شكيب
كاظم سعودي.. في كتاب المرء يلقى عصا ترحاله..
مؤيد داود البصام
حظي الوسط الثقافي العراقي ما بعد تكوين
الدولة العراقية في بداية القرن العشرين، وظهور الجرائد والمجلات، وتعددها،
بمجموعة من المثقفين والاكاديمين والأدباء، ما أطلق عليهم بالموسوعيين، فأولئك لم
يكن عطائهم أحادي أنما تجد الكثيرين منهم، شاعرا ً وقاصا ً وناقدا ً...الخ، ويخوض
في أكثر من نسق وموضوع أدبي وفني وفلسفي، وحتى المختصون منهم بنسق معين، تجده يلم
بالأنساق الأخرى، وأن لم يزاولها فهو عارف بإسرارها، وهي حالة تعبر عن
استمرار الأسلوب أو النهج الذي كان حاضرا ً في الثقافة العربية والإسلامية للعصور
المتقدمة، كالكندي والفارابي وابن سينا ..الخ وإلى وقت قريب كنت تجد مثل هذه
الشخصيات في عصرنا الحاضر، ومثالا ً وليس حصرا ً، على من لهم اختصاص ولكنه ملم
بفروع أخرى، الشاعرة نازك الملائكة، ناقدة إلى جانب شغفها بالموسيقى، والفنان جواد
سليم، وحبه للموسيقى وعزفه على آلة العود وكتابته الشعر، وهذه أمثلة بسيطة ولكن
كان من هو أكثر إيغالا، مثل جبرا إبراهيم جبرا ,وإسماعيل محي الدين، والكرمي،
وجلال الحنفي.وإحسان وفيق السامرائي...الخ، هي لم تكن هبة إلهية للعراقيين وحدهم،
وإنما بقايا أثار الحضارات القديمة والأقرب حداثة بما كان فيها من بانوراميين
أفذاذ في كافة أنحاء العالم، وأخذت هذه الإبداعات بالانحسار التدريجي، أمام موجة
تخصص التخصص التي وضعتها مناهج الحداثة وما بعد الحداثة في النصف الثاني للقرن
العشرين، ولكن ظل في العراق والوطن العربي من يتسمون بهذه السمة، ومنهم الناقد
شكيب كاظم السعودي، فقد استثمر جهده المعرفي الموسوعي ليتحفنا بمجموعة كتب في الثقافة
والتوثيق والتاريخي إلى جانب النقد الأدبي ، وكتابه ( والمرء يلقي عصا
ترحاله قراءات في كتابات ) الصادر عن دار فضاءات في عمان،
ب168 صفحة من القطع المتوسط، جاء في ( 25 ) فصلا ومقدمة، وجاء فصله الأول: جبران منشئا رومانسيا وليس
سياسيا. يتحدث السعودي قي هذا المقال عن جبران الكاتب والفنان،
وليس كما يراه من كتب في نقده لجبران، وينحاز السعودي لجبران الفنان والكاتب.وهكذا
يتسلسل في الفصول الباقية، متخذا من العناوين الباب الذي يدخل فيه لا عطاء راية
في القضية أو الحادثة أو الشأن الثقافي، ومحاولا في بعضها تصحيح الخطأ إذا
كان تاريخيا بناء على ما وصل إليه من خلال بحثه الدءوب للوصول إلى الحقيقة، أو
أعطاء رأيه النقدي أذا كانت الموضوعة تخص الثقافة، فهو كتب عن موضوعات مختلفة ليس
هناك لها وحدة موضوعية سوى وضع بعض الآراء أو الإحداث أو الكتابات على المحك وتحت
المجهر، واستنتاج ما كتم وما ظهر، ووضع استنتاجاته وآراءه وأخطاء الكتاب
والرد حول المفاهيم التاريخية المخطئة، أو الحوادث التي كتب عنها من غير
توثيق وإنما اعتمادا ً على الأقاويل والإشاعة، وهو في رده وضع التوثيق من المعلومة
جهد المستطاع، لتصحيح ما وقع فيه الآخر من خطأ، وما أصاب المكتوب عنه من حيف، وهو عمل
ليس من السهل الولوج فيه وفي دهاليزه المعتمة بعض الأحيان، وما كتبه الأستاذ شكيب
في مقدمته، من إنه سوف يتخلى عن مزاولة هذا الفن من الكتابة، يعتبر بحق خسارة
كبيرة للثقافة العربية والعراقية في هذا الوقت الذي تشيع فيه ثقافة الانترنيت،
التي سهلت عمليات السرقة والانتحال، لعدم وجود الرقيب الذي كنا نجده حاضرا ً دائما
ً، ولهذا يقول فيما كتب." هذا لون من ألوان الكتابة، لم يتوله إلا قلة من
الكتاب، لان من يتولاه ويكتب فيه يصيبه شئ من وجع الرأس والنفس ، وبعض أذى لأننا
جبلنا على كيل الثناء والمديح، ,أصبحت تلك ثقافة شائعة فينا، لكني آثرت الكتابة
فيه – لا رغبة في إثارة الضغائن والخصومات، لكن بحثا ً عن الحقيقة أو ما أراه
حقيقة، وجعلتها الهدف الذي أرنو. " المقدمة ص 9، وإذ يكتب عن تجربة
الروائي الجزائري محمد ديب، نجده في الفصل الثالث أو المقالة الثالثة إذ جاز لنا
القول، يكتب ذكريات يونس الطائي الذي شهد اللحظات الأخيرة لعبد الكريم قاسم، وهكذا
نجد أنفسنا نطالع مجموعة مقالات ودراسات مختلفة في شؤون وانساق متعددة في آن واحد
بين دفتي الكتاب، تارة ينتقد وتارة يصحح، وتارة يطلعنا على تاريخ ما ضاع من حادثة
من الحوادث، مما يجعله كتابا ً جامعا ً يستطيع القارئ من إيجاد موضوعه الذي يخصه
أو يرتاح له، دون العناء في البحث بعدة كتب للوصول إلى المعلومة، فيه هذا الشكل من
الإمتاع والمعرفة، والدخول إلى عوالم متعددة، كتبه بأسلوب السهل الممتنع، ليكون في
متناول الطبقات كافة، من أعلى سلم الثقافة إلى أدناها، فلم يدخلنا في متاهات
التقعر اللغوي، ولا وضع جملا ليبن قدراته، إنما كتبه بأسلوب يروق للجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق