بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 6 أغسطس 2016

أختام *-عادل كامل



















أختام *


 الختم الثالث

عادل كامل

 [7]  الديمومة والفن

     لكن الاشتغال في الفن، لا يشبه الاشتغال في الفلسفة! فالفن جزء من مسار معقد يتضمن موروثات السحر/ المعتقدات/ والحدوس ذات البعد السحيق، فيما الفلسفة، لا تعمل على حب (الحكمة)، كما منحها هذا الواجب، سقراط، بل ما الحكمة، كي تحب، وكي يكون الطريق إليها، طريقا ً فلسفيا ً..؟
     أعلم جيدا ً ان القرن 21 لم يرث شيئا ً يوازي استحداثه للسلع ـ: نظام الإنتاج الفائق/ والتداول الفائق/ والاندثار الفائق أيضا ً. أي العودة إلى ما قبل الفن، والى ما قبل السحر، والى ما قبل المعتقدات: الديمومة!
    لأنها وحدها ستعمل على اختراع الوسائل، اللصيقة بغاياتها. وعندما يبلغ الشك ذروته: ما الغاية؟ سيقال: الغاية في ذاتها، وفيزيائيا ً ـ بهذا المسار اللاهوتي وليس الفلسفي وليس الفني ـ نجد الجواب يقودنا إلى الأسباب المكتفية بذاتها أيضا ً.  إنها عملية لن تسمح بفك الازدواجية ـ والثنائية، لأنها وحدها تجعل حب الحكمة قضية غير قابلة للدحض. لكن ما الحكمة، في هذه الحدود، ان لم تعمل على استبدال الازدواجية ـ والثنائية ـ بتفكيك التشوش الحاصل بين عمل التخصصات، أولا ً: هناك أوامر صادرة لن ينشغل في مناقشتها إلا المشتغل في الفلسفة، وليس الفنان، أو الساحر، أو من يؤدي دوره القائم على الأسرار، والغموض، والأشياء العصية على الفهم، أو التي ـ هي ـ خارج حدود الجدل. لكن الفلسفة ـ كباقي التخصصات ـ ستعمل لصالح عصر مؤسس على التراكمات. فالحروب/ والتصادمات، مع أنها تجاور كثيرا او قليلا ً ـ ما يحدث في تراكمات الأشياء ـ وتفكيكها ـ إلا أنها لن تسمح لأي نظام بالعمل على وجود سواه! وبالمقابل، تغدو الحكمة نادرة، ولا يتمتع بها إلا الأكثر ندرة من البشر.  ألا تبدو هذه الفلسفة قد فقدت قوتها، وأصبحت جزءا ً من الخطاب المرافق لعمليات التراكم، والتصادم. لأن البدائل لن تمتلك إلا وعودا ً قائمة على الانتظار.  فإذا كانت جنة (عدن) من صنع الخيال، كحال المدن الفاضلة، فان هذه الصناعة ليست منجزا ً فلسفيا ً، بل، بل على العكس، إقصاء ً لها، كي ينقسم البشر، مرة بعد مرة، إلى: من في المقدمة ومن في الذروة، إلى هامش يستخدم البيولوجيا بزيادة عدده أو الحد منه، بحسب بقاء الحكماء يتربعون فوق الفلسفة.
     ليس من المؤكد ان الفن يؤدي هذا الاندثار، بما يضمن للحكماء من استبعاد أي درب يقود إلى سؤال:  أليس العالم صيغة واحدة من التحولات، وان الثنائية، ليست إلا صيغة موازية للواقع، كيفت، لتبقى أبدية، دون ملاحظة ان للتراكم حدوده، ولا وجود، في الأصل، لهذا الثابت الأبدي! ففي المعتقدات، التماعات فائقة تجعل الموت ينبت من الحياة، والحياة ذاتها لا تخرج إلا من الموت. لكن لصالح من استثمر هذا المنهج؟ للفقراء ام للذين هم التجار/ رجال المال/ والساسة، في ركلهم للفلاسفة، واستبعاد أي تفكير يشتغل بالعثور على مناطق لا ينقسم فيها الناس إلى حفنة من الصيادين، ونمل من الضحايا!
    في الغالب لم اعمل لوضع هذا الشرود، بصيغة الإعلان، في صناعة أختامي، بل، غالبا ً، كنت اسكن المكان الذي آمل ان يحررني من ذعر دائم لن يراقب من بعيد فحسب، بل من قبل تلال النمل وهي تدك كل ما هو جدير بالانتقال من الظلمات إلى الفجر!

[8] الغائب حاضرا ً
     وأنا أتتبع الأشكال ـ من اللا شكل إلى المثلث والى الأشكال متعددة النهايات ـ لم المح ان لا وعيا ً كليا ً بالإمكان ان يتحكم بتحديد المسافة بين الوظيفة والجمال، كي يعزل الرهافة، أو اللا نافع، عن الشكل بصفته يؤدي العمل ذاته الذي يؤديه الصياد ـ أو حالات الدفاع النفس. على ان الجمال ـ وكل ما هو جذاب وسحري وعلامة كونتها مكوناتها بما ترمي إليه ـ ليس وليد الرهافة أو النظام بالغ الدقة، لقصد الإشباع غير المباشر للديمومة، وإنما سيبقى يلفت النظر إلى ذات المكونات السابقة على وجودها كعناصر ـ من أجزاء لا مرئية للذرة إلى المجموعات ـ وقد شكلت علاقات تنتج عنها أنظمة الجماعات ـ من النمل والنحل إلى نظام القرية ـ وما يتطلبه من ترابط في مواجهة الجماعات الأخرى، أو الحيوان، أو الطبيعة.
    ما هو ذلك السابق على الوظيفة، وهل باستطاعتي ان ارتقي إلى النرفانا ـ أو إلى الفرح بما قصده ألنفري ـ أو اللا عمل عند الطاوية...؟ لأن جميع هذه النتائج تسعى للتخلص من آلية: الإنتاج/ الاستهلاك، أو: الولادة/ الموت.
     انه في نهاية المطاف إشكالية إدراكية خاصة بعمل الدماغ، وليس خاصا ً بإرادتي ـ وأنا لا استبعدها عن وعيي/ دماغي ـ التي لا قدرة لها في تتابع كامل العمليات.
     ففي المسعى المستحيل لبلوغ ذروة اللا عمل، تكمن إستراتيجية مشفرة للعمل، لكن ليس للاستلاب، أو للاغتراب عن عمليات النمو (الإنتاج) بل لديمومته. انه ملكية مضادة لمفهومها المبتذل، بما تسببه من تصادمات، واشتباكات حد إباحة استخدام العنف، والتدمير، والتعالي. لأنها ملكية تتكون بوحدة أجزائها، حتى يصبح الموت نفسه، معبرا ً، من السابق على الولادة، إلى ما بعده.
     هل يمكن ان نجد هذا المعنى عندما يختزل ـ كالحياة ـ بتركيب عناصر تريد ان لا تتوقف عند حكاية، أو عند حكمة، أو عند موعظة، أي عند (الختم) أو كعلامة لها ما تريد ان تخفيه أو تعلن عنه..؟
    أم أن 999% من الناس يرغبون ان تقول، كما قال الجرجاني: "ان لفظا ً لا يدل على معنى هو كالضوضاء سواء بسواء" لأن الختم ـ متمثلا ً بما حفر فوق العظام، ورسم فوق الجدران، وما صنع كتوقيع شخصي ..الخ ـ لا يتضمن ديالكتيك الدال ت المدلول، بالطريقة ذاتها في التداول اليومي. فالكلام الذي يعالج ـ على سبيل المقاربة ـ ان شيئا ً ما يكمن في الزمن، ولا علاقة له بالزمن، سابق في الحضور، ولاحق على غيابه، تبدو عبارة شبيهة بقطرات ماء تنزل فوق رأس سجين تحولت قطرات الماء إلى مطارق تنهال عليه! ليقول انه غير مسؤول عن موته أو مصيره ما دام الأمر قاده ليقول ما لا يمكن ان يكون له معنى عدا ان تصدعا ً لن يحتمل أدى إلى هذا الانتهاك.  كالعقم أو اليباب سواء بسواء! فإذا أنجبت العقيم بزواجها من المخصي كائنات لها قدرات التحول من مصاصي دماء إلى ضحايا، ومن أبرياء إلى جلادين، وان الأرض اليباب الجدباء باستطاعتها ان تنتج قمحا ً وبقوليات تكفي لتلافي آثار مجاعة  قضت على سكان الأرض، فأي معنى بالإمكان ان يكون له صلة بلفظة ان يقيد الآخرين بها! الم ْيكن الظلم في زمن الجرجاني هو الظلم ذاته السابق على ذلك الزمن، والذي ليس باستطاعة احد ان يوقف ازدهاره غدا ً...؟
   هل نسبة واحد إلى ألف دالة على ان الضوضاء ليست خالية من المعنى، أم لأنها لوجودها دالة على معنى، أعاد صياغته الفنان ـ أو الشاعر أو الحكيم أو النبي ـ وراح ينطق بكلام يخلو من الأدلة، ومن الأسباب، ومن المنطق، بحسب 999% من الناس! لكن 999% في الوعي الجمعي لن ينحازوا إلا لهذا اللا معنى، تاركين الختم الذي حول اللا متوقع ـ من غير طلب فائدة أو طاعة أو فرض عقوبات ـ إلى خرز، ومثلثات، وحزوز، وشخابيط منتظمة حركتها دوافع مغايرة للنافع ـ أو للجميل، كي توثق شيئا ً ما ـ كالذي سكن الزمن ـ: مكث حاضرا ً في غيابه، ولا مرئيا ًغدا أشكالا ً، وصورا ً، ومرئيات!
[9] تحولات
     ما الذي يدعوني إلى الاطمئنان، وليس أمامي ـ باختفاء ما أنا بصدد الإمساك به ـ، إلا ان أجد دربا ً اقل تيها ً، في مساحة اللاحافات! فالانتقال من الاضطراب إلى النظام ـ ليس إلا تأجيلا ً ـ للذي  ـ هو ـ هناك، لا يسبقني، مثلما هو لم يعد في طي المندثرات، إنما في اللحظة الشائكة للاعتراف بأقنعتها، واشتباكاتها،  بالدرجة الأولى.  فالاطمئنان إلى المنجز، سيغدو قبولا ً بالعمى! فأي اكتشاف هو هذا الذي سيأخذني معه إلى ابعد مما تخيلت: القبول بالعيد لا بصفته مقدمة للذي لم يدشن، بل للذي هو بحساب المجهول.
     في ذروة اكتشاف ان الفن (الحديث) مرورا ً بالحداثات وما بعدها، حتى نبلغ ذروة التصادمات، لا يمكن عزله عن كل ما حول اللا فن إلى علامات تؤدي دورها لا في معرفة ما حدث/ وما يحدث، بل لبناء فواصلن وفجوات، لن ترجع الفن إلى ـ: اللا فن ـ بل إلى الأصل الذي ـ هو ـ أصل الاختلاف. فهل لدي ّ (معنى) ـ غير نسبي/ غير منحاز لفريق ـ يجعل من عزلتي ـ وأنا أراقب ـ ألفة، أو قناعة بأنني غير (صياد) آخر وضع الفن حماية له، في مشهد الاشتباك، أم لا اعمل إلا على جعل الموت ممتدا ً ...؟ أم ـ ثالثا ً ـ لا يقع المعنى لا في النص، الخام/ ولا في رؤيتي فحسب، بل ولا مغزى للتنصل مما أنجزت!
    إنني أصل إلى الوضع ذاته السابق لـ (حالة) المراقبة:واقع الحضور. على انه اطمئنان زائف. فانا لا اضبط ما اعرفه إلا بما كنت منشغلا ً بدحضه. وهكذا افقد كل ركيزة لي في التقدم، بل وفي الارتداد.
     إنها ليست تصوّرات تجري عبر خلايا تعمل مراكزها على محاكاة ما يجري بين الموجودات، وفي الوجود. فالميتافيزيقا ـ كمفهوم ـ لن تمارس نقدا ً، وإنما تثبت ولاء ً للذي لا تستطيع الانفصال عنه.
     وليس لدي ّ إلا حياة الأستاذ شاكر حسن آل سعيد وفنه مثالا ً لاضطراب عميق توخى ـ بانتقالاته ـ ان لا يتجنب الشهادة عليه. فمنذ رسم الجسد، الجسد الأنثوي، مرورا ً باستثمار مناهج التعبيريين، والتكعيبيين، والرمزيين، وصولا ً إلى ضرب من الايكولوجيا، سمح للفن ان يدخل في إقامة علاقة غير منفصلة عن الظواهر، وفي صميم المأزق الوجودي للإنسان المعاصر، أو في ماضيه. على ان الاطمئنان الذي شفر به، قبل سفره إلى باريس، في خمسينيات القرن الماضي، كان يشارك حقبة الرواد: تدشين مقدمات التحديث في شتى مجالات الحياة البغدادية/ والعراقية عامة. لكنه سيصدم في باريس، ولن يحصد، إلا ما زرعه: الشروع بالبحث عن طرق تتطابق مع أحاسيسه المرهفة. فلم يكن البعد الواحد، منحى شكلانيا ً ـ كما بدا لي في عام 1970 ـ بل مثالا ً للغطس في ذروة الحداثة، والتشبث بما بعدها، كي لا يعزل مصيره عن الفن، ولا الفن عن هذا المصير. بيد ان سنوات شاكر حسن الأخيرة، لن تجد دربا ً صريحا ً للتمسك بأي حل من الحلول السائدة، فاعتزل، وكف عن الآخرين: ماذا يريدون، وما كان يريد، حتى علل ذلك ـ في آخر حوار لي معه ردا ً على أسئلتي التي بعثتها له مع زميلة صحفية ـ بأنه لا يريد ان يكون مؤذيا ً لأحد!  لكنني كنت قلت له قبل أربعين عاما ً، ان التصوف ـ وأشكال الانسحاب الأخرى ـ لها مغزاها السياسي، ولا يمكن عزلها عن موقف الاحتجاج ضد الاضطراب، والتمهيد لفوضى ستبلغ ذروتها، بعد رحيله، بأعوام قليلة. أتذكر انه كان يود لو تخلى عن الفن، وبني مسجدا ً، وتخلى عن الدنيا. ولكنه لم يفعل ذلك لأنه سيجد في مجموع نشاطاته انسجاما ً مع ما كان يغلي داخله من أسئلة دمجت إجاباتها فيها وكفت ان تكون أسئلة!
    مثال الأستاذ شاكر حسن، لم يدرس، فقد ترك لنا هذا الذي بدا لنا غائبا ً، في الوقت الذي صاغ حضورا ً لحقبة (التدهور) وليس لعصر الازدهار. فكأنه أراد إعلان نهاية جيل الرواد، بجيل ما بعد (الحداثة)، لكن الواقع، في هذه المرة، كان يأخذ اتجاهه نحو الصفر: نهاية نظام.
[10]  تصادم ـ وقطيعة
     ولأن 999% مبرمجون حد ان الاختلاف معهم سيقود إلى خلاف (تصادم)، والى قطيعة والى القانون الأول(الصياد ـ الضحية)، فان القبول بما هو عليه سيشكل فجوة بين من يدّب الشك ليسكن وعيه، وبين من مهمته تكمن في الحفاظ على الثابت الأبدي. فلا جدوى من العلم، والمختبرات، والوثائق، والشهود ..الخ في زحزحة الوعي (المبرمج/ الأحادي/ المنغلق)، ولا جدوى من الاشتباك مع 999% لا يمتلكون خصائص التقدم بعيدا ً عن ثوابتهم. الأمر الذي يجعل المعادلة غير متكافئة، وباطلة في نهاية المطاف! باطلة، بمعنى، أنها ستساوي بين المزارع واللص، وبين من قدره جعله لا يؤد ورقة في شجرة، وبين من يحول البشر إلى رماد، والى قطيع من الجمال، أو الجاموس، أو الماعز: إلى نمل. مع ان الأخير،كالنحل، كلاهما يتمتعان بأنظمة لن تقارن بأنظمة الإنسان الذي تحول إلى صياد، وآخر إلى طريدة.
     فالخطاب غير النفعي، غير السلعي، غير المبتذل، الخطاب القائم على إدامة أن العدالة لن تحقق مع مخلوقات عجنت بالدم، وصنعت من الوحل، وان الحياة ما هي إلا ان تمضي، للحفاظ على تراتبيتها، من الهرم إلى الرمال، ومن المركز إلى الهامش، هذا الخطاب سينتج، رغم ذلك، عبر القرون، وفي مختلف المواقع، الإشكالية ذاتها، ولكنه، في النهاية، لن يغادر المدفن ذاته الذي ضم هؤلاء الـ 999% مع ذلك الغريب الشبيه بزرقاء اليمامة، أو غاليلو، أو سبينوزا، أو المعري، أو طرفة بن العبد، أو جان دارك ..الخ فالمدفن، من وجهة النظر الجمعية، محض مدرج للعبور إلى العالم ذاته الذي صاغ مشاهده وقوانينه الجالس في أعلى الهرم.
     السومريون لم يصنعوا أقنعة، ولم يستبدلوا الحضور بالغياب، لكنهم ـ وكانوا على علم بذلك ـ أكملوا دورتهم بعدالة تكاد يغيب عنها الظلم! لكن سومر، بعد ذلك، نهبت، وخربت، لتصبح أطلالا ً، لم يبق منها إلا المراثي ـ ونصوص عصورها الذهبية.
     لكم أبدو إزاء قضية ما ان أراها حتى ارتد! فما اصنعه، لا اصنعه غائبا ً، أو في طريقه الى الغياب، والاندثار، بل كي يسرق منك، يغتصب، ويرحّل، كي لا تجد، في نهاية المطاف، إلا حدود القبر، وأحيانا ً، يصبح الحلم بسلام الموت، مستحيلا ً!
     ان تسرق أصابعك، ان يسرق راسك، وان تترك معزولا ً بين فجوات آخذة بالاتساع، هو ذا نهاية تلك الومضات التي سكنت الختم، وان كان صنع قبل نصف مليون عام، أو ـ وهو يصنع ـ في مواجهة الغبار البشري، أو في مواجهة أنظمة لا يحكمها إلا الثابت الأبدي. لأن الـ 999% يحولون الفناء نفسه إلى: غنيمة! هكذا تتحول الأختام إلى سلع، وثروات، بعد ان تحتجز داخل جدران المتاحف، وتكف ان تكون إلا أثرا ً، كي تحافظ البرمجة على استكمال نظامها: تتمات تستكمل تدشيناتها بتتمات. مدافن اثر مدافن وليس على النمل البشري إلا ان يرى كم جدران القبر محكمة، وهي خالية من السلالم، ولا وجود لها إلا هناك، في ذهن الصياد، وفي صمت الضحية: الأثر محملا ً بمشفرات في ما يعلن، وفي ما يخفي!
تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.


الجمعة، 5 أغسطس 2016

الروائية السورية عبير إسبر: عبير إسبر....عبير الكلمة وسبر عالم المرأة-ياسنا زاتشيك ترجمة: صفية مسعود






الروائية السورية عبير إسبر:
عبير إسبر....عبير الكلمة وسبر عالم المرأة


ياسنا زاتشيك
ترجمة: صفية مسعود


عن روايتها "لولو" حصلت الكاتبة السورية والناقدة السينمائية وكاتبة السيناريو عبير إسبر على جائزة حنا مينه الأدبية. إسبر ترفض وصف "كاتبة نسائية" وتهدف في رواياتها إلى معالجة موضوعات جديدة ورائدة. ياسنا زاتشيك ترسم صورة للكاتبة السورية.



"نحن النساء العربيات في اقتحام مجالي الفن والأدب، فقد تم تجاهلنا أو التعامل معنا بمقاييس تختلف عن المقاييس الموضوعة لزملائنا من الرجال" في العالم الغربي يُنظر إلى الكاتبات العربيات باعتبارهن أشجع من زملائهن الرجال. غير أن الكُتاب – رجالاً ونساءً - إما أن يكونوا مجيدين ومبدعين وشجعان ومبتكرين أو لا يكونوا. بالنسبة لي فإن هذه النقاشات المتعلقة بجنس الكاتب لا علاقة لها بالأدب الجيد. إن المهم هو الموهبة والنظرة للحياة، كما أن الكتابة تعني العمل القاسي. إما أن يكون المرء مهووساً بالكتابة أو لا يكون.

هذا أمر ينطبق على الرجال والنساء. للأسف – ولأسباب مزيفة - فإن عثور الكاتب على دار نشر هو أمر أسهل في الوقت الحالي بالنسبة للنساء في العالم العربي عما هو بالنسبة للرجال. نحن نعيش في مجتمع ذكوري، وبالنسبة للسادة الرجال فإن الكتابة والإبداع أمر عادي. عندما بدأنا – نحن النساء العربيات – في اقتحام مجالي الفن والأدب، فقد تم تجاهلنا أو التعامل معنا بمقاييس تختلف عن المقاييس الموضوعة لزملائنا من الرجال. بمقدورنا التعامل مع مَن يتجاهلنا، لكنني أرفض مبدئياً أن يتم تقييمنا كنساء على نحو مختلف.

مفارقات

إن هذه الطريقة تظهر الموقف المتناقض لغالبية دور النشر العربية. إنها من ناحية تتوقع الأقل من النساء، أي أنها لا تتوقع جودة. بالنسبة لعديد من دور النشر فإن أعمالنا لا تقع في نطاق المقارنة مع أدب الرجال. من ناحية أخرى فقد أعجبت الناشرين فكرة الكتابة النسائية. لقد أثار ذلك فضولهم. كما أن الساحة كانت جديدة بالنسبة للناشرين أيضاً: وهكذا احتفوا بالكاتبات النساء بغض النظر عن القيمة الأدبية لما يكتبن.


يهتم عبد الرحمن علاوي بنشر الأدب النسائي والتعريف به أراد الناشرون بيع منتج، يتضمن إشارات إلى الحرية وكسر التابو والموضوعات الجنسية ووصف المضاجعة – كل هذا في خليط من الخيال وسيرة الكاتبة. بل حتى الناشرون في بلاد الغرب وأوروبا منحونا فرصة أكبر من زملائنا الكتاب العرب، لأنهم يعتقدون أننا نفتقد تلك الفرصة في بلادنا. هكذا يفكر الناشر، عبد الرحمن علاوي، الذي لا يهتم إلا بعمل الكاتبات العربيات.

الأدب النسائي والذكوري

ولكن هل يختلف الأدب "النسائي" إلى هذا الحد عن الأدب "الذكوري"؟ هذا السؤال يثير الجدل الساخن، ليس فقط في الدول العربية، بل في العالم كله – ما زلنا نواجه "خطاب الرجل والمرأة" هذا في كل مكان، في السياسة وفي الدين، والآن في الأدب أيضاً. ولكن للإجابة على هذا السؤال فلابد من الرجوع إلى التاريخ. بعد احتلال فلسطين، وبعد بداية الصراع العربي الإسرائيلي واحتدامه، وصل الناس في العالم العربي إلى وضع معقد أفضى إلى الإحباط السياسي الكامل.


عن روايتها "لولو" حصلت الكاتبة السورية والناقدة السينمائية وكاتبة السيناريو عبير إسبر على جائزة حنا مينه الأدبية عام 2004 لقد تم خلط الرؤى الحياتية برؤى الدولة، وهكذا لم يعد أحد يعرف في أي اتجاه يسير. تأرجحت المجتمعات يمينا ويساراً – بين قبول المجتمعات المدنية الحديثة من دون تمحيص، وبين قبول القيم العلمانية والديمقراطية التي يفرضها العقل، وبين الطريق الآخر السهل: وهو البحث في "التراث العظيم للأمة العربية" عن الحلول والإجابات على كل المواقف الإشكالية. معنى ذلك هو الغوص في التاريخ، وعدم وضعه موضع تساؤل، بل احتضان التاريخ والسير الأعمى وراء ما أفرزه من نماذج ورؤى وعقائد وتقاليد.

في سجون الصراع

"الكاتبات النسويات" أصبحن سجينات ذلك الصراع باعتبارهن جزءاً من المجتمع الجديد. كانت الفوضى، وما زالت، كبيرة في هذا النقاش، مثلما تسير حياتنا على نحو فوضوي. ثم نشأ تصنيفان وضِعنا فيهما، أو وضعنا أنفسنا فيهما: من ناحية "الكاتبات النسويات" ومن ناحية الأخرى "الكاتبات" فحسب. "الكاتبات النسويات" هن أولئك الكاتبات اللاتي يرين الحياة كصراع بين الجنسين، واللاتي يحاولن فهم وتغيير عالم الرجال الذي يتسم بالتناقض والنفاق والعنف وبإدمان السيطرة، وذلك عبر التحدث علناً حول كل الموضوعات. حتى درجة الإنهاك تفرغت الكاتبات لموضوعات مثل العذرية والإحباط في المسائل العاطفية والزواج القسري والاغتصاب والتفسير الخاطئ للتعاليم الدينية من أجل دعم السلطة الذكورية.


أسبر تريد من خلال أعمالها الأدبية معالجة الكثير من التناقضات في المجتمعات العربية المجموعة الثانية من الكاتبات تصف نفسها بأنها "كاتبات" فحسب، وهن يعتبرن أنفسهن جزءاً من سياق أوسع يضم زملاءهن من الرجال. إنهن يعتبرن أنفسهن ضحايا سلطة عليا وسجناء للفقر والبطالة والملاحقة السياسية، ويعانين من النقص في الديمقراطية ومن غياب الفردية ومن فقدان الحلم. إنهن يكافحن مع زملائهن الرجال من أجل حياة أفضل، وذلك عبر معالجة موضوعات جديدة ورائدة.

أنا شخصياً أشعر بانتمائي إلى المجموعة الثانية. إني أعمل حالياً على رواية تحلل العلاقات بين سوريا ولبنان وفق الوضع الراهن، الآن، أي في الحقبة التي تلت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وأستخدم في الرواية نصوص الأغاني واللغة المحكية ولقطات سينمائية حتى أحكي الحكاية من منظور عديد من الناس. في الرواية رجل وفتاة وأنا، بحياتي الخاصة، بل إني أذكر اسمي: عبير.



ولدت عبير إسبر عام 1974 في دمشق. درست اللغة الإنكليزية وآدابها بجامعة دمشق، ثم واصلت دراستها في المعهد العالي للفيلم والإعلام في باريس.


غاليري تاون هاوس في القاهرة: نافذة فنية وتجربة إنسانية-أميرة الأهل ترجمة: رائد الباش






غاليري تاون هاوس في القاهرة:
نافذة فنية وتجربة إنسانية


أميرة الأهل
ترجمة: رائد الباش


يشكل غاليري تاون هاوس في أحد أحياء مدينة القاهرة القديمة علامة بارزة في المشهد الفني المصري المعاصر بوصفه حاضنة فنية لجماعات المسرح التي تحتاج لمكان تتدرب فيه ومتنفسا للأطفال للتعبير عن أحلامهم وآمالهم وآلامهم. أميرة الأهل زارت هذا البيت الفني وتعرفنا به.



في شهر حزيران/يونيو من العام 2006 أطلق غاليري تاون هاوس ورشة عمل "سوا"، حيث خصص جزء كبير منها للاجئين السودانيين في القاهرة في صباح يوم السبت وفي الساعة الحادية عشرة وفي وسط مدينة القاهرة تدب الحياة ببطء في الشوارع. وبين ميدان طلعت حرب وشارع شامبليون في قلب المدينة توجد مجموعة من الشوارع الضيِّقة والأزقة المتشابكة. وهنا بين المباني الأنيقة التي تعود إلى مطلع القرن الماضي وفي ميدان طلعت حرب الذي يقع وسط المدينة وبين شوارع التسوق الرئيسية ثمة عدد كبير من الورشات الحرفية والمقاهي التقليدية التي وضعت كراسيها وطاولاتها في الأزقة العتيقة.

ولكن نادرًا ما يضل السيَّاح طريقهم إلى هذه الأزقة الجانبية، على الرغم من قربها من مركز المدينة. وفي المقابل يأتي إلى هنا منذ بضعة أعوام وبصورة منتظمة الفنَّانون والكثيرون من أبناء البلاد على اختلاف ألوانهم ومشاربهم، حيث أصبح قبل كلِّ شيء الشارع الصغير الذي أطلق عليه اسم حسين باشا والذي يقع خلف ميدان طلعت حرب، جزءًا أساسيًا من الحياة الثقافية في مدينة القاهرة.

ومنذ أن افتتح الكندي وليام ويلز William Wells في العام 1998 وفي مبنى قديم يقع في آخر شارع حسين باشا، غاليري تاون هاوس Townhouse، أصبح من المعتاد هنا بالنسبة للكثير من الحرفيين والميكانيكيين والنجَّارين والحدادين أن يتقاسموا الطاولة التي يجلسوا حولها في مقهى ما مع بعض الأشخاص الأجانب والأثرياء المصريين وأن يشاهدوهم يومًا بعد يوم وهم يمرّون من أمام محلاتهم.

غاليري اجتماعي

غير أنَّ ما يلفت الانتباه لا يكمن في إنشاء هذا المعرض الفني النخبوي في هذا الحي العمالي؛ بل إنَّ الشيء غير المألوف هو أنَّ غاليري تاون هاوس لا يعتبر نفسه كذلك، لكنه يسعى وعلى العكس تمامًا من ذلك إلى التبادل مع أبناء المجتمع المحلي. ويقول ويليام ويلز: "منذ البداية كانت الفكرة إنشاء مشروع يقوم على دعامتين". ويضيف: "لكي يكون من ناحية منتدى للفنَّانين الشباب في مصر ولكي نعمل من ناحية أخرى مع المجتمع الذي نعيش فيه".


افتتح الكندي وليام ويلز في العام 1998 وفي مبنى قديم يقع في آخر شارع حسين باشا، غاليري تاون هاوس وقبل أحد عشر عامًا كان ويليام ويلز يبحث عن مكان يستطيع فيه الفنَّانون المصريون الشباب عرض أعمالهم. وهذا المكان كان ينبغي أن يكون واسعًا جدًا ليتيح المجال من أجل عرض أعمال فنية كبيرة وتركيبات ومشاريع. ويقول ويلز: "عندما شاهدت هذا المبنى عرفت على الفور أنَّه المكان المناسب. فقد توفَّرت فيه جميع العناصر المعمارية التي كنت أبحث عنها".

ولم يكن حينها أي من الفنَّانين يعتقد بأنَّ غاليري تاون هاوس يمكن أن ينجح في هذا الموقع البعيد عن الشوارع الرئيسية. ولكنه سار مباشرة منذ البداية. وحتى قبل أن يفتتح وليام ويلز هذا الغاليري بشكل صحيح، بدأ وبالتعاون مع الفنَّانة هدى لطفي بتقديم ورشات عمل لأطفال الشوارع في هذه المنطقة. "لقد أتينا إلى هذه المنطقة التي توجد فيها العديد من المحلات غير المرخصة والكثير من الأطفال العاملين ومقاهي الأرصفة وكذلك الأطفال الذين يعيشون في الشوارع"، مثلما يقول ويليام ويلز.

متنفس للأطفال 

وفي المساء كان ويليام ويلز يراقب كيف كان أطفال الشوارع يظهرون أمام المقاهي من أجل كسب المال. وهكذا نشأت فكرة منح أطفال هذا الحي الفرصة للتعبير عن أنفسهم بصورة فنية. وكانت هدى لطفي وويليام ويلز يأخذا الأطفال إلى صالة الجلوس الخاصة بأطفال الشوارع وكانا يعلِّمان الأطفال هناك استخدام الألوان وسرد قصصهم من خلال الرسم.

ويقول وليام ويلز: "كان عمل الأطفال قويًا وملهمًا بشكل لا يصدَّق". وما يزال لديه في مكتبه لوحتان من أعمال الأطفال، تسود فيهما الألوان القوية، ولكن تسود فيهما أيضًا موضوعات قاتمة تتحدَّث عن الخوف والوحدة والاعتداءات الجنسية. وفى شهر كانون الثاني/يناير من العام 1999 أقام غاليري تاون هاوس معرضه الثاني الذي ضم فقط لوحات رسمها أطفال الشوارع. وكان الهدف من هذا المعرض لفت الانتباه إلى وضع هؤلاء الأطفال وجمع المال من أجل تأسيس صالة جلوس للأطفال. ولاقى هذا المعرض نجاحًا كبيرًا، حيث زاره أشخاص كثيرون وتبرَّعوا بأموال كثيرة. ويقول وليام ويلز إنَّ "هذه الفعالية قد فتحت لنا أعيننا".


أقام غاليري تاون هاوس معرضه الثاني الذي ضم فقط لوحات رسمها أطفال الشوارع بهدف لفت الانتباه إلى وضع هؤلاء الأطفال ومن هنا أصبحت ورشات العمل الخاصة بأطفال الشوارع جزءًا أساسيًا من غاليري تاون هاوس. ومنذ العام 2000 تقام حلقات عمل في كلِّ يوم جمعة من أجل الأطفال العاملين الذين تبلغ أعمارهم بين الثامنة والثامنة عشر في غرف هذا الغاليري؛ وتبدأ دائمًا وبالتناوب للمجموعات الثلاث في كلِّ ثلاثة أشهر دورة جديدة في الفن التشكيلي والرسوم المتحرِّكة والمسرح.

ويقول وليام ويلز: "في البداية كان من الصعب جدًا إقناع الآباء والأمَّهات بإرسال أبنائهم إلينا في أيَّام عطلهم الوحيدة". ولكن في هذه الأثناء أصبحت الكثير من العائلات ترغب في المشاركة في عروض الغاليري كونها توفِّر مجالاً لأطفالهم. وبينما كان عددهم يبلغ في البدء اثنتي عشرة طفلة وطفلاً أصبح اليوم ثلاثين. كذلك أصبح الكبار الآن يساعدون المشرفين في الإشراف على الأشخاص الأصغر سنًا، كما أنَّ بعض الذين كانوا في تلك الفترة مبتدئين، أصبحوا اليوم فنَّانين لديهم أعمالهم الخاصة أو أنَّهم صاروا يذهبون من جديد إلى المدرسة.

ورشة عمل "سوا"

غير أنَّ حلقات العمل الخاصة بالأطفال لا تمثِّل المشروع الوحيد في هذا الغاليري. ففي شهر حزيران/يونيو من العام 2006 أطلق غاليري تاون هاوس ورشة عمل "سوا". وسوا تعني باللغة العربية "معًا". ويقول مينا نصحي الذي يبلغ عمرة ثلاثين عامًا: "لقد أردنا فعل شيء ما لصالح الكثيرين من اللاجئين السودانيين في القاهرة". وقبل أحد عشر عامًا بدأ مينا نصحي عمله كأول موظَّف في هذا الغاليري. وهذا الشاب الذي درس المحاسبة يقول مبتسمًا: "لم أكن أعرف على الإطلاق ما هو غاليري الفنون". والآن أصبح مدير الغاليري والمسؤول عن ورشة عمل "سوا".

وفي صيف العام 2006 دعا مجموعة صغيرة من السودانيين إلى ورشة عمل في الغاليري، وانضم إليهم في وقت ما بعض المصريين وفيما بعد بعض الأشخاص الأجانب. والآن أصبح عدد الذين يأتون أحيانًا إلى ورشات عمل "سوا" يصل إلى نحو مائتي شخص. ومينا نصحى الذي من الممكن ملاحظة فخره واعتزازه بهذا النجاح على وجهه المبتسم، يقول: "كبار وشباب وميكانيكيون ونجَّارون ورسَّامون وطلاب وأجانب ولاجئين - جميعهم يعملون ويتعلمون معًا".


"عندما شاهدت هذا المبنى عرفت على الفور أنَّه المكان المناسب. فقد توفَّرت فيه جميع العناصر المعمارية التي كنت أبحث عنها" وبعد فترة قصيرة أصبحت المجموعات التي تأتي في كلِّ يوم سبت للرسم والنحت والتصميم كبيرة جدًا، بحيث أنَّه تم تقسيم ورشة العمل إلى ورشتي عمل. "وكثيرًا ما كان المشاركون يحضرون ببساطة أطفالهم معهم، وذلك لأنَّهم لم يكونوا يريدون تركهم وحدهم في البيت"، مثلما يقول مينا نصحي. ولهذا السبب فإنَّ الأطفال يجتمعون الآن في صباح كلِّ يوم سبت، والبالغون في فترة ما بعد الظهر.

وفي هذا السبت يتراكض الكثير من الناس على مسرح روابط الذي يجاور الغاليري. وهناك شابَّات وشباب يجلسون مركِّزين على رسوماتهم ويلوِّنون ويرسمون ويصمِّمون تصميمات؛ كما أنَّهم يستشيرون مرارًا وتكرارًا الفنَّانة الإسبانية آنا سيكو Ana Seco التي حاولت في أربعة من أيَّام السبت تعليم المشاركين في ورشة "سوا" أساسيات تصميم الـ"تي شيرت". وهذه الفنَّانة ومصمِّمة الأزياء تعيش منذ ستة أشهر في القاهرة وتقدِّم هذه الدورة كعمل تطوّعي مثل جميع الفنَّانين. وتقول آنا سيكو وهي تناقش مع إحدى الطالبات اختيار موضوعاتها: "أجد متعة في تعليم الناس شيئًا ما".

أعمال فنية طموحة

وكذلك يشارك الآن في هذه الورشة الفنَّان وليد فاروق، مثلما يفعل في كلِّ يوم سبت. وهذا الفنَّان السوداني يعيش منذ عامين مع عائلته في القاهرة. وفي السودان سمع هو وزوجته الفنَّانة من بعض زملائهما الفنَّانين عن غاليري تاون هاوس - "هذا المكان المفتوح الذي يمكنك فيه دائمًا الحصول على فرصة"، مثلما يقول الفنَّان وليد فاروق. وهو بدوره مدين أيضًا لهذا الغاليري بكونه استطاع بهذه السرعة في القاهرة تكوين علاقات وتمكَّن من بناء حياته هناك. والفنَّان وليد فاروق يأتي مع زوجته ومع طفليهما في كلِّ يوم سبت إلى ورشات عمل "سوا".

وفي الصباح يعمل فاروق وزوجته كمشرفين على دورات الأطفال، وهما يتقاضيان أجرًا على ذلك مثل جميع زملائهم الآخرين. وفي فترة ما بعد الظهر يشاركان في ورشات العمل الخاصة بالبالغين. ويقول وليد فاروق إنَّ "الأطفال يحبّون الرسم، كما أنَّهم يستفيدون كثيرًا من التعرّف على الكثير من الناس المختلفين والثقافات المختلفة".

ومثلما هي الحال مع أسرة وليد فاروق كذلك استفادت أسر كثيرة جدًا من برامج التوعية التي يقدِّمها غاليري تاون هاوس. وهذه البرامج توفِّر لهم الفرصة للاستفادة من عالم جديد وتطوير مواهب جديدة دون تحمّل عبء مالي. "ورشات العمل تكلِّف في الواقع الكثير من المال"، مثلما تقول مصمِّمة الأزياء، لينا علي التي يبلغ عمرها ستة وعشرين عامًا والتي تشارك للمرة الأولى في ورشة سوا. ومن خلال موقع الفيسبوك تعرَّفت على ورشة العمل الخاصة بالتصميم. ولينا علي تصف هذه الورشة بقولها: "سوا تتيح فرصة رائعة لجميع الناس وبغض النظر عن خلفيَّاتهم من أجل تعلم شيء جديد دون اضطرارهم لإنفاق فلسًا واحدًا على ذلك".

ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ ورشات العمل تستنزف بطبيعة الحال مبالغًا كبيرة من الأموال التي يجب في البدء على أي غاليري مستقل مثل تاون هاوس توفيرها. ولكن في هذه الأثناء أصبح هذا الغاليري معروفًا بعمله أيضًا خارج حدود مصر، وكذلك صار لديه العديد ممن يدعمونه بحيث أنَّه يتمكَّن دائمًا من توفير الأموال الضرورية لإقامة برامجه.

وفي شهر حزيران/يونيو أقام غاليري تاون هاوس للمرة الثانية مزادًا لبيع أعمال فنية، وتم تخصيص تقريبًا كلِّ عائداته من أجل برامج التوعية. وفي هذا لمزاد تم عرض اثنين وأربعين عملاً فنيًا للبيع. وقد أتى الكثير من المهتمين بالفن في القاهرة إلى هذا المزاد واشتروا أعمالاً فنية بقيمة مائة وثلاثين ألف دولار. وهذا المال استُثمر من ناحيتين بحكمة وذكاء.

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

هذه هي الخلاصة يا سيدي!-عادل كامل


قصة قصيرة


هذه هي الخلاصة يا سيدي!


عادل كامل
    قال الثور الذي لا يعرف كيف نجا من المفترسات، في البرية، وفلت من جحيم المستنقعات، وتخلص من وحوش الغابات، وكيف لم يرسل إلى المسلخ، بعد وقوعه في الأسر، ولماذا لم يصبح وليمة، بعد أن وجد نفسه، داخل الزريبة...، بجوار حظائر الخيول، الحمير، والبغال...، في الحديقة الكبرى، قال يخاطب نفسه، بحيرة، من انه إذا كان قد افلح، وتكللت جهوده بالخلاص، فان معنى حياته لا يعدو سوى زمن أضاعه بالهرب من اجل أن يبقى هاربا ً، ليس من الضواري، ولا من المتوحشين من بني البشر، ولا كي يصبح طعاما ً للمفترسات القابعة داخل أقفاصها في الحديقة، بل من نفسه.
    هز رأسه وهو يعيد النظر بما مضى، من انه لا يعرف هل انتصر وحقق الغاية التي قط لم يقترب منها، ولا لامسها، أم إنها ستقع بعد أن يكون قد فقدها تماما ً، وغادر الدنيا..؟
   فدار بخلده: كان حزني قد بلغ درجة انه سمح لي باستحالة أن افعل شيئا ً لأحزان الآخرين…، مثلما لم يسمح لهؤلاء المنشغلين بأحزانهم أن يفعلوا شيئا ً لي…،  فكنت ازداد أسى وأنا أدرك استحالة وجود جسور كالتي كانت تساعدنا على كتمان محننا، بيننا، وكأنها لم تقع ولم تحدث ولم توجعنا، حتى أصبحت بيوتنا الآن التي استحدثناها وصنعناها ليس أكثر من أقفاص تجعل كل منا غير مكترث للذي يكوي الآخر، بل ربما أصبحنا لا نتمتع إلا بمسرات عنيدة  مفجعة وبعضنا لا يرى الآخر إلا وهو يلقى أشنع وأبشع النهايات…، فلا تجد حتى كلمة مناسبة تواسي بها نفسك وأنت تراهم غير مكترثين لموتك ولا أنت مكترث لموتهم وأنت ترى الجميع لا يعمل إلا على إنزال اشد الأفعال خساسة ونذالة ودناءة من اجل غاية واحدة إلا وهي ديمومة كل هذا الذي غايته ابعد من وسائله، وكل وسائله أصبحت وكأنها منفصلة عن غاياته. فهل باستطاعتي أن أخبرك بما يمثله هذا الداء وقد صار هو نفسه واحدا ً منا. فلا نتركه يغادرنا إن لم نكن نحرص على حضوره معنا بوصفه عقارا ً شبيها ً بالزمن لا هو مسؤول عنك، ولا أنت تمتلك قدرة أن تفلت منه.  فالكل ينتهك الكل بالمقدار نفسه الذي يسمح للديمومة أن  تغوينا بالحرص على منحها لغز الاستحداث والامتداد. ألا ترى معي أن لغتنا وكلماتنا منذ البدء ليست إلا هذا  الذي لا يسمح بأكثر من نسج أكفاننا تارة نجعل منها بيارقا ً ترفرف وتارة خرقا ً للغواية، وغالبا ً لا تصلح إلا لتستتر على رماد أجساد طالما تغذت على أشلاء ضحايا استوطنها داء القسوة والتمويه والخداع.
    ابتسم بألم لم يخل من ذعر مكتوم، متمتما ً بأنه لم يفعل سوى الهرب من أعداء اخساء ظالمين جائرين طالما قدر قوتهم بالضالة، والفاسدة، وان ما حدث لا يدعو إلا إلى الرثاء، والتندر. فان تنجو من كلب أجرب، أو جرذ متهتك، أو من ضبع ضال، أو من شرير بشري أحمق، لا يعني سوى انك شاركت في اللعبة، ولكنك لم تكن قد ذقت الهزائم كلها كي تتساوى مع نصرك وأنت تراقب الخراف والدواب والحشرات والقوارض والبرغوث والزواحف توزعت على أرضها، أوكارها، ثقوبها، جحورها، وأزقتها، محمية بالأسوار والجدران والقضبان الحديدية…، فأنت بلغت الغاية بهذا النصر إذا ً….؟
    ضرب الأرض الرخوة، بلا مبالاة، تاركا ً رأسه يستقر فوق حافة الجدار الصخري العازل: انك لم تفعل سوى انك أضعت حياتك بالفرار من الفئران والقطط والجرابيع والجرذان وبنات أوى والثعالب…، كي تجهل تماما ً هل خلقت لتجيد الهزيمة وتعلن  انك حققت الغاية التي وجدت من اجلها…؛ نصرك هذا الذي تراقبه الحمير والبغال والنعاج وهي تتندر تثرثر عن ثور وحيد واهن القوى لا يتمتع إلا بشجاعة الهزيمة، ووسامها!
    رفع رأسه مبتعدا ً عن الجدار والكف عن المراقبة، فقد لمح موزع الطعام على الأجنحة، يقترب منه…، لم يكن ـ هو ـ القصاب، بل موزع الأرزاق، وإلا لكان استنشق رائحة حافات السكين بما تبعثه من رائحة دماء حادة تقطع أوصال القلب وتعزله عن باقي أعضاء الجسد…
ـ تفضل …، اخبرني…، هل سترسلني إلى الذئاب أم إلى التماسيح، أم إلى …
    لم يفهم الآخر كلماته، ولا لغته، ولا هو فهم ما قاله الآخر، فقد دار بخلده إن البهائم والدواب والمواشي والبرمائيات والمفترسات والجوارح اجتمعت هنا، في الحديقة، لغاية يصعب وضع حدود فاصلة بينها، لكن من ذا باستطاعته أن يترجم ما يعلنه الذئب أو الفهد أو النمر إزاء النظرات الشاردة الصادرة عن النعاج أو السحالي أو الحشرات البدينة…، من ذا يترجم لغات كل فصيل للآخر داخل حديقة عرف الجميع استحالة مغادرة أسوارها.
   ابتسم الآخر هامسا ً في محياه بأنه لا فائدة من الترجمة…، فالأسماك تتكاثر لترسل طعاما ً إلى التماسيح، السباع، والدببة…، فهي لا تمتلك إلا أن تهرب…، إنما هي لا تستطيع مغادرة مستنقعاتها، ولا أحواضها، ولا أنهارها…، وصراخها مازال شبيها ً بأزيز الحطب وهو يتحول إلى رماد، فهل ثمة جدوى من ترجمة عذاب الأشجار قبل القطع، أو بعده…، الكل يتعذب. وكاد يجد الكلمات المناسبة  ليخبر العامل بأنه غير سعيد بنجاته من بنات اوى أو من الذئاب، وانه لم يحس بالمسرة انه لم يرسل إلى المسلخ أو إلى مصانع تعليب اللحوم، وانه الآن لا يمتلك رغبة بالدفاع عن نفسه، وتأجيل اجله….
   ابتعد الآخر قليلا ً، ثم ناده، لكن الثور تساءل مع نفسه:
ـ ماذا عساه يقول؟
   وسأل نفسه، أتراه أرسل إلي ّ تحديدا ً…، لكن الآخر، وهو يراقب الثور، دار بخلده أيضا ً عما يضمره الثور، ويخفيه. خار الثور، مقتربا ً منه:
ـ  اعرف انك لا تمتلك إلا أن ترسلني إلى ….
  خاطب العامل نفسه بصوت مرتفع:
ـ ربما لا يتحدث إلا عن المحنة المشركة …، محنتنا جميعا ً، هنا، فهو يخشاني خشية حمل تحاصره الضواري…، أما أنا…، فمن ذا يستطيع سبر أغوار محنتي…؟
   ضحك الثور:
ـ سيدي، لسنا بحاجة إلى مترجمين، ولا إلى ترجمة..، فانا اعرف ما الذي لا يمكن ترجمته…، بل اعرف بالدقة إن ترجمة ما دار بخلدك ليس سوى التمويه…، فأنت لم تكسب إلا خسائرك…، مثلي، ولكن ما لا يمكن الإفصاح عنه سيبقى يمتلك لغز الغواية ذاتها…، انك الآن ترى نصرك تأخذه الريح…
ـ أصبت!
   تراجع إلى الخلف. فناداه العامل:
ـ لا أنت كنت تمتلك رغبة الاستسلام ولا أنا أيضا ً…، كلانا وجد نفسه في الغابة، وكلانا الآن أسير هذه الحديقة…، وقد كان على كل منا أن يمضي حياته هاربا ً بدل أن يدخل معركة هو وحده يعرف أن هزيمتها وضعت شرطا ً لديمومتها! فكان عليك أن لا تفكر إلا باختراع وسائل تنقذك من العدو، ولم يكن العدو ليفكر إلا بالطريقة نفسها، كان قد خلق كي يفترسك،  ويتغذى عليك…، مثلما كان هو يهرب من العدو الذي كان يتربص به، ويطارده…
    عندما شعر الثور بالوهن يدب في مفاصل جسده، وبضعف شديد في سيقانه، وانه يعاني من الدوار، ومن شرود الذهن، حد الغثيان، وان بصره راح يخلط اثر الروائح الحادة بأزيز أسنان فكوك المفترسات الجائعة، قال بإرادة لا وعيه:
ـ   لا أريد أن أموت…!
    سمع الثور كلمات الآخر، فهز رأسه:
ـ بل أنت وجدت لتتذوق نهايتك…، وإلا  ـ اخبرني أرجوك ـ بحق هذا الكون: من اجل ماذا وجدت؟
  همس العامل العجوز بصوت واهن:
ـ  ردك لا ينسجم مع ما عرفناه، يا سيدي، فلو وجدنا كي نموت، لكان عدم وجودنا يسد مثل هذه الثغرة…، فهل تقصد أن الإله العزيز الحكيم المقتدر الجبار خلقنا كي نشقى، ونتعذب، ونفطس في هذه الظلمات…؟
ـ ها أنت عدت إلى أسوء مغالطات الترجمة…، هل تعرف ماذا يدور بخلد الحمار وهو ينتظر متى ينتهي زمنه في الإسطبل، وهل تعرف ماذا يدور برأس الضحية قبل أن تخترق الرصاصة عظام جمجمته…؟
ـ أخبرتك لو كان الإله يرغب بنصر فلا يليق به حتى لو أرسل سكان حدائق هذا الكون كله إلى جهنم…، لأنه ـ بحسب ما تعرفه واعرفه ويعرفه الجميع ـ لا يساوي حبة خردل، أو حبة رمل في سواحل هذه المحيطات اللا متناهية في الاتساع والامتداد !
ـ ها أنت تصل إلى الوهم الذي لا احد يمتلك قدرة على فك مغاليقه…؛ ففي الزمن القديم قالوا إننا نموت كي نذهب إلى المكان الذي لا عودة منه…، واليوم، ها أنت ترى كيف يخترع عباقرتنا أكثر الطرق نعومة وشفافية وسلاسة في التنفيذ …
صاح الآخر:
ـ أصبح كل منا يعتقد انه كسب شيئا ً…؟
ـ تقصد…، أضاع شيئا ً  لا نعرف لم مكث يسرق مصائرنا وأحلامنا…؟
ـ ها أنت عدت تبحث عن الغاية؟!
ـ لا…، لا يا سيدي، أنا مشغول بالأسباب التي أدت إلى إضاعتها!
ـ أي انك تعرفها؟
ـ كلا …، ولا احد عرفها، لكن المشكلة انك لا تجد من يقول إلا غير ذلك…، فالسبع يفترس الغزال بهدوء تام، مثلما يفعل الذئب مع ضحاياه…، ومثل هذا الذي تراه يحدث هنا وهناك: الكل يعمل بالقضاء على الكل…، هذا يذبح ذاك، وذاك يفجر جسده ضد هذا...، هذا ينسف البيوت، والآخر يزرعها بالألغام والثالث يحشوها بالمتفجرات...، هذا يذبح أمه، وذاك يشنق جاره والثالث ينتظر أمرا ً بالهدم، والتخريب...
ـ لا…، لا تسرف في التشاؤم، فانا اعتقد أن الكل يرغب أن يهرب من الكل!
ضحك بألم مكتوم وسأله:
ـ  ربما ليس للنصر إلا هذه الغواية…، محو الآخر…، أليس كذلك؟
ـ لكن الآخر لم يخلق إلا للرد بأقسى ما يمتلك من مكر وقسوة وجور …
هز الثور رأسه:
ـ والآن هل جئت لتنتزع عني جلدي؟!
   أجاب الآخر باستسلام:
ـ  لا اعتقد أن أحدا ً بانتظار تذوق ما تبقى منك!
ـ أنا لم أتحدث عن لحمي، ولا عن دمي، ولا عن عظامي، بل تحدثت عما تركه الزمن لي: جلدي!
ـ آ ….، لا تدعني أقول الحقيقة؟
ـ  بأية لغة ستقولها…، وقد كان كل منا يعرف استحالة ترجمتها، مع أنها لغة واحدة، وليست بحاجة إلى الترجمة؟
ـ إن جلدك  وحده الأكثر فائدة ..، نفعا ً، وربحا ً لهم!
ـ ها أنت تتحدث عن النصر، نصرهم، ولم تتحدث عن هزيمتي...، فكأن حياتي كلها لم أمضها إلا كي تنتهي  باستحالة الحفاظ عليها؟  ألم ْ أخبرك، يا سيدي، إنها هي المحنة  الوحيدة التي كلما نجونا منها وجدناها تزدهر! فأقدام الناس لم تخلق للمشي عارية فوق الأرض...، إنما بجلودنا تحتمي وتزداد أناقة، وجمالا ً...، ولكن ـ اخبرني ـ ما الفائدة منك؟
ضحك الآخر، فأجاب متلعثما ً:
ـ أنا هو من يشرف على هذا المشروع...
ـ أأنت هو الرأسمالي صاحب الشركة العملاقة للمتاجرة بالبساطيل، والأحذية، والجلود...؟
ـ أسكت...، يا ثور!
ـ ولماذا تطلب مني أن لا اصرخ...، أليست الديمقراطية تعني احترام حق التعبير...، في هذه الحديقة الشفافة؟!
ـ قلت لك اسكت...، لأنني أنا هو المشرف على الأقسام والأجنحة الأخرى أيضا ً...، فهناك النمور، وهناك الفيلة، وهناك الثعالب، والغزلان، والأرانب...، وهناك الطيور،  وكلها مواد خام أساسية لتطوير مشروعاتنا العملاقة!
ـ من اجل مضاعفة أرباحكم؟
ـ  قل ما شأت..، فأنت ترى الذئب يرقص سعيدا ًبعد افتراس الحمل، ولكنك لا تعرف ماذا كتم الأخير، وترى الجلاد يقهقه بعد قطع رقبة ضحيته لكنك لا تعرف ماذا دار برأس الأخير...؟
ـ ولكني لست حملا ً؟
ـ ها أنت عدت إلى النسبية..
ـ بل أسألك مجددا ً: ما الفائدة منك، بعد أن يتم القضاء علينا...، ونموت، أليس لتموت أنت أيضا ً، مع انك أكثر وعيا ً منا؟
ـ منكم؟
ـ اقصد أنك أكثر قدرة منا في استخدام أدوات الفتك، وأدوات القتل...؟ 
ـ تقصد أدوات الربح ؟
ـ اقصد الحصيلة، يا أحمق، فانا قد لا اخسر إلا جلدي، حتى لو تحول إلى بسطال بإقدام الذاهبين إلى الحرب، والى المكان الذي لا عودة منه...، أما أنت، يا صاحب السعادة، أيها الزعيم، فستخسر كل ما كنت تفكر انك حصلت عليه...، فأنت تخسر خلودك، أما أنا فلا اخسر إلا وهمي!
هز الآخر رأسه، وراح يخاطب نفسه:
ـ أصبح يتحدث كالضحايا..، كالعبيد، كالرؤوس، كالقطيع...، فهو يريد أن يقول لي: لماذا تحرصون على زيادة أعدادنا، نحن، الفقراء، إن كنا نعاجا ً أو خلايا نحل، إن كنا أسماكا ً أو دواجن أو بشرا ً...؟
ـ لا...، لم يدر هذا ببالي...، فانا تعلمت كيف  لا اترك لك وثيقة لإدانتي كي تسلخ جلدي أمام الدواب، والبهائم...، وتعلق رأسي محتفلا ً بالنصر...؟
ـ ماذا دار ببالك؟
ـ  انك كنت تهرب من الحقيقة الوحيدة التي تجهل إنها كانت هي الوحيدة التي لم تحصل مصادفة!
ـ وماذا لو كنت اعرفها؟
ـ ها...، لن تتألم وأنت تراها تُغتصب منك؟
ـ حقيقة ماذا...؟
ـ حقيقة انك كنت أسرفت باغتصاب كل ما كان عليك أن لا تغتصبه! وحقيقة انك دمرت كل ما كان عليك أن تحرص على تعميره...، وبناءه، وقد آن لك أن تدفع الثمن!  
ـ لمن؟
ـ هو ذا السؤال الذي شغلني طوال حياتي التي أمضيتها هاربا ً من كلابكم، ومنكم، ولم استطع أن أفك طلسماته...، لأنني كنت اعرف إن الإله لن يفرح وهو يراني تحولت إلى محض جلد بأقدام هؤلاء الذاهبين إلى المكان الذي لم يعد منه احد...، وقد صرت أرى المكان ذاته يدعوك فلا تمتلك حيلة أو وسيلة إلا بالاستجابة له، لأراك بلا لون، شاحب مثل يوم مغبر، من غير صوت، وكلماتك تنفصل عنك، فلا هي ترغب أن تنطق بها، ولا أنت تمتلك قدرة التفوه بها...، وحتى لو أخبرتنا بما لم يدر بخلدك فانك لن تجد هناك أكثر من  شرذمة سينثرون ما تبقى من آخر تمويهات حياتك المكللة بهذا الوهم، والمزينة بزخارف هذا السراب...!

28/7/2016

ترجمة الشعر… علة في منتهى العافية- عبد اللّطيف الوراري

ترجمة

ترجمة الشعر… علة في منتهى العافية


 عبد اللّطيف الوراري

ترجمة الشِّعر، هذه العلة التي في منتهى العافية. لطالما فكّرت، وأنا أقرأ الشّعر مترجما أو بصدد ترجمته عن الفرنسية، في ما رآه الجاحظ، وهو يقول إنّ "الشعر لا يستطاع أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطع نظمه، وبطل وزنه، وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب، لا كالكلام المنثور".

الشعر لا كالنثر. قد يجوز الأمر في النثر، الواضح والمعقول والعادي. أمّا في الشعر، الغامض والهشّ، فإنّه يصعب من وجوه كثيرة، حتّى يستحيل الأمر خيانة، بله خسارة. لا يضيع المعنى فحسب، بل الأسلوب وإيقاع الكلمات وجرسها العابر للذّات وخطابها المفرد والخاص. هذا واقع لسوء حظّ الشعر. لكن، أليس بالإمكان ترجمة الشعر؟ بلى. لا أنسى، هنا، رأيا ثانيا للشاعر الفرنسي بيير ليريس، وهو يرشدنا إلى أنّ "ترجمة الشعر أمر مستحيل، مثلما الامتناع عن ترجمته أمر مستحيل".

كثير من الثقافات الإنسانية الشفوية والمكتوبة، بما في ذلك الثقافة العربية ـ الإسلامية، التي يأخذ فيها الشعر وضعا اعتباريّا ولافتا، وجدت في هجرة أدبها، من ضمن نتاجها الرمزي، إلى العالم ضرورة لا ترفا، ومجلبة للاحترام والمجد، إذ هو يعكس وجها حيويّا ومشرقا من هويّة هذه الثقافة وتلك. وقد رأينا، عبر عهود من حيويّة التاريخ، كيف كانت الحضارات والشعوب تتفاعل وتتحاور، بقدرما تتناقله بينها من آداب وفنون ومعارف، بل إنّ منها من تغير وجهها بسبب الشعر مجسّدا في أغنية أو قماشة أو آنية قذفت بها الرياح إلى ما وراء البحر.

في زمننا، صار لترجمة الشّعر معنى الواجب. شعريّات الأرض الباذخة والعريقة انفتحت على بعضها البعض، في حوار خلّاق ومتوهج يعلم الكائن كيف يشرف على كينونة لغة إنسانيّة بلا حدود، بمنأى عن الابتذال والتسطيح. ولقد انفتحت الشعرية العربية الحديثة، عن طريق الترجمة، على بعض هذه الشعريات، الفرنسية والإنجليزية ثمّ الروسية والإسبانية والألمانية والإيطالية فيما بعد، التي كان لها دور حاسم ومهمّ في سيرورة تحديث الشعر العربي، حتّى صار شعراء ذائعو الصيت يشكّلون فنا مضيئا من شجرة هذا الشعر وذاكرته ومتخيّلة، من أمثال إليوت وإديث ستويل وسان جون بيرس وروني شاروعمر الخيام وبابلو نيرودا وناظم حكمت وطاغور وويتمان وبودلير وخيمينيث وييتس وأوكتافيو باث وبورخيس وآرتووإزرا باوند ولوركا وألن بو وريلكه وهولدرلين وإيلواروبريتون وميشووبيسوا وآخرون، وصولا إلى نماذج من الشعر الصيني وشعر الهايكو الياباني حديثي الاكتشاف.

ولهذا، ليس في الإمكان أن نقرأ مسارات الحداثة الشعرية العربية بمعزل عن دور الترجمات الشعرية المتنوعة التي تمّت بمستويات متباينة.

وإذا عدنا إلى بدايات القصيدة الحديثة وجدنا أن الترجمات تحضر بنفس قوة الآثار المنتجة. تحضر أعمال "أنشودة المطر"، و"أباريق مهشمة"، و"أقول لكم"، و"أغاني مهيار الدمشقي"، و"لن"، و"حزن في ضوء القمر"، إلى جانب "الأرض اليباب"، و"أربعاء الرماد"، و"الرجال الجوف"، و"أزهار الشر"، و"عيون إلزا" و"منارات"، و"أوراق العشب"، و"أغان غجرية" و"راعي القطيع".

لكم من شاعر عربي حديث، من جيل إلى آخر، قد استضاف شاعرا أجنبيّا، وارتبط اسمه به، وتحاور معه. السياب وستويل، عبدالصبور وإليوت، أدونيس وبيرس، سعدي وريتسوس، يوسف الخال وباوند، أنسي الحاج وآرتو، فؤاد رفقة وهولدرلين، المهدي أخريف وبيسوا، رفعت سلام وكفافيس، محمد بنيس ونويل، وإدريس الملياني ويفتوشينكو، وقد يفرد شاعرأو ذاك جناحه على جملة شعراء عرب محدثين ومعاصرين، مثل إليوت ولوركا وبريتون وبيسوا. غير أنّ الأثر المتبادل، عن طريق الترجمة، بين الشعر العربي والشعر الأجنبي بلغاته المتباينة، لم يكن متساويا وواقعا بالقدر نفسه.

نماذج محدودة من الشعر العربي القديم، بما فيه الأندلسي، من أحدثت أثرها في الشعر الآخر، لكن من الصعب أن نثبت إلى أيّ حد أثّر هذا الشاعر من شعراء العربية المحدثين في مجرى الشعر العالمي، وإن كنّا لا نغفل الهالة التي صارت لبعضهم تحت هذا التأثير أو ذاك، مثلما هالة محمود درويش أو أدونيس. هل يصحّ لنا أن نؤكد أنّنا أخذنا أكثر مما أعطينا بكثير، وتأثّرْنا أكثر مما أثّرنا؟

في كلّ الأحوال، لقد أفدنا من ترجمة الشعر التي تمّت على أيدي الشعراء أنفسهم، هؤلاء النادرين الذين لا يضاهيهم أحد، والذين يأخذون على عاتقهم تحديد معنى الأدب، والذين يعلمون قبل غيرهم أنّ ثمة نواة في القصيدة يجب الانتباه لها ومعاملتها بكثير من"الاحترام والتبجيل"، أثناء ترجمتها أو نقلها إلى لغتهم الأمّ. فعلى المترجم أن يكون عارفا بلغة الشاعر الذي يترجمه، وايقاعها، وأسلوب تشخيصها للذات الكاتبة والعالم الحسي والعقلي.

ويجوز له أن يخرج عن الأصل بمقادير، مبدعا فيه، ومهتديا إلى ذلك بحدسه وإصغائه شديدي الإرهاف. فمن سوى الشاعر المترجم، إذن، يُدرك أنَّه بصدد فعل كتابيٍ لا يقل إبداعيّة، ويقرّ في أصالته ومسؤوليّته أن يستضيف الشعر "الآخر" بيديه الأمينتين المرتجفتين، حتى لا يطير عنه خياله ويغيض ماؤه، فتأتي الترجمة بأقلّ خسارة، بل تبزُّ أصلها. يجب، بهذا المعنى، أن يؤمن الاختلاف حتى يبعث في لغته بما يحمل إليها من تحولات عنيفة أو رقيقة، حضورا لما هو مختلف، أصلا، في الأصل هذا النوع من الترجمة الإبداعية صارت له قيمته في الفترة ما بعد الاستعمارية، بعد عهود من سوء الفهم العظيم التي أشاعها الاستشراق.

بالنسبة إليّ، لا أعتبر نفسي مترجما، أنا قارئ للشعر "الآخر"ـ الفرنسي تحديداـ، وفي نيّتي أن أتعلَّم من متخيّلات شعرية غريبة عنّي بما توافر لها من أسباب العجب والفرادة والاختلاف، لكن سرعان ما وجدت نفسي أرتكب مثل تلك الخيانة الممتحنة لمدى خيالي. في ترجماتي المقترحة لنصوص من الشعر الفرنسي المعاصر، لاسيما نصوص هنري ميشونيك وأندري فيلتروبرنار مازووماري كلير بانكار، تبيّن لي أن لكلّ شاعر "عقدة ايقاعيّة"، وليس بمقدوري أن أعكسها إلّا على نحو تعويضيّ، إن ملأتها بذبذبات من وجيبي الداخلي الذي يتجاوب مع تجاربهم المنادية علي، وأدخلتها في علائق صوتيّة ودلاليّة جديدة تمنحها تأويلا جديدا، وقيمة مضافة جديدة داخل لغتي التي أبدع بها، وأحيا فيها.

لكنّي، في كلّ يوم أكتشف ما معنى أن تصير الترجمة "محــكّا"، فلمّا نحن نترجم "فكأنّنا نلقى بين اللغتين تفاهما هو من العمق والانسجام، بحيث تحلّان محلَّ المعنى وتتمكَّنان من جعل الفجوة بينهما منبعا لمعنى جديد"، بتعبير موريس بلانشو.

عزاء تأخر كثيرا-عدنان المبارك

نصوص
عزاء تأخر كثيرا


  
قبيلتنا على وشك الأختفاء
لا أحد يعلم متى بالضبط ستنقرض.
ضحك السحرة وقالوا :
الأمل كله في الانبعاث.
وأنت ضحكت معهم .
وكانت السماء شاهد زور
على ( نكبة صغيرة ) مثل هذه.
حرباء تزحف فيك ،
وفي كل يوم أنت ترشي مهرجا متقاعدا
كي يبكي الأطفال ويسلّي الكبار،
كي تسوّر قنوطك بعبث مرّ كهذا.
خدعتني بالقول عن قبور شاغرة.
فكل المقتربين من الرحيل
اختاروا المحرقة ،
كي يحتفظ الأحفاد برمادهم
تعاويذا في أزمان نكبات أكبر.
قلت لك :
- العودة الى ما كان هي الأسلم ،
فسوء معروف أفضل من خير مجهول .
كما لست أنا من شبّه الحياة ببغي غير مقدسة.
أعترف بأنها دولاب هواء بل ريح لعوب.

نصائح هذا وذاك لا تفيد في هذا الزمن العنود.
بل هي عزاء تأخر كثيرا، وكان عذره :
كانت هناك ديناصورات
وعصور جليدية
وطلاسم غير سماوية...
لكن أمامنا أكثر من صنم لليأس ،
أكثر من ريبة في الرؤوس .
زائري المزمن في الليل والنهار
طمأنني ، لكن قليلا :
لا أحد يغني بمثل هذا النقاء
سوى الذين هم في أعمق جحيم ،
أما صرختهم هناك فهي غناء ملائكة.

قيل أنه سميع مجيب.
سميع قد يكون،
مجيب هي مزحة
من عصور سبقت كتابه.
فمي متورّم كأجاصة من بستاننا القديم.
وهكذا
لم يكن هناك حوار مع النفس
ولا مع أيّ كان.
ولا ارغام هنا ، لكني آسف على عجزي
في الهمس بأذن سكير أو محتضر:
- الخيبة وباء مستشر.
قدماي معوقتان بالورم.
المعذرة أذا لم ألحق بعد بنبي أخرس،
المعذرة على السنين التي لم أشف فيها أورامي.
المعذرة على وهمي الكبير بأني أعيش في عالم آخر، حقيقي.
ربنا القديم أخذ المعذرات .
لفّها في صرّة من زمن نوح
ورماها بوجه شيطان افتراضي.
أمرني بالعودة الى أقرب مدينة ألعاب
كي أصعد أحد الدواليب هناك
وأظل أحلم بعالم مخصص للمنبوذين.
لم أفعل هذا اللامعقول.
لم أحلم و لم أكتشف أيّ عوالم جديدة
ولم الاكتشاف؟ كي أظل مع العذابات القديمة ؟

المفاجأة أنه صار حقا، سميعا مجيبا.
وأظنها المرة الأولى في تأريخ السماء ذي الطول الخرافي .

 
 


سيتويل والسياب.. المطر..!**أيدث -ترجمة: سنان أحمد حقّي


   
   

سيتويل والسياب.. المطر..!**أيدث 


 ترجمة: سنان أحمد حقّي      

1. ظلّ يتساقط المطر..!

ظلّ يساقط المطر
معتما كعالم الإنسان، اسوداً كخسارتنا
أعمى كالف وتسعمائة وأربعون مسماراً
فوق الصليب
.............
ظلّ يتساقط المطر
بصوتٍ كنبضاتِ القلبِ التي تتحوّل إلى ضرباتِ مطرقة
في ساحة الخزّافِ ، وكخطواتٍ فاجرةٍ
على الضّريح
.....................
ظلَّ يتساقط المطر
في حقلِ الدّمِ حيثُ يتكاثر نسل ُ الأماني وحيثُ العقل الإنساني
يحتضن جشعه ، تلك اليرقة على جبين قابيل
.....................
ظلَّ يتساقط المطر
على قدمي الرجلِ المتضوّرِ جوعا والمعلّق على الصليب
المسيح المسمّر هنا ليلا ونهارا، إسبغ علينا رحمتك
على الرجل الغني وأليعازر الفقير*
فالذهب والجروح تحت المطر تتعادل
ظلَّ يتساقط المطر
ظلَّ يتساقط الدّمُ من المتضوّر جوعا ، من خاصرة الرجل الجريح،
يحملُ في قلبهِ كلَّ الجراح ـ جراح النورِ الذي مات،
آخرُ الشرار خبى
في القلبِ الذي إنتحر، جراحُ حُزنِ العتمةِ الحزينةِ غير المفهومة
جراحُ الدبّ الذي إبتلع الطعم
الدبّ الأعمى الباكي
الذي يجلده صاحبه على بنيته الواهنة ...دموع أرنبة الصيد
.................
ظلّ يتساقط المطر
ثمّ آه أنقلبُ إلى ربّي الذي يشدّني إلى أسفل
أنظري، أنظري حيث يجري دمُ المسيح في السماء
متدفّقا من الجبين المسمّر إلى تلك الشجرة
إلى أبعد حدّ من العمق ، إلى القلبِ الظامئ
الذي يقبضُ على نيران العالم المعتم الموصوم بالألم
كأكاليل القيصر
ثم يصدح صوتُ الأحدالذي يشبه قلب الإنسان
يوما كان طفلا غافٍ بين وحوش
ما زلتُ أُحبّ ، ما زلتُ أذرف نوري البرئ ، دمي ، من أجلكم.
1940     
  
2. قصيدة أنشودة المطر
للشاعر العراقي بدر شاكر السياب (يمكن الوصول إلى نصّها بالإستعانة بالرابط المثبت
في ذيل المقال     
  
............................
*حكاية الغني الذي عاش مترفا والفقير اليعازر الذي مات معدما ولكن مصيرهما في الآخرة إنقلب إلى خلاف ما كان عليه في الحياة الدنيا وهي من قصص الإنجيل والديانة
المسيحيّة
**مترجمة عن الإنكليزيّة ، ولقد تمت ترجمة هذه القصيدة عدّة مرات وأقدّم هنا تجربتي مع ترجمتها مرة أخرى ــ المترجم ــ
تعقيب ــ للمترجم ــ: يعتقد بعض النقاد أن القصيدة أعلاه كانت قد أثّرت في الشاعر بدر شاكر السياب لا سيّما أن بدرا كان من المعجبين بالشاعرة المذكورة ويُذكر أنه أي بدر كان يتقن اللغة الأنكليزيّة إذ أنه كان قد تخرج في قسم اللغة الأنكليزيّة بكليّة الملكة عالية ( التربية ببغداد حاليا) وحاز على البكالوريوس ، ولكن قراءة متأنية للقصديتين حسب رأينا المتواضع تجعل القارئ يميّز بين قصيدة كٌتٍبت في معرض التأثّر بما كابده السيّد المسيح( ع) وهي أي الشاعرة في حالة تتذكّر فيها معاناته وكأنها تُصلّي وبين قصيدة تقابلها هي عبارة عن تامّل في الطبيعة وذكريات الأشخاص الذين كان يُحبّهم وكل تلك الهواجس والعواطف والذكريات تأتي مصاحبةً لوقع قطرات المطر وكأنها تؤدّي ذلك النشيد .
إن

 
  قصيدة أيدث سيتويل عبارة عن صلاة ودعاء وابتهال ولكن قصيدة بدر أغنية تكاد تفرض موسيقاها على القارئ وتجعله يشعر بالمطر في حين أن أيدث سيتويل تطرح رموزا وإيحاءات روحيّة لتساقط المطر ولكنها لا توفّر لنا أغنية وموسيقى نتغنّى بها مع المطر ، كما فعل بدر.
أترك هذا الموضوع للمهتمّين في أدب الشاعرين بدر وسيتويل وأكتفي بإشاراتي التي ذكرت.
***يمكن للقارئ الكريم الوصول إلى نص قصيدة السياب (أنشودة المطر) عن طريق الإنترنيت ( شبكة المعلومات العالميّة) عن طريق مواقع متعدّدة وهذا الرابط أحدها :
http://ktaby.com/vb/t36012/