بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الأربعاء، 4 مايو 2016

المجد للفأس! لمحات من تاريخ العبودية في بلاد ما بين النهرين- عادل كامل




المجد للفأس!

لمحات من تاريخ العبودية  في بلاد ما بين النهرين


الفأس المزدوج/ نهاية الألف الخامس ق.م


عادل كامل
 * المجد للفأس: مفارقات من العمل إلى نقيضه
     رغم إن (جلجامش) وهو الملك الخامس في سلالة أوروك الأولى السومرية، والذي دام حكمه (126) عاما ً، بدء ً بعام 2675 ق.م، كان قد  حصل على وردة الخلود، بعد رحلة شاقة، إلا انه لم يتمتع بها، بعد أن تركها تختطفها الأفعى، وهو يستحم عند نبع الماء، لكن ليس عبثا ً أن حكمة النص المدوّن، في نصها السومري،  مرورا ً بأكد وبابل، وصولا ً إلى حضارة أشور، كانت قد منحت (العمل) الصالح، المفتاح الذي يدور في قفل  الخلود، وفي قفل الحياة الفانية أيضا ً.(1) فالصراع بين الزائل والدائم، قديم قدم الأعلى والأسفل، وقدم: الظلام والنور. انه جزء من إشكالية عمل عليها الفكر الأسطوري العراقي، واعتنى بتدوينها، وأغناها بالشواهد، والحكمة، لتجد ديمومتها، فوق الأرض، مع خلق الإنسان. فعندما تكون الأسئلة قد بلغت ذروتها، فلا مناص من العثور على: نفيها ـ وتجديدها، مادامت الإجابات تتضمن عجزها، من ناحية، ومادام الزمن وحده لا يرتد إلى الوراء، من ناحية ثانية. (2)
     فالإنسان، في حضارة وادي الرافدين، لم يخلق لذاته. انه لم يخلق كي يتمتع بالحرية، أو يكون حرا ً.  فقد كان خلق الإنسان واحدا ً من المواضيع التي تناولتها الأساطير السومرية والبابلية على حد سواء، فضلا ً عن دخولها في بناء المعتقدات لدى الشعوب الأخرى. (3)
    ففي الأصل السومري، تبدأ الأسطورة بخطاب موجه إلى الآلهة الخالقة "مامي" جاء فيه:
[ أنت الرحم الأول الأزلي. أنت خالقة البشرية، فاخلقي "للو" (الإنسان) ليحمل النير. ففتحت "ننتو" فاها وخاطبت الآلهة العظام قائلة: " إلى يرجع صنع كل شيء لائق متقن. فليكن الإنسان. ليكن من الطين، ولتدب الحياة بالدم".  فخاطب الإله "أيا" الآلهة العظام. ليضح احد الآلهة ولتمزج الآلهة "ننخرساك" الطين بدمه، فيمتزج الآلهة بالإنسان". (4)
   في قصة أخرى، يقول د. فاضل عبد الواحد علي: " إن الآلهة أصابها الجوع بعد أن تكاثرت وزاد عددها وان الآلهة نمو" الأم التي ولدت كل الآلهة" جاءت إلى ابنها انكي اله المياه وطلبت منه أن يخلق "عبدا ً للآلهة ينتج لها طعامها". وكان جواب انكي أن الأمر ممكن وان عليها أن تأخذ شيئا ً من الطين "الذي وسط مياه العمق" وتخلق منه الإنسان. "(5)
   وفي أسطورة سومرية أخرى نقرا إن الآلهة بقيت بحاجة إلى المزيد من اللبن والخبز حتى بعد أن تم خلق لخار (اله الماشية) واشنان (آلهة الحنطة) وإنها لذلك خلقت الإنسان ليعنى بزرائب الماشية ولتتمكن هي من التنعم بمزيد من الأكل والشراب.(6)
    وفي قصة الخليقة البابلية، إن خلق الكون بموجب معتقدات سكان بلاد وادي الرافدين لم يتحقق بهدوء وسلام وإنما جاء بعد حرب صعبة وطاحنة خاضتها قوة تمثل الآلهة الفتية ضد قوة أخرى حاقدة تمثل الآلهة القديمة ولذلك فالحرب حسب معتقداتهم كانت معروفة قبل أن يخلق الكون والإنسان، وقبل أن تخلق أدوات العمل، وإنها قديمة قدم الآلهة نفسها. (7)
    وفي رواية أخرى للأسطورة من العصر الآشوري الحديث (القرن السابع ق.م)، ذكرت كيفية خلق الآلهة "مامي" للإنسان بأنها جمعت أربع عشرة قطعة من الطين، وضعت سبعا ً منها إلى اليمين وسبعا ً إلى اليسار  وفصلت ما بين المجموعتين باجر "اللبن" فخلق من مجموعة الذكور ومن المجموعة الثانية الإناث وصاروا بشرا ً تدب فيهم الحياة.(8)
   ولهذا عندما لم يقم الإنسان بأداء واجبه، كما خططت له الآلهة، وهو يكد ويشقى، ويرسل حاصل عمله إلى المعابد، وراح يملأ الأرض بالضجيج، والصخب، ـ مع انه من صنعها، وهي التي أوكلت له واجباته ـ عملت على اجتثاثه، وكأنها ـ بهذا القرار الإلهي ـ أعلنت عن فشلها، هي، وليس عن فشل الإنسان، وقصوره في تنفيذ أوامرها العليا. فتتكرر أشكال الإبادة، والمعاقبة، بشتى الوسائل، ومنها الطوفان، والعواصف، والأوبئة ...الخ، لكن أوامر الآلهة بالإبادة، لم تفلح بالقضاء على الإنسان، فطالما كان يجد عونا ً، وينجو، ويعيد أعمار الأرض.
    فقد أمر "انليل" بإبادة البشر، وذلك بان أرسل إليهم مختلف الآفات: الوباء أولا ً، ثم الجفاف مع المجاعة، بغية القضاء عليهم وإعادة النظر في سير الأمور. ولكن الإله "أيا" يعرف كيف يتدبر الأمور، ويتدخل كل مرة سرا ً. وأخيرا ً إذا كان انليل دوما ً منزعجا ً من البشر، قرر إبادتهم دون قيد ولا شرط، وذلك بأرهب كارثة: بفيضان الطوفان الذي لا يقهر. إلا أن "أيا"، الذي اضطر هذه المرة إلى أداء القسم مع الآلهة الآخرين بالا يحدث أحدا ً عن هذا المشروع المشؤوم، تدبر الأمر لكي يعرفه في الحلم، (وهذا لا يعني الكلام) لمحميّه "الحكيم الخارق"، وحينما سأله هذا عن وسائل النجاة من الموت، اضطر أيا إلى أن يشرح له مشروعه في بناء " الفلك" الشهير. مع قرار صارم : " بان تمنع في المستقبل ازديادا ً مفرطا ً في السكان. فلم يكتف بان يدخل بين انتقاصا ً في الولادات بالعقم المرضي أو الإرادي لدى يغض النساء وبوفيات الأولاد لدى أخريات، بل قصّر أيضا ً الحياة البشرية: فالناس الذين نعرف عنهم من روايات أسطورية أخرى إن حياتهم كانت أطول بكثير، سيموتون من الآن دون بلوغهم المائة من العمر. وهكذا حددت طبية البشر في تكوينها ومصيرها ومنحت انجازها الأخير، وبوسع الأزمنة التاريخية أن تبدأ الآن. (9)  
    وذلك لأن الإنسان لم يخلق للبحث في الغاز الوجود، أو أسراره، فهو لم يخلق ليتمتع بالبقاء، ولا ليتمتع بالمسرة، أو للبحث عن وسائل يطور فيها حياته، ومصيره، خلال زمن وجوده الوجيز، المحكوم بالموت، مهما عمل، وكد، وحاول العبور من وجوده الفاني، نحو وجود الآلهة الخالد.
   فلم تكن الكلمة ـ حتى بعد أن اكتسبت معناها الرمزي ـ سببا ً لتبرير وجوده، أو إجراء تعديل عليه. فالآلة لم تكن بانتظار استفزازها بالصخب والضجيج، ولا بأعمال الشغب والعنف، بل لأن وجوده، في الأصل: أن يعمل بفم صامت، كعبد، ولد من التراب، والى التراب يعود.
    وقبل أن تفرض سلطة المعبد، نظامها (التراتبي)، وقبل أن يتم الاستحواذ على سلطة الآلهة الأم، بوصفها المصنع الأول، وإسقاطها، كانت الآلهة قد أهدت الإنسان: الفأس، والمعول، وباقي أدوات العمل الزراعية، وكل ما سيدخل في استحداث الحياة المتحضرة، بوجود المدن الكبرى...، لكن سلطة (المعبد) ستحافظ على عملها بوصفها إرادة عليا،  في تنظيم الحياة اليومية، وإصدار التشريعات التي تكفل تقسيم البشر إلى: سادة ـ وعبيد.
    ولكن (العمل) قبل أن يوكل إلى البشر، كان خاصا ً بالآلهة، وحكرا ً عليها، إنما كان العمل (الإنتاج) خاصا ً بالآلهة من الصنف الثاني. ولعل الحفر في أصل الإشكالية، قد انتقل من العالم الذي لا موت فيه، إلى دار الفناء، من الآلهة إلى البشر الزائلين، المحكومين بالفناء، بعد أن تحدد وجودهم بدور محدد: العمل ـ والعبودية.
   فالأصل، يرجع إلى المجتمع السابق على التاريخ، الزمن، وعلى الأسباب والعلل، أي إلى المجتمع الإلهي الشبيهة بالمجتمع البشري ـ وهذه أقدم مفارقة للاغتراب تفسر كيف تم قلب المنطق؛ حيث الأدنى ستوكل إليه مهام القيام بإرساء التمويهات ـ هو الآخر، لم يكن (خالصا ً) أو تاما ً أو قائما ً في (ذاته)، بل كان مجتمعا ً قائما ً على: العمل ـ الحركة ـ والمتغيرات، والتقسيمات التراتبية أيضا ً. فكان مجتمع الآلهة ـ كالمجتمع البشري ـ قائما ً على الاختلاف ـ الصراع: فهناك ـ يقول الباحث جان بوتيرو ـ " الرؤساء المستهلكين المسمين "بانوناكو أو انوناكي" وهناك الآلهة من الدرجة الثانية المكلفين أو المتخصصين بالعمل ـ أي بالكد والشقاء حد الجور ـ وكانوا يحملون لقب (ايكيلي):
[ 1 ـ حينما كان الآلهة يقومون بدور الإنسان،
كانوا مسخرين ويشغلون
وكان شغلهم ثقيلا ً
وسخرتهم مرهقة، وجهدهم كبيرا ً ،
2 ـ لأن انوناكو كانوا يفرضون
على ايكيكي سخرة سبعة أضعاف ...] (10)
     لكن الآلهة من الفئة الثانية، بعد أن أرهقهم العمل المضني، بدأوا الإضراب، واحرقوا أدوات عملهم، وذهبوا يحتجون لدى المشرف على شغلهم، وهو (انليل)، فحدث أقدم اضطراب في مجتمع الآلهة: فبدون العمل، كانت الآلهة ستتعرض للمجاعة أيضا ً. فتمت الدعوة إلى الاجتماع العام برئاسة (انو) شخصيا ً. لكن (أيا) الإله الذكي والدقيق والمبتكر هو الذي حّل الأزمة، إذ ْ اقترح خلق بديل للآلهة ـ العاملين: على أن يكون موهوبا ً بكفاية لكي يشتغل مثلهم، ويؤدي عملهم، ومنظما ً (مبرمجا ً) بحيث لا يتسنى له أبدا ً أن يطالب، مثل الآلهة، وباسم الطبيعة ذاتها، بمصير يماثل ويحث على عدم الشغل، إذ ْ أن الأمر من شأنه أن يعرضّ العالم الإلهي للخطر المقلق ذاته، وهذا البديل هو: الإنسان.(11)


الآلهة ننخرساك

   هكذا سيتم خلق البشر، لأداء دور: الأجير/الخادم/ العبد. فهم سيكلفون بالكد، العمل المضني، كي يوفروا بشغلهم هذا الخيرات المادية الضرورية  للآلهة، فليس للحياة البشرية من معنى وسبب وجود وغاية إلا في خدمة الآلهة من ناحية، كما إن الفائض من كدهم، سيذهب إلى رؤسائهم، من البشر، من ناحية ثانية.
   والنصوص المكتشفة، الخاصة بالعمل، عند الآلهة أو عند البشر، تثبت إجابات تمتلك منطقها، ومبرراتها، فإرادة (السماء) تبقى خارج نطاق الجدل، أو الشك. فقد عثر في مدينة (نفر) على نص خاص بتاريخ التقنيات الزراعية، يجعل العمل سببا ً لوجود العامل، ومبررا ً لوجوده، وليس العكس، فالعمل لا يصنع العامل إلا بحدود التنفيذ، والطاعة (كأقدم نسق للبرمجة). وهنا تبدو العلاقة واضحة بين: أيهما يخترع الآخر، الفعل يصنع الاسم، أم الاسم هو الذي يأمر بالأفعال، في حدود بنية الأسطورة، ونظامها، لأنه لا توجد غايات إلا وقد اكتسبت وسائلها التنفيذ، والتنفيذ حسب. فالحرية قضية رمزية عليا لا علاقة لها بالنفع، مادامت البرمجة كلية، ولا تسمح للأجزاء إلا بالعمل بنظامها المبرمج، إن كان من صنع الآلهة، أو الطبيعة، أو من صنع رؤساء العمل. لتغدو العبودية: واجبة الوجود، أما الحرية، فإنها ليست إلا بدعة أو نشاطا ً محظورا ً على الفانين، فضلا ً عن استحالة فهمها بأدوات لا تمتلك سوى عجزها، مقارنة باللا محدود، أو المطلق، الذي تتمتع به الآلهة، حتى عندما كانت تسلك سلوك البشر الفانين. إن هذا النص الخاص بالزراعة، هو هدية الآلهة للبشر، فقد كان (الفأس)، في القصيدة التي تمجده، أقدم أداة تخص تطور الإنتاج الزراعي، بدخول المعادن.
    فالوثيقة الخاصة بالزراعة، تتضمن شرحا ً وافيا ً لعمليات الزراعة، وتقنياتها، دون إغفال أن يقوم المزارع، بالصلاة للآلهة عند خروج النبات من الأرض، كي تحمي غلته من الشرور والجرذان، إلى جانب إرشادات مكملة لتقنيات الري، والبذر، والعناية بالتربة...الخ.
    ولم تكن الزراعة وحدها معروفة في بلاد سومر، منذ 1700 ق.م، وهو تاريخ الوثيقة، بل هناك ما يشير إلى وجود البستنة، وإنتاج الخضر، والفواكه. مع تفاصيل تقنية تبين كيفية العناية بمثل هذه المنتوجات وتوصي باستعمال أشجار الظل لحماية هذه المحاصيل. (12)
    وفي نص آخر أكثر وضوحا ً، ومباشرة، تهدي الآلهة (الفأس) للإنسان، للعمل. فجاء في فاتحة القصيدة:
[الرب الذي يملك حقا ً، هو الذي اظهر للعيان
الرب الذي لا تبدل في أحكامه
(انليل) الذي يجلب البذور إلى الأرض لزراعتها
تولى برعاية فصل السماء عن الأرض
تولى برعاية فصل الأرض عن السماء
من اجل أن تنمو الكائنات التي خلقت
في (تماسك) السماء والأرض، (نفر) التي بلغت الـ ....
هو الذي جاء بالفأس إلى الوجود وخلق اليوم
هو الذي خلق العمل وقدر المصير
إن فاسه من الذهب ورأسها من حجر اللازورد
فأس بيته .... من الفضة والذهب
فاسه التي ..... هي من حجر اللازورد
والذي (سنه) هو ثور ذو قرن واحد يقف في أعلا جدار واسع
الرب الذي سمى الفأس وقدر مصيرها
وضع (الكندو)، التاج المقدس على رأسه
رأس الإنسان وضعه على التراب
قبل (انليل) (هو) (الإنسان؟) غطى رأسه
نظر إلى الناس ذوي الرؤوس السود بثقة
(الانوناكي)الذين جلسوا على مقربة منه
وضعها (الفأس؟) كهدية في أرضهم
ورتلوا الصلوات مع (انليل)....]
  لقد اعطو الفأس إلى ذوي الرؤوس السود ليمسكوا بها وبعد أن يخلق (انليل) الفأس ويقدر مصيرها، تنتهي القصيدة بمقطع طويل يتضمن فوائد الفأس، وجاء في السطور الأخيرة من هذا المقطع ما يلي:
[الفأس والسلة تبني المدن
الدار الثابتة الأركان بنتها الفأس، الدار الثابتة الأركان أنشأتها
الفأس
الدار الثابتة الأركان هي التي سببت الازدهار
الدار التي ثارت ضد الملك
الدار التي لا تستسلم لملكها
الفأس يجعلها تستسلم للملك
للرديء .... النباتات تحطم الرأس
تجتث الجذور تسقط على التاج
الفأس تطعن الـ ... النباتات
الفأس قرر مصيرها الأب (انليل)
المجد للفأس!] (13)
    ولعل أكثر النصوص إضاءة للمسافة بين الطرفين (الآلة والبشر، أو بين رؤساء العمل والأجراء) دوّنت في الحوار الذي جرى بين السيد والعبد، بما يتضمنه من اختلاف، أدى إلى اتساع المسافة بينهما، أي إلى وجود (طبقة) لا عمل لديها سوى إصدار الأوامر، وأخرى مهمتها تنفيذها، وطاعتها.
     لكن مدوّن هذا النص ـ كما في معظم النصوص ذات البعد الفلسفي ـ أعطى  مهمة الحوار نسقه في فضح المخفيات، والدوافع غير المباشرة الكامنة فيه، أو عدم التستر عليها بما لا يمكن الإفصاح عنه إلا عبر الرموز ـ والمشفرات.
    فالعبد سيجد إجابة مقنعة، بل ومنطقية، على كل سؤال من أسئلة سيده ـ العاطل عن العمل عدا انه انشغاله بالأسئلة ـ  وهي إجابات تتضمن ديالكتيك الوجود البشري القائم على المتناقضات، لديمومة (الظلم) من ناحية، وكمحاولة لمقاومته، ودحضه، من ناحية ثانية.  فإذا كان (الظلم) هو الذي جعل العلاقة  تبدو أبدية، في سلب (العبد) كل إرادة للتحرر، فان (الأمل بالعدالة) عند العبد، ستعمل على تفكيك البنية التي أنتجت تاريخ العبودية.
  فعندما يجد العبد الإجابات على كل سؤال، من أسئلة سيده، يتحايل، ويلهو، السيد، بقلب السؤال، فيرد العبد بإجابات مماثلة، تخرجه من المأزق، فعلى سبيل المثال، نقرأ:
[  "أيها العبد، تعال إلى هنا وامتثل أوامري!"
ـ نعم، يا سيدي، نعم!
ـ انطلق سريعا ً واطلب وهيئ لي مركبة لأذهب إلى البلاط!
ـ "اذهب إليه، يا سيدي، اذهب إليه " سيكون  لك "نفع" فيه،
إذ يراك الملك، سيغمرك بالمكارم!
"إذن، كلا أيها العبد" لن اذهب إلى البلاطّ
ـ " لا تذهب إليه" يا سيدي، لا تذهب!
"إذ يراك الملك" قد يرسلك إلى حيث لن تريد الذهاب".
وقد يرسلك "في طريق" لا تعرفها!
"ونهارا ً" وليلا ً سيذيقك الأمرين!]
...... ومثال آخر:
[ سأقوم بثورة!
ـ افعل هكذا يا سيدي، افعل!
ومن سيعطيك أن تملأ بطنك؟
ـ إذن، كلا أيها العبد، لن أقوم بثورة!
ـ لا تقم بها يا سيدي، لا تقم بها!
فالرجل الذي يقوم بثورة، أما أن يُقتل أو أن يسلخ جلده،
أو تقتلع عيناه، أو أن يقبض عليه ويودع السجن!"]
وفي مثال آخر:
[ "أيها العبد، تعال إلى هنا وامتثل أوامري!
ـ نعم، يا سيدي، نعم!
 ـ أريد أن أحب امرأة!
ـ أحبب، يا سيدي، أحبب!
فالرجل الذي يحب امرأة ينسى القلق والهم!
ـ إذن، كلا أيها العبد، لن أحب امرأة!
ـ لا تحب، يا سيدي، لا تحب!
فالمرأة بئر، اجل بئر، جب، حفرة،
المرأة خنجر مسنون يحز رقبة الرجل!](14)
يعلق الباحث (رينيه لابات) على هذا النص، بقوله: " ما الدرس الذي نستقيه من هذه التعليلات الدائمة، التي تمس تقريبا ً جميع أصعدة الحياة الشخصية أو العائلية أو العامة؟ النتيجة التي تعطيها القصيدة ـ لا اقل من الانتحار ـ هي غامضة،  أما المفسرون العصريون فما يزالون يتناقشون حولها.  هناك من يفكر في أن هذا المثل يهدف إلى أن يبرهن على أن في كل الأمور أسبابا ً تدعو العمل مثلما تدعو إلى الامتناع عن العمل، وان الحياة، في نهاية الأمر، هي دون معنى، وان الحكمة الحقيقية هي اللجوء إلى اليقين الوحيد، وهو الموت. وهناك غيرهم يرون أن هذه الحكاية ليست البتة كتاب فرض للتشاؤم واليأس. بل  تظهر لهم بالأحرى مثل نوع من الهجاء الاجتماعي البهيج. فالسيد غني بطال، ذو إرادة متأرجحة لا يبحث إلا عن قتل الوقت. فهو بغير عزيمة ومتقلب، ويستسلم إلى خادمه لتسوية كل من نواياه ولدفعه إلى العمل بهذا الاتجاه أو ذاك. وهناك بعض من أجوبة للعبد، وقحة تجاه سيده، ومشاغبة تجاه السلطة، تعطي نبرة الكوميديا أو الهجاء. في الحقيقة، لا احد ينكر أن يكون في هذا الحوار شيء من التهكم والهجاء. ولكن الأكيد أيضا ً هو انه يؤدي غالبا ً نبرة أثقل وأكثر رصانة. ولا تناقض في هذا المظهر المزدوج، إذا قبلنا أن المؤلف يتساءل حول معنى الوجود البشري ..."  (15)
     لكن القصيدة ـ وفي سياقها الداخلي/ المشفر/ الرمزي ـ ستبلغ ذروتها غير المتوقعة، على النحو التالي:
[ "أيها العبد، تعال إلى هنا وامتثل أوامري!
ـ نعم، سيدي، نعم!
ـ فما الخير إذن؟
أن أحطم رقبتي ورقبتك؟
أن ارمي بنفسي في النهر؟ هل هذا هو الخير؟
ـ من له القوة الكافية للبلوغ إلى السماء؟
من هو من السعة بحيث يضم الأرض كلها؟
ـ إذن، كلا، أيها العبدّ سأقتلك وأجعلك تمضي قبلي!
ـ نعم، ولكن سيدي لن يحيا من بعدي ثلاثة أيام!"(16)
    فلا يستطيع السيد، في النهاية، أن يقتل عبده،  ليس لأنه سيموت، بعده، بثلاثة أيام، بل لاستحالة وضع نهاية غير قابلة للدحض. فالعلاقة، كي تدوم، فان نهايتها ستبقى مفتوحة، من غير خاتمة، أو قفل.
    وفي نص أكثر صلة بالعدالة، ليس بما يخص وجود الإنسان، بل بما يخص الآلهة ذاتها، هو الآخر يستمد ديناميته من الصراع، لكن بين الآلهة والبشر... ففي نص (البار المتألم) أو أيوب السومري/البابلي، يجري الحوار بين متفائل ونقيضه، فالمتشائم يعترف بأنه أدى أوامر الإله، كاملة، ولكنه، في النهاية، يراها مغايرة، حيث لا ديمومة إلا للظلم ـ حد الجور:
[ طردوا من حقولي صيحات الحصادين الفرحة،
 ومثل حقل عدو، ردّوا حقلي إلى الصمت!
.....
فليس النهار سوى حسرات، والليل أنات،
الشهر كله تشكيات، والسنة حزن!
جميع أيام حياتي، أنوح مثل حمامة، (عوض) الغناء، اصرخ بصوت نحيب، عيناي دوما ً (تبكيان) دون انقطاع،
....
(وقسماتي يملأؤها الخوف والهلع)!
......
لقد اعترى الشلل جسمي كله،
وانتابت الهزة جميع مفاصلي،
واستحوذ العسم على ذراعي، وحلت النتانة بركبتي،
ونسيت رجلاي إنهما تستطيعان السير،
أصابتني نوبة وإذا بي اختنق.
الموت (ثمة) وقد غطى وجهي!
.........
لم يأت الله إلى عوني، ولم يأخذ بيدي،
آلهتي لم تشفق علي ّ ولم تسر بقربي!
كان قبري مفتوحا ً، وزينتي (الأخيرة) قد أعدت.
حتى قبل موتي، قد انتهى نحيبي الجنائزي.
بلدي كله قال عني: "انه عومل بغير عدالة."] (17)


 ختم اسطواني يمثل ذبح تيامة
  فيتساءل د. فاضل عبد الواحد: " هنا أثار بعض الناس من السومريين والبابليين سؤالا ً كان لابد منه: إن الآلهة هي التي خلقت هذا الكون، فكيف أمكن إذا ً أن تحدث مثل هذه الأمور ويسود الشر على الخير في حياة بعض الأتقياء من الناس؟" يقول موضحا ً:
    " وكان جواب الكهنوت على هذا السؤال وأمثاله إن الآلهة نفسها لم تخل من صفات شريرة عندما اتبعت طريق العنف والبطش والخداع في خلال المراحل الأولى للخليقة. ولذلك فقد تصوروا إن هذا الكون تسيره منذ البدء نواميس إلهية (سموها بالسومرية ME ) وهي لا تتمثل بعناصر الخير (كالصدق والعدل والسلام) ولكن بعناصر الشر أيضا ً( كالزور والكذب والنفاق). وبتعبير آخر فان عنصر الشر موجود في الآلهة وبالضرورة في البشر أيضا ً إلى حد يقول عنه المثل السومري: لم تلد امرأة قط ابنا ً بريئا ً!" (18)
   لقد أنتج الفكر الأسطوري (الأدوات/ والقدرة على التكيف بحسب المهارات المكتسبة/الدماغ) مبررا ً لوجود الموجودات، وفي مقدمتها البشر. وفي الحقبة ذاتها ـ التي مازالت ممتدة بتمويهات اشد تعقيدا ً ـ كانت النخب تبحث عن إجابات تتعلق بالإجابة على السؤال التقليدي: ما الغاية من وجود الآلهة؟ لكن السؤال لا يمكن عزله عن: كيف؟ فإذا كانت بذرة الخلق ـ بنبضها الملغز ـ لم تبح بإجابة أخيرة، إلا بحدود العوامل التي ساعدت على وجود هذه (البذرة)، فان الغاية من وجود: الخلية، يعيد الحفر في أسئلة بلا إجابات. ربما كان اختراع (الفردوس) أو (جنة عدن) إجابة تجعل النفع (وتراكم الثروات/ الكنوز/ الربح) أكثر أهمية من (الحرية) ومن الأبعاد الرمزية، وابعد من: الاستهلاك/ الاندثار، لأنها تجعل الولادة من غير الم غاية تستبعد البحث عن النهايات، وتلغي كل ما يعرقل السياق، وكأن الوجود وجد بمعزل عن موجوداته، أو إن الموجودات وجدت بحدود وجودها، فالأسئلة كامنة في إجاباتها، مثلما الإجابات وجدت في أسئلتها، بوصفها حلقة متكاملة، ومحكومة بما ـ هو ـ خارج نطاق الإدراك/ الوعي المحدود للبشر.


جلجامش يصارع ثور السماء


    فهل الآلهة ـ هي ـ من صنع النخب التي تمركزت لديها: القوة/ الخبرة/ ومهارات التمويه، والخداع، من اجل ديمومة كل ما هو محكوم بالزوال، واستثمارها في تعزيز صراعها كي تحافظ على (العنف)، بوصفه نتيجة كوجود  الأشرار من غير وجود الشر...، لديمومة عمل (المصنع) وهو يستبدل الآلهة الأم ـ بحقب يتم فيها العبور نحو عالم آخر لا علاقة له بالأساطير، والخرافات، ولكنه أكثر إدراكا ً انه إزاء (الموت) الذي واجه النخب القديمة، إن كانت هي الآلهة في تراتبيتها، أو كان هو الإنسان في صراعه من اجل ديمومة كل ما كان يراه قيد المحو، والاندثار؟  حيث يستحدث الفكر ـ في كل حقبة تراكمت فيها الثروات والقوة والتصورات أو المثل ـ الفردوس المفقود، ويعيد إنشاءه (إنتاجه) على نحو مقنع، لعامة البشر، مستبعدا ً حتمية  الفناء بوجود مضاد للقوانين كافة، عدا القانون الذي هو قيد البحث؟
    إن عقولا ً ممتازة، منذ فلاسفة العصور التاريخية الأولى، في وادي الرافدين، والنيل،  مرورا ً بالحضارات التي نشأت في الصين، وفي الهند، واليونان، وصولا ً إلى عصر النهضة الأوربية، قبل خمسة قرون، لم تتورط بأكثر من الاعتراف بان (الآلهة) أو (الإله الواحد) ما هي إلا القوة التي لا سبيل لمعرفتها، إلا بحدود الأدوات المتاحة  للمعرفة. ومادامت اللغة، منذ وجدت، وسيلة لغاية، ومادامت الغاية ـ بحد ذاتها ـ متخصصة بإنتاج تمويهات نافعة ـ ورمزية معا ً، فان الخيال سيكف عن عمله إزاء اللا متناهيات، كي يكون (الرابط) أو (الوسيط) الحتمي للموجودات أكثر اقترانا ً بـ: العمل. فالأخير، لدى الآلهة، كما لدى البشر، لم يصبح غاية ( في ذاته)، بل مكث وسيلة تحدد بأهداف تفرضها النسبية، لكن الإشكالية، كما في قراءة التاريخ، ليست في العمل، بل تنظيم الإنتاج، وتوزيعه.  فإذا كانت العدالة (الإلهية/ أو البشرية) ضمن غاياتها، استبعاد الظلم، فان تعريف (الظلم)، هو الآخر، وجوده كوجود: الشر في إنتاج الأشرار، أو كوجود الأوبئة في الفتك، وكوجود الكوارث في التدمير والإبادة. فالمبررات تتهاوى إزاء خاتمة وضعت قبل أن تكون لها مقدمات. على إن آليات  البذرة ، نموذجا ً لأرقى  العقول المستحدثة/ المتطورة من البسيط إلى المعقد، والى الأكثر تعقيدا ً ـ  لن تدمر ذاتها بذاتها كلية، وهو مثال يرجعنا إلى فشل الآلهة في القضاء على البشر، بسبب لغطهم وصخبهم، مثلما تنتهي اشد الحروب لا أخلاقية إلى المصالحة، والعمل معا ً لتلافي أسباب الدمار الكلي، مما يجعل البحث متجددا ً، لكن ليس في السؤال عن: الغايات...، بل في: منح الأدوات المستحدثة قدرة حماية الحياة وهي تبرهن إنها لم تفصح أكثر من حالات لم تعالج إلا بأدوات محدودة، لا تتوازن مع أسباب الخلق، وغاياته. فالكون اليوم ـ قياسا ً بعقد سابق ـ غدا مجالا ً لم يكتشف منه، إلا بحدود ما تم إنتاجه من اختراعات تتنافى مع الخيال الذي صاغ العالم فردوسا ً يليق بالجميع، وليس بزمر وجدت كي توهم الجميع ـ وتوهم نفسها أيضا ً ـ بالخلاص.
     لكن ما ـ هو ـ  هذا الاختراع الذي لم يتم اختراعه بعد....، هل هو الاقتراب من تخوم ـ وسواحل ـ الغايات التي كونت بذرة الخلق...، وكونت خيالنا، كي تتضاعف قدراتها على خلق صراعات (رقمية)، خالية من المشاعر، والحساسية، أساسها (الربح) و (التقدم) على حساب ديمومة كل ما هو بصدد مقاومة الغياب، أو في الأقل: الانحطاط، والعنف حد الإبادات. ثم ما الفائدة ـ بعيدا ً عن الحرية ومثلها العليا ورموزها، ومشفراتها ـ بعد مرورها فوق أشلاء أزمنة لم تترك إلا ذرات ومجالات لا مرئية لها، وهي لم تربح إلا ما كانت ـ هي ـ تعمل على تدميره؟
     ثمة كلمة تصح أن تشكل مقدمة لرمزية عمل ـ الفأس ـ  وليس للعمل المادي، وكد مليارات (العمال) وهم لا يحصلون إلا على ما تحصل عليه أوراق الأشجار من بقايا رذاذ، في عالم يزداد تحديقا ً في المجهول ـ حيث قال أرسطو:
    [ الثروة ـ كما هو واضح ـ ليست الخير الذي ننشده: ذلك لأنها مجرد أداة نافعة للحصول على شيء آخر"] (19)
   فما الفائدة ـ الأبعد من كل نفع ـ للفأس التي صاغت عصرا ً ملحقا ً بتنظيم العمل، وتقسيماته، كي لا ينتج إلا جنسا ً من المستلبين، الأشباح، لم يخطر ببالهم التفكير بأي من معاني الوجود، يكدون وهم يدركون إنهم لا يبيعون، ولا يتنازلون، عن خلاصة جهدهم، المادي والروحي فحسب، بل أنفسهم، وفي معادلة بلغت فيها العدالة ذروتها: إن التفكير في الحياة ـ في عالم ثلث سكانه يرزح تحت خط الفقر ـ غدا حلما ً شبيها ً باستحالة وجود الفردوس، إلا لدى الذين يمتلكون قدرات تمويهية على اختراع العدالة التي لا وجود لها، حتى في الأحلام، ولكن لديهم قدرات على اختراع عالم جذاب، مشوق، ومثير للدهشة، وغير متخصص إلا  بصناعة الموت ـ والجثث. (20)
    فإذا كانت اصلب المعادن، كما قال ماركس ذات مرة (21)، لا تمتلك إلا أن نخع للقانون ذاته: استحالة تماسكها، ثباتها، فهل باستطاعة أية حقيقية (وهمية/ متصوّرة/ افتراضية ...الخ) أن تصمد أكثر من زمن عبورها من السابق للماضي نحو اللا مستقبل ـ المفتوح، أي من المجهول التام إلى القادم غير المتوقع التام، بعيدا ً عن مبدأ أن المتحرك وحده هو القانون الثابت...؟ (22)
    وإذا كانت النسبية قد شكلت روح عصر مغاير للأزمنة (الأبدية غير القابلة للنقض أو للشك أو للتأويل)، فان إنتاج السلع، في عالم تحكمه قوانين: الإنتاج ـ الاندثار، يجعل الماضي برمته مقبرة جرداء!
    لنتذكر ما قاله دستويفسكي: إذا كان الله غير موجود فكل شيء مباح. فهل حقا ً ستحل العشوائية  محل ما أرسته أزمنة الأعراف، والأبديات، منذ الاقتصاد (الحر/ البري/ البدائي) نحو الزراعي، ومن الصناعي إلى  عصر ما بعد: العولمة، وتدريب مليارات السكان على الكد ـ من اجل الآلهة ـ الذي صاغ النظام الهرمي ـ من القمة إلى القاعدة ـ وكأن محاولات هدمه، وتقويضه، لم تعمل إلا على منحه صلاحيات ابعد، وأكثر شراسة، وقسوة غير مقننة إلا بالمزيد منها؟
     فمن منظور عصر مازال يرزح تحت صدمات المستقبل، والرضوخ لها، (وهو يذكرنا باليات عمل قوانين التكيف والأفضلية للأكثر قدرة على البقاء كما بينت دراسات دارون ذلك بحياد عبر المراقبة، والإحصاء) وقبولها كقدر حتمي متوازن مع آليات السوق ـ والحياة ما بعد الحداثة وفي عصر العولمة ـ مع اعتراضات تزيد ثالوث (القوة/ الثروات أو المتراكمات/ التمويهات أو التصورات)، متانة، وصلاحية للديمومة، فان الحياة اليومية، لم تعد منشغلة كثيرا ً بالسؤال ما إذا كانت الآلهة هي التي خلقت (البشر)، أم أن الوعي البشري، بحدوده التاريخية، وبعد أن شكل عصر (الأم) الإنتاج البكر له، ودحضه ببزوغ عصر المركز ألذكوري، هو الذي راح ينتج تصوراته، أيديولوجياته، وجناته الافتراضية؟
    فالآلهة، لدى الشعوب كافة، لم تفرض سطوتها إلا عبر جدلية التطبيقات العملية، تارة بالمنهج المثالي، المتعالي، الملغز، وتارة بالمنهج المادي الدوجماتي، وبالوعي المجرد، أو الذي صار منظومة تتحكم فيها عواملها التكوينية، وأسبابها. فـ (الغاية) التي قلبت المعادلة: من الزوال إلى الخلود...، مازالت تستحوذ على اللا وعي الجمعي، لدى الشعوب الأكثر تطورا ً (تقنية ودخولها في العصر ما بعد الصناعي)، أو لدى الشعوب التي مازالت تعيش على موارد: الطبيعة (المياه والتراب والهواء)، أو ما يتم استخراجه من الأرض، وكأنه شبيه المطر وقد صار يهبط من الأسفل، ومن الأعماق السحيقة.
    لأن الآلهة التي قدمت الفأس هدية مبكرة للتحول من عصر (البرية) إلى عصر (الزراعة)، مع اكتشاف المعادن، واستحداث قدرات لاستخراج المزيد من المخبآت، هو ذاته، باستطاعته أن يستبدل التصورات السابقة، بأخرى متجددة، لكن بالمحافظة على نسق لم يضف إلا الكثير من اللامبالاة تجاه أي مفهوم للعدالة. فيذكر د. إبراهيم الحيدري في مقال له بعنوان "عولمة الثقافة وثقافة التصنيع": " لقد تحول الإنتاج الثقافي والفني إلى آلية مستوعبة للمجتمع الصناعي وفكره التخديري الذي يتمثل بثقافة شعبية جماهيرية تشبع حاجات جماعية ولكنها تتحول إلى وسيلة هيمنة وتسلط وذلك بسبب تطور التكنولوجيا تطوراً لاعقلانياً وسيطرتها غير المباشرة على الناس." (23) مؤكدا ً ديمومة المسارات السابقة، ولكن باليات تلخص تاريخ العبودية، ومبرراتها، وتمويهاتها. كي يتحول العمل (بدا ً بالفأس هدية الآلهة، ووصولا ً إلى ما بعد العولمة والدخول في عالم يحدق في المجهول)، كمحرر للذات من القيود الطبيعية، ومن قيود الإنسان للإنسان، فضلا ً عن تغذية قدراته اللا محدودة التي تستمد نسقها من الآلهة (الأم) ـ بوصف الأم أقدم منظومة متكاملة لمفهوم المصنع، والعمل، ومقاومة الغياب) أو بمعنى ما لإرساء ثقافة مقاومة الموت، بإنتاج أدوات أكثر قدرة على التحدي، والديمومة، وكأنها  لا تنفذ إلا الأوامر غير القابلة للدحض. فلم تجر إلا تحولات في العلامات، بما يناسب اللا وعي الجمعي، للسكان.
    فعدم وجود (الآلهة)، أو عدم وجود الإله الواحد، لا يقلل ولا يضفي مجدا ً، لو كان لها وجود، لأن الديمومة ليست اكتشافا ً، أو اختراعا ً، بل تنفيذا ً لبرمجة أرست مبدأ (التقنية والإضافات والتعديل...الخ) كأقدم ستراتيجية نافذة ومتجاوزة لكل ما أنتجته الحقب، من الفأس إلى الحاسوب الذاتي العملاق، ومن الزمن القائم على الثوابت إلى عصر الصدمات ـ واللا متوقع. (24) لأن الأخير لا علاقة له باللامعقول، أو بالمصادفة، أو بالجور، إلا بما لا يتقاطع مع النسق ذاته: العمل من اجل....، وليس العمل الذي يحرر العامل من شقاء العمل، فالعمل ـ بحد ذاته ـ لم يصبح لذّة ـ خالصة أو لذّة في ذاتها التي تماثل الوجود في ذاته عند عمانوئيل كانت ـ شبيهة بفكرة اختراع الفردوس الأول، أو بجنة عدن، لدى السومريين، ومن حذا حذوهم.(25) لأن اللا عمل، في الأخير، مبني على معادلة ديمومة قانون الجور، وعلى نظام مركزية الوهم: الغاية، وقد راحت الثقافات الشعبية، الجمعية، لعصر ما بعد التصنيع، تجعلها شبيهة بأناشيد العمل، وبتراتيل المعابد،  تمجد عصر (العبودية/ القائم على تقسيم العمل/ ومنظومته التراتبية؛ من أعلى الهرم إلى قاعدته)، ومن غير اعتراض، أو تذمر، إلا بحدود إرساء قواعد الاختلاف، والمحافظة على تراكمات للمغتصب/ الرأسمالي، وللآخر الذي يكد ويشقى لذّة صامتة قائمة على الاستلاب.
   ولعل نسبة اللا دينيين (26) ـ بحسب الإحصاء ـ (1 إلى 7)، (27)آخذة بالاتساع، والزيادة، باقترانها بالتقدم المعرفي، والتقليل من دور الخرافات، وبقايا أزمنة الهيمنة، وما تركته من آثار جينية عنيدة، بين الثابت والثابت الآخر، البديل: أن لا يمشي المنتصر إلا في جنازته، حسب المثل الصيني، بعد كان ـ هو ـ المشرف على إنشاء مدن الموتى ـ ومدافنهم. فالثابت/ المتحرك سيولد من الرحم ذاته الذي منح الصراع شرعيته، وتطبيقاته، بأشكالها المتنوعة من العنف، والجور، حد المحو...، وهو الذي سمح للمغتصبين، منذ البدء، أن يشكلوا مراكز القوة/القيادة، مما يجعل قراءة قصيدة (المجد للفأس) تفصح عن لغزها: ليس هدم البناء الهرمي/التراتبي، فحسب، بل هدم: الفردوس. وقلب مفهوم: اللا ـ عمل، (وقد تجاوز عدد من هم تحت خط الفقر أكثر من ملياري إنسان، فضلا ً عن المعطلين عن العمل، وعن ممارسة التفكير، وشروط الحياة الأساسية) لمنح الاختراع/الاستحداث، نظاما ً بالتنقيب عن العناصر الكامنة، هذا النسق سيسهم بقراءة لا تأتي كرد فعل (إزاء البلدان التي راحت تستورد الماء، بعد القوت اليومي، رغم توفر عناصر الإنتاج والأيدي العاملة) فحسب، بل فعلا ً لا يتأسس على التمويه، والوهم، (وهم القوة والحروب المستحدثة القائمة على ديمومة سلطة المغتصب، بالتسليات، والرفاهيات الزائفة، وبالشفافية بديلا ً عن الوقائع والإحصاء ) بل على (العقول) التي لديها الكثير الذي لم يكتشف بعد، رغم إنها مازالت لم تعلن عن أجنحتها المخبأة، الكامنة، ورغم إنها مازالت تدب داخل الأقفاص التي حملت عناوين: مدن الحداثة ـ ومدن الخراب بفعل وهم: الحضارات، لأن هذه (العقول) هي التي ستعمل على منح ما بعد (الفأس) حقيقة مجده؛ مجد العمل المحرر للعمل كنير، ومعاقبة، في إنشاء (جنات) غير افتراضية، وخيالية، وضمن عالم بلغت فيه (العدالة) ذروتها في العشوائية، والدغوماتية، والتطبيقات الجائرة: إن التفكير بالحياة ـ في عالم ثلث سكانه يرزحون تحت خط الفاقة ـ غدا حلما ً شبيها ً باستحالة وجود الفردوس إلا في الحلم، وفي كوابيس من هم في عداد المحتضرين، والموتى، مما يجعل هذه العقول إزاء عدالة لا وجود لها، إلا عبر استحداث تقنيات، واختراع برامج، تعدل، المسار الطويل لتاريخ الصراع، منذ كان جرى بين الآلهة، وصولا ً إلى تحوله إلى احتفالات يومية، للخسائر، والمندثرات.
     فهل أدت (الفأس) ـ بوصفها حدا ً بين الأعلى والأسفل ـ دور: الجسر...، أم دور الطريق...، ليس لأن الجسر يعمل بحياد مضاد للسلبية، وليس لأن الطريق/الدرب يذهب ابعد من مسافته حسب، بل لأن الطريق لا يتكون إلا بدعامات تمنحه دينامية تحتوي (الغوايات/ الرموز/ والانتظار) كي يصبح ماضيه معادا ً، رغم الاندثارات والزوالات والمحو. فالفأس ـ إذا ً ـ هي أقدم اعتراف لسلطة الأعلى ـ الآلهة ـ المجهول، وفي الوقت نفسه، ستمارس سلطتها تاريخيا ً فوق الأرض. على أن (العمل) من اجل (العمل) لم يصبح غاية في ذاته، أو علما ً يؤسس شرعيته بالهدم ـ والعبور إلى .... ، فحسب، بل مكث يعبد الدرب باحتفالات متنوعة ومتعددة لم تتح للعامل ـ المنتج ـ المبتكر، والمستحدث ـ إلا أن يمتثل للبرمجة ذاتها التي رسمت مشهدا ً شاملا ً للكون من غير البشر، من ثم للكون القائم على غايات محددة، أي سلطة (الآلهة)، كي تبدأ الفأس تعمل لذاتها، بوصفها أداة مضادة للاستلاب، والخمول. وإلا كيف احتمل البشر تاريخهم الطويل، وهو يعيد تقسيم البشر إلى مراكز تستعير سلطة الآلهة، ودورها، وأخرى تعمل بحدود ما يستلب منها، كي تتجاوزها، بتحويل عبوديتها إلى حريات لا تماثل صناعة الفردوس، مكافأة لها، بل للحد  من الحتميات (البيولوجية/ الاجتماعية/ المعرفية) وإعادة ترتيبها بتقليص ـ وليس بإلغاء ـ الفجوة بين المجهول الكامن في ذاته، وبين البشر وهم يكدون للخروج من واقعهم المحكوم بالاستلاب. لأن عدد السكان الأقل وعيا ً بمصائرهم ما انفكت زيادته (الحتمية) و (القدرية) لا تقود إلا إلى بزوغ سلطات تستمد شرعيتها من البرمجة الجمعية للهيمنة على مسارات التراكم ـ والاندثار...، وإن هذا (النمل البشري) الذي طالما ملأ عقل دستويفسكي قلقا ً، بل فزعا ً، لا يمتلك إلا أن يحطم أدوات عبوديته: تدمير مؤسساته، أي تدمير مصيره هو نفسه، بحثا ً عن تاريخ لم يدوّن بعد...، فالمجد (للفأس) القديم لم يخف حمل روح (التمرد) بإنشاء توازنات تمارس سلطة (الغواية) ذاتها ـ سلطة العصيان، الإثم، والخطيئة ـ  إزاء سلطة راسخة حد إنها تماثل الطريق/ الدرب، لا يتقدم، ولن يتقدم، إلا بما غدا نصا ً شرعيا ً، نصا ً جمعيا ً، لاستكمال برنامجه في الاكتشاف ـ الذي تم استحداثه/ وابتكاره، عبر كرنفال للديمومة، لكن بألوان ما انفكت تحول التراب إلى ذهب..، وهي عمليا ً تحول الذهب إلى تراب، والى غبار، والى: أثير.
   على أن الدرب/الطريق، الذي لم يترك إلا آليات عمله ، تعمل، ـ وهو ينبني على ضحاياه ـ  لم يتشبث بمجد (الفأس/ العمل) بل سيدوّن ظل أو شبح (الميتافيزيقا):  مستحدثا ً اللغة ـ التي هي في الأصل احد مستحدثات العمل ـ للإعلاء من شأن السلطة التي لا يعلى عليها، إنما كي تستلب المصير الجمعي ليس للفائض من الكد والجهد والعمل فحسب، بل تستولي عليه برمته ـ بحسب النشأة الأولى للبرمجة ـ تاركا ً للغة دورها تستثمرها النخب، للإعلاء من دور المراكز ليس بانتظار أناشيد  الزائلين/الفانين، من فيالق النمل البشري، بل لصالح السلطة التي راحت (تمتلك) و (تدير) العمل المستحدث، بالاستيلاء على القوى المنتجة برمتها، ومنها: مصدر ديمومة الحياة/ الأم، والعمل الذي أسهم بمنح التحول خاصية الانتقال من الكم إلى العلامات/ النوع، ولاختراع المزيد من الأشكال المبتكرة. إنها معادلة لم يغفلها اللاوعي الذي اخترع الفردوس، لدى السومريين، قبل تدوينها في التوراة، بألفي عام، وما يتعرض له (العادل المعاقب)، من حكم راح يفكك علاقته ما بين الأعلى ـ والأسفل، وفق نتائجه الجائرة، فهو تاريخ عبودي مكث الوعي (المرهف/التلقائي/ الحر) يحفر في مخفياته، وعلله الكامنة، والغوص في محركاته غير المرئية، حيث وجد أن (الفأس) تؤدي دورها ليس في (الحرث/ الإنتاج الزراعي باكتشاف المعادن، وصهرها، والتحكم بتقنياتها حسب الحاجات)، أو في الأعمار، ودخول الفكر المعماري في صلب التحول من العصر البري إلى زمن المدن فحسب، بل في تهديد (السلطة) ذاتها التي منحته هذا المجد. فالمخفي داخل القصيدة سيترك ممرات ـ خارج الدرب ـ لإعادة شرعية القراءة: لديمومة اختراع كل ما كان ـ هو ـ سابق على الاكتشاف، وطي المجهول، ولكن لن يكون له معنى، إلا بحدود الوعي المتجدد، وعبر التمسك بكل ما يقوض أبدية غياب العدالة. إنما هل لسلطة السماء، أم لسلطة الأرض، يبقى انشغالا ً شبيها ً بإعادة قراءة دور المصادفات ـ وبدور اللا متوقع، بعيدا ً عن العالم الذي يتصالح فيه الذئب مع الحمل، وبعيدا ً عن الإنسان الذي  لا يصاب بالشيخوخة، والهرم، والموت، وبعيدا ً عن أي خلود يتقاطع مع ديالكتيك: "الكون/الطبيعة/الإنسان"، لصالح القوانين التي توازن بين الخسران ـ والربح، ولصالح السلطة التي لا تنتج فائضا ً يقوضها، بل للعمل وقد غدا هو ذاته يماثل سكان المدن الفاضلة، والجنات: لا يتمتعون بالخمول المطلق،  فحسب، بل بلذّات لم تخطر على بال احد، تكريما ً مشفرا ً لهدم (المصنع) ـ ابتداء بإزاحة الآلهة الأم ووصولا ً إلى تقيد عمل العامل وقد فقد مصيره، بل على خلاف (الميتافيزيقا) الكامنة في اللغة، كي تصبح التقنيات ذاتها ستراتيجية كل من أصبح (مدفنا ً)، وليس علامة لحياة يصنعها الفأس ـ الإنسان الشغيل، حيث الفأس تمتلك أن تصنع وعيا ً متجددا ً للمنتجين، وقد دفنت عميقا ً داخل تصوّرات كادت تمتلك سلطة (الآلهة)، لولا  أن لغزا ً (ما) مشفرا ً سيعمل على تقويض اللغة(الميتافيزيقية)، وتمويهاتها، وخداعها،  ذاتها، كي يمضي المسار (الأعمق من ماضيه)، نحو: المسار الأبعد من غده ـ أو مستقبله، من غير تعسف قائم على الحيل، واللعب، والخداع، أو من اجل ديمومة احتفالات لا تنتج إلا كل ما هو في طريقه إلى الزوال ـ والى المجهول.

 

* فصل من كتاب بعنوان [هل انتهى عصر الأم؟ ـ  من الاقتصاد البري إلى عصر صناعة الجثث]

المصادر
1 ـ إنها الخاتمة المنطقية، للرد على أسئلة تكمن إجابتها داخل أسئلة لم تسأل بعد. فجلجامش حصل على وردة الخلود، ولكنه ـ كما في سياق الأسطورة ـ لم يمسك إلا بظلها، وإلا لماذا أهملها، وراح يستحم بماء النبع، بعد رحلته الشاقة، وقد ترك الأفعى تسرقها...؟ فجلجامش الذي أصغى إلى سيدوري ـ صاحبة الحانة ـ تقول له:
[إلى أين تسعى يا جلجامش
إن الحياة التي تبغي لن تجد
حينما خلقت الآلهة العظام البشر
قدرت الموت على البشرية
واستأثرت هي بالحياة
أما أنت يا جلجامش فليكن كرشك مملوءا على الدوام
وكن فرحا ً مبتهجا ً مساء ً
وأقم الأفراح في كل يوم من أيامك
وارقص والعب مساء  نهار
واجعل ثيابك نظيفة زاهية
واغسل راسك واستحم في الماء
ودلل الصغير الذي يمسك بيدك
وافرح الزوجة التي بين أحضانك
وهذا هو نصيب البشرية]
لكن جلجامش لم يغو بكلماتها، لأنه كان يحدق في اللا مرئي ـ الذي ليس هو الخلود حسب ـ بل   هو  العثور على معادل بين الأسئلة المستحيلة، وما يوازيها من إجابات لا تمتلك الحقيقة كاملة، لكنها تخطو نحوها.  طه باقر [ ملحمة جلجامش] منشورات وزارة الإعلام ـ بغداد 1975 ص117 وما بعدها
2 ـ وهنا سترتبط التصورات بالأدوات، فمع كل اختراع ـ اكتشاف ـ لن تفقد ديمومة الحياة ذهابها ابعد من المتوقع. فالآلهة (إنانا) ـ رمز الحرب/السلام، ورمز: الموت/الحب، تعني بالسومرية: الحياة. ولأن تعريف الحياة وحده يتجدد، فان الثابت فيها، يتقاطع مع الأبدي ـ والخالد.
3 ـ وهنا تبدو (الحرية) أقدم قناع استخدم للتمويه، ليس لصالح الآلهة، بل لمن أسس معماره، لصالحه، عبر تصادمات المراكز، وانتصار من يمسك بالثالوث(القوة/الثروات/التمويهات) وهو ذاته سيقاوم كل من عمل على دحضه، ولكن هل إلى الأبد؟ يقول توفلر: " إن الشركات والمجتمع بكامله، سيجابهان عما قريب أسئلة جديدة ومخيفة، حول المعرفة الحسنة والمعرفة السيئة، التي يكمن وراءها القول، بان المعرفة هي القدرة، ولن تكون المشكلة أبدا ً هنا في هذه الحقيقة البيكونية التي ترى إن المعرفة قوة، بل في هذه الحقيقة العليا التي تتمثل في الاقتصاد الفائق الرمزية والتي ترى إن المعرفة "عن" المعرفة هي صاحبة الارجحية" ألفين توفلر [تحول السلطة ـ المعرفة والثروة والعنف في بداية القرن الواحد والعشرين] منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1991 ص254
4 ـ طه باقر [مقدمة في أدب العراق القديم] جامعة بغداد ـ 1976 ص 85
5 ـ د. فاضل عبد الواحد علي [ من ألواح سومر إلى التوراة] دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ1989 ص247
6 ـ المصدر نفسه ـ ص248
7 ـ المصدر نفسه ـ ص305
8 ـ طه باقر، مقدمة في أدب العراق القديم، مصدر سابق ص85
9 ـ جان بوتيرو [بلاد الرافدين ـ الكتابة ـ العقل ـ الآلهة] ترجمة: الأب ألبير أبونا. دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ 1990ص 271
10 ـ [بلاد الرافدين ـ الكتابة ـ العقل ـ الآلهة] مصدر سابق ص 270
11 ـ لكن الغريب إن المخلوقات الستة التي قرر انكي مصيرها لم تتضح عدا الاثنين الأخيرين منهم وهما (المرأة العاقر) و (الرجل ألخصي)، وقد وبخت (ننماخ) (انكي) لخلقه هذا المخلوق المريض الفاقد الوعي. كريمر [الأساطير السومرية] جمعية المترجمين العراقيين ـ بغداد 1971 ص 115 وما بعدها. ويمكن تذكر كلمات "فرويد" وهو يتحدث بحزن عن كون الإنسان لم يخلق كي يبني حضارة، أو يصلح لإنشائها..
12 ـ س.ن. كريمر [هنا بدأ التاريخ ـ حول الأصالة في حضارة وادي الرافدين] ترجمة: ناجية ألمراني. وزارة الثقافة والإعلام ـ الموسوعة الصغيرة العدد 77، فصل "أول تقويم زراعي في العالم" ص56 وما بعدها.
13 ـ كريمر [الأساطير السومرية] مصدر سابق، ص80 وما بعدها
14 ـ رينيه لا بات [المعتقدات الدينية في بلاد وادي الرافدين] تعريب: الأب ألبير أبونا. جامعة بغداد ـ 1988 ص416
15 ـ المصدر نفسه، ص413
16 ـ المصدر نفسه، ص417
17 ـ المصدر نفسه، ص402
18 ـ [من ألواح سومر إلى التوراة] مصدر سابق، ص375
19 ـ امارتيا صن [التنمية حرية] ترجمة: شوقي جلال. عالم المعرفة ـ الكويت ـ 2004 ص25
20 ـ  يلفت جورج كونتينو النظر، في كتابه [الحياة اليومية في بلاد بابل وأشور] إلى وجود جمعيات للعبادة السرية، فيتساءل: " هل كانت جمعيات العبادة السرية موجودة في بابل وأشور كما كانت موجودة في أماكن أخرى بصفة عامة كاليونان مثلا ً؟ لقد احكم كتمان السر ومع ذلك فان هناك أساسا ً للتفكير والقول بان مثل هذه الجمعيات كانت موجودة. فقد ورد في القصيدة المشهورة والمعروفة باسم (المعذب الصالح) كيف زكى الإله مردوخ هذا الرجل الذي وصفت القصيدة محنته، والذي سبق أن نزل إلى القبر، ولكنه عاد إلى الحياة في بابل، وفي أثناء عودته كان يمر عند كل باب بتجربة مباشرة من النعيم الذي يوحي به اسم الباب، مثل ـ باب الكوثر، وباب الصالحين، وباب السلام، وباب الحياة ـ وباب الشمس ـ وباب الوحي، وباب كنس اللعنات، وباب البحث عن الغم، وباب انتهاء الفواجع، وباب التطهر. وبعد هذه التجارب سمح له بالمثول في حضرة الإله مردوخ وكانت هناك قريته ـ ساربانيت ـ والتي يعبدها، فقدم بين يديها تضرعه" ترجمة:  سليم التكريتي وبرهان عبد التكريتي. دار الرشيد والنشر ـ بغداد ـ 1979 ص364
21 ـ قال ماركس: تتحول إلى أثير.
22 ـ كان فلاسفة بابل، في عصر أفولها، تحدثوا عن العدم، فقالوا: ليس الوجود إلا هذا العدم الممتد. وكانوا ـ بعد اكتشافهم للصفر، كقوة كامنة شبيه بالعدم ـ قد وجدوا نقضا ً أو إضافة من لدن عدد من فلاسفة الهنود من سكان بابل وذلك بالدور الذي يقوم به العدد إن كان قبل الصفر أو بعده. مما يؤكد استحالة وجود (العدم) إلا بوصفه جزءا ً لا يتجزأ من كلية الوجود.
23 ـ د. إبراهيم الحيدري " عولمة الثقافة وثقافة التصنيع" الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=511362

24 ـ  ظهر كتاب توفلر "صدمة المستقبل" في سبعينيات القرن الماضي، وتبعه بكتاب " الموجة الثالثة) وبكتب أخرى منها: تحولات السلطة، وخرائط المستقبل ...، منظرا ً لعصر العولمة، والإسهام بدفن العالم القديم، إلا إننا ـ بعد أكثر من نصف قرن ـ  (وكما ذكر توفلر نفسه، في كتابه "خرائط المستقبل ـ 1980) بقوله:" في هذه الساعة التي نتكلم فيها يكون مستوى البطالة في العالم الرأسمالي أكثر ارتفاعا ً مما كان عليه في أي وقت مضى من الأزمة الكبرى في سنوات الثلاثينات. فالنظام المصرفي يلهث إعياء وهو على وشك الانحلال. وأفكار اقتصادنا تبدو من ساعة إلى أخرى أكثر تباعدا ً عن الواقع: "خرائط المستقبل"منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ 1987 ص7
25 ـ اخترع السومريون، منذ عصر فجر السلالات الثالث (في حدود 2450 ق.م)عالما ًتعويضيا ً عن العقاب، ففي الفردوس:
[ في بلاد دلمون لا ينعق الغراب
والطائر كيتي لا يطلق الصراخ هنا كعادته
والأسد لا يفترس أحدا ً
والذئب لا يختطف الحمل
ولا يعرف (هنا) الكلب مفترس الجداء
ولا الخنزير ملتهم الحنطة
والذي فيه وجع في العين لا يقول:" عيني توجعني"
والرجل المسن لا يقول:" أنا رجل مسن"]
د.فاضل عبد الواحد علي "من ألواح سومر إلى التوراة" مصدر مذكور، المبحث الثاني: جنة عدن والفردوس المفقود، ص255 وما بعدها.على إن أقدم تمويه غامض للخمول، أو لنبذ العمل، وللسعادة المطلقة، يجعل الفردوس خارج التصور، مما يستدعي قراءة ترد على سؤالنا: إذا كانت الآلهة قد خلقت الإنسان للعمل، من اجلها، ثم عاقبته بطرده من الفردوس لعصيانه، أو لارتكابه الخطيئة، فأي تبرير جعلها غاية بديلة بعد عصور الظلم ـ والجور؟
26 ـ لماذا ارتفع عدد الأميركيين الذين لا يؤمنون بوجود الله؟ تكشف التقرير عن اراء متعددة منها: إن " الأديان كلها سواء: قامت على الخرافات والأساطير". هذه العبارة كانت مكتوبة على لافتة وضعتها مجموعة تروج للأفكار الإلحادية جنبا إلى جنب مع لافتات أخرى مسيحية تتناول قصة المسيح على شاطئ مدينة سانت مونيكا بولاية كاليفورنيا.

وقد دفعت السخرية من المسيح وسانتا كلوز في أميركا منظمات مسيحية للتقدم بشكوى أمام القضاء في ولاية كاليفورنيا.

الأمر ذاته تكرر في ولاية تكساس، حيث رفع عدد من طلاب وأولياء أمور مدرسة كونتزي دعوى قضائية ضد قرار المدرسة حظر الشعارات الدينية في مباريات كرة القدم بعد أن اشتكت مجموعة إلحادية من"خرق" حرية التعبير.

هاتان الحادثتان وغيرهما من الحوادث تلقي الضوء على فئة من الأميركيين ممن لا ينتمون لطائفة دينية وهم الملحدون: لا يؤمنون بوجود الله. واللأأدريون: يقولون إنه ليس هناك سبيل لمعرفة وجود الله من عدمه. وغير منتمين لدين محدد: لا يتبعون دينا محددا. وقد  ارتفع عددهم جميعا بشكل هائل حسب دراسة لمركز بيو للأبحاث، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة مازالت أكثر الدول الغربية تدينا. انظر: http://www.alhurra.com/content/reasons-rise-religiously-unaffiliated-usa/215442.html
27 ـ حول عدد الدينات والمعتقدات في العالم، اشار التقرير التالي الى: "
فى آخر تعديل ، فى 6 سيتمبر عام 2002 ، حددت قاعدة البيانات Adherents.com ، الأديان والعقائد الرئيسية فى العالم ، بأنها تلك التى لايقل عدد المؤمنين بها عن 150 الف ، وتكون ديانة مستقلة ، ووفقا لهذا التعريف ظهرت 22 ديانة رئيسية ، تم ترتيبها وفقا لعدد التابعين لها كالتالى على الترتيب : فى المرتبة الأولى جاءت المسيحية ( 2 بليون تابع ) ، ثم الإسلام (1.3 بليون ) ، وفى الترتيب الثالث ظهرت الهندوسية ( 900 مليون ) وهى ديانة يعتنقها أهل الهند، وقد تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر، وفى المرتبة الرابعة ظهرت مجموعة تتضمن فئات العلمانية وبلا ديانة ولا يدرون والملحدونecular/Nonreligious/Agnostic/Atheist) وهم (850 مليون )، ثم البوذية (360 مليون) ، وهي ديانة ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية في القرن الخامس قبل الميلاد ، وفى المرتبة السادسة جاء الدين التقليدي الصيني (225 مليون) ، مثل الكونفوشيوسية وغيرها ، ثم مجموعة أديان محلية بدائية (150 مليون) فى المرتبة السابعة، وفى الترتيب الثامن كانت الأديان التقليدية الأفريقية ودياسبوريك Diasporic (95 مليون) ، وظهرت ديانة السيخية في الترتيب التاسع ، حيث بلغ عدد تابيعها ( 23 مليون ) وهى مجموعة دينية من الهنود ، الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادي داعين إلى دين جديد فيه شيء من الديانتين الإِسلامية والهندوسية تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمون) ، وفى الترتيب العاشر كانت ديانة جوتش Juche ( 19 مليون تابع )، وهى العقيدة المصدّقة الوحيدة من حكومة كوريا الشمالية، وتعتمد على اللغة الكورية، وبعض الكتّاب يصنّفون الجوتش كشكل كوري شمالي من الشيوعية الماركسية . أما الترتيب الحادى عشر احتلته الأرواحية Spiritism (14مليون) ، وتدَّعي استحضار أرواح الموتى بأساليب علمية ظهرت في بداية هذه القرن في أمريكا . واحتلت اليهودية (14 مليون) الترتيب الثانى عشر ، وفى الترتيب الثالث عشر ظهرت البهائية ، التى بلغ عدد تابعيها (6 مليون) ، 98 % منهم أتباع بابي والمذهب البهائي ، ويعودان إلى نفس الكنيسة أو الطائفة بمقرها في حيفا، إسرائيل ، وجاءت اليانية Jainism( 4 مليون ) فى المرتبة الرابعة عشر، وأحيانا تنطق الجانييه وهى ديانة منشقة من الهندوسية ، هذا الدين تقريبا ينحصر كليّا في الهند ، وفى الترتيب الخامس عشر ظهرت ديانة الشنتو Shinto (4مليون) وهى ديانة اهلية فى اليابان ، فحوالي 75 إلى 90 % من السكان فى اليابان يؤمنون بها، والمرتبة السادسة عشر أحتلتها ديانة كاو دي Cao Dai( 3 مليون) وهى حركة فيتنامية ، ثم جاءت ديانة تينريكيو Tenrikyo (2.4مليون ) فى الترتيب السابع عشر ، وهى أكثر المجالس الدينية النشيطة في اليابان المعاصرة. وله أنصار في جميع أنحاء العالم خارج اليابان، مثل الولايات المتّحدة (خصوصا هاواي)، كوريا الجنوبية، البرازيل، وتايوان، وفى الترتيب الثامن عشر ظهرت الوثنية الجديدة Neo-Paganism (مليون تابع فقط) ، وهى مصطلح عام للعديد من الأديان المتباينة التي تؤمن بالسحر والأساطير ، وفى الترتيب التاسع عشر كانت فئة الموحدون وخلاصيين (طائفة مسيحية) Unitarian-Universalism (800 ألف )، وجاءت ديانة راستافاريانيسم Rastafarianism

(700 ألف ) في المرتبة العشرون ، وهى طائفة دينية فى جاميكا وبعض الدول الأفريقية ، وفى الترتيب الحادي والعشرون جاءت العلموية Scientology (600 ألف ) وهى كنيسة مسيحية منتشرة فى 129 بلد ، وأخيرا في الترتيب الثاني والعشرون كانت الزرادشتية Zoroastrianism (150 ألف) ، وهو الدين الذي كان منتشرا في إيران ( الفرس) قبل الإسلام ، ومازال موجودا في بعض المناطق القليلة جدا والمعزولة هناك وانتقل مع المهاجرين إلى الهند .
 وفي تقرير اخر: " فبالنسبة لأعظم الأديان انتشاراً أتى ترتيب أعظم عشرة على النحو التالي:
المسيحية على مختلف مذاهبها ( 2بليون نسمة)ثم الإسلام ( 1.3بليون نسمة) ثم الهندوسية ( 900مليون)ثم غير المؤمنين بأي دين (ويشكلون 850مليوناً من شعوب الأرض)ثم البوذية في المركز الخامس ( 360مليون نسمة)ثم متبعو المذاهب القومية حول العالم ( 228مليون نسمة)ثم الأديان الوثنية الافريقية ( 95مليون نسمة)ثم السيخ في الهند ( 23مليوناً) ثم اليهودية ( 19مليون نسمة).. مواقع: http://assarouf.assoc.co/t428-topic

29/4/2016
Az4445363@gmail.com



ليست هناك تعليقات: