حول تجربة الفنان وسام زكو التشكيلية
ماضي حسن
منطلقات تأسيسية:
في أعمال
الفنان وسام زكو المنفذة بالأسلوب التجريدي والتي يغلب عليها سمة سيادة العمل
بمناخ لوني عام لكل عمل مبنية على أسس لوحدات ترميزية اختارها طرفين : هدف أسلوبي
لغرض الفرز (التمييز) عن سيادة الموجة ، والهدف الثاني موضعي يحقق القيمة التي
يختارها أو الفكر ألربطي بين الاصالة (التراث) والحداثوية.. كالمثلث الذي بات من
المفردات الرئيسة لبناء عناصره التكوينية الإنشائية بالتداخل أو التقاطع بالاحتواء
(الجزء الكبير للصغير) لو التفرد (السيادة) او الهيمنة والذي يتمظهر فيه الشكل
بمساعدة اللون المضاد للمناخ العام عن طريق وضع مسحة لونية على حدود الشكل.
ان مفردة
المثلث لدى الفنان وسام زكو قد تمنح المتلقي تفسيرات عدة ففي جانب مدلولاته
الرمزية في التفسير العام ،المعروف: ان المثلث هو رمز الى الاستقرار، ولكنه من
جانب اخر يرمز الى سلم المجد وتحقيق الطموح وتحدي الصعاب وهو يرمز الى الشموخ،
والعظمة، والريبة ،للوصول الى القمة التي تجعل من الفرد محط انظار واستقطاب
للاتجاهات البصرية، زوايا الرؤى ، والقمة تعني تحمل المسؤولية والثقة بالنفس
والجرأة، ومن جانب اخر قد تعني الاستبداد في الامور..ولكن للفنان نزعة ربطية اخرى
مع التاريخ كصرح من صروح الزقورات في البناء المعماري وبالرغم من ادخال بعض
المرموزات الاخرى التي تأخذ اشكال دوائر يستند على ارضية للعمل يجعل من الفراغ
المتبقي فضاءا معاكسا للتكوين عن طريق اختلاف اللون ،ارى في الاعمال التي يختفي
التكوين تحت ضبابية المناخ العام للعمل عن طريق اختفاء تقليل الحدة الفاصلة
للتلوين المحيطة له هو ابلغ جمالية من غير
ذلك بالعمل التجريبي في هذه الخصوص الذي لا يتحمل الفواصل الشديدة النزعة ولكن في
المدارس التجريدية قد يستوجب ذلك التضاد كالحركة (الفوقية) مثلا، والتي تخلق عملية
(الجلاء والعتمة) أي سيادة الحس الخالص في الفنون التصويرية لدى مؤسسها الفنان (كأزمير
مالفيتش) لذلك فالفن التجريدي قد تطلبت منابعه طقوس والية في الاشتغال في تحقيق الأهداف
، فهنالك بالمقابل، عكس التفوقية أعمال قريبة من الزخرفة التجريبية، مساحات وسطوح
لونية متضادة، او متداخلة خضعت أعمالهم إلى التجريد وتتشكل بطريقة تادية التقنيات
على سطح اللوحة من عجائن ومواد اخرى كي تخلق مساحات متباينة في الملمس تحقق
الانسجام بعد التأمل والإعادة والانتظار من المصادفات العفوية وهذا الأمر يتطلب
المراقبة الحاذقة لنتائج للعمل، والفنان وسام يسعى في المنحى ذاته.
التقنيات:-
لقد تعامل الفنان وسام مع مجريات الواقع
الموضوعي لسطح اللوحة ومعطيات او مقتضيات ضوابطها التقليدية فالتعامل مع سطح
القماش بطريقة الحذر قد تفضي الى الالتزام بالسياق التقليدي الذي يعطي نتائج
مسبوقة سلكها اغلب الفنانين في الفن التجريدي والذي اقتضى الاستحسان بنتائج بناء
ملمسين او اكثر مختلفين عن سطح بواسطة تحريك السكين شمالا
ويمينا بالعجائن الطيعة الحركة على السطح
القماش تتخللها او تحيطها فراغات لونية ذات بقع متداخلة بطريقة الترطيب السائل
والمتداخل والذي يشكل سحابات متهرئة تنجم عن فعل المصادفات التي لا تخلو من
المراقبة الحاكمة.
والفنان وسام زكو اتجه بذات الموجه التي
استحسنت تلك النتائج التي تميل الى صنع مناخ عام اشبه بالرمال المتحركة الاطيان
الحمراء المحاذية لحافات المياه والتي تكونت صيرورتها الشكلية بعد حين فترسبت في
قاعها نتوءات وبروزات طيعية ، ان الرؤية البصرية للسياق العام الذي ولد خطابا عاما
ومشتركا في الفن الحديث قد يرى مستحسنا لدى الاذواق العامة كموجة مهيمنة على
التقيد الفرضي (المألوف) حتى
اضحى من النادر عند الفنانين التجريديين استخدام الفرشاة في هذا النوع عموما، رغم
ان الفن التجريدي على انواع كما ذكرت آنفا فالفنان موندريان استخدم حسابات في البناء الفكري للاشكال وبالرغم من التلاعب بالتداخلات المختلفة
للاشكال الهندسي كالمربع والاستطالات العمودية وخاصة في تطوره اللاحق وكذلك عند
(جين هليون) والذي يقتضي بناء قياسات هندسية محسوبة ادخل عليها منحنيات
.
ان تلك الاشكال شكلت تضادات في اللون
اسود وابيض بشكل حاد، ذابت فيما بعد الفواصل القصدية تحت موجة الحركة اللونية
الهيلامية الزاحفة والتي اصبحت اشبه بالزخرفة المائعة المتداخلة الاطراف او
الوسائل الملونة المضادة من الخامة كالماء والزيت لذلك ارى ان عملية الابتكار
التقني للسطح قد فرضته محددات نتائج سائدة فالمغامرة الابتكارية هنا تكمن بادخال
تنوعات مفردات خامات البكر على نحو مثير
كي تمنح العمل نتائج مفاجئة وبذات الاتجاه السائد ولدت نتائج الاشارات اللونية
والموازنات الاخرى لاعمال وسام
زكو من رحم التقنيات الانفة الذكر، والتعامل لتقبل هذه الجولات تبغي من المؤثر
(الفنان) على صعيد التجريب دينامية منفتحة تتقبل ادخال تلاعب باعادة هيكلية البناء
الاولي، مع الابقاء بذات التلقائية الغير مفتعلة، لذلك ومن الجدير بالذكر ان هذا
النوع من التجارب تعتمد بالدرجة الاولى على اللون كقيمة اساسية لتحيل الاشكال
والنتوءات على السطح الى وظيفة جمالية، وهذا الامر تبناه بعض الفنانين اللذين
اتخذوا اللون اساسا للتشكيل في العصر الحديث كالمصور الفرنسي (ادوارد مانيه) .
اذ
استخدم الالوان بقوتها الاصلية وبشدة الضوء كاملة فيها على خلاف رواد المذهب
التأثيري في الفن فقد مضوا يتفنون بتجزئة الالوان المتممة وبتعقب الاحساسات البصرية الناتجة من
انعكاسات الضوء.
ونحن بصدد المنحى الذي اتخذه الفنان وسام زكو في
مجال اللون ان اتخذ منه شكلا سائدا للوحة لكن ليس بحدوده المطلق الذي يلقي
مرموزاته الشكلية كالمثلث
والصليب والدائرة مثلا، غير ان استخدام المساحات الظلية احيانا هنا وهناك وخاصة في
التقاطعات القطرية لمحاور الاشكال قد افسدت الترابط التلقائي الناجم من استخدام
الالوان التي تشكل المناخ العام للعمل لا سيما ونحن في مجال عمل تجريدي.
ان الدخول في غياهب سفر الاتجاه التجريدي له اهدافه ومحدداته السامية فالعزوف
عن شروط الضوابط الاكاديمية للعمل قد يصطدم ب طقوس قوانينها
التجريدية عند الفنان ،ولذلك فالعمل التجريدي من هذا النوع يفتقد الى صفة المرونة الزائدة
التي تتقبل بعض المحكمات الواقعية مثلا، عكس
السريالية التي يقوم عماد قوامها على الاسس الواقعية،
الا ان الفنان من جهة اخرى حقق نتائج جيدة في اعماله المائية والتي تسمو بشفافية
ذات حس جمالي رائع تميل مساحات اشكاله
الى بساطة التفاصيل، وهي اقرب الى الفن الانطباعي،وفي هذا الخصوص ارى ان الفنان قد
ترك ليده الحرية في مجال منظومة الاشتغال
الانسيابية اتجاه حركة الفرشاة لمتطلبات نوعية سطح الورق الذي استخدمه وبهذا قد
استطاع الفنان ان يمنح رؤيته الغيبية ابعاد خارجة من الاثقال بالتنظيم الذهني أي ابعد من الانطباع
الحسي الظاهري،وبهذا الاسلوب ظهرت عملية تنظيم الاحاسيس بشكل باطني يشبع ذات الفنان
التلقائية. وبذلك فهي لم تخلو من العمليات التناغمية المنسجمة ان في اعمال الفنان
وسام المائية حرية وافلات من ضوابط الموجة التي القت
بظلالها على اعماله الزيتية كغيره من الفنانين
الاخرين ،غير ان الاستجابة المزعومة من سطح الورق قد تكون بخيل في مجال معطياته المبتكرة على صعيد
التقنيات المتشعبة فطبيعة المادة المرنة تحكمه ابعاد لا تسمح بالتلاعب او المواد التي تنفصل عن السطح في حالة
الكثافة او غرائبيتها عن قوانين التفاعل الكيميائي.
اننا لا نريد ان نصدر هنا احكاما نقدية
مغلقة على مخاض تجارب الفنان التقنية فانا أقر انها تفسيرات لظواهر اعمال تحت
ايدينا آنيا، وهو يكون تأسيس لمخاض تجارب اخرى من التقنيات المختلفة المحتكمة .
البناء
التكويني:-
في معرض حديثي
عن مدلولات العمل لتشكيلي للفنان وسام زكو ذكرت ان مفردة المثلث هي السائدة في اغلب الاعمال الزيتية
تحديدا وما يهمنا هنا النتائج العلائقية لبنية هذه المفردة او المفردات الاخرى على
السياق العام لمتطلبات لبناء الاخراج النهائي للعمل ومن المسلمات الاساسية في
العرف النقدي او على الاقل الذوقي العام ،ان الاشارات التشكيلية التي تنبعث من
اللوحة هي مثابة لغة حسية بصرية حصريا حروفها العناصر في لون وخط وفضاء وملمس، اما
لمستها فهي الاشكال التكوينية الرمزية او المشهد الاصلي للموضوع، اما الايضاح
اللغوي (بالاستعارة) أي النطق البصري فهي الحذاقة التأسيسية للبناء التشكيلي للعمل
والمتمثلة بالحركة والوحدة والايقاع والتوازن وما الى
ذلك... لذلك ومن هذا المنطلق ببديهيات الامور فأن مفردة العنصر قد تفقد ايقاعها
الجمالي في حالة الاجترار المقيت ان تكرر بالاعلان عن هدف الفكرة المزعومة.. عند
(وسام زكو) قد انتبه لعلاج ذلك الموقف ببناء مفردات مربعة ومستطيلة مختلفة الالوان
كي تشكل عملية توازن داخلي من خلال معاكسة
الحركة والشكل واللون الا ان المساحات الداكنة المحاذية للوحدة الرئيسية (المثلث) قد اربكت عملية التوازن قليلا..
وعموما فأن امتداد المساحات الداكنة بشكل دافق الى ضبابيات مختلطة من الالوان قد
منح العمل معالجات نسبية كما ان النقاط القصدية الدقيقة قد منحت العمل عمقا فضائيا
يسحب المتلقي لمزيد من التأمل مما ساعد على انجاح المعالجات التي اقتضت الاشارات
التي ذكرتها آنفا، والحداثة عموما هي امتحان وتجريب انها ضرب من الاضافة والاختزال
والرفض فهي قائمة على اساس التفكيك ثم الاعادة في صيغة البناء الجديد، لذلك فالعمل
الاكاديمي اذا كان الخلل يكمن في النسب
والاداء اللوني فان الحداثة تعتمد على اسس الفن التشكيلي المتمرس.. والذي يقتضي
اثر سياق الايقاع الرتيب الى الايقاع الحر، زيادة على الاختلاف مع القواعد العامة
لهذه الاسس من بؤرة مركزية لوحدة الشكل والسيادة بالمفهوم الكلاسيكي او التوازن
الشكلي كاعمال روفائيل مثلا عندما يضع طفلين ملائكة على جانبي (مريم العذراء)
لتشكيل توازن شكلي...ان التحرر من هذه الاسس لا يعني
العزوف عنها كليا فالانسان لديه عين تبحث عن التوازن والحركة والايقاع والوحدة
بشكل فطري.. ان هذه المشكلة قد وقع بها كثير من الفنانين الشباب الذين اختاروا
التجريد لتحقيق ضالتهم في هذا المجال، وعموما فان الفنان وسام زكو قد حضي بنتائج
تشكل مشروع لاعمال لاحقة يحدد مسارها هو دون تنبيه فالنتائج تأتي من مناخات
المنطلقات العملية الجادة او تولد التوثبات والانعطافات المفاجئة من مطبخ المشغل
المنتج عمليا.. وفي اعمال اخرى للفنان مسحة لونية عامة تختفي تحت اجوائها الرموز
التكوينية فهي اشبه ببقايا اطلال تشظت تحت اجنحة الظلام ..وعموما هي بناءات
تكوينية لا نزعم انها محسوبة بذات الدلالة التي اشرنا لها ،ولذلك فالفن التجريدي
بهذا الاسلوب تحديدا تخضع مفاهيم تفسيراته الى ادراك تذوقي اكثر مما هو ادراك
معرفي –مشهدي- محدد واذا كان الفن السيريالي مثلا يبقي المتلقي مشغولا ومشدودا
للبحث عن مكنونات المشاهد المبهمة والتي نثير الفضول في ارجاء المشاهد اصولها
وتطابقها الذاتي مع مقاصد الفنان، فان في الفن التجريدي يبقى المتلقي يحلق في
محصلة انعكاسها الجمالي، الذي لا يكلفه العناء للتأويل والاحالات الرمزية غير
المباشرة والرمز عند وسام زكو يطرح نفسه بشكل مباشر دون عناء او تحريف لغزي
فالصليب ذات دلالة عند العراقيين معنا يرتبط بالعمق التاربخي قبل استخدامه كرمز
ديني عند المسيحيين، غير ان هذه الطروحات الرمزية تختفي حدتها تحت عفوية المناخ
التقني للعمل الفني.
الاهداف:-
تكاد توصلنا
منظومة البناء الشكلي والجوهري للعمل من خلال الحديث السالف الذكر عن المداخلات
البنائية لصروح العمل من عناصر، لون ،شكل، مساحة، فضاء والتي تبث في داخلها دفق
معرفي حيوي، او الذي يقتضي ذلك ليدب الحياة فيها من حركة وموازنة ووحدة ،اقول
يوصلنا ذلك بالنتيجة الى حقائق غائية مفادها المصداقية في التعبير المجرد،فاللون
عند الفنان ذا دلالة خاصة عند الفنان توائم رموزه الموضوعة، وبالرغم من توزيع اللون
بشكل يحقق عملية توازن لا شكلي، وكذلك منح العمل في مجالات اخرى عمقا فضائيا للعمل
رغم محدداته التجريدية اقول رغم ذلك فأن يعمد الى وضع الالوان الحارة في اسفل
اللوحة وعلى جنباتها كي تحقق عملية الثقل الذي يوائم الهدف الرمزي للعمل، كما ان
الالوان الداكنة التي تميل الى اللون النيلي يمنح العمل ثقلا يعمق ارتكاز المثلث
الهرمي في اللوحة مما يمنحها صفة شامخة وهيبة شكل الزقورة او الشبح الجبلي ،ولذلك
فالتطابق بين التوزيع اللوني ومنظومة البناء التكويني للعمل تحتاج الى سيطرة حاكمة
عندما يمضي الفنان بمنح عمله هوية هادفة تنطبق مع مدلولاتها الفكرية ، أما الألوان
الفاتحة والصفراء التي شكلت صفة العمق للشكل الرمزي منحها بعدا منظوريا يضيف بعدا
اطول لقمة المثلث وفي السياق ذاته فان رمز الصليب قد تكرر باتجاهات حقق عملية
التوازن والانسجام بين مدلولاته الرمزية من جهة وبين موضعه التكويني في العمل
الفني، وقد يتحول احيانا الى ايقاع غير (استاتيكي
) في الاتجاة وشفافية اللون، وعلى العموم فان القاعدة هنا غير ثابتة في
التوزيع اللوني والشكلي لاغراض الموازنة والانسجام والحركة .
وخلاصة القول إنني أتلمس في أعمال الفنان وسام زكو دفق
حركي تجريبي تتصارع التكوينات للبحث عن الاستقرار ثم الدينامية مرة أخرى، وفي سياق
مناخ يلغي الارتباكات المبررة نحو التماس مفاجآت جديدة ناجمة عن فعل التجريد،
والمقترن بدافعية الحس الجمالي الملتزم بالصدق الذاتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق