الخميس، 12 مايو 2016

لجسد المرأة لغة خاصة.. فهل نجيد الاستماع لها؟-منير عامر*






لجسد المرأة لغة خاصة.. فهل نجيد الاستماع لها؟
منير عامر*



أرى فيما يرى المتيقظ تماماً ما حدث في يوم قديم، حين انتبهت لنفسي وأنا أسبح في عيون حبيبتي لأجد في آخر عينيها كوخا صغيرا يطل على بحيرة من شهد وعسل، وأرى صورتي وأنا أصطاد أسماك البهجة من مياه بحيرة عيون الحبيبة.. وسألتني الحلوة التي خلقني الله لأغنيها شوقا إليها أو شجنا على افتقادها «أين أنت؟ وفي ماذا تفكر»؟. وأذكر إجابتي «في كل دقيقتين منذ عام ميلادي، تصرف الكرة الأرضية على السلاح ما يكفي لإطعام ألفي طفل يعانون من سوء التغذية لمدة عامين، وأعترف لك أن رؤيتي لعيونك تكفيني غذاء وإيمانا لمدى العمر».

الكلمات السابقة أنقلها لكم من كراسات مذكراتي، وهي سلسلة لا نهاية من الكراسات، التي أدخلت قدرا كبيرا منها على جهاز الكمبيوتر لأخفف من ازدحام حجرتي بالورق. أقول ذلك وبعض من الفخر يملأ وجداني لأني أثق في حقيقة واضحة، وهي أني من أكثر أبناء جيلي إيمانا بما تعلمته من أساتذتي، وهو عدم الاستسلام للذاكرة وحدها كخزانة لمعلومات أراها مهمة أو أحداثا أراها أكثر قدرة على التأثير على شخصي أو على غيري. ولابد من الاعتراف أنه قد حدث منذ سنوات عديدة أن دخلت حياتي طبيبة نفسية لبنانية الجذور أمريكية الجنسية، فصارت صداقتنا ذات أعماق بلا حدود. وأعترف أن تلك الصداقة بدأت كمناورة للتقارب بين رجل وامرأة، ولكن ما ادخرته في وجداني من تفاصيل ما منحته لي زوجتي من عطاء كان كفيلا باحترام علاقة الزواج، لذلك ما كنت أقترب من الخيانة حتى أبتعد، لا لصيانة عالم الحنان الشاسع والمسؤول الذي تهبه لي الزوجة، ولكن هناك ما هو فوق ذلك، وهو ما أعلمه من حقائق أساسية تتركز في خوفي على أبنائي، فأنا أعلم الكثير عن أبناء العلاقات المكسورة بالخيانة الزوجية، أعلم أن أمراض الربو على سبيل المثال تسكن في صدر الطفل إن التقط راداره خيانة أبيه أو خيانة والدته، وأعلم يقينا أن أي اقتراب جسدي بين رجل وامرأة بالاشتهاء وحده يورث كراهية مباشرة فيما بعد انقضاء العناق، فلقاء الرجل مع المرأة ليس مباراة لإثبات رجولة أو تأكيد أنوثة، اللهم إن كان التأكيد هو ابن لرغبة اثنين في الاتحاد ما بقي من العمر.. لذلك أعترف أني اقتربت بالرقي لا بالتوحش مع أكثر من امرأة وأترك لها اكتشاف أني إنسان لا حيوان، وأكتشف في أنوثتها إنسانيتها. ولابد أن أشكر من علمني ذلك، وهما غاندي قائد الهند الذي أحببته كثيرا وتابعت حياته كرجل يجيد حكمة الاستغناء، وهو من اكتشف أن تقارب الروح والفكر أكثر أهمية من اندماج جسدين سيضج كل منهما بكراهية الآخر فيما يلي ممارسة الخيانة. ثم كان أستاذي الثاني في تلك الحكاية هو صديقي القريب إلى قلبي رغم رحيله عن عالمنا وهو السياسي المقتدر «منصور حسن» فحين كان يلحظ توهج عاطفتي يذكرني بأن توهج العاطفة يدخل بالرجل إلى غرفة مظلمة فيها فيل ضخم، ويفقد الرجل قدرته على الرؤية والتركيز، ثم يسمع صوتا يأتيه من أكثر من كل ناحية سائلا إياه أن يصف ماذا يجد في الغرفة؟ فيقول المحبوس في الظلام «هذا حيوان خشن الملمس لكني لا أكتشف آفاقه، ولابد أن يتحرك الفيل ليضع قدمه على جسد المحبوس فيصيبه بعاهة لا شفاء منها». ولذلك تدربت على التعامل إنسانيا مع عديد من النساء، وارتقت العلاقة من منطقة الرغبة الذكورية إلى منطقة التواصل الإنساني.. وها أنا ذا أعود إلى صفحات مذكراتي، وأنا جالس في حجرتي التي تطل على حديقة صغيرة بمصيف مارينا، وأبتعد عن الضجيج الزاعق في بعض شوارعها، وأتنفس هدوء المنطقة التي أقيم فيها.. أفتح كراسات مذكراتي لأجد بضع تذكرات عن إحساس المرأة الذي يفوق أي رادار توصل إليه البشر.. وحين أفتح تلك الصفحات من كتاب عمري لا ادعاء لرفعة، أو ممارسة لتواضع كاذب، ولكن لأن في بعض من كلماتي مشاعر وآراء أحب أن تصل إليك عزيزي القارئ.

قلت في البداية أني كنت أسبح في عيون حبيبتي لأجد في آخر عينيها كوخا صغيرا يطل على بحيرة من شهد وعسل، فأرى صورتي وأنا أصطاد أسماك البهجة من بحيرة العسل. وكان سؤالها لي في لحظة سرحان تنتاب الكاتب أحيانا، قالت «أين أنت؟ أذكر إجابتي» في كل دقيقتين منذ عام ميلادي، تصرف الكرة الأرضية على السلاح ما يكفي لإطعام ألفي طفل يعانون من سوء التغذية لمدة عامين، وأعترف لك أن رؤيتي لعيونك تكفيني غذاء وإيمانا لمدى العمر». أذكر أن حبيبتي ظلت تذكرني باعترافي هذا كلما مر على خيالها طيف خيانتي لها. ولم أكن أخونها في الواقع، ولكن ماذا أفعل ولي خيال لا يكتفي بالحبيبة بل تمر بي لحظات تتعلق مشاعري بالتفكير في غيرها من النساء، وما إن تمر على خيالي امرأة غيرها حتى أجدها متوترة غاضبة، فأيقنت أنها تمتلك حساسية غريبة تلتقط بها حتى ما يدور في الخيال؛ فما بالي لو أقدمت على الخيانة بالفعل؟ آمنت أن رادار إحساس المرأة يفوق قدرة كل أدوات التنصت على وجه الأرض.. وفوجئت بأن العلم قد توصل إلى حقيقة علمية تؤكد ذلك، فأي امرأة تملك شفافية فائقة القدرة على الإحساس بأي خطر شخصي قبل أن يقع، خصوصا إن كان الخطر يلمس أنوثتها التي تتأكد بفعل واحد هو إخلاص من تحبه لها.. وبطبيعة الحال علينا أن نعرف أن المرأة تخلص لمن تحب بطبيعتها اللهم إلا في بعض الحالات القليلة التي تعاني من البرود العاطفي والجسدي، فلا توجد خائنة واحدة ليست مصابة بهذا البرود.. هذا ما كنت أفكر فيه وأنا أستقبل الربيع النيويوركي، متجها لحضور حلقة نقاش تطرح سؤالا واضحا هو «هل العلم وحده قادر على كل شيء في تحقيق الصحة المكتملة للمرأة أم أن للإحساس دخلاً في هذا الأمر؟».

كنت أرى رجالا ونساء عملوا بالطب النفسي ما لا يقل عن ربع قرن من الزمان، ومنهم من درس العلاقات الوجدانية عن الرجل والمرأة لسنوات، وأنظر إلى الوجوه التي تحمل خبرة طويلة في مجال علوم المرأة، وكان الوجه الأقرب إلى قلبي هو وجه د. ونفريد كالتر التي درست مشاعر المرأة وأسست علما جديدا من علوم المرأة هو «علم التقارب العاطفي» وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية LOVE CYCLE - THE SCENCE OF INTIMACY، وهي من درست عبر هذا العلم الجديد دورة الهرمونات التي تشرق في جسد المرأة لتهديها الحساسية الفائقة التي تفوق حساسية الرجل بمراحل كثيرة، فالثابت أن وزن مخ المرأة وإن كان يقل بحوالي مائة جرام عن مخ الرجل، إلا أنها تستخدم الكثير من قدرات هذا المخ البشري بشقيه المنطقي والحدسي، وهناك تأكيدات من بعض العلماء أن المرأة تستخدم غالبا سبعة بالمائة من قدرات المخ، بينما الثابت أن الرجل يستخدم ما بين ثلاثة بالمائة إلى سبعة بالمائة من قدرات المخ، وغالبا ما يركز الرجل على نصف المخ الحسابي، لا يركن إلى الجزء الحدسي والفني من المخ إلا عند الفنانين والموهوبين. وقليل جداً من البشر - نساء ورجالا - هم من يستخدمون فصي المخ بشكل متوازن وفعال.

وقد أكد لي الصديق الكبير أستاذ الطب النفسي د. محمد شعلان أن قدماء المصريين هم من أكثر البشر في التاريخ من استخدموا الحدس وحولوه إلى علم دقيق، والمثل الواضح على ذلك هو الأهرامات والمسلات، فهذه الدقة البالغة في تحديد اتجاهات الهرم لم تكن تخضع لما نسميه نحن في العصر الحديث «الحسابات العلمية»، ولكن كل ذلك الإبداع هو ابن للحدس، ويرى شعلان - وأنا معه - أن هذا الأمر كان نابعا من احترامهم للمرأة بشكل كبير.. وكل الأطباء يعلمون أن دورة الهرمونات في جسد المرأة تختلف عن دورة الهرمونات عند الرجل، فدورة الهرمونات عند المرأة تتعلق بخروج بويضة من أحد المبيضين الساكنين فوق الرحم في الأيام التي تعقب اليوم الخامس من نهاية الدورة الشهرية، وتستمر لأيام، فإن لم يتم تخصيبها من اللقاء الزوجي، فهي تنصرف، ليغسل الرحم نفسه بدورة شهرية جديدة، ليستعد مبيض المرأة الثاني الذي عليه الدور في صرف بويضة ثانية بعد حيض جديد.. ويتأثر مزاج المرأة بالهرمونات بشكل كبير، وتزيد هذه الهرمونات من حساسية المرأة بشكل كبير، مما يجعل حدسها قادرا على استكشاف ما أمامها وما حولها بشكل أكثر دقة من عشرات الرجال، وإن كان هذا لا يمنع من تمتع بعض من الرجال بمثل هذه الحساسية للحدس.. هذا ما كنت قد قرأته كموجز لبحث د. ويفرد كاتلر الذي يمهد لهذا العلم الجديد، وهدفها من هذا العلم أن تأخذ المرأة في اعتبارها دائما قدرة التحكم في إيقاعها الهرموني بحيث لا تجد نفسها حاملا في وقت لا تريد فيه الحمل، كما أن المزاج الهرموني يتيح للمرأة قدرة من الجاذبية غير العادية التي يمكن أن تقترب بها من زوجها. 

وتتقدم سيدة أعمال في الأربعين قائلة: لقد حضرت اليوم لأعرض تجربتي؛ فقد ساعدتني الطبيبة الكبيرة نورثروب في فهم الأسباب الكامنة وراء كثرة النزف التي أعاني منها شهريا. لقد ذهبت إليها وأنا في ثورة عارمة على الأطباء فهم لا يستخدمون سوى كميات هائلة من الأدوية، ويتحدثون من بعد ذلك عن الجراحة، ولا أحد فيهم يحاول أن يتفهم الدفاعات اللاشعورية التي تقيمها كل امرأة من عمق تجربتها في الحياة. فالمرأة مجبرة بحكم التربية في كل بلدان العالم على أن تخفي الكثير مما أصابها، فهي مولودة كعبء على الأب أو الأسرة، وهي التي تتعرض - في بعض الأحيان - للتحرش من قبل أي كبير مثلما تعرضت أنا، ولم أجرؤ على أن أقول ذلك لأحد، لأن من تحرش بي هو جارنا المهندس وكان عمري أربعة أعوام، وحذرني من أن أقول ما حدث بيننا لأي أحد. وعشت أكتم تلك الحقيقة. وما أن وصلت إلى سن البلوغ حتى بدأ النزف بشدة، ولم أوفق في الزواج، وانفصلت عن زوجي بسبب كراهيتي للقاء الزوجي، وكثيرا ما ذهبت إلى الأطباء، ولم أجد منهم من يستمع لي اللهم إلا الطبيبة الكبيرة التي أشرفت على علاجي. لقد أوضحت لي العديد من الحقائق عن المرأة هنا في الولايات المتحدة وفي كثير من بلدان العالم، المرأة في أمريكا تعاني من الكثير، فهي مضغوطة بالحياة المعاصرة التي تطاردها بضرورة التفوق المهني، والتفوق الأسري، والكل يحاول أن يستفيد من المرأة. وحين تعاني فالكل يبحث عن سبب خارجي؛ ويحاول أن يختزل العلاج في أقراص أو جراحة، على الرغم من أن المطلوب أولا هو الأذن التي تسمع والعقل الذي يساعد على أن تتعرف المرأة على أسباب ما تعاني منه في داخلها وفي ظروف الحياة. فأنا مثلا حين اعترفت - مجرد الاعتراف - للطبيبة أني تعرضت لمحاولة تحرش من جارنا أثناء طفولتي؛ عانيت من هذا الاعتراف كثيرا وأحسست لوهلة أولى أنها قد تحتقرني، وقد تراني من أسرة مفككة، وأن أهلي لم يحسنوا تربيتي، ولم يكن الأمر كذلك أبدا. ومن بعد عدة جلسات من التفريغ الانفعالي، بدأت ألاحظ أن النزف الشهري أصبح طبيعيا.
هنا همست لد. مارلي التي تجلس بجانبي «وماذا يفعل الطبيب حين تأتي له مريضة وتتكلم بهلاوس وضلالات لم تحدث؟ أتذكر فتاة من حي يزدحم بالأسر المتوسطة بالقاهرة، كانت تكثر من اتهام الشباب في الحي بأنهم يتحرشون بها، وكادت أن توقع أحدهم في قضية كبيرة على الرغم من أنها هي التي مدت الجسور بينه وبينها. وأثبت الشاب هذا الأمر بصعوبة حين استطاع المحامي الخاص به أن يحضر شهادات دخول الفتاة إلى المستشفيات النفسية أكثر من مرة؟ قالت مارلي: إن الطبيب الذي يتعامل مع المرأة، يمكنه أن يكتشف الهلاوس من الحقائق بعد جلسة أو اثنتين. ولا أظن أن طبيبا يمكنه أن يعالج امرأة دون أن يقلب أعماقها أمامه وكأنه يقلب صندوقا ممتلئا بالأشياء الثمينة والأشياء التي لا لزوم لها، ويسمح لمريضته أن تعيد ترتيب الأشياء الثمينة وأن تلقي بالأشياء التي لا لزوم لها خارج حياتها. وأنت تعلم أن د. كريستين لا تهدف إلى إدانة الرجل بأسلوب علاجها للمرأة، ولكنها تهدف إلى أن تعدل الميزان المقلوب في إنسانية البشر الذين يستسلمون لأساطير تاريخية تقول إن المرأة هي الكائن الأقل. وأنت من الشرق الأوسط وقد تندهش حين ترى في الولايات المتحدة سيدة تشكو من أنها تلقت من أسرتها في الطفولة معاملة وكأنها «الخادم الآلي» الذي أنجبه الأب فيصب فيه التعليمات القاسية، ويعاملها الزوج من بعد ذلك بنفس الطريقة. وحين ينفجر جسد المرأة برفض هذا الأسلوب لا تجد من العلاج إلا المزيد من الأقراص، وإن لم تسترح المرأة مع تلك الأقراص، فهناك الجراحة. ولكن القليل من الأطباء هم من يملكون البصيرة العلمية التي تزيح غبار المعارك الصامتة المتراكم على مشاعر المرأة، ويساعدونها على أن تقوم بتعريف دقيق لما تعاني منه، فالتعريف قد يكون هو نصف الطريق إلى الشفاء.. ورأيت ملامح د. كريستين وهي تقول بصوت عال موجهة كلامها لي وللطبيبة مارلي في ماذا تتكلمان؟ تذكرا أننا في حلقة نقاش، ومن المفترض أن نكون كلنا معا لا أن ينفرد كل اثنين بالكلام.

قلت بصوت عال «كنت أريد أن أحكي لك عن أستاذ مصري اعتزل حاليا عملية توليد النساء، ولكنه يحتفظ بمكانته كمستشار للحالات الصعبة في دنيا أمراض المرأة، وهو من اختارته جامعة «نورث كارولينا» منذ عدة أعوام كواحد من أبرز أطباء علوم المرأة، وهو الأستاذ الدكتور محمد نبيل يونس فهو من ابتدع في الشرق الأوسط فكرة دراسة الطب النفسي لأي طبيب يتقدم لدرجة الدكتوراه في طب أمراض النساء، وهو أول من قال لي عام 1984 إن المرأة تحتاج إلى ثلاث غرف في كل عيادة أمراض نساء، الغرفة الأولى هي غرفة الانتظار، والغرفة الثانية وهي الغرفة التي تلتقي فيها مع الطبيب؛ ومعها أحد من أهلها كالزوج أو الأم أو الحماة أو الأخت أو الجارة، وغرفة ثالثة وهي التي يمكن أن تتكلم فيها مع الطبيب على راحتها، شرط أن يملك الطبيب أذنا وتواضعا، ولا يسرع بحكم على المريضة، فهي تحمل له كل سمات المجتمع الذي تنتمي إليه من عيوب أو مميزات، والمميزات تحتاج الفخر بها وتأكيدها، والعيوب لا تحتاج للمعايرة بها، بل أن تجد لها وسيلة لإلغائها من حياة المريضة.. تقول لي الطبيبة الكبيرة: لم أكن أعلم أن الطب في مصر متقدم بحيث يمكن أن يتواصل مع كل ما يحدث في العالم.

أضحك قائلا: ولماذا لا تتذكرين أننا نحن الذين قدمنا فكرة الطب والعلاج إلى العالم؟ وأن المصري القديم هو من عالج بالأعشاب والرقي الروحي، وجعل من العناية بالروح هي المدخل الأساسي لصحة الرجل والمرأة معا؟ قالت: نفس الكلمات أسمعها من أي طبيب صيني أو هندي، فكل قادم من حضارة قديمة إلى الولايات المتحدة يحاول أن يربط العصر الذي نعيشه بحضارته التي ينتمي إليها.. أقول: ولكن إلى هذه اللحظة نحن نتكلم عن جسد المرأة وكأنه جسد غريب؛ يختلف عن جسد الرجل، على الرغم من أنهما يشتركان معا في وجود القلب والمخ والكلى والجهاز التنفسي والجهاز البولي، وهناك اختلافات وظيفية بين الجسدين، لكنها لا تستدعي أن نتعامل مع المرأة وكأنها كائن من كوكب آخر.
قالت الطبيبة: عندك حق، فالجسد البشري يشترك عند الرجل والمرأة في أن جسد الرجل وجسد المرأة هما وعاء الحياة والتعبير عن الوجود، ويختلفان في بعض من الوظائف. وأنا معك في قولك هذا لأن حضارة الاستهلاك التي نعيشها تستخدم جسد المرأة كوسيلة للترويج، فكل امرأة ترغب في رؤية نفسها جميلة كفتاة الإعلان عن السلعة، وكل رجل يحلم أن تكون امرأته جميلة مثل فتاة الإعلان، وكل من الرجل والمرأة يقعان ضحية شراء البضائع التي قد لا يحتاجها أحد منهما.. وإن كنت تسأل عن موضوع الحلقة النقاشية عن علاقة إحساس المرأة بالعلم وأن إحساسها يفوق في كثير من الأحيان أي رادار، فدعني أوجز لك الأمر ببساطة شديدة، إن جسد المرأة هو الذي تعرض عبر التاريخ إلى تلك الرقصة المجنونة التي تتراوح بين تقديس الرجل لها لحظة الاشتهاء، ثم إهانتها في إغراقها بين عواصف المسؤوليات، وهي من تعرضت للضغوط لكي تظل حبيسة المنزل؛ وكان تقسيم العمل بينها وبين الرجل يقضي بأن تعتمد عليه في الحصول على النقود وأن تتولى هي بقية الأعمال المنزلية وتربية الأبناء.. وكل ذلك جعل المرأة في حالة انتظار وترقب، كما أنها أكثر كائن في الحياة تعرض للموت عبر قرون طويلة أثناء الولادة، قبل أن تتحول الولادة إلى علم محكم يقوم به فريق طبي متميز.. وإذا جعلت كائنا بشريا لمدة آلاف السنين عرضة للتفكير والتأمل والقيام بعمل رتيب، ثم يتهدده الموت أثناء الوضع، فماذا تنظر سوى أن يتدرب هذا الكائن على الحساسية الفائقة التي تتوقع الخطر وتترقبه، وتكتشف بمشاعرها حقيقة الواقع المحيط به؟
لكل ذلك صارت المرأة أكثر حساسية من أي رادار.

أقول للطبيبة الكبيرة: إن كان الخطر هو السبب في تمتع المرأة بحساسية فائقة تفوق الرادار، فماذا عن بعض من الرجال الذين يتمتعون بنفس تلك الحساسية الفائقة ويدرسون الظروف المحيطة ويكتشفون فيها عنصر الخطر؟

تقول الطبيبة الكبيرة: أنا أومن أن العلم يقوم على الملاحظة والتجربة والنتيجة وإعادة التجربة على ضوء الملاحظة وصولا إلى النتيجة. والعلم الحقيقي لا يتعارض مع الإحساس الحقيقي. كنت أضحك مع الطبيبة الكبيرة وأقول لها «كلماتك عن الملاحظة والتجربة والنتيجة وإعادة التجربة على ضوء الملاحظة هي التي جعلت صديقي الطبيب النفسي الكبير د. محمد شعلان يبذل جهدا في تعليم تلاميذه ضرورة الكشف بتؤدة على المريض، لأنه يرى أن لكل مرض حكمة ورسالة يبعث بها الإنسان، فإن تلقى من حوله الرسالة وفهموها فقد يتيحون له - كما يتيح المريض لنفسه - فرصة النجاة في الوقت المناسب حتى ولو كان هذا المرض هو الإنفلونزا أو حتى السرطان.
تقول الطبيبة: نعم لعل الأستاذ الدكتور محمد شعلان يتحدث عن الإنفلونزا كفيروس يصيب الإنسان لحظة هبوط المناعة عنده، ولو كان سليم المزاج فلن تتمكن منه الإنفلونزا، أما عن المرض الخطر، فليست هناك وسيلة لمقاومته سوى الإرادة البشرية، وقد هزمته الإرادة البشرية كثيرا، كما هزم هذا المرض الكثير من ذوي الإرادة الضعيفة أو ممن فقدوا الرغبة في الحياة. أنا أومن أن المرض هو احتجاج من الجسد، فمن يتلقى الاحتجاج ولا يستمع له هو من فقد الأمل، ومن يستطع أن يقوي إرادة الأمل فيه يمكنه أن يعيش عددا من سنوات العمر تفوق السنوات التي يسرقها منه الكمد والغيظ والتوتر والإنكار والإحباط.

* صباح الخير.



ليست هناك تعليقات: