الاثنين، 22 فبراير 2016

20 قصة قصيرة جدا ً-عادل كامل

 


20 قصة قصيرة جدا ً

" أفضل أن لا اعتقد بوجود الله من أن أظنه لا مباليا ً"

جورج صاند (1804 ـ 1876)


عادل كامل


[1] مصير
لم يترك الرضيع جسد والدته، رغم اشتداد الظلام، والبرد، وارتفاع الأصوات، بل راح يتشبث به، حتى غفي.
 في الفجر، بعد إزاحة الأنقاض، اكتشفوا أن الرضيع مازال على قيد الحياة، ولكنه ما أن رآهم حتى عاد وتشبث بجسد والدته، محتميا ً بها..
    عندما تم سحبه، وإبعاده عنها، أبدى مقاومة أدرك لا جدواها، فراح يحدق في الوجوه، خشية أن يلقى المصير ذاته.

[2] كمين

   وأخيرا ً لم يجد الغزال إلا أن يتجمد، أمام النمر، بعد مطاردة استغرقت فترة غير قصيرة من الزمن...، ووقف ينتظر نهايته، بصمت تام. فسأل النمر الغزال:
ـ والآن لماذا توقفت..، ولا تفكر بالهرب، أو بالاستغاثة، أو حتى بطلب الرحمة؟
  ابتسم الغزال:
ـ لو كنت اعرف أن هناك جدوى ....، لكنت أنت أول من يضربها عرض الحائط، أولا ً، ولو كنت فعلت، ثانيا ً، فانا اعرف انك لن تتعجل بالقضاء علي ّ..!
وصمت. فسأله النمر:
ـ هل لديك سؤال تود أن تسأله:
ـ اجل...، أود أن أسألك قبل أن تجهز علي ّ..
ـ أسأل..
ـ هل حقا ً دارت هذه الأسئلة برأسك؟
ـ نعم!
ـ إذا ً.....، إن نهايتك قد اقتربت ...! لكن ليس لأنك فكرت...، بل لأن تفكيرك هذا هو الذي قرّب نهايتك!    
ـ لم افهم؟
ـ لأنك لو كنت حسمت الأمر، حالا ً، لكانت لديك فرصة أن تفترسني وتهرب، أما الآن، فأنت تنتظر من يفترسك، لأنك أتحت له هذه الفرصة!
ـ أنت إذا ً لم تفكر ...
ـ لو كنت فكرت، لكنت نجوت، وأنت مثلي، لو كنت فكرت لنجوت أيضا ً!


[3] أسف
ـ ما الفارق بين عصر الكهوف، والغابات، وعصرنا ...؟
   سأل النورس الغراب، وهما يتأملان قرص الشمس في كبد السماء، من وراء قضبان القفص الحديدي الكبير:
ـ في الزمن القديم، أيها النورس، كنت لا تعرف متى يتم القضاء عليك، أما الآن، داخل هذا القفص، فانك تعرف انك تموت، في كل يوم، وفي كل لحظة ...، وأنت ترى رفاقك يساقون إلى الموت!
ـ آ ....، للأسف، الزمن لا يرتد، والأيام السعيدة لا تعود!
ـ ولم َ الأسف...؟
رد النورس بحزن:
ـ أنا أتأسف لأن أحفادنا، أحفادي وأحفادك، قد لا يجدون حتى فرصة السكن داخل هذه الأقفاص، وقد لا يجدون حتى فرصة للموت!


[4] عويل
  ـ يا له من صراخ، عويل، وانين....
  متابعا ً أضاف الحمل يخاطب كبشا ً كان يقف بجواره:
ـ ألا يسمعون...، ألا يشاهدون ما يحدث لنا، ألا يمتلكون آذانا ً، عيونا ً، عقولا ً، ضمائر ...؟
أجابه بهدوء:
ـ صديقي ...، لولا هذا: الأنين، العويل، والصراخ...، لكان مجدهم قبض ريح!  فأنت، على سبيل المثال، ألا تشعر بالسرور وأنت تصغي إلى أنين العشب وصراخه وأنت تقضمه....، وهو يسألك: ماذا فعلت لكم ؟
أجاب الحمل مذعورا ً:
ـ  فانا غير بريء إذا ً فأنا بالفعل لم أكن اكترث لهذا الأمر! فانا حقا ً استحق العقاب!
ـ لا امتلك إجابة على أسئلة لم تعد تخطر ببالي!
   هز الحمل رأسه وقال:
ـ الآن ـ أنا أيضا ً ـ  لم اعد بحاجة إلى أجوبة على أسئلتي!
ـ ماذا عرفت؟
ـ لولا أنيننا، عياطنا، وصراخنا..، فأنهم قد يتساءلون: ما خطب القطيع يذهب إلى الموت  من غير شكوى، ومن غير طلب الغفران، بل حتى طلب الرحمة!

[5] غياب
ـ أسرع...أسرع...، الم ْ تر الطوفان يزحف، ولم يترك لنا فرصة للنجاة...؟
ـ آ ... كي لا نموت في حفرنا، وأقفاصنا، وجحورنا....
ـ لا... بل علينا أن نجري أسرع منه!
فرد الآخر متندرا ً:
ـ  ألا ترى الفضاء يسد علينا المنافذ كلها...؟
فسأله:
ـ  لِم َ ولدنا إذا ً إذا كان علينا أن نهلك؟
ـ وهل ولدنا بإرادتنا؟
ـ لكنك، سيدي، تدعو لارتكاب خطيئة اليأس، والاستسلام، والتخاذل، ومن يفعلها يعاقب بالقانون...؟
ـ عندما تعثر على الفضيلة آنذاك عليك أن لا تتمهل، وألا تسرع، وتهرول،  للبحث عن ملاذ لا يؤجل غيابك!

[6] مهمة
ـ لا تتركوا شجرة، أو بهيمة، لا تتركوا طيرا ً أو دابة، لا تتركوا أنثى ولا تتركوا ذكرا ً، لا تتركوا هرما ً أو يافعا ً...، لا تتركوا حجرا ً فوق حجر، ولا نسمة هواء ....
ـ هذا صحيح تماما ًـ سيدي القائد العظيم ـ لم نترك للأعداء شيئا ً يذكر...، ولكننا، بعد القضاء عليهم، لم يعد لدينا ً عملا ً نعمله؟
ضحك القائد بصوت متقطع:
ـ يا بهيمة، يا دابة، يا ....، آنذاك تكون مهمتنا قد أنجزت!

[7]  لغز
   وهو يهم بالضغط على نابض الحزام الناسف، سأله رفيقه، في المهمة المشتركة:
ـ قل لي...، أرجوك، من اجل ماذا نموت؟
ـ وهل كنا نعرف من اجل ماذا كنا نعيش؟
فقال له بصوت مرتبك:
ـ دعنا ننزع أحزمتنا الناسفة ونهرب...!
ابتسم الأول:
ـ لكن المارة لن يدعونا نعيش بأمان!
ـ آ ....، الآن فهمت....؛ لا هم يدعوننا نعيش بأمان، ولا نحن ندعهم يعيشون بسلام.....، وكأن حرب الجميع ضد الجميع شبيهة بالنار، ما أن توشك على الانطفاء، حتى تجد  من يوقدها، وما أن تشتعل، حتى  لا يفارقها حلم السبات!


[8] توازن

 سألت البعوضة زميلتها:
ـ لماذا خلقنا..، أمن اجل امتصاص دماء هذه البهائم، والزواحف، والدابات...؟
ـ آ ...، لو تعرفين، يا زميلتي، كم مرة عملوا على إبادتنا، وفشلوا...، حتى أصبح امتصاصنا لدمهم ثأرا ً تتوازن فيه كفة الصراع! فلا هم نجحوا بإبادتنا، ولا نحن استرجعنا حقوقنا كاملة أبدا ً!


[9] مقارنة
ـ سيدي الذئب ..، هل حقا ً أنت لم تعد تشبه إلا خرافك التي افترستها، مثل المنتصر، لا يقاس إلا بعدد ضحاياه؟
فرد الذئب على سؤال الغراب:
ـ ربما هذا صحيح، لأنني لم اعد أراك إلا مقبرة تحلق بأجنحة موتاها!

[10] الشر أم الأشرار؟

سأل الابن أمه:
ـ أيهما اسبق في الوجود: الشر أم الأشرار....؟
   فزعت الأم وقالت بصوت مرتبك:
ـ لولا الشر لما كان هناك أشرار...، ولولا الأشرار لكان الشر يرقد في حفرته!
ـ آ ...، إذا ً علي ّ أن ابحث عن حفرته، وأخرجه منها، كي اسحق رأسه!
ـ ولماذا تفعل ذلك...؟
ـ كي أتعلم من الشر كيف أصبح طيبا ً، وخيرا ً، وفاضلا ً...!
ـ ماذا قلت؟
ـ  الم تقولي لي: لولا الشر لكنا فضلاء، وخيرين، وطيبين حد الوداعة!
ـ ولكنك، يا ولدي، لست شريرا ً...؟
ـ لو كان كلامك هذا صحيحا ً...، لكنا طلقاء لا نخاف أن تفترسنا الضواري ...، وتركونا نعيش خارج هذه الأقفاص، وبعيدا ً عن أسوارها؟
ـ آوه ...، عليك الآن أن تتعلم: إن لم تفترسهم افترسوك، وان لم تقتلهم، قتلوك!
ـ آ .....، إذا ً لولا الشر لما كان هناك أشرار، ولولا الأشرار لما كان هناك شرا ً...، فلا أسبقية لأحد على الآخر، مادامت اللعبة محكمة حد استحالة معرفة من هو الأول ومن هو الأخير؟

[11] مصائر

    أوقع الفهد الثور الكبير في كمين وراح يضحك، قبل أن يشرع بافتراسه:
ـ الم أخبرك أن مصيرك هو الحفرة؟
    رفع الثور رأسه قليلا ً، ورد بصوت خفيض:
ـ لا فارق...، فإما أن نُدفن في أحشاء البشر...، وإما أن نُدفن في بطونكم!
ـ ما قصدك بهذه المقارنة؟
ـ القصد شريف، كما يقال في أيامنا، لأننا مهما حاولنا تجنب الكمائن، وجدنا بدائلها قد وضعت لنا قبل أن ترى عيوننا النور!

[12] ممرات
ـ لا أريد ممرا ً واحدا ً للجميع...، هل فهمت؟
ـ نعم، سيدي، سأقسم الدرب إلى: ممر للخرفان وآخر للنعاج، ممر للاتانات وآخر للحمير، ممر للسباع وآخر للبوات، ممر للأبقار وآخر للثيران...، بل وسأضع حاجزا ً يشطرهما إلى قسمين لا يلتقيان،  ويفصلهما فصلا ً محكما ً أيضا ً...
   فكر المدير برهة، ثم قال:
ـ لِم َ لا تعمل بنظام العدد، الزوجي والفردي...، وتعلن أن هناك يوما ً للذكور، وآخر للإناث، ويوما ً للكبار وآخر للصغار، يوما ً للعميان ويوما ً للأشد عماء ً، يوما ً للكفار وآخر للأشد كفرا ً...؟
ـ اجل، سيدي، سأفعل، فكلامك أوامر...؟
   صفن المدير لحظات وقال:
ـ ما رأيك أن نخترع ممرات طائرة فوق الأرض، وأخرى شبيهة بالأنفاق تحت الأرض، فلا ندعهم يروننا، ولا نحن نراهم...؟
ـ هذا هو الصواب...، سيدي، حيث سعادتك ستتمتع بالهدوء، ولا ثمة ضوضاء تزعج نزهاتك وأنت تتجول في طرقات حديقتنا الغناء، الخالدة!


[13] سرقة
  بعد أن رأى، بالتلسكوب العملاق، مجرة تلتهم أخرى، بهدوء، قال يخاطب نفسه:
ـ الغريب إنني أمضيت حياتي اعمل بالحصول على بيت صغير..، ولم افلح، والأغرب...، من ذلك، إنني مازالت أفكر بشراء قبر صغير، بحدود جسدي...، لكني  اجهل لماذا كلما جمعت المال المطلوب سرقوه مني!



[14] تعجب!
ـ لم ْ أرك تتعجب...، في عالمنا ـ هذا ـ وكل ما فيه يدعو إلى العجب...؟
ـ وما العجيب الذي يستحق الدهشة وكل ما فيه أما لم يحدث، ليدوم، وأما إني لم اخلق، كي أبصره! فالقصة تماثل من يبحث عن الباب الذي هو بلا مفتاح، وهو يشبه من امتلك مفتاحا ً ولكن الباب لا وجود له!


[15] نشيد الخراب

   وهو يفر من عشه، ويغادر الغابة، بعد استيلاء الجرذان عليهما، وإحكام سيطرتهم على الممرات، والأشجار، والهواء...، خاطب البلبل نفسه:
ـ  قد لا أجد غابة أخرى ...، أغرد فيها ... ولكن، انتم، أيها الجرذان، من ذا سينشد لكم نشيد الفجر...؟
   سمعه كبير الجرذان، فناداه:
ـ أيها البلبل، لا تهرب...، عد إلى عشك، فانا غفرت لك!
   فقال البلبل الذي كان يشاهد جثث الطيور ملقاة فوق الأرض، مبعثرة، وممزقة، وهو يرى الأعشاش قد خربت، وهدمت:
ـ  سأذهب إلى من أرسلكم واخبره ماذا فعلتم...!
ضحك كبير الجرذان:
ـ  بالفعل....، انه ينتظرك، لأنه هو من أرسلني، وهو من أمرني: أن اكتم أصواتكم، وأنا فعلت!
    اقترب البلبل من زعيم الجرذان، وراح يغرد، مما دفع بالجرذان إلى الإصغاء، وقد بدأت تنوح، وتبكي....، فقال كبير الجرذان يخاطبه:
ـ ما أعذب صوتك، وأشجاه،  لكن من منحك هذه الشجاعة، وهذا الجمال؟
ـ إنهما، يا كبير الجرذان، ينتسبان إلى الشجاعة، والى القوة ذاتها، التي كنتم تعملون بها!
ـ إذا ً ... عد إلى عشك، والى غابتك.
ـ وماذا نفعل، بعد أن هدمتم أعشاشنا، وخربتم غابتنا...، ولكن العالم كله سيعرف إنكم فعلتم ذلك، ونحن سنغرد للدنيا بأسرها لعل أحدا ً يسمعنا!

[16] مسافة
ـ ما الفارق بين النتانة، والعطر؟
ـ لا فارق...، إنما هناك المسافة بينهما!
ـ كيف؟
ـ  كلاهما يخرجان من العفن، فمنه يخرج العطر الذي بدوره، بعد حين، يصير عفنا ً!
ـ إذا ً..، بحسب هذا المنطق، لا فارق بين من يعيش من اجل الحرية، وبين من يموت من اجلها؟
ـ  اجل، لأن الحرية لو تحققت وصرنا أحرارا ً فان العبودية تكون قد انتصرت!
ـ إذا ً...، لا توجد اختلافات بين الليل والنهار؟
ـ لا...، لا توجد اختلافات، ففي النهار نكد، ونشقى، كي نستريح في الليل، وما أن يحل الليل حتى نكون بانتظار النهار.
ـ ولا اختلافات بين الأسفل والأعلى..؟
ـ اجل..، لأن احدهما يمجد الآخر، فلا وجود للأعلى من غير الأسفل، ولا للأسفل من غير وجود الأعلى!
ـ إنك ـ إذا ً ـ تساوي بين الوضيع، والنبيل...؟
ـ بالفعل...، لأنه لو كان هناك إختلاف يذكر..، لكانت الحياة بلا وجودّ يذكر، فأنت تموت لتولد، وتولد لتموت!
ـ لم أفهمك، يا سيدي؟
ـ إذا ً عليك أن تراقب الاختلاف الوحيد...، بين هذه الحدود، لأنه لا يكمن إلا في المسافة، بينها، وليس خارجها، والآن سأضطر إلى سجنك، كي تبقى تحلم بالخروج من الظلمات!
ـ آ ....، كم ستدوم المسافة؟
ـ إن أسرعت امتدت...، وإن مشيت بهدوء، ورزانة، ومن غير صخب، فقد لا تعرف كم كانت شاقة، وكم كانت طويلة!

[17] بالروح... بالدم!
    بعد أن استولى الضبع على أكثر أجنحة المزرعة خصوصية، واستتبت له السيطرة على باقي الأجنحة، وتم الاعتراف بزعامته، حتى شاهد الأنصار، والمؤيدين، والمعجبين، ينحدرون من الجهات الأربع، فضلا ً عن الهابطين من الأعالي، والخارجين من باطن الأرض، ومن المستنقعات، ومن المناطق النائية، أفوجا ً وزرافات...، فلم يلفت نظره، كما لفت نظره تدفق الموتى، وزحفهم نحو ساحة العرش، وهم يدكون الأرض، ويهتفون بأصوات بلغت أصداءها حافات السماء:
ـ بالروح.. بالدم ..نفديك يا زعيم..
فلوح لهم بإشارة من يده اليمنى يرجوهم الركون إلى الصمت، مخاطبا ً إياهم:
ـ الم ْ تكلوا... الم تتعبوا...الم تهنوا... وأنا جئت كي أعيد لكم بناء هذه المزرعة ... وليس الموت من اجلها!
   فارتفعت الأصوات أعلى فأعلى، وراح الموتى ينشدون:
ـ  بالدم.. بالروح... نفديك يا زعيم.
   وما أن أدرك استحالة إسكاتهم، ومنعهم من الصراخ، حتى دار بخلده انه مادام لا يستطيع السيطرة على عليهم، فمن ذا باستطاعته أن يسد أفواه الذين لم يولدوا  بعد!
   فقال بصوت أخرسهم:
ـ كفى!
   ثم ابتسم، بعد ذلك، وأمر مساعديه بتوزيع الهدايا ـ والنياشين، وقد راح ـ هو ذاته ـ يردد:
ـ بالروح... بالدم...
ولم يبح لأحد انه كان يجهل من اجل من يموت!


[18]حيرة
     بعد فترة صمت طويلة، سأله ظله:
ـ  وهبناك دكتاتورية الذئاب، فقلت: ألا ترون أن جورها بلغ الذروة...؟ فأعطيناك ديمقراطية الضفادع حتى صرخت: ألا تشاهدون ما حل بنا...، حيث البرغوث فتك بالماشية، والفئران استولت على بيوت الأنعام،  والتماسيح فرت مذعورة.. فأرسلنا لك الشفافية لعلك ترضى، فقلت: ألا ترون ماذا فعلت الأرانب بالنمور، وكيف فرضت العقارب سلطتها على الدواب، فهربت الأسماك، وهاجر الطير. فماذا تريد؟
   فكر  قليلا ً وأجاب ظله بشرود:
ـ  وهل كنت تجهل ما أريد؟
ـ ...
ـ الم أكن أريد أن لا أريد!
وأضاف بصوت شارد:
ـ  فانا كنت لا أريد إن أكون عبدا ً  عند العبيد، كما لم أكن ارغب أن أرعى قطيعا ً من الماشية، مثلما لم أكن أود أن أصبح مهرجا ً أتبختر فوق الحبال!  
   وراح يتمتم مع نفسه بصوت شارد:
ـ فما كنت ابحث عن نصر انتزعه من احد، وما كنت ابحث عن خسارة نهايتها وضعت قبل أن ترى النور!
  فسمع ظله يخاطبه:
ـ أسرع، أسرع، فانا سأقودك إلى الأنوار التي لا تسمح لك برؤيتي، ولا أنا فيها سأراك! آنذاك لا تجد سؤالا ً ينتظر إجابة، ولا إجابات تنتظر أن تضع لها أسئلة!

[19] المزيد
   لم تعد الملايين تفكر بالساعات التي أمضتها وهي تصغي إلى خطاب سيادته، وما إذا كانت قد تعبت، أو شعرت بالإنهاك، أو الملل...، بل كانت، كلما لوح لها بنهاية الخطاب، تهتف راغبة بالمزيد...
   فاقترب مساعده منه، وسأله ما إذا كان بحاجة إلى قسط من الراحة، أو فترة من الهدوء، فأجابه بصوت صارم:
ـ اذهب واسكت أصوات هؤلاء الذين لا أراهم، وهم يطلبون المزيد!

[20] فأر
   رأى الفأر الصغير الأفعى تبتلع فرس النهر، ثم، تبتلع تمساحا ً، بعد أن شاهد أنيابها تمسك بفيل كان يحاول الفرار...
فقال الفأر يخاطب نفسه:
ـ إذا كنت نجوت من هذه الأفعى العملاقة...، وأنا احتمي بثقب في الأرض، فلا مناص إنني سأموت جوعا ً...، داخل حفرتي...
    سمعته الأفعى، وهي تجلجل بالضحك والقهقهات، وقالت له:
ـ يا فأر ...، تستطيع أن تتغذى على ما طبخته لك، وهضمته، في معدتي، فمن العار علي ّ، بل كل العار، أن اجعل منك ضحية!
ـ آ... ، الآن عرفت لماذا نجوت!
Az4445363@gmail.com
16/2/2016

ليست هناك تعليقات: