الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

زينب ألركابي صمت الأثر وديناميته-عادل كامل











تشكيل
زينب ألركابي
صمت الأثر وديناميته

  



عادل كامل
     بقصد، ومن غير قصد، تعيد زينب ألركابي صياغة اعقد مسار مكث عابرا ً للزمن، والأزمات، والأعراف، واقصد به: إن الفن جاور الحفر في المناطق النائية، مثلما لم يتخل عن المرئيات: في المخفيات، إن كانت أنطولوجية (وجودية)، أو مألوفة؛ يومية أو أبدية، سريعة الزوال، أو التي أصبحت غير قابلة للغياب. ففي الفن ـ منذ الدمى ذات الرؤوس الضئيلة وصولا ً إلى المجسمات العملاقة ـ ثمة عبور عبر جسور مهمتها الحفاظ على دورها الرمزي. فالأهرامات، أو الزقورات، أو ناطحات السحاب، على سبيل المثال، شبيهة بالأقنعة في أداء مهمة تخفف من الصدمة، بل وهي تتحايل على (الجوهر) أو الحقيقة. فليس الإنسان هو المثال، بل علاماته. ولا علاقة لمفهوم البنية ـ أي استبعاد العاطفة والتعبير ـ بالعمل الفني، لأن عزل الغائب أو الذي توارى غدا مثل الحتمية التي هي ذاتها عمقت القطيعة معه، بجعلها شاخصة. فالرموز المتداولة ـ إن كانت نصبا ً ضخمة أو لقى أو مصغرات ـ تحكي بلغتها المعاني المزدوجة بين الإفصاح، في الإعلان، وبين التستر، لأجل الإعلان ذاته. ولسنا بحاجة إلى براهين وإثباتات تفسر بناء القناع ـ والمخلفات النادرة ومنها الفنون، بعد زوال موضوعاتها، وأشخاصها، ومن نفذها ـ فالمتحف، بمعنى الذاكرة، مثال لا يقبل الدحض. وهنا يصبح المتلقي وحده يتبنى مهمات إعادة البناء كاملة، أي: إنتاج حضوره. زينب ألركابي، بوصفها حاملة لجينات إنسان وادي الرافدين، وجدت سلاسة أو فطرة في اختيار الحطام/ الأثر/ للاستدلال على الغائب. فبدل ان تبني زقورات، أو جنائن معلقة، أو تبني أجنحة للثيران، أو تقيم مجسمات للأسود، وبدل ان تشيد ناطحات سحاب، سمحت لأصابعها النحيلة المرهفة ان تأخذ دور (إنانا) في إكمال الدورة: الدفن ـ البعث.



  





   فالفنانة تلون مجسماتها الخزفية/ النحتية، بأمومة عنيدة، رمزية، كي تعيد شيئا ً من مراثي سومر وأكد، وتضعها في الواجهة. فأعمدتها، ولقاها، وأقنعتها، ومصغراتها غدت الأصل، كأنها أصغت عميقا ً لبودلير، وهو يقلب مفاهيم عصره الجمالي، لكن ليس نحو جماليات باذخة، أو استثنائية، بل الإيغال بالبحث عن المخفيات، وقد تحولت من زمنها إلى زمن الأثر ـ النص الفني. هنا تحديدا ً يأخذ الحطام معناه تعبيرا ً، وبعيدا ً عن العالم الافتراضي، لأن الفن لا يحتفي، كالقلائد للتزيين، بل للنبذ، ولصالح التأمل الوجودي، كأنها مشفرات تم اختيارها بأكثر قيود الحرية تحديا ً: البوح أو الاعتراف.  فالحرية تختفي ـ كقناع أو غواية ـ لتصبح واقع حال: حرية اثر، تحكي الذي كف عن النطق، باختيار البورتريه، الرأس من غير جسد، والسماح للمتلقي بإعادة إنتاجه، وليس بتأويله حسب.




 


    وبلذّة لم يبق منها إلا المرارة ـ المراثي أو صمتها ـ لتعيد التقاط الأجزاء المتناثرة، للمعنى، فتستبدل المخفي، بالحطام، والماضي بالحاضر: رأس كف عن عمله، بل حتى عن معناه، لكنه سيحافظ على النسق ذاته الذي سمح لاستخراج أندر المعادن من التراب، وهو ذاته، يعيد لمادة (الظلام/ وربما العدم) لغز وجودهما بما يمتلك من طاقات على الإشعاع. فعنوان تجربتها (مرايا النفوس)، ليست ممارسة شبيهة بممارسة لعبة النرد، وترك المصادفات تتجمع، أو تتوافق، بقدر إقامة عزاء، لكن من غير أسف، أو بالأحرى، للتشبث بحضور لا وجود له إلا في حدود الحداد، فالفنانة تستحضر المستقبل، وليس الماضي، لأنها تمارس دينامية الأثر بما يتضمنه القناع ـ الشاخص ـ والعلامات الأخرى، وتسمح للأسف بالتحول إلى صدمة: واجهة، سطوح، أشلاء، أجزاء، شظايا، حتى وإن قامت الفنانة بالتقاطها، كما يلتقط الراصد ومضات نجوم غابت قبل ملايين السنين.
     عمليا ً لا تمثل هذه الكلمات شهادة إعجاز، أو تفوق، ـ وإن كان المناخ الفني في البلاد وفي بغداد تحديدا ً تحت درجة الصفر ـ كإطراء أو مدح لها، بل لأنها تبنت إحياء الدوافع ذاتها لدى صانعي الأختام. أسلافها في سومر، وفي العراق القديم. ففي خامة (الطين) ترقد الصبوات، مثلما الآلهة وهبتها شيئا ً من أنفاسها، لتأخذ الأسطورة مداها الأبعد، وتغادر، كي تتحول الأرض، إلى مرآة، بمعنى إنها ستواصل احتفاءها العنيد بمعنى الغائب، المندثر، وبين تكونه من الرماد ـ الغياب. ليمتلك توقا ً لم يدحض، ولم يدمر، بل ازداد توقا ً للامتداد، والتجدد. فزينب ألركابي لم تغفل إنها تعلمت بداهة منعم فرات، وبعضا ً من رؤى أستاذها مؤيد نعمة، وقد انشغلا بالإصغاء إلى لغز الصمت. فالفنانة تعيد سردها لطقوس شبعاد ـ وأوجه الشبه بينها تسترعي الانتباه ـ وهي تذهب إلى العالم النائي، لكن ليبقى نظرها مصوبا ً نحو الرأس، خارج هيمنة الانجذاب إلى الظلمات، بل نحو اللغز الكامن في الديمومة، حتى وهي لا تمتلك إلا زمن انتقالها من المجهول، إلى المجهول الأبعد! فهنا تكمن غواية أخرى متأصلة ما ان تتحرر، حتى تكون أقدم أنظمة المشفرات، قد مارست قدرتها على العمل، وقدرتها على الخلق، ليس من العدم ـ كما تفعل الآلهة ـ بل من العناصر، وتحديدا ً، من الإرادة، وهي تقهر عوامل القهر.
ـ معرض (مرايا النفوس) زينب ألركابي ـ صالات وزارة الثقافة ـ بغداد 2014
ـ درست فن الخزف في محترف مديرية التراث الشعبي.. وأكملت دراستها في كلية الفنون الجميلة ـ فرع الرسم 2014.  عضو في نقابة وجمعية التشكيليين العراقيين./  شاركت في العديد من المعارض المشتركة وحصلت على كتب شكر وشهادات تقديرية.
ـ عملت في مجال التصميم./  عضو الربطة العراقية للفنون التشكيلية وشاركت في المعرض التأسيسي على قاعة فائزة الحيدري 2004.


ليست هناك تعليقات: