الثلاثاء، 31 مايو 2016

قصة قصيرة الحمامة رأت-عادل كامل

 
قصة قصيرة

الحمامة رأت

عادل كامل
   ـ أنا رأيت الحلم ذاته: جلس الليل بجوار النهار، في مائدة واحدة، والنمر مع الغزال في مرعى عند ضفاف النبع...
  وأضافت الحمامة تروي للغراب، شاردة الذهن:
ـ  ولما  حاولت الاستيقاظ عرفت أني لا احلم، فما أن أعدت النظر حتى شاهدت النار تحاور الماء، والذئب يرقص مع الحمل، والحديد يتنزه مع التراب، وابن أوى يغني للطيور ...
   هز الغراب رأسه، متسائلا ً:
ـ وماذا بعد..؟
ـ بدأت، مرة أخرى، اشك بأنني مستيقظة، فقد أكون نائمة، أو ذهبت ابعد من النوم...، حتى اختلط الأمر علي َ، فلم اعد أميز بين الشتاء والصيف، ولا بين الأعلى والأسفل، ولا بين الذهب والغبار، الكل غدا فراغات مزدحمة داخل فضاءات بلورية، حتى رأيت الأخيرة تتمايل، وتلعب من غير تصادم، أو عنف...، الألوان لا نهاية لانسجامها ممتزجة بأصوات خالية من الحروف، والاضطراب، والتشوش...
   فسألها الغراب:
ـ وكم امتد زمن الحلم...؟
أجابت من غير صوت:
ـ لم يعد للزمن وجود، كما لم يعد غائبا ً، ولا للمكان حضور  ولا اثر لزواله...، فانا صرت اعرف نفسي بوجود جعلني اجهل، أأنا مازالت احلم أم أن هناك من كان يحلم ويراني في أحلامه...، حتى عندما حاولت استعادة رفيقاتي الحمامات وجدتهن غائبات...، فلم ابك، ولم افرح، لم احزن ولم ابتهج...، فسألت نفسي: أأنا خارج نفسي أم نفسي خارجي، أأنا داخلها أم هي داخلي...، أأنا نور ليس له ظل، أم ظل من غير نور...،  ولكن المشهد سمح لي أن أرى ما وراء الحافات، مثلما كنت المس انعدام الملامس، لا هي ناعمة، ولا هي رقيقة، ولا هي كبيرة، ولا هي خشنة، ولا هي صغيرة...، فقلت لنفسي: ما شأني إن كنت لم أولد بعد أو إنني فارقت الحياة مادمت أشاهد الصقر يغرد كالبلبل، والتمساح يرقص مع الغزلان، والسباع تهرول مع الأفاعي، والجرذان تستحم مع أفراس النهر، فيما الدببة تداعب الأسماك برفق، وشفافية...
ـ وماذا بعد...؟
ـ صرت، كلما حاولت الاستيقاظ، أرى الحلم ذاته، فلم اعد مكترثة إن كنت وقعت في الأسر، أو وقعت في شباك الصيادين، أو أنا في حفرة...، أو أنا في هذه الحديقة!
ـ آ ...
 تأوه الغراب وأضاف:
ـ هذا هو الحلم ذاته الذي رآه جدنا الأعظم ...، الديناصور العملاق...
صاحت مذعورة:
ـ لكني لم أكن اكترث للموت، ولم أكن خائفة، ولم أكن اشعر بالألم، أو بالفزع...!
ـ بالضبط...، هذا ما قاله أيضا ً، لأنه ـ هو ـ تماما ً سلك الدرب الذي لا يعرف نهايته...
ـ ولكني مازالت أراك ـ وربما ـ تراني؟
ـ وهل اعترضت عليك، لأن هذا هو تماما ً الذي حدث لك، يا حمامتي الوديعة، لأنه لم يدم  أكثر من زمن عبوره إلى الزوال، إن لم يكن ولد مسبوقا ً بزواله الخالد!
ـ آ ...، يا لها من مسرة، انك تذهب ابعد منها، من غير الم، وأسف انك فقدتها، بهدوء، ومن غير صخب، أو زيادات!
26/5/2016

دماء كنيسة سيدة النجاة بريشة فنانة عراقية- حاورها/ نهار حسب الله





دماء كنيسة سيدة النجاة بريشة فنانة عراقية

الفنانة التشكيلية حنان الانصاري تتحدث عن تجربتها الفنية:
عشاق الدم.. لايمكن ان يعشقوا ألوان الحياة
لوحاتي تعبر عن قضية المرأة المغيبة في مجتمع مغلق

حاورها/ نهار حسب الله
الفنانة التشكيلية المبدعة العراقية حنان حسين محمد الانصاري، حفيدة أحد رواد الفن ومؤسس جمعية اصدقاء الفن التشكيلي عبد القادر بيك الرسام، والتي شاركت في معارض عدة منها: معارض جماعة افكار، معارض افكار بلا قيود، معرض يوم السلام العالمي، معرض يوم الطفل العالمي، مبدعون بلا حدود مهرجان التعايش السلمي في السليمانية، معرض الرابطة العراقية للفن التشكيلي، معرض افكار بلا حدود، مهرجان السليمانية الشامل، معرض يوم المراة ، المهرجان التشكيلي الجماعي/ الحوار المدني / ثقافة اللاعنف، مهرجان الشباب في السليمانية.. فضلاً عن إقامتها لأربعة معارض شخصية.
تحدثت إلنا عن تجرتها الفنية وكان لنا معها الحوار: 
كيف كانت بداية مشواركِ الابداعي؟
- ابتدأ مشواري الفني بظهوري في أول خطوة فنية تشكيلية وهي إقامة معرض شخصي عام 2004 بعدها انضمامي عضوة في جمعية أفكار للفنون وكنت من المؤسسين لها وهنا يمكنني القول ان لهذه الجمعية واقعاً جميلاً في حياتي الفنية حيث كان لي نشاطات مهمة.. فضلاً عن انتمائي لعدة أنشطة فنية ومن ثم كانت لي حزمة من المشاركات المتتالية ومنها انطلقت في هذا الفضاء الفني.
ما هي العلاقة بين حياة يراد لها ان تموت وفن يراد له ان يحيا؟
- يجب ان ينحني الفنان لتأدية رسالة الفن وهو داخل حياة يراد لها الموت ويهيأ نفسه كمقاتل تماماً لاحياء فنه ذلك ان العلاقة في هذا المضمون ستكون في صراع ما بين حياة يراد لها ان تموت وفن يراد له الحياة ومن المستحيل ان يتواصل إلا إذا كان الفنان مبدئياً.
كيف تشكلت العلاقة ما بين الوان تزهو وموت يحيط بها سواد وبأس؟
- الفنان الحقيقي هو الذي يعبر بريشته حاملاً أفكاراً حالمة تنتقل بشواهد فنية متأملة بأسلوب مميز ومباشر وعليه ان يكون جاداً ويتحدى الصعاب ويتركه حالما يعلن الابحار في عالم الالوان.. تلك الهواجس السوداء وينتقي ما بداخله ليحول كلمة البؤس الى نجاح، وهذا لا يعني ان الفنان يستمد احياناً من البنية تأثيراً سلبياً في خلق لوحة مؤلمة في مضمونها وألوانها ان كان يعيش في حالة بؤس ولكن هو آخراً واخيراً فنان اطلق العنان لريشته ان تتكلم بلغة الألوان والاحاسيس عاكساً تشخيصه لفكرة معينة.
اللوحة إطار وعطاء روحي.. كيف استثمرت هذه الروح الحية في مكان شهد الكثير من نداءات الاستغاثة والتضرع الى الله مثل (كنسية النجاة) فيما اللوحة بوح عن الحرية؟
- لأني اتعامل بروح فنان حقيقي وباحساس الفن ولأن الفن عطاء وجداني كان بداخلي شعور غريب جداً وهو إيصال صرخة استلبت مني للخوض في هذه التجربة لأعلن سرد حكاية أليمة على جدران شهدت صرخات في سماء الله سلفاً فكانت تجربتي في كنيسة النجاة فريدة من نوعها وسابقة لكل تجاربي الفنية، هنا تعاملت بوصفي إنسانة انساقت بتضحية جزئية لتعبر عن وفائها واحسست ان من الضروري خلق رمز اسطوري غامض ومهما يكن السبب وراء خلقه إلا انني يمكن ان اصف لك ان هناك ارادة تمتلكني بالمشاركة والتفاعل بكل إيمان لتؤكد ان الفنان يسري في داخلي حاملاً مشاعر ونزعات ذاتية مجهولة، ذلك ان للفن تأثيرات عديدة وهي الحرية نفسها في اللوحة.. وعندما طلب مني الانظمام لهذا العمل لتقديم جدارية فنية تحكي قصة مأساة ابرياء بدمائهم بدلاً من اغتسالهم بماء الكنيسة المقدس.. ذهبت مسبقاً الى الكنيسة بمفردي، تجولت فيها وكان في مخيلتي كل ما حدث من مشاهد مرعبة ولكني احسست اني سأقدم من الولاء جزءاً وسأترك اسمي وسأكون انسانة وفنانة تحول دماء ابرياء لا ذنب لهم الى ألوان تعزف لحناً حزيناً في عالم الخلود.
هل تعتقدين ان بمقدور اللوحة الفنية ان تتجاوز حالة الاحباط التي تنتاب الانسان وهو يواجه أعمال العنف التي تطال ليس إبداعه حسب وإنما حياته كلها؟
- الاحباط واليأس والقلق والتأثير بالعوامل المحيطة هي امور بديهية وتجاوزها يعتمد على مدى قوة إرادة الفنان، ولا يمكن غض النظر عن ان للفن اجواء خاصة وليس من السهل ان تمارس نشاطاً فنياً ان كانت سماءك ملبدة بالغيوم والحالة النفسية مثقلة بالهموم غير ان الفنان لابد من ان يتجاوز اموراً كثيرة ليس الاحباط حسب وإنما وقع فنه القصير الامد وخصوصاً نحن في بلد صار به ضعف البنية وباتت ملامحه واهنة وانا اتمنى ان يسترد صحته الفنية وان يتجاوز الاخفاقات والاحباط ويلجأ الى التحدي فلا يمكن لاعمال العنف ان تحبط الفنان إلا إذا نفذ ابداعه.
هل ترين ان بمقدور الفن أن يكون رداً سلمياً على بؤر القتل والفساد والتطرف .. هل بمقدور غصن زيتون ان يحول دون اشتعال الحرائق؟
- الخطاب الفني والابداعي بكل اشكاله يحاور المجتمع ويطرح القضايا ومن الممكن ان يكون مدخلاً لحوار سلمي نعبر من خلاله للذين يجهلون معنى الانسانية وتغلبت على عقولهم المقفلة مسألة الفساد والتطرف ولكن من وجهة نظري الخاصة إن تلك الشخصيات السلبية لايمكن ان يكون الفن رداً سلمياً ورادعا حقيقياً لها.. لسبب واحد انهم عناصر لا علاقة لها بالفن لامن قريب ولا من بعيد ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ان تلك الفئة الشاذة تفتقر للدين وللقيم الانسانية فهل من الممكن تغييرهم من خلال الحوار الفني او من خلال لوحة.. لا اعتقد ذلك.
ألا تعتقدين انك في مكان محفوف بالخطر وبقوى ظلامية تريد إيقاف ديمومة الحياة والابداع معاً؟
- طبعاً انا وغيري في مكان محفوف بالخطر وقوى الشر الظلامية تريد ايقاف ديمومة ابداعي انا وغيري من المبدعين..
بوصفي انسانة مؤمنة بتأدية رسالتي، كان من الممكن ان اتجاوز قوى الشر الحاقدة لقتل الفن والثقافة على الرغم من ذلك ينتابني شعور باننا أنا وزملائي.. نجاهد ونستبسل ونرسم سبلاً للبقاء كما لو كنا نمارس حياة الابداع ونحن تحت اشراف طبي يتخصص بعناية مريض قد يفقد حياته على حين غفلة.. امارس حياتي الفنية وانا اتوسل السماء والعناية الالهية حتى لا يتوقف الامل داخلي وتموت نقطة النهاية التي لم تبدأ بمشواري الفني.
كونكِ حفيدة لأحد رواد الفن التشكيلي العراقي هو الفنان الرائد (عبد القادر بيك الرسام) ما هو اهم درس اخذته من هذا الصرح الفني المهم؟
- لكوني انتمي لسلالة فنية رائدة وحفيدة مدرسة الفن الواقعي الرائد عبد القادر بيك الرسام.. وبحكم الفطرة الابداعية التي تسربت لي من دون ان تكون درساً مباشراً صار ينمو بداخلي الحب الى مدرسة الفن الواقعي وذلك الاحساس المتوارث باللون المتشابه والعنصر المشترك بذات التكنيك كان هذا درس غير مدروس، غير ان العامل الوراثي كان اكثر بكثير من التصريح المباشر.
سبق وان اقمتِ اربعة معارض شخصية فضلاً عن مساهمتكِ في العديد من المعارض والمهرجانات.. ماذا أضافت هذه المساهمات الى فنكِ وهل شكلت لديكِ نقطة تطور؟
- كيف لا.. هل من الممكن ان يكون الفنان فناناً من دون الارتقاء من سلم الى آخر والوصول من محطة الى اخرى.. اقامتي معارض شخصية ومساهماتي ومشاركاتي كانت انتقالات من خطوة ناجحة الى ما هو افضل بعد ذلك.. ومن ثم تحقيق انجازات تضيف لرصيدي في عالم الفن المزيد من الانجازات المتألقة كما ان هذه المحطات الانتقالية تؤهلني الى تجارب ثرية مدروسة للقادمين ولهذا عُرف عني اني اظهر في أعمال مختلفة تحمل مصداقية منفردة في نوعها وغالباً ما ابرز بعمل يثير الجدل.
اللوحة.. لغة الالوان واحساس.. ماهي السبل التي ترينها مناسبة لنشر ثقافة تنويرية عبر الالوان؟
- اللون عالم لكل شيء وخليط من الاحاسيس التي يتعامل بها الفنان على وفق لغة يعبر عنها باللون.. ليست هناك سبل لنشر ثقافة تنويرية من خلال الالوان بل هناك سبل انتقالية لنشر الثقافة الفنية.
عالم الالوان عالم مرن والطرق التي تؤدي لنشر ثقافة تنويرية هي التطلع الى صناعة افكار جديدة تتقبل مساحات خاضعة لمواكبة الفن المعاصر ومن ثم تكون الألوان حديث نجدها من خلال الفكرة وفي نهاية المنجز.
ما مدى تأثركِ بالفن التشكيلي العالمي ؟
- الى حدما تأثرت بالفن التشكيلي العالمي لما تحمله مدارسهم من ابداع اسطوري عريق فهم رواد الاسلوب الكلاسيكي والفن التجريدي والواقعي والانطباعي والتعبيري وغيرها من المدارس وهنا يمكن القول انني من عشاق سلفادور دالي لجنونه المميز في أعماله التي تبصر في خيال جنوني فريد من نوعه.. اما رامبرانت عباقري الفن فيشهد له التاريخ بالتمييز والابداع فهو احد ركائز الفن التشكيلي الاوربي ومونيه والوانه الزيتية للطبيعة فلا وصف لها غير انها حقيقة أخاذة.. هؤلاء اساطير الفن الذي لا يمكن إلا ويكون تأثري بهم الى ابعد ما يمكن وصفه كونهم رموزاً فنية لن تتكرر.
كيف تقيمين الساحة الابداعية العراقية؟
- تشهد الساحة الفنية العراقية خصوصاً في عالم الفن التشكيلي ضعفاً فنياً ملحوظاً.. ربما لان ما يمر به البلد من وهن معيشي وقسوة بيئية حيث ان الفرد صار يفكر بسبل العيش أكثر من اي شيء آخر كما ان هناك عجز فني لعدم توفير الخدمات المطلوبة للفنان ودعمه مادياً ومعنوياً واعلامياً على الرغم من ان هناك طاقات إبداعية حاربت المستحيل لتبرز وتعلن الوجود في الساحة الفنية غير ان ما اراه للاسف وجود الفنان اليوم وهو في حالة ولادة فنية عسيرة وهذا ما يقلق الاجيال القادمة اما ما يقلقني فيكم باصابتهم بالاحباط لقلة الوعي الثقافي الفني في ظل ظروف باتت تهدر ايامنا من دون هدف سوى العيش فقط.
نجد في مجمل لوحاتكِ محاولات لكشف الضغط النفسي عن المرأة.. ما هو السر في ذلك؟
- انا اتناول في أعمالي مواضيع عدة ليست عن المرأة فقط ولكن الغالب في أعمالي طرحها قضية المرأة لانها مغيبة في مجتمعنا وانا احاول ان اسلط عليها الضوء في فلسفة حوارية فنية تثير التساؤلات وتستفز المتلقي لأني افشي اسرارها عبر طرح موضوع اجسده والجأ إليه عندما اقوم بتكون فكرة تحمل قصة انشائية نسوية واشير الى ملاحظة وهي طالما طرحها الصحفيون والمثقفون من انني ارسم ما يحدث في حياتي اجمالاً وهنا اوضح هذه النقطة كما جاء في سؤالك.. انا احاول الكشف عن الضغط النفسي للمرأة بصورة عامة وابراز قضية النساء ولا انفرد بخصوصية تامة في لوحاتي إلا قليلاً وفي حالة تتغلب على الفنان ان يفجر طاقته في حينها.
هل تجدين في لوحاتك خطاباً خاصاً بكِ يمكنك والبوح بكل ما يجول في نفسك؟
- أكيد.. الفن التشكيلي لغة ورؤية فنية خاصة وخطاب يبوح به الفنان في اعماله.. وفي لوحاتي استخدم عناصر مؤثرة معتمدة على ملامح متنوعة من الاساليب تحمل مميزات مختلفة كي احقق الوصول لما اريد البوح بما يصارع داخلي.
يقال ان اللوحة تحتمل التأويل والتحليل لاكثر من اتجاه حسب رؤية ونفسية المتلقي.. ما رأيكِ في ذلك؟
- ربما تحتمل التأويل والتحليل لاكثر من فكرة لكن تبقى مختلفة بهواجسها ومكنوناتها المختزلة لدى الفنان.. البعض من اعمالي اعطاها المتلقي تغيرات عديدة اراها قريبة الى الموضوع او تشكل اضافة وجدلاً استنتاجياً مختلفاً يحمل في طياته شيئاً من المنطقية.. غير ان هناك نقطة لا يمكن الوصول إليها كما تحمل نصاً.
لكل مبدع رسالة.. ماهي رسالتكِ وهل تمكنتم من ايصالها بالالوان؟
- لكل ذوي اختصاص رسالة يقدمها للمجتمع حتى يكون عنصراً له كيان ذاتي وانساني يخدم به الاجيال ولاني والحمد لله تمكنت من اجتياز مراحل في ميداني الفني وذلك من خلال لوحاتي من دون توقف وعلى اني اجعل أعمالي شاهداً تاريخياً يتواصل مع مسيرة جدي عبد القادر الرسام أولاً.. وثانياً انني سأواصل مسيرتي الفنية وساكون على نهج كل فنان ملتزم سيعى لتحقيق الرسالة الفنية وايصالها عبر لغة الالوان.

هل الصور عالمية؟ - ندى الشبوط



هل الصور عالمية؟


ندى الشبوط


يتوقف تفسير الأعمال الفنية على مجموعة من العوامل المرتبطة بتاريخ ومجتمع وثقافة الأعمال ومفسّريها. حتى في عصر يهيمن عليه القطاع المرئي، تبقى الترجمة والتفسير من الأدوات الأساسية، مع أن التعقيدات تلازمهما لا محالة. إننا ندرك حتماً أن معنى الصورة مبني - وأن الكلمة تشكل جزءاً من هذا البناء. وفي حالة الفن الحديث والمعاصر المنتج في الشرق الأوسط، تزداد العلاقة بين المرئي واللفظي تعقيداً بفعل مجموعة من العوامل التي تعيق حالياً النهوض بالمعرفة في هذا المجال.
أولاً، لا بدّ من التوقف عند مسألة المصطلحات المستخدمة لتحديد الفن المنتج في المنطقة. وقد أظهرت الجلسة المكرسة لـ "تحديد منطقة الشرق الأوسط" في مؤتمر "الفن المعاصر في الشرق الأوسط" الذي عقد في تايت في أوائل العام 2009 الطبيعة الحرجة والحساسة للقضايا المطروحة في ما قد يبدو في سياق آخر مشكلة تسميات بسيطة. الواقع أن عدداً كبيراً ممن يعملون في الميدان يجدون أنفسهم باستمرار مضطرين لتبرير وتفسير كل ما يستخدمونه من مصطلحات في غياب أي توافق في الآراء حول هذه المسألة.
إن المصطلح الجغرافي السياسي "الشرق الأوسط" مضلل بطبيعة الحال على الصعيد المعرفي، بما أنه يندرج ضمن ثنائية مبنية متناقضة العناصر تضم الشرق والغرب. وعلاوة على ذلك، يظن البعض أنه كفيل بالترويج لخطاب العدائية. فكيف يمكن للمصطلح أن يمثل ثقافة المنطقة كما يُطلَب دائماً من فنه بحيادية تامة؟ مع أن الخطاب المعاصر يدعو إلى قبول الاختلاف والاحتفال به في الشرق الأوسط كما في أماكن أخرى، يبدو أنه لا مفر من "تجوْهُر" المنطقة، بما يكتنزه الوعي الغربي من تراث خيالي ما زال مقنعاً. وفي وسائل الإعلام الغربية، غالباً ما يصوَّر الشرق الأوسط على أنه كتلة جامدة أصولها متجذّرة في عقائد إسلام "عدواني". وبالتالي، تفيد وجهة النظر الإيجابية للمعرض أو الحدث الثقافي بأن "الشرق الأوسط لا يدل فقط على الرعب والإرهاب". ومن شأن تصريح مماثل أن يُدرج الأعمال الفنية والأحداث فوراً ضمن عالم يبتعد عن الجمالية.

على المستوى المحلي، يشكك الفنانون في المنطقة باستمرار في صحة العلامات الجماعية. فما هي الصفات المشتركة بين الدول العربية وإيران وتركيا وإسرائيل؟ يعدّ السؤال بالطبع مشحوناً لضمّه إسرائيل. وإذا كان من الممكن التسليم ببعض القواسم المشتركة بين البلدان الناطقة باللغة العربية، وتقبّل فكرة أن يكون لتركيا وإيران تاريخ طويل مشترك مع الدول العربية وثقافات متقاطعة ومتداخلة معها، فكيف يمكن تبرير إدراج إسرائيل - مع تاريخها الحديث المرتبط على نحو وثيق بالقوى الغربية؟
إن مصطلح "الفن الإسلامي" المستخدم أحياناً كمصطلح بديل مرفوض بوجه عام بسبب دلالاته السابقة للحداثة. وعادةً ما تجمع البلدان الناطقة باللغة العربية (باستثناء تركيا وإيران وإسرائيل) تحت عنوان "العالم العربي"، ما قد يبرر بدوره استخدام مصطلح "الفن العربي". شخصياً، أرى أن المصطلح صالح لأنه يعترف بالجذور التاريخية واللغوية والثقافية المشتركة بين الدول من دون تقليص الاختلافات بينها. إلا أن عدة فنانين عرب يقبلون بهذه التسمية على مضض لأنهم يفضّلون تسليط الضوء على خصوصيات ثقافتهم الخاصة، ويرفضون صلات المصطلح بالإيديولوجية الناصرية للعروبة.
في النهاية، لا يوجد - في الوقت الراهن، على الأقل - اتفاق حول المصطلح المناسب للإنتاج المرئي للمنطقة. ولعل غياب الاتفاق هذا يطرح مشكلة اليوم في كل المناطق الجغرافية في عصر يسيطر عليه هاجس التصنيف ولكنه يرفض، على الأقل على صعيد الخطاب، مفهوم "التجوْهُر". والواقع أن هذه المشكلة تبدو مضخّمة في اللغة الإنكليزية. ففي الدول العربية، تشغل الفنانين اهتمامات أخرى ويشعرون بالدهشة من الانشغال الغربي بهذه القضية. بنظرهم، إنهم فنانون عراقيون وفلسطينيون ولبنانيون، وعرب أيضاً. إلا أن هذا لا ينفي أهمية الموضوع كما لا يقصره على قضية لسانيات. وإنما يدرج النقاش ضمن الخطاب الأوروبي - الأمريكي، لا سيما أن المعاني المرتبطة بالمصطلحات بُنيَت إلى حد بعيد خارج العالم العربي بأي حال.
بعيداً عن مسألة المصطلحات المشحونة، تطرح التفسيرات الثقافية مزيداً من الإشكاليات عبر استخدام جدلية أوروبية – أمريكية مر عليها الزمن هي جدلية التقاليد مقابل الحداثة في نقاشات الفن المعاصر في الشرق الأوسط. وللتخفيف من وطأة الشعور بالذنب بسبب استبعاد أجزاء واسعة من العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، من الخطابات حول الحداثة، اقترحت حقبة ما بعد الحداثة فكرة "عناصر الحداثة البديلة" طارحةً التعددية مكان المفهوم الثابت والموحد للحداثة. ولكن الناقد والمنظّر الأدبي الأمريكي فريدريك جايمسون اعتبر أن هذا المفهوم يهمل واحداً من الجوانب الأساسية للحداثة يكمن في "الرأسمالية العالمية". [1] وفضلاً عن ذلك، يبدو أن مصطلح "عناصر الحداثة البديلة" يسعى إلى أن يغفر للحداثة عدائيتها. [2] إلا أن توضيح الفرق من خلال هذا المفهوم لا يساهم في إعفاء الحداثة من عدائيتها وحسب، بل يسمح أيضاً باعتبار هذا الفرق على أنه مفهوم مستقل مكتفٍ بذاته، بما أنه يقارَن باستمرار بحداثة غربية عليا. وفي أفضل الأحوال، تحاول الجملة تفسير سبب اتباع بعض التطورات في الشرق الأوسط مساراً مختلفاً عن ذلك المعتمد في الغرب.
تصدر غالبية الكتابات عن الفن في الشرق الأوسط عن أوروبا والولايات المتحدة. من حيث المبدأ - وفي عصر العولمة والتواصل السلس – لا تطرح هذه المسألة أي مشكلة. إلا أن هذه الكتابة الانتقادية المتواجدة خارج المراكز المحلية للإنتاج غالباً ما تكون بعيدة عن التطور التاريخي للفن الذي تصفه. وقليلة هي الدراسات الجامعية التي تتناول الفن الحديث فيما يتوفّر عدد متزايد باستمرار من كتيّبات المعارض الناتجة من ارتفاع عدد المعارض المعاصرة لفنون الشرق الأوسط. وقد عزز الانتقال من فترة الخفاء إلى فترة الاحتفال بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط الشعور بالانقطاع مع اعتبار الإنتاج المعاصر على أنه ظاهرة جديدة ومستقلة. ويتردد صدى مسار الإخراج من السياق هذا في نزوح مراكز التفسير عن المنطقة بحد ذاتها إلى خارجها، وهو اتجاه ازداد مع الجالية وتنقلات عدة فنانين معاصرين. وقريباً، قد يثبت الفن في الشرق الأوسط أنه مرتبط من بعيد فقط بالمنطقة.
إن هذا الوضع يؤثر بطبيعة الحال في الإدراك المحلي للإنتاج المرئي المعاصر وتلقيه. وإذا كان معنى الأعمال الفنية مبنياً وفقاً لمنهجيات ومصطلحات ونظريات وخطابات أوروبية - أمريكية، فكيف يمكنه التفاوض أيضاً على الوقائع المحلية السائدة في منطقة الشرق الأوسط؟ وكيف يمكن ترجمة المعرفة المنتجة حول هذا الفن بطرق يسهل فهمها محلياً؟ [3]
تميل الفوارق بين العالمي والمحلي إلى أن تزداد أهمية بفعل المعارض الموضوعية التي تحظى برعاية فنية في الحلقة الأوروبية – الأمريكية يقدّمها قيّمين فنّيين غير محليين مدربين في مجال الفن في العالم الغربي، وقد انتهى بهم المطاف أيضاً ينتجون معظم ما كتب حول هذا الموضوع. ولا يخفى أن غالبية مواضيع المعارض تنتمي إلى ما أسميه بالاستشراق الجديد - شرق أوسط جديد شيّد في الغرب رداً على الاستشراق التقليدي، سواء كرد فعل أو تصويب. وبطبيعة الحال، ترافق تنامي الاهتمام بهذا الموضوع بعدد متزايد من المبادرات الساعية إلى بناء التفاهم. بيد أن معايير معيّنة لا تزال تتحكم بالميدان ومن المرتقب أن تستمر في صياغة المساعي في السنوات المقبلة (مثلما فرضت بعض مظاهر الاستشراق التقليدي نفسها في النقاشات الحديثة على رغم عمل إدوارد سعيد البارز). وتبقى الفجوة قائمة بين القيّمين الفنيّين والعلماء في هذا المجال فيما يمتلك القيّمون النفوذ الأكبر لصياغة الخطاب المطروح.
في النهاية، لا بدّ من الإشارة إلى أن نزوح مراكز إنتاج المعرفة قد أثّر في تطور تعليم الفن وتاريخه في المنطقة. وبصفتي أستاذة مقيمة في أمريكا، أواجه دائماً مشكلة نقص الموارد المتاحة الكفيلة بالمساعدة في تدريس فنون المنطقة. ولا شك في أن هذه المشكلة أسوأ بكثير في العالم العربي حيث يتوفّر عدد قليل من الموارد المتاحة ومعظمها باللغة الإنكليزية أو الفرنسية. إلا أن بعض المبادرات المؤسسية حول العالم العربي كما الأبحاث الجديدة والتفكير الحرج الذي يتسلّح به عدد متزايد من العلماء الشباب تدل على توجهات مبتكرة ممكنة للنهوض بالمستقبل في هذا المجال.
ملاحظات:
1. فريديريك جايمسون، عصرنة فريدة، لندن، 2002، ص. 12.
2. راجع سلافوي زيزك، ""الثورة الناعمة" المستمرة"، كريتيكال إنكوايري، العدد 30، رقم 2، 2003 – 2004،http://criticalinquiry.uchicago.edu/issues/v30/30n2.Zizek.html
3. يبدو النقص الحالي في المصطلحات الموحدة في اللغة العربية جلياً في نسخ المصطلحات الغربية بالحرف العربي بدلاً من ترجمتها. وعلى سبيل المثال، لا يزال المقابل العربي لمصطلح "curator" قيد النقاش لأنه يجدر بترجمة جذره إلى اللغة العربية أن تجد مبررها في المراجع

القاص المغربي أحمد شكر: كل يسعى إلى ترويض أبدية الوجود - حسن البقالي


القاص المغربي أحمد شكر:
كل يسعى إلى ترويض أبدية الوجود

 حسن البقالي


تحت هذا العنوان نود أن نعرف بمن أمكننا التواصل معهم ولقاؤهم على أرض الواقع ضمن لقاء قصصي بمدينة تيفلت، من الأصدقاء والزملاء كتاب القصة. ننطلق في هذا المسعى من نية الاحتفاء بكتابنا وإسباغ الأهمية الضرورية على لقاءاتنا القصصية، كي تتجاوز شكل الحضور العابر والمرتجل في كثير من الأحيان.
ننوه بدءا بأن التقديم قراءة خاطفة لمجموعة قصصية للكاتب (قد تكون المجموعة اليتيمة له، أو المجموعة الوحيدة التي أملكها ضمن مؤثثات مكتبتي الخاصة،أو المجموعة الأخيرة) تقع في منطقة وسطى ما بين التقديم المألوف والقراءة النقدية، ونضع فيها الأصبع على خاصية أو أكثر مما رأينا أنها تسم عمل الكاتب.
نتبع التقديم بسؤال مستوحى من قراءة المجموعة وموجه للكاتب قبل يوم اللقاء والسؤال بورقة الجواب المعدة من قبل الكاتب.و نتبع الجميع بقصة للكاتب ستكون إجمالا هي القصة المقروءة ضمن فعاليات اللقاء، سواء كانت من قصص المجموعة موضوع التقديم أو مجموعة أخرى من اختيار الكاتب.
حسن البقالي
هذا اللقاء مع: أحمد شكر:
التقديم:
قاص لا يجد عن القصة القصيرة بديلا - حتى اللحظة على الأقل - ، ذلك أنها الشكل الأنسب للتعبير عما يود إيصاله ككاتب. ولعله يعيد على المستوى الفردي ما سبق لعبد الله العروي أن طرحه على المستوى المجتمعي..و لا يهمه إلى أين يمضي النهر (نهر الكتابة بالطبع) بقدر ما تهمه الخضرة التي يمكن أن يخلفها وراءه.
صدرت مجموعته الأولى بعنوان أمازيغي جميل "تودة"
والمجموعة الثانية كان للعين الرائية للقاص أحمد بوزفور أثر في تسميتها فإذا "العناصر" تستوي عتبة لها وتستجمع ما توزع من ماء وتراب وهواء ونار ضمن أضمومة.
هناك مدماكان أساسيان تنهض عليهما:
أولهما أن التصفيف النصي للمجموعة جاء مستجيبا لإحدى وظائف العنوان كمبشر بالمحمولات والمتون، مما يجعل من النصوص حزمة سردية موحدة ولو توزعت على أربعة ألوان.
وإذا كانت الدراسات النقدية الحديثة تولي أهمية لكل ما يساعد على إضاءة النصوص من حواش ونصوص موازية ومتخللة وعتبات، فإن عنوان "العناصر" الذي يعلو قمة المجموعة مثل راية حمراء متعذر تجاهله، وأية قراءة للمجموعة لا تنفذ إلى دقائقها إلا من خلاله.
فهنا ربط لسؤال الإبداع بسؤال الكينونة، سؤال النشأة ودهشة البدايات الذي تفرقت دماؤه زمنا بين العناصر الأربعة كإسطقسات متعددة لجوهر واحد هو الإنسان.
ثانيهما الحضور المكثف للسؤال داخل المجموعة، حيث يشكل السؤال المفتتح والاستراحة والمحفز لاستمرار الحكي وانتهاك أي يقين مفترض. إنه إحدى التقنيات الأساسية التي تلح السرود داخل المجموعة على امتطائها منذ أول جملتين سرديتين في أول قصة: "هل ارتاح الجنود يوما؟ ومن أوجد أصلا هذه المهنة؟" وكأن سارد أحمد شكر ذاك الطفل الأبدي الذي ما ينفك يواجه متغيرات المحيط بالسؤال، لولا أنه طفل تجاوز الثغثغات الأولى إلى لغة شعرية ناصعة وأنيقة.
السؤال:
أستاذ أحمد
إضافة إلى هذه الخيمة الرؤيوية التي تغطي فضاء المجموعة ككل، الملاحظ أن لك ولعا بالكتابة الشذرية التي تذري العالم وتنسبه إلى أرقام..
بين الرقم والحرف.. النسبي والمطلق، كيف تبدو لك سيمياء الكتابة: هل هي اقتناص لأرواح الواقع المحلي أم سفر بين العوالم والأكوان والأزمنة؟
ورقة الجواب: شغف الكتابة
كل يسعى إلى ترويض أبدية الوجود من خلال منمنماته الخاصة، ومسلكي الجد بسيط هو الشغف بهذه اللغة المسكونة بحزنها التاريخي.
هناك دائما أسئلة عالقة كالمسلات البابلية الممحوة من شاشة الرؤية العامة كسؤال النهايات وما يدور في الأذهان الشاردة و الماورائيات، لكن علينا نحن أن نعمل بطريقتنا على ترويض لغتنا الخاصة لأنها الضابطة لإيقاع وجودنا وعلامتنا الفارقة، والفاتحة شقا لفهم الصيرورة العامة للحياة.
الكتابة هي محاولة لترويض هذه الغربة التي نستشعرها سواء في المكان أو في الزمان لأنها الفعل الجوهري بالنسبة لنا، سواء في إطلالتنا على العالم أو في تعاملنا معه، وتمثل وتبصم إصغاء الجسد إلى حركة الوجود بكل تدفقه، نغرف من هذا القاموس المرهق والمفتقر إلى التجدد ما استطعنا إليه طريقا كي نطعم معجمنا الذي أصيب بالتخثر والإرهاق.
نقيم في الحدود الدقيقة الفاصلة بين المماهات والخصوصية الذاتية دون أن نتخلى عن هذا الهوس الطاحن بكل الأرواح المستكينة والمتمردة أيضا التي ظلت عالقة بشقوق الأمكنة التي عبرتها و عبرتني،  فتنت حد الهوس بشعرية الأشياء الصغيرة الكامنة في ثنايا الحياة و العلاقات الخفية الرابطة بين المحلي المسرف في ضموره والكوني العابر كل الأزمنة.
المحلي متمثل في ذبذبات الوجود المضاجعة لسمفونيتها الخالدة وكيف تأسرك مشاهد مقتطعة أو في طريقها إلى الانمحاء بكل ألق أرواحها المقيمة هنا وهناك والسفر في عوالم المداد وما يسبغه على وجودنا الفيزيقي من ترحال دائم.  
القصة: كفن عام
صباح ربيعي ندي، عبور منخطف لمتسوقين مستعجلين وانتظار مرهق لفاتح باب الرزق.
زبناء الصباح جديون يشترون دون مغالاة في الشطارة على خلاف زبناء العشية المهووسون بالتفرج وهدر الوقت والجهد.
وقفت بباب الدكان، ملأته بطلعتها التي تشي ببهاء عمُر طويلا في هذا الجسد الذي لا زال صلبا واقفا بتبات وعزة تقطر من كل تقاطيع هيكلها، حتى الشامة الوحيدة الموشومة على الخد الأيسر بلونها الأخضر الباهت تفرد بوابة الخيال لاستحضار تاريخ امرأة باذخة، لم تكن يوما مسرفة في عرض زينتها ولا راكدة وراء وهم الموضة السالفة الناهلة من دم لحظتها.
وأنا أسألها حاجتها منحتها كرسيا لتريح هيكلها الستيني أسلوب اعتدناه لضمان جيب الزبون وسد منافذ الزيغان لديه، استوت على الكرسي وقالت:
- أريد كفنا.
- رجل أم امرأة؟
- امرأة.
هكذا نبست وظلال ابتسامة بهية تهيم على المحيا الدائري.

فردت الثوب الأبيض الناصع ذو الخطوط الخشنة وتناولت المتر بين يدي لتأدية طقس تعودت عليه بكل ميكانيكية، لاحت مني التفاتة لمحياها الذي كان مبتهجا ولا أثر لأية مسحة حزن عليهـا فرددت شفتاي لازمة تعودنا عليها ونحن نقيس: "الله يرزقكم الصبر ألالا"
تألقت ابتسامتها أكثر وهي ترد علي:"هاد الكفن ديالي"
مادت الأرض بي وأنا أستحضر حكاية أمي عن جدتها التي كانت تحمل كفنها في ظهرها كصغير عزيز ترف عليه بكل حناياها، استحضارا منها ربما لحتفها المترصد بها أبدا، وربما هي ندرة الثوب في زمن ظن حتى بالطعام على البشر الذين تهاووا في الطرقات فارغي البطون، ولكن هذه المخلوقة التي يشع نورها في أبهاء المحل تجلس مطمئنة وكأنها غير معنية بكل هذه الأسئلة التي تعتمل في أعماقي والتي أطلقت شراراتها حتى دون أن تستأذن في طرق قدري، وكأنها خبيرة بما يجوس في الأعماق نبست حتى دون أن أنتبه:
- مالك جاك هادشي غريب؟
-لا..لا.
- شوف أولدي، لموت هنا حدا جدارة لودن، باركة ما بعيدة والو.
آمنت على قولها بهزات من رأسي لكنها لم تكتفي بما قالت، بل أردفت قائلة:"سعدات من اهتم بقبرو وصلحو، شوف أولدي، لقبر ظلمة كينغل باللفاع والعقارب، والعمل الصالح هو من يجعل الخوف يذهب والنفس تطمئن لهذه الحقيقة"
لم أجد بما أجيب عليها غير تحريك رأسي بحركات تعضض ما نبست به.
من أين لي جرأتها، اطمئنانها، تجربتها وغناها الروحي، وإيمانها بحتمية نتلفظ بها شفويا فقط ؟

طويت الثوب، ووضعته في كيس بلاستيكي أسود كي يحجب هذا البياض الناصع المخيف.
لم تساوم أو تناقش كما تفعل عادة النساء قبل تأدية ما بذمتهم، نقدت الثمن بكل أربحية ثم أردفت:
-هذا هو الكفن السابع الذي أشتريه، ولا أعرف إن كان لي أم من نصيب امرأة أخرى؟
لم أفهم، ورغما عني أفصحت شفتاي عن حاجة عقلي كي يعرف:
- كيف؟
- كيفاش؟
- هذا كفن عام.
- ما يقفلش عندي عام في الدار وإلا كان من نصيب أول مغادرة.
- في سبيل الله؟
- نعم في سبيل الله ألم أقل لك أنه يجب علينا أن نفرش قبورنا...
وغادرت وتركت لي عشرات الأسئلة التي كانت مزدحمة على تخوم القلب والشفاه.


فينسنت وطيو فان خوخ الفن والأخوة حتى اللحد-*نصيرة تختوخ




فينسنت وطيو فان خوخ الفن والأخوة حتى اللحد
*نصيرة تختوخ
ثقافات

فان خوخ في حكاية قطعه لأذنه أو اعتباره الفنان المجنون رغم صحة التفصيلين في سيرته المليئة بالدأب والإنسانية والتفكير والتأمل العميقين.
إن أي شخص يقرأ رسائل الفنان خاصة لأخيه طيو الذي دعمه وكان له المستمع والمحاور والسند سيلمس ذلك النبل الموغل في روح الفنان والاختلاف مابين الإنسان النمطي والعادي ومن أوتِيَ الموهبة ورقة الحس.
يصف أنطون فان رابارد فينسنت فان خوخ بعد وفاته لوالدته في رسالة فيقول :'' إن من رأى ذلك الوجود الصامت، المصارع، المتألم، لن يشعر باستلطاف الرجل الذي طالب جسده وروحه بالكثير حتى أنهكهما.لقد انتمي للفصيلة التي يولد منها الفنانون الكبار ''.
ينصف فان رابارد صديقه بهذا الوصف الأخير وتشهد مجموعة الرسائل والأعمال المحفوظة للفنان المنتحر أنه كان دقيقا ومحقا فيما صرح به.
يتعثر فينسنت فان خوخ في حياته العملية بداية بالمشوار الديني ثم التجاري وينغمس في الفن تماما دون أن يوفر له المردود الكافي أو حتى مايغنيه عن معونة أخيه المادية لكنه يواصل دأبه بشغف منقطع النظير متابعا في الوقت ذاته مسيرة ونجاحات غيره من الفنانين والأدباء مبديا تقديره وإعجابه بدون عقد تذكر لايمكن إلا أن يكون من خامة الكبار والعظماء إنسانيا.
الانتقال من المناظر الداكنة إلى اللوحات المضيئة وركوب موجة التأثير اليابانية للخروج بألوان وأفكار جديدة ،استكشاف التمازج اللوني وقراءة الألوان في لوحات الغير لم تكن المراحل المؤدية إلى معرض أو صالون كبير لكنها تنقلات الفنان الذي يسعى نحو مايريد تطويره وإتقانه والوصول به إلى الرضا والجديد. 
كان يريد أن يقول في لوحة شيئا مواسيا كالموسيقى ولايستطيع أحد أن ينكر أن التموجات في السماء وشجرة السرو والنجوم المضيئة لا تفتح الكون الساكن من حولها على تناغمها الداخلي ليغيب الرائي في مشهد آخر ويخرج بطقس أكثر جمالا وانفتاحا, أزهار شجرة اللوز تبلسم القلب بودعاتها والمزهرية المثقلة بأزهار عباد الشمس تمارس أُنسها كأي معزوفة تنجح في العبور إلى ماخلف الوضوح.
فينسنت الذي يختم رسالته في 9 فبراير/ شباط 1886 مستحضرا مانز المتحدث عن پول بودري بما يلي :'' لقد اشتغل على تجديد الابتسامة '' يرفع أوجين دو لاكروا عاليا بتساؤله إن كان ليس مناسبا القول أن دولاكروا اشتغل على تجديد الشغف ويرتفع معه بقدرته على الجمع بين الملاحظة والتعبير والنسق وصفاء الروح.
مايستسهل البعض تسميته بتهكم جنونا يمكن أن يليق به توصيف أنسب هو المرض والانفلات من الإدراك صعب وقاس أثناءه وبعد.
الصداقة والإخوة التي جمعت فينسنت وطيو فان خوخ تركت للإنسانية إرثا يشهد على كيان ووجدان الفنان وروعة الرابطة الإنسانية حين تصبح ضربا من الإيمان بالواجب والمحبة والثقة التي لاتهز.
كل لوحات فينسنت فان خوخ في المتاحف العالمية وراءها المجهود والموهبة والإنتباه ومحبة أخ لأخيه ودعمه له ماديا ومعنويا.
كتب طيو لأخته في 13أكتوبر 1885 :'' فينسنت واحد من هؤلاء الذين شاهدوا العالم عن قرب وانسحبوا منه. بقي علينا الآن أن ننتظر أن يظهر إن كان عبقريا فعلا أم لا.
أومن بذلك...عندما يتحسن عمله سيصير رجلا كبيرا. في مسألة النجاح يمكن أن يكون مثل هييردال(فنان نرويجي كان مقيما في باريس) محبوبا من طرف البعض لكن لا يفهمه الجمهور الواسع.
من يهمهم فعلا , ومن القلب, الفنان الذي في جعبته شيء ما و يتبينون ماهو مجرد ذهب زائف سيقدرونه حقا وأظن ذلك سينتقم له بشكل كاف من الاستياء المعلن من طرف كثيرين ''.
بعد وفاة فينسنت في 27يوليو 1890دخل طيو في حالة كآبة صعبة وأدخل لمصحة لعلاج المرضى عقليا توفي في 25 يناير 1891 ونقل جثمانه حسب رغبة زوجته ،التي جمعت رسائل الأخوين ورتبتها وأتاحت للعالم فرصة التعرف عليها
، ليرقد إلى جانب أخيه في أوڤير سور واز Auvers Sur Oise في فرنسا.

الجمعة، 27 مايو 2016

أختام *- عادل كامل























أختام *

 الختم الثاني

عادل كامل
[1] من الظلمات إلى النور
     بين أن اترك أصابعي ترسم أشكالا ً لا واعية، أو غير مقصودة، وبين أن اصف العملية لأجل التدوين، إجراء شبيه بأول من رسم المثلث، أو الدائرة، وبين من كان يجد تبريرا ً ـ وتأويلا ً لهما. ثمة مسافة مزدوجة بين التنظير والتطبيق، وهي المسافة التي تتقلص ـ حد التلاشي ـ في التنفيذ، وتتسع في حالة الكتابة، حد التجريد، واللا حافات ـ أو اللا موضوع في نهاية المطاف.
     هل كانت أصابعي تؤدي ما كان يدور في راسي ـ أو في كياني ـ من الأصابع إلى المخ، أم أن هناك انحيازا ً للحواس، أو للعقل في سيادة أسلوب أو موضوع محدد في التجربة؟
     عندما وجدت نفسي ابتعد عن لون الخامة، وملمسها الطبيعي، وجدت بصري ينبهر بالألوان، فكنت امتلئ بنشوة شبيهة بنشوة طفل اكتشف أن الأرض لن تخذله بما تمنحه من عناية سأجدها ليست رمزية فحسب، بل وجمالية!
     وإذا كنت حريصا ً بعدم الخلط بين النادر والتقليدي، وبين الفردي والجمعي، فان للألوان دورا ً مغايرا ً للتخطيط أو للتكوين، وحتى للمعاني. ففي سنوات الجدب العاطفي كانت الألوان لا تشكل جسرا ً ولا علاقة ولا لغة مع الآخرين، وكأنني كنت اعترف ضمنا ً بالعمى اللوني، مما جعلني أكرس سنوات لكتابة (الأوثان)  بعد (عند جذر الوردة)، وبعد (ألفية الولد الخجول)، وهي تجارب لا تخفي ذلك اليباب بموت الإنسان، وليس بموت الفن أو موت الفلسفة حسب. ولم يكن هذا اكتشافا ً نظريا ً أو نقديا ً، بل جاء بفعل التجربة ذاتها.
     فعندما يشتغل البصر، تكف الأصابع عن تباهيها بدورها. إنها تغدو زوائد كأرجل خنفساء كافكا بعد أن انقلبت ووجدت نفسها في مأزق: لا تعرف ماذا تعمل. على أن أصابعي كانت ترقص ـ إنها تؤدي الدور الذي أومأ إليه بوذا ، وجدنا للرقص. بمعنى أنني ـ هنا ـ رحت استبعد أي اهتمام بالمخالب، وبالدفاعات، والمضمرات العدوانية. فالسلام مع العالم غدا دربا ً متحدا ً مع غاياته. فأنا لا أريد أن أصل إلى نهاية الطريق ـ لا لأنه في الأصل لانهاية له، وإنما لأن الحركة ذاتها تمتلك لغز غايتها في السلام الروحي ـ بل أنا حررت ذاتي من الغاية عدا أنها سكنت الدرب. هذا المشترك بين الخامة والمقدمة سمح للألوان أن تعيد للأختام ـ النصوص المضادة للأثر ولكن السالكة دربه ـ بحجة إنسان لم يعد يجد في عالمه إلا تأملات كائن محكوم بسجن لا أبواب له ولا منافذ. فيا لها من لذّة ملغزة دمجت البصري، المرئي، بما هو ابعد منه، ابعد من رؤية ذرات ذات أطوال تتجاور باختلافها وتنوعها نحو مفهوم للروحي عبر اللذّة.
     هل ثمة علاقة ـ صلة ـ ما تسمح للقلب أن يضطرب، أم ذكرى ما تتجدد ـ وتجدد ـ، لبرهة من الزمن، عمل الومضات؟ لا امتلك إجابة دقيقة، وأمينة، مع نفسي، بقدر انشغالي بحركات طفل ـ هو حفيدي ـ راح يذكرني بان العالم مازال حاضرا ً وزاخرا ً بالعطور والصخب.
     وجدت بصري يعيد ـ بعد أن كانت الأختام علامات حرصت أن لا أنهكها بالمشفرات ـ معالجة الخامات بألوان طالما غذت سنوات طفولتي: الوان بعدد الذرات، وليس بعدد الأشكال! فالعالم ـ إن كان خارجيا ً أو داخليا ً ـ لم يعد مجموعة قوانين صارمة ومحكمة حد أنها دمجت النهايات بمقدماتها. 
     على أنني لم أتوقف عن متابعة كتابة فصول رواية استذكر فيها سنوات ما قبل  عام 1980، عام الحرب.  لكني توقفت لشهرين في الأقل عن الكتابة  بسبب زميل كلفني بعمل  وجدت نفسي أنجزه بلذة مرة ، وفي الأيام ذاتها (نيسان 2011) كان علي ّ أن أقدم نموذجا ً تخطيطيا ً لنصب كي احصل على مبلغ يساوي راتبي التقاعدي لخمسة أعوام، لكني ـ بدل ذلك ـ وبعد أن تحررت من تكليف زميلي لأيام خلت ستطول ـ انشغلت ـ ليلا ً بمتابعة الدوريات الأوروبية: الاسبانية/ الانكليزية تحديدا ً ـ ثم نهارا ً: أن لا أميز أكانت الألوان هي التي أعادت لي بصري، أم بصري هو الذي سمح لي أن أجد في الألوان عملا ً شبيها ً برسامي الكهوف وهم يؤدون أعمالا ً لم تبلغ نهايتها، في موت الحواس، أو في محوها، أو في جعلها تعمل بلون واحد.
    كم استغرقت كي اعرف أن المسؤولية التضامنية بين البشر ـ في عالمنا برمته ـ وحدها تخفي عملا ً ما في حياة لن تبلغ نهايتها، لكني عمليا ً كنت دمجت النهايات بالأمل، والمشهد الكلي بأدق ما تراه الأصابع، لبصر لم يكل عن نسج تجمعت فيه العناصر ذاتها التي ـ أحيانا ً ـ تبدو خارج الرؤيا،  والرؤية ـ وخارج مدى حركة الأصابع ـ ونبضات القلب.
     كانت للألوان، داخل جدران غرفة مكتظة بالكتب، والصحف، والصور، رائحة طفل ـ هو حفيدي علي زيد ـ تغويني بالحفر في مدافن قلب لم يعمل دائما ً بالمثل السومري: ما من امرأة ولدت ابنا ً بريئا ً قط! ذلك لأنني لم اقلب ـ ولم اعدل ـ المثل بل رحت أوازنه بمضاداته.  فالموت ذاته لم يعد إلا لغزا ً تتكون عبره الصيرورات ـ لكنني لم أقع في الغواية، ولم أهلهل لها، ففي الحكاية ذاتها التباساتها، ماضيها ومستقبلها: آثامها/ جدلها/ مفاتيحها/ انغلاقاتها مما جعلها تمتلك قدرة  الامتداد، واستكمال دورتها. فانا مادمت لم اقدر على اختيار الموت، لم اختر الحياة كي ارتقي بها إلى النذالة، والعدوانية، والخساسة، بل رحت أعالجها كحقيقة علي ّ أن اترك كياني برمته أن يجاورها، نحو السكن فيها، ومعها، بصياغة ألوان تعيد للأعمى ـ الذي هو أنا ـ دربا ً سمح لي أن أوازن بين اللا وجود ـ والمرئيات، عبر ألوان تتحدث عن شهادة أعمى يمشي من الظلمات إلى النور، ومن العتمة إلى الفناء.
[2] ضد السلعة 




     الحقيقة الأقل إثارة للجدل ـ ولكنها الأكثر التباسا ً ـ أن الزمن يكمل دورته: إنه لن يرتد. وبمعنى ما كنت أتخيل ـ وأنا في المناطق النائية التي وجدت سكني فيها ـ مشهد اللا زمن: اللا مشهد، فازداد سكينة طالما أحسست أنني جزء من مديات تتخللها ومضات، وتصادماتـ وإشعاعات،فاستنجد بما فعله أسلافي: صناعة دفاعات! فثمة (عدو) ما يهدد اقتلاع كياني، جعلني اكتشف ـ ببساطة ـ أن المفتاح الذي امسك بدورته في القفل هو جزء من كياني ذاته! فلا أجد لذّة توازي عدم إهمالها تشاطرني الشرود: انه ليس الاكتشاف، وليس البحث، إنما هو هذا الذي لا امسك فيه وقد راح يتكوم فيّ، يتناثر مجتمعا ً في أقاصي هذا الشرود. وبمعنى ما فالمشكلة ليست فنية خالصة، أو لها علاقة بلغزها المشفر، والجمالي فحسب، بل بالمراقبة والاستئناف أيضا ً. 
     ما معنى أن انشغل بعمل أنا ـ هو ـ أول العارفين انه ليس سلاحا ً للدفاع لا عن الجسد، ولا عن النفس. فانا هنا ابلغ ذروة المصالحة. بمعنى ما أنني اكتشف  ـ كأسلافي في تدشين الأعمال الشبيهة بالفن ـ أنني احتمي بما اصنعه: مجسمات بدت لي أنها تشبهني، لا كمرآة، بل كأجزاء متناثرة تعمل بنبضات القلب، وبلغز ومضات الوعي، وكأن الإدراك غدا شريكا ً مع الأصابع ومع باقي الحواس في هذه الرؤية ـ والرؤيا. فاكتشف فجوة ثانية تفصلني عن نفسي: ما هذا الوعي الذي غدا سكننا ً ـ وليس له منفذا ً، وليس له خاتمة؟
     انه ـ من غير مقدمات ـ أصبح آلية لا سريالية، بل منطقية لكائن مخلوع، وليس مرميا ً أو منفيا ً في الوجود.  فانا لا انتمي إلى ارض أو إلى نبات أو إلى قبيلة، بل أصبحت جزءا ً من الكل، بعد أن تحول العمل إلى شاهد علي ّ: فانا لم اربح شيئا ً    ، مثلما لم ْ أعد أفكر في الخسارات.  فما أنجزه يتجمع من حولي، منه إلي ّ، ومني إليه، ليمنحني رغبة مضادة لترك العمل، أو الانشغال بالصفر، أو بالفراغات. فلم يعد الختم مرآة، ولكنه سمح لي بانشغالات بصرية تخص ما هو قيد الانجاز، وليس بما أنجز، أو كان منجزا ً سلفا ً. أنني أكاد امتلك نظام خلية الخلق البكر: انتظام الومضات، من العوامل المكونة لها، وصولا ً إلى العمل الذاتي الآلي كاستحداث لذات تعلمت المكر، لكن من غير انشغال بالخديعة؛ بالربح أو بالخسارة، أو بما سيقال. 
     هل صاغ الصانع الأول مثلثاته، خرزه، إشاراته، دماه، خطوطه ومستطيلاته لأنه وجد حريته تنذره بالهزيمة، وبالموت، فجعل منها ـ كما فعل النحل/النمل/ والطير ـ معماره المقنن برهافات وتقانات بالغة الانضباط ـ كي أعيد، في سياق هذا اللاوعي ـ نهايات تحولت إلى غواية، وكلمات، لا امتلك إلا أن اشرع في صياغة مقدماتها، كأنها الضرورة سكنت ألتوق، وكأنه ألتوق وقد قيد بالضرورات....؟!

تأملات أثناء العمل ـ وقد سبق أن نشرت حلقات من التجربة تحت عنوان: اختما معاصرة.


ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل-بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
نجح أفيغودور ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا" في تحقيق الكثير من المطالب التي كان يتطلع إليها، والتي عجز عن تحقيقها في حكومات نتنياهو الثانية والثالثة، والتي بسبب عجزه عن تحقيقها سابقاً، اعتذر عن المشاركة في الحكومة الرابعة الأخيرة التي أعلن بموجب الاتفاق الجديد انضمامه إليها، ولكنه ينضم إليها من موقع القوة والغلبة وزيراً للأمن لا وزيراً للخارجية، بعد تحقيق الكثير مما كان ينادي به ويطالب، الأمر الذي أظهره في المعركة منتصراً، وفي المفاوضات قوياً، وعلى الشعب حريصاً، وعن حقوق المهاجرين الروس تحديداً مدافعاً، وعلى مصالحهم أميناً، وبالرئاسة الأولى في المستقبل جديراً.
بدا أفيغودور ليبرمان وفريقه المعاون وكأنه كان يفاوض خصماً ونداً لتغيير دستورٍ وإعدادِ ميثاقٍ، وصياغةِ عقدٍ جديدٍ للكيان الصهيوني، يختلف عما سبق، ولا يشابه ما مضى، يسور به الدولة ليهودية، ويحفظ به حق شعبها في أرض فلسطين التاريخية، ويحول دون التفريط في أي جزءٍ مما يعتقد أنه حقهم الموروث، وملكهم الموعود، فقد أملى على نتنياهو التمسك بيهودية كيانهم والمباشرة في إعلان الهوية والعمل بموجبها، ممهداً بذلك لطرد الفلسطينيين من مناطقهم، وتطهير كيانهم منهم، وإحلال آخرين مكانهم، خاصةً أن الصفقة التي وقعها نصت على أن يكون وزير الاستيعاب من حزبه، وهي الوزارة التي تعنى بالمستوطنين وتهتم بشؤونهم.
واشترط ليبرمان على حق الإسرائيليين في الشتات في التصويت والانتخاب، وأن يكون لهم دورٌ في اختيار ممثليهم في الكنسيت، وأن تمنح وزارة الاستيعاب التي سيتولاها أحد أعضاء حزب "إسرائيل بيتنا" الحق في العمل في الشتات لتشجيع الهجرة وجمع التبرعات لتعويض المهاجرين اليهود ومساعدتهم، وأن يكون من صلاحياته تشكيل لجانٍ وزارية وأخرى مختصة للعمل في مجال استيعاب المهاجرين وزيادة أعداد الوافدين، وحتى يتحقق هذا الهدف فقد فرض طرح موازنة لسنتين لتغطية برامج الاستيعاب.
ونص الاتفاق بينهما على وحدة أرض إسرائيل الكاملة، وسيادتها على كامل الوطن القومي والتاريخي للشعب اليهودي، وأن هذا الحق مقدس وغير قابل للتقسيم أو التفريط فيه، بعاصمته القدس الموحدة، وفي حال التوصل إلى أي اتفاقٍ مع الفلسطينيين أو العرب، فإنه ينبغي عرض هذا الاتفاق على الكنيست أولاً للتصويت عليه، ثم على الشعب لاستفتائه والأخذ برأيه، شرط ألا يخالف الاتفاق ابتداءً أي بندٍ من بنود التحالف، فبدا ليبرمان بهذا الاتفاق وكأنه الوصي على الحقوق التاريخية للشعب اليهودي والأمين عليها، وأكدت بنود الاتفاق على جواز ضم أي منطقة أو مستوطنة إلى حدود الكيان، إذا تطلب الأمن ذلك، أو فرضها واقع التوسع السكاني والكثافة الاستيطانية .
وبموجب الاتفاق فقد أصبح نائب رئيس الكنسيت الإسرائيلي من حزب "إسرائيل بيتنا"، وسمي آخرون أعضاءً في اللجنة الاقتصادية التابعة للكنسيت، وفي المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية، وفي اللجنة الوزارية لشؤون الرموز والمراسم، وفي اللجنة الوزارية للتشريع وغيرها، وبذا يكون أفيغودور ليبرمان الذي يتمثل حزبه في الكنيست بستة أعضاء فقط، قد انتشر وتمدد في أكثر من مكانٍ وموقعٍ في الحكومة والكنيست، وفي غيرهما من مواقع القرار والسلطة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، ليحصن بذلك وجوده، ويضمن تحقيق شروطه.
كثيرةٌ هي المطالب التي حققها ليبرمان من بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، الذين خضعوا مثله لابتزازات حزب "إسرائيل بيتنا" ورئيسه، الذي يعلم مدى حاجة نتنياهو له ليوسع قاعدته البرلمانية، ويزيد عدد الأعضاء المؤيدين لحكومته، إذ أن عددهم 61 نائباً فقط، وهو الأمر الذي يجعل حكومته ضعيفة وغير مستقرة، لكن بانضمام ستة نواب جددٍ، فإن تأييد حكومته يرتفع إلى 67 نائباً، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الحكومة استقراراً وثباتاً، ولكنه يخضع رئيسها لابتزازات وضغوط وشروط الأحزاب المشكلة لحكومته، والتي كانت أربعة ثم أضحت بالاتفاق الجديد خمسة إلى جانب حزب الليكود الأم.
ها قد نجح ليبرمان في الحصول على ما يريد، وتمكن من تقييد خصمه بقيودٍ وأغلالٍ كثيرة، فهل ينجح في إدارة المستقبل وتحقيق الأهداف التي يتطلع إليها، وهو الذي فشل لمرتين سابقتين في إدارة وزارة الخارجية التي أخضعت له، وسلمت إليه، فتسبب برعونته في التضييق على سفارات كيانه، وأفسد علاقاته الخارجية، وعطل الاجتماعات التضامنية معه، ودفع نظرائه إلى الابتعاد عنه وعدم دعوته، وتعمد عدم لقائه أو الاحتكاك به، ثم غادر الوزارة برصيدٍ كبيرٍ من الفشل والعجز والكره، حتى أن الطواقم الدبلوماسية الإسرائيلية قد اشتكت منه، وأبدت استياءها من أسلوبه ومن طريقة معاملته، وامتنع بعضها عن التعامل معه أو تلقي التعليمات منه، واستعاضت عنه بالاتصال بمكتب رئيس الحكومة.
لعل البعض يقول بأن المسافة بين نتنياهو وليبرمان محدودة، أو أنها معدومة أصلاً، ولهذا فقد قبل بالقيود ورحب بالأغلال، وسعد بالشروط، فهما يتشابهان في الفكر والسياسة، وفي العقيدة والإيمان، ولكن الأول متلونٌ كذابٌ، ومنافقٌ محتال، بينما الثاني واضحٌ وصريحٌ، لا يتردد في الكشف عن مواقفه، أو بيان سياسته، فهو أسودُ الوجه كالحٌ بشعٌ، فظ الخلق خشن اللفظ سليط اللسان، لا يفهم في الدبلوماسية ولا يراعي أصول اللياقة واللباقة وحسن التعامل، لكن حقيقة الرجلين واحدة، وسياسات الحزبين متشابهة، ولا فرق بينهما سوى في التعبير عنها، لكنهما معاً يسعيان لتحقيق ذات الأهداف، وما الاختلافات بينهما إلا شكلية أو وهمية أحياناً، لا تستند إلى واقع، ولا تعتمد على حقيقة.
بيروت في 26/5/2016
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
tabaria.gaza@gmail.com

في مَديح الزَّقْزَقة .. في هِجَاء العَصَافِير-*لانا المجالي

في مَديح الزَّقْزَقة .. في هِجَاء العَصَافِير
*لانا المجالي



(1)

الأُغْنِيَةُ أكثر ديمومة من حنجرة صَدَحَت بكلماتها. الموسيقا خالدة حَتَّى لو مَاتَت كُلّ العَصَافِير.

(2)

الشّاعِر؛ رجلٌ بالغٌ عاقلٌ، تَعْتَريه حالةٌ من الوهم بَيْنَ وَقْتٍ وَآخَرَ، يعتقد خلالها أنه الطّفل شادي المُبتَلى بغواية الأغصان العالية.
الشّاعِرة؛ طفلةٌ هادئة تعتريها حالة من الوهم بَيْنَ وَقْتٍ وَآخَرَ، تعتقد خلالها أنها المرأة وداد الحُبْلَى في شهرِها الخامس دون أن تَسْلَم من مُعاناة الوِحَام.
القَصيدة؛ جرحٌ عميقٌ في رُكْبَة شادي، وما يشبه رَسْم تُفَّاحة أعلى ذراع وليد وداد.
الشِّعر؛ شجَرة دائمة الخضرة في وادي الجِنِّ، وفي روايةٍ أخرى، سُرَّة في بطن حوريّة انقطعَ حَبلٌ كان يربطها بالبَحر.

(3)

عندما مرَّت جنازة قريبي الشّاب العازِب من تحت شرفة بيت العزاء المخصَّص للنّساء، فَقَدت امرأة وعيَها وسقطَت أرضاً، وصرخَت ثلاث فتيات ملء فجيعتهن، وبكَت نِساءٌ كثيرات، أو تظاهرن بذلك.
ثمّة فتاة؛ فتاة واحدة انْفَرَجَتْ شَفَتاها عَنْ ابتسامةٍ وهي تراقب المشهد بصمت، وفي لحظةٍ ما رَفَعَت يدها اليُمنى مُلوّحة للموكب الحزين، وعَلَت تقاسيم وجهها حُمْرَةٌ مُحَبَّبة تفصحُ عن حياءٍ عَفيف، قبل أن تسارع إلى سَتْرِ ارتباكها بشالٍ أبيض رقيق كان مُلقىً بلا مُبالاة فوق كَتِفَيْها.
عرفتُ لاحقاً أنّ المَليحة المشرقة كانت حبيبة الشّاب الرّاحِل، ولم أقرأ حتّى اليوم ما يضاهي تلك الصّورة الشّعريّة بلاغةً وصِدقاً.

(4)

القَصيدة مِحْنَة الشّاعِر، ورغبته الجارفة في دعوة فتاة قرويّة كان قد رسمها بقلم الرّصاص على حائط غرفته إلى حفلٍ راقص في فيلمٍ السَّهرة الأجنبي، لو كان يتقِنُ الرّقص دون حذاء؛ .. المَجاز مِحْنَة الفتاة القرويّة المُتيّمة بالبطل مفتول العضلات في فيلم السّهرة الأجنبيّ.
اللغة مِحْنَة المعنى.
الشّعر مِحْنَة الشّعر.
الشّاعر مِحْنَة الجميع.

(5)

يتسكّع عبر شوارع المخطوطات العتيقة وأزقّة الإصدارت الجديدة في المكتبة العامَّة. ينصبُ خيمته تحتَ سماءٍ مُقْمِرة. يلقي شبكته في النّهر الميّت. يطرقُ أبوابَ البيوت المَسكونة بالجنيّات. يتشرّد في المعنى. يضع يده في جيبِ بنطاله المهترئ ويصفرُ بلحنٍ حَميم!.
من أين يجيء الشِّعر؟
من تلك المنطقة المجهولة التي لا نعرفها. من الأشياء المهمَلة التي نتعثّر بها،فجأة، ونحنُ نَخوضُ حُفَاة في نومِنا الليليّ ( ... دميَة فقدت ذراعها وشَعِثَ شَعرها الأشقر. فردة حذاء أحمَر بكعبٍ عالٍ. حقيبة الأدوات الرّياضيّة المفتوحة. مجسّم "بات مان". كِتاب العلوم للصّف الخامس. كوب الحليب البلاستيكيّ)، نَقَع مِن أعلى الحالة اللاشعريّة شِعراً. نشجُّ رؤوسَنا. تنكَسِرُ سيقاننا، وتنهضُ القَصيدة.
أنْ نبحَث عن الشِّعر في كل ما لا يبدو أنّه شِعر ولا يؤدّي بالضّرورة إليه؛ الإيحاء. المُضْمَر، وما لا يُقَال من الصّمْت الطّويل. الثّقيل. البَليغ.

(6)

الشِّعر لا يولَد من شيء، بل يولَد مع شيء؛ ليس صوْته بل صَداه.
الشِّعر ثورة ضدّ قوانين الشِّعر؛ حالة خلافيّة مع نفسه ومع الشّاعر.
الشِّعر خيطٌ نَحيلٌ بين اليقظة والحلم، بين الدّاخل والخارج، بين الانغلاق على التَّجربة الشَّخصيّة والانفتاح على الشَّارع العام بمسربين، بين العَتْمَة والضَّوْء، بين الرّؤيا والتّأويل، بين الفن والفلسفة، بين المُمكِن والمستحيل.

(7)

في مسألةِ الجماليّة والفعاليّة؛ الشّعر جَدوَى الشّعر.
القصيدة غاية القصيدة؛ فهي لا تُعالج فقر الدمّ والتهاب المفاصل والصّداع النّصفيّ، ولا تزوّد سكّان القطب الشّمالي بفيتامين "د"، أو تَقي من آثار تصبغات الشّمس، أو تُقدِّم خَدمات الإغاثة العاجلة لضحايا القَصف العشوائيّ. ليست كتاب التَّأريخ ولا الجغرافيا، ولا نشرة أخبار الثّامنة مساءً، وليست ضليعة بحلّ معادلات الجذر التَكعيبيّ.
القصيدة تلميذ يحصدُ العلامة"صفر" في اختباراتٍ صاغَ أسئِلتها بنفسه. الباب الموصَد مفتاحه فوق العَتَبة. العرض المسرحيّ بستارةٍ مُسدَلة.
القَصيدة أضْعَف من الرَّصاصة، والقنابل العنقوديّة، والاستبداد، والتّهجير، والظّلم، وقضبان السّجن، ومحاكم التّفتيش الجديدة، والتّمييز على أساس العِرْق والدّين والجِنس والهُوِيَّة.
القصيدة أجبَن من حَرب. أقصَر مِنْ شجرة ورد. أَقَلّ بلاغة من بيان انقلابٍ عسكريّ، وأكثر هَشَاشَةُ من ذِكْرى حبٍّ قديم، فلنتوقف عن تحميل أكتافها حقيبة ملابسنا الشّتويّة، أو كما قال بيلي كولينز:"ربطها إلى كرسيّ، وتعذيبها حتّى تَعتَرِف" أو"جلدها بخرطوم لمعرفة ما الذي تعنيه حقاً"، ولنهتف مع مارينا تسفيتا ييفا:
" كُلّ شيءٍ أعْطَى- مَنْ أعْطَى أغنية".

(8)

من العَبَث أنْ يكون المرء شاعراً. من العَبَث أن يكون عصفوراً في مرمى بنادِق الصّيادين.
من العَبَث أن يموت على حافَة العالم وهو يَحمي قصيدته من الإيديولوجيا والطّائرات والرّصاص الرّخيص.
من العَبَث أن تبقى في جعبته أغنية أخيرة، تقول:

بخمسِ شجرات غابٍ
يابِسَة
في كفيَ اليُمنى
أعزِفُ كيْ يرقصوا؛
أولئك الذين سرقوا الموسيقا
وحوّلوا مجرى النَّهْر عن جَسَدي
جَسَدي النّاي
نهر العِنَب
أولئك السُّكارَى
أعزفُ كَيْ يسمعَني البحّار؛
البحّار الذي لا يَنام
يأخذُ بثأري
يوقظهم
.. حتّى أنام.
______
*مجلة الإمارات الثقافية / العدد 45.


التاريخ : 2016/05/25 03:02:29

أخطاء الحب الكاملة *ترجمة: الخضر شودار-رسالة مارغريت دوراس إلى يان آندريا



أخطاء الحب الكاملة
*ترجمة: الخضر شودار




رسالة مارغريت دوراس إلى يان آندريا

يان، لقد انتهى إذن كل شيء. ما زلت أحبك. وسأعمل كل ما في وسعي لأنساك. وأرجو أن أحقق ذلك. لقد أحببتك بجنون. وظننت بأنك كنت تحبني. آمنتُ بذلك. الشيء الإيجابي الوحيد، كما أتمنى، والذي سيبعدني كليًا عنك هو أنني اختلقت قصة الحب هذه بمفردي. أظن أنك تحبني أنت أيضًا لكن ليس بمعنى الحب، أظن أنك عاجز عن احتواء الحب، إنه يفلت منك، ويتدفق خارجًا عنك كما لو أنك إناء مثقوب. الذين لم يعيشوا عن قرب منك، لا يمكنهم أن يعرفوا ذلك. أدركتُ بعض هذا عند عرض المشهد الأول بـ دوفيل. قلت لنفسي: مع من أنا؟ ثم إنك بكيتَ وانتهى الأمر. لكني لم أنس ذلك الخوف. أريدك أن تعرف هذا: ليس لأنك تراود وأنك تدخل في مراسيم شكوى المثليين، فأنا أتركك لذلك.

كل شيء كان ممكنًا، كل شيء لو أنك كنت قادرًا على الحب. أقول بكل وضوح: قادر على أن تحب مثل ما نقول قادر على المشي. كونك لا تخبرني بشيء هو ما صدمني، جاء من هذا السبب، من عدم الكلام، مما ينبغي أن يقال. ربما ذلك بسبب تأجيل وحسب، أتمنى. أنتَ لستَ حتى شخصًا سيئًا. أنا أسوأ منك. لكن في داخلي، وفي الوقت نفسه، الشعور بالحب، هذا الاستعداد المتميز الخاص للحب. أنت لا تملكه. أنت خالٍ من هذا. سأحاول أن أجد لك عملًا في باريس أو في مكان آخر، عملًا يناسبك. وأريد حقًا أن أستأجر لك غرفة بـ كيين حيث أصدقاؤك الحقيقيون. [...] أولئك الذين يعرفونك منذ قديم، ولا يستطيعون العيش في خدعة صيف عام 80 بـ تروفيل كما عشتُ. لن أتخلى عنك. سأساعدك، لكني أفضل أن أبقى بمعزل عن هذا الجفاف الذي يخرج منك، جفاف خانق وقاس ومخيف. لا أعرف من أين يأتي ولا كيف أصفه. سوى أنه: ثقب، نقص، فراغ بالقياس إليه تبدو عدوانيتي مثلا جنةً أو ربيعًا. أن أعيش معك، أو بالقرب منك، لا، مستحيل.

كنت تكتبُ إلي لسنوات فقط لأنني نجوتُ من هذا الوجود الكريه. أنا أحبك يان. يا للفظاعة. لكني أفضل مع ذلك أن أحبك على ألا أحبك. أريدك أن تعرف ما يعنيه هذا. يا له من صيف، يا له من وهم، كم كان رائعًا، لا يمكن لذلك أن يستمر، ولا كان ذلك ممكنًا، وحدها الخطايا تأخذ هذا الاكتمال. لا أعرف كيف سأتصرف في ما بقي لي من حياة، لأعوام قليلة. الجريمة هي: أن توهمني بالقدرة على الحب. وكمقابل لهذه الجريمة، لا شيء. إذا حدث أن واتتني الشجاعة الكافية لأقتل نفسي، سأخبرك. الشيء الوحيد الذي يمنعني هو طفلي. أحبك
مارغريت
_________

جعلتني أبكي ثانية


رسالة سيمون دو بوفوار إلى نلسون آلغرين

حبيبي الرائع الدافئ

لقد جعلتني أبكي ثانية. لكنها دموع الغبطة بكل شيء يأتي منك. جلست بالطائرة وأخذت أقرأ في الكتاب ثم تمنيت أن أرى خط يدك، وحين نظرتُ في الصفحة الأولى ندمتُ على أني لم أطلب منك أن تكتب أي شيء عليها، ثم ها هي سطور الحب الحانية بخط يدك. حينها مال رأسي على النافذة وبكيت، وتحتي البحر الأزرق الجميل. كان بكائي لذيذًا لأنه من الحب، من حبك ومن حبي، منا نحن الاثنان. أنا أحبك. سألني سائق التاكسي: "هل هو زوجك؟". "لا"، قلتُ. "آه.. صديق؟"، وأضاف بشيء من المواساة: "يبدو عليه الحزن كثيرًا". ولم أجد ما أقول سوى: "يحزننا جدًا أن نفترق. لأن باريس بعيدة".

وعندها بدأ يتحدث بطيبة عن باريس. أنا سعيدة لأنك لم تأتِ معي. كان هناك في شارع "ماديسون" و كذلك "لاغوارديا"، أناس أعرفهم، أصوات ووجوه فرنسية، أبشع الأصوات والوجوه الفرنسية، ما كان سيجعل الأمر سيئًا حقًا. كنت ثملة قليلًا، غير قادرة على البكاء لحظتها، لكن ثملة وحسب. ثم أقلعت الطائرة. أعشق الطائرات. أظن أنك حين تكون في ذروة العاطفة، يكون السفر بالطائرة الطريقة المثلى الملائمة لقلبك. حيث الطائرة والحب، السماء والحزن والشوق شيء واحد. كنت أفكر فيك وأتذكر كل شيء بدقة. ثم قرأت في الكتاب الذي أحببته أكثر من الكتاب السابق. ثم احتسينا بعض الويسكي وتناولنا الغداء: دجاج محمّر وآيس كريم بالشوكولا. وتخيّلت أنك ستحب كثيرًا المناظر، الغيوم والبحر، الساحل والغابات، والقرى. كنا نرى الأرض بوضوح، وأنتَ ستبتسم بدفء ابتسامتك الطفولية الجميلة.

حين وصلنا فوق "نيوفوندلاند"، كان وقت ما بعد الظهيرة قد انتهى، وكانت الساعة الثالثة بتوقيت نيويورك. كانت الجزيرة جميلة، شجر السرو والبحيرات مع بقع الثلج هنا وهناك. كنتَ ستحب ذلك أيضًا. هبطنا وكان علينا أن ننتظر لساعتين. فأين أنت الآن؟ ربما في الطائرة.

حين تعود إلى بيتنا الصغير، سأكون هناك، مختبئة تحت السرير وفي كل شيء. سأكون دائمًا معك منذ الآن. بشوارع شيكاغو الحزينة، تحت السقيفة، وبالغرفة الوحيدة. أكون معك، يا حبيبي الوحيد كزوجة عاشقة وزوج عاشق. لن نفيق من هذا الحلم، لأنه ليس حلمًا، إنه قصة حقيقية رائعة، ما زالت تبدأ. أحس بك معي، وحيثما أكون، تكون معي. ليس مجرد نظرة وحسب ولكنه كيانك كله. أنا أحبك. ليس هناك ما هو أكثر من ذلك لأقوله. خذني بين ذراعيك لأتشبث بك وأقبّلك وتقبلني.

سيمون
_______
*العربي الجديد


التاريخ : 2016/05/24 12:19:22

الاثنين، 23 مايو 2016

مساحات وقصص قصيرة أخرى-عادل كامل

مساحات وقصص قصيرة أخرى


عادل كامل
[1] مساحات
    نظر إلى الفراغ الآخذ بالامتداد، بشرود، وقال لقائده:
ـ هذه هي عاصمة النمل...، انظر، سيدي، إنها بلا حدود!
التفت يسارا ً ، والى الأعلى، ويمينا ً، متسائلا ً:
ـ أين هي ...، فانا لا أرى شيئا ً.
ـ أخبرتك، سيدي: إنها بلا حدود!
لم يقدر أن يمنع نفسه من التندر، فقال ساخرا ً:
ـ عندما بدأنا، لم يكن يدر ببالنا أكثر من الحصول على حفرة...، والآن....، أصبحنا نمتلك مساحات بلا حدود؟
ـ نعم، سيدي، الم أخبرك، منذ البدء: إن من يمتلك اللا حدود، لم يجد حتى حفرة يتوارى  فيها... !

[2] بكاء
    ضحكت النملة حتى كادت تهلك، فقالت لها صاحبتها:
ـ لم تعد تخافين من الفيل؟
ـ لا...، ولماذا أخاف من الكائن الذي سحقني من غير قصد، لأنه لم يرني، بل ولا اعتقد  انه عرف بوجودي...، فماذا سيفعل لو عثر علي ّ؟
ـ يسحقك!
ـ لهذا...، يا صاحبتي، قررت الكف عن البكاء!

[3] نصر
ـ اخبرني، أيها الفأر، لماذا لم تعد تخاف من الموت، وأنت تغادر حفرتك ..؟
ـ  آه ...، لو لم اخرج فانا سأهلك من الجوع في حفرتي الباردة، أما الآن فانا انتظر أن تنهشني مخالب القطط، أو تمزقني أنيابها، فالأسباب وإن تعددت، لكن نهايتها كانت قد وضعت قبل ولادتي...، فلِم َ الخوف من كائنات لديها مهمات لا ترد، ولا يمكن تجنبها..؟
ـ ولكن لماذا لم تجد وسيلة ما للنجاة؟
ـ أقسم لك أني كلما تخلصت من سبب، انبثق الآخر، وعندما لم تعد هناك أسباب تكفي للبقاء على قيد الحياة، لم تعد لدي ّ فرصة انتظار أن أتعفن في حفرتي، أو بين أنياب هذه المفترسات الوقحة! وكما تراني ـ الآن ـ بعد أن تعبت من الترحيب بالقطط، والتصفيق لها، وتمجيدها، والتغني بعظمتها، وإنشاد أعذب الأناشيد لها....، أموت ولكن في ّ سؤال مازال يعذبني:  أذا كان مجد القطط قد شيد على هزائمنا، فان هذا النصر لم يترك لنا، ولي أنا خاصة، حتى فرصة للآسف...، مادام نصرهم قد شيد على مصائر لا تساوي شيئا ً يذكر! فانا الآن اهتف: مرحا بالموت، مرحا بالهزيمة، لان هذا النصر هو الذي لا يساوي شيئا ً يذكر أيضا ً!

[4] أوامر
   سألت النعجة القصاب قبل أن يشرع بذبحها:
ـ أنت تفعل هذا بي، وكأنك لا ترى السكين التي  تقترب من عنقك ..!
    أجاب القصاب بصوت مرتفع، من غير اكتراث:
ـ بل أراها!
ـ ولا ترتجف، ولا تخاف؟
ـ لا...، لأن من سيذبحني، هو الذي أمرني، أيتها النعجة البلهاء، بذبحك!
ـ وتقول هذا بزهو....، وفخر، ومن غير خجل؟
ـ وهل ابقوا لنا شيئا ً نخجل منه؟
    ضحكت النعجة، وهي تقرب رقبتها من السكين، وقالت:
ـ تقصد...، لم يتركوا للخجل شيئا ً لم يفعله، أو شيئا ً يستحق أن يذكر...؟

[5] عدالة
     بعد أن بذل أقصى ما يمتلك من حيلة، ووساطة، وجهد، نجح بالمرور عبر ممرات تقود إلى مكتب سكرتارية السيد المدير، فتوقف برهة، أمام ثور بدا له صنع من الحجر، مستفسرا ً منه عن الدرب الذي يفضي إلى المكتب، فلم يبد الثور استجابة إلا بحركة فهم منها أن يتقدم إلى الأمام...،  فمشى، مترنحا ً، وقد دب ّ التعب في مفاصل قوائمه النحيلة، إنما لم يبرك، بل بدأ يدب، خطوة تتبعها أخرى، من ثم بدأ بالزحف، حتى بلغ ممرا ً يقف عند بابه نمر اسود، فاستفسر عن مكتب سعادة المدير، فأومأ له، بحركة مبهمة، لكنها صريحة، بالتقدم إلى الأمام...، حتى وصل إلى فسحة يقف فيها دب قرأ في ملامحه السماحة، والشفافية، فتجمد الصوت في حنجرته، بانتظار فرصة تتاح له بتقديم طلبه إلى سعادة المدير. وأخيرا ً لم يعد يمتلك قدرة الوقوف، فبرك، وترك رأسه يستقر  فوق صخرة شعر بخشونة ملمسها، إنما بدأ يرى حلما ً ود لو لم يفق منه...
ـ تفضل...
ـ سيدي، لدي ّ طلب بسيط...، بسيط جدا ً...
ـ قلت .. تفضل... أيها الحمار الطيب..
ـ ولكني أود أن اعرض طلبي على سعادة المدير شخصيا ً!
ـ أخبرتك ....، انه مشغول، فهات ما لديك...
ـ ليس لدي ّ ..
  وصمت، فسأله الآخر:
ـ  ماذا تقصد بـ: ليس لدي ّ...؟
   تقدم منه، وأزاح الجلد:
ـ  سيدي، لم يبق في ّ إلا هذا الهيكل...، فخفت أن أموت، ويراني السيد المدير، عاريا ً...، فماذا أقول له؟
   ضحك مسؤول مكتب السكرتارية، وسأله:
ـ هل بذلت كل هذا الجهد، كي تزعج سعادته، وتربكه، بطلب لا معنى له؟
ـ اخبر من...إذا ً..؟
ـ لا داعي لإخبار احد...، فانا أعدك وعدا ً صادقا ً بعدم محاسبتك أبدا ً!
   انشرح حتى بدأ بالبكاء:
ـ أتبكي؟
ـ كنت أخاف العقاب، والآن بدأت لا احتمل هذه الحرية!
ـ أكنت تخاف من العقاب، لأنهم لم يبقوا لك إلا العظام؟
ـ نعم، سيدي، لأنني لا استطيع أن أوشي بمن سلبني كل الأشياء ولم يبقوا لي إلا هذا الهيكل، وأنا أخشى أن يكون مشكلة، ومعضلة، بعد موتي!
ـ  حسنا ً، أيها الحمار المسكين، اذهب إلى ...
   وأومأ له الذهاب باتجاه ممر مفتوح:
ـ اذهب وتبرع بما تبقى منك ..، بعدها، تكون حصلت على الحرية...!
ـ أيطلقون سراحي..
ـ ستكون طليقا ً...،  ومن غير ذنوب، مثلما ولدت...!
ـ آ ...، حمدا ً للرب، الآن فقط حصلت على الطمأنينة، فانا استطيع أن اهتف: عاشت العدالة!
   صرخ فيه بصوت حاد:
ـ أغلق فمك!
ـ سيدي، لماذا لا تدعني ابتهج، وأعلن أفراحي، بعد أن لم يعد لدي ّ شيئا ً يسرق؟
ـ والعدالة التي حصلت عليها، أيها الحمار؟
ـ أوه....، ولكن كيف أموت من غيرها؟


[6]  السبع والضفدعة
   اقتربت الضفدعة من قفص السبع، فرأته يحدق في عينيها، بشرود وبلا مبالاة، فسألته:
ـ أأنت نادم على مثل هذه النهاية..، يا سيدي السبع؟
 بابتسامة صامتة أجاب:
ـ لا حدود لندمي!
ـ غريب؟
فقال لها:
ـ بالفعل أنا نادم على أني لم اترك لنفسي ندما ً اندم عليه!
قهقهة الضفدعة بصوت مرتفع، فقال لها:
ـ ما المضحك في كلماتي، يا سعادة الضفدعة؟
فقالت وهي تفكر:
ـ تذكرت السيدة التي كانت تستغفر  لهؤلاء الذين كانوا يمضون أوقاتهم في الاستغفار ...!
ـ تقصدين... لهؤلاء الذين يتظاهرون بالتوبة، والاسترحام، وطلب المغفرة؟
ـ لا ... بل للذين هم أصلا ً بلا ذنوب!
ـ لم افهم قصدك ...؟
فقالت برزانة:
ـ فانا الآن استغفر لك لأنك لم ترتكب عملا ً تندم عليه....، وها أنت تعلن بصراحة عن ندمك...، لأنك تدرك لا جدوى هذا الندم...، مثلما تدرك لا جدوى استغفار هؤلاء الذين يتسترون بقبعات المنتصرين، وليس لمن يستغفر لاستغفاراتهم أيضا ً!
ـ لِم َ كل هذا الغموض ...، أتخافين من سبع يحتضر وهو سجين داخل قفصه وقد أعرب عن ندمه لأنه  لا يمتلك ندما ً يندم عليه!
ـ أجل...، يا رفيقي...، طالما قلت لنفسي: لا تخشين الجلاد عندما يهزم، ويذل، ويزول مجده...، بل عليك أن تخشين هؤلاء الأذلاء العبيد الممحوين عندما يتوهمون أنهم صاروا قادة، وقدوة لنا في هذه المزبلة!
ـ آ ....، الآن فهمت، كم أنت ظريفة، وحكيمة، يا رفيقتي في هذه الدنيا الفانية؟
 فسألته بتعجب:
ـ وماذا فهمت؟
ـ  إن سعادتك لم تترك لي حتى فرصة  للندم على شيء اندم عليه!
 20/5/2016
 

الأحد، 22 مايو 2016

المنهج الكمّي في دراسة الأدب ؛ التقليلية الشعرية نموذجا .- د أنور غني الموسوي

المنهج الكمّي في دراسة الأدب ؛ التقليلية الشعرية نموذجا .



د أنور غني الموسوي


من المعلوم أن النصوص الأدبية لا يصحّ المقارنة بينها لأنّها نتاجات انسانية رفيعة في كل احوالها تقصد الجمال و الرقي و الخلاص ، كما انه يصعب جدا تقييمها و الحكم عليها لأنّها و ببساطة ناتجة عن مستويات عميقة في التجربة الانسانية فلا بدّ لأجل تقييم النص فنيا او انطباعيا تحقيق نظام واضح و واسع من النظرة الى الكتابة عموما و الأدب خصوصا و الشعر و القصيدة التقليلية بشكل أخص .

انّ من أكثر الطرق مصداقية و واقعية في تقييم الكتابات الأدبية هو تتبع حالات تجلّي العناصر الفنية و الجمالية بأوسع ما يكون من الاحصاء و الاستقراء في المستويات المختلفة للكتابة . و لقد كانت لنا محاولة أولى في هذا المنهج الكمّي لدراسة الظاهرة الأدبية تناولنا فيها قصيدة نثر السردية الأفقية و تتبعنا مظاهر الادبية و عناصر الجمالية و الفنية فيها . و هنا محاولة لتتبّع تجليات التقليلية في الكتابة الأدبية الشعرية متناولين قصائد تقليلية لمجموعة التقليلية الأدبية . و تجليات العناصر الأدبية و الفنية و الجمالية في ثلاث مستويات كتابية :-

1- مستوى ما قبل النص


2- مستوى النص


3- مستى ما بعد النص


و جات البحث في المنهج الكمّي لدراسة الأدب يتلخص بما يلي :-


الجهة الاولى : الاحصاء.


لدينا ستّ و عشرون نصا لستّ و عشرين شاعرا و شاعرة ، تتوزع بين التقليلية الومضية ( 23 ) قصيدة و التقليلية اللاومضية (4 ) قصائد .


و القصيدة هي اية كتابة شعرية لها قضية و دلالة و عمق و لا ريب في تحقيق التقليلية لذلك و ان كانت ومضة بل حتى في التقليلية الشديدة المتكون من كلمة ( قصيدة الكلمة الواحدة ) او حرف ( قصيدة الحرف الواحد ) . كما انه ليس كل نص قصير جدا هو تقليلية ، فاذا كان فيه نعوت و زيادات لم يكن تقليلية .


الجهة الثانية : درجات التجلي


البحث في درجات تجلّي العناصر الادبية و الفنية الجمالية هو من المنهج الكمّي لتناول الظاهرة الادبية وهو على حدّ علمنا غير مسبوق لا عربيا و لا عالميا ، و يعتمد على الاستقراء و الاحصاء ، و تتبع تجلي العنصر الادبي في النص في كل وحدة تعبيرية و مستوى كتابي . و درجة التجليّ قد تكون ضعيفة ان كان التجلي في أقل من (30%) من وحدات النص ، و متوسط (30-70 %) و قوي (اكثر من 70%) .و يكون العنصر طاغيا ان تجاوز (85% ) من وحداته .


الجهة الثانية : التجنيس


التقليلية الادبية هي اقتصاد لغوي و تعبيري يتجه و بسرعة فائقة نحو العمق الانساني .
النص التقليلي الذي يعتمد الاقتصاد اللغوي بخلوه من النعوت و الشرح و التفصيل و اداء الفكرة بأقصر خط لغوي ، اي اعتماد الخط المستقيم في التعبير ، لا بد لأجل تحقيقه الادهاش ان يشتمل على حالة التجربة غير العادية ، و نقصد بذلك النفوذ العميق الى مكامن النفس و الشعور الانساني و اقتناص اللحظة المؤثرة التي لا تترك مجالا للقارئ الا الدهشة و الانبهار . لا بد لأجل التقليلية من تجاوز حالة الوساطة اللغوية و المرآتية ، و تقديم الفكرة الجوهر مجردة ، و كأن القارئ لا يرى حروفا و لا كلمات و انما يرى الفكرة و هي تتجلى .
و رغم ان اللغة التقليلية راسخة في عملية الكلام البشري الساعي نحو التكثيف والاختزال والاقتصاد حتى ان العرب يفتخرون بالمعاني القصيرة في حجمها الكبيرة في مدلولها ، الا انه ليس بالضرورة ان تكون القصيدة التقليلة ومضية ، بل ان بدايات التقليلية كانت بشكل قصائد متوسطة الحجم لكن باقتصاد لغوي بعيد عن الحشو و الزيادات .


لقد بيّنا ان عدد القصائد الومضية (22) قصيدة اي ان نسبة تجلي الومضية في تلك النصوص تتجاوز (85%) وهذا يعني انّ الومضية هي الطاغية على تلك النصوص .


مما تقدّم فشروط التقليلية التي يجب ان تبحث في القصائد التقليلية هي ما يلي


1- الاقتصاد اللغوي ( الاقتصاد)


2- التقاط اللحظة النادرة (المعنى الشريف )


الجهة الثالثة : مستوى ما قبل النص ( العوالم الماوراء نصية )


ما يبجث في هذا المستوى الآتي :


1- درجة تجلّي العوالم الفكرية للمؤلف


2- درجة تجلّي العوالم النفسية


3- ، درجة تجلّي العوالم الاجتماعية و الانسانية


4- درجة تجلّي الرسالية .


الجهةالرابعة : مستوى التقنيات النصية


ما يبحث في هذا المستوى الأتي :


وهنا تبحث المعادلات التعبيرية و العوامل التعبيري كمظاهر تعبيرية و جمالية


و اضافة الى التقنيات الشعرية من انزياح و ايحاء خيال و اضافة الى تقنيات التقليلية من الاقتصاد اللغوي و التقاط اللحظة المعنوية النادرة ( المعنى الشريف ) فان من عناصر جمالية التقليلية تشتمل على عناصر اخرى اهمها :-


1- العمق الانساني ( النفوذ )


2- الخط التعبيري القصير ( التكثيف)


3- تجريد الفكرة ( التجريد )



الجهة الثالثة : مستوى ما بعد النص ؛ القراءة و الاستجابة الجمالية .


يبحث في هذا المستوى


1- درجة تجلّي الابهار ( العجز الانجازي تجاه النص )


2- درجة تجلّي طيف الاستجابة (سعة مساحة الاستجابة و تنوع مناطقها الشعورية )


3- درجة تجلّي الاستجابة الظاهرية :


4- درجة تجلّي الاستجابة العميقة :


5- درجة تجلّي التداولية ( اللغة القريبة) : و من غير الجيد ان يتجاوز التوصيل و التداولية ( %50) لان النص سيكون مباشرا ، و لا ان يقل عن ( %30) لان النص سيكون النص مغلقا .


و في الحقيقة بحث عنصر هذا المستوى من امتع الابحاث و اكثرها تقدّما نحو ( علم الأدب ) لاتصالها بفزيولوجيا الانسان و عمل العقل الدماغ

هنا سنقتصر على بحث عناصر التجنيس او شروط الفنية التقليلية المتمثلة بالاقتصاد اللغوي وهو ركن التقليل و اللحظة المعنوية النادرة ( المعنى الشريف ) وهو ركن الابهار ، لانّ البحث بتناول الجميع يطول . و سنوكل بحث باقي العناصر الى مناسبات قادمة ان شاء الله .


1- الاقتصاد اللغوي


يتجلى الاقتصاد اللغوي في (20 ) قصيدة من القصائد ، اي بنسبة (74 % ) ، و الاقتصاد اللغوي وهو ركن التقليلية يعتمد على تجنب الزيادات من صفات و تشبيهات و نعوت و تكرار ، و من خلال مراجعة النصوص سيتبين التجلي العالي للاقتصاد اللغوي في النصوص .


و من نماذج التجلي العالي للاقتصاد اللغوي في النصوص المبحوثة  القصائد التالية :


قصيدة جواد زيني ( هلع صامت....صرخة في فم الجدار ! )


قصيدة خلود فوزات (ضبابية نواياكم \ تأكل \ طفولتي )


قصيدة لطيفة الورضي (عصفورتي \ في شق جدار \ ترتجف \ ...قناص \ يترصد.. )


قصيدة ماجد الميالي (لم يبق من الوطن.... \ غير حفرة في جدار.... )


2- النفوذ العميق في التجربة الانسانية ( المعنى الشريف )


لطالما كان اقتناص و التقاط المعنى الشريف الذي لا تصله العقول بسهولة همّة الشعراء و المبدعين ، و يتركز ذلك و يكبر تأثيره في النص التقليلي لانّه يعتمد الصدمة و الابهار بالدرجة الأولى .يتجلى النفوذ العميق و المعنى الشريف في (22) قصيدة اي بنسبة ( 81%) . و انّ من أهم خصائص المعنى الشريف انه ينفذ عميقا في النفس و يحدث هزّ داخلية و انكشاف و اطلاع غير مسبوق وهو ما نسميه العجز التجلياتي ، حيث تتجلى للقارئ تجربة تشعره بعجر النفس تجاه الابداعي ، وهذا شيء مختلف جدا عن الارتياح و التانغم الانطباعي و الذوقي
من نماذج تجلي المعاني الشريف النافذة عميقا في النفس في النصوص المبحوثة القصائد التالية

قصيدة جواد زيني (هلع صامت....صرخة في فم الجدار ! )


قصيدة عبد الحسين الشيخ علي ( جاء الخميس \ وطفل مريم \ غائب \ عن رفعة العلم. )


قصيدة رجب الشيخ (لاتخافي. ..صغيرتي \ ضفائرك المشنقة \ قصيدة...حزن .. \ رسالة أحتجاج. . )


قصيدة عزيز السوداني (يحتضنني \ هجير الإسمنت \ لا قلب \ إمضاء :\ عصفورة مشردة )

 
قصائد تقليلية في الطفولة المعذّبة


مجموعة التقليلية الأدبية

 
1
ضبابية نواياكم
تأكل ..............
............. طفولتي

خلود فوزات فرحات
*
2
 حكاية طفولة .....
منتهية دون بطولة
عالمها .....
سرق ألوان الحياة

نبيل حسين

*
3
الخوف ،
اطبق بأنيابه،

ترنيمة مهد ...!!!

أحلام البياتي
*
4
اتشبث بأمل قاتم
بيد فقدت البصر

محمد يزن
*
5
تختبئين خلف جدار الخوف
ياطفلتي
أي جنون هذي الحرب ؟!

عماد هاني ذيب

*
6
أُمي ...
أمست الجدران ملاذي
بعد ان سرقت المفخخات حضنك الامن مني

سناء السعيدي
*
7
هلع صامت....صرخة في فم الجدار !

جواد زيني
*
8
جاء الخميس
وطفل مريم
غائب
عن رفعة العلم. ...

عبد الحسين الشيخ علي
*
9
لاتخافي. ..صغيرتي
ضفائرك المشنقة
قصيدة...حزن ..
رسالة أحتجاج. ..

 رجب الشيخ
*
10
لم يبق من الوطن....
غير حفرة في جدار....

ماجد الميالي
*
11
آه يابلد
ضاع مني الولد
صرخ أيقضت
قلوبا إحترقت
عيون شاردة
تبحث عن فجوة
تجري متهرولا
يا ولدي خدني معك

 رشيدة فايز
*
12
في بلدي ؛ هلع الحرية من طفل في عينيه نزق الأحرار

نصيّف الشمري
*
13
الطريقُ الى المدرسةِ وَعْر،الصغارُ بَراعم تتوجع تحت جلد الرصيف..

حسين الغضبان
*
14
نبذني حضن الوطن ... لعل جدارا يأويني

ندى صبحي
*
15
شرخٌ في جدار .. حفظ لي عمري
فهل حفظت لكم قصورُكم اعمارَكم ؟

جواد الشمري
*
16
يلوكك اﻷلم يا صغيرة
وينزفك آهات
يشف الحجر رحمة
وتموت اﻹنسانية

هيام صعب
*
17
الوطن في احضان ابي...وطن..وحروف مدرستي..لم غادرتنا الى السماء ؟

قاسم داود الربيعي
*
18
( مريم )
رحلتْ قبل أنْ تتعلمَ كتابةَ إسمِها
في آخرِ زيارةٍ لـ (سيارائيل ) مفخّخ إلى حيِّهم .

كرار الجنابي
*
19
صَمتُ الذُهُولْ
مَارَ ..
بطِفلةٍ مِنْ وَجَرْ
فعَينٌ تأمّلَتْ ..
قَسوَةَ القُلوب
وقلبٌ لاذَ برقَّةِ حَجَرْ

 كاظم هادي
*
20
هنا وهناك..
على منصة الخطيئة
تصلب الطفولة..دون رحمة.

احسان البصري
*
21
لم يبقى في كفك يا وطني
غير موت
يحاصر حتى الطفولة .

 رشا السيد أحمد
*
22
احفاد ذاك الؤئد
ياسوء جزر بحركم
فالشر كل الشر في المد
ازهقتم الحب روحا
فاتركو لنا نبع الغد

صاحب الاعرجي
*
23
يحتضنني..
هجير الإسمنت
لا قلب
إمضاء:
عصفورة مشردة

‎عزيز السوداني‎
*
24
عصفورتي
في شق جدار
ترتجف؛
...قناص
يترصد..

لطيفة الورضي
*
25
أيّتُها الصّغيرةُ
قلبي هُناك، مُقشَّرٌ بين رُكامَيْن.
فاخرُجي من غبارِ الأرضِ،
أعيدي ليَ قلبي على صحنِ بسمتِك،
وأَسدلي خيامَ شَعرِك على شبابيكِ العواصِم

فريد غانم
*
26
طفلٌ تناثرت أصابعه
يريد أن يرفع يده المقطوعة الى السماء

حسين الساعدي
*
27
اعتذر لجيناتي ، وانت منها
فلقد كانت مخاض حروب ..
فانبتتك بلا طفولة ..

حسن المهدي



الخميس، 19 مايو 2016

معرض لورنس العرب: سقوط الأسطورة-الدكتور فيرنر بلوخ ترجمة: عماد مبارك غانم



معرض لورنس العرب:
سقوط الأسطورة


الدكتور فيرنر بلوخ
ترجمة: عماد مبارك غانم


يُحتفى في أوروبا بلورنس العرب دائماً على أنه عبقرية أوروبية، برزت بأجلى صورها في من منطقة الشرق الأوسط وأعادت كتابة تاريخ هذه المنطقة. معرض في مدينة أولدنبورغ يريد إظهار الجوانب الحقيقية لأسطورة لورنس العرب. فيرنر بلوخ يسلط الضوء على أهم جوانب هذا المعرض.


يقول لورنس: "بشكل عام أفضل الكذب على الحقائق، وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بي شخصياً". كان أحد أكثر الأفلام نجاحاً في أوانه، ففي عام 1962 عرضت دور السينما الشرقية "لورنس العرب". وأدى الدور الرئيس في هذا الفيلم بيتر أوتول إلى جانب عمر الشريف وأنطوني كوين وأليك غينيس، وكان هؤلاء أكثر الممثلين نجاحاً وأفضلهم في أوانهم. وبهذا أصبح "لورنس العرب" مشهوراً على حين غرة، ولم يستطع أي فيلم آخر عرض الصحراء في دور السينما بهذه الصور الجميلة الساحرة. ويعلل الفيلم أسطورة بطل، طالما كان في الواقع موضع جدل وطالما جوبه بالازدراء. إن الفيلم خلد توماس إدوارد لورنس الحقيقي، الذي يتذبذب بين الخجل الشخصي وجنون العظمة.

أسطورة ذاتية

يعد لورنس بلا شك أحد المفكرين الذي برز في زمانه، وولد في أكسفورد عام 1888 وأصبح مستشرقاً وجندياً وعالماً في مجال الآثار ومن ثم كاتباً، كان يكتشف نفسه من جديد كل مرة، كما يفعل نجوم الموسيقى اليوم، ويخلق أسطورته الذاتية. وحتى العنوان المثير لشيء من الارستقراطية "لورنس العرب" يعود إليه، فبعد عودته من الحرب العالمية الأولى قام لورنس بجولة في أوروبا مصطحباً معه شرائح العرض المكلفة.



يعد لورنس بلا شك أحد المفكرين الذي برز في زمانه، وولد في أكسفورد عام 1888 وأصبح مستشرقاً وجندياً وعالماً في مجال الآثار ومن ثم كاتباً وكتب مذكراته "أعمدة الحكمة السبعة"، لكنه بقي على الرغم من ذلك أحد الظواهر الإشكالية. ويقول لورنس في كتابه: "بشكل عام أفضل الكذب على الحقائق، وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بي شخصياً". فكيف يمكن التعامل مع مثل هذا الشخص الذي لا يأبه للحقائق التاريخية؟ وهذا السؤال بالتحديد يُطرح الآن في مدينة أولدنبورغ، حيث يتم تنظيم أول معرض في القارة الأوروبية عن لورنس بعنوان "تطور الأسطورة" حتى شهر آذار/ مارس من العام المقبل.

تحف ضد الحقيقة

ويرى أمين المعرض ديتليف هوفمان أن تعامل لورنس الإشكالي مع الحقيقة ليس من الأمور السيئة. ويضيف هوفمان قائلاً: "كان هذا الأمر أحد ميوله إلى إعادة رواية الأحداث بشكل جديد. وليس الكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو وحده، بل آخرون أيضاً، كانوا على قناعة تامة في أنه يتعامل مع المعارف والتجارب المعاشة بشكل شعري كما يفعل الممثل والشاعر. ولم يعدون هذا بالكذب على الإطلاق، بل كتجسيد متألق. وهكذا تنشأ الأساطير".

وربما يكون هذا الأمر صحيحاً، لكنه يبدو في الوقت نفسه أيضاً على جانب كبير من السذاجة. فهل ما زال ممكناً اليوم عرض لورنس متطابقاً مع الواقع والانسحار بشكل صبياني تقريبي بمغامراته؟ أم يجب تأمل الممثل والمحتال لورنس عن كثب والنظر إلى دوره الإشكالي للغاية في العلاقات الأوربية العربية من زاوية جديدة؟

وبينما يشعر أمين المعرض هوفمان بكل هذه التحف التي يمكن أن تقدم معرضاً بيوغرافياً، يتخذ مدير مشروع معرض لورنس السوري الأصل منعم فانزا، موقفاً مغايراً. وبحسب فانزا، الذي يدير متحف أولدنبورغ، فإن المعرض ليس من شانه أن يقدم أسطورة جديدة أو يعيد إحياء أسطورة قديمة. ويضيف فانزا بالقول: "وهنا يتمثل هدفي. أريد أن أجعل من لورنس خلفية لعرض تاريخ منطقة الشرق الأوسط".

عرض تعبدي سيري

"أريد أن أجعل من لورنس خلفية لعرض تاريخ منطقة الشرق الأوسط"

ويبدو أنه قد وقع جدل كبير بين أمين المعرض هوفمان ومدير المشروع فانزا، وهذا ما بدا واضحاً في المؤتمر الصحفي. إن المعرض يعد عرضاً تعبدياً سيرياً، وهو يحمل بشكل واضح بصمات أمينه هوفمان، الذي يمارس نوعاً من كتابة سير القديسين بشكل يطغى عليه الحماس ويخلو من النقد. إذ يبدأ المعرض بعدد لا يحصى من الصور المرسومة على الجداريات الكبيرة، والتي يغطي بعضها الجدار بأكمله، ومن ثم يتصفح الزائر محطات حياة لورنس: لوحات وبعض الأسلحة وكرسي لورنس البطل المغطى بالصوف ودراجة من طراز الدراجة التي قتل عليها لورنس عام 1935 نتيجة لحادث سير. لكن لا يتم إيضاح أي شيء من جوانب حياة لورنس، ويتبقى هذه الجوانب من دون دلالة تُذكر.

إن هذا العرض التربوي الساذج، الذي كان لهوفمان أن لا يتحمل عناءه، لا يعلل "الأسطورة" المحاكة حول لورنس بأي حال من الأحوال، على الرغم من وجود الكثير من الجوانب التي يمكن تقديمها. إذ أن لورنس كان مشتركاً بالفعل في نشوء الشرق الأوسط، حتى وإن كان دوره في ذلك أكثر تواضعاً مما يُشاع. كان للورنس دور في الثورة العربية، حين انتفضوا على الأتراك. لكن لورنس لا يعد اليوم في العالم العربي سوى خائن وكشخص قام بتأجيج حنق العرب على الغرب.

حين دفع لورنس العرب إلى القيام بثورتهم على الأتراك، كان على معرفة تامة من أن بريطانيا وفرنسا قد اقتسمت فيما بينها منطقة الشرق الأوسط منذ زمن طويل وفق اتفاقية سايكس بيكو عام 1917. إذ تم استغلال العرب، الذين باتوا يعتبرون لورنس جاسوساً وخائناً. إن العديد من المؤرخين العرب نقبوا عن وجهة النظر هذه في السنوات الماضية مقدمين ما يثبتها من حجج. وفي معرض أولدبورغ لا يتم التطرق إلى شيء من هذا الجانب أيضاً، وهذه خسارة حقاً، فمعرض التاريخ الإنساني والطبيعي في أولدنبورغ بإدارة منعم الفانزا حقق شهرة في السنوات الأخيرة من خلال معارضه الدولية التي تتناول علاقة الشرق بالغرب.