ها كم يا أصدقائي، أنا العراقي الحائر،اسمعوا صلاة اعترافي في حضرة محبتي لكم..
سليم مطر
اعرفوا يا أخوتي وأحبائي، يا أبناء بلادي، انا في طريقي لكي أنجو من حيرتي بين أناي وأناي.. اتحرر من عبودتي لمجاهيلي وانير ظلمتي بمشاعل اتحادي مع خالقي..
انا اسير الآن في درب التصالح مع كينونتي.. درب السلام الابدي مع ذاتي وذواتكم.. أن أصبح انا أنتم.. نحن معا، واحد كلي منسجم مع الكون، مثل موجة وبحرها.. نبضة وقلبها.. ترنيمة واغنيتها...
حتى وقت قريب، كل الذي كنت اعرفه عن نفسي اني كائن مطعون حائر امضي عمري مثل ابطال الخرافات، مطارد متعب مرتعب يلاحقني عمالقة غامضون لا يرحمون منتشرون في أنحاء روحي.
كنت انا العذراء متكأة على نخلة الحياة محتارة بمصير وليدها يسوع نفحة الله..
كنت انا الوليد يسوع احمل امي وشعبي في احضان قلبي بحثا عن دروب الخلاص..
كنت انا تموزي وعشتاري..
شهيدي وصحراء ضياعي..
رسولي وناسي..
اووه .. كم كنت في صراع همجي مع ذاتي كي انسجم مع ذاتي. كنت خالق ممزق بين مخلوقاتي:
بين واقعي التعس واحلامي الزاهية، بين عفتي المتعالية وشهوتي الجامحة، بين حريتي العابثة ومسؤوليتي القامعة، بين بدني المستعر التعب المحدود الفاني وروحي المرهفة المبدعة الكونية الخالدة..
أوتعرفوا متاهات سيدتنا عشتار في ظلمات العوالم السفلى بحثا عن حبيبها تموز؟
اوتعرفوا حيرة الف ليلة وليلة امام الابواب السبعة التي كل واحد منها يفتح على سر يقود لسر آخر؟
روحي كانت متاهات تموز وتلك الابواب السبعة المغلقة..
هكذا كنت انا منذ ان صرت انا..
* * *
لكني يا احبائي وأبناء عالمي، الآن، بعد هذا التجوال الطويل الذي استغرق مني كل سنوات عمري، يمكنني ان اخبركم بكل اخوة وتواضع وصدق، بأني قد اصبحت قادرا أن اقول لمن يقول:
(( اعرف نفسك ايها الانسان..))
نعم، ها انا في طريقي لمعرفة نفسي، تاريخ ذاتي، جوهري المخبأ في اعماقي الذي شكل محور حياتي منذ لحظة تكوني في رحم امي وحتى الآن. اني ابدا لم اكن اتجرأ ان اكشف خبايا روحي سوى الآن، لأني انا نفسي حتى وقت قريب كنت اجهلها، وحائر في فك وشيعتها وفهم الغازها والولوج في متاهاتها المخيفة المعتمة.
ايه.. هكذا انا مثل جميع التائقين الى الحقيقة والخلاص، بعد ضياع وتجوال وكفاح في اصقاع الارض والتاريخ بحثا عن كنوزي، اخيرا اراها هنا قربي مخبأة في ذاتي!
اسير في الدرب المؤدي الى نفسي.. الى اناي الطيبة الحائرة المعذبة. ذاتي حقيقتي جوهري خباياي روحي نفسيتي شخصيتي، التي من قربها لي لم اكن اعرفها!
* * *
نعم يا اصدقائي وأبناء كوني، ها أنا الآن ادرك بأني كائن مثلكم، غاية وجودي انسجام اجزائي مع اجزائي..
أنا شرارة في بركان.. مصباح في شمعدان الاكوان.. انا نفحة من الله:
صفاء الخليقة الكلي وانسجامها مع كينونتها، وتناغم أصوات السمفونية العليا والخافتة..
انا مساوات مثلى.. روح ينيرها حب.. غابة تخصبها غيمة.. إتحاد ذكر بانثى..
انا ارض وسماء، فناء وخلود، راحل وقادم، وليد وميت.. وجود وعدم..
انا كل هذا، لأني خلية في بدن الله!
ادرك جيدا انكم تفهموني، لأنكم مثلي تحملون ذات عذابي وتمردي وابهامي. تولدنا الحيرة وتجمعنا الأحلام وترفرف علينا طيور المحبة والاحزان. تاريخنا مجهول مجهول مثل شمس للعيون، وقلب للأغاني، وسماء للمصلين.
ها أنا اليكم ومعكم ومثلكم، لأن ذاتي لن يكتمل انسجامها مع ذاتي الا بعد ان تساهم معكم بأنسجام ذواتكم مع ذواتكم. حبي الخالص لله جوهر المحبة والصفاء، سوف لن يسمو الى سماوات عرش الخالق الحبيب، الا بعد أن يغدو مشعلا ينير كهوف حيرتكم وشكوكم بسيد الكون النابعة من شكوكم بذواتكم.
أنا معكم كما أنتم معي. أتفهمكم من كل عقلي وقلبي، ليس حبا مني وتضامنا، بل لأني مثلكم، أحمل ذات عذابكم وامضي ليلى ونهاري لأطفاء ذات نيراكم المستعرة في متاهات أكوانكم.
هاهي يا أخوتي أخيرا الحقيقة التي كنا نحسها ابدا، ولكننا نأبي الاعتراف بها:
مهما اختلفنا وتنافسنا وتخاصمنا، نظل أشقاء مثل أغصان متفرعة في الانحاء، جذع واحد يغذينا بمياه المحبة وأملاح الأصل المشترك. أرواحنا نجوم السماء، وابداننا نباتات الأرض..
نعم يا أحبائي يا أبناء بلادي وعالمي وكوني، انا على الدرب.. هلموا تعالوا معي.. انظروها تلك أنوار المحبة والسلام، تبدو متوهجة امامنا..
جنيف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق