الاثنين، 29 فبراير 2016

الحب في مرآة الفلاسفة... روح إيروسية وازدراء متعالٍ-*ريتا فرج


الحب في مرآة الفلاسفة... روح إيروسية وازدراء متعالٍ
*ريتا فرج


اختارت أود لانسولان وماري لومونييه نماذج لحالات عشقية مضطربة في «الفلاسفة والحب: الحب من سقراط إلى سيمون دي بوفوار» («دار التنوير» ــ ترجمة: دينا مندور). في كتابهما المشترك، تطرح الباحثتان الفرنسيتان موضوع الحب في أبعاده المتعالية والجسدية كما عرفه الفلاسفة مثل أفلاطون، ولوكريس، وجان جاك روسو، وآرثر شوبنهاور، وكيركيغارد، ونيتشه، وصولاً إلى جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار.

وصف الفيلسوف الفرنسي آلان باديو (1937) الحب بأنه «نتاج الحقيقة» وخبرة ترتكز إلى فعل اثنين واستهلال يتحقق بلقاء استثنائي، ومرحلة فارقة تميز النشاط الاستنمائي الخالص. لم ينظر الفلاسفة إلى الحب بفرح روحي جسدي، بل تعاملوا معه بتحفظ شديد يشبه صرامة أفكارهم الفلسفية الباحثة في عالم المُثل والحكمة. قلة منهم ابتهجت بالعشق كطريق لفهم الحياة وسبيل لخرق عدمية الوجود.

في «الفلاسفة والحب: الحب من سقراط إلى سيمون دو بوفوار» الذي صدر بالفرنسية عام 2008 (انتقل أخيراً إلى العربية عن «دار التنوير» ــ ترجمة: دينا مندور)، تطرح أود لانسولان وماري لومونييه في عملهما المشترك موضوع الحب في أبعاده المتعالية والجسدية كما عرفه الفلاسفة: أفلاطون، ولوكريس، ومونتاني، وجان جاك روسو، وإيمانويل كانط، آرثر شوبنهاور، سورين كيركيغارد، فريدريك نيتشه، والثنائي مارتن هايدغر وحنة أرندت، وجان بول سارتر وسيمون دو بوفوار. اختارت الباحثتان الفرنسيتان نماذج لحالات عشقية مضطربة، باستثناء الفيلسوف الدنماركي كيركيغارد التائه في «الحب المطلق» الذي قال عنه جاك لاكان «إنه المتسائل الأكثر حدة حول النفس البشرية قبل فرويد». لم يهتم الفلاسفة بالحب، تحدثوا عنه بازدراء ذكوري وهاجموا كل من يرفض تحليلهم، لأنه بدا مقاوماً لكل أشكال العقلنة. احتفى أفلاطون في «المأدبة» الأبدية بـــ «إيروس» (إله الليونة والشهوة) بأسلوب غرائبي يبرهن على المعنى الأقصى للكشف. وعلى الرغم من أنه واجه «الرغبة المشؤومة» للشاعر لوكريس، فقد رأى في الحب هدفاً للسعادة، وليس نزوة شهوانية عابرة، وهذا لا يعني احتقار البعد الجسدي وإنما مرحلة أولى لارتقاء النفس، فحب الأجساد لا يؤدي سوى إلى بديل للخلود. دعا الشاعر الإيطالي لوكريس إلى إدمان العلاقات الجنسية المفتوحة هرباً من خطر العاطفة المستمرة. تناوله في كتابه «عن طبيعة الأشياء» الذي يعد بمثابة قصيدة فلسفية طويلة حول التطور المستمر للكون، واضعاً صورة مرعبة للتوله الغرامي، ناظراً إلى الحب كنهم غير محدود تسيطر عليه حالة من السوداوية الداعية إلى التحرر الجنسي، ناصحاً إيانا بـ «محو الجراح القديمة بندوب جديدة» وألا نتردد في استخدام «الحب الجديد لطرد متعة قديمة». حقق مونتاني في الفصل الخامس من كتابه «المقالات» رغبته في الوصف الذاتي لفلسفة المتعة «باكتمال وعري تامّين»، معترفاً بغزواته الجنسية مادحاً المُتع الأرضية. تلاحظ الكاتبتان أن مديحه للمباهج تزامن مع إعادة تأهيله الجسدي بعد السقطة التي لحقت به من أعلى صحوة جواده، فكسر المحرمات التي فرضتها الأخلاقيات الدينية المسيحية التي دشنت عصراً جديداً من الكبت الجنسي. هذا الإخصاء المسيحي قال فيه نيتشه: «المسيحية سقت السّم لإيروس: ولكنه لم يمت به، بل تحول إلى فاسق». مونتاني أستاذ الإيروتيكية تحدث عن الحب بلغة واضحة دون ترميز أو «لغة مهذبة»: «من يسألني عن الجزء الأول من ممارسة الحب، سأجيبه: أن تأخذ وقتك. وهو الجزء الثاني أيضاً بل والثالث». على النقيض من مونتاني، أصيب الأديب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو برهاب الحب ولعنة المساواة. كتب في الاعترافات أنه لم يعرف حباً كبيراً حقيقياً، معتبراً أن الحب «شعور اصطناعي». وقدم في «إميل» الرغبة الجنسية على أنها احتياج غير طبيعي. وذهب إلى تخيل أنه إذا عاش رجلاً وحيداً على جزيرة منعزلة من الممكن أن يموت من دون أن يجربها. ينضم صاحب «دين الفطرة» في رؤيته هذه إلى الأخلاقيين في القرن السابع عشر من الذين اعتبروا أن الحب قوة مُعدية وانعكس ذلك على علاقاته المضطربة مع النساء. ولعل أهم درس يلحظه القارئ في كتابه «إميل» اعتباره أن ممارسة الجنس بلا حب هو نوع من العبودية. إذ يفقدنا احترام الذات ويؤسس لحياة غير سوية. يماثل الحب عند الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط قوة الارتياب والغريزة الهدامة. في كتابه «أسس ميتافيزيقا الأخلاق»، يثير الحديث عن الجنس كأنه حالة تهبط بالإنسان «لما هو أدنى من مرتبة الحيوان». ويضيف: «حتى العلاقة الجنسية التي يسمح بها الزواج، ينبغي أن نغلفها بالكثير من التهذيب حين نتحدث عنها في المجتمع المتحضر». هذه الصرامة الكانطية الفلسفية تفاجئنا برفضه لحق النساء في التصويت «ليس فقط بسبب انعدام مسؤوليتهن عن أنفسهن مادياً واجتماعياً، ولكن أيضاً لأنهن وُلدن نساءً» أي لا يحق لهن إلى الأبد.
«يُعد تأمل الجنسانية أحد المصادر الأساسية لمذهب شوبنهاور» كما لاحظ الفيلسوف الفرنسي كليمان روسيه صاحب «شوبنهاور فيلسوف العدم». اتصف شوبنهاور بنزعة معادية للمرأة وللزواج، نافياً عن إناث البشر أي سحر جسدي حقيقي، قائلاً إننا نخطئ حين نطلق لفظ «الجنس الجميل» على تلك المخلوقات القصيرة عريضة الأرداف. والأغرب دعوته إلى تعدد الزوجات انطلاقاً من إيمانه بأن عند الشعوب التي تقبل التعدد في آسيا والشرق لا يمكن العثور على عانس لم يلمسها أحد بعد. وذهب – كما تشير الكاتبتان- إلى حد توصيفه للعاهرات، بـ «الضحايا الحقيقيين للزواج من زوجة واحدة، وقرابين الوقوف على مذبح العرس»، و«فلنلغِ الزواج الأوحد وستختفي العاهرات اللواتي تعج بهن شوارع لندن». كانت علاقة شوبنهاور بأمه علاقة مضطربة، كما هو الحال مع روسو ومونتاني. ربما هذا ما يفسر التصورات التي وضعها هؤلاء العظماء عن المرأة والحب. مع كيركيغارد، تحولت علاقته العشقية مع حبيبته ريجينا، أو كما كان يطلق عليها «شمس النساء»، إلى صورة رمزية للعشق الأوحد الباحث عن الانفلات من المحبوب ضمن منظور فلسفي أراد تعرية الوجود البشري انطلاقاً من الحياة الحميمة. جعل كيركيغارد القطيعة مع المرأة التي أحب تجلياً من تجليات العشق، ويعود سبب هذا الانفصال إلى توجسه من الروتين اليومي للحياة الزوجية. هذا التوجه دفعه إلى رفض الزواج حيث كان يزدري القناعات الموروثة كمتمردٍ لا يقبل «الغرق المشترك» في القيود التي تفرضها هذه المؤسسة. تسامى كيركيغارد بروحه العليا، ما أنتج عنده هوة كبيرة بين الأفكار وعالم الحياة المملوسة.
عشق نيتشه الموسيقى ورأى فيها «الفكرة الحقيقة للعالم»، غير أن علاقته بالحب شهدت توتراً على المستوى الذاتي. أسس لنظرية حادة تجاه موقف الحضارة الأوروبية من الجنس التي عملت على «شيطنة إيروس». يدين صاحب «إنسان مفرط في إنسانيته» الدعوة إلى العفة معتبراً أنها تحريض علني نحو الطبيعة المضادة «إن كل احتقار للحياة الجنسية باستخدام فكرة الدنس هي محاولة اغتيال للحياة، إنها الخطيئة الحقّة ضد الروح المقدسة للحياة (...) ليست الشهوة سماً إلاّ بالنسبة إلى الذابلين الذين يحتقرون الجسد والمصابين بهذيان العالم الآخر». نيتشه الذي اشتهر بكونه «فيلسوف الحَبَل» وفقاً للمصطلح الذي أطلقه جاك دريدا شكلت مسألة الأمومة محور اهتمام عنده؛ فالحبل هو ما يجعلهن «أكثر نعومة وحنواً وتسامحاً، وأكثر خوفاً». عرف نيتشه علاقات عاطفية عدة. تعتبر علاقته مع الكاتبة والروائية الروسية لو سالومي الأكثر تأثيراً فيه، كحضور أنثوي صاخب. انبنت العلاقة مع شريك ثالث هو رينيه ريلكه. وضعت الأديبة الروسية الواقعة بين ضفتين خطة من نوع المعيشة الثلاثية الخاصة بالمثقفين. ولعل الصورة الشهيرة التي قرر نيتشه التقاطها «سالومي تمسك سوطاً في يدها وتعتلي عربة يجرها مفكران لامعان مسخران هما ريكله ونيتشه» تعد تمثلاً واضحاً عن أشكال من الروابط الاستثنائية. شكلت –آنذاك- صدمة قوية في الأوساط الثقافية.
شكل الثنائي مارتن هايدغر وحنة أرندت، وجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار علامة فارقة في الكتاب تخللها الحب والكره في خطاب الفلاسفة والروابط الإنسانية. لم يكن ثمة حب خالص. جريمة عدم الاخلاص حضرت وإن ظهرت «المرأة الفيلسوفة» كحضور عشقي منتج للأفكار لدى هايدغر وسارتر. تأسست هذه النزوات الحيوية والحسية على اتفاق بين «الفلاسفة المتحضرين». حافظ هايدغر على زواجه بعدما استسلمت لسحره الفلسفي أو لشهيته الحسية نساء كثيرات. كانت تفصله عن زوجته فوارق طبقية. وصفتهما أرندت وهي تتحدث مع زوجها الثاني بلوخر قائلة: «كانت حالة كلاسيكية من الارتباط الشعبوي – النخبوي». تنم قصص الفلاسفة مع الحب والجنس عن حيوات متداخلة ومعقدة، اتسمت –غالباً- بوجهتين متناقضتين: لزومية النشوة؛ والتعالي على الجنس المحكوم بالضوابط الأخلاقية. تظهر بعض الحالات المدروسة هنا كجزء من المكبوت الجنسي، لكنها تبقى في النهاية أنماطاً عشقية لا تكتسب صفة الفرادة بقدر ما تعكس طبقات النفس البشرية.
________
كلمات
العدد ٢٨١٨


التاريخ : 2016/02/24 02:12:42

الأحد، 28 فبراير 2016

نجاح زهران في منتدى فلسطين الوطني للثقافة والفنون وقصيدة اناواولئك البشر...

22 قصة قصيرة جدا ً -عادل كامل


 
 تخطيط للفنانة سيمون فتال

22 قصة قصيرة جدا ً


[ لتكن ملعونة تلك المدينة التي تضطرنا إلى قتل الناس في سبيل المحافظة عليها...]
دستويفسكي

عادل كامل


[1] الفيل والضفدعة
     عند بركة الماء، ذات صباح، التقت الضفدعة ملك الغابة ـ ولم يكن سبعا ً أو تمساحا ً، بل كان فيلا ً ـ ، ولكنها رأته على هيأة خروف جرد من الصوف، فظهر هيكله شبيها ً بهيكل كلب أجرب، فأبدت تعجبها ودهشتها:
ـ ما هذا...، ما الذي حل بك...، حتى أني بصعوبة بالغة عرفتك..؟
   لم يجد الفيل رغبة لديه بالرد، إلا انه ود أن لا يترك لها مجالا ً للنقنقة، بوصفها وكالة أنباء متنقلة، فقال لها بمرح وجدته كان بلا لياقة:
ـ أنت ِ تعرفين مصير زعيمنا الديناصور الأعظم...، لم يترك، بعد خلعه، وطرده، إلا هذه المخلوقات المتسترة وراء الدغل، وفي الأنقاض، وداخل شقوق الجدران المتهالكة....
ـ آ ....، أتذكر ....، سيدي، ولكن هل حقا ً هكذا الحياة، لا عمل لها، إلا أن تعاقب سادتها ..؟
   ارتج جسده، بعنف، فرد عليها، بعد أن هز خرطومه بلا مبالاة:
ـ بالعكس...، فانا عدت إلى الأصل...، أما أنت ِ، فقد ازداد وزنك حتى إنني لم اعد أميزك عن الأبقار السمان، ولا عن الجاموس، ولا عن الخنازير...، في حديقتنا، فهل الحياة عمياء حقا ً...؟
    لم يترك لها إلا أن تعالج كلماته اللاذعة، وهي تهم بالغطس في ماء البركة:
ـ  لم تكن الأولى هي القوانين الصائبة، التي صنعت منك زعيما ً وقدوة...، ولا هذه هي القوانين التي صنعت مني بقرة أو جاموسة أو خنزيرا ً، كما قلت؟
    ذعر من جوابها، فقرب رأسه منها، متمتما ً بسخرية:
ـ سيدتي، إنها القوانين ذاتها، تارة يصير العصفور صقرا ً، وتارة يجد الفيل نفسه صار يبحث عن حفرة ليموت فيها ولا يجدها!


[2] وصية!
    وهي تلفظ آخر أنفاسها، لم تجد النملة أحدا ً تخبره بأنه لا معنى لكل ما كانت حفظته، عن أسلافها، وأجدادها، وانه لا معنى أبدا ً إنها لو كانت أمضت حياتها تتأسف، ندما ً، أو لا تجد لديها الرغبة بترك اثر دال على إنها كانت شعرت بالحنين إلى أمر تأسف عليه!


[3] اثر

    وهي تراقب تبخر آخر قطرة ماء في الجدول، خاطبت نفسها:
ـ آ ...، حقا ً...إذا جف ماء الجدول، واختفى...، فهل إن مصيرنا الذي طالما عملنا من اجله، ليس إلا الماضي الذي كنا نخشى عليه من الضياع، والتلاشي...؟
     سمعتها جارتها، فقالت لها من غير أسف:
ـ اجل...، طالما كنا منشغلين بإقامة الجنائز، على موتانا، وعلى إقامة الأنصاب لهم...، أما اليوم فلا احد يكترث لو هلك الجميع،  مادام الجدول هو ذاته لن يترك أثرا ً لوجوده..
قالت لها بتعجب:
ـ الغريب إنني أجد من يهتم  بأمر موتي!
فردت بحزن:
ـ سنزول بعد زوال جدولنا الذي ولدنا فيه، وسيزول الجدول عندما لم يترك أثرا ً له، ولكن هل سيتم القضاء على أرواحنا، وهي تحمل رائحة ما ستبقى ترفرف حتى لو غاب الجدول، وزالت ذكراه عن أعيننا، وأبصارنا؟



[4] انتصار
ـ سيدي، سيدي لقد انتصرنا!
ترك القائد مساعده يتكلم، لأنه كان  على علم  بأن أحدا ً ما من المنتصرين لم يعد من الحرب:
ـ لم نهزم، فلم يرتد احد، ولم يتراجع...، فقد كان شعارنا النصر وليس إلا النصر...!
ابتسم القائد، وسأل مساعده:
ـ  ومن أخبرك إننا انتصرنا...؟
ـ سيدي، لا احد اخبرنا بأننا هزمنا!


[5] وجهان

سأل الحفيد جده:
ـ بعد أن رأيت هذا العدد الكبير من الطغاة، وبعد أن رأيت العدد الأكبر من الضحايا....، فمع من أنت؟
أجاب الجد بصوت هادئ:
ـ لا مع الطغاة ضد الضحايا...، ولا مع الضحايا ضد الطغاة! ليس لأنهما، يا حفيدي، وجهان لعملة واحدة، بل لأنهما  مثل شاهد القبر، لا تعرف من الدال على الآخر، مع إنهما، الميت وعلامته، يصعب تحديد أيهما يعمل على محو الآخر!
ـ يا لها من محنة...؟
ـ أبدا ً...، لا محنة في الأمر...، لأنني لم أقم إلا بحملها، من الميت إلى العلامة، ومن الأخيرة إلى الميت!
ـ ولا تدعوها محنة...؟
ـ يا حفيدي، لو كانت محنة، لهرمت، وزالت، وانتهى أمرها، أما وهي مازالت تعرف كيف تقاوم اندثارها، وغيابها، فلابد إنها مازالت بانتظار المزيد من الضحايا، ولكن، بانتظار المزيد من الطغاة! لأنك، في الأخير، لا تمتلك قدرة أن تعرف من كان الطاغية، ومن كان الضحية؟!




[6] مدنية
ـ هل شاهدت ما حدث....؛ كانوا يمسكون بهم، فيشطرون أجسادهم، يقطعونها، يمزقونها، يثرمونها، ثم ينثروها  في الفضاء...، فتتلقفها أسراب الطيور، بنهم كأنها لم تذق الطعام منذ دهر، ثم يطلقون الرصاص عليها، فتتهاوى أرضا ً، لتنهشها أنياب الضواري، تفترسها، بشراهة، بانتظار أن تلقى مصيرها، هي الأخرى...، حيث كانت اشد المفترسات بانتظار دورها في الهجوم.....؟
ـ نعم...، شاهدت، ورأيت..
ـ وماذا فعلت؟
ـ تذكرت كلمة دستويفسكي : " لتكن ملعونة تلك المدنية التي تضطرنا إلى قتل الناس في سبيل المحافظة عليها..."

[7] معضلة
   صدر الأمر بإطلاق النار، فاستقرت مئات الرصاصات في جسده:
ـ سيدي...، انه لا يموت!
اقترب القائد من الضحية:
ـ تضرع... استنجد.. اطلب الرحمة!
فأجاب بصوت هادئ:
ـ كي تحتفل بنصرك، أم تبتهج بهزيمتي؟
ـ لا الأولى ولا الثانية، وإنما كي لا ادع الضواري تتلهى بجسدك!
ـ المعضلة إنني لم أكن ضدك...، ولا مع نفسي...، المعضلة إنها هي وحدها اختارتك فاخترت أن تكون معها!
صرخ القائد الذي نفد صبره:
ـ  أطلقوا ...
  صوبوا فوهات بنادقهم نحو الجسد المضرج بالدم، مرة أخرى، وأطلقوا النار:
ـ سيدي، سيدي ألا تراه يبتسم!
   ابتعد القائد عنه خطوات، ثم اقترب، وحدق في عينيه:
ـ كأنك تحتفل بهزيمتي؟
ـ أبدا ً...، لكن أحدا ً ما لن يتحدث عن نصرك، لأن المعضلة، أيها القائد، وحدها وجدت لتدوم!

[8] بحث
    حدق في المرآة:
ـ كأنني أشبه نفسي!
   ليشاهد أجزاء محياه تتناثر:
ـ وها أنا أشبه روحي!
   وعندما لم يجد شيئا ً يراه في المرآة، ابتسم:
ـ هذه هي الحقيقة، ما أن تغيب، حتى نستجمع قوانا للبحث عنها!

[9] غواية
  خرج الحمل من وكر الذئب، مهرولا ً باتجاه القطيع، وهو يهتف بأعلى صوته:
ـ عاش الذئب..، عاش الذئب...
فصاح القطيع بصوت واحد:
ـ عاش، عاش، عاش الذئب...
   لكن نعجة هرمة اقتربت منه، وسألته:
ـ لِم َ خنت القطيع، ورحت تهتف بحياة الطاغية؟
حدق في عينيها الشاردتين:
ـ لقد عفا عني، ولم يفترسني، بل وغفر لي ذنوبي أيضا ً!
فقالت بأسى عميق:
ـ لكنه سيفترسك في وقت لاحق...
ضحك الحمل:
ـ لا! لقد همس في أذني: أريدك أن تخبرهم إن رحمتي بلا حدود!
ـ الملعون....، حتى الذئب تعلم فن التمويه، كي يوقعنا في فن الغواية!



[10] ذنب
قبل أن يطبق التمساح فكيه على الغزال، طلب منها أن تغفر له، وتقبل اعتذاره، فسألته:
ـ على ماذا...؟
ـ قد أكون أذنبت بحقك!
فهتفت:
ـ لا ... لا أبدا ً ... بل أنا هي من أذنبت في حقك، واطلب الاعتذار!
فصاح بصوت حاد:
ـ ماذا تقولين أيتها الغزال...؟
   ما أن فتح فمه، حتى وثبت هاربة، بعيدا ً عن فمه، وهي تقول:
ـ أؤكد لك مرة ثانية إنني أنا من أذنبت بحقك، لكن، بعد هذا اليوم، لن أذنب بحق نفسي!

[11] غواية
  سأل العصفور أمه:
ـ لماذا ارتكبت جدتنا الخطيئة الأولى...، هل كي نطرد من  الفردوس؟
ـ اقترب... اقترب... ماذا قلت؟
   فقال ضاحكا ً:
ـ لو لم يقع جدنا بالغواية لما أصابنا هذا الشقاء!
ابتسمت وقالت له:
ـ  بل كانت لا تعرف شيئا ً عن الفردوس أيضا ً!
فقال لنفسه بصمت تام: ما اغرب هذا المنطق...، في هذا العالم، فلو لم يشتركا في ارتكاب الإثم، لكنا لا نعرف شيئا ً عن الخلاص!

[12] طيف
   وهو يحتضر، دار بخلده: لو كانت صانت فرجها واحتمت بالعفة، لما وقعت في الغواية، ولما كنت طلبت الغفران، بعد أن تذوقت كل هذه الآثام، والخطايا!
    فشاهد طيف جدته الأولى يحوّم أمامه:
ـ ما كان جدك شريرا ً وما كانت جدتك لعوبا ً....، أيها الابن الذي لم يترك شرا ً إلا وارتكبه، ولم يترك دناءة إلا وفعلها!
ـ وها أنا أتضرع بالتطهر، وطلب الغفران...، والرحمة!
ـ  وما فائدة ذلك...، بعد أن زرعت بذرتك وتركتها تترعرع يانعة في القطيع...؟
ـ الم أخبرك يا جدتي إنني لم اطرق أبواب جهنم بإرادتي أبدا ً!
ـ ولكنك صرت تطرق أبواب الفردوس؟
ـ  أما تشاهديني وقد وهن جسدي، وأصاب الشرود عقلي، وكل عضو من أعضائي ذبل، واشتعل البياض في رأسي، فماذا تفعل جهنم بحفنة عظام وبجلد سد على ّ منافذ الهواء؟


[13] هزيمة
ـ هل حصلت على ما تريد...؟
رد ابن أوى يخاطب الكلب الذي امسك به:
ـ نعم، سيدي، فانا لم اترك للهزيمة مكانا ً في ّ لم أجربه، واستثمره، واستهلكه...، ثم أعيده إلى الأصل!
ـ تقصد انك لم تترك نصرا ً لم تحرزه؟!
ـ لا ... سيدي، فلو لم أدرك أن الهزيمة هي قدري، لكنت شعرت بالأسف، وتضرعت أن تطلق سراحي! أما الآن، فما عليك إلا أن تفترسني، فقد لا تجد حتى هزيمة تختتم بها حياتك!

[14] كابوس
    عندما أدرك انه أصبح داخل جوف الأفعى، ولا مجال للهرب، ترك جسده يتراخى، مستسلما ً، بدل بذل جهد لا فائدة منه. لكنه سرعان ما وجد نفسه يقف أمام فم الأفعى، وهي توشك أن تبتلعه، فصاح:
ـ ألا يكفي انك لم تتركي لي حتى أمل الهرب...، والفرار...، كي تعيدين الكرة، مرة أخرى، وتضعي خاتمة لحياتي!
ـ أيها الفأر الوديع...، مادمت فكرت...، فاهرب...، فانا لا اعتدي على من لم يتخل عني ويمجدني في أحلامه!
   عندما نجا واختفى ترك صدى كلماته ترن داخل رأس الأفعى:
ـ لم يكن تمجيداً ، بل كان كابوسا ً لا اعتقد أن الخلاص منه يمكن أن يدوم طويلا ً، أو يمكن أن  يصبح حقيقة!


[15] ورطة
  راح يردد، مع نفسه، وهو يتخبط في الجري:
ـ أينما أولي، فلا أرى إلا وجه الجلاد أمامي...
قالت حبيبته التي كانت تجري خلفه:
ـ هذه أنا...، هذه هي من عشقتك، أيها الحبيب!
ـ وهل اقدر حقا ً أن أميز بين وجه من لم يتركني أعيش لنفسي، إن كانت حبيبة، أو كان جلادا ً؟!
ـ لا تهرب مني...،  فأينما تواريت، فانا لن ادعك تغيب عني!
ـ آ ...، هذا ما كان جلادي يقوله لي: أينما ذهبت فانا لن ادعك تذهب ابعد مني!

[16] وصية
   نادت الجدة حفيدها، لتوصيه، وهي توشك على الرحيل:
ـ في هذه الحديقة، حذار أن تعمل إلا بحدود أن لا تدع أحدا ً يراك فيها تعمل!
صمتت برهة، ثم قالت:
ـ وحذار أن تراقب من يعمل، فانه سيظن انك تفكر بسرقة عمله، فيؤذيك!
ثم أضافت:
ـ  وحذار أن تفكر ...، وحذار أن تحلم...، وعش كأنك بلا وجود..، ومت كأنك لم تولد...، فسكان هذه الحديقة إن شاهدوك تعمل سخروا منك، وإن لم يسخروا منك، بتروا أصابعك، وإن لم يفعلوا ذلك، قطعوا يديك! وإن عرفوا انك تفكر...، فأنهم سيرسلونك إلى المشنقة، أو يقطعون رأسك ويرمونه إلى الضواري!
قهقه الحفيد حد انه راح يبكي، وقال لها:
ـ كأنني أنا هو الذي يودع هذه الحديقة، وليس أنت ِ يا جدتي الغالية؟
ـ ما الفارق؟ فانا سمعت وصية جدي، عن جده، الذي بدوره حفظها عن أجداده، وأجداده حفظوها عن أسلافهم، وها أنا أكملت وصيتي إليك، أيها الحفيد الغالي!
هز رأسه متمتما ً:
ـ  علي ّ ـ إذا ً ـ أن أجد عملا ً يبعد عني شبح الموت، وأفكر بوسيلة تمنعني من التفكير، واحلم كأنني لم أولد أبدا ً!

[17] نهاية
ـ انظر...، الذئاب ترقص مع الغزلان، السباع تلهو مرحة مع الثيران، انظر: الصقور تحّوم مع العصافير ، وبنات أوى يستمعن إلى تغريد البلابل....
متابعا ً، أضاف الغراب لغراب عجوز كل ّ بصره، وصار لا يرى:
ـ لقد هدموا الأسوار، وكسروا أقفال الأقفاص، وحرروا الجميع من عبوديتهم...، وها أنت تراهم يحتفلون، يلعبون، يرقصون، من غير ذعر أو حذر أو خوف!
   رد العجوز الأعمى:
ـ أتعرف لماذا فقدت بصري...؟
ـ لا.
ـ لأنني ـ بعد أن فقدته ـ عرفت إن هؤلاء يؤدون الأدوار التي لا مناص من أداءها!
ـ وأنت؟
ـ  بعد أن فقدت بصري...، صرت أرى!
ـ وماذا رأيت؟
ـ إنها لعبة شبيهة ببركان ما أن يقذف حممه حتى يهدأ...، وما أن يهدأ حتى يعمل على تجميع قواه كي يزمجر!
ـ  لم افهم قصدك؟
ـ لأن الذين يفكرون، أيها الفتى، لا يمتلكون إلا أن يفكروا! فانا ـ بعد أن أصابني العمى ـ ساترك لك فرصة انتظار نهايتك المقررة!


[18] ديمومة
   عبر شاشة الحديقة العملاقة، المطلة على جناح القرود، واصلت الطائرات تدك أهدافها، فترتفع أعمدة النار والدخان عاليا ً، حتى تحولت الشاشة إلى مساحة بيضاء!
قال قرد لزميله:
ـ من... في تصورك...، سينتصر؟
هز الآخر رأسه ولم يجب. فقال الأول:
ـ كنت تريد أن تقول: لا احد! فكما قال حكماء الصين: على المنتصر أن يمشي في جنازته، وكما قال قدماء قومنا قبلهم بألفي عام: على المنتصر أن يحفر قبره بيديه!
ارتبك، فأجاب بصوت مشوش يسأله:
ـ لماذا كنت تتجسس علي ّ؟
ـ سألتك.. ولم تجب، فكان على أن اعرف ماذا كان يدور في راسك!
    لكمه بضربة قوية أوقعته أرضا ً، فتمتم بصوت حزين:
ـ  أنا لم أخسر...، وأنت لم تنتصر....، لأنني لن اغفر لك هذا الاعتداء!
ـ أصغ إلي ّ...، الآن تبلور لدي ّ الجواب..
ـ ....
ـ مادامت المعركة بلا نهاية... فان شبح الهزيمة يدعوا الجميع إلى النصر! وتستطيع أن تقول: مادام النصر مستحيلا ً في معركة لا خاتمة لها، فلا احد سيستسلم للهزيمة!
ـ كأنك بدأت تفكر؟
ـ  تقصد... بدأت استعد لاسترداد حقوقي المغتصبة؟


[19] دورة
   في أعلى الشجرة، راقبت الحمامة المجزرة، فأدركت استحالة الهرب بعيدا ً عن عشها، فقالت لرفيقتها:
ـ غريب أمر هؤلاء الناس...، يذبح احدهم الآخر بسلاسة، وهدوء..، ثم، بعد أن يصابوا بالتعب، والإعياء، يدفنون قتلاهم، من ثم يعملون على المصالحة!
بأسى أجابت:
ـ  استعدادا ً لمجزرة أكثر هولا ً...!


[20]قدر
   صاحت القملة في أذن السبع القابع في قفصه:
ـ ألا تخجل أن تأكل الفضلات؟
ضحك السبع:
ـ عندما لا استطيع القضاء على قملة تمتص دمائي بهدوء...، فعلي أن انتظر لحم الحمير البارد...، وبقايا عظام الثيران...؟


[21] قيود
  كف البلبل عن التغريد، وهو يتأمل، من وراء قفصه الحديدي، مجموعة من القطط، والكلاب، تقترب...، لتدور من حول القفص، فقال لشريكه:
ـ  الآن فقط أدركت أهمية هذه القيود، في هذا القفص!
أجاب بمرح:
ـ غرد!
   تأملهم يحدقون نحوهما بنظرات اشد قسوة مما لو كانوا يمزقونهم بمخالبهم، ويفترسونهم بأنيابهم...، فقال للآخر:
ـ المؤلم جدا ً إننا لن نتخلى عن هذه القيود...، إن لم نمجدها...، ونتغنى بها، في كثير من الأحيان!

[22]
ـ سيدي، لِم َ أفكارك معتمة، وتصوراتك سوداء، حتى إن كلماتك لا تبث إلا عفنا ً مر المذاق؟
ـ اجل..، هذه ـ هي ـ المحنة...، إني لم أصل إلى هذه الخاتمة إلا بعد أن حاولت العثور على بصيص من الضوء....، فلم أجد!
ـ لكن أشعة الشمس تملأ الرحب، والفضاءات، والحدائق...؟
ـ  لو تأملتها بإمعان...، وحللتها، فانك ستدرك إن هذا القليل منها يجعلك  تخرس وأنت ترى كم ـ هي ـ  مساحة الظلمات بلا أسوار، جدران، وحافات!
24/2/2016
Az4445363@gmail.com



مجمع القشلة والسراي: حقل تجارب لهواة الترميم!- د. إحسان فتحي




مجمع القشلة والسراي: حقل تجارب لهواة الترميم!

د. إحسان فتحي

   قبل أيام رأيت صورا تبين عمليات هدم كبيرة أمام وجوار قصر الوالي في سراي بغداد!  حقا أدهشني الأمر لأنني كنت اعتقد بان هذا المجمع الهام يخضع لحماية الدولة الصارمة ولا يمكن المس به فهو محرم من محرمات التراث الوطني. إن هذا المجمع الذي يشمل مباني القشلة وبرجها، ومبنى السراي الحكومي ببواته الرائعة، وقصر الوالي، ومبنى رئاسة الوزراء، ومباني أخرى، يعتبر احد أهم المواقع التراثية في بغداد والعراق على الإطلاق. كما ان طول واجهة مبنى القشلة (المقر العسكري لفرق المشاة العثماني) يبلغ حوالي 200 متر مما يجعلها اطول بناية في تاريخ العراق المعاصر، الا ان تغلبت عليها بناية مجلس الوزراء التي شيدت في 1980 وبلغ طولها 215 متر، وبعد توسعة القصر الملكي – الجمهوري في كرادة مريم في التسعينات اصبح طوله 335 متر بعد ان كان 150 متر.
والملاحظ ان هذا المجمع الهام، الذي شيد بين الاعوام 1861 و1870، قد تعرض إلى اهمال شديد في الفترتين الملكية والجمهورية والى عدد من اجراءات الهدم والتغييرالجاهلة التي ادت الى خسارة كبيرة في معالمه الاصلية. فعلى سبيل المثال، فأن القصورالعثمانية التي كانت تطل على نهر دجلة بعدد من اجمل الشناشيل البغدادية قد هدمت تماما ولم يتبق منها سوى قصرالوالي الذي سلم من ايادي الجهلة لحسن الحظ، لكن واجهته الاجرية الحالية لاتمت بأي صلة للاصل. كما هدم الجزء الغربي من بناية "المشيرية" المطلة على دجلة دون سبب، وغيرالدرجان المؤديان الى الطابق العلوي للقشلة دون مبرر، ورمم الطابق العلوي بجسور حديدية (شيلمان) مؤخرا وهذا يخالف ابسط مبادىء الترميم. وان بوابة السراي (وليس القشلة) المقببة، والتي اعتبرها شخصيا احد درر بغداد المعمارية، قد جرى "ترميمها" بشكل خاطىء سابقا ومؤخرا وطابقها العلوي يختلف كثيرا عن الاصل كما تظهر ذلك الصورالقديمة. وحتى برج الساعة فقد تم تغيير الجزء العلوي منها تماما.
كان هذا المجمع بمثابة خلية النحل المزدحمة بالعاملين والمراجعين وموظفي الدولة الكبار ورجال الشرطة والجنود، معتمرين الازياء المختلفة بعماماتهم الملونة وفينهم القرمزية وسداراتهم السوداء...صراخ الباعة... رائحة التراب والقداح... كانت فيه العديد من الدوائر الحكومية كمجلس الوزراء، والمتحف العراقي، ومطبعة الحكومة، ووزارت المعارف والداخلية والعدلية، ومحكمة الاستئناف، ومديرية الشرطة العامة، ومركز شرطة السراي الشهير. كان هذا المجمع ينبض بالحياة والحيوية وكان جزءا لايتجزء من نسيج الرصافة ومحلة جديد حسن باشا تحديدا. الذي ميز ووحد العمارة البغدادية واعطاها هذا الطابع الجميل والمؤثر بصريا وروحيا هو هذه الاجرة (الطابوقة) الذهبية اللون التي كانت هي المادة الاساسية الام والابسط والتي شكلت اساس الابداع الانشائي والمعماري منذ الحضارة السومرية قبل اكثر من 5000 سنة.
وعليه، فان مثل هذا المجمع التراثي يجب ان لايتعرض الى تجارب الهواة من "المرممين" ومن كل هب ودب، ومن المقاولين الذين يجهلون ابسط مبادىء الصيانة العلمية. انا حقا اطرح هنا سؤالا بسيطا واساسيا:  من هو في الحقيقة المسؤول "النهائي" عن هذا المجمع؟  هل هي محافظة بغداد؟ ام امانة العاصمة؟ ام هيئة الاثار ةالتراث؟ هل هناك مسؤول سري يتحكم بمصير الاف المباني التراثية؟  وهل فرغ العراق من متخصصين في ترميم المباني التاريخية؟ وما هو دور اقسام الاثار في العراق والتي تخرج عشرات الاثاريين كل عام؟
ان وضع المواقع الاثارية والمباني التاريخية والمناطق التراثية هو في حالة يرثى لها وكلها مهدد بالسرقة أو التشويه والتغييرأو الهدم بسبب هذا الجهل العجيب. ان الاغلبية الساحقة من الجوامع والحسينيات والكنائس التاريخية قد تم اعادة بناؤها بشكل جديد تماما وهذه خسارة كبرى تتحملها جهات الأوقاف المختلفة. ان هذا ان العراق، بفضل هولاء المسؤولين، قد استحق بحق لقب "المدمر الأول لتراثه في العالم". لقد كتبنا وصرخنا مئات المرات عن مبان مهددة يجب معالجتها فورا ولم يحصل، ولا مرة واحدة، ان اجاب علينا اي مسؤول في الاثار او الدولة، او تم اتخاذ اي اجراء وقائي. لقد كتبت عن تخطيط مناطق بغداد القديمة والمدن العراقية الاخرى دون جدوى، عن هدم الكاظمية بحجة تطويرها، عن مبان مهددة عديدة مثل قبة السهروردي، وخان الزرور، والميدان، وشارع الرشيد، وحمام الباشا، والاعظمية، وعن هدم البيوت التراثية، وتغليف المباني بالالكوبوند الملون الصارخ، وعن إهمال المدرسة المستنصرية، وجامع مرجان الذي تحول إلى مكب قمامة، وعشرات الحالات الأخرى!
يبدو إن الامر صعب جدا، فنحن امام جدار هائل من اللا مبالين والجهلة، لا يهمهم أي شيء!  هم ابعد مايتصوره المرء عن الاحترافية والمنهجية العلمية...هم حقا في كوكب اخر تماما...فيبدو ان المعركة خاسرة اصلا.. طالما ان استمروا في التحكم في مصير تراثنا...ويبقى أن اقول بأن كل ما قلناه او نقوله الان هو تسجيل وتوثيق لهذه المأساة الكبرى للاجيال القادمة.

معماري متخصص بالحفاظ على التراث



الجمعة، 26 فبراير 2016

غالب المسعودي - حوار مع طائري في الغربة

حوار مع طائري في الغربة-د. غالب المسعودي

د. غالب المسعودي
 حوار مع طائري  في الغربة
مساء الخير
مساء النور
قلت انها اليوم في مزاج رائق
 يعطيك العافية
مزاجي دائما رائق لكن..........!
احاول ان  اتسلى بالقراءة اكثر
المهم المزاج
المزاج عال
الدليل..؟
هذا النص
منذور بالدائرة السابعة
في الساعة المتأخرة بتيه الوقت ، دحرجت بهلولي  بدوران الأفق  وهتاف الرصيف. أصطدم بسيقان الشمس على الطرقات  .. ولم تفلت الأعشاش من غضب الكف الحمراء  فالضوء منذور بالدائرة السابعة .
أخذ الحلمُ  مباهج الأمنيات عند مطلع الفجر … حين يلّتوي الحرف عليّ ،  قلبي يدغدغْ  جنون الهاوية ويقذفني بيني وبيني الى يباس الظل   …الى نبع بطولات الكلام  .. لا أعلم اذا ما استطعت أن أحمي رأسي من هزيمة الفكرة ،بأسطورة ماذا ، كلما..  وأين؟ لتخبئ الشمس ثوبها خلف شجرة السلالات وانفرادي على وجه النار  ..ولكن تلك الكواكب التي قطّرت بخورها بأنامل طفل وغبار زهرة … دونَ أن يلمس الغيم  ساحة التمني وجنون الأمن  …لتطوي جذعها مع كل نبضة نحو أشرعة تجمع الصواري الى ميناء دفئي.
كانت انحناءة  الفرح في غفلة الوسادة  تتطاول بالأغطية على ماء الحلم، على صراط القناديل المحترقة بالأفول … هنا تأتي بالكم والكيف على الشك باليقين والفضول    .. حريقاً يستأنس بتوجس الفلك .
وكان في  كل سين وجيم  …. يخطو  النهار في سباق الحاجة الى الإنسان ، يستسلم الكتف والمرفق  ،تراكم بتهمة الشاهد والمشهود، ..  لتفرز الرغبة زينتها عند كل عين  تملأَ العطور بالأبجديات على ضفاف خصلة الشعر .
 لتحتفي بعرس الأرض , أيتها السماء ، هنا حفرت الدكة للسلام ورتبت القصيدة بزقاق  الحيّ عند أوردة  الحرف وحنجرة الأغنية .
قرات النص.......
 حتى شارف الليل ان يشم الصبح
اكلت من وجعي
جوعي كافر
رنّ هاتفي
صباح الخير...
صباح النور....
كيف حالك...؟
جيد ,الحمد لصبري
ما دمت ترسم ستكون بعافية....!
لو كنت قريبة لقلت علمني الرسم
اكتب وارسم وهذا ديدني
قرات تعليقك على نص كلمات متقاطعة
 رايك الصريح.....؟
 انه يمثل عيشنا الان
صحيح...!
دون تزويق...........؟
عندما يشخص الفنان
 تكون له بعض السلوى وان كان غير قادر على التغيير....!
صحيح
لذلك الكتابة تزيد الوجع وفزع الكلمات
اعتبر الرسم اداة لذوبان الروح الألوان تحركها اليد
الكتابة
فزع الكلمات
الفزع يأتي من عدة اشياء
منها القارئ
 منها سلطة الكتابة
 الوعي المجتمعي
 نحن ضحايا انفسنا
بم تفكر.....؟
بم تقيس الاشياء......؟
نحن نعيش ازمات اجتماعية ونفسية
هي هذه الحقيقة الموجعة...!
ومهما حاولنا الانسلاخ منها نرجع لها بازدواجية التعامل
اذن الرسم  ذلك الوحي الشفاف الذي يخرج النفس من كل الاعتبارات....
الفلسفة والتأثير الابداعي والرسم كانت وسائل للتغيير الاجتماعي والحضاري...........
 اما عندنا اصبحت وسائل تنفيس عن هوس الروح بازدواجية سقيمة......
على الاقل تفتح نافذة للتغيير بسلام....
احيانا اسميه سلام ذاتي لكننا نعيش داخل مجتمع تديره قوى الظلام ,وبالتالي لسنا بمنأى عن الاضرار
مهما كبرت هذه الاضرار تبقى قوى خفية تعالج النفس الى ما يفيد.....
انا على قولة صادق جلال العظم (متشائل)
ربما من يملك  قلمه يتمكن منه يصبح كذلك........
ربما....!
لا نستطيع ان نقول اننا سنربح البحر
فالسفينة تلاطمها الامواج ,الغيوم والضباب..........
ربما سنستريح في البحر ان غرقنا او طفونا............
لن يحتملنا...........
نحن عاصفة لا تعي اتجاهها...........
البحر يحتمل لغة القراصنة والعشاق
نعم..............
كل العواصف لا تعي اتجاهها........
 لكن القلوب الرقيقة تعي اتجاهها ونزيفها........
لذلك نحتفظ به بدواخلنا......
من النعاس تنسل احلامنا تطفو فوق الغيوم تضحك من سذاجتنا....
على  الاقل نرويها قصة بعد الصحو....
نحن لا نتذكر حلما يسخر منا...
احينا نستحي حتى من احلامنا....
اذا قلت لك اننا نتأخر على الحلم
انه ينضج قبل ان نصل اليه
او بعد.........
يرى نصفنا المذعور....
ويستهلك نصفنا الاخر بالحنين....
حتى اننا لا نجد ينابيعه المصلوبة بانتظارنا.........
الغربة حطب أحزاننا ولهيب السواد
الغربة صمغ وكبريت
الغربة
أتون تلتهب بقوس قزح
ألوان تتنفس وتحترق
ربما لو كنت كذلك  لما تعارفنا
الرماد مداده الجمر
جمرة فوق الماء تغني
ارعبها صوت الناي
قد جف رأسها بالدخان
ناي حزين يرعب جوهرة ماء
تعبت من لون الاختباء
شق الصدر شق القلب بحثا عن لؤلؤ ماء.....؟

تدلى بالزبد فأعياه التعب.....
يحصد المحار بأنين القصب
اي تعب يعي واي محار يحصد....؟ ان كان كفنه موج عماء
افترش الضوء افترش الضباب ، قرأت قروح اليد ونجمة تطلق الاشارات.....
اشارات تيامة فوق المهد الاول لم ترشد الهة صغار
 قالت بأبنائي مرقدي الاول والاخر محض نجوم واضواء
 اوقد نارا واتهجى احرفا واسماء
كيف اجترا ادام ان يخلق من ضلعه جرة ماء
ربما زرع القمح وحصد ندبة
مزج الليل بحبر النار
نضج بالشرق ونبوءة النهد
ربما ........ ربما...... زرع في الارض ربما مزج حبر الليل واقتص من ضلعه ورقة
من تحت كتب تاريخ الاسماء
عصر العنب والتمر  ليحتفي بخشخاش الجسد
ابتكر جنون الشي وهواجس الريح
عصير العنب وخشخاش الجسد مذموم به نولج لذتنا وهواجس محنتنا
لذلك يشهق الكلام
يفجر ينابيع الورد وزفير العصر
انها قصيدة بوليفونية تتمرغ على اوتار الروح
تمزج الطلع بالقمر
وناي انين الروح يمسكه عازف سكر لم يعرف
 انها صلاة الفجر او دعاء السحر
هيكله يضيئ في غابات العشق
يزداد سِحرا بجمر  الانتظار
يستعر دون نار
يستفيق من جمره بالرمضاء
ان غاب عشقي لا شمس تضيء يجفل الاطفال من صوت الغناء في عمق غابات المطر
ثمة ما يمنع الشمس من دفئها
 يولج النبض  بالغيب....

آه من الغيب...آه