الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

شطي الحبيب. . شطّ العرب-يعقوب أفرام منصور




شطي الحبيب. . شطّ العرب
جريدة المستقبل العراقية / بغداد في 14/11/2011
يعقوب أفرام منصور
آهِ, لو تعلم, شطّي الحبيب, شطّي العربي, كم أحببتُك منذ صِباي ويفاعتي وشبابي, وكم أحببتُك في كُهولتي, وكم اُحبّك الآن وأتوق إلى رؤياك في كهولتي. .
تخللّتْ فترة عُمري أعوامٌ, نأيتُ فيها عنك أعواماً وشهوراً, لكنّ هواك الكامن في دمي وحجيراتي, كان يزداد في البعد والأسفار والإغتراب, فَنِصْفُ دمي من مائك الوافد من الفراتين, ورُبعه من تمور نخيلك. .
تمّنَيتُكَ يا شطّي العربي مخلوقاً حيّاً, يا واهب الحياة بكل أشكالها على جانبيك من القرنة حتى الفاو, مخلوقاً ذا ذاكرةٍ وخافقٍ وباصرةٍ وذراعين, كي تعرف هُوِيّتي, وتتذكّر جلساتي العديدة على كورنيشك الجميل, وركوبي (بَلَمَكَ) العشّاري البديع مراراً, وصعودي إلى ظهور سفنك البحرية الراسية في مراسيك العديدة, سُفنٌ هندية وأخرى ألمانية وأمريكية وبريطانية وغيرها, كي تشعر بحرارة معانقتي إيّاك, وتستطيع سَبْرَ عُمقِ محبتي نحوك, كما لو كنت أبي وأمّي, أو صديقاً حميماً فارقته منذ عهد الصبا الذي أفنيته في ربوعك. أو أساتذتي الذين درّسوني في ثانوية بصرتك العزيزة في العشّار إبان العامين 1945 و 1946. .
آهاً يا شطّي العربي الأثير, يؤسفني كونًك تجهل كم أنت عزيز لدى جناني وأفئدةِ البصريين الأقحاح والنشامى الحاليين, وعند أشقائهم البغداديين الأُصلاء الغيارى, وعند العراقيين المخلصين لعروبتهم, والأوفياء لوطنهم المضطهد من بغض الأجانب, ومن بغض أبناء العمومة والخؤولة وعصابات الجيران. . .
لكن, واأسفاه, واحسرتاه, أنت لا تعلم مدى وعمق هذه المودّة, ومغزى هذه المشاعر المكنونة نحوك ممّن أسلفت ذكرهم , فالمحبً يَهمُّه أن يعرف بكون محبوبه عارفاً بمن يحبّه. .

فمجراكَ في المدِ والجزِ عندي وعندهم أجمل من قنوات البندقيّة, ومشاهدك على الضفتيَن الكحيلتين بكحل باسقات النخيل, أبهى من مُقلتي فاتنةٍ عربيةٍ حوراء, مكحلتين بالأثمد, ومناظرك الخلابة على جانبيك في حمدان والمحَوْلة والسرّاجي والصالحيّة والبراضعيّة وأبي الفلوس, أزهى من مناظر ضفاف الدانوب والرّاين والميسيسيبي والأمازون والسين. .
كم عانيتَ وأُهملتَ وأُوذِيتَ أيها الشطّ العزيز, شطّ العرب, من ذوي القربى, وكم قاسيتَ وتقاسي من الجيران, كم تعمّد الغُزاة الجُناة ومناصروهم إغراق السفن في مياهك لغايات دنيئة, وأحقاد دفينة, وكم سعوا في غلق المنافذ والمسالك نحوك, وكم اغتصبوا ضفافك, وكم غمروا مجراك بالسموم والفضلات والنفايات المهلِكة للحرث والنسل ؟؟. . .
هؤلاء وأولئك قد تمادوا في إيذائك, يا شطّنا, وقد أضمرّوا لك أسوأ النيّات, وتجاوزوا حدودَ أقصى الظلم والعُسف, وتجاهلوا كل دينٍ ومحرَّم وشرعٍ وضمير, حتى فاقوا الأعداء في العداوة والإضرار. .
لِمَن المشتكى, يا شطّنا العزيز, إلا إلى ذي الجلال والإكرام والقدرة, الواحد القهّار, فالربابنة عندنا ساهون, متناومون, متهاونون. .
وا أسفاه, وا ربّاه, إليك المشتكى ربّاه, أنت أعدل من يعاقب ومن يُثيب. .
الله أكبر فوق كيد المعتدي, والله للمظلوم خير مؤيد. .
أربيل

ليست هناك تعليقات: