بحث هذه المدونة الإلكترونية

مرات مشاهدة الصفحة في الشهر الماضي

الاثنين، 27 يوليو 2015

اليونسكو يكرم قامة فكرية شامخة في الفكر الإسلامي -


اليونسكو يكرم قامة فكرية شامخة في الفكر الإسلامي
أركون منتج الأسئلة المحرّضة على قراءة حديثة للنص الديني


بمناسبة جائزة اليونسكو للثقافة العربية، تخصص المؤسسة المذكورة، الجمعة، تكريما لأحد رؤسائها السابقين، والذي أتى بمنهجيته في قراءة النص الديني، عادة ما أثير حولها الكثير من اللغط.الأمر يتعلق بالمفكر الجزائري الأصل والذي اختار أن يدفن عند رحيله، قبل مدة، في العاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء.
 بوعلام غبشي

يقول المثقف الجزائري ع الكريم حاج مهدي عن هذا الاسم، اللامع في عالم الفكر الإسلامي الحديث، في حوار خاص بإيلاف، إن أركون ظل يدعو إلى "الحوار بين الثقافات، على سعة أفق وشمولية وتنوُّر..." و أضاف "يتمثَّل مشروعُه الفكري الرصين في إنتاج ثقافة الأسئلة، بمنأى عن كافة المسلَّمات الجاهزة، وصولاً إلى المسكوت عنه واللامفكَّر فيه في الثقافة العربية الإسلامية.
ويحرص أركون، بحسبه، "على كشف المعوقات الذهنية والعراقيل التاريخية والاجتماعية التي تعوق التقدم وتعرقله. يقضُّه سؤال العقل الإسلامي، في شرطيه المعرفي والتاريخي، وكيفية تجاوز الواقع الراهن لدخول معمعان الحداثة".
و اعتبر هذا الإعلامي الجزائري صاحب كتاب "نحو نقد العقل الإسلامي"، "طفرة تاريخية لم توظف في عالمنا العربي والاسلامي-للأسف- على الرغم من الثورة الفكرية التي دعا إليها في كتاباته، و أراد من خلالها تغيير المسكوت عنه في ثقافتنا بشكل عام".


أركون و التصالح مع الحداثة
ويستعير حاج مهدي تفسير أركون في فهم حاضر الشعوب الإسلامية، و ذلك بالقول، " لكي نخرج من أزمتنا ومأزقنا التاريخ.. لابد من مرحلة تنوير تضيء تراثنا الديني بمناهج حديثة من أجل التصالح مع الحداثة الكونية..."
و أضاف "لكن مشكلة النزعة الإنسانية في الفكر العربي.. قديمه وحديثه.. هي هذا الهجوم الشديد الذي يلاقيه من يحاول مسّ المسألة بعمق أو حتى سطحيا.. "
و في السياق نفسه يتابع "فقد تعرض طه حسين حديثا لهجوم أخذ به الرجل ولم يترك حتى تراجع.. أو ادعى التراجع.. تفاديا لعواقب تنتظر كل من يحاول خلخلة هذا الثقل الفوق إنساني في الثقافة العربية.. وربما يكون الأمل هو في تلك القوانين التي تحكم اتجاه حركة التاريخ.. تتوقع بها النتائج طبقا لمقدمات مشابهة حدثت من قبل."
ليصل حاج مهدي "إلى أن أركون أشار إلى أن المسيحية الأوروبية هي وحدها التي اجتهدت للتصالح مع الحداثة علما بأن ذلك حدث مؤخرا. لأنها في البداية عارضت الحداثة والأنسنة. وكانت توجد في أوروبا أصولية مخيفة أعاقت النهضة كثيرا قبل أن تنهزم أمامها..."

المجتمعات العربية و القطيعة
يستدل ع الكريم حاج مهدي بالمفكر السوري هاشم صالح، مترجم وشارح أعمال أركون، لكي يؤكد أن أركون شغل موقع "الوسيط بين ثقافتين، بل فكرين مختلفين حتى لا نقول إن هناك صدامات في فهم كل فكر على حدة لشدة التعارض بينهما، إلا أن أركون عمل على أن يكون وسيطا ومقربا فكريا لكل من المفاهيم التي كانت تشير إلي صراع ضمني داخل الفكر الواحد..."
و يوضح، خريج معهد الفلسفة و العلوم الاجتماعية في الجزائر، "أن المجتمعات العربية تعاني قطيعتين لا قطيعة واحدة. الأولى، مع تلك الفترة المبدعة من تراثها الإسلامي والتي بدأت بسيطرة السلاجقة على الحكم (بداية القرن الحادي عشر ميلادية) حيث انتشر الفكر المدرساني (الإجتراري / التكراري) القائم على نشر مذهب واحد وإغلاق الباب أمام الأفكار الحرة، والاجتهادات التي أسست لفكر إنساني إسلامي (حداثي في وقته) وفيه تصالح مع العقل."
و يستطرد حاج مهدي "تعاني المجتمعات العربية والإسلامية أيضا من قطيعة مع عصر النهضة الأوربية والحداثة.ويذهب البعض أيضا إلى إضافة قطيعة ثالثة، وهي القطيعة مع مرحلة ما بعد الحداثة الأوروبية. لذلك تبدو مشكلة المثقف العربي (الطامح في التغير) في غاية التعقيد..."
و يرى أركون، يقول حاج مهدي، "أن الإصلاح الآن غير ممكن باستعمال الوسائل الفكرية القديمة.وأن على حركة التنوير الإسلامية المنتظرة أن تجيب على سؤال محير: هل نحتاج إلى إصلاح المفاهيم القديمة، أم أن الحلّ يكون بالقطيعة معها".
 فأركون، يوضح الحاج مهدي، يقول إن "المسيحية الأوروبية أجبرت، ودائماً بعد مقاومات عنيدة وتأخر زمني، على هضم مكتسبات الحداثة العلمية والفلسفية والقبول بها. ولكن ليست هذه هي حالة الاسلام، ولا اليهودية، ولا المسيحية الشرقية الأرثوذكسية التي لم تشهد مجتمعاتها الخطة العلمية والفلسفية نفسها التي شهدتها مجتمعات أوروبا الغربية بدءاً من القرن السادس عشر".

أركون و منتقدوه
يفسر الإعلامي الجزائري بلسان أركون نفسه، الانتقادات التي يتعرضون لها من الرافضين لأفكاره، بكون "المعركة قديمة جديدة. والأزمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ العربي ـ الإسلامي. ومثلما أن ابن قتيبة كان يهاجم «العلوم الدخيلة» في وقته (أي الفلسفة اليونانية)، فإن أصوليي اليوم يهاجمون «الغزو الفكري» للغرب..."
و يستطرد في السياق ذاته أنه "على هذا المستوى من العمق ينبغي أن تموضع المشكلة لكي نفهمها على حقيقتها. وبالتالي فلا تكفي التحليلات السطحية السريعة لتقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي بمواجهة الوضع المستفحل خطورة. فالمرض أكثر عمقاً وتجذراً مما يظنون..."
محمد أركون لم يدع يوما، بحسب المنافحين عن فكره، إلى القضاء على الدين، و إنما حملت أعماله رؤية حداثية لأي إمكانية في استقراء وضع المسلمين، وعبر عن ذلك في أكثر من مناسبة.
وهذا حصل "في ندوة نظمت  في جامعة السربون في باريس عام 2007 دعا فيها، يقول حاج مهدي، صراحة، إلى ضرورة أن يعود المسلمون إلى إعادة قراءة تاريخ علاقاتهم بأوروبا وتطوير مناهجهم الدراسية " للحاق بركب الحضارة الذي فاتهم".
في هذه المحاضرة التي ألقاها أركون، يفيد حاج المهدي، وكانت تحت عنوان " نقد العلاقة بين أوروبا والإسلام والعالم العربي "، قال أركون "لقد تخلينا عن الحداثة ونرفض الحداثة وأوصدنا في وجهها الباب بحجة الدفاع عن معتقداتنا وهويتنا..."
كما تحسر أركون على "التفريط في نصوص الحداثة ودعا إلى انفتاح الجامعات على تدريس ودراسة التاريخ المقارن لعلم اللاهوت "، وتساءل في هذا الإطار، "ماذا حدث لمقدمة ابن خلدون وهل قرأها المؤرخون وهل درّسوها لتلاميذهم....أعتقد انها دفنت كما دفن ابن رشد..."

أركون و الآخر
و أشار الكاتب والإعلامي الجزائري، في الوقت نفسه، إلى "أن محمد أركون إلى جانب المفكرين التونسي هشام جعيط والمغربي محمد العابد الجابري من أبرز دعاة تحديث الخطاب الديني، وكثيرا ما تثير مؤلفاتهم الجريئة جدلا كبيرا في العالم الاسلامي، وهذا راجع إلى ما قلته...".
و قال حاج مهدي إنه "كثيرا ما تحدث أركون عن المستقبل بين الفضاء المغاربي والاوروبي"، و نسب إلى المفكر الراحل قوله، "علينا أولا أن نقيم بشكل علمي ما حدث في الفضاء الاوروبي ".
و يعتبر أركون، يقول الكاتب و الإعلامي الجزائري "بناء الاتحاد الاوروبي حدث فكري سياسي يعادل ظهور عصر الأنوار في القرن الثامن عشر، لأن بناء الاتحاد الاوروبي يعني الانفصال عن الدولة الأمة بعد أن قرروا أن يجعلوا كامل المنطقة الأوروبية فضاء مفتوحا للمواطنة ".
وفي المقابل ظل يتساءل المفكر العربي لما "أمام هذه الثورة الفكرية والإنسانية في أوروبا، ما زلنا نحن ننظر لما حصل وكأنه أمر لا يعنينا ولم نستخلص أي عبرة منه، و يخلص في الغالب، يضيف مهدي، إلى القول " نحن في المنطقة المغاربية وجب علينا أن نسأل أنفسنا لماذا فشلنا في بناء الاتحاد المغاربي".

أركون يحمّل المسؤولية للمتعلمين و النخبة
و لم يخف أركون مسؤولية المتعلمين و النخبة في وضع المسلمين، كما يؤكد الكاتب الجزائري ع الكريم حاج مهدي "لأن المفكر أركون كان يهدف إلى بناء "إسلاميات تطبيقية" و ذلك بمحاولة تطبيق المنهجيات العلمية على القرآن الكريم..."
و من ضمنها، يضيف حاج مهدي، "تلك التي طبقت على النصوص المسيحية، وهي التي أخضعت النص الديني لمحك النقد التاريخي المقارن و التحليل الألسني التفكيكي و للتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى و توسعاته و تحولاته". وقال في الإطار نفسه "لقد طرح أركون هذا المشروع في الدراسات الإسلامية لكي يهتم به الباحثون العرب و المسلمون عموما، لاسيما و هو مشروع متصل بالبحوث في النص الديني بصفة عامة.
ويعتبر حاج مهدي هكذا مشروع أنه "مبني بالأساس على التعرف إلى الظاهرة الدينية حتى تحل في أفق أوسع من الأفق الإسلامي. ولاسيما أنه يتم الاكتفاء بالنظر إلى تاريخ الإسلام كدين، كإطار فكري دون مراعاة ما حدث و ما يحدث في الأديان الأخرى".
و يفصل أكثر حاج مهدي هذه المسألة بكون "مشروع أركون يفتح بابا أوسع لتاريخ الأديان إذا انطلقنا من القرآن و من منطقه الذي يطرح قضية تاريخ النجاة، أي كيف نعيش حياتنا كمؤمنين متلقين كلام الله تعالى حتى نطبقه في حياتنا قصد النجاة من العذاب..."
و يوضح أكثر "أن فكرة النجاة موجودة في التوراة مع موسى والأنبياء الذين ذكرهم القرآن.و هذا يدعونا إلى الاهتمام بالتاريخ الروحاني الذي يختلف عن التاريخ السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي.و التاريخ الروحاني يتعلق بوجوب كلام الله على البشر".
و في السياق نفسه يتابع، "يؤكد محمد أركون أن المسلمين مازالوا لم يمارسوا بعد تاريخ الأديان، لأنه غير موجود لديهم.كما يشير إلى أن ما كتبه الشهرستاني عن الملل و النحل، و ما كتبه ابن حزم كذلك، تخلى و أعرض عنه المسلمون، إذ ركزوا كثيرا على ما ورد في تاريخ الإسلام أكثر مما ركزوا على ما ورد في القرآن نفسه".
و يستطرد "فهناك، حسب أركون، فرق بين القرآن الذي هو كلام الله و نزل إلى الجميع و ما قام به الفقهاء المسلمون من جهد نعتمد عليه لفهم الإسلام، و هو بطبيعة الحال فهم متغير الظروف التاريخية و الظروف الثقافية في المجتمع و خاضع أيضا للقوة السياسية العاملة في المجتمع".
و يخلص الكاتب و الإعلامي الجزائري إلى أن "محمد أركون ركز على ضرورة تفهم القرآن-كلام الله- و الذي يفتح للبشر – وللمؤمنين بالخصوص- آفاقا للتدبر والتفكر و التفقه و التعقل. فكم من مرة تكررت "أفلا تتدبرون" و "أفلا تعقلون" في القرآن الكريم؟ لكن هذا النوع من التفكير المتوسع تم تهميشه و ضيقت مجالاته".


ليست هناك تعليقات: