بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 13 سبتمبر 2014

وهكذا ضاعت استحقاقات شمهودة-كاظم فنجان الحمامي

وهكذا ضاعت استحقاقات شمهودة

كاظم فنجان الحمامي

هذه هي الحلقة الأخيرة من حلقات العتاب، التي حملت عنوان (البصرة شمهودة العراق)، والتي سيطويها النسيان، ولن تضيف شيئاً لخارطة التهميش التي ظلت تتجاهل البصرة وتستبعدها منذ عام 2003 وحتى هذه الساعة، ثم ما فائدة العتاب بعدما فقدت البصرة استحقاقاتها كلها بفضل بركات الديمقراطية المزعومة، وبفضل برامج التكنوقراط التي اختارت أثنين من الوزراء من قرية نائية من قرى صلاح الدين، وعلى وجه التحديد من قرية (الحجاج). اختارتهم من شارع واحد، ومن عشيرة واحدة، ومن رقعة صغيرة لا تزيد مساحتها على مساحة ساحة الرمل في الزبير.
وزيران من أسرة واحدة، هما وزير البيئة ووزير الدولة لشؤون المحافظات، وتم تنصيب ابن خالتهما: الطبيب (رائد إبراهيم) محافظاً لصلاح الدين. قرية صغيرة واحدة خرج منها وزراء ونواب وسفراء وقناصل وقادة.
بينما البصرة التي تزيد مساحتها على مساحة دولة (قطر) بعشر مرات، وأكبر من مساحة مملكة البحرين بخمسين مرة، وتساوي أربعة أضعاف مساحة الكويت، وفيها أكبر وأقدم موانئ الشرق، وأوسع المنافذ البرية المتصلة بثلاث دول من دول الجوار، وفيها من الكفاءات والطاقات ما يفوق الكفاءات الموازية لها في أكثر من دولة عربية، لكنها لم ولن تنال استحقاقها، ولن تستطيع أن توصل صوتها، ولن يسمعها أحد.
هل تذكرون كيف سقط العراق كله بيد الأمريكان في الأيام التي ظلت فيها البصرة تذود بالدفاع عن حدودنا البرية والبحرية، ولم تسقط أسوار البصرة حتى آخر نفس. هل تذكرون كيف كانت مدينة أم قصر تقاتل وحدها بصمت، ولم تتراجع حتى اليوم الذي سقطت فيه مدينة زاخو في أقصى الشمال. هذه هي البصرة وهذا هو وجهها الحقيقي.
في البصرة قصبات مساحتها أكبر من مساحة بعض دول الجوار، ومواردها النفطية والزراعية والمينائية أكبر من موارد الأقطار الاسكندينافية، وفي البصرة رجال ظلوا يحملون شعلة الوطنية، ويحلقون في فضاءات العفة والنزاهة والاستقامة، لكنهم متهمون دائماً، ومهمشون دائماً، ومُستبعدون دائماً، لأنهم ليسوا على المرام.
المضحك المبكي أن البصرة التي يدافع أبناؤها الآن عن شمال العراق ليس عندها شهيد واحد من شهداء مجزرة (سبايكر)، أتدرون لماذا ؟. لأنهم لا يمتلكون تأشيرات الانخراط بدورات الضباط والطيارين أسوة بأبناء المحافظات الوسطى والشمالية.
تصوروا. حتى (سبايكر) حرموا أبنائنا منها حتى لا يمنحونهم فرصة واحدة لنيل شرف الاستشهاد. لكننا سنواصل الجهاد والبناء بطريقنا الخاصة، وكنا أول من لبى نداء الجهاد لحماية الموصل وصلاح الدين من الغارات الهمجية، وسنحمي عرضنا وأرضنا بطريقتنا البصراوية المعهودة، التي لا تعرف الطائفية، ولن تؤمن بها، والتي لا تعرف التواطؤ ولا التخاذل ولا الانبطاح، ولا تجيد الرقص فوق حبال السيرك السياسي.
نحن باختصار لا نعرف الذل ولا نعرف التزلف. وسنعيش هكذا بكرامتنا تحت سقف هذه المدينة الفيحاء وفي ربوعها وبين بساتينها الوارفة الظلال، لا فوارق تفصلنا عن بعضنا البعض، وسنبقى موحدين منسجمين متوافقين بكل أطيافنا وألواننا. سنة وشيعة وصابئة ومسيحيون وعرب وأكراد. تجمعنا الروح الوطنية الشفافة في هذه المدينة العريقة التي حملت اسم (أم العراق)، والتي ظلت تحمل صولجان العلوم والفنون والآداب حتى يومنا هذا. وستظل توقد فنارات الانتماء للعراق العظيم حتى قيام الساعة.

ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

البصرة شمهودة العراق الجزء الرابع -كاظم فنجان الحمامي

البصرة شمهودة العراق
الجزء الرابع

كاظم فنجان الحمامي

دعونا نتكلم الآن عن أفضل أبناء البصرة الذين لا يضاهيهم أحد من حيث الخبرة والكفاءة والمهارة في المضمار النفطي، ولا يضاهيهم أحد من حيث سجلاتهم النفطية الميدانية المؤطرة بالانجازات الكبيرة.
هل تعرف الحكومة العراقية المهندس الكبير (فاروق عبد العزيز القاسم)، الذي تعزا له الاكتشافات النفطية الهائلة في بحر الشمال، ويعود له الفضل في تأسيس شركة النفط الوطنية النرويجية (Statoil)، وهو الذي أطلق عام 1996 فكرة إيداع إيرادات النفط النرويجية في صندوق توفير خاص يضمن حصة كل مواطن نرويجي، وهو الذي اقترح على الحكومة النرويجية اعتماد ضوابط ثابتة صاغها بنفسه لضبط مسار التعاملات النرويجية المحدود مع الشركات النفطية الأجنبية، فكان له ما أراد، وصادق عليها البرلمان وصارت من التشريعات النافدة في النرويج. وأصبح هو المدير العام لإدارة الموارد النفطية في عموم الرقعة الجغرافية للنرويج، للمدة من نيسان (أبريل) 1973 إلى كانون الأول (ديسمبر) 1990، وهو الذي وضع الأسس الصحيحة لاستثمار النفط في حقل (ترول Troll)، ونجح في إنقاذ هذا الحقل من الضياع.
وهل تعرف الحكومة العراقية كبير خبراء النفط، ابن البصرة البار الأستاذ (فاضل علي عثمان البدران)، الذي كان من أنجح مدراء شركة التسويق النفطي في التسعينيات، ويعد من أفضل المتحدثين عن البنى الارتكازية لصناعة النفط في العراق، وكان من أقوى الذين بينوا سلبيات انعدام وجود الخبراء النفطيين، الذين ينبغي أن تناط بهم مهمات البت في المشاريع المرتبطة بالصناعات النفطية أو بالسياسات النفطية. وهو من المطالبين بوجود إستراتيجية نفطية وسياسة نفطية رشيدة تحقق الأهداف المنشودة وتحافظ على المصلحة العليا للعراق، وتخدم شعبنا في حاضره ومستقبله.
وهل تتذكر الحكومة كبير المهندسين (علي حسين محمد عجام) الرجل البابلي المولد والبصراوي الهوى، والذي غادر عوالمه البحرية ليشغل وظيفة معاون مدير عام شركة ناقلات النفط العراقية، ثم أصبح مديراً عاماً لشركة المشاريع النفطية، ومديراً عاماً لشركة توزيع المنتوجات النفطية والغاز، وشارك في العديد من المشاريع والمفاوضات النفطية الدولية، لكنه يغرد الآن خارج السرب النفطي.
وهل تعرف الحكومة العراقية (سعد الله عبد الله فتحي) المصلاوي الولادة البصراوي الهوى، والذي عمل في معظم القطاعات النفطية العراقية، وانتدب للعمل في سكرتارية أوبك في فيينا، وهو الآن يعمل في الخليج العربي بصفة خبير ومستشار لما يتمتع به من خلفية علمية ومهنية وتشغيلية لا يُستهان بها في هذا الاختصاص النادر.
وهل تجاهلت الحكومة العراقية ابن البصرة الأستاذ (جبار علي حسين اللعيبي)، الرجل الذي وقف بوجه العاصفة في أحلك الظروف، فكان من أكفأ اللاعبين في الميادين النفطية، قرأنا وسمعنا عنه الكثير في الصحف الأجنبية والعربية، وتحدث هو عن نفسه بصراحته المعهودة في كتابه الموسوم (تحديات في الزمن الصعب)، لكننا لم نعد نسمع شيئاً عنه وعن انجازاته الجديدة منذ أن غادر مكانه في الإدارة العليا لشركة نفط الجنوب.
حملت مذكرات هذا الرجل سجلا حافلا بالمنجزات الميدانية الرائعة. نذكر منها: تطوير حقل (مجنون) وتحقيق طاقة (100) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (غرب القرنة) وتحقيق طاقة (350) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (حلفاية) وتحقيق طاقة (30) ألف برميل يوميا, التطوير الإضافي لحقل (اللحيس), وتحقيق طاقة (75) ألف برميل يوميا, تطوير مكمن (العطاء الثالث) في حقل الزبير, وتحقيق طاقة (180) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (إرطاوي) وتحقيق طاقة (50) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (الطوبة) وتحقيق طاقة (20) ألف برميل يوميا, تطوير مكامن مشارف الرميلة الجنوبية, التطوير الجزئي لمكمن (السجيل الأعلى), وتحقيق طاقة (40) برميل يوميا, التطوير الإضافي لحقل (بن عمر), وتحقيق طاقة (40) ألف برميل يوميا, تطوير حقل الناصرية, وتحقيق طاقة (20) ألف برميل يوميا, تطوير حقل (نور ميسان), وتحقيق طاقة (15) ألف برميل يوميا, بناء المحطات النفطية في الحقول الحدودية, عند (الرطﮜـة), و(صفوان) المحاذية للحدود الكويتية, ومحطات (الفكة)، و(أبو غراب) في ميسان بمحاذاة الحدود الإيرانية, والاهتمام بحقول (الناصرية) وتطويرها.
ألا يصلح أحد هؤلاء لحمل حقيبة وزارة النفط في التشكيلة العراقية الحالية ؟. أم أنهم ليسوا على المرام ؟. هذا السؤال نوجهه إلى أصحاب الحل والعقد في البصرة.
وللعتاب بقية

--

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

حول تجربة الفنان وسام زكو التشكيلية-ماضي حسن




حول تجربة الفنان وسام زكو التشكيلية

ماضي حسن


منطلقات تأسيسية:                                          
في أعمال الفنان وسام زكو المنفذة بالأسلوب التجريدي والتي يغلب عليها سمة سيادة العمل بمناخ لوني عام لكل عمل مبنية على أسس لوحدات ترميزية اختارها طرفين : هدف أسلوبي لغرض الفرز (التمييز) عن سيادة الموجة ، والهدف الثاني موضعي يحقق القيمة التي يختارها أو الفكر ألربطي بين الاصالة (التراث) والحداثوية.. كالمثلث الذي بات من المفردات الرئيسة لبناء عناصره التكوينية الإنشائية بالتداخل أو التقاطع بالاحتواء (الجزء الكبير للصغير) لو التفرد (السيادة) او الهيمنة والذي يتمظهر فيه الشكل بمساعدة اللون المضاد للمناخ العام عن طريق وضع مسحة لونية على حدود الشكل.
ان مفردة المثلث لدى الفنان وسام زكو قد تمنح المتلقي تفسيرات عدة ففي جانب مدلولاته الرمزية في التفسير العام ،المعروف: ان المثلث هو رمز الى الاستقرار، ولكنه من جانب اخر يرمز الى سلم المجد وتحقيق الطموح وتحدي الصعاب وهو يرمز الى الشموخ، والعظمة، والريبة ،للوصول الى القمة التي تجعل من الفرد محط انظار واستقطاب للاتجاهات البصرية، زوايا الرؤى ، والقمة تعني تحمل المسؤولية والثقة بالنفس والجرأة، ومن جانب اخر قد تعني الاستبداد في الامور..ولكن للفنان نزعة ربطية اخرى مع التاريخ كصرح من صروح الزقورات في البناء المعماري وبالرغم من ادخال بعض المرموزات الاخرى التي تأخذ اشكال دوائر يستند على ارضية للعمل يجعل من الفراغ المتبقي فضاءا معاكسا للتكوين عن طريق اختلاف اللون ،ارى في الاعمال التي يختفي التكوين تحت ضبابية المناخ العام للعمل عن طريق اختفاء تقليل الحدة الفاصلة للتلوين المحيطة له هو ابلغ جمالية من  غير ذلك بالعمل التجريبي في هذه الخصوص الذي لا يتحمل الفواصل الشديدة النزعة ولكن في المدارس التجريدية قد يستوجب ذلك التضاد كالحركة (الفوقية) مثلا، والتي تخلق عملية (الجلاء والعتمة) أي سيادة الحس الخالص في الفنون التصويرية لدى مؤسسها الفنان (كأزمير مالفيتش) لذلك فالفن التجريدي قد تطلبت منابعه طقوس والية في الاشتغال في تحقيق الأهداف ، فهنالك بالمقابل، عكس التفوقية أعمال قريبة من الزخرفة التجريبية، مساحات وسطوح لونية متضادة، او متداخلة خضعت أعمالهم إلى التجريد وتتشكل بطريقة تادية التقنيات على سطح اللوحة من عجائن ومواد اخرى كي تخلق مساحات متباينة في الملمس تحقق الانسجام بعد التأمل والإعادة والانتظار من المصادفات العفوية وهذا الأمر يتطلب المراقبة الحاذقة لنتائج للعمل، والفنان وسام يسعى في المنحى ذاته.
التقنيات:-
لقد تعامل الفنان وسام مع مجريات الواقع الموضوعي لسطح اللوحة ومعطيات او مقتضيات ضوابطها التقليدية فالتعامل مع سطح القماش بطريقة الحذر قد تفضي الى الالتزام بالسياق التقليدي الذي يعطي نتائج مسبوقة       سلكها اغلب الفنانين في الفن التجريدي والذي اقتضى الاستحسان بنتائج بناء ملمسين او اكثر مختلفين عن سطح بواسطة تحريك السكين شمالا ويمينا بالعجائن الطيعة الحركة على السطح القماش تتخللها او تحيطها فراغات لونية ذات بقع متداخلة بطريقة الترطيب السائل والمتداخل والذي يشكل سحابات متهرئة تنجم عن فعل المصادفات التي لا تخلو من المراقبة الحاكمة.
والفنان وسام زكو اتجه بذات الموجه التي استحسنت تلك النتائج التي تميل الى صنع مناخ عام اشبه بالرمال المتحركة الاطيان الحمراء المحاذية لحافات المياه والتي تكونت صيرورتها الشكلية بعد حين فترسبت في قاعها نتوءات وبروزات طيعية ، ان الرؤية البصرية للسياق العام الذي ولد خطابا عاما ومشتركا في الفن الحديث قد يرى مستحسنا لدى الاذواق العامة كموجة مهيمنة على التقيد الفرضي (المألوف) حتى اضحى من النادر عند الفنانين التجريديين استخدام الفرشاة في هذا النوع عموما، رغم ان الفن التجريدي على انواع كما ذكرت آنفا فالفنان موندريان استخدم حسابات في البناء الفكري  للاشكال وبالرغم من التلاعب بالتداخلات المختلفة للاشكال الهندسي كالمربع والاستطالات العمودية وخاصة في تطوره اللاحق وكذلك عند (جين هليون) والذي يقتضي بناء قياسات هندسية محسوبة ادخل عليها منحنيات    .
ان تلك الاشكال شكلت تضادات في اللون اسود وابيض بشكل حاد، ذابت فيما بعد الفواصل القصدية تحت موجة الحركة اللونية الهيلامية الزاحفة والتي اصبحت اشبه بالزخرفة المائعة المتداخلة الاطراف او الوسائل الملونة المضادة من الخامة كالماء والزيت لذلك ارى ان عملية الابتكار التقني للسطح قد فرضته محددات نتائج سائدة فالمغامرة الابتكارية هنا تكمن بادخال تنوعات مفردات خامات البكر على نحو مثير كي تمنح العمل نتائج مفاجئة وبذات الاتجاه السائد ولدت نتائج الاشارات اللونية والموازنات الاخرى لاعمال وسام زكو من رحم التقنيات الانفة الذكر، والتعامل لتقبل هذه الجولات تبغي من المؤثر (الفنان) على صعيد التجريب دينامية منفتحة تتقبل ادخال تلاعب باعادة هيكلية البناء الاولي، مع الابقاء بذات التلقائية الغير مفتعلة، لذلك ومن الجدير بالذكر ان هذا النوع من التجارب تعتمد بالدرجة الاولى على اللون كقيمة اساسية لتحيل الاشكال والنتوءات على السطح الى وظيفة جمالية، وهذا الامر تبناه بعض الفنانين اللذين اتخذوا اللون اساسا للتشكيل في العصر الحديث كالمصور الفرنسي (ادوارد مانيه) .
اذ استخدم الالوان بقوتها الاصلية وبشدة الضوء كاملة فيها على خلاف رواد المذهب التأثيري في الفن فقد مضوا يتفنون بتجزئة الالوان المتممة وبتعقب الاحساسات البصرية الناتجة من انعكاسات الضوء.
 ونحن بصدد المنحى الذي اتخذه الفنان وسام زكو في مجال اللون ان اتخذ منه شكلا سائدا للوحة لكن ليس بحدوده المطلق الذي يلقي مرموزاته الشكلية كالمثلث والصليب والدائرة مثلا، غير ان استخدام المساحات الظلية احيانا هنا وهناك وخاصة في التقاطعات القطرية لمحاور الاشكال قد افسدت الترابط التلقائي الناجم من استخدام الالوان التي تشكل المناخ العام للعمل لا سيما ونحن في مجال عمل تجريدي.
ان الدخول في غياهب سفر الاتجاه التجريدي له اهدافه ومحدداته السامية فالعزوف عن شروط الضوابط الاكاديمية للعمل قد يصطدم ب طقوس قوانينها التجريدية عند الفنان ،ولذلك فالعمل التجريدي من هذا النوع يفتقد الى صفة المرونة الزائدة التي تتقبل بعض المحكمات الواقعية مثلا، عكس السريالية التي يقوم عماد قوامها على الاسس الواقعية، الا ان الفنان من جهة اخرى حقق نتائج جيدة في اعماله المائية والتي تسمو بشفافية ذات حس جمالي رائع تميل مساحات اشكاله الى بساطة التفاصيل، وهي اقرب الى الفن الانطباعي،وفي هذا الخصوص ارى ان الفنان قد ترك ليده الحرية في مجال منظومة الاشتغال الانسيابية اتجاه حركة الفرشاة لمتطلبات نوعية سطح الورق الذي استخدمه وبهذا قد استطاع الفنان ان يمنح رؤيته الغيبية ابعاد خارجة من  الاثقال بالتنظيم الذهني أي ابعد من الانطباع الحسي الظاهري،وبهذا الاسلوب ظهرت عملية تنظيم الاحاسيس بشكل باطني يشبع ذات الفنان التلقائية. وبذلك فهي لم تخلو من العمليات التناغمية المنسجمة ان في اعمال الفنان وسام المائية حرية وافلات من ضوابط الموجة التي القت بظلالها على اعماله الزيتية كغيره من الفنانين الاخرين ،غير ان الاستجابة المزعومة من سطح الورق قد تكون بخيل في مجال معطياته المبتكرة على صعيد التقنيات المتشعبة فطبيعة المادة المرنة تحكمه ابعاد لا تسمح بالتلاعب او المواد التي تنفصل عن السطح في حالة الكثافة او غرائبيتها عن قوانين التفاعل الكيميائي.
اننا لا نريد ان نصدر هنا احكاما نقدية مغلقة على مخاض تجارب الفنان التقنية فانا أقر انها تفسيرات لظواهر اعمال تحت ايدينا آنيا، وهو يكون تأسيس لمخاض تجارب اخرى من التقنيات المختلفة المحتكمة .

البناء التكويني:-
في معرض حديثي عن مدلولات العمل لتشكيلي للفنان وسام زكو ذكرت ان مفردة  المثلث هي السائدة في اغلب الاعمال الزيتية تحديدا وما يهمنا هنا النتائج العلائقية لبنية هذه المفردة او المفردات الاخرى على السياق العام لمتطلبات لبناء الاخراج النهائي للعمل ومن المسلمات الاساسية في العرف النقدي او على الاقل الذوقي العام ،ان الاشارات التشكيلية التي تنبعث من اللوحة هي مثابة لغة حسية بصرية حصريا حروفها العناصر في لون وخط وفضاء وملمس، اما لمستها فهي الاشكال التكوينية الرمزية او المشهد الاصلي للموضوع، اما الايضاح اللغوي (بالاستعارة) أي النطق البصري فهي الحذاقة التأسيسية للبناء التشكيلي للعمل والمتمثلة بالحركة والوحدة والايقاع والتوازن وما الى ذلك... لذلك ومن هذا المنطلق ببديهيات الامور فأن مفردة العنصر قد تفقد ايقاعها الجمالي في حالة الاجترار المقيت ان تكرر بالاعلان عن هدف الفكرة المزعومة.. عند (وسام زكو) قد انتبه لعلاج ذلك الموقف ببناء مفردات مربعة ومستطيلة مختلفة الالوان كي تشكل عملية توازن  داخلي من خلال معاكسة الحركة والشكل واللون الا ان المساحات الداكنة المحاذية للوحدة الرئيسية (المثلث) قد اربكت عملية التوازن قليلا.. وعموما فأن امتداد المساحات الداكنة بشكل دافق الى ضبابيات مختلطة من الالوان قد منح العمل معالجات نسبية كما ان النقاط القصدية الدقيقة قد منحت العمل عمقا فضائيا يسحب المتلقي لمزيد من التأمل مما ساعد على انجاح المعالجات التي اقتضت الاشارات التي ذكرتها آنفا، والحداثة عموما هي امتحان وتجريب انها ضرب من الاضافة والاختزال والرفض فهي قائمة على اساس التفكيك ثم الاعادة في صيغة البناء الجديد، لذلك فالعمل الاكاديمي اذا كان الخلل يكمن في النسب والاداء اللوني فان الحداثة تعتمد على اسس الفن التشكيلي المتمرس.. والذي يقتضي اثر سياق الايقاع الرتيب الى الايقاع الحر، زيادة على الاختلاف مع القواعد العامة لهذه الاسس من بؤرة مركزية لوحدة الشكل والسيادة بالمفهوم الكلاسيكي او التوازن الشكلي كاعمال روفائيل مثلا عندما يضع طفلين ملائكة على جانبي (مريم العذراء) لتشكيل توازن شكلي...ان التحرر من هذه الاسس لا يعني العزوف عنها كليا فالانسان لديه عين تبحث عن التوازن والحركة والايقاع والوحدة بشكل فطري.. ان هذه المشكلة قد وقع بها كثير من الفنانين الشباب الذين اختاروا التجريد لتحقيق ضالتهم في هذا المجال، وعموما فان الفنان وسام زكو قد حضي بنتائج تشكل مشروع لاعمال لاحقة يحدد مسارها هو دون تنبيه فالنتائج تأتي من مناخات المنطلقات العملية الجادة او تولد التوثبات والانعطافات المفاجئة من مطبخ المشغل المنتج عمليا.. وفي اعمال اخرى للفنان مسحة لونية عامة تختفي تحت اجوائها الرموز التكوينية فهي اشبه ببقايا اطلال تشظت تحت اجنحة الظلام ..وعموما هي بناءات تكوينية لا نزعم انها محسوبة بذات الدلالة التي اشرنا لها ،ولذلك فالفن التجريدي بهذا الاسلوب تحديدا تخضع مفاهيم تفسيراته الى ادراك تذوقي اكثر مما هو ادراك معرفي –مشهدي- محدد واذا كان الفن السيريالي مثلا يبقي المتلقي مشغولا ومشدودا للبحث عن مكنونات المشاهد المبهمة والتي نثير الفضول في ارجاء المشاهد اصولها وتطابقها الذاتي مع مقاصد الفنان، فان في الفن التجريدي يبقى المتلقي يحلق في محصلة انعكاسها الجمالي، الذي لا يكلفه العناء للتأويل والاحالات الرمزية غير المباشرة والرمز عند وسام زكو يطرح نفسه بشكل مباشر دون عناء او تحريف لغزي فالصليب ذات دلالة عند العراقيين معنا يرتبط بالعمق التاربخي قبل استخدامه كرمز ديني عند المسيحيين، غير ان هذه الطروحات الرمزية تختفي حدتها تحت عفوية المناخ التقني للعمل الفني.

الاهداف:-
تكاد توصلنا منظومة البناء الشكلي والجوهري للعمل من خلال الحديث السالف الذكر عن المداخلات البنائية لصروح العمل من عناصر، لون ،شكل، مساحة، فضاء والتي تبث في داخلها دفق معرفي حيوي، او الذي يقتضي ذلك ليدب الحياة فيها من حركة وموازنة ووحدة ،اقول يوصلنا ذلك بالنتيجة الى حقائق غائية مفادها المصداقية في التعبير المجرد،فاللون عند الفنان ذا دلالة خاصة عند الفنان توائم رموزه الموضوعة، وبالرغم من توزيع اللون بشكل يحقق عملية توازن لا شكلي، وكذلك منح العمل في مجالات اخرى عمقا فضائيا للعمل رغم محدداته التجريدية اقول رغم ذلك فأن يعمد الى وضع الالوان الحارة في اسفل اللوحة وعلى جنباتها كي تحقق عملية الثقل الذي يوائم الهدف الرمزي للعمل، كما ان الالوان الداكنة التي تميل الى اللون النيلي يمنح العمل ثقلا يعمق ارتكاز المثلث الهرمي في اللوحة مما يمنحها صفة شامخة وهيبة شكل الزقورة او الشبح الجبلي ،ولذلك فالتطابق بين التوزيع اللوني ومنظومة البناء التكويني للعمل تحتاج الى سيطرة حاكمة عندما يمضي الفنان بمنح عمله هوية هادفة تنطبق مع مدلولاتها الفكرية ، أما الألوان الفاتحة والصفراء التي شكلت صفة العمق للشكل الرمزي منحها بعدا منظوريا يضيف بعدا اطول لقمة المثلث وفي السياق ذاته فان رمز الصليب قد تكرر باتجاهات حقق عملية التوازن والانسجام بين مدلولاته الرمزية من جهة وبين موضعه التكويني في العمل الفني، وقد يتحول احيانا الى ايقاع غير (استاتيكي  ) في الاتجاة وشفافية اللون، وعلى العموم فان القاعدة هنا غير ثابتة في التوزيع اللوني والشكلي لاغراض الموازنة والانسجام والحركة .
وخلاصة القول إنني أتلمس في أعمال الفنان وسام زكو دفق حركي تجريبي تتصارع التكوينات للبحث عن الاستقرار ثم الدينامية مرة أخرى، وفي سياق مناخ يلغي الارتباكات المبررة نحو التماس مفاجآت جديدة ناجمة عن فعل التجريد، والمقترن بدافعية الحس الجمالي الملتزم بالصدق الذاتي.



الأوثان-الوثن الثاني [ فضاءات الغابة ] - عادل كامل

 الأوثان

الوثن الثاني
[ فضاءات الغابة ]




عادل كامل


[1]
بالغابة تفتتح البذرة أزمنتها .. احتفاء الأوراق بالبرق: أيتها الشجرة استمع لصدى روحي فيك: كلام الأرض وعرس الجنادب. إني أغادر إليك بالهجرة. ميتان في ميت .. انه العيد وقد اكتمل الرحم بالأعياد: وثن اثر وثن، وفضاء البرية بالعويل أغوانا، انبتنا فسوانا رماد للاكتمال.
[2]
     من زرع الحقل فوق الكف: من بدل الأحداق بثمار الأرض .. من علم الينبوع الارتداد؟ يا نفسي لا لوعة للغريب مع الغريب .. لا نسيب ولا فضاء .. إني أتنزه مع الريح: هذا ظلي غادرني/ لملمني/ علمني ثم آفاق.
[3]
     اكتم نجمتي كوليد لن يولد .. والأرض جمّعت بحارها: أيا يا خيال انشطر، فما للرمال للرمال وما للروح للروح: معابد القلب للفجر نثرتنا .. أخذت رمادها ونارها .. يا كوخي من أضاءك بالعتمة، وما زال الليل يحتفل بالكلمات.


[4]
     تسقط ثمرة فوق الأوراق: نجمة بلون النذر: الغابة ذبيحة، والنار تصالحت مع الأضداد. إني أفق يمتد بالأسماء  فوق الأسماء، وكل ينتشي بوسامه .. الأتون والراحلون في عيد، والنفس اضطربت بنسغ غابتها: بذرة البّذار أفاقت والرحم أينع بالمودات. الرماد رفع ساريته: أيتها الألوان من علمك الدهشة.. أيها البحر ألا تكف عن السفر. ارجعي أيتها الشجرة راضية بالأناشيد وانغلقي عليّ ففي الليل والنهار ذبيحان يتبادلان الظلال.
[5]
     أية شوكة لامست حافات البياض: أي طحلب راح يتباهى بالمرجان بتصنع: أي يا آلهة الماء، يا أوثاني، من اختطفي وعدني بالإقامة: طيف الزوال لوّن الشفق .. وجذور البرق بعثتني إلى السواقي. أي يا فلك الرحلة أنا لست بالمسافر، فالغربة دار، والبذرة كفن. وأنا بين البيادر والأعالي أقمت أعراس لامبالاتي.


[6]
     الشجرة أفاقت كبوق الحرب: يا للجوز والرمان والتين أقمنا الرحلة .. كل يوهم صاحبه بالرجاء .. ومن كتم كتمانه كشفته المسافات. يا نخلة أما من رطب للتائهة. هذه حنطتي وهذا عسلي والطبول تقرع .. وذهب الحقل عند الصيف أعطاني أسراره : كل يتشهى رماده .. كل يوزع أفراحه .. بينما القلب استوي/ انبسط لأناشيد العابرين .. فأين أنت ِ من ثمار الجنة .. أين أنت من حجارة النار ؟
[7]
     فتح المثوى بالمفتاح قفل الأفراح .. فخرجت البرية وطلع القمر: باطل هذا الغناء : فيا روح هلهلي أينما كنت .. فشوقي جرحني .. والأرض سكين: أيتها الغابة جرحي ينـزف، وكلامي فراغ.
[8]
     الوثن استفاق غابة، فصارت الأرض فضاءات: انه – الكوكب يدور يدور .. خفاياه أعلنت لا مبالاة الحدادْ. ليس من وثن إلا البحر مد سواحله فوق البراري: يا لأغصان الوعد.. يا للجوري الذي تجمّع/ انفرط لملمنا/ فرقنا/ وكتم الأسماء فوق الأسماء. ويا ليتني كنت البذرة في بذرة البذار: يا قلادة القرنفل من صاغك سوّاك نثرك لتكوني نجمة فوق الكف. انخلع أيها الفصل أيها الهذيان أنا الصائغ صمت الأغصان: هذه إذن جذور الريح، لا تاج لدى الأمير، لا مملكة عند الملكة .. فلمن روحي اشتاقت والأرض يباب.
[9]
     في الغيمة تسكن صخرة .. وفي وديان روحي دغل وبلوط وكروم: يا أمطار أسيرك نقطة؛ حيث حبيبي يبكي حبيبه .. فتقدم مني أيها الوثن وبدل الميت بالميت. أنا بي رغبة للإصغاء.. أيتها النائحة قبلي وبعدي من يبدل العاشق بالعاشق .. أنا الراحل في الجذر .. يا بذرة التفاح بي شوق لحبيبي: أتنوح على حبيب لم يكّونه الرحم ؟ لم تحمله يد طهرها الغياب. ها أني في الريح أحمل عويل الصخرة .. أنا الذي بّدل الاسم، إني أنا النائح، أيها الوثن العاشق الذبيح يا لتيك ورقة في شجرة، ويا ليت البذرة أفاقت لتبدل الاسم بالاسم،  فالبحر حمل غرقاه وغلق الباب بالكتمان .. أيها الظل هل ستتجزأ إلى ظلال: يا يد الحاصد أين منجلك .. يا عروس الذكرى أين كتاب الخاتم، ويا روحي لمن أعيرك وأستريح؟
[10]
     وتأتي غيمة تبدل الضريح بالضريح، والنائح بالنائح، إنما الأوثان تتبادل أدوارها: أيها العاشق غادر عرشك، لا أزهار في السفوح، لا بلابل فوق التين، لا أصداء فوق الكف.. يا جرح لا يندمل إلا بالسكين أو النار، أما من .. جمرة تساومك الانطفاء ؟
[11]
     فوق أية ارض صار المحراث يحرث ؟ البذور التقطها الطير، ويد البذّار غابت: العاصفة بعثرت الأسماء، إنما في القلب ضريح باتساع الأرض: لا تحرك الواقف .. لا توقف الذاهب: شوقي إليه أطفأ شوقي أشعله وطهره بالكتمان.
[12]
     أما من يد تأخذ بيدي: حقلي يتغنى بالبرق .. وظلي ينحني فوق الحشائش: يا عروس لا تنوحي .. الأغصان تشابكت.. وروحي سكنت الكتاب: أيها العابر خذ ظلك صوتك قلادتك خاتمك ولا تتركني في رماد الوعد: الكلام يجرجرني كذبيح، والصوت وزعني إلى عشاق: يا رمل الأرض ماذا تفعل للنجمة، والسماء ثمارها معابد ؟
انطفئ انطفئ لكي تتوقد: يا كوخي أفتح بابك، فالغرباء حدائق، والضيوف ينابيع فضة.
أما من يد تعيد لي يدي .. أما من كوكب يستعير هذا الضوء، قلبي بذرة وأنا في المهد .
أما من يد لا تأخذ لا تعطي فاستكين ؟
[13]
     واهن هو الفجر، مثل أدغال، فبماذا تنشد يا صوت: الوردة تسترق السمع، والكروم يوشي بالعابد. لا النهار ارتدى وشاحه ولا الليل آفاق. لا صفة لي إلا صفاتي : لا أعرف أأنا جرحت الغابة أم الروح بالسكين انتشت: لنقم الحاجز، لنهدم الجدار: لا الصوت بسابق الضوء، ولا النور أشهى من العتمة: عيد هو يشيد كوخه بالبراعم، مثلما هم ذاهبون إلى البراري، يا روح ارجعي، فالاستيقاظ آت، بالسكينة روضّي الخفقان، ما من صدى إلا الصوت، وما من كلام إلا الأصداء.
[14]
    أمطرت الأرض مطرها علىّ فانجرحت الأرض: يا نخلة ظللي ظلي: حبيبي نورس بين النوارس: شوكة تعمل في القلب. ضاع أنا الذي بسطت له الأعشاب، فمن ذا يعرف نورسه والغابة احتفال: مجداً للذي فيّ وضاع: عرسه برية وأنا عنده آخر الضيوف أول الماء.
[15]
     ليس ألذ ّ من خمر الصخرة إن أعلنت مباهجها: تين فوق تين .. وابل تتنـزه في الفضاء: القلب حجارة أسكرها النظر، والعرس وعد تربع عرش الرمال: يا لبذرة اليد الكريمة تؤنس الصدى .. وتتوج الصوت. هل سرقوكِ أم سرقوني يا بذرة الجرح أم كلانا راحلان في راحل: دع السؤال فحبيبي عندي اشتياق: اقتربت أبتعد فانا عنده. يا لشوق السكران بليل الغابة  لا صحو بعد صحوي ولا سكر بعد سكري .. ولا الضوء بأسرع من العتمة .. كلانا أخذنا الرب أسكننا البذرة .. وما أدراك ما الروح .. الاسم يمحو الصخرة .. والنائحة ستعلن عيدها، مثلما البّذار سيدفن في روح البذرة.
[16]
     هذه بذرة البذور أعلنت عن غيابها! وبستاني ضاع بين البساتين: تعال يا رماد دثر نطفتك: الماء أنجرح والنجمة أعلنت حدادها: أيها المارون لن اعترض سبيلكم .. أيها الأتون رفقاً لصدى كواكب انطفأت: القلب سفينة رقراقة .. والهوى ممرات فضاء. لا تفرحي يا شجرة الميلاد لا تحزني .. اليد لا تبصر .. ونبع الينابيع فاض بالرمال.
[17]
     مثلي الشجرة ارتوت بيبابها: فعّيد يا عيد الأعياد: العرس حفنة ذبائح، والأوثان تنحني للأوثان. لا تكرر نسلك أيها العاشق الجميل: رائحة الورد توارت .. تكاملت .. ثم عادت تكتب فوق الأرض أسماء غائبيها: الميت لصق الميت زنبقة: يا آخر نسل هذه البيادر أما ارتوت الينابيع؛ أيتها الملائكة تجمعي إنهم يحرقون الحدائق .. وأنت َ يا من تبصر بالفولاذ تذكر أن يد الريح لا تعرف المسرة أو الأحزان. يا يدي من طهرك لتكتبي نشيد هذه الأعراس.
[18]
     أيتها الثمرة الشهية أهذا هو احتفالك: ضريح فوق الكف .. وآخر هو الوعد: أهذا عطاء الباذخ في عتمة ليل الإنسان: أشجار تمحو الأشجار. وبذور تصطاد البذار في آخر المطاف. ألا يا روحي غادريني، إنما خذيني معك، فجسدي صار هواء، وكلماتي تمحو كلماتي، أيها النور ابتعد .. ابتعد فليلي عروس، فجري وثن، ونهاري رماد.
[19]
     من ذا يقول للشجرة: خبئي العاشق بالظل بالجذر والشجرة هواها فاض. أفتحت الثمرة باب الساق أم أغلقته .. وليل اليد بالنجوم تسوّر، انكشفت الذاكرة، الأغصان انحنت، والأمواج تدثر عاشقها بالأمواج. من هذا الممحو الطالع نحو الرمال، اهو أمير .. أم النفس اضطربت بالكلام؟
[20]
     الموجة تأخذ ظلها وتغيب؛ فمن ذا ينادي تدثر .. تدثر.. تدثر بالبرد ؟
[21]
     انشطر الظل فأفاق العاشق .
[22]
     ثمار الوعد فوق الحشائش خلعت ذاكرتها. لمَ يا بّذار بذْرت الفصول، والشفاه مازالت ترقد فوق البرد. يا لمحنة من امتلك غابة .. ويا لشقاء من صار هو الغابات.أجئت تدق الطبل فوق الأسماء، الممحو أمير، والموجة اثر الموجة تشيّد معبدها .. تعال اليّ مع البرق، أنا البرق، تعال النار تتشهانا. هو ذا رمادك يكتب تاريخك ويغادر .. فمن ذا يكتب تاريخي .. من ذا يأخذني إليك وأنت معي ؟
[23]
     من ذا أمر البرق بإيقاد الرماد: البذرة غافية، والروح ثمرة اكتمال: يا مطر لا تسقط فالكروم صاغ عرشي. يا شجرتي .. هذا الوثن النائم لمَ زحزحتم رأسه ! أنار الحارس نهار الكف وختم على القلب بالصمت صولجان النطق.
[24]
     طلبني للوداع: المحراث يدور بقفل الأرض: يا بابي انغلق، العاصفة في الثمرة: هنا: استدر واصنع لنا هيكل الرماد: لوّن الزمردة بالأنثى والنشوة بالطلع. اهو عرس معادن أم سرة حداد يطرق فوق القلب: لمَ جرحتم الجريح / وقال القلب النائم دعوني أكون الاستيقاظ. وقال النائم للقلب غادرتني الروح آخر المطاف .. فلمَ جرحتم الجريح. وقال النائم في النوم انثرني يا برق في البرية .. كوكبي لدىّ انثنى ومن صنع خاتمي أخذه .. فلمَ جرحتم الجريح ؟ وقال النائم للريح: توزعني .. الامتداد بيادر .. وطيور الليل سكنت. فلمَ جرحتم الجريح ؟
[25]
     صار العاشق ورقة، والريح سكاكين: يا برد لا تغادر ذريتك .. المعبد بالنذور امتلأ .. والفضاء بالنرجس تطرز .. لا تغادر يا برد انه عيد الأعياد. فالموت تشهاني قبل الميلاد.
[26]
     أي نبات هذا الذي أضاء لبرهة .. أي نبات هذا الذي انطفأ: أي يا قلب ماذا فعلت بينهما ؟
[27]
     بجلد النمر أم ببنت الموت سنـزينك يا وثن: وردة الروح بلا اسم .. والصخرة فوق الصخرة سراب. بأي الشجيرات نواسيك / من أعطى ومن اخذ، من انار ووزع علينا الليل: خذ ثوبك/ قبرك/  بحرك/  عرسك/  نخلتك/  نجمتك/  خذ ما شئت إلا الصخرة والاسم الذي فوق الأسماء.
[28]
     علمني الصمت ثم تركني أتكلم: من ذا يغوي جند الليل بالإصغاء. علمني الكلام وتركني غابة صمت.
[29]
     بالفجر جرحتْ البرية: يا كلام من صنعك/  حيرك/  سواك/  وزعك ثم محاك: الم تك بالنشوة يا حرف تمتلك الكتمان. ويا بذرة المرأة الم يك وعدك الاستعارة: يا خاتم اليد استدر، ويا نجمة غادري، ويا روح ابحثي عن فضاء.
[30]
     اكتفيت بكوخ فماذا افعل بمملكة: أيها العاشق أيتكلم المرجان، ثمرة التين وسنانة، والطير اسكر الأعشاب. يا معبد اقفل قفلك العابد نائم، يا فصول خذي ثمرتك، فصل العابد في الخاتم، والنائم كف عن الأحلام.
[31]
     بالموت الملكة ختمت كتاب الكلام: لا الليل لا النهار يتبدلان، فالجريح آفاق: تعال خذ المفتاح تعال هات ما عندك من داء: العاشق انحنى، الوثن آفاق. وأنت يا من تبصر في الرمل لا تقطف وردة الميت .. بدموع الرطب اكتب فرحنا .. وبالريح انشد صمتنا، وعلى الرمال اترك خطانا للقادمين.


[32]
     أهي الجنة تتشهى الغرباء، أهي النار اصطخبت بالعابرين: أي .. يا من في البذرة .. أي .. يا من في الجمرة أيبدل الليل بغير الليل. إني ادعوك لنفسي يا وثن، صبرّني، قلبي اشتاق الىّ .. قلبي اشتاق. أيبدل النهار بغير النهار: ادعوك بدلني اشتاق قلبي اليّ .. والىّ اشتاق المشتاق. فمن ذا بدل الليل بغير الليل ومن ذا بدل النهار بغير النهار والكف ما زالت فوق الكف .. يا خاتم الرمل ترطبت الروح والأرض يباب .. الضوء ملأني عتمة، وأنا صرت رماد.
[33]
     كلام الريح أطفأ كلامي فيا الصمت تدارك .. قال الرمل بالجذر استقام العويل: الذاهبون العائدون قابعون في ثقب إبرة، وقنديل اليد أضاء الطريق. أي يا وعد من نقشك، من صاغك .. أي يا وعد من محاك؟
[34]
     ويوم ارتدت الأرض غير ردائها: طاف عليّ صناعها: يا جنة غادريني .. صار الغبار كلامي لا كلام لدى .
اعرف من يسكن الوردة: الجنة مأوى الفقراء مأوى العشاق: والآن أنا أعطي بذرتي للبذار واسكن الأرض.
[35]
     من ذا يجلس عند الماء ويبكي: يا نخلة أنا ثمرة الجرح. الصخرة قالت: اذهب .. يا ماء أتنحني للماء. أنا كتبت الاسم فوق الاسم، وقلت هذه إشارة، أنا محوت المحو وقلت هذا هو الكلام.
[36]
     لمن النذور ولمن الحناء: حدائقي ارتدت الليل .. والينبوع اضطرب: أين الصخرة الأولى أين صحراء الضحايا: الميت نهض والبرية امتدت والبرق على الأبواب. يا كف التراب أما من عيد آخر. ألا يا غيمتي غادري فالباب دار ، وحمامة روحي اكتمل نضجها ، هذه عروسي عندي ، فتحت لها فيّ مأوى .. فاسكني راضية بالنسيان. الأمراء عادوا والبرية في روحي مزرعة أعراس.
[37]
     من يبدل القلب بالقلب .. من يفتتح خاتمة الليل: يا نشوة المنتشي بالكلام: هذه إسرار الماء: كل الشموس ستترك خلفها الخيط المبهم: الفجر برهة عيد، والفضاء بالكتمان يختتم الابتداء.
[38]
     تعال سوّرني بقلائدك: الرحم فكرة والقصائد غبار. نبأي الكثبان اغمر مثواك وأنت فيّ، فبأي، وليس عندي أشجار، الجنة والحجارة تصطخبان: يا باب الأبواب من يبدل الفكرة: من منح البحر وسام الغرقى .. ومن يأخذني إليه أنا الذي شيدت له الدار، أوقدت قناديل النجمة، زرعت له الأرض أناشيد. كل كلام مداه فضاء ، وكل كلام مداه فرح: يا مفتاح الماء أعندك حكمة: النهار أضاعني والليل كشف الستر: ها هي البادية تنسحب إلىّ ارتعاشة مثل قلب يدور خارج المسار، ويا أنت الذي قلبي له مولع من فصل الظل عن الظل: الحكمة أوثانها لا تحصى. ويدي فوق العرش أضاعت خاتمها. كل آتٍ سيترك اسمه ويرحل: غرباء لصق غرباء، وجمر الكلام نياشين وعود. أشجار الصبير أينعت .. فهل لنا عيد.
 [39]
     من تهدم، المعبد أم العابد: كلاهما ذبيحان: هات سيفك واتبعني . لا دعوة عندي وأنا الغابة ، لا أسوار عندي وأنا الفضاء: يا ارض متى تبدل الأسرار بالإسرار. اصطخبت العتمة، وبذرة الجمر لم تشهد الميلاد.
[40]
     غادرت النار مسكنها، والماء اضطرب: ويوم يبدل الخاتم بالخاتم، والكف رمل، تنهض جمرة الحجارة .. يوم تمحي البيادر بذورها، وتصير الأرض غير الأرض، تأتي عروسي برداء الموت، ثم تصطحب وثنها، شجرة بعمر الأرض متوجة بالبرق. والبحر يحتفل بميلاده : يوم يتنـزه الغرقى بالفلك ، ليلة تخلع الملكة تاجها يتساءل الكاهن أكل هؤلاء الأسلاف يكّونون محوهم: يا عذراء المعبد يوم يغير التراب بتراب، والنفس بنفس، تجتمع العاصفة في ذروة فضاء: معادن الروح سوّرتنا: لا الذهب لا التاج لا نياشين المرأة بوعد. وأنت يا حفار لمَ لم تبدل القبر بقبر: نفسي اشتاقت لوثنها: نوحي يا كف، ارقصي يا آثام .. بالختم الأخير تولد الأختام: رمل وياقوت ورياح نوحد بها الأضداد.
[41]
     وهن الفجر أم وضعت الحجارة أوزارها فوق الحجارة. هو ذا جرح الأرض يفتح بابه: الغابة قامت والأدغال انحنت: هو ذا عيد قطاف الروح: قام الميت لاستكمال الميلاد، وعروس البرية وهبت معابدها ونثرت اسمها فوق الأسماء: يا جند الليل إذا عثرتم على حبيبي فانا عنده، وثن اثر وثن تتهاوى التيجان.
[42]
     الاسم يمحو الاسم والفلك تناثرت: اهو القربان: توزع يا شتاء على الفصول، البرد تاج الغابة، والعرس رماد الأمطار: فقل للقلب الراقد في التفاح لملم الجسد بقاياه للإقامة: من يشتكي من والشكوى ذلّ: ابرق المبرق حجارة: لا شجرة خير من شجرة . المنسيون حشد جند بصفحات بيض، والذين لم يلدهم رحم الأرض أقاموا حفل الاختتام. فبأي الانباء تقاتل، هو بُدل العرش بعرش: يا ملكة وهبت خاتمها أيبدل العيد بعيد، والغابة برماد. أيا نفس ارجعي إلى بذرتك راضية مرضية، فالآثام زمرد، والأخطاء ثمار.

[43]
     الكتمان فضحني .. والنهار سورني، لا فضة تدور حول اليد ولا قلائد عند الينبوع: حبيبي الذي أحب .. عندي.. غادرني معي .. أخذته منه إليه .. وعندي نذور عيد.
بذرت من بذرت لكيّ يكتمل العيد: يا شجرة تعالي نتقاسم برد الحرف: الكلام جمعّني ،
والصمت نثرني، فأين يدي من الأحلام ؟
يا كاتم كتماني تعال اليّ. الوردة انغلقت .. وقفل الباب دار على الباب. تعال اليّ: أنا المفتاح وأنت الباب.
[44]
أضيعنا الضائع أم هذا عرش ابتداء: يا تراب ادلني عليك: سري أضاعني بسري .. وصمت كلامي صار احتفال: من كان عهدي هجرني اليّ .. ومن كنت عهده أضاعني عنده. الباب بلا قفل .. ومن أغواني كف عن النشيد .. يا مدن مسورة بالبراعم .. لضريح حبيبي نذر. دعنا معاً لا قسمة بين ميتين. لا اللاحق بسابق الأول، ولا الأول بمنسي عند بكاء الأشجار: أمطري أمطري تساوى العاشق والأرض. يا برق ابرق برقاً .. فانا اشتقت لصخرة تدلني عليه. يا جند الليل سرقوني فمن يعثر عليّ ليضعني عند حبيبي فهو السارق مثلي وأنا صاحب الملك.
[45]
     وحدني الدغل بظلي: هو ذا فجر تنحدر منه الينابيع: يا نشيد أية رياح دفعتك لبريتي، أية عاصفة أخذت، وأية أمواج وحدت الغريق بالغريق .. صرت معبدي: فمن ذا قلد جيد الفلك هذا العويل. قلبي لؤلؤة: ويا حرس الغابة لا تسوّروني .. بابي استدار، وأنا أعطيت القفل للرياح. ليدخل حبيبي معي أنا الميت .. فالأرض قيامة: ومن ذا يخرج الميت من الميت لتصير النار حجارة: أكل هذا عويل إقامة أم استرخاء فضاء ؟
[46]
     بكتاب الصمت ختمنا سر البذرة: لا تسرق قبري فعند حبيبي نذور .. روحه إن دخلت كوخي تتوقد كفي فاكتب فوق النار تاريخ الحبيب.
[47]
     أي يا غريب أعثرت على الغريب: الأشجار ائتلفت .. والرمل تجمع .. والأعياد عيد فوق سكين. أي يا غريب أضاع الغريب: إذن من أعطاني الكتاب وقال هذا ظلي فلا تخف .. من علمني أن ابقي فرحان أمام الأوثان .. أي يا غريب أنا عثرت عليك .. ثم محوت الأسماء.
[48]
     لا الفجر بآت ولا الليل بلا حدود .. كلاهما يقيمان في الشجرة .. وارى بين الموتى ميت يعطيني ثمرة: عيّد هذه قيامة العابد .. تنحني العاصفة توزع نذورها وتأخذ منا ما أعطت. لا الليل بآتٍ ولا الفجر أطال البقاء: روح من رفرفت حومت غنت: وكوكبان في كوكب .. روح أنارها النور ثم تلاشت/  انتشرت/  تجمعت/  واكتفت بهذا النشيد .

[49]
     بالعاصفة الرمل امتلك سره، وفتحت الصخرة أبواب. البذرة أفاقت، وموكب الملك استدار. يا نفس ما الذي فعله الشوق: أهذا فعل نجمة أم برق ؟ يا لغة تجمعي في جملة في حرف. فأبصر الدغل الكلام يتنـزه. الأمطار تخترع قاراتها: لغة فوق الماء وحروف تجرجر إلى المنفى: الباطل باطل والغناء اخترع نياشين العرش: هذه أميرة النور أضاءت فأوقدت وأطفأت عشاقها وكتبت ومحت فأخرجت الأرض ذرية الرماد الياقوت ووهبت البحر صواري واليد حكمة: يا أميرة تتنـزه منفردة بين العواصف أما آن لك السلام .. النذور نذرت .. والوادي كف عن العويل. جند الليل أخذتهم سنة نوم .. والجذر توارى في الجذر، أما آن لك باسم الطالع فتح باب الروح بمفتاح الإقامة: فعل الموت أينع الكروم .. والغابة بالعطر تزينت: هذا خطاب العرش بالخاتم أقام الملك: ويباب القلب أعطى أهدى وهب فاكتمل الميلاد . . أما آن للروح فتح باب الإقامة .. أما آن لها أن تستريح ؟
[50]
     وقال الماء للكلام خذ ثمار البرق لها خذ حصاد الذهب خذ ما في البحر وما فوق الأرض وخذ لها منك خذ سلامك فالملكة غادرت عرشها: البرية امتدت والقيامة قامت. أتكتم الكلام الذي لا بد أن ينطق. النخلة انحنت للوليد، والسلة تتنـزه فوق الماء. يا عرش الروح أبصر من أوقد قنديل الليل؟
وتأخذ الكف نذورها إلى الفضاء: السلالات تناثرت، الملكة عادت، فمن ذا للمعبد يعيد العابد. لا الجسد يغادر لا الكلام بشافٍ، تزاحمت العتمة فوق العتمة .. والبيدر فوق البيدر.. احتفالات في الينابيع: يا روح أتتشهين المحنة والحاضر غاب .. ومن في الدار أخذ الدار: يا تلال يا أطلال روحي اشتاقت للسلام: وتمحو الريح الكلام، والصخرة بالكتمان أعلنت فاتحتها، فالعاشق في مملكة العشاق غريب.
[51]
     من اختتم الحفل من كشف سر الوردة: لا أشهى من قبلة الأرض وفي المعبد احتشد حشد الأميرات، نسوة الحقل حول التاج، خطفن لذة الاستقامة ؟ وتنهض البذرة بالطوفان، غردي يا شجيرات عرسي يا أشجار البلوط ارقصي يا زنابق ويا لغة جمعيني في حرف: نسوة الوعد فقدن الذاكرة: لا مرعى للغروب لا جنة للقلب. أميرة الحصاد أميرة تبكي البذرة التي ماتت. يا معبد الأوثان لا تطردني من جند الليل. أسلحتي عند العاشق، وأنا عدت من الحرب بكف الأسرار: خذ نياشيني لا ابحث عن تاج فلا تطردني من الحرس الليلي. اللذة فارقتني، وأعالي الروح اشتعلت بالفجر. افتح بمفتاح النخلة كوخي .. فيه خبز وتمر وحبيب ينوح على الحبيب ، مدني خاوية ، والحرب أخذت/ أعطت/  وزعت/ قسمت/  أجزت/  نذرت/  وفاضت بالأسرار فلا تطردني من جند الليل، فانا سأحرس ظلي الذي قام على الأرض. في قلبي الحب برق . وفيّ ظلام ذبائح .. فقل لأميرة الحصاد قل لملكة الأنهار، قل لخاتم دار على الوعد أني سأعود أحمل برقي وابحث عن الصحراء عن مأوى: الفضاء حاصرني .. والرمل نبي، الغزلان صرن ينّشدن: التائه يتتبع التائه.. فمن يعثر عليّ ليسكني الجب .. يا سماء اختتمي بلذتك علىّ آيات الابتداء.
[52]
ارتوت الأرض بالبرق: هل راحل .. هل من آتٍ : ليس للمرأة عدا فضاء الثمرة .. تذهب الغابات والبحر يهاجر.. والغريب يمحو الغريب .. عدا المرأة لها استئذان الإقامة. هل من ارضٍ ارتوت بالبرق. البنّاء شيد حكمة النار .. وبالعرش تفككت مراسيم الدفن، عدا المرأة فلها سر الأسرار، تلد لك الشمس وتتوج القمر .. تسّير الفلك، وليس لها اكتمال.
[53]
     أتنوح الأرض أم العويل صنع لنا هذا المسار. أشاطر السياف أن يأتي إلينا. ذبائح تنتظر، ووثن أفسده المثّال. يا كل من انتظم في نظام: روحي اشتاقت للمنفى. فمن يكفن فنائي بيرق القرنفل، بزهرة لوتس ، بسدر الأسلاف .. ما من صدى للأصوات، والحروف اختلطت على الكلام: الحجارة تبعثرت والقبور نثرت والأوثان هدمت. يا زارع الأوثان تعال الىّ بمنجل، أيها الراعي اعرني قطيعك، ويا مدن سورها الجند من يفك عنك الحصار، وهن السامع، والكلمات وئدت قبل الميلاد.
[54]
     من اختطف من: شهدْ الغواية أم انتشاء الليل: يا غيمة كفي عني ويا نور كفاني النور: حبيبي سكنني، وأنا عنده عيد: أيها الحاصد رفقاً بالساق رفقاً بهواء الحصاد، البحر هدّأ سره، ورحم الموت كف عن الشكوى: القيامة قامت عرساً، وكمن صار الموت ذكرى عنده أفقت لا أفراح لا أحزان: أيها الكلام خذ كلامك وارحل: المجهولون يولدون بالبرق، وبالنجوم تعطر الذبائح، والميت قام .. هذا حبيبي سكنني وأنا عنده دار. يا محارب من قتل من .. يا عاشق من هجر من ؟-: حبيبي لملمني  فانا عنده معبد .. فلمَ الكلام ولمَ الصمت .. امن كلام أمن صمت ؟


[55]
     مثل ثمار لم يصغها صائغ، ختم على الكف خطاب الأعياد: أيا امرأة البرية تعالي بالغابة اسكني وثني، فالعابد أضاع المعبد: والمخلدون في الطرقات يتسولون. لا الملك براضٍ ولا الرعية صماء: ماء النبع كلام فناء ، والمرأة لا تلد إلا حجارة: يا جند الليل أنا السارق أطلقوا النار عليّ، حبيبي فيّ وضاع، فماذا افعل بالنذر المنذور، والموت لم يتعبه الموت: المرمى باتساع الأرض أما من سلام للذي أخذه التيه: ضاع الذي فيّ وأضاع: إني اجلس قدام البرية احرسها، إني انذر روحي لوليد لن يولد، ولكلام لن يقال.
[56]
     ويأتي الطوفان بالنرجس والزنبق .. بالجوري وبثمار لم تصغها يد الغناء: يأتي بفتىً يسعى، وبشيخ كلت حكمته، بفتاة حقول، وامرأة أطفأتها القبائل. أيا طوفان عد بنا عد: حقولك التي أينعت جفت، ثمارك سرقها الغرباء: فتاك أكله الذئب وشيخك كفت عنه الحكمة وبالسم مات، فيا طوفان تعال خذنا إلى ماضيك أو دعنا نحملك على الأكتاف.

[57]
     ظل الغابة آفاق: فرفرف جناح الود فوق الود: نوّر النور قلادة الحبيب .. وبالوردة الصخرة أخذتنا إلى البراري. الحقل بالاسم دوّن كتماننا .. علمنا الحرف، صاغ خطانا: أيا صانع الانباء نبئنا بالنبأ، ما من نار ودخان .. وما دخان له جمرة.. ظل الغابة آفاق: سوّرنا الساحل، وبثمار الحقل صاغ الصائغ منها الأوثان.
[58]
     هل كفت البذرة، اكتملت، وغابت عن ظلها: انشطر الهوى والرأس لؤلؤة هواء. يا غابة لا عمر لها .. الجرح يجرح مرة، وبالاسم يدّون، وترمم، شظايا الكف كهف رذاذ خلف الأصوات لملمتنا، مرة، ونثرتنا حتى اكتمال الفضاء. وللعطر، مرة، ملذات قلادة، مذاق الخاتم بين يدي الوثن، مرة، له، وللبراري المدى تبادل الفصول.
[59]
     أتواسي التائه .؟ يا غيمة بدلي مسار الظلال .. أنا الماء الكروم الصحو أنا المعبد ولي في البراءة مفاتيح وحدائق: حلوة أشواك الحناء بيد العاشق : يا عبد أكفنك بالعرس: كاهني ترك لي الورقة وقال اكتب: يا كاهني الدنيا ليل والكواكب تراقب. وبالصخرة بدلت الأسماء: يا جند الحدائق اكتمل العرش .. من أحب سود وردته وغاب.
[60]
يخرج من مخبوء فيّ .. ارتوى بسلاح دخان الطين: أيها المحارب دع نياشينك: من ذا يستمع إلى عويل كوكب لا وجود له: أنا هذا الصوت: نحن المسافة. خطفك الضوء تارة وها أنت تخطف الليل. دع عنك كلامي: عارٍ هو الصوت؛ من أحب جمعني/  فرقني/  سواني/ قسمني/ علمني ثم محاني وعاد: هو ذا أنا مثله: نجمّع أوسمة الآتين قبل الميلاد: زمردة فوق بساط الآثام: أيها الجمال من روضك يا نهر شاخت ضفافك وما كبر العمر. وبين الموتى سنبلة أينعت قلت لها: أوثان.
[61]
     من لملم من ؟ حدائق الأسرى تسوّر بالياقوت : يا أزمنة تجمعت في حبة قمح: هذا فرحي، فمن سرق مزمار الجبل .. من أغوى الماء بالصمت .. من طرد الجمر .. من جرح الأرض.. كلانا تاه في المسير. أغلق المعُبد بالموسيقى قلب العابد.. يا أيتها المرأة الهواء رحل، والغابة منفردة تشّيع ملكتنا: إلى أمام إلى أمام يا فتيات الحقل ويا رعاة ارقصوا بالصمت ارفعوا جنازة وانقشوا في الذكرى وصايا الرمل.

[62]
     وكانت قبل الطوفان أميرة .. بلون الغيمة نقش لها النقاش الذكرى: أقامت الأرض لها المعابد .. بهدوء لون الفيروز انحنت المياه لها: بلون الحقل بعد الطوفان فتحت الأرض لها الباب: يا نفسي عودي اصطخب العمر .. لم تجد الأميرة أميرها: يا نفس اصعدي الجسد وهن والروح لوعها الضياء. فشيدت بالوردة قبر من أحبت وبالغابة أثمرت صمت الكلام.
[63]
     لعربتها تهبط إليها الأعالي طرقات: ملكة الماء عادت .. ملكة الصخرة خلعت حدادها. بحشد الحصى هتفت الأعشاب: عيّد أيها التائه .. عيّد يا كوخٍ بظل النفس، حبيبي عاد .. ليس هو بالثمرة، هو ظل قفل، وبالغرقى دار الباب.
[64]
     بالصمت تخترع لغات البحر: عاشقان في كفن: يا مدن تتكوم فوق المدن .. وأجساد تحشى بالأجساد، انشق الجرح بلا دخان .. لا عاشق لعاشق .. وبالصفر تخترع الأرقام.. فيا نفس من لوعك من أرضاك من ملأك بالثمار. ارجعي الأرض جناح حمامة .. ويا حبيب الشجرة، الروح أثقلها الضوء .. وهن فوق وهن .. الجسد غادر .. والكف يباب: يا حبيب الماء، لديك الولد، القمر، فاذهب بالفلك إلى الجنة، حبيب النور صار تراب: ها هي البذرة وها هو البذّار .. كوثن يمسك بوثن نحو معبد الأوثان.
[65]
     من يشفي جرح السكين إذا الوردة أفاقت: بين الرمل بذرة .. وبين ضريحين ضريح، غريق جميل آفاق .. وبالسكين الوردة تكتب .. بالعتمة لنور الماس اشتقت: أي بريق هذا يا حجارة .. من أغوى من .. ومن بالمدية أباح للروح اكتمال الفصول: يا للهجرة .. هل من هجرة ؟
[66]
     باح السر بسره والكتمان توج تاج الملكة: أي يا من تقطف بأي روح ذهبت إلى الحرب: هذا حبيبي اختطف نفسه مني، لا سيف لا وردة عدا بذرة بذّار ميت: هذا رداء عروسي كبحر ملأ البرية بالبرية. يا كلام تعدل: يا قنديل هب لنا العتمة: النور وشاية، ومن اصطحبته إلى الوديان توارى: يا عزلة الحكيم تطهري بالعزلة .. لا عيدُ إذ الهجرة عيد .. لا غياب إذا الغياب غياب.
[67]
     والغابة لمتنا/ جمعتنا فكانت بذرة: لا بذّار في الأرض عدا البذرة: روح رفرفت ومضت، والاسم فوق الاسم كالصخرة لا جذر لها إنما أعماقها الأرض: لا اسم لك لا مكان إنما بتاج القرنفل أعدت نظام المسرات .. إن غادرت أنت معي .. وبروح الطوفان يصاغ الخاتم .. تطهر الكف .. وتتجمع اللغة في حرف.
[68]
     لا لوعة عند التائه .. البئر يكتم السر ويبوح بالماء: تعال يا حبيبي الغائب فيّ، ميت في ميتين: صخب الحرف تناثر.. توزع كماسة: هل من سؤال يا حجارة .. يا أشهى النساء النار ارتدت ثوب عرسها .. وبعربتها رسمت خرائط المودات: نخرج بالعتمة نبارك نور الأنوار: الميت يأتي بالنورس.. والحي بالتاج: العقد انفرط والغابة بسرها وهبت الثمار: سأذهب إلى الذي فيّ: أناشدك .. أناشدك بنشيدي لا لوعة عند التائه والبئر يكتم سره بالماء.
[69]
     أهذه جنة أم انثلامات : دع العيد يقفل بالقفل جرح الغيمة: البرية بحر وكف: مدن تنتظر الطوفان. أهذا جاء بفعل البرق: ضوضاء الصخرة وعويل الأوثان. يا نفسي اخلعي الرداء، الجلد تزّين .. والعقد انفرط .. وقلادة النوارس هاجرت.
أيا كاتم كلامي دع الأرض تتنـزه، إني اشتقت إليه فقد أخذني وغادر. يا كل الرمل الماء، أخذتني سنة نوم، لا أحلام إلا في الأحلام .. والميت أدرى بقرع طبول الميلاد .. الملكة باعت أساورها .. وبأسئلة الغرقى، أغُلقت الباب.
[70]
     ما الذي تقوله الورقة للورقة: أنكتم ما كتمناه ؟ البذرة اكتملت فاشتاقت والأرض بالميلاد يباب: المسرات تساوت توازنت وكل لحد بعد لحد هو احتفال: انشطر الواحد ليتوحد: هو ذا فجر نهار العتمة .. فيا نار أما من مزيد .. أعطت فأخذت.. أما يكتفي الكلام بالكلام .. أخذت فوهبت.. أما تكتفي الأوثان بهذا الوثن الجميل ؟
[71]
     ما الذي توحد ما الذي تفرق: في الرمل أعراس وفي البذرة منافي: قل للماء أني أتفرق أتوحد وفي صمتي احتفال: يا غابة ترقد فوق الكف .. أي فصل هذا بين الفصول: الملكة بحاشيتها اصطحبت ظلها .. وبالحجارة تصاغ الحكمة: من هذا الجميل بين الموتى: من هذا الممحو. ويكتم البرق في الذرية شعائر الوداع: القبائل تخاصمت تصالحت وفوق البرية تفرقت..
وهن على وهن يصير العاشق مثوى وتصير الظلال مزار: أيها القبر الذي جمعنا لا تفرق كلام الأشجار: انها تهمس همساً: أيخاف الباب أم الخوف يخاف الخوف: ظلام كلام في الغابة .. فالباب عارٍ والمفتاح رياح: ومن أحبُ لا يعلمُ أأضاعني أم ادلني، مثله، لا اعرف أأنا الأرض أم الأرض أنا. أيا نفس دعي الغيمة تذهب. انشدي وانشدي، لا تمسكي بالصوت .. لا تربكي نظام الفجر، كل راحلٍ ليرحل .. كل آت ليتقدم .. في البذرة احتفال وفي الرمل جنائز: يا ياقوت الوعد ويا قلادة العبادة، الوثن يتتبع خطاه، والصدى لا يكتم صوته.
[72]



     ما الذي شغل البذرة: المعبد أم الفضاء. بكتمان البرق ازدهرت الغابات .. احتفلت الفصول .. بكتمان اليد كف القلب عن العويل. أراض يا تراب عن رضاك. تتنـزه مخيلتي فاستدل بصداها: لا أمطار ولا يباب. الغفلة غفت وعفت وسكنت ثم باحت بغفلتها: كلام لغة: أين كنت إذن عندما فاض القلب بالحدائق: تركك الجدار وصرت مثل نبي يتعثر قدام المحرقة: تقدمي يا نار يد الأعالي سلام. فمن شغل البذرة حتى وهن الخيال: يا حبيبي فرقنا القبر فرقنا الميلاد فرقنا الصحب فرقنا العيد فرقنا الماء فرقنا الهواء. يا جند الليل حبيبي فيّ وتلك شكوى: يا صخرة روحي أنت لون البرق قبل البرق فمن ذا يدلني على غفلتي: حبيبي فيّ وضاع، وبغفلته اجتمعنا نقشنا فوق الصخرة كتماننا بيادر وأعناب، حبيبي أخذني وتركني ابحث عنه. زنابق رماد.


[73]
     استفاق البحر فوجد فلكه غادرت: أين تذهب يا ملاح والعاشق في غفلته أضاع العاشق، يا جند الكتمان من يعيد للصخرة صحوها .. وأنت إذا أفقت .. وأنت إذا مت وبعثت ورحلت وافقت ماذا للغفلة بقائل: هل الرمل علمك الرضا، والينبوع الميلاد: لا أعياد بين الأصابع، الوثن عن النطق كف، والكلام للسياف استقام.
[74]
     استقول ادخل لا ظل ولا نور. استقول اخرج لا أقمار لا شموس. أم إنها نشوة أسئلة جرحت فرحلت أفاقت وغفت وفي غفلتها رأت واكتملت ضاعت وتكونت وغادرت عرش رضاها: استقول لا باب هناك لا بوّاب لا أحد في البرية لا أحد في الجب. القفل هو السؤال، والعاشق بغفلته اخترع الكلام.
[75]
     حبيبي معطر باللوز، بثمار البرية صاغ قلائده: بخاتمه عيدنا: حبيبي برق فوق برق: لا اسم له لا ساحل هو حبيبي فيّ اكتملت جنته .. علمني الغفلة وهاجر معي: لمن تبوح بالمسرات وأنت بلا باب. حبيبي غفوته أخذتنا إلى الفضاء: جنته فاضت .. وبلا مبالاة الإقامة توحدنا: هو ذا عيد الموتى.. فاشتبكت الذاكرة، تطهر عند أعالي الأنهار، حبيبي هجر معبده وهو يدعوني إليه: يا مرّتل رتل سكن الجرح والقلب آفاق ، واليد فوق اليد متاهة.
[76]
     في لَيلَك كتمت السر أم بغفلة الأنوار: الوثن تنـزه بأضداده، والبذّار وهب النور: الغريق آفاق والفلك رحلت.. فلمن هذا الوداع : أيتها النفس – الوثن – ارجعي الباب لم تغلق. والجرح كتمان: ها هي فصولنا تتجمع في فصل: ميتان في ثمرة. أيا أيتها النفس لن أغير مسارك .. فحبيبي فيّ أقام: أيام الإنسان لا تعد، تدور وتدور، أيها الذي معنا، أيها الذي غاب، لك المفتاح: أيام الإنسان لا تعد، تدور وتدور: يا من سكن أعالي الروح من شيّد معبدنا، وعّطره بالنسيان: الصائغ صاغ كتابنا، يا نور وهنت أعماقي والخاتم ما زال بذرة. فإذا عثرتم عليّ اتركوا قربي صخرة: واتركوا الأعياد تجرجر الأعياد.

[77]
     ولك الاذن بالدخول .. أقم .. النطق مرمى والإنسان سارية. ولك الاذن بالغياب: غادر .. البذرة اكتملت. ولك أن تأخذني تطردني تزرعني تنفيني .. ولك الحق أن لا  امتلك الحق: أقم. غربتنا امتداد .. غادر؛ غيابنا براري .. فأين أنت يا من يتكلم في قاع النور: أناديك بالكتمان حتى أغلق السر الباب بالوردة : أهذا قبري وذاك مثواك: يا وحدة الفضاء جمعي هذا وذاك في حرف: لا الفضاء كلام ولا الصفر جمعنا. فالبذرة وهنت والغابة أعياد.
[78]
     يقسمني الذي وحدني. فأتجمع في خاتم: هذه الطبول لمن تقرع: أذاهبون إلى الحرب والموت عرس: لا حكمة فوق الكف. فالقلب صاف كجمرة فوق جمرة: لا نداء .. هم حشد غرباء والمنفى حدائق. اقطفْ أية ثمرة وقسمها .. أنت ستعثر على ظلك أنت تهت .. وستعود بالأصوات لا تكتم سرك.
[79]
     أهذا صوتي في المرآة يفكك روحي ينثرها والى الينابيع يقيم، يا نخلة أما من حجارة لديك: بي رغبة لرطب من رماد. حبيبي في الحقل يجمع بقايا بحار .. ويأتيني بغريق. يا برق اخطف احدنا .. دعنا في الفضاء ندور: دعني عنده كقفل في قفل .. ويا نفس خذيني إليك .. مرآة المفتاح نوافذ .. فمن ذا يقول للاسم من كتبك، وللحروف من خطك، وللأصوات من جمعّك: نفسي اشتاقت بين الموتى إلى الحبيب. وموتى اشتاق إلى الموت.
[80]
     انتزع الخاتم من البحر كتاب الأضداد : أكلهم غرقى: من أنت لكي تخاصم هذا العاشق: يا بذرة أضيعك الضائع أم هي الغواية: استدر يا قلب تعلم الاستقامة .. فالغرقى سيأتون بالبحر.. والموتى بالاحتفال.
[81]
     الوثن أقام ولائمه للغرباء، والبرية تتنـزه. أيها التائه لا تبحث عن زاد: حبيبك بالكتمان أهداك هداياه: صمت الصامت كلام: الم ْ تكْ تلك هي حدود النار .. يا  أيها العاشق نذرك انك أفقت/  غفوت وانك كنت النذر المنذور .. فيا  كانت نفسك ترجع راضية كي تسكن خاتمها وتغلق بالباب بالإسرار: تلك حدود الغابة فهل يا نفس من مزيد ؟
[82]
  ذبيحان في وردة: اليد لا تأخذ ظلها إن أعطت .. السماء اكتفت بنشوتها والبرية وسنانة: الغرقى يعودون إلى الأهل: كل يحمل  كتابه وسارية الرماد سبقت عطاء النار: ها هو حبيبي بين الغرقى: البرعم مع الفجر توحد .. مع من .؟ وكلانا، لا العابد لا المعبد، شارة ارض. أوهن الكلام ؟ -: أيها الماشي في الريح حذار أن تخدش حد السيف .. إني أراه ككوكب ولا أراه ككوكب: يا لصلح الغرقى .. بالنشوة الاحتفال اختتم الابتداء.
[83]
     تعال دوّن الكلام فوق الكلام. غادر كأنك لم تأت: يا جند الغابة دعوني: المبصر يبصر في المرآة. أهذا خاتمها .. أتلك قلادتها .. فأين هي الروح .. تعال بدل كلامي .. خذ ثمار الجنة.. وافتح لك ممرات .. طريقي التوى .. وجنوني استقام: حبيبي بين الأحبة ضاع .. يا جند الماء دعوني – مثله – اكتم كتماني وبالصخرة أدوّن غبار الأسرار .


[84]
     أجميل مثل جنة: تعال اليّ تعال لكي لا أراك. رملة تشطر رملة .. تلك هي الحكمة . أيها المطوق بالنرجس والجوري، بالياقوت وبالفيروز .. بنياشين الوعد .. تعال اليّ: أقم للذكرى ذكرى فالغابة فضاء .. القلب تنـزه .. ومن ظل الأعالي وهبته الظلال نشوانة روحي، في النار وفي الصخرة .. هذا حبيبي أسكنني قرية .. زرع لي الفضة أعطاني نذره .. فتح لي في الحرث كلام .. أغلق لذته فصرنا .. التائه والتائهة .. غرباء نواسي الغرباء. فادخل معبدنا. بالصمت أعلن إقامتك .. بالنورس بارك سواحلك .. وبالقلب لا تخش العثرات: هذا عيد الأعياد .. فافرح؛ الآثام ذكرى: مدن تتكوم فوق مدن، والأسماء تمحو الأسماء: تعال أقم هذا هو فرح البذرة، هذا هو الملكْ : عاشقان في ثمرة .. وسيوف لا تشهر إلا لسلام: تلك حدود الروح فلا .. أيها الميت ولا أيتها الميتة .. تتجادلان.
[85]
     هو العرش آفاق أم الأرض أخذتها سنة نوم: هل أودع الذي وهبني الرضى .. هل اقطف وردة السكينة .. اكتمل الفصل والغريب للغريب دار: كل كروم الحقل أينعت .. والقلب كف عن النداء .. تعال أضرحتي مزار .. لدىّ القمح والمرعى فسيح . اضطرابي اصطحب الرمل وغادر .. تعال معي لا نبحث عن نور. العتمة ازدهرت وارض اليباب أينعت، الملكة بالحاشية دخلت مملكتها، والعيد للعبد رفيق: ذبائح لا موتى لا أعراس: هذا عيد الأعياد .. الميت والميتة في ثمرة: البذرة انشقت فتوزعت وبالفجر قدمنا النذور: القيامة نهضت والأرض تزينت: يا أوثان العابد دعا العابد لنخلته، ظله لا يؤذي، وصوته ثمار.
[86]
     من أطفأ عروس النار ..؟ كفي برية ونجومي غزلان : اهو ذا الصحو .. اهو ذا الهوى : يا من شيّدت لها المزار شيد لي الوثن: اشتاق الطاعن بالسن لفتوته وأنا اشتقت إلى الموت. من أطفأ برق الماء ؟ -: حبيبي أخذني .. الفضاء مأوانا والبرية نداء .. فاسترني بحجارتك لا جسد لهذه الروح: نوري توهج فأعلن الإقامة: ها أنذا باللامبالاة أعلن احتفالات القيامة.
[87]
     أتغادرني عند الحاجة .. أتكف عني لأني طلبتك: القلب لك إصغاء والروح عندك براءة: ها هي طرقات النبع تختتم فاتحتها: لا النهار بسابق .. ولا الليل سيمضي عنوة : انه اكتمال العيد .. من نطفة البرق حتى بكاء الحجارة: المعبد يشيد فوق المعبد .. والوليد يأتي بعد الوليد: كلانا بالقفل قفلنا: العتمة لصق الجدار تأن .. والنسوة النائحات خيالهن تشظا . ابكي يا سيدة الرمل أنا التائه في نزهاتي أمير .. وفي كوخي احتفالي قصير. لغير النور لا اطلب .. لغير الأعالي لا اسجد .. وثني شاخ، والكف فوق التراب نشيد.
[88]
     الخاتم شجرة برق فمن ذا ترك الريح تولول في العراء : لي نذر لحبيبي أن عاد معي اليّ: هذه أشجاره فوق الياقوت: هذا مزاره وميلاده فوق الكف: لا تغادرني غادرنا اسمك كل الأسماء. ما مر عيد إلا وأنت بابه، من يطرق نافذتي .. إذن .. والليل قلدني نياشينه يا ظلام المعنى .. تكشف .. حبيبي لم يغب وأنا صرت جميع الموتى: هذا ثوب العهد بلون النوارس، وهذا أنا أهب العشاق السلوى: من يوصل صوت العابد للمعبد .. يا ارض كفي عني، أنا لم اشته الثمرة .. وما كان وقود النار يؤرقني: أنا فيّ الصفاء اضطرب: قلب بالصخرة يخفق. فجاء الحبيب أوقد غابتنا وعلمنا لذات الطهر: لك الحمد على بلواك يا قلب .. لك الحمد الروح أفاقت. وأجرجر عتمتي من نور إلى نور .. طرقاتي وعرة والوعد غادرني إلى الوعد. من ذا يعيد السؤال بالسؤال .. ومن ذا جرح الليل. يا قلب من أعطاك غصن الحكمة من هداك سواك والى المحنة قادك. حمداً لك الحمد في الأعالي. وهن الحرف والنور أجرجره من عتمة إلى عتمة: هذا عرس أم منفى ؟ لا الماء بفاتح أسراره ولا البذرة تكتم علينا بالكتمان سلوانا: إنّا نتنـزه في الغربة، كلانا، جريح لصق جريح، فمن ذا يعيد للعين كحل الليل، بريق الذاكرة. حبيبي بلون الموت وأنا عند الأنهار ابكي. ضريحان في ضريح والكف باتساع الأرض فمن يدوّن بلوانا. رفقاً بجرح الحبيب. وبالعاشق رفقاً كلانا سرقنا الهوى . .. كلانا سرقنا الماء: بذرتان في جمرة، وجمرتان في بذرة .. كلانا لا أحد .. كلانا الجميع.
[89]
     وودعني إليه .. أي ماذا جنت البذرة: الم يك البذار لها باب. الم تكن قلادتنا مسرة ، ونوافذنا فضاءات. ها أنت تصطحبها إليك: فيا آثام تطهري بالآثام: حقلي شائك .. وجراحي معابر .. لن أتململ سأدخل الحجارة .. سأوقد الرماد.. ومن ضريح لضريح سأوزع نذوري .. فالقلب عنيد.. واليد لا تبدل بيد .. يا أنت الثابت، مثلك، لن أبدل القلب بقلب، فالبروح اكتملت والحقل تشهى النار.
[90]
     بكتمان عاصفة عصفت روحي .. زلزلت .. وعند الأنهار جلست تودع من جاءت به:    توقف أيها المنحدر: أشغلتك الأرض .. يا حبيبي عندي لك التقوى زاد فلا تبدل العرش بعرش: هذه بريتي أقم بها فلا تبدل الهضبة بهضبة والناس بناس: القيامة قامت والأرض تناثرت فلا تبدل القبر بقبر .. اشتاقت روحي للمتاهات تعال معي الرحلة لم تبدأ بعد .. فكل كلام غير كلام العشق فناء .. لا باطل فوق الكف .. نجمة سطعت تزينت تجملت رقصت ثم دارت بنار المدار. لا تأسف إنا لم نولد قبل الفجر: ليل الإنسان جميل .. وما بعد الليل مزارات يقين.
[91]
     ويوم تؤخذ الشمس بجريرة الانطفاء تقول الساعة أما عقارب تدور .. يوم لا أسماء تبدل، كل في مثواه قابع، تأتيك القصائد بالحجارة والكتمان، فبأي عرش تنطق يوم يجرجر العرش كذبيح، لا تاج لا عرس لا بحر: ينهض العشاق الشهداء السكارى في أعمدة ذرات وحولهم الدوائر تدور. يوم تقول النفس ما لم تقل، وترتعش الروح يوم تباهت. يا نفس الدخان بلا نار، والعشق بلا عشاق، فبأي صفحات تدثر اضطراب اليوم الموعود، وبأي كلام تختتم الكلام.
[92]
     وتأخذ البرية منا ما أعطت: ثمرة ثمرة . فخذي مني وهني: عقارب الغابة دارت وتدور، بالكتمان والأنباء، وستبدل اليد بالفضاء، والمدن بحدائق، والبحار بذكرى .. يوم الكلام غير الكلام، والحبيب غير الحبيب .. فبأي نشيد تنشد، وبأي عقد تزين بحرك : يوم العيد غير العيد والمعبد غير المعبد والذكرى غير الذكرى. فبأي خاتم تخطب ود الريح: يوم تتيه الزوبعة، والأرض تفتح أسرارها .. فبأي القناديل تضيء آلهة المنفيين: إلا اترك لي جلدي وكفي: بحسام البرق الملم من فيّ وامضي: جئت بكتمان الذبائح .. وللفضاء بإسرار الأشجار أعود.


[93]
     لا كلام لدىّ الفجر لوعني: خمسون عجافاً أينعت وثنها: خمسون فوق الكف أزهرت خاتمها: أيتها الشجرة أما من سبيل غير البذرة. بي شوق للهواء، لبراري يخطفن الصدى، بي لوعة لملكة بلا تاج، لجرح لا ينـزف شكوى .. بي عذاب كجبل فوق جبل .. خمسون زحفت كجيش نحو هاويته .. النصر يجرجر النصر نحو الختام . وعندي نوايا ملاك.. قلبي صافٍ عدا الأرض مسته بلوثة .. وعند الحكمة اني لا أتسول إلا الحكمة. تعال يا من لا وجود له قلدني صليبك. هذا تاجي وهذه قلادتي. اقرأ لي آيات الشمس. خمسون لا اعرف ما كان قبلها. فجأة ابرق البرق مسني الضوء، صرت موجة أتمايل بين الفتيان، شرد الغصن وتاه الجذر .. صرت أتمايل بكف الرمل .. ثم جاء في الليل الطارق افتح أنا صنوك.. وشرد الظل .. صار التائه يخشى التائه .. وصار الغريب غريب.. خمسون تكوّمت في بؤرة .. وجاء البرق .. ماذا فعل الغصن يا ماء الأعالي ماذا فعلت الروح. لا كلام لدىّ العمر غاب وأنا ما زلت في المهد.

[94]
     حبيبي مثلي كنوزه فضاء: بضع نجوم فوق الكف وأخرى تحرس ثمار الغابة: هل بالحكمة يحيا العاشق. تعال اليّ روحي اضطربت، تعال وغادر .. لا تأخذ معبدك ولا العابد تأخذ .. تعال اترك عندي الرمال .. تعال أزل عني الذكرى.
[95]
هو ذا مثلي كفه، عهده استقامة .. هو ذا مثلي لم يبّدل الخاتم بخاتم .. ولا الأعالي بالتراب: روحه رقراقة كبلور فوق بلور..قلائده مودعة عند الفجر وخاتمة ضاع .. مثلي .. هو .. اضطرب كتمانه .. فيما الفضاء جمعنا عند البرد، وفي النار شيد لنا مأوىً، لا تبحث عن غرقى .. ابحث عن آمالٍ لا تنفرط فوق الرمل .. عن آمال تبذر بذرتها في الروح وتنهض. لا تبحث عن قصر، يكفينا جناح حمامة .. وأسفار العشاق تراب.. ابحث عن من يجمعنا في ظل، مثوانا بذرة، وآمالنا فضاء .
[96]
     الذي وهبك الغابة أعطاني الدغل .. البرية لك فضاء وأنا امتدادي بحر، فتعال ننشد .. للبراري .. ونرتل: جناح حمامة رفرف فوق الجرح: الذي وهبك النور أعطاني المتاهة. يا لؤلؤة روحي من وحد ظلينا في ظل. من جرح الجريح. اني خاتم الأرض أدور بك حولك اني آخر الغرقى اني نهاية الفجر. لنوزع النذور وندوّن فوق الريح صمت احتفال آخر الليل.
[97]
     بالقلب أضع خاتمي والكلام جريح. افتتح الماء مسرات غريق. اكتم الصوت وامضي بنشيدي إلى النشيد.
[98]
     أهذا حبيب أم ذكرى أطلال، اعري النياشين وللروح انشد. سأمسك بالمعول وابدأ: جرح الأرض بحر .. وستدور تدور النفس تدور كأن التيه أخذنا إلى الفضاء نذرنا وكأن الحبيب جمّع عشاقه وجاء إلينا بثوب الموت: هذه ثمرتنا أيها الدخان. يا آخر أوثان الوردة: اتحد المنسي بالذاكرة .. وآفاق الجمر .. لا شكوى .. امتد العمر وعاد .. أكان فضاء .. أكانت غابة ؟
[99]
     وزعتنا الريح للريح .. والبذّار للأرض أهدانا: يا برق خذ نطفتك إنا وحدنا الظل. وعند الأنهار للذاهبين للعائدين .. نغني. بكتمان نخلة احترقت، بآثام نجمة انخلعت، وبسلوى ملائكة ضاعت، ننشد نشيد هذا العيد .
[100]
     أنهى الصائغ صياغة نقشه. وثنه اكتمل: تعال يا أمير هو ذا ظل التائه: جنتان في جنة .. الروح اشتبكت .. والاضطراب نبأنا بالبرق .. تعال أبصر المبصر آفاق .. القيامة عيدك .. والحجارة فكت حدادها: لون القلب فالكف سماء .. والمرجان فوق المرجان سلوى، فبأي كلام سنختتم الكلام: المهد عند الأنهار يتنـزه .. : ولد نبيُ المعبد وهذا عرشه .. يا جند العاشق الليل مضى .. والعاشق صار ظلالاً للعاشق .. بالكتمان تكتب خاتمتنا: البذرة هي الأرض .. هي الأعالي، وثمار الجنة لا تحرس إلا الجنة. فتعال اليّ خذني سأتتبعك في الغياب.
[ 20/ 12/ 1992]