بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 29 يناير 2015

وداعا ً زهير العطية-د.إحسان فتحي







وداعا ً زهير العطية


الأصدقاء الأعزاء
تحياتي
صدمني هذا اليوم خبر وفاة احد اعز أصدقائي في العراق وهو زهير الشيخ رايح العطية والذي قضيت معه سنوات طويلة وجميلة كان اغلبها مخصصا لتوثيق التراث العراقي المهدد بالزوال الأبدي. كتبت هذا البوست بسرعة استذكارا واعترافا بمنجزاته العظيمة كأحد ابرز الموثقين التراثيين في العراق المعاصر. كان كنزا كبيرا من المعرفة في اصول الفنون الشعبية العراقية. ان رحيله هي خسارة لا تعوض حقا.
وداعا يا أبا شاهين... ستبقى حيا في قلوبنا
د.إحسان فتحي

قصة قصيرة الحصان والأتان-عادل كامل

قصة قصيرة
الحصان والأتان
عادل كامل
     مرت الأتان(1) تتبختر نشوانة من أمام الحصان، في الإسطبل، حيث أخفى ابتسامة لمحتها الأتان، فاقتربت منه كثيرا ً، حتى استنشق رائحتها، فسألته:
ـ أتسخر مني، أيها الحصان الجميل؟
ـ بالعكس...، فانا استعدت أزهى أيامي، عندما بذلت كل ما كان بوسعي ان أقدمه للآخرين!
   لم تخبره بما اسر في إذنها، قبل سنوات طويلة، وهو يسفدها: عساك ان تلدي مهرا ًعداء مثلي، فلا تجعليه كالحمار الذي ينوء بحمل الأثقال(2) لتقول:
ـ ماذا نفعل غير حمل الأثقال..، فانا نفسي لو افعل ذلك لتخلصوا مني، وجعلوني وليمة للمفترسات!
ـ هذا هو الصواب.
ووجد صعوبة في متابعة الكلام، فسألته:
ـ أراك مهموما ً، حزينا ً، وتنظر بشرود ...، ولا مبالاة؟
أجاب بلا بعدم اكتراث:
ـ كنت أود لو مت بدل ان انطق بكلمة أسف، على ما مر...، ولكنني سأعترف لك، يا صديقتي القديمة، مادام الكلام، في نهاية المطاف، كالصمت، محض مرور من المجهول إلى المجهول، فها أنت ِ تستنطقيني!
ـ ها أنت أصبحت فيلسوفا ً، تفكر مثل القدماء؟
ـ لا، أيتها الأتان السعيدة، فانا لم اعد اجري في ساحات الوغى، ولا في ساحات المنازلات الكبرى، ثم لم اعد اجر العربات، بعد ان شغلوني بجر عربات الموتى، ثم عربات الزبل، ثم حمل الأثقال، رغم تقدمي بالعمر بعد سنوات طويلة من الخدمات التي قدمتها!
ـ وماذا بعد ذلك..؟
ـ الجواب وحده سيبقى لغزا ً...، فانا لم اقتل، ولم أمت...، بل وجدت مصيري ينتهي بي في هذا الإسطبل، في هذه الحديقة، وقد وضعوا لافتة تقول: حصان أصيل!
نطقت بنشوة:
ـ وها أنا أجدها مناسبة كي نعيد صداقتنا الحميمة القديمة...، يوم ولدت بغلا ً!
قالتها بخبث، فأجاب بصوت واهن:
ـ آ ...، أيتها الجميلة، مهما تقدم العمر بك، فأنت مثار للدهشة، والغواية...، ولكن لماذا تبعثين في الأسى، بعد ان غاب عني عقلي، وفقدت جذوته!
فقالت بحيرة:
ـ  وماذا افعل بعقلك...؟
ـ لا تسخري مني، فالعقل وحده مسؤول عن الغواية، والخطيئة!
ـ لو كان ما تقوله صحيحا ً، لكانوا أرسلوك إلى المسلخ طعاما ً للضواري، أو تخلصوا منك بإرسالك إلى المحرقة!
  فقال بصوت حزين:
ـ لن يطول الأمر ...، فعندما لم اعد قادرا ً على عرض مهاراتي، للزائرين، بوصفي أصبحت أثرا ً، كما قالوا ذلك، ستنتهي حفلتي في هذا الوجود!
ـ يا للخيبة، لن أتذوق عسلك!
فنطق بصوت مرتجف:
ـ لكن خيبتي اكبر ...، أيتها الغالية، عندما لا أجد ساحة للجري، ولا أجد ساحة للمنازلة، ولا أجد قدرة للتمتع بزمني...، عدا الاحتفاء بوجودي وقد صار هيكلا ً...، بعد سنوات بذلت فيها كل ما كان بوسعي ان ابذله من اجل الآخرين، ولكن اخبريني..
صمت فترة غير قصيرة، ليسألها:
ـ أين ولدنا الغالي؟
اكتأبت، وبصعوبة وجد الرد:
ـ افترسته الذئاب.
ـ آ ....، فهمت، لهذا ترغبين بابن...! إذا ً...، لن ادع الحزن يؤذيك، بعد ان  ملأت رائحتك عقلي!، لكن ما الذي يضمن ان بغلنا السعيد، ابننا، لن تفترسه الكلاب، أو ينتهي به المطاف إلى هذا الإسطبل، في هذه الحديقة؟!
14/1/2015



_________________________________
1 ـأتان: ( اسم )
الجمع : أُتُنٌ ، و أُتْنٌ
الأتان : الحِمارة ، أنثى الحمار
2 ـ طه باقر " مقدمة في ادب العراق القديم" ادب السخرية والغزل والتراتيل. جامعة بغداد ـ كلية الاداب ـ 1976 ص182