رادارات زرقاء اليمامة
كاظم فنجان الحمامي
زرقاء اليمامة فتاة عربية حكيمة من اليمن السعيد. كانت ترى من بعيدة. أجمل ما فيها عيناها. ترصد تحركات الغزاة. تراقب حشودهم. تتربص بهم، فتحمي وطنها من هجماتهم العدوانية. صعدت الزرقاء يوماً إلى القلعة، فرأت من بعيد شجراً كثيفاً يزحف نحو حدود قبيلتها، فنادت رئيس قومها. قالت: أرى شجراً كثيراً يمشي ويزحف نحونا، فعجب القوم وقالوا لها: يا زرقاء هذا شيء لا يصدقه العقل. حققي النظر، فقالت: كما أراكم بجانبي أرى الشجر يمشي. انصرف الناس ولم يصدقوها، وما أن بزغت شمس الصباح حتى كانت جيوش الغزاة تغتصب المدينة. بحث زعيم الغزاة عن الزرقاء، فلما احضروها قال لها: سأحرمك من نعمة البصر. قالت: لا فائدة لي في بصري إذا لم اخدم به أهلي ووطني. كان هذا ملخص الأسطورة المأربية القديمة. لكننا فوجئنا بظهور الزرقاء الآن في صورة النائبة السابقة (مها الدوري). فقد برهنت هذه المرأة الوطنية الشجاعة على نظرتها الاستباقية في تشخيص الانتهاكات وفي رصد التجاوزات وفي التربص بالخروقات.
كانت أول من دقت نواقيس الخطر لتحذير رجال الدولة من الصفقات المريبة والمواقف المشبوهة فلم يصدقوها، وكانت أول من اكتشفت تغلغل الجنود الفضائيين، وأطلقت تحذيراتها عن تسرب الضباط الوهميين إلى صفوف الجيش، فلم يصدقوها حتى جاء اليوم الذي وقع فيه الفأس بالرأس، وطارت الموصل كلها في فضاءات التخاذل. وكانت أول المتحدثين من منبر البغدادية عن تسرب المال العام عبر قنوات المقاصة الالكترونية من مصرف الرافدين إلى البنوك الأخرى، فلم يصدقوها. بل كذبوها وطالبوها بالاعتذار، واتهموها بترويج الإشاعات الكاذبة. ثم رفعوا ضدها دعوات قضائية تطالبها بتسديد غرامات خرافية على خلفية تفوقها بالرصد الراداري المبكر للأموال المتسربة من البنوك العراقية. ثم سقطت ورقة الدهشة عندما طلعت الشمس على الحرامية، وبانت الحقيقة كاملة بكل تفاصيلها المحزنة وأرقامها المخزية.
لا تمتلك (مها الدوري) نظرة فولاذية خارقة، لكنها تمتلك نظرة وطنية صادقة. داعمة لأمن العراق. حريصة على ضمان استقراره. ولا تمتلك (مها) رادارات الكترونية تستشعر المخاطر وتراها من بعيد، فإيمانها المطلق بحقوق الشعب العراقي هو الذي كان يمنحها القدرة على إزاحة ستائر العتمة عن زجاج عدسات العيون المصابة بقصر النظر.
من المفارقات العجيبة أن مصير النسخة القديمة لزرقاء اليمامة انتهى في مملكة سبأ عندما اقتلعوا عيونها وحرموها من نعمة البصر، في حين فقدت زرقاء العراق استحقاقاتها السياسية عندما كان الإقصاء من نصيبها. فاستبعدوها وحاربوها مثلما استبعدوا أصحاب الكفاءات، ومثلما حاربوا أصحاب الطاقات الوطنية الواعدة.
ختاما نقول: ألم يأن للدولة العراقية أن تفتح ملفات الفساد لتفضح المفسدين والمتلاعبين ؟. ألم يأن للقوى الوطنية أن تكسر حواجز الخوف وتقاطع المفسدين والمتآمرين والخونة ؟.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق