الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

قراءة في الخطاب الإبداعي للفنان غالب المنصوري في معرضه (طلاسم )-د.عبد الرضا جبارة





قراءة في الخطاب الإبداعي
 للفنان غالب المنصوري في معرضه
  (طلاسم )
د.عبد الرضا جبارة






      يقودنا . . الفنان غالب المنصوري الى استبيان تناصه السردي عبر مفردته التشكيلية في لوحات ( طلاسم ) وهي امتياز بصري وسلوك احترافي في التعاطي والاقتراب من روح اللون . ذات المحتوى البصري المشفف الذي يميل باتجاه بنائي دون الارتهان لسطوة اللون التعبيرية ، حيث يحقق المنصوري إعادة ترتيب الغياب والاغتراب وفق آليات اللون المتسارعة . . واذا كان المنصوري قد توصل الى تأسيس قيم جمالية في معرضه ( العالم فراغ كبير فيه نقطة )  فأنه في هذا المعرض قد استبطن اسرار تلك القيم ومنحها اقتداراً واستغواراً بكسر مألوفية السرد البصري ، فلقد وجد أن تغيير الدلالات في الزمن اضحا يتسارع مع اللون ومكونات اللوحة الاخرى ، ولم يسمح لغير الاتزان ان يكون مقياسا ، لذلك تبدوا هذه القيم التي سعى اليها المنصوري ( في طلاسمه ) مدهشة وتضعنا امام مسألتين هامتين ما أن يقتفى اثرهما حتى يتبين اهمية اختراق مألوف السرد في نص اللوحة وأولى هاتين المسألتين هي كسر حدة السرد . . اذ كانت البقع اللونية تتعاور مهمة السرد حيث تفوقت بشكل لافت ، فأنت ترى ( كمتلق ) السرد ينتقل بك من بقعة الى اخرى في لعبة فنية تصل احياناً حد الادهاش مع طرائق في نسج فضاء اللوحة وضمن مفردات انسانية ميلودية تراوحت بين مزاولات كثيرة للعبة التقنيات في التضمين والمجاز والرمز والتي تعلن عن كينونة ساكنة ومتفجرة في ان واحد . . اما المسألة الثانية ، فهي كسر زمن السرد البصري او كسر حاضر نص اللوحة ليفتح على زمن ماضن له ، والمعروف ان كسر زمن النص السردي البصري وقد مارسه المنصوري بكثافة واقتدار كبيرين يحيلنا الى حركة اللوحة ، واذا علمنا ان زمن النص في لوحات المنصوري اطول بكثير من الزمن على مستوى الوقائع ادركنا حجم مسؤلية السرد البصري عنده في تغطية قليل من الزمن بكثير من السرد بعيدا عن الزوائد والافراط في اللون ، وهو في كل هذا الارتقاء يفسح المجال لذائقة المتلقي بأستكمال دائرة الاحساس الذي يغلف تأثيرية اللوحة . . لانه عرف كيف يرتب بياناته اللونية المحررة وبذات الدرجة من المعتم المتأتية من قيم البنى الداكنة وتدرجاته التي تعلن عن روح صناعة عالية وتشي بعلو ريشته وسط هذا الركام الهائل من التجارب التشكيلية وهو بذالك يقف في موقع متقدم من اللغة اللونية المحكمة المضافة الى تجاربه السابقة ولا سيما في معرضيه ( العالم فراغ كبير فيه نقطة ) و ( مقاليد وجودية ) . . وبهذا المعنى فقد شكلت لوحاته مناسبة لاطلاق مفاهيم جديدة حول ضرورة الفن من خلال الاستنارة بخلاصة الثقافات العالمية الاخرى دون الارتماء في حدود الجغرافية التي قد تضاف الى خرائطنا الذاتية ، وان الامر غير متعلق بنسخ الاساليب القادمة الينا من الغرب ، وانما في ايجاد المعادلة الذهبية التي تساعد على صهر كل تلك الاشياء والتنوعات وصولا الى صناعة الهيكل الحقيقي للتجربة الذاتية عند الفنان(غالب المنصوري ) التي يتضح انها تتسم بروح متجددة في اتخاذ موقف سريع ازاء التعديلات التي تطرء على الوجدان الثقافي العراقي ، ولعل مثل هذا الهامش لم يعد يتسع لكل تلك التراكمات الكمية من الاساليب والتجارب والخبرات التي حملت بعض الفنانين على القفز من فوقها ، وليس البناء عليها وهذا ماجعل المنصوري رغم كل الضروف التي مارستها عليه ثقافة العصر متماسكاً واعياً لذاته عارفاً بها . . ومن هنا بدأت سلسلة تفاعلاته في بيئته الحضارية على الرغم من بلوغة تخوما تجريدية عالية مع المنظور الصوفي وظل دائم القلق ازاء هواجسه المرتبطة بالزمان والمكان وكأنها تحمل في مضامينها تقييمات نوعية تؤشر تلك الحالات المفعمة بالحركة والتجاورات وهو دور يحترفه بأتقان مع لفت الانتباه الى أن المنصوري قد شكل برأي الكثيرين في كل معارضه تعزيزا للحضورالتشكيلي وحسماً مطلقاً لصالح فن يتجه بكليته الى محيط الحداثة ومنجزها البصري فيما يغير الزمن ايقاعه وتستحيل ( اللوحات ) شيئا فشيئا  ضمن هذا الموكب الاستعراضي من تقنيات بصرية متكاثرة بشكل متسارع الى ممارسة خارقة في النقض والاختلاف حيث تعلن اللوحة في اكثر من ميدان سيادتها الروحية لصالح المنجز المتصل بحدس اللحظة واستثمارها بشل جلي ، ولا غرابه في هذا الأمر ، فالقيم الجمالية والفراغية تتفجر بالشكل الواضح في الرؤية ، فكلاهما يعبر لنا عن الصراع الابدي بكل وضوح فكأنك تعيش في اللوحة . . فالمنصوري اعتمد المزاوجه بين البقع اللونية التي اخذت شكلا هندسيا او زخرفيا بل تموجا وكأنها غيوم متداخلة ، اذ زاوج بين هذه الأرضية  اللونية والخط الذي يوحي وكأنه خط من الضوء . يرسم اشكالا إنسانية دون ان يتوقف عند نقطة معينة  من هذا الشكل . . كما اننا نلاحظ بأن الفورم عند المنصوري بعيداً عن تاريخية الوجود الجدلي لماهية الفكر بوصف اللوحة استنطاقاً مضاعفاً لمكنونات الواقعة الذي يحاول المنصوري الاقتراب منه بمهارة حاذقة وبراعة في تثوير كوامنه ، فتساوقت في سردياته اكثر من وشيجة فنية . . ولم يكتف بهذه المتقابلات الشيئية بل حشد في فراغاته وخطوطه مهيمنات هي خلاصة القم التي واكبها في رؤاه . . وأمتدت في بناء



 






. وأمتدت في بناء تعبيري ينم عن اقتدار واضح في بنائه الاستعاري الذي وصل بالعناصر الواقعية والتعبيرية الى حدود الرمز . . وهكذا يخرج العمل الفني في
 ( طلاسم ) المنصوري من البصمة الشخصية إلى الطابع الجمعي فيسقط من خصائص الطراز والقاعدة والأبعاد ويؤخذ منحا أشكالي وفلسفي ليتمنطق داخل موقف الفنان الذي تجلى وكأنه تعبير عن انصهار مع مادة الروح في عملية ( سيميائية ) مركبة ومقصودة في ان واحد حيث يقودنا . . وبفعل قراءاته المسننة و   ( المشفرة ) الى طرائق عمله التي يتماهى معها حتى النخاع ، وضمن مفردات ميلودية تشكيلية تراوحت بين مزولات كثيرة للعبة التقنيات في التضمين والرمز . وقد نجح المنصوري في ان يوظف منطقة واسعة من الرؤية لتكون مساحة واسعة لحركته بكائناته الملونة الأمر الذي يعني انه استطاع ان يوسع مجالات استلهام الرؤية تشكيلياً ، فهو لايخفي منهجه الانتقائي الذي هو سمه أساسية من سماته منذ السبعينات ، حيث نرى مزيجا عضويا مع تجاربه التي خاضها في مواجهة ( النظام السياسي ) . ولم يكتف بهذا بل انه شكل من خلال هذا المزيج عملا فنيا يقودنا الى مجهول خفي اخر اهتدى اليه بموهبته الساحرة . لقد استجاب المنصوري بكل مالديه من قلق ورؤية الى متحفه الخيالي ، فرسم عافية كل الاسئلة التي تقافزت فوق شفاهنا بما يراه مناسباً من اجابات ، وهو برئيي انما يسلك الطرق الصحيحة التي يجب ان يسلكها أي رسام حقيقي . لذلك فأن ( فرادته ) تكمن في انتقائيته . . وفي منهجيته ذلك لأنه استجاب للواقع ولكل قوانين التاريخ . . بكل تحولاته ، كما تمثل خط الهدنه الذي يفصل تلك التواريخ ، ومن هذا المنطلق فأن معظم لوحات ( طلاسم ) لم تستند الى ثوابت شكلية محددة ، بل كانت تمثل المشهد الثقافي الانساني العام بكل تناقضاته بأتجاه الرغبة في احداث المزيد من التحول . . ان اعمال الفنان غالب المنصوري تمثل بتجلياتها مستويات البحث الجمالي هذا البحث القلق المغامر والمتجدد والعاصف الذي يؤكد ماذهبت اليه بصدد مقاومة الذات ، فهي تحفل بالمعنى وتسعى الى تأكيد انتمائها الى مايمكن ان يثري التجربة الفنية وبالاخص بما يتعلق بكيفيات التلقي ، فتؤكد عيانيا ان ما يترشح منها له صلة وثيقة بالمعايشة البصرية تلك ، لانها تستمد انبثاقاتها مما تخلفه من اشكال . . . هذه المعايشة الكامنة والتي هي جزء جوهري من كيان اللوحة ومن رؤية المنصوري . . . لم تشكل المقياس لنمو التحول الفني حسب . بل وشكلت عامل تحريض مضاف للأسراع في اكتشاف مايمكن ان تؤدي اليه هذه التحولات من تشاكلات . فهي تضعنا في صلب المقاومة بكل انواعها . . . مقاومة التاريخ بأعتباره عنصر تصنيف . . ومقاومة الحياة بأعتبارها منطقة تكريس معاش . فاللوحة عنده تسعى الى تأسيس كيان تأريخي خاص بها . وفي نفس الوقت تسعى الى تأكيد نفورها من امكانية وقوعها في مصيدة القدر التأريخي . . من هنا يمكن القول ان ثمة نقاط رئيسية مفصلية تساهم في ديمومة اشاكلية التواصل . وهي بمثابة مقدمات اشكالية واقعة . . ومشهودة في كافة معابر المجتمع . . ان هذا الوعي هو المجال الوحيد الموازي للتطور في الحياة في زمن غدا فيه التمسك بالمسؤولية ازاء الذات هو الجدار الذي يمكنه من التصدي للعالم المادي ، ولأنه المخزون البصري الهائل الذي يحمل في ذاته امكانية تطوره بما فيه من بعد انساني اثر في يوم ما من الايام على ثقافات العالم . واللوحة لدى المنصوري بنائاً على ذلك تبدوا مناسبة لأطلاق مفاهيم جديدة حول ضرورة تشكيل ( وعي جديد ) من خلال اللوحة والمفردة التشكيلية . ومن خلال الأستنارة بخلاصة التجارب والثقافات دون الارتماء في حدود الجغرافية التي قد تضاف الى خرائطنا الذاتية . . وان الامر غير متعلق بنسخ الاساليب القادمة الينا من هذا الاتجاه او ذاك ، او اعادة ترجمة القيم التي وفدت الينا مع المد الثقافي العام . . وانما هي ايجاد المعادلة الذهبية التي تساعد على صهر كل تلك الاشياء والتنوعات وصولا الى صناعة الهيكل الحقيقي للتجربة الذاتية . . في تجربة الفنان المنصوري التي يتضح انها تتسم بروح متجددة في اتخاذ موقف سريع ازاء التعديلات التي تطرأ على الوجدان . . ولعل هذا الهامش لم يعد يتسع لكل تلك التراكمات الكمية من الاساليب والتجارب والخبرات التي حملتها لوحات( طلاسم ) . وهذا مايجعل المنصوري واعياً لذاته وذات العالم وعارفاً بهما . . ومن هنا بدأت سلسة تفاعلاته مع بيئته وركائزها ومع الذات وهواجسها . بهذا المعنى يلامس التشكيلي المبدع غالب المنصوري عالم الفن الادبي ، وهو دور اتقنه ووقف في وسطه بطريقة سحرية ربما ليس اكثر ادهاشا من لوحاته التي تؤدي دورا جماليا ( بأمتياز ) ولكن بذات الدرجة من التماهي بينه وبين تكويناته وامزجته الثرية .

 

ليست هناك تعليقات: