بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 21 فبراير 2017

أختام *- عادل كامل
















أختام *


 الختم الخامس


عادل كامل

 

 [6] هوية الفعل ـ الأثر
    يبلغ الوعي ذروته: انه ـ في كل خطوة ـ يخترع توازنه. فانا لم اعد معزولا ً عن أدواتي: القلم/ الورقة/ الضوء/ وتتبع ما أراه يتوارى ...، بل أصبحت امتدادا ً له طالما كلانا تحولات محكومة بما لم يعد للمعرفة فيه إلا الاختباء فيه. معرفة الفن وهو يخفي معناه، نائيا ً، عن كل خاتمة. فهو شريك الجسد في هذا الامتداد، وليس في القطيعة. وبمعنى ما يعلن الفن عن شراكته لي في تلافي المنفى ـ والنفي. فانا  لا أتطهر فحسب، بل اكف عن المقاومة. فأجد أنني لم أتحول إلى آخر، بل أتوحد مع ذاتي كي تكتمل النهايات بمقدماتها.
   هل بلغ الوعي ذروته، حقا ً، كي أرى حياتي ـ بفجواتها وبمفارقاتها وإرباكاتها ـ كعناصر انصهرت مكوناتها فيه واستحالت عنصرا ً مغايرا ً، أم ظهر لي، برغم هذه المراقبة، أني أتمسك بآليات لا واعية للتمسك بالأثر ـ دالا ً على صانعه، رغم إدراكي التام للصفر وما يخفيه من امتدادات لا تغادر لغزه!
    لا يحتمل الفن، ولا العملية الفنية، هذا التأويل. فالمحكوم بالموت، قبل رحيله، وحده يكون (عبر) ماضيه، كما لا معنى للقبر، بصفته ذرات تراب، المحو وحده سيبقى يحدد هوية الفعل ـ الأثر!
[7] حافات المحو
   وبمعنى ما يصعب تتبع المحركات اللا مرئية، وتحولها إلى فعل، والى مشروعات للقفز في مساحات المجهول. والأصعب من ذلك، ان تجد نفسك مشاركة في عمليات الهدم، كي تغيب، بعيدا ً عن الرصد، والتوثيق، ومدى صلتها بالإبداع، ومشاكله!
     في هذا الشرود، مازلت المح هذا الكيان الغامض، القائم على أكثر من تصادم. لأن سؤال ماذا نريد لم يقترن بأدواته الحديثة، وبالوضوح المطلوب. فالعشوائية ستؤدي دورها حتى النهاية، وهي التي كادت ان تنفي شرعية (التجريب) وتجعله محض ادعاءات قائمة على الخطأ والصواب.
     ماذا نريد ...وما الذي يستحق ان لا نريده، ونستبعده أصلا ً والذي سيشكل علامة لا يمكن عزلها عن كل ما سيشكل مصائر المشتغلين في الفن، وطرقه، وعلاماته..؟
    لن أتحدث عن الذين كانوا يشاركوننا هذا الهاجس المعرفي، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لأن من مكث معنا، هو الآخر، كان لا يمتلك إلا الدرب المتغير وقد خيمت عليه غيوم كالحة بفعل تحولات العالم من ناحية، وما يجري في القارات المحتضرة، وقد زوروا الأسماء، بمنحها تسميات مراوغة: كالعالم الثالث، النامي، من ناحية ثانية!
   ان كل ما يتصل بالتنمية البشرية، والتحضر، والتراكم المعرفي، تم استبعاده، واستئصاله، وترك الجميع يتخبطون في سراديب خالية من السلالم، كما ذكر منعم فرات، أو كعمل مجرشة الملا عبود الكرخي، سمة لقرن في طريقه إلى الأفول.  
  ولنستبعد نظريات المؤامرة، ونقول: هذه هي أخطاؤنا! حسنا ً،لكن الذي حصل شبيه بقصص ادمون صبري، ليست مضيعة للوقت، له ولنا حسب، بل لا جدوى من إعادة قراءتها!
    فالتنمية ستتراجع حد الصفر، بمعنى: أنها ستغلق سرداب منعم فرات، وتترك من فيه يتخبط في الحفر! هو ذا كهف أفلاطون، يدور المفتاح في قفله، فلا إضاءة ولا ظلال! فما يروى وحده قد بلغ ذروته: لن يتزحزح لا إلى الأمام، ولا إلى الخلف!
    أنا لست بصدد إعادة الحفر في موجهة الانخلاع: لماذا حدثت، وكيف استكملت برنامجها: حياتنا وهي لا تتباهى الا بخرابها! انه خرابي في نهاية المطاف. فبعد 1958، مرورا ً بالمتغيرات المشحونة بموجات القسوة، والذعر، خلال المتغيرات السياسية، وحتى يومنا هذا في عام (2011)، ولكن هل ثمة دراسات توقفت عندها، بمنظور يتوخى تفكيك المشهد كاملا ً، وليس ثقب مغلق! فالسيناريو الممسرح بين الفصائل، لم يجد من يرجعه إلى حده الأدنى من المحركات. ولا أنا سأفعل ذلك أيضا ً. لأن المشترك العام فقد مركزه. فليس هناك مقدسات، ولا وجود للحد الأدنى من الثوابت. فالجواهري، على سبيل المثال، أثنى على شخصيات لا تقل إساءة إلى الإنسان، وحقوقه، وتنميته، ومعرفته، لا مبرر لها ..الخ وهو ما ينطبق على شخصيات أخرى، مع ذلك كان غياب ألجواهري، ومئات العلامات الثقافية، في مختلف حقول المعرفة، والإبداع، ضربة توازي التنكيل بأصحاب المشاريع التنموية  ، والحريات. فلقد تحولت الأراضي الزراعية إلى أدغال، وتدهورت مشاريع الري، فيما أصبحت المصانع في ذمة التاريخ، من معامل صناعة الورق إلى الزجاج، ومن النسيج إلى الجلود والمعلبات ..الخ إلى جانب دفن المصانع الأهلية، وتركها تحتضر وتلفظ أنفاسها في الأخير.
   كانت الهجرة شبيهة بحدث (كارثي)، وكأنه ليس من صنع البشر، بل من عمل كائنات تعمل في كوكب آخر، لأن وضع قائمة بها، خلال نصف القرن الماضي، سيرسم لنا نهايات المشهد. فماذا لو كان الوعي، أو شيئا ً شبيها ً به، قد تصدى لموضوع الانخلاع، والفرار الجمعي، وناقشه بأدوات غير التي أدت إلى ذروته، ماذا كان سيحدث....؟ أم علي ّ ان لا ابعد شبح الأثر الكارثي الذي جعل مصائر البشر قيد التدمير، والزوال..؟
    هذه الظلال، والضلال، ستعمل في أقاصي الرأس: في خلايا الدماغ، وفي ومضات الوعي، بعيدا ص عن الثنائية، وبعيدا ً عن مثنويات الفلسفات القديمة، فانا عشت ـ كعدد من زملائي ـ المشهد حد تذوق خفاياه اللاذعة، المهلكة، ثانية بثانية. فالإنسان لم يولد في الخوف، ولن يعيش فيه، كي يدفن في حفرته فحسب، بل الخوف (وربما علي ّ ان أقول: اللا تنمية/ اللا عمل/ اللا احترام، ومعاملة بعضنا للبعض الآخر وكأننا في أتون: حرب الجميع ضد الجميع) سبق حضورنا أصلا ً، لأن المشهد برمته لم يعد بحاجة إلى ديمومة. لكن الاحتضار ـ وهذه إشكالية لم نر من يشخصها لنا بما هي عليه ـ غدا البرنامج الذي علينا ان نحافظ عليه: الشعوب التي عليها ان لا ترى النور، هي ذاتها، عليها ان تبقى عليلة، تدور في المحور ذاته، ولا تنتج إلا ما شخصه الملا عبود الكرخي: مشاجرات مومسات الميدان! في ذلك الزمن (الكلجية) التي تم استبدال معناها من موقع لجماجم ثوار بغداد إلى موقع للدعارة!
    لا احد أضاء لنا الدرب تمام الإضاءة، حتى لو كانت خاتمته سابقة مقدماته، إلا في حدود تنمية الإقصاء، ومن مختلف الفصائل، شعارات للتشهير، والمطاردة، والإذلال. فالمعركة، برمجت كي لا يخرج منها احد إلا مثقلا ً بالذنوب! ألا يبدو القرن الماضي (بين 1921 ـ 2011) مشهدا ً لا ينتمي إلى مسرح العبث، واللامعقول فحسب، بل إلى ما لا يسمى، والدخول فيه، كالدخول في حفرة كومت فيها مئات الجثث مجهولة الهوية في صيف بغداد الذي لا يرحم! ـ: عطر التاريخ، يا بودلير، ويا أيها المعري، ويا طرفة، ويا أيها الحكيم السومري الذي لخص المأزق ذاته قبل ستة آلاف عام، العطر المشبع بالنتانة، وشفافيات المحو، والتنكيل، باسم الحداثة، وما بعدها، حيث لم يجمعنا القبر، بل كان على كل منا ان يجد وسيلة للتواري، وتجنب الأصوات، ولفت النظر! فالفصائل ستوكل إليها مهمة تجاوز مشروع ذبح الجميع للجميع، نحو: ترك المستقبل يمحو ماضيه!


الأحد، 19 فبراير 2017

الوصفة السحرية للفوز بجائزة عربية-*نبيل سليمان

الوصفة السحرية للفوز بجائزة عربية
*نبيل سليمان

في حمّى الجوائز وصخبها في الفضاء الثقافي العربي، باتت الأصابع ترطن – على الكيبورد أو بالأقلام – بثقافة الجوائز، أي بموسم وأموال ومؤسسات ومواصفات، ودور نشر بعينها، وحكّام مكرسون، وكواليس تشكك بالذمم، واختلاط يستوي فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون، دون أن ينفي كل ذلك ما يتحقق من تقدير لبعض من يستحقون، وبعض ما يستحق.

ولعل علينا من البداية أن نميز بين الجوائز التي تتوجه إلى مجمل ما أنجز روائي أو ناقد أو شاعر أو مترجم أو مفكر، مثل جائزة العويس أو جائزة الملك فيصل أو جائزة القاهرة للإبداع الروائي، وبين الجوائز التي تتوجه إلى رواية أو فيلم أو بحث، بالمفرد، مثل جائزة كاتارا أو الجائزة العالمية للرواية العربية (والشهيرة بالبوكر العربية) أو جائزة الشيخ زايد في أغلب فروعها.

ومهما يكن، فالسؤال هو السؤال: ما السبيل إلى الفوز؟ لماذا فاز فلان – كشخص أو نص؟ ومن موسم إلى موسم، ومن جائزة إلى أخرى، تتفتق ثقافة الجوائز عما يرضي لجان التحكيم و/أو أصحاب الجائزة. ولكن قبل الذهاب أبعد، ربما كان تحديد القول بمسمّى بعينه، يجعله أكبر جدوى، وينأى به عن مألوف لغط الجوائز. لذلك أسوق السؤال عما يعنيه نظام جائزة البوكر العربية بالنص على أن مجلس الأمناء يعين لجنة التحكيم من خمسة أشخاص: نقاد وروائيون وأكاديميون من العالم العربي وخارجه، والمجلس يختار من يفوز، نصاً أو شخصاً، من بين من ترشحهم لجنة التحكيم. فقد بدا أن إسناد المهمة إلى أكاديمي في الاقتصاد مثلاً، هو ورطة له وللجائزة. كما بدا أن (تطعيم) اللجنة بمستشرق أو مستعربة ينادي عقدة الخواجة. وبما أن القدوة هي البوكر الأم الإنجليزية، فأهلاً بالناشرين العرب إلى مجلس الأمناء وإلى اختيار المحكمين. ولكن ما دام حال النشر العربي على ما هو عليه، فلا مناص من شبهة الاحتكار، وبالتالي أن تغلب في التداول دور لبنانية، لذلك يحسن أن تحضر أيضاً دار مصرية، مثلاً، ولا بأس بحضور غيرها بين دورة وأخرى.

2

ذات مساء من شتاء 2008، جمعتني أمسية في حلب مع يوسف زيدان، وكان ثالثنا المطران يوحنا إبراهيم، مطران السريان الأرثوذكس في حلب، والذي اختطف مع المطران بولس اليازجي في ريف حلب منذ أربع سنوات، ولا يزال مصيرهما مجهولاً. وقد أدارت الأمسية الروائية شهلا العجيلي. ولسببٍ ما، ليس أقل من مسٍّ أصابني، تنبأت أمام الملأ لرواية زيدان “عزازيل” بفوزٍ عظيم.

وبعد قليل من الأمسية ظهرت القائمة القصيرة للدورة الثانية 2009 من جائزة البوكر العربية. وفيها رواية “عزازيل” مع روايات لفواز حداد ومحمد البساطي وإبراهيم نصرالله وإنعام كجه جي والحبيب السالمي، وكنت قد قرأتها جميعاً. ووجدتني أعيد قراءة “عزازيل” فتضاعف رهاني عليها – رغم ملاحظتي على درجة تسريد الفكرة أحياناً – ربما لما تخاطب به حمولتها الفلسفية والمذهبية والدينية حاضرنا، وربما لمعرفتي العميقة برئيسة لجنة التحكيم يمنى العيد. ومهما يكن فقد كسبت الرهان، وحين وقّع يوسف زيدان لابنتي نسختها من الرواية في معرض الكتاب في أبو ظبي، إثر إعلان فوزه، حدثها أمام الملأ عن نبوءتي، وهذه واحدة.

أما الثانية فتتعلق برواية شكري المبخوت “الطلياني”، إذ جمعتنا ندوة نهارية في “مدنين” التونسية عشية الدورة الثامنة للبوكر العربية. وكانت لي نبوءتي أمام الملأ بفوز “الطلياني”. وقد أكدتُ النبوءة في سهرة في مدينة تونس ضمتني والروائية آمال مختار مع الروائي الذي كانت روايته تتنافس مع روايات لعاطف أبو سيف وجنى فواز الحسن ولينا هويان الحسن وحمور زيادة وأحمد المديني، وكنت قد قرأتها جميعاً، ولم أخشَ على “الطلياني” إلا من منافسة “شوق الدرويش”.

3

بعيداً عمّا في النبوءتين من ادعاء، أو طرافة، أقلقني في الدورات الأخيرة للجائزة أن أجد في القائمة القصيرة نصوصاً بالكاد تصلح للنشر، وأن يكون بين المحكمين من أشكك في أهليتهم للحكم على الرواية، وإن يكن واحدهم أكاديمياً في الاتصالات أو  صحافياً مشهوداً له، فكل ذلك أمر، والتحكيم في الرواية الأفضل لهذه الجائزة أو تلك، أمر. ولم ولن يعزيني القول إن البوكر العربية معنية بالمقروئية والترويج أولاً.

في دورة 2013 من جائزة الطيب صالح للرواية والقصة، قيض لي أن أكون من المحكمين مع عبدالله إبراهيم وآخرين. وقد نالت رواية الصديق عز الدين التازي “المغرب” الدرجة الثالثة. ولم تتأخر المفاجأة، إذ أسرعت جائزة العويس إلى التازي على جملة منجزه الروائي. وفي هذه الواقعة، كما أحسب، دلالة صارخة على المفارقة بين أن تأتي أحدث رواية لك في الدرجة الثالثة من جائزة محترمة، بينما تفوز عن مجمل إنجازه بجائزة محترمة أخرى، فهل هو الخُلْف وحده بين المحكمين؟ أم هي إرادة أولي أمر الجائزة؟ أم هو زحام الجوائز العربية في العقد الأخير مما يؤثر في اختيار المحكمين من بين من هم أدنى كفاءة أو أهلية؟

ثمة جائزة تأكدت مصداقيتها خلال زمن طويل، وكانت رائدة في هذا السبيل. وقد كنت واحداً ممن رشحوا لها محكمين في بداياتها قبل عقدين ونيف عقد. وفي علمي أن واحداً من كهنة الجوائز بجدارة، رشّح – لماذا لا أقول عيّن؟ – لهذه الجائزة من تلامذته من هو أو هي أدنى كفاءة، وترشيحه لا يرد. وبهذا الترشيح/ التعيين تكون لصاحبنا اليد الطولى في منح الجائزة الفلانية لفلان أو فلانة، وفي فمي بحصة، وفي فمي ماء، لهذا الأمر، ولما يلي.

وثمة جائزة كبرى جداً، شهدت سهرةً قاهرية مع محكّم فيها، وهو (جوكر) التحكيم في شتى الجوائز. وقد جلجل الرجل، وهو ناقد ذو شأن بحق، بأنه اختار في إحدى دورات تلك الجائزة رواية للفوز، فأعيدت إليه الروايات المرشحة ليعيد الاختيار، فأعاد، فأعيدت له الروايات ثالثة، فبلغ به الغيظ أشده. وهو محق إن صدقت روايته، فضرب كفه في علبة الروايات، وانتزعت الكف جزافاً رواية، وأرسل لأولي الأمر: هذا ما اخترت، ففازت الرواية (الجزافية).

4

 فلنعد إلى السؤال المقلق: ما الذي في هذا البحث أو في هذه الرواية مما يؤهل لهذه الجائزة؟ ما الذي في منجز هذا الشاعر أو هذا الناقد مما يؤهل لهذه الجائزة؟

بقدر ما يسعني أمعنت في أغلب ما في القائمة الطويلة لدورة 2017 من البوكر العربية، مما استطعت قراءته، حتى الآن، وتساءلت: هل كان للزلزال العراقي المتفاقم منذ قرابة أربعة عقود، دور في الاختيار، ما دامت رواية سنان أنطون “فهرس” معنية بالغزوة الأميركية 2003، ورواية إسماعيل فهد إسماعيل “السبيليات” معنية بالحرب العراقية الإيرانية؟ هل كان للهجرة والتهجير والمهاجرين وموئل اللجوء دور في الاختيار ما دامت رواية أمير تاج السر “منتجع الساحرات” تلوح للاجئين في شرق السودان بذراع اللاجئة الإريتيرية آبيا تسفاي، وما دامت رواية عدنان ياسين “هوت ماروك” تلوح للاجئين من جنوب الصحراء إلى مراكش؟ ولكن ماذا لو فازت رواية محمد حسن علوان “موت صغير”، أي ماذا لو فازت السيرة الروائية لإمام المتصوفين ابن عربي؟ وماذا لو فازت رواية إلياس خوري “أولاد الغيتو”، أي ماذا لو فازت رواية الحكايات الفلسطينية التي بدت كجزءٍ ثانٍ لرواية “باب الشمس”؟

في دورة 2014 كانت الراية لرواية أحمد سعداوي “فرانكشتاين في بغداد”، وفي الدورة نفسها جاءت رواية إنعام كجه جي “طشاري” في القائمة القصيرة، مثل روايتها “الحفيدة الأمريكية” في دورة 2009، فهل للمرء أن يخلص من ذلك إلى أولوية ما للموضوع العراقي؟

في الدورة السابقة (2016) فازت رواية ربعي المدهون “مصائر كونشرتو الهولوكست والنكبة”. وكانت رواية المدهون “السيدة التي من تل أبيب” قد بلغت القائمة القصيرة في دورة 2010، كما بلغت القائمة القصيرة رواية محمود شقير “مديح لنساء العائلة”. وكانت رواية عاطف أبو سيف “حياة معلقة” قد بلغت القائمة أيضاً في دورة 2015، وقد سبقتها رواية إبراهيم نصرالله “زمن الخيول البيضاء” في دورة 2009، فهل للمرء أن يخلص من ذلك إلى أولوية ما للموضوع الفلسطيني، بالأحرى: الفلسطيني الإسرائيلي في البوكر العربية؟

لكن من هذه الروايات ما هو حفر روائي في التاريخ، مما ما زال بعضهم يصنفه كرواية تاريخية، أو يحدد “موضوع” الرواية بالتاريخ. ومثلها هي رواية لينا هويان الحسن “ألماس ونساء” ورواية حمور زيادة “شوق الدرويش” اللتان بلغتا القائمة القصيرة، وقبلهما كانت الراية لرواية ربيع جابر “دروز بلغراد” في دورة 2012، ولا ننسى روايته التاريخية “أمريكا” من دورة 2010، فهل لنا أن نقدر إذن أولوية ما للتاريخ؟ وماذا إذن عن التطرف والطائفية مما شغل بالمعية رواية “مولانا” لإبراهيم عيسى، ورواية سنان أنطون “يا مريم” في دورة 2013، وقبلهما، في دورة 2012 رواية بشير مفتي “دمية النار”، ورواية خالد خليفة “مديح الكراهية” في الدورة الأولى، والتطرف والطائفية هما إذن الموضوعان/ الموضوع الأثير للجائزة العتيدة.

من فلسطين إلى التاريخ إلى اللجوء إلى التطرف.. تتنوع الموضوعات كعنصر وازن أو رئيسي في الوصفة السحرية، والقارئ هو من يحدد الأولوية، ولكن كما يقدّر الناشر، وكما يريد، فإذا صح ذلك، فماذا بقي للتحكيم إذن؟ هل بقيت له جماليات الرواية كعنصر ثانوي في الوصفة السحرية المنشودة؟

بتشغيل هذه الأسئلة في جائزة الشيخ زايد مثلاً، تبرز الرصانة وقلّة الإثارة والصخب. ولا تبعد عن هذا النهج جائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأميركية في مصر، بينما نجد أن كل دورة من دورات جائزة الكومار التونسية هي معركة ثقافية بامتياز، يبلغ الضرب فيها أحياناً ما تحت الزنار. وقد فازت بها “الطلياني” سنة 2015 و”ديوان المواجع” لمحمد الباردي سنة 2014 فتركزت الحملة على الجائزة منظمين وحكاماً وفائزين، بدعوى ذهابها إلى الدكاترة وابتعاد الشباب وغير المدكترين والمدكترات، فهل يكون من الوصفة السحرية للجائزة أن تكون أكاديمياً، وبالتالي، صديقاً للأكاديميين الذين يستأثرون بالتحكيم أو تكون الغلبة فيه لهم على الأقل؟

5

من كلمة رئيسة لجنة التحكيم الروائية العزيزة سحر خليفة في إعلان قائمة البوكر العربية الطويلة لدورة 2017: “الروايات بمجملها تعبر عمّا يدور في العالم العربي من تفاعلات وصراعات وانتكاسات، وأيضاً: آمال وأحلام”. فهل للمرء إذن أن يتساءل عمّا إن لم يكن ما يعصف بسورية من كل هذا الذي يدور في العالم العربي، حتى خلت القائمة الطويلة من أية رواية سورية؟

ثمة من رد السؤال برواية تيسير خلف “مذبحة الفلاسفة”. لكن الكاتب فلسطيني، ومقامه السوري زمناً لا ينزع فلسطينيته ولا يزاوجها بسوريته. ويبقى إذن الجواب المسكوت عنه حتى الآن، وهو أنْ ليس من رواية سورية مرشحة لهذه الدورة، ترقى إلى القائمة الطويلة.

لعل الأمر يحتاج إلى توضيح من الجهة المنظمة، يبين ما إن كانت دور النشر لم ترشح رواية سورية مثلاً. وإذا ما كان الترشيح قد حصل، فهل كانت سوية الرواية أو الروايات المرشحة، متدنية؟ أم إنها لم تنسجم مع مؤشرات التحكيم؟  ومهما يكن ففي حدود علمي أنه قد صدرت روايات سورية هامة بين بداية تموز – يوليو 2015 ونهاية حزيران – يونيو 2016، أي ضمن الفترة التي حددتها الجائزة لصدور الرواية المرشحة. ومن تلك الروايات أعدد: “الذين مسهم السحر” لروزا ياسين حسن، “اختبار الندم” لخليل صويلح، “لعنة الكادميوم” لابتسام التريسي، “البدل” لخليل الرز، “الموت عمل شاق” لخالد خليفة، “مترو حلب” لمها حسن، “الشاعر وجامع الهوامش” لفواز حداد، وأخيراً وليس آخراً “ليل العالم” لكاتب هذه السطور. وكثير من هذه الروايات صدر عن دور النشر ذات الحظ السعيد في البوكر العربية.

أليس من بين كل هذه الروايات واحدة قد أدركت سر الوصفة السحرية؟

___