بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

المفكر عبدالله العروي متحدثا عن مفهوم الايديولوجيا-احمد الحلي


المفكر عبد الله العروي متحدثا عن مفهوم الأيديولوجيا

المقلّد لايصغي
أحمد الحلي
بين أيدينا الطبعة السابعة من كتاب " مفهوم الايديولوجيا " للمفكر العربي عبد الله العروي ، والتي صدرت في العام 2003 ، وتناول فيه هذه الموضوعة الشائكة والحيوية " الايديولوجيا " بشيء من التفصيل والإحاطة ، باحثاً في المصادر والمظان عن جذورها وامتداداتها في الفكر العالمي ، وصولاً إلى العصر الذي نحيا فيه والذي شهد الانتحار الجماعي للايديولوجيات " الشمولية " الوضعية . التي إستلمت منها الزمام آيديولوجيات أصولية شرسة يعتقد منظروها أنهم يتلقون الأوامر من السماء ..
يشير الكاتب في مقدمة كتابه المقتضبة الى أن أصل الكتاب محاضرة تم القاؤها من قبله على طلبة كلية الآداب بالرباط تحت إشراف الجمعية الفلسفية ، وكانت المحاضرة بعنوان " ما هي الايديولوجيا " .
في الفصل الأول من الكتاب ، يستقصي الكاتب أصل كلمة " ايديولوجيا " ويعرض مقترحاته بشأنها ، فيقول إن هذه الكلمة دخيلة على جميع اللغات الحية ، وهي تعني لغوياً ، في أصلها الفرنسي ؛ علم الأفكار ، لكنها لم تحتفظ بالمعنى اللغوي ، إذ استعملها الألمان وضمنوها معنىً آخر ، ثم رجعت الى الفرنسية ، فأصبحت دخيلة حتى في لغتها الأصلية ، وهو يرى أن ترجمتها الى اللغة العربية غير مرضية ، ذلك أن العبارات التي تقابلها ؛ منظومة فكرية ، عقيدة ، ذهنية ، الخ ... ، والتي تشير فقط الى معنى واحد من بين معانيها ، غير أنه يضيف : " إننا نجد في العلوم الإسلامية لفظة لعبت دوراً محورياً ، كالدور الذي تلعبه اليوم كلمة ايديولوجيا ، وهي لفظة " الدعوة " في الاستعمال الباطني ، غير أنه من المستحيل احياؤها والاستعاضة بها عن كلمة ايديولوجيا التي انتشرت رغم عدم مطابقتها لأي وزن عربي ، لذا أقترح أن نعربها تماماً وندخلها في قالب من قوالب الصرف العربي ، وسأعطي المثل ، فاستعمل فيما يلي كلمة " ادلوجة " على وزن افعولة وأصرّفها حسب قواعد العربية " .
ويلاحظ أن الكاتب " إستعمل اسلوبه التبسيطي التعليمي في توضيح المرامي التي هو بصددها فيقول ؛ نقول إن فلاناً ينظر الى الأشياء نظرة ادلوجية ، نعني انه يتخير الأشياء ويؤول الوقائع بكيفية تظهرها دائماً مطابقة لما يعتقد أنه الحق ، يتعارض الفكر الادلوجي مع الفكر الموضوعي الذي يخضع للمحيط الخارجي فيتشبع بقوانينه ، ويخلص الى القول : " إن عصرنا الذي يعبد العلوم الطبيعية يرى الفكر الادلوجي بامتعاض كبير ، اذ يعتقد أن الارتباط بمعتقدات مسبقة غير مبنية على تجربة شخصية علامة من علامات المراهقة الفكرية " .
في الفصل الثاني ، يتعرض الكتاب الى المرحلة التاريخية التي سبقت تبلور مفهوم الايديولوجيا ، متناولاً " الإرث الافلاطوني " والتجربة الإسلامية ، حيث يعرض تساؤل أبو حامد الغزالي في كتابه المشهور ( فضائح الباطنية ) : لماذا يعتنق الرجل العاقل دعوة متناقضة البرهان واهية الأساس ؟ ، ويصل الغزالي الى الاستنتاج التالي : إن المسألة ليست من قبيل المنطق ، ولذلك لا تنفع فيها المناظرة الكلامية . ولافتاً في الوقت ذاته الى أن اعتناق الدعوة الباطنية هو دافع نفسي سابق لكل تدبر ، دافع يرجع الى عداوة مستحكمة ضد الدين الإسلامي ، وهو لا يقف عند الخلل العقلي ، بل يعزوه الى العلة الأولى ؛ النزعة التي لا ينفع فيها ولانصح ولا جدال ، يقول في ( القسطاس المستقيم ) : " إن المقلد لا يصغي " .
وفي الفصل الثالث ، وتحت عنوان الادلوجة / قناع ، يعرض المؤلف مشروع فلسفة الأنوار الني بشرت وواكبت عصر النهضة الأوروبية ، والذي يمكن تلخيصه بالمقولة التالية : أصبحت الادلوجة تعني في العرف تلك الأوهام التي يستغلها المتسلطون ( الرهبان والنبلاء والأغنياء ) ليمنعوا عموم الناس من اكتشاف الحقيقة . وينتقل الى ماركس والمصلحة الطبقية ، ونيتشه الذي عاصر مرحلة نشوء الماركسية ، والذي لا يرى في الاشتراكية إلاّ صورة غلّ وحسد الضعفاء ، ثم ينتقل الى فرويد ومنطق الرغبة ، ونجد عنده عبارات نظن أول الأمر أنه نقلها عن نيتشه ، نقرأ مثلاً : " علينا نحن بني الانسان أن لا نهمل الحيواني في طبعنا " ، ولا غرابة في ذلك اذا تذكرنا أن نيتشه كان يعتقد ان الانسان يحتاج الى الأطباء أكثر مما يتحاج الى الفلاسفة . ويستعرض عدداً من التفسيرات الفرويدية حول انتشار الدعاية السياسية ، اي الكيفية التي يقتنع بها الفرد بأدلوجة ما ، ويصبح يرى كل شيء حسب منطق مقولاتها ، " إن التفسير الرائج في أواخر القرن الماضي يعتمد الإيحاء والتلقين ويرى أن الاقناع هو نتيجة هيبة يشعر بها فرد إزاء فرد آخر ، وهذه الهيبة تعمل كالمغناطيس ، فالفرد الذي يملكها يوحي الى الآخرين بآرائه ويفرضها عليهم " .
وعلى العكس من ماركس الذي يرى أن الأيدلوجية تخفي مصلحة طبقية ، يقول نتشه إن القيم الثقافية أوهام ابتدعها المستضعفون لتغطية حقدهم ضد الأسياد ويعلل قوله استناداً إلى قانون الحياة . " ويتوقف الكاتب طويلاً عند هيغل الذي يحيلنا إلى منتسكيو الذي ربط من خلال مؤلفه (روح القوانين ) بين النظام السياسي والقانون المحيط الجغرافي الذي يعيش فيه شعب ما من جهة ، وبين السمات الخلقية التي يتحلى بها أفراد ذلك الشعب من جهة ثانية ، وهكذا نجده يقول أن الفضيلة روح الديمقراطية والانفة روح الملكية والخوف روح الاستبداد ، ويعتقد هيغل أن روح التأريخ واحد لأن قصد التأريخ الانساني العام هو تحقيق الحرية ، فحين تغادر الروح دولة لتحل دولة أخرى فانها تنتقل من حرية إلى حرية أعلى ، وحين تهاجر روح التاريخ ثقافة ما فلأن ظروف حرية اكبر تواجدت في غيرها من الثقافات وهكذا يحكم على كل حقبة تاريخية اعتماداً على معيارين متكاملين : معيارها الخاص بها ومعيار عام هو روح التاريخ الشامل الذي يشخص المطلق . ويضرب مثلاً بالرق ؛ كان أرسطو يبرر الرق قائلاً : إن المنتصر في الحرب يستطيع دائماً أن يقتل المغلوب . لكن في استطاعته أيضاً أن يعطيه الخيار بين الموت والاسترقاق ، من يفضل الحياة على الحرية يصبح عبداً ، وهذا هو عين العدل ، ثم جاءت المسيحية وقالت إن الناس كلهم سواء عند الله وان الروح الفردية لا تستعبد ابداً ، ثم جاء عهد الأنوار وقال إن الناس يولدون أحراراً ، فحكم أن الرق وصمة في التاريخ القديم .
كما أن ماركس ياخذ على المؤرخين " أنهم يسجلون فقط الوقائع الكبرى ، من أحداث سياسية وحروب دينية ونزاعات نظرية ، وأنهم يشاطرون رغماً عنهم أوهام الحقيقة التي يؤرخون لها "
وينقل الكتاب تأكيد ماكس فيبر في الرد على بعض مزاعم الماركسية من أن التأريخ ليس محدثاً في كل مظاهرة ، كانت سمات مثل عقلنة العمل أو الانضباط ، معروفة في اديرة القرون الوسطى ، وفي الجيش الروماني ، بل وحتى في بابل والصين " ، مشيراً إلى أن هناك ظاهرة واحدة لم تكن معروفة وهي الميزة التي كوّنت الرأسمالية الحديثة ويعرفها فيبر هكذا ؛ " كون المرء يعتبر أنه يقوم بواجب أخلاقي عندما يمارس حرفة أو مهنة ... كون الفرد يقوم بعمله وكأنه رسالة " .
أما الفصل السابع فقد خصصه المؤلف عن الأيدلوجيا في العالم العربي ، مسلطاً الضوء على كتابين مهمين صدرا في هذا المجال أولهما الكتاب الضخم المعنون الايدلوجيا الانقلابية " وهو لنديم البيطار الذي صدر في عام 1964 والثاني الايدلوجيا العربية المعاصرة للمؤلف نفسه وقد صدر في العام 1967 ، ويلاحظ المؤلف أن البيطار يظن أن العرب في حاجة إلى عقيدة الجبر التاريخي ليقتنعوا أنهم غير مختارين ، بل أنهم مضطرون إلى تقبل أيدلوجية ثورية ، ويصر البيطار على الاعتقاد بان القدر التاريخي ضروري لأن ذلك الاعتقاد في نظره جزءٌ لا يتجزأ من الادلوجة الانقلابية التي بدونها يستحيل تحرير الانسان وبالتالي تحرير المجتمع العربي ، ويستنتج المؤلف بعد عرض كل هذه المعطيات بأن هدف البيطار عملي أولاً واخيراً ، فهو بالضرورة ذرائعي وتلفيقي ، ثم يلقي الضوء على المصادر التي استقى منها البيطار افكاره بل وانتحلها في كثير من الاحيان مثل ديلتاي ومانهايم والكانطية الجديدة وجورج سويرل وكذلك نتشه .

ليست هناك تعليقات: