الجمعة، 24 أبريل 2015

عذرا فؤاد التكرلي ......- لمياء الالوسي


عذرا فؤاد التكرلي ......

  لمياء الالوسي

كنا مجموعة من الموظفين  جمعهم إضافة إلى وحدة المكان ذلك الشغف المجنون بالقراءة .. وحب الكتاب .. وخاصة الروايات والقصص القصيرة .. عراقية .. عربية اواجنبية  .. وشغفنا هذا يجعلنا نبحث في القديم والجديد .. في المكتبات العامة أو الخاصة.. وكانت فترة خصبة من حياتنا جميعا .. كنا قريبين فيها من الأدب والأدباء سعيدين.. وأصبحت الكلمة عالمنا الجميل الذي نفخر به .. في تلك الأيام  وجدت رواية الأستاذ فؤاد التكرلي ( الرجع البعيد ) فكانت زادي وزوادي لأيام بعدها رشحتها لتقرأ من قبل المجموعة لكن .. كان الزميل من مصر هو الثاني في قراءتها بعدي .. وكان به شوق كبير لقراءة مؤلفات الأستاذ فؤاد التكرلي حيث كنا  قد قرءنا  المجموعة القصصية (عينان خضراوان ) ومتعتنا كثيرا  لكن وبعد صفحة واحدة أغلق الكتاب ونزع نظارته بأسى  وقال لنا
-         لن أتمكن من إكمال الكتاب .
تعجبنا جميعا ونحن نعرف مدى ولعه بالقراءة فقال
-         لم افهم كلمة واحدة من اللهجة .. العمل متعب جدا .. أن تتكلم اللهجة العراقية صعب لكنه أسهل من القراءة
زميلتنا الثالثة أخذت الكتاب بحذر لأنها تركمانية  ورغم أن دراستها وحياتها عاشتها في مجتمع لايتحدث إلا  اللغة العربية واللهجة العراقية الصميمة  الاانها عجزت هي الأخرى عن إكمال صفحتين أو ثلاثة من الكتاب .
وبالتالي وبالرغم من عشقنا للأستاذ فؤاد التكرلي  وأدبه وان هذه الرواية من روائع الأدب العربي  إلا إن المجموعة لم تقرأ الكتاب  لأنها لم تتمكن من فهم اللهجة العراقية ..
وتذكرت في ذلك الوقت .. إن هناك أكثر من 20 صفحة مكتوبة بأحرف عربية ..ولكن بلغة لم أتمكن من فهمها  كنت أتصور أنها في اللغة الكردية أو التركمانية وبعد السؤال عن ماهية هذه  اللغة .. عرفت إنها لغة الأكراد الفولية
والى حد الآن لااعرف لما كتبت هذه الصفحات بهذه اللغة؟؟..

  تذكرت ذلك كله في إحدى أمسيات  اتحاد أدباء العراق حيث  استضاف الأستاذ موسى كريدي  ( رحمه الله) الأستاذ  فؤاد التكرلي للحديث عن استخدامات اللهجة العامية في رواية الرجع البعيد  .. وكنا قد منينا النفس برؤية أستاذنا الكبير والاستماع إليه .. والتعرف على تجربته الثرية في الأدب والكتابة .. وكنا مأخوذين برؤيته .. وقد ضجت القاعة بالتصفيق لوجوده .. وبعد المقدمة الطويلة  التي ألقاها الأستاذ موسى كريدي والتي أشعرتنا بالقلق  .. إذ ربما ينتهي وقت الأمسية ولا نستمع إلى  الأستاذ فؤاد التكرلي .. فاجئنا الأستاذ الكبير بالقول :
لقد جئت لكي أسمعكم .. واسمع آرأكم حول جدوى استخدام اللهجة في القصة والرواية العراقية
 فاسقط بأيدينا .. وشعرنا بالإحباط .. ونحن نرى عملاقنا الذي عجزنا عن قراءة مؤلفه .. يجلس صامتا، مطرقا ، خجولا،  شفافا
 ويترك العنان لتدفق الأستاذ موسى كريدي .. وعواطفه الجياشة .. ودفاعه المستميت عن أسلوب الأستاذ  فؤاد التكرلي   ويشبه استخدامه لللهجة  العراقية   باستخدام الكثير من الأدباء المصريين اللهجة المصرية  في الكثير من انتاجاتهم  الأدبية دون أن يؤثر ذلك  على المتلقي .. أو يقف عائقا لانتشار العمل الأدبي .. مثل  يوسف السباعي  ..  وإحسان عبد القدوس .. ونجيب محفوظ .. وغيرهم  وهو يعرف (رحمه الله )أن اللهجة المصرية وصلت إلى كل الأقطار العربية قبل أن تصل الروايات  .. وذلك عن طريق الأغاني .. والأفلام السينمائية ..  والمسلسلات وبالتالي أصبحت معروفة ومفهومة  لدى الصغير والكبير  أما الأستاذ نجيب محفوظ فانه لا يكتب اللهجة إلا بشكل يخدم النص   ويكتبها اقرب ماتكون على الفصحى .
ثم عرج إلى فكرة أن رواية   الرجع البعيد ترجمت إلى أكثر من لغة أجنبية وحققت انتشارا واسعا في تلك البلدان  ..و لم يفقدها رونقها .
علما أن  ترجمة الرواية والنتاجات الأدبية للأستاذ فؤاد التكرلي  ستكون من لغة إلى لغة أخرى بدون التأكيد على اللهجة  وبالتالي لن يكون الفارق واضحا . بين اللهجة واللغة العربية الفصحى
استمر الحوار طويلا بين الحاضرين والأستاذ موسى كريدي .. وكأن الجميع كان يجامل .. ويؤنق كلامه  لكي يرضي أستاذنا الكبير .. أو هكذا أحسسنا
كنت ابحث في وجه الأستاذ فؤاد التكرلي عن اجابة .. لكنه بقي مطرقا ينظر إلى المتحاورين بخجل أربكني دون أن يقول كلمة..
تلفت كان حولنا أساتذة الأدب  في العراق .. الأستاذ عبد الستار ناصر و الأستاذ عبد الخالق ألركابي والمرحوم الأستاذ محمد شمسي .. وغيرهم كثيرون  من أدباء العراق  ..   والمهتمين بالأدب  .. فمن أكون  وسط هذه الهالة من الضوء .. ولم أكن إلا مبتدئة في الأدب .. تحمل خجلها القروي الشرقي  على كتفيها .. مما يجعلها مطرقة أبدا لا ترفع عينيها  في وجه أساتذتها .
تذكرت أستاذي العزيز فؤاد التكرلي  
اليوم وبعد هذه السنين .. ونحن نرى .. الاستخدامات الكثيرة للهجات في الآداب عموما  قصة أو رواية  ..  شعرا أو نثرا .. وحتى في المقالات الأدبية..


ليست هناك تعليقات: