الثلاثاء، 31 مايو 2016

قصة قصيرة الحمامة رأت-عادل كامل

 
قصة قصيرة

الحمامة رأت

عادل كامل
   ـ أنا رأيت الحلم ذاته: جلس الليل بجوار النهار، في مائدة واحدة، والنمر مع الغزال في مرعى عند ضفاف النبع...
  وأضافت الحمامة تروي للغراب، شاردة الذهن:
ـ  ولما  حاولت الاستيقاظ عرفت أني لا احلم، فما أن أعدت النظر حتى شاهدت النار تحاور الماء، والذئب يرقص مع الحمل، والحديد يتنزه مع التراب، وابن أوى يغني للطيور ...
   هز الغراب رأسه، متسائلا ً:
ـ وماذا بعد..؟
ـ بدأت، مرة أخرى، اشك بأنني مستيقظة، فقد أكون نائمة، أو ذهبت ابعد من النوم...، حتى اختلط الأمر علي َ، فلم اعد أميز بين الشتاء والصيف، ولا بين الأعلى والأسفل، ولا بين الذهب والغبار، الكل غدا فراغات مزدحمة داخل فضاءات بلورية، حتى رأيت الأخيرة تتمايل، وتلعب من غير تصادم، أو عنف...، الألوان لا نهاية لانسجامها ممتزجة بأصوات خالية من الحروف، والاضطراب، والتشوش...
   فسألها الغراب:
ـ وكم امتد زمن الحلم...؟
أجابت من غير صوت:
ـ لم يعد للزمن وجود، كما لم يعد غائبا ً، ولا للمكان حضور  ولا اثر لزواله...، فانا صرت اعرف نفسي بوجود جعلني اجهل، أأنا مازالت احلم أم أن هناك من كان يحلم ويراني في أحلامه...، حتى عندما حاولت استعادة رفيقاتي الحمامات وجدتهن غائبات...، فلم ابك، ولم افرح، لم احزن ولم ابتهج...، فسألت نفسي: أأنا خارج نفسي أم نفسي خارجي، أأنا داخلها أم هي داخلي...، أأنا نور ليس له ظل، أم ظل من غير نور...،  ولكن المشهد سمح لي أن أرى ما وراء الحافات، مثلما كنت المس انعدام الملامس، لا هي ناعمة، ولا هي رقيقة، ولا هي كبيرة، ولا هي خشنة، ولا هي صغيرة...، فقلت لنفسي: ما شأني إن كنت لم أولد بعد أو إنني فارقت الحياة مادمت أشاهد الصقر يغرد كالبلبل، والتمساح يرقص مع الغزلان، والسباع تهرول مع الأفاعي، والجرذان تستحم مع أفراس النهر، فيما الدببة تداعب الأسماك برفق، وشفافية...
ـ وماذا بعد...؟
ـ صرت، كلما حاولت الاستيقاظ، أرى الحلم ذاته، فلم اعد مكترثة إن كنت وقعت في الأسر، أو وقعت في شباك الصيادين، أو أنا في حفرة...، أو أنا في هذه الحديقة!
ـ آ ...
 تأوه الغراب وأضاف:
ـ هذا هو الحلم ذاته الذي رآه جدنا الأعظم ...، الديناصور العملاق...
صاحت مذعورة:
ـ لكني لم أكن اكترث للموت، ولم أكن خائفة، ولم أكن اشعر بالألم، أو بالفزع...!
ـ بالضبط...، هذا ما قاله أيضا ً، لأنه ـ هو ـ تماما ً سلك الدرب الذي لا يعرف نهايته...
ـ ولكني مازالت أراك ـ وربما ـ تراني؟
ـ وهل اعترضت عليك، لأن هذا هو تماما ً الذي حدث لك، يا حمامتي الوديعة، لأنه لم يدم  أكثر من زمن عبوره إلى الزوال، إن لم يكن ولد مسبوقا ً بزواله الخالد!
ـ آ ...، يا لها من مسرة، انك تذهب ابعد منها، من غير الم، وأسف انك فقدتها، بهدوء، ومن غير صخب، أو زيادات!
26/5/2016

ليست هناك تعليقات: