الثلاثاء، 17 مايو 2016

أختام*- عادل كامل




















أختام*

    عادل كامل


[14] خاتمة: حافات مائلة

     ليس بيسر يمكن تحديد ما اذا كانت رهافة إنسان ـ ما قبل ظهور بعض الخطوط وبعض الأشكال قبل مليوني سنة ـ اقل أو أكثر رهافة من إنسان بالكاد حمى ما تبقى من هويته كانسان في عالم (النمل)، وفي عالم محكوم باليات الانتهاك، والاندماج، وديمقراطية الصوت الواحد، في عصر ما بعد التقنيات الحديثة، وتشكل القرية الكونية؟
    فإذا كان النموذج البشري المبكر قد كافح بحماية جلده ورأسه وفمه وبصره وجسده بالكامل من أنياب ومخالب ونيران درجات حرارة منخفضة أو مرتفعة، ومن ريح، ومن ظلمة، وأصوات مدوية ...الخ فانا أجد أن عدد الايذاءات ـ والمخاوف ـ قد تضاعف بالنسبة ذاتها لتنوع وجود الأفاعي والعقارب والذئاب والديدان والحشرات والميكروبات والكلاب والجرذان والصراصير، إلى جانب الضباع البشرية، والى جانب تنوع الملوثات، وآلات التدمير، والرصد، والمراقبة، في مدن تحولت إلى علب معدة تسكنها كائنات غادرت رهافتها من اجل تجاهل أنها تمتلك عادات في الحس، وقيم في الأفكار الفلسفية، والأخلاقية، وقدرة على تمييز الجمالي عن عشوائيات السلع المعدة للاستهلاك. إنها قلب التقدم إلى الأمام نحو ظلمات تتجمد فيها الأوصال، ولتشذيب درجة محو الرهافات، وتحولها إلى منطق النمل: تدمير أية نملة تميل نحو درب مغاير لعمل أنظمتها المصممة بعناية.
     في عالم يجد الفنان رهافته مهددة في كل ثانية، لا من لدن زملاء وأشقاء وعابري سبيل، ولا من قبل كائنات بعيدة تغزوك لتنهب وتسحق وتلوث وتحرمك من بقايا إنسانية  ـ سبق لها ان تعرضت للتدمير ـ  فحسب، بل لان ثمة ما هو مشترك يضطرك ـ بالهاجس السحيق ذاته في مقاومة العقارب والظلمات والمخالب والأنياب ـ لاختراع دفاعات ـ مهما كانت سلبية او مائلة او فائضة أو غير متوقعة ـ للحفاظ  على جلدك وراسك وبصرك وجسدك دفاعا ً ضد غزو يومي وانتهاكات دتئمة بلا رحمة، وانذارات مباشرة او رمزية تاتيك عبر وسائل البص او الاتصال، فاغلق بحرص المنافذ، واعمل على هدم الجسور، للاحتماء بما اراه تحديقا ً خارح مدى المرايا، وبعيدا ً عن الاستجداء.  ففي الختم تضع اليد حكمة اشتغالات ملا يحصى من الخلايا بالنظام ذاته في مقاومة سفينة غارقة محملة بأضعاف أضعاف سفينة (نوح) السومري، التي نجت، لكن لتواصل انتظار نهاية الطوفان الذي مكث عاملا ً بلا تذمر! فالفنان ليس أعمى كي ينهمك ببيع كل ما ينهبه من الاخرين ومن المتاحف التي سبيت وسلبت ليمثل عدوا ً لا يقل ايذاء ً عن اعرج خسيس يتباهى بالرقص فوق حبال لا وجود لها، ولا تقل لدغاته عن نذل لم يكن يمتلك الا (نعلا ً)، وبرأس خال ٍ الا من الشتائم، والكلمات الجوف، ليحمل ـ فجأة ـ شارة تدحض نذالاته وخسته، ليغدو نموذجا ً للصاعدين الى الوهم.  انها ذرات روائح لم تنتجها سواحل ماضسنا السحيق فحسب، بل ذرات دفعت باستاذ كبير كشاكر حسن الى العزلة والموت خاتمة لرحلة مضطربة، ودفعت ـ قبله ـ جواد سليم ليشغلنا برهافات مكثت تمدنا بنبل إنسانية مازالت تمسك بلغز مقاومتها للرداءات. ذرات لها فعل شظايا قذائف كومت وطننا فوق أجسادنا، وملأت حياتنا بإشعاعات ستبقى تعمل على جعل الاحتضار ممتدا ً حيث الموت جعلنا ضيوفا ً عنده.
     ألا تكفي هذه الصدمات من جعل الرهافة تبحث عن خامات قريبة للتي وجدها سكان السواحل والمغارات من بناء أختام لها تحتمي بها من أثير الموت وقد تداخلت ومضات نبضات القلب، في ما بين إشعاعات الضوء من خطوط سود ليس مصدرها الشمس فحسب، بل الضمير ذاته وهو يغوينا بالبقاء على حافة الحياة...؟ ألا يبدو الأثر ـ هنا ـ منفصلا ً عن النص، من اجل الحفاظ على ملكية يراها تؤول بالبناء إلى مصيره نحو لاندثار، والزوال، بعد أن لم يعد يجد في الكلمات إلا حجابات، وأسوار عازلة، وجدران، ومعدات، وسواتر لا تفصل الناس عن مصيره بل عن موته أيضا ً، ليجد أصابعه تدوّن هذا الشبيه بما حفره إنسان البرية فوق عظام  وجدها بجواره نداءات غير موجهة إلى احد وقد تركها تسكن لا حافاتها وقد حدد حدودها بمجسمات خامات لا تمتلك إلا ما تمتلكه روحه من باثات في عالم ليس له ـ فيه ـ إلا عبوره بعد أن كفت اللغة حتى أن تكون جسرا ً أو قبرا ً..!
10/4/2011
 
* نهاية الختم الأول، وقد سبق أن نشر الختم السابع في "سومريننت".

ليست هناك تعليقات: