لا تذهب بعيدا ً عن قانون الاشتباك. فالمنتصرون الجدد ـ كما انتصر الصياد في النظام البري ـ لديهم ما يكفي للإيقاع بطرائدهم. فالحرية ليس أن تخرج إلى الشارع وتطلق النار عشوائيا ً، أو تكشف عن المكبوتات الداخلية، الحرية، ببساطة، كيف يستعيد النظام عمله، لا أن يعرقل. والمفارقة، هنا، لا تثير التباسات. فالمركز ـ بالدرجة الأولى ـ يلعب دوره، إن كان الهامش ـ أو أكثر منه ـ قد مهد لضرورة حضوره أو لأن المركز أدى دوره في فرض القواعد.
     على ان الختم لن ينغلق عند القصد: قصد الصانع، قصد الفن، بوحدة العناصر، وقصد المتلقي في التأويل. فمع انه أنتج في لحظة زمنية تضافرت فيها دوافع الانجاز، لن يصبح فائضا ً إلا بانتفاء العوامل التي كونته. على أن المندثرات تختفي كي ترفد حضورا ً منبثقا ً عبر تراكماته ـ وتحولاته، في أختام لها أنظمتها في: القصد ـ البناء الفني. أما الاضطراب ـ خذ مثال تصادم مجرتين ـ خارج حدود الأرض ـ ومجموعتنا ـ ونوعنا ـ فانا لا أراها إلا بعد ان تكون قد تركت ختما ً لا وجود له الا في تشكيل هذا الذي أكونه ـ وهو قيد الغياب. إنها سلسلة مترابطة تحكي ما لا يمكن فك ترابطه، إلا بحدود ما نمتلك من أدوات للعمل.
    ولنأخذ مثالا ً آخر قيد المشاهدة: احتراق متحف وتحول محتوياته إلى رماد،  فمن ذا سيعيد قراءة تلك المحتويات؟ انه مثال شبيه باستنطاق قائد معركة هلك هو وجيشه لسبب ما من الأسباب. هل كانت أهدافه تكمن في محق الآخر، لدوافع محددة، تمت بقصد، علما ً ان نزعة القائد كانت (إنسانية) على سبيل المثال ...؟ ان رماد المتحف، كرماد القائد، كلاهما يقودان لا لمعرفة أسباب الحريق ـ ولا ما يكمن في الرماد، ولا في الأصل، ولا في المشتغل بالعثور على الأسباب المباشرة، او الاقرب الى منهجه، بل للضرورة ذاتها التي منحت فعل المحو الدور الموازي لفعل الانبثاق.
     لنأخذ كوكبا ً كالأرض استحال إلى صخرة بحجم طابوقة بناء، كم من النتائج بإمكانها ان تجرب لفك شفرات القفل؟  لكن ماذا عن أثير نجم اضطرب وفقد ما كان عليه، هل ستولد العلاقة السببية ـ ذاتها ـ بين المفتاح والقفل ـ في نزعتنا للاستحواذ، والتملك ـ والفقدان؟
    أرى ان مجتمعات الصناع المهرة، ومجتمعات النخبة، ومن يؤدي دور كاتم السر ـ من الصياد إلى الزعيم ـ لن تسمح ان تتعرى أو تكون مكشوفة للآخر ـ إلا بحدود دفع القفل بعيدا ً عن عمل المفاتيح. إنها عملية لن تتوقف عند مقدماتها، كي تكون نهاياتها قابلة للفض ـ والتفكيك، بل لأنها كائنة في الصيرورة. وعشوائية المناهج، سترافق النظام ذاته في استحالة تحديد المقاصد، وسلاستها. فالتعقيد شبيه، مرة بعد أخرى ـ بمعرفة مكونات ما في الذرات من أجزاء لا مرئية كانت في لحظة سابقة ذات معان محددة!
    فهل باستطاعة 999% التعرف على ابعد من المعنى في ديمومة هذا التتابع، كقطيع وجد نفسه يمشي خلف قطيع، وكعناصر تشكلت لتكّون عنصرا ً آخر، وفي ظرف مغاير، كي تنتج شيئا ً مغايرا ً تماما ً! فأين هي تلك (الحرية) التي يتم المناورة فيها، وهل لها صدق حروفها بما تدل عليه الألفاظ...؟
    ستتعدد المفاتيح، لفتح القفل، لكن ماذا وراء الباب، هذا اذا كانت ثمة باب في الأصل!
[16] بحكم السابق على الغياب/ والحضور
    هل أصبحت مقيدا ً بالختم، كعلاقة المفتاح بالقفل، أم أصبح الختم أسيري، ولا مناص احدنا سيكمل وجوده مع/ في الآخر، حضوره وغيابه معا ً...؟ لقد سحرني بذهول الاتصال بين الشاخص وما يتضمنه، فلا الأخير صنع الراحل، ولا للراحل إرادة في هذه الديمومة. فلزمن طويل كان الماضي هو حركة مسار دار فيها مفتاح الزمن، تارة للدخول، وتارة للمغادرة.  وها أنا اشعر ان (اللغة) لا تؤدي إلا ما تعارفنا عليه: القطيعة. فهي تسمح لي برؤية فجوات بيني وبين المنجز. فجوات لا يمكن فصلها عن المنهج: الأسلوب بمكوناته. فالذرة لا تقع ابعد من ماضيها؛ هذا الذي لا يمكن تحديد ماهيته إلا وهو ممتدا ً ـ نحو ـ ماضيه المستحيل، لكن المؤكد تماما ً.
     بعض الموتى يموتون غرقا ً، والبعض يستحيل إلى رماد، وثمة من يتحول إلى أثير، عبر تحرر الذرة من ضوابطها، الأمر الذي يهدم مفهوم الحدود ـ ومفهوم الأشكال، ولا يجعل من التوهم إلا نسبية اضطرارية، فهل أكون قد عبرت عن نهاية عصر، بعد (حقبة من الصراع نسجت فيها اشتباكاتها تاريخها بالعلامات: آثار دالة على موقعها في المعادلة، وهي، أبدا ً، لا تخفي إلا ما سينبثق وكأنه يمتلك مسارا ً محددا ً. كالبركان ينفجر ويتفكك، من ثم، لن ينفجر هو ذاته، إنما ستكون ثمة براكين تمحو سابقاتها. حركة لا تعلن إلا عن محركاتها النائية. كوجودي لا يختبأ الموت فيه، إلا بحدود ما في الزمن من قوى لا زمنية. قوى لا مرئية ـ في الأخير ـ تعلن عن استحالة بلوغ خاتمة/ ذروة) أتساءل: هل تكون الحقبة ـ لا أنا حسب ـ قد غابت، بعد ان اعلنت عن حضور لا يمتلك الا كل ما انا ناء ٍ عنه..؟
     لأن التفسير، التأويل، لن يذهب ابعد من شاخص لا يخفي شيئا ً، وما دوّن فوق الصخر، وما دفن في التراب، لا يعني إلا ما ذكرته، سواء بسواء..!
     هل قلت شيئا ً يدل على لاشيء، أم اللاشيء غدا يقول شيئا ً؟ لنأخذ أي مثال: رأس في العراء/ نسوة يرقصن/ موتى/ امرأة وباب..الخ أشكال دالة على كيانات، وكيانات نسجت في أشكال: ليس لها طول أو عمق أو زمن أو عرض أو مشفرات فحسب، بل ما تتمتع فيه من قوة متجانسة (مبنية) بما يستحيل تحديد ما أعلنت عنه، أو ما أخفته. فأنا لا امتلك القبر إلا كعمل (الأنثى) لا تنجب إلا موتى، لكن التتابع، للحظة سكنها هذا كله، تبدو مضادة لعملها. فمن الرماد ـ كما من الماء وكما من القبر ـ تنبثق النار، إنما ليست هي العلاقة ذاتها، فالذي تغير، ليس القانون، بل الأشكال الدالة عليه.
     يا لها من نهاية درب سرت فيه مع 999% من الذين ولدت معهم، لأن اثري/ هذه الأختام، لن تعزل عن حفرتنا، وثمة من هو في مواجهة المصير ذاته، إنما قد تقلب المعادلة، وتتغير النسبة: 999% يعّولون على أمل ما، هو ذاته الذي تمسك به ذلك الذي صنع الأشياء الشبيهة بالختم: نقوش فوق عظام، ورسومات فوق الجدران، وليس هناك ضحية واحدة اشتغلت ان تمسك بما لا وجود له، إلا في حدود انبثاق نهاية للذي غدا بحكم السابق لا على الغياب، بل على الحضور!
[17] عبور: ناء ٍ عن الآثام!
     هل سمحت للخبرة، في القراءات وفي الممارسة، لأكثر من نصف قرن، ان تترك (الكيان) ـ كياني، لمناورة كل ما تعلمته، وان ترسخ في ّ، كي لا ادخل أقنعة الفن، وفجواته المشغولة بقوانين السلع، والدعاية، والانتشار..؟ وان شيئا ً ما، كالذي يسكن الزمن، سكنني، كي أحافظ على براءة سابقة على الاضطراب، والتراكم، والمكر، والمراجعة؟
    بدائية متجّذرة ذات أصول ضاربة بأنثوية الأرض، تمنح الإشكال، والعلامات، ذلك السابق عليهما، وجودا ً شبيها ً بالحقيقة، أو بما لن يقارن بالعقم، أو بالاخصاء؟
     ذلك لأن دورة حضارة الاستهلاك ـ حضارة العولمة ـ ستبلغ نهايتها ـ ككل دفن حتمي لصانعي عبادات المال ـ وتسمح لحياة تعمل فيها البراءة، كعمل طائر يغرد وهو بتمام النشوة! ضرب من عمل العبادة، وضرب من العبادة لا تعمل فيه  على التصادم، حد المحو: وحدة تجعل التاريخ سلسا ً، ناء ٍ عن الاشتباك، ومكر الصيادين، وفنون صناعة لذائذ العنف..!
    قد يجد المشتغل، بغير الصيد، غير الآثم، الخالي من الضغينة، شيئا ً ما كمرور ومضات لا مرئية، عبر الغابة التي مررنا ـ بشرود ـ نحو حافاتها المستحيلة، ويكمل مسيرته في الدورة..!
[18] تتابع: اللا مادة وأطيافها
     كم أود لو بلغت القناعة ذاتها بان هذا الذي أراه، لا يخفي موتي، ولا يخفي اندثاره، بل ولا يخفي قدرته على مقاومة الانبثاق. بمعنى هل من سبيل لدحض قانون: المادة لا تفنى، وعمليا ً: اللا مادة الدائمة، كالعدم، وككل ما هو خارج حدود الحواس ـ والوعي. أم ان الأسباب التي شكلت حدود وعيي هي وحدها تمتلك لا حدودها ـ عبري ـ وعبر عملي ـ كي تمتد، بصفتها احد عناصر لا محدودية البرمجة؟
   يأخذني الشرود إلى التوقف عن العمل، وأنا أغادر متطلبات الحياة ـ وبضمتها التفكير في مصائرنا كبقايا بشر ـ والتوقف حتى عن مراجعة ظل الحرف الملتصق بالحرف الملتصق به، فلا معنى ان أتساءل ما اذا تجمدت الأرض، أو استحالت إلى كتلة بحجم دمية أطفال ـ أو أنا هو الذي سيتحول إلى رمل، وذرات في كائنات أخرى، أو ان أتحول إلى أثير، فالمعادلة واحدة: لا وحدة لقياس زمن بين لا زمنين، وقياس حاضر بين مجهولين... وان لعبة الفن، كأي لعبة، لن تدوم إلا بمرورها في الطرق ذاتها التي مرت فيها الألعاب الأخرى! وليس هذا الذي يحدث من حوار: مع لا احد، أو مع النفس/ أو مع من عبثا ً سيحاول العثور على فك شبكة الاشتباكات، ألتي  شكلتها عوامل تتابعها، وإلا هل كان باستطاعتي ان افعل إلا هذا .. ذاته .. الذي أراه يتكون، ويأخذني معه، وأنا أتطلع للعثور على خطاه غائبة في هذا التتابع.

[19] القيد: المسافة والعلامات
     أنا لا اعمل عند أحد، ولا لأحد، ولا آمل ان احصل على حماية، بل ـ ربما ـ لا أريد ان أبدو هدفا ً كي امحق! تجاربي تسمح لي ان لا أعمم مثل هذا (التصوّر)، وأنا ابلغ لحظة أنني لا اعمل من اجل نفسي، ولا من اجل إنسان آخر!
     طالما كنت أقول لزميل ـ لا اذكر اسمه لأنه كان قد عمل فترة من حياته في شراء الكتب العراقية وبيعها كي تحرق، مع انه لم يكن بحاجة للقيام بمثل هذا العمل، كما لم يكن في ضائقة مادية تدفعه لشراء مجموعة من كتبي لم أكن بحاجة لبيعها ـ ما الذي يجعلني اعمل، وأنا أرى مصائر أعمالي غير متوازنة بين غيابها وحضورها، وبين حضورها وغيابها أيضا ً. ولأنه شديد التمسك بما يكتم، لم يجبني، مثلما كنت أود ان أجد من أحاوره وأنا داخل المنفى أتلهى بأسئلة وانشغالات تبدو خالية من الطرافة! لم يجبني إلا لأن خطأ ما في السؤال: فكيف كنت أرى غيابي ـ وغياب هذا الذي يدل على هذا الغياب، وأنا لست بحاجة للبرهنة على ما اذا كان لهذا برمته ضرورة!
   وبمعنى ما مجاور: ما الذي كان يغريني بصياغة نظام هذا الحضور وهو كالعدم سواء بسواء! ألا تبدو بزوغ الأشياء، عبر تحولاتها، وأبنيتها المشفرة، بحتميات تبلغ ـ وتتستر ـ  وتمحو ما يدل عليها، قيدا أقيد فيه كل ما حلمت ان أتحرر منه؟ لست اكرر ـ وضمنا ً ـ ما قاله أبو العلاء المعري حول ضيقه من الجسد، بل أؤكد، ان شيئا ً ما لا مركزيا ً يمضي وفق هذه اللامركزية. ومعنى هذا ـ كما حاولت العثور من الآخرين على مقاربة/ أو كما حاولت ذلك في القراءات/ والمحاورات/ والنبش ـ لماذا بدا لي ما يصنعه الإنسان، كما لفتت أسطورة (سيزيف) لقوة المعاقبة في تتابعها. فانا أعيد ـ لا استنسخ ـ بل أصبح شاهدا ً على استحالة اختيار شيئا ً آخر، عدا هذا المقيد بقانونه. حقا ً ان النسبية، كرؤية، تسمح لي ان اختار: ان لا أصبح نذلا ً، أو اعمل بأجور تحت فزع الندرة، أو قاتلا ً باسم الحرية، أو بأي اسم آخر! ولكني لم اعد أجد سوى (الاندثار) معادلا ً للتسوية. إنها كلمات جلجامش عند أسوار أوروك، في خطابه إلى الموتى. كان ـ كهاملت ـ قد أدرك ان (سيزيف) وجد ان العبث لا يعمل إلا على ديمومة النظام ذاته: السلطة بدءا ً بأعلى هرمها نزولا ً إلى ما تحت السطح، وان كل من يعمل على مسها، أو زحزحة جزء من أجزائها، لن يمنح حتى فرصة الإقامة في السجن. فكيف ابرر، وأنا اجري محاكمة لذاتي، ديمومة كل ما قيد الاندثار، والزوال، وفي الوقت نفسه، يسهم بالبناء القائم على جدلية: صياد وجد مصيره يتأسس على فن الصيد!
     فهل النسبية كمين؟ ها أنا أرى أشعة الشمس (وسأعود إليها في الفقرة 14)  أكثر من حجاب عند مرور ومضات إشعاعات غاما، مثلا ً، أو عند مقارنتها بما ترسله الكوزرات ـ من 8 ـ 12  أسرع من أشعة الشمس ـ يا لها من تسلية! بمعنى: يا له من عيد لا أجد أحدا ً يشاركني، أو أشاركه فيه. فانا لم اعد امتلك (الصدق) الذي أغواني بأنه ضد الغواية/ وضد الأقنعة/ فانا كلما أزحت قناعا ً، ظهر آخر، حتى أصل إلى الذروة التي وصلها فلاسفة بابل ـ بجذورها السومرية ـ: ليس للإنسان ان يذهب ابعد من حدوده، الآلهة وحدها وجدت لتكتم سر وجودها، أما البشر، فمن الوحل إلى الوحل!
     لكن هذه الذروة، ستتصدع، بنسمة هواء باردة في تموز ـ وقد تجاوزت درجة الحرارة الخمسين درجة مئوي ـ أو بدخان تبغ مر، أو بملامسة بذور عطر فتاة طالما أغوتني بسفرات نهرية، وقد استحال مصيرها برمته للرضا بالمعاقبة في هذه الاستعادة ...!
    ذلك لأن النصوص السومرية ـ المدوّنة عبر ترجمات بابلية، أو التي أخذت سياق التناص فيها ـ لم تهمل لغز غياب العدالة أو حضورها. فالإنسان جزء لا يتجزأ من مصير لا يمتلك ان يفلت منه أو يتجنبه، مع ذلك، تسلل هذا الإحساس  ـ وهذا اليقين ـ إلى القوة الملغزة الكامنة في إدامة كل ما هو ماض ٍ إلى مصيره: الزمن المفتوح ... لكنه ليس زمن الضحية، ولا هو زمني، إلا بحدود أداء ارتداء ملابس سوداء والمشي في ظلمات ليل بلا حافات!
     لكنه ـ هو ـ السياق ذاته الذي يقود الضحية للرضا بالحكم، موته من قبل الآخر، ذلك لأنه سيرى الآخر ـ: الجلاد ـ في الزمن، وفي المرض، وفي الهرم، وفي القهر، وفي الموت! فلماذا  ـ هكذا لم يعد يفكر الذي أمضى حياته في التفكير ـ بأبعد من لذّة الإصغاء إلى بلبل يلفت رهافته انه ليس فائضا ً، أو زائدا ً، لكن هذه الأجزاء من الزمن ـ في الإصغاء أو في الرؤية أو في شرود الذهن ـ  محكومة بما في الزوال من دينامية!
     فهل الرضا بالحجز داخل جدران لا نافذة لها، إلا بحدود نافذة زنزانة، واستبعاد أية مقاومة للذهاب إلى ارض لا حريات عشوائية فيها، ولا شفافيات تدفع 999% من السكان لذبح كل من لا يشاركهم احتفالات دفن أحفادهم، أتساءل: وهل لسيزيف، في اختيار عدا حمل الصخرة، من القاع إلى القمة، ناء عن رؤية مصيره يتدحرج، حتى لو أدار المفتاح في الباب الذي خلفه لا أبواب ولا مسافات!
    لأن سيزيف، لم يختر ان يجعل من العبث نظاما ً لسلطة تراتبية، من الآلهة إلى الإمبراطور إلى العبيد، ولكنه ـ في لاوعيه ـ أدرك ان أي اختيار، حتى لو أصبح كاتما ً لأسرار الإمبراطور ـ بله الإمبراطور نفسه ـ ان الإله، عبر خطاب السيزيفيين ـ يهدم منطقه، بإعلانه ان التراتبية، قدرا ً، وليس نظاماً! ذلك لأن الآلهة لا تتكلم، وأخيرا ً، لا وجود لها إلا عبر استحالة ان نخاطب ضحايا بواجبات: النذور، والأضاحي، لأن الأخيرة، تذهب للمسك بالمفتاح، مفتاح الباب الذي دارت فيه أساطير استبدال الوهم باليقين، واليقين بكل ما يدحض من يحاول هدم التراتبية، ولا مركزيته في النهاية التي لا احد له حتى قدرة تخيّل حافاتها!
    فهل يليق باله سيزيف، ومن قبل، عندما بلغ عدد الآلهة أكثر من خمسة آلاف اله، في سومر، وصولا ً إلى آشور، ومردوخ، ومن قبل بديموزي ـ الذي ذهب ضحية فعل هو جزء من آليات لنسق الديمومة ذاتها ـ مع استذكار ما لا يحصى من البناءات المماثلة: إله للقمح، وآخر للمطر، وثالث للهواء ...و.. للماء، وللنار، وللنبات، ولكل مرض، ولكل طيف، ولكل مجسم له بعد، وله ظل، وله وهم! أتساءل: هل لهذا التصوّر غير ما يتوارى فيه ـ ابعد من المعاقبة ـ وابعد من الثواب، يسمح باسط أشكال المخلوقات، نصف الميتة ونصف الحية، أو اللا حية واللا ميتة، إلى ظهور الزواحف، والثدييات، وصولا ً إلى تكون القشرة التي هي في أعلى الجمجمة، بما يجعلها تجرجرنا بما لا يحصى من الغوايات ـ مع أنها، وقد بلغت هذه الذروة، لا تستطيع أن تذهب ابعد من ختم توحد بصانعه، أو بنيزك حول 99% من المخلوقات إلى لا مرئيات! أو بحرب شاملة لن تشهد احتفالات توزع فيها المكرمات، أو علامات المجد، والنصر!
   لكن، لا العلم، ولا التفكير الأسطوري، وجد أكثر من علم لا يقود إلا إلى ما لا يعرفه، وأساطير تقول ما لا تعرفه، تداخلا ً بينهما، حد الاشتباك تارة، وحد القبول بما هو ابعد من الخرافة، وابعد من تدريبات العلماء، تارة أخرى. لأنهما ـ في رحلة الانتقال من العلم إلى الأسطورة، ومن الأساطير إلى العلم ـ لا مسافة للمنجز ـ الشاهد/ الوثيقة/ الصرخة/ وكل ما ينجزه الوعي، وآليات قواه النائية، إلا وقد غدا طي المجهول،سواء كان نسبيا ً، أو خال ٍ من الحدود، سواء بسواء!


تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.