بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

قصة قصيرة-الديناصور-عادل كامل



قصة قصيرة

الديناصور

عادل كامل

" كان يستطيع ابتلاع ثلاث بقرات دفعة واحدة ..." وواصل كلامه، حيث كنا نصغي إليه بانتباه. فتوقف عن الكلام وكأنه حدس ما دار بخلدنا، فكنا نخاف ان يتركنا، أو يدعنا ننتظر حتى اليوم التالي. لكن جدي طالما واصل سرد باقي الحكاية، وقد أخذت بالاتساع والتشعب، حتى كنا لا نمتلك قدرة رسم شكل الحيوان الذي كان يتحدث عنه.
ـ " حسنا ً، حسنا ً، أين وصلنا...آ... تذكرت" فيروي لنا كيف استطاع ذلك الحيوان ـ وقد قال انه شبيه بالديناصورات، لولا انه أعظم منها حجما ً، وشراسة، ومكرا ًـ ان يجتاز البحر، ذات مرة، بوثبة واحدة، مع انه كان يمتلك قدماً واحدة..! وكيف دخل معركة ضد الحيتان السوداء، والزرقاء، وانتصر عليها جميعا ً دون ان يصاب بأذى يذكر، ثم بعد ذلك ذهب الى الجبال المغطاة بالثلوج وعاش هناك قرون عدة مستمتعا ً بالبرد، وأعشاب الوديان.
كنا نصغي إليه بانتباه، وشرود، شديدين، حتى أصبحنا ندرك انه عاش مع ذلك الكائن الغريب، زمنا طويلا ً، حتى أصبحنا ندرك ان هناك صداقة عقدت بينهما. المهم اننا كنا ان نعرف كيف كانت الأشجار تنحني له عند مروره من أمامها، وكيف فرض سيطرته في الغابة، وفي الوديان، وفي البحار. ومع انا لم نكن نصدق كل ما كان جدي يرويه، ومع اننا لم نكن نخفي شعورنا بالمبالغة، التي كان يتحدث فيها عن ذلك المخلوق النادر، إلا إننا كنا نشعر برعب عميق كلما مر بخاطرنا شبحه، وشكله، وما كان يقوم به من أعمال غريبة، تتجاوز تصوراتنا، فكنا نغطي رؤوسنا عند النوم، بعد إغلاق الأبواب، والنوافذ، وكان من المستحيل التفكير في مغادرة منازلنا ليلا ً، أو قبيل شروق الشمس.
قال جدي:" إلا انه لم يكن ظالما ً أبدا ً ...." ثم أضاف، بعد لحظات صمت كتم فيها أنفاسنا، وهو يراقبنا، الواحد بعد الاخر، نحن احفاده، فيما إذا كنا نصدق كلامه، أم أن الشك قد تسرب الى نفوسنا:
ـ " فهو لا يؤذي من لا يؤذيه، ولا يغضب إلا اذا ...اقتربتم من عريته" أهو أسد؟ لا .. قال جدي، انه ينتمي الى سلالة كائنات الليل، من الزواحف التي عاشت في العصور السحيقة، قبل ظهور البشر فوق البسطة. فسأله احدنا ببراءة:
ـ " من كان يقترب منه إذا ...؟" غضب جدي وهم بالنهوض، صحنا:
ـ " لا تفعل ذلك "
ـ " حسنا ً، اين وصلنا؟" قلت:
ـ " انه ينحدر من ... عصور ... سحيقة"
ـ " تذكرت " وغرق في الصمت، ثم ضحك:
ـ " كان كبير الحجم، وله أشكال متعددة، ولكن ليست تلك هي المشكلة.." صمت. فصرخنا:
ـ " أكمل، يا جدي، أكمل..." لأننا كنا نخاف ان يغادرنا، والقصة لم يبلغ نهاياتها. فقال:
ـ " إننا ـ نحن ـ الذين كنا نراه بهذا الحجم.. " وتذكرنا قصة الأسد الذي غلبته سمكة صغيرة وسخرت منه عندما استدرجته إلى الماء، وحكاية الفقير الذي نجا من الجحيم بعد ان ترك أغنياء القرية يدخلون فيها، وقصص كثيرة متناثرة لا نعرف من أين كان يأتي بها، لكننا كنا، في واقع الأمر، نراه صادقا ً، ولا غبار على ما كان يقول. ولم يخطر ببال ايا ً منا انه كان يهوّل، أو يسرد حكايات من نسج خياله، بعد أن كبر وبلغ من العمر عتيا، او كان يضمر شيئا ً ما لنا غير أسرنا بتلك الحكايات، حتى حدث في ذات مرة أن سأله احد أحفاده:
ـ " وكيف إذا ً اختفى الديناصور، وأين توارى، ومن انتصر عليه ..؟"
غضب جدي غضبا شديدا ً، وسكت، ولم يعد يروي لنا شيئا ً من حكاياته، بل ولم يعد يستقبلنا في بيته ايضاً. كان جدي يعيش وحيدا ً، ولم نكن نعرف كيف كان يعيش، ومن يساعده في شؤون حياته الخاصة، وماذا يفعل طوال الوقت في عزلته، حتى تسلل الينا الشك بانه ربما كان هو الذي اخفى الديناصور في بيته الكبير، أو ان له علاقة ما معه، وإلا لماذا كان يكيل اليه المداح، ولم يذمه ابدا ً، ولم يتحدث عنه بسوء، مع انه كان اغرب كائنات الغابة، واشدها فتكا ً؟ وازداد شكنا، وازدادت حيرنا، وفي الاخير كنا قررنا اغفال هذا كله والاعتراف بذنوبنا لجدي، كي لا يخفي عنا خاتمة الحكاية، ومصير الديناصور، بعد ان تعلقنا به، واصبحنانحبه، ولا نخاف من قوته، أو بطشه. فتجمعنا امام البيت الكبير، بافواه مغلقة، وانفاس متجمّدة، واعلنا لجدي أننا لن نغادر، ولن نذهب الى بيوتنا، واننا سنضرب عن الطعام حتى الموت، إن هو تجاهل مطاليبنا. لم يمتد زمن الاضراب طويلاً، فقد استجاب جدي لنا. في البدء سمعناه يهمهم، ويقهقه، ثم سمعناه يتمتم، واخيرا ً رق قلبه، ففتح لنا الباب، وخاطبنا:
ـ " سأكمل لكم الحكاية، يا احفدي...." ثم تابع:
ـ " في ذات يوم شديد الحراة، والامطار تسقط بغزارة، والارض ترتجف، والريح تعصف، خرج المسكين من عرينه، واتجه الى الصحراء.." لم نتفوه بكلمة، وكلنا كنا اذان مصغية:
ـ " وما ان دخل الى الصحراء، ونظر الى افقها الممتد مع البصر، حتى رأى الوحوش قد تجمعت، تؤدي له ولاء الطاعة، والامتنان.." ومضى يسرد لنا، دون مقاطعة، أو اعتراض:
ـ "حتى حل الربيع، واعشوشبت الارض، وبدأت الاشجار ترتفع عاليا ً، وتتحول الصحراء الى غابة كبيرة مترامية الاطراف... " تعب جدي من الكلام، فطلب منا ان ننتظر الى اليوم التالي. انتظرنا، انتظرنا بشغف. فعاد جدي يستكمل الحكاية:
ـ " وفي ذات صباح جمع الديناصور اتباعه، ورجال مملكته من الفصائل كافة، وأعوانه، في ركن من اركان الغابة، وطلب منهم الاصغاء إليه. فقال بصوت خفيض: يا ابنائي، أنا آسف ان اقول لكم انني ساغادركم، بعد ان مكثت معكم هذه السنوات، الى مكان بعيد .. مكان من يذهب اليه لا يعود... فبكى الجميع، وعم الحزن، مما جعله يرفع صوته قليلا ً:
ـ "لا تفعلوا ذلك، لا تفعلوا .." وقال جدي:
ـ " ذلكلأنها كان تصرخ: لا تغادر، لا تغادر، لن ندعك تغادر... " فقال الديناصور بصوت حزين:
ـ " لن أستطيع البقاء معكم بعد الآن.. " للمرة الاولى رأينا جدي يبكي، وتنهمر منه الدموع. فلم نتكلم. لكنه فجأة تابع:
ـ " ثم اختفى، ولا احد عرف اين توارى، ولا احد يريد ان يصدق..تاركا ً الاسى يملأ قلوبهم، ذلك لان الامطار توقفت، وعادت اشعة الشمس تضرب الرمال، والحراة ترتفع، والعواصف تهب محملة بالتراب، والجفاف.. " وماذا بعد؟ سألنا بصوت واحد. قال جدي:
ـ " ذهب إلى وطنه ...."
أصبنا بالشرود، ورحنا نتساءل: أين ـ هو ـ وطنه الذي ذهب إليه..؟ وهل ذهب الى وطنه الاول. أجاب جدي، بعد ان كدنا نفقد أملنا في الرد:
ـ " أصبروا ..أصبروا.." وراح يحدق في مكان بعيد. كان جدي يجلس فوق دكة مرتفعة، وعندما كان يحرك رأسه الى جهة من الجهات كانت رؤوسنا تتحرك معه، فقد كنا نحاول ان نرى ما كان يراه. قال فجأة:
ـ " ايها الاشرار! يا شياطين الارض..." فزعنا، وخفنا أن يغلق الباب علينا، ويجلدنا، أو ربما قد يقوم باي عمل غير متوقع، بعد ان وسمنا بالاشرار، والشياطين! أو، في الاقل، أن يطردنا من بيته، إلا ان قلبه الرقيق، عاد ينطق عبر شفتين كانتا تتحركان برقة:
ـ " لقد ذهب الى وطنه النائي، خلف عالمنا، وهناك تم استقباله استقبالا ً عظيما ً، فجددت الطيور، والانعام، والبهائم، والكواسر، وكل دابة تدب فوق الارضولاءها له، وطاعتها لشخصه، كزعيم أوحد للبلاد النائية، من شمالها الى جنوبها، ومن شرقها الى غربها. وسجدت له النمور والاسود والفيلة والحيتان والنمل الخنتزير والابقار والكلاب والذئاب والغزلان والزواحف كافة، الى جانب الثديات، والفقريات، واللافقريات، والديدان، واحشرات، وباقي السكان كافة بلا استثناء. فقد كانت تهابة، وتخشاه، وتتاشى غضبه إن غب، أو تعرض لمكروه، أو خدش. كان الديناصور، يا احفادي، متقلب المزاج، وسلوكه لا يحزر، ومشاعرة متضاربة، فتارة تراه مرحاً، وسعيدا ً، وتارة مكفهراً، حد الجنون! " وتابع جدي، وهو لا يكف يراقب اثر كلماته فينا:
ـ " ولا أحد تجرأ، أن يخبره بذلك ..فالخوف روّض الجميع حتى بالكاد كنت تلمح فما ً في موقعه! وهكذا عاد الديناصور الى قصره في وطنه النائي وعاش زمنا ً طويلا ً..لا سواه امير، ولا سواه زعيم، ولا سواه امبراطور..."
كنا نظن ان الحكاية انتهت، نهاية بلهاء، كلل النهايات التي كانت تنتهي بالسعادة، والمجد، والمسرة، لولا اننا كنا حدسنا، أن شيئا ً ما كان مبيتا ً لنا، مما زرع فينا الذعر، والخوف، وجعلنا نصمت، ولا نثير مشاعر جدي أو غضبه، كي لا يختتم قصته قبل نهايتها، كما فعل، أوقبل ان يطردنا إلى بيوتنا. لكن جدي تكلم، وبدد مخاوفنا:
ـ " كان يعمل ليل نهار في إعادة بناء وطنه المترامي الأطراف، فكانت أوامره تنفذ قبل ان يعلنها، ويتم تنفيذها حتى قبل ان ترد بباله، لأن الجميع خبروا نواياه، ومقاصده..وهكذا تم لوي عنق البحر، حيث جاءت الحيتان والبرمائيات، وكافة مخلوقات البحر، زاحفة لأداء قسمها بالولاء، والطاعة، فمنحها مباركته، وأعادها إلى وطنها الأم، منشغلا ًبدك القمم ومعاقبة المرتفعات، وكل ارتفاع يتجاوز قامته، فانصاعت لقراراته، السهول، والمنخفضات، وفي الوقت نفسه اجتمعت، من الجهات الأربع، أشجار الغابات، ونباتات البرية، وكل ما هو شبيه بالزرع، وبسطت ثمارها، وأغصانها، وورودها، وجذورا، وبذورها له بالطاعة والولاء. كانت الأشجار تبدو كعصافير بللها المطر، ندية، وترقص طربا ً، حتى أمرها بالعودة من حيث أتت. واستمر الأمر سنوات وسنوات امتدت إلى مئات السنين..فلا الشمس تشرق، ولا تغرب، إلا باشراه منه، ولا الريح تأتي بالأمطار إلا بقرار يصدره لها، فعاشت البلاد متنعمة بالوفرة، والنعم، قرون أخرى...." فصرخنا، بصوت واحد:
ـ " ولكن كيف كانت نهاية الديناصور، يا جدنا العظيم، أم القصة لم تنته بعد..؟"
ـ "لا..."
وصمت، متفرسا ً في وجوهنا، وقد تركنا ننتظر ان يكمل. كان الخوف لدينا يمتزج بشغف معرفة كيف بلغت الحكاية ذروتها، أم انها ستكون بلا خاتمة؟ لا اعرف لماذا فكرنا بالهرب، ومغادرة البيت، إلا انه باغتنا بصوت حازم،يقول ً:
ـ " في ذات يوم، جمع ملك الملوك أتباعه، وجنده، وحاشيته، وطلب منهم إقامة وليمة كبرى، وأمرهم، على غير عادته، بالغناء، وعزف الموسيقا، والرقص.. لم يصدق أتباعه، وجنده، وحاشيته ذلك الأمر. لكن طاعته كانت واجبة التنفيذ كفرض، ثم انه لم يطلب منهم إلا الابتهاج، وإقامة المسرات. كانوا يعزفون الموسيقا، ويشربون أغلى الخمور واعتقها، ويتبارون بمهارات الرقص، والأناشيد، والأفراح، وقد غمرتهم نشوة الاحتفال حتى أنستهم انهم كانوا في حضرة ملك ملوك العالم، بعد ان فاجأهم في الحضور. ابتسم، واستقبلهم بود، وظهر انه في غاية السعادة. قال يخاطبهم:
ـ " سأرقص، اليوم، معكم... " تابع جدي:
ـ " ورقص، بل وشاركهم العزف، والغناء بمهارة لم يصدقها احد. غنى لهم أغنيات ملأت قلوبهم نشوة، حتى كاد الفجر ان يبزغ، عندما أمر كبير سيافيه، بهدوء، وبإشارة خفية، أن يغلق أبواب القصر، ويباشر بقطع رقاب الجميع..."
ولم تكن الحكاية قد انتهت، هنا، لكننا كنا ـ في أعماقنا ـ نلعن اليوم الذي تورطنا في سماعها، والحضور إلى بيت جدي، لسماع هذه الخرافات، فقال متابعا، فيما كانت قلوبنا ان تتوقف:
ـ " اقترب السياف من جلالته، هامساً: ولماذا افعل هذا أيها الإمبراطور العظيم...؟ صمت عميقا ً ثم أجاب، والشرر يتطاير من عينيه: ومتى كنت تعترض؟ ابتعد السياف، كي يرجع، بعد زمن وجيز، منحنيا بعد تنفيذ الواجب. رفع الإمبراطور رأسه، وحدجه بنظرة خاطفة، تركته يتلوى، لثوان، ثم يسقط ميتا ً."
تجمد الدم في أجسادنا، وكأننا تحولنا الى قطع من خشب، أو حجارة، فالذعر شل قدرتنا في استيعاب الخاتمة، فكيف النطق، لكن احدنا، تجرأ، وسأل جدي:
ـ " وهل انتهى عصر الديناصورات، يا جدي..؟" أجاب غاضبا ً:
ـ " كلا.. كلا..." عاد وسأله:
ـ " والهياكل التي نراها في المتاحف، لمن تعود... إن لم يكن عصر الديناصورات قد مضى...." وسأل آخر:
ـ " أم لم يمت بعد..؟" فقال جدي، وثمة ابتسامة ارتسمت فوق شفتيه:
ـ " ها انتم تتعجلون.. فانتم لا تريدون سماع خاتمة الرواية إذا ً ...؟" صرخنا بصوت واحد:
ـ " لا، لا يا جدي، لا، نحن نريد سماع نهاية هذه القصة، وسنصغي إليك حتى خاتمتها.."
في واقع الأمر لم تكن لدينا قدرة الهرب، أو الفرار، ثم أين يمكن ان نذهب، وأين يمكننا الاختفاء، أو التخفي. قال جدي يقطع علينا لحظات الصمت:
ـ " بعد ذلك ذهب الديناصور إلى بلاد لا يعرفه فيها أحد، ذهب وأسس مملكة كبيرة ..."
همس احدهم في آذني" إذا ً..شعبه القدم هو الذي انقرض وزال من الوجود..."
رفع جدي صوته وهو يحدق فينا:
ـ " سمعت همسكما أيها اللعينان، يا أولاد الشيطان!" قلت مذعورا ً:
ـ " لن نعود إلى الهمس، يا جدي، أبدا ً.." وأضاف الآخر:
ـ " لم نقصد عصيانك في أمر.."
تراجع جدي إلى الخلف، مسترخيا ً، وعاد يكلمنا والشرر يتطاير من عينيه:
ـ " ثم أسس إمبراطورية كبيرة، مترامية الأطراف، تكاد تكون بلا حدود، أو حافات، وعاد يصنع المعجزات لشعبه، بعد ان صاغ لهم قوانين جديدة ..."
قلت في نفسي ـ وأنا أخشى ان يكون عارفا ً بما كان يدور في رأسي ـ وفي يوم من الأيام، سيدعو الإمبراطور شعبه إلى قصره العظيم، وسيقيم لهم احتفالا ً كبيرا ً، ويأمر كبير سيافيه، بالقضاء على الشهود. لكن جدي تكلم بصوت عالٍ، وهو يرتجف:
ـ " أبدا ً، أبدا ً..فقد أقام الشعب، في هذه المرة، احتفالا عظيما ً لجلالته..."
لم نفهم ما الذي جرى لنهاية الحكاية، على الرغم من انها أصبحت ليست بحاجة إلى الشرح، أو التأويل. فقد كان الناس يحفظونها عن ظهر قلب، مثلما كانت مدوّنة في الكتب، ويتغنى بها الشعراء، وقد نقشت فوق جدران المعابد، ومنازل الناس، وبيوت الدولة. كما كانت وسائل البث، المختلفة، تذكرها طوال الوقت. آنذاك ابتسم جدي بمرح، ولم يعد غاضبا ً، كما لم نكن نخشى ان يقوم بما هو غير متوقع، ونهض من دكته:
ـ " غدا ً، يا أحفادي، سأكمل لكم باقي القصة..."
نهض جدي، فنهضنا. لنكتشف، للمرة الأولى ان قامته كانت عملاقة، حيث لا مست قمة رأسه سقف الغرفة، وان أصابعه بدت لنا مصنوعة من الحجر، تنتهي بمخالب فولاذية، ثم ان الأرض اهتزن، والجدران ارتجت، حتى لمحنا بعض الشقوق والتصدعات تحدث في جدران الغرفة، فتجمدنا، مذعورين، نتحاشى الاقتراب منه، أو نتركه يلمسنا. كنا نراقبه بحذر، وهو يتجه نحو باب البيت، حيث توقف لحظة، وهو يرمقنا بنظرات حادة، غامضة، لم نفهم منها شيئا ً. ثم، بهدوء، أدار المفتاح في قفل الباب، وعاد يمشي، بالخطوات ذاتها، نحو دكته، حيث جلس، وطلب منا ان لا نصدم بخاتمة الحكاية.
[3/5/1992]

ليست هناك تعليقات: