بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

السبت، 13 فبراير 2016

الغياب.. عندما يكون غيابا ً كاملا ً. ترنيمة عشق للوطن والأهل والحبيب ..- مؤيد داود البصام

الغياب.. عندما يكون غيابا ً كاملا ً.
ترنيمة عشق للوطن والأهل والحبيب ..

                               -  مؤيد داود البصام
من الأسطر الأولى وهي تبوح عبر القصائد لصديقتها الشاعرة والمبدعة بشرى البستاني في مقدمة الديوان، تضعنا بمواجهة الحقيقة المرة، ويحيلنا عنوان الديوان للناقدة والشاعرة والمترجمة مي مظفر الجديد (غياب ) ، الذي صدر بعد خمسة دواوين، إلى لحظة الفقدان التام لما تريد أن تعلن عن وجوده، لأنها تجرد الصفة من إل التعريف، وتجعله صفة مطلقة ٌ، وتضعنا في صلب الموضوع الذي تعيش غيابا ته، حينما تتحدث عن الغيابات وليس الغياب الواحد، غياب كل شئ وعلى رأسه الأرض والأهل والحبيب، وتضع القصائد المتأخرة والمتقدمة في هذا الديوان ما بين 2009- 2014، إلا خاتمة الديوان قصيدة الغريب عام 2007. ووضعت القصائد بفصول ( غياب. تجليات. طيور مهاجرة. ) على ضوء الحالة الشعورية والزمنية، بعد المقدمة والإهداء، لتعبر عن حالة وجدانية متشعبة الأحداث، ولكنها متصلة ببعضها البعض في الرؤية العامة والبعد النفسي والوجداني، تقص عن لوعة الغياب والذي تحكي فيه كيفية حلوله بديلا ًعن الحضور الذي كان يسود حياتها، بمكابدة وجودية صعبة، وما تحملته من مشقة وأناة، على الرغم من كونها تلوذ إلى قوة تحكمها بداخلها لتسكت الآهة في أعماقها ، وتطرح الحزن جانبا ً من أجل أيجاد الموقف الذي يعيد ما فقدته، وهي على إدراك بان لا شئ سوف يعيد ما انكسر من حلم وواقع، عالم يولدُ من جديد في واقعها تتناسل فيه الوحدة والغياب " لا تقصي ما شهدت / لن يبالي بالذي مر أحد / جمعي حزنك وامضي / بين أسراب من الطير المهاجر / واحملي من بيتك المنهار صورة / تؤنس الوحشة في ليل طويل .. لا مسامر. " ص21، أية مأساة ترويها في العلاقة مع الغياب هنا، فيها توحد وجداني مع ذات تنتمي لوجود قائم وعالم ملئ حولها، ولكنها فجأة تجد الغياب بعدم وجود حتى من يشارك ما يخفف من المأساة، فيها وحشة قاتلة، أن ترى كل شئ ينهار وليس هناك من يقف لينظر ويواسي، ( لن يبالي بالذي مر أحد ) أنها لحظة وجودية شاقة ومدمرة، الإحساس بالعدمية، ألا إننا من خلال القصائد المتأخرة ندرك، إن هذه الوحشة التي بدأت مع المواجهة بين الوطن والغاصبين، أخذت مداها ليس كقضية نفسية وحسب، بل الوجود والكينونة، عندما امتدت يد الغاصب لتعصر وطنها وبيتها وحياتها وذكرياتها التي عاشتها. ولم يبقى سوى صورة تحملها لأحلام تؤنس وحشتها، وحبيب يرافق رحلتها. ( كلهم جاءوا: جيوشا ًودروعا ًوأساطيل / ترامت في البوادي والبحار / كلهم جاؤوا ليجتثوا الفراشة من بساتين النخيل.) ص19. يتحدث الديوان عبر قصائد موشاة بالحزن والألم عن وطن ضاع، والأهل والأصحاب في الشتات، وذكريات هدمت، ولكن أملها ظل في الحبيب الذي شاركها الرحيل والمأساة، ( هو لا ينظر في عيني سوايا / وانأ نفسي تماهت في نفوس كبلادي./ أصبحت شتى.. وأهلي / قدم ٌ في هذه الأرض وأخرى / تنشد البحر لتنأى وتجوس.) ص30 . فهي تروي مأساة ما حل في بلادها من خراب، الذي أنطبع على حياتها، تضع هنا المقارنة بين البؤرة التي يتركز فيها تفكير المتبقي من ذاك الوجود الذي دمر، ولم يبقى إلا ما في عيني الحبيب والعلاقة الحميمة التي تبقيها على الأمل، وهي تعيش بين التشتت الذي تعيشه نتيجة تبعثر الأهل والأصحاب في شتى بقاع الأرض، وبين مدينتها التي طبعت ذكرياتها في كل جزء وفي كل هاجس من حياتها.( أحياء بغداد انطوت / لم يبق غيرُ حديقة مهجورة / وصحيفتين بلا حروف في نهار ٍ كلما انتحرت عقارب ُ وقته / أبقت على وهم الرجوع. ) ص35 ، لحظات انطمرت بها مسيرة حياة وسنين، فأية آهة أو ألم سيحمل هذا العبء الثقيل، في انتظار عودة الوطن والحبيب، وكلاهما يشغلان الحيز ويغلقان الفراغ، وألان يمتد الفراغ ليشغل حيز الوجود كله، " في الطابق العلوي من سكن تزلزل واندثر/ دفنت حقائبنا المليئة بالصور / الساكنون تشردوا، وتعاهدوا, / تركوا على الجدران ما أوصوا به. ونسوا هناك حقولهم، / في ملعب الإغراب مرمى أو هدف " ص49.. ولكنها مازالت تحتفظ بالوشيجة مع صديق العمر الذي يشاركها الهم، وتبث له بوحها. إلا أن القدر أراد للغياب إن يكون أكبر مما نستطيع أن نوقف من نزف الجروح. لهذا جاءت القصائد،  أن كانت في الكلام عن فجيعة الوطن والأرض أو الحبيب لتربط هذا الحس الإنساني بفاعلية، من خلال عنوان الديوان بالمتن والعناوين الفرعية، فهي تتواصل بنفس ملتهب حزنا على فقدان أعز الأشياء لديها، وهو ما يجعل حياتها هواجس ولجوء إلى المطلق، بعد أن كانت قصيدة عشق وشوق، أنها تلملم الأشياء بحثا عما ضاع.." أتعبني التحليق / والأرضُ تحتي تشتعلُ / يا إلهي .. / دلني إلى موطن فيه أستريح . " ص78، انه ألتوق للعبور إلى الحضور برفقة الصديق بعد كل هذا الغياب، ولكنه الغياب الذي امتد للصديق والحبيب، وجعل الأشياء محض فراغ.." أيها الطائر المسرعُ نحو المجهول تمهل / ريثما أجمعُ أشتاتي وأتبعك / كلانا معلقٌ بين الأرض والسماء / كلانا مشنوق بفضاء لا متناه ." ص82. هذا الفراغ الذي جعل من الغياب واقع بكل قسوته، ونقل الواقع بكل بهائه إلى لحظة سوداوية تحيط الواقع وترسم خطوط مستقبله، أن ديوان (غياب ) جسر عبور، باحت فيه مي عصارة قلبها وعقلها، لتضعنا في وسط جحيم، ما نعيشه باليوم واللحظة في ترنيمة عشق للوطن والأهل والحبيب. ضمن تجربة ذاتية، شكلت عمق تجربة الجميع. وهي إذ تستفتح الديوان بقصيدة تعيد فيه الغائب حلم وهاجس.. " ملكة ُ الليلِِ / والقداحُ / روائحُ بغداد / دمعُ العين ودمُ القلب / وأنت في كل مكان. " (عمان. 2014) ص14.....تختتمه بقصيدة الغريب، لتعلن غربتها مع الواقع الجديد الذي هي فيه قبل أن  يحدث الغياب ... " غريبٌ أنت في أرض غريبة / تحلقُ عالياً أو تستكين../ غريبٌ أنت عن كل فضاء / فلا تحزن / " إن الغريب من الله قريب " ( عمان. 2007).ص92.

ليست هناك تعليقات: