بحث هذه المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

مهرجان السينما التركية: سينما جديدة تنظر الى الماضي والحاضر بغضب-بقلم أمين فرزانفر ترجمة يوسف حجازي


مهرجان السينما التركية:
سينما جديدة تنظر الى الماضي والحاضر بغضب

بقلم أمين فرزانفر
ترجمة يوسف حجازي




Kebab Connection, إحدى الأفلام المعروضة التي لاقت لدى الجمهور في نورنبرغ شعبية كبيرة يقدم "مهرجان السينما تركيا/المانيا"، الذي يقام في مدينة نورنبرغ للمرة العاشرة، إطلالة على إنتاج كل من السينما التركية والألمانية-التركية والألمانية المعاصرة، ويهدف المهرجان إلى تقوية الحوار بين مختلف فئات المجتمع وإزالة الأحكام المسبقة. تقرير الناقد السينمائي أمين فرزانفر

تُظْهِرُ الإنتاجات التركية في مهرجان هذا العام حرية غير معهودة في انتقاء المواضيع. ويبدو أن الأزمنة التي كان المخرج يلماز غوناي
Yilmaz Güney يضطر فيها لإعطاء تعليمات الإخراج، من سجنه، لينجز فيلماً نقدياً إجتماعياً مثل فيلم "الطريق" قد ولت. الكثير من المواضيع التي ظلت مكبوتة طويلاً تجد طريقها إلى التحقق السينمائي حالياً.

إختراق المواضيع المحرمة

شكّل فيلم "صورة أم عدد"، باكورة أعمال المخرج أوغور يوتشل
Ugur Yücel أحد الأمثلة الباهرة لهذا. حيث تدور أحداث الفيلم حول قصة شابين كانا جنديين سابقين: ويتناول الشريط عددا من المواضيع المحرّمة غير مسبوقة مثل الحرب المنسية في المناطق الكردية التي وقع ضحيتها من 30000 إلى 40000 إنسان، وما يسمى بـ "أعمال الترحيل" –الطرد والتشريد اليوناني-التركي المصحوب بالسلب والنهب والتطهير العرقي، إلى المافيا الإسطنبولية، وفوق ذلك العلاقة المتناقضة للمجتمع الذكوري مع المِثْلِيّة الجنسية.

تناولت سلسلة كبيرة من الأفلام القصيرة والوثائقية والطويلة مواضيع حساسة عموماً. يسيم اوستاوغلو
Yesim Ustaoglu التي كانت قد تناولت حرب كردستان في فيلمها "رحلة إلى الشمس"، أقدمت الآن في فيلمها الرثائي "في انتظار الضباب" على موضوع الترحيل القسري، الذي حدث أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى.

تروي قصة عائشة المُسنّة، التي آثرت أن تعيش شيئاً من العزلة في قريتها بالقرب من البحر الأسود، إلا أن ماضيها يطاردها، فيتضح أنها من أصول يونانية.

وهناك أيضاً درويش زعيم
Dervis Zaimالذي يُمَثل مِثل أوستا أوغلو جيلاً جديداً من صانعي الأفلام المستقلين، والذي أجرى في فيلمه الوثائقي "رحلات متوازية" حوارات مع شهود معاصرين، أتراك ويونانيين، وسألهم عن تقسيم جزيرة قبرص بعد 1974.

المناطق المحرمة والخطرة

لكن هناك عوائق كثيرة في طريق السينما التركية إلى انطلاقة جديدة نحو القيم الأوروبية الأساسية. إذ يبقى دور الجيش والقوة المتصاعدة للإسلامويين والإبادة الجماعية للأرمن مواضيع محرّمة حتى يومنا هذا.

العصرية لا تقاس بالمضامين المشحونة وحسب، بل أيضاً بالشكل الفني المناسب لتناول هذه المضامين. مخرجون من أمثال رايس جاليك
Reis Celik أو كاظم أوز Kazim Öz –كلاهما يشاركان في نورنبرغ- يسعيان منذ زمن لمعالجة الفصول التاريخية المظلمة.

ورغم التصوير بالألوان، بيد أن الكثير من الأفلام السياسة تعرض أدوارا للمعاناة تتسم بنمطية خرقاء: أكرادٌ مقموعون، نساءٌ ويساريون ينادون بخطابات أحادية الجانب وبلهجة منبرية مفرطة ووقفات بطولية.

وقلما تتناول الأفلام التركية الحديثة مواضيع سياسية، وهذا يعود في الدرجة الأولى إلى الرقابة الإقتصادية منه وليس إلى رقابة الدولة. المثقفون مثل عادل كايا
Adil Kaya أحد منظمي المهرجان يشكوّن من عدم اهتمام المجتمع التركي بالسياسة، ومن رهانه المتزايد على الوصول السريع لّليرة واستهلاكه لبرامج تلفزيونية بمستوى "بيغ براذر" بعد العمل.

السينما وهيمنة التلفزيون

السينما المضطرة لمواجهة هيمنة 300 قناة تلفزيونية وجدت في الأعوام الأخيرة ركنين للعمل: الأول هو سينما خفيفة من ناحية المضمون أشبه بسينما البوب كورن (البوشار)، استطاعت أن تجذب جمهوراً يُعَد بالملايين.

والثاني سينما يقوم فيها مؤلفو السيناريو بالإخراج أيضاً، تُنْتَجُ بأبسط الإمكانيات وتلاقي في المهرجانات السينمائية الأوروبية نجاحاً بالغاً، وتتناول المسائل السياسية بشكل هامشي فقط.

إحياء السينما السياسية

لقد حاول اوغور يوتشل
Ugur Yücel في فيلمه "صورة أم عدد" إحياء السينما السياسية التي كانت ناجحة في الأيام الغابرة من خلال استراتيجية مزدوجة. فمن ناحية أتى بالممثل كنان إميرزالي اوغلو Kenan Imirzaliogu، أحد نجوم السينما السائدة، وتناول من ناحية أخرى عددا من المواضيع المثيرة في الوقت ذاته وحققها جمالياً بطموح كبير.

فيما تبدو ساحة السينما التركية مشتتة إلى مصالح إقتصادية وإهتمامات جمالية وفكرية مختلفة، يسعى المهرجان للتوفيق بين كل الأطراف ويتمسك بفهوم السينما كمرآة لمجتمع قيد التغيير.

الكل كان ممثلاً في نورنبرغ، من المؤلفين-المخرجين غريبي الأطوار مثل زكي دميركوبوز
Zeki Demirkubuz، إلى النجوم القدماء مثل الممثلة اللامعة هوليا كوجييت Hülya Kociyit أو تونجاي كورتيز Tuncay Kurtiz الذي كان قد شارك من قبل في فيلم غوناي الناجح "الطريق".

أنيل شاهين يوزع في المانيا أفلاماً رائجة مثل "ورشة بناء"، أو "فيروزة، أين أنتِ". أمثلة باهرة لسينما فقاعات الصابون السطحية، ولكنها لا تخلو من لسعات ساخرة من الرأسمالية الجديدة في المجتمع التركي.

موطن السينما التركية – الألمانية

لأن المهرجان في نورنبرغ يُعنى بالحوار والتكامل قبل كل شيء، وجدت السينما الألمانية- التركية فيه دائماً موطناً لها. في الدورة الأخيرة تم عرض الإنتاجات الجديدة، وشارك في لجنة التحكيم توفيق باسر
Tevfik Baser إلى جانب أمينة سيفغي اوزدامار Emine Sevgi Özdama.

ويعتبر باسر الأب المؤسس وقد نال حديثاً جائزة غريمة ("المانيا الأربعين متراً مربعاً" و "زمن الرغبات")، وقام ضيف الشرف فاتح أكين
Fatih Akin بزيارة خاطفة للمهرجان.

أفلام ما بعد المهجر التي يقدمها أكين اعتُبِرَتْ سابقاً في تركيا شأناً ألمانياً بحتا، ولكن بعد نجاح فيلمه "ضد الجدار" أعيد الإعتبار للهامبورغي ثانية كإبن للوطن. وبيع فيلم "
kebab connection" القائم على فكرة لأكين بسرعة في تركيا، قبل أن يبدء عرضه في المانيا بفترة طويلة.

هذا الفيلم لأنو ساول
Anno Saul الذي حاز في نورنبرغ على جائزة الجمهور، قدّم بالمناسبة مثالاً جيداً على طريقة تناول التعقيدات الالمانية-التركية التي كانت في السابق غالباً ما تُفَسَّر بأسلوب أخلاقي مفرط، والآخذة بالإنفتاح أكثر فأكثر باتجاه الدعابة والفكاهة.

الفيلم يعالج قصة شاب من هامبورغ يريد بعد أن فرغ صبره أن يُخرِجَ فيلم كونغ فو، لكنه يضطر عوضاً عن ذلك لمواجهة عائلته التركية، إذ أنه على وشك أن يصبح أباً، والمشين في الأمر أن صديقته تسيتسي ألمانية. هذا ما يخلق إرباكات وقلاقل، إلى أن تتم مصالحة بين كل أفراد العائلة وبين الأجيال والشعوب.

حوار وافر وصالات ممتلئة

لو أردت اليوم، في زمن نقاشات الإنضمام للإتحاد الأوروبي والحجاب، أن تؤسس مهرجاناً يهدف لإدخال العوالم السينمائية التركية والألمانية والألمانية-التركية في حوار، لكان بامكانك أن تلقى صدىً إعلامياً قويا.

"المهرجان السينمائي تركيا/المانيا" قائم منذ عشر سنوات، ومن المحتمل أن يكون هذا بالضبط سبب إقتصار الإهتمام به على الإعلام المحلّي وحسب، رغم مستوى برنامجه الرفيع وضيوفه العالميين.

كريستينا فايس وزيرة الثقافة الاتحادية تولّت رعاية المهرجان لعام 2005 لتضع بذلك مؤشرات إستحقاق تكريم أكثر جدارة. يبقى الأمل بزيادة فعالية التسويق مستقبلاً، وزيادة الشخصيات الألمانية البارزة، التي تجذب بدورها أوساط أخرى من الجمهور.

جلسات الحوار ومنتديات النقاش حول المواضيع المستجدة قائمة وموجودة بوفرة، وكان بإمكانها أن تستقطب الضيوف الأتراك، الذين آثروا حتى الآن الابتعاد عنها بعض الشيء بسبب العوائق اللغوية.

لقد تحقق مطالب الحوار على الأقل من ناحية عدد المشاهدين، فالصالات كانت ممتلئة، ونفذت التذاكر في الكثير من العروض، وارتفع عدد الجمهور الألماني خلال ذلك من 15 بالمائة في السنوات الأولى إلى 40 بالمائة هذا العام.


ليست هناك تعليقات: