الأحد، 26 يوليو 2015

حياتي التي أتخيلها ...- نعيم عبد مهلهل


حياتي التي أتخيلها ...

 نعيم عبد مهلهل

    أتخيل حياتي التي ذهبت كما غيمة شاخت وناحت وهامت على عشب الذكريات تطرز للشيب دمع التوجع في ابتعاد البلاد ، وحزن العباد ، وأشياء أخرى يسميها مالك ابن الريب : صعلكة العولمة وشخير الدبابات والورد الذي يرتدي الشورت القصير ويكتب بلاتينية قديمة أبيات الابوذية وخطابات لينين...
في اللغة أعذب الكلام ما ينطقه القلب لا اللسان. لم أجد في لساني اليوم عذوبة النطق وقد فارقت الضاد بحكم القوي وهاجرت إلى قاموس غوته أفتش فيه عن جملة أدبر فيها حالي أمام الجميلة موظفة دائرة الهجرة ، فيما قلبي خفت خفقان الحلم فيه بعدما ابتعدت أصابع الشوق عن ملامسة خد الموجة ودمعة العصفور ورصيف الشارع وفرن الصمون الحجري ..ما تلامسه هنا ..هو المطر اليومي وعجائز بمظلات مزركشة ، وفرقة نغماتها مصنوعة من أزمنة الفاينكغ وليس فيها شيئ من بهجة خريف الفوانيس ومواسم حصاد القمح ونواح شهداء الحروب وشاي المقهى ...
بقيت تلك الأساطير عند من ظلوا هناك يلوكون حسرة لم الشمل وعودة شاشات السينمات الصيفية والكتب المستعارة من المكتبة العامة ، هذا البقاء الذي وفر لهم مساحة قليلة من الأمل بأن يعاش العمر كما تريده أفئدة القلوب لا كما تريده الفلسفات الفجة التي تعقد بأن كاتم الصوت والخنجر الغادر والعودة إلى داحس والغبراء هما الحل الأمثل لصناعة مملكة تعدد الزوجات والولاية والوصاية وماعون الثريد.
أولئك الذين تركتهم هناك ، الصديق والعشيقة وعابر السبيل وزميل الدائرة ومؤذن الجامع وشرطي المرور وبائعة القيمر والقهوجي وعضو قيادة الفرقة السابق وسائس عربة الخيل وبائع الصحف اليومية  يعيشون أزمنتهم بقدر مركب ومرتبك نتاج ما نسميه في التداول اليومي ( سقوط النظام ) ويعني هذا انهيار الحكم السابق ومجيء المحتل ومعه الساسة الجدد الذين بشر بهم رامسفيلد ونتمنى أن لايبشروا به ، لأنه كما نابليون جاء بمعادلة الرياضيات ولكن عن طريق حربة البندقية ، ولهذا تاه هؤلاء الطيبون بين القبول والرفض وساعات القطع المبرمج الذي يعانون منه من تسعينـات القرن الماضي وحتى الساعة. وفي كلتا الحالتين فالمتمنى لن يأتي كما المشتهى ، الذي يجيئنا دائماً ما كان يجيء قبلنا لأهل سومر وبابل وآشور ، واغلبه خيول لغزاة وحكام طغاة وشيئ من خيال جنائن معلقة وأماسٍ لربيع قصير كتبنا فيه الأساطير وقصائد الشعر الشعبي وبعضا من دواوين الشعر الحر وأغنيات الريف ، وغير هذا فنحن مسحورون بالهاجس الصعب والذي فيه اكتشفنا الكلمة وبسببها دفعنا الثمن غالياً منذ احتراق أور وحتى احتلال بغداد...!


ليست هناك تعليقات: