الثقافة والفنّ في منطقة الخليج العربي:نهاية عصر التسامح
شارلوتة بانك
ترجمة: رائد الباش
تمكَّنت دولة الإمارات العربية المتَّحدة في الأعوام الماضية من تحقيق عدد من المشاريع الفنِّية والثقافية المرموقة. ولكن على الرغم من ذلك ازدادت في الفترة الأخيرة الجدالات حول الحرية الأكاديمية والفنِّية في البلاد. شارلوتة بانك تسلِّط الضوء على هذه الإشكالية.
تقوم دول الخليج العربي منذ عدة أعوام بحملة إعادة تصنيف مكلفة، تسعى من خلالها إلى تعزيز موقعها كمركز للثقافة والفنون والعلوم، حيث افتتحت بعض الجامعات العالمية الرائدة مثل جامعة نيويورك وباريس الرابعة (السوربون) فروعًا لها في أبو ظبي، كما تخطِّط بعض المتاحف المشهورة مثل متحفي اللوفر وغوغنهايم إقامة فروع لها هناك. كذلك أصبح معرض آرت دبي الفنِّي نقطة جذب والتقاء للفنَّانين وأصحاب صالات العرض والخبراء في مجال الفنّ ليس فقط من منطقة الخليج، بل أيضًا من أوروبا والولايات المتَّحدة الأمريكية وجنوب آسيا وأستراليا. كما تقيم إمارة الشارقة كلّ عامين معرضًا دوليًا للفنون. وكلّ هذا ينسجم مع صورة مناخ مفتوح لتبادل ثقافي عالمي على المستوى الرفيع. لكن مع ذلك تظهر الآن في هذا المشهد بعض الشقوق، ويمكننا أن نتساءل عما إذا كان من الممكن على الإطلاق خلق مثل هذه الفضاءات للفكر الحرّ والفنّ في دولة محافظة ذات حكم مطلق مثل دولة الإمارات العربية المتَّحدة.
استغلال وحضارة
وفي بداية شهر آذار/مارس وضع فنَّانان عربيان مشهوران، الفنَّانة الفلسطينية إميلي جاسر واللبناني وليد رعد، عريضة على الإنترنت للاحتجاج على ظروف العمل المزرية التي يعاني منها عمَّال البناء في مشروع بناء متحف غوغنهايم. وبحسب تقرير صادر عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان غير الحكومية فإنَّ هؤلاء العمال يتقاضون أجورًا بخيسة للغاية وكثيرًا ما يقومون بأعمال جسدية صعبة طيلة إثنتي عشرة ساعة يوميًا في درجات حرارة مرتفعة تصل حتى ثمانية وثلاثين درجة مئوية. وعلاوة على ذلك يحتفظ أرباب العمل بجوازات سفرهم وكذلك برسوم التشغيل التي عادة ما تكون باهظة، بحيث يبدو هذا العمل أشبه بعمل السخرة. وقد وقَّع على عريضة الاحتجاج هذه عدد من الفنَّانين والقيِّمين العالميين، الذين هدَّدوا بمقاطعة المتحف في المستقبل إذا لم يتغيَّر أي شيء في ظروف العمل.
فرض الرقابة على الفنون والعلوم
أكثر من 130 فنانًا عالميًا يهدّدون بمقاطعة فرع متحف غوغنهايم في الإمارات العربية المتَّحدة. نشرت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" بيانًا للفنانين يطالبون فيه بحماية أفضل للعمال المشاركين في بناء المتحف.
وفي العاشر من شهر نيسان/أبريل تم إلقاء القبض على الخبير الاقتصادي، الدكتور ناصر بن غيث الذي يعمل استاذًا محاضرًا للاقتصاد الدولي في جامعة السوربون في أبو ظبي وتم نقله إلى مكان مجهول من دون إصدار بيان عن أسباب اعتقاله. والدكتور بن غيث طالب عدة مرَّات بإجراء إصلاحات سياسية وإجراء انتخابات حرة. وبالإضافة إلى ذلك أدَّت إقالة مدير بينالي الشارقة، جاك برسكيان في السادس من شهر نيسان/أبريل وبطلب مباشر من حاكم إمارة الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، إلى إثارة كثير من الجدل الاهتمام.
ومنذ عام 2005 عمل برسكيان مديرًا لهذا البينالي الذي أصبح في عهد إدارته واحدًا من أبرز مراكز المشهد الفنِّي في المنطقة وجذب العديد من الفنَّانين والزوَّار العالميين. وذُكر أنَّه تمة إقالة المدير لأنَّ أحد الأعمال الفنِّية التي عرضها أثار غضب الجماهير. وفيما بعد أزيل من المعرض هذا العمل الفني الخاص بالفنَّان والكاتب الجزائري مصطفى بن فضيل. وعلى إثر ذلك قامت مجموعة من الفنَّانين والكتَّاب والقيِّمين العالميين بكتابة بيانات وبتنظيم عريضة على الإنترنت انتقدوا فيها طريقة إقالة برسكيان وانعدام الشفافية في هذا الإجراء. وذكروا في الوقت نفسه أنَّ مثل هذه الأحداث يمكن أن تضرّ بسمعة الشارقة، لأنَّ ذلك يمكن أن يبيِّن للعالم أنَّ حرية العمل الفنِّي يمكن أن تكون مستحيلة في هذه الإمارة.
الفنّ الحرّ في بيئة مقيَّدة؟
ونظرًا إلى هذه الأحداث فمن المدهش أن تكون تجربة هذا البينالي الفنّي الحرّ والناقد قد استمرَّت طيلة هذه الفترة وبنجاح في دولة محافظة إلى هذه الدرجة وذات حكم مطلق مثل إمارة الشارقة. ولكن على الأرجح أنَّ الفنَّانين والقيِّمين كانوا يمارسون حتى الآن وبصمت أيضًا رقابة ذاتية، للتمكّن على الإطلاق من العمل في هذه البيئة.
وفي هذا الصدد تكشف تصريحات جاك برسكيان عن الكثير، ففي البداية اندهش من إقالته ثم انتقل إلى النقد الذاتي. وقال إنَّه "لم يقم بفحص الأعمال المعروضة فحصًا دقيقًا بما في الكفاية". وحتى أنَّه نأى بنفسه عن بيانات التضامن الكثيرة والعريضة المذكورة. كما أنَّ المدير السابق لبينالي الشارقة لم يقل أي كلمة للدفاع عن أعمال الفنَّان مصطفى بن فضيل التي خضعت للرقابة أو عن حقِّه في الحرية الفنِّية. وعلى ما يبدو لم يكن برسكيان راضيًا عن نفسه، وذلك لأنَّه لم يكن دقيقًا بما فيه الكفاية في ممارسته الرقابته الذاتية. ومن الواضح أنَّه غير قلق على حرّية الفنون في الإمارات العربية المتَّحدة.
سوء استخدام الفنّ
وهكذ لا عجب من أنَّ الفنَّان مصطفى بن فضيل - الذي كان عمله "Maportaliche/It Has No Importance" سببًا لهذا الخلاف، قد أعرب عن خيبة أمله في انعدام تضامن مدير البينالي معه. وعمله هذا تركيب يعالج المبرَّرات الدينية التي كانت تدَّعيها الجماعة الإسلامية المسلحة GIA لتبرير الفظائع التي كانت تقترفها في التسعينيات. وفي هذا العمل يقتبس بن فضيل من أحد أعماله الأدبية مونولوج تحكي فيه شابة في حالة هذيان عن اغتصابها من قبل بعض الإسلامويين. وفي هذا العمل تبدو اللغة قاسية، لكنها تعكس واقع الأعمال الوحشية التي يتحدَّث عنها. يشكِّل فرض الرقابة على هذا العمل الفنِّي فضيحة، وكذلك يطرح السؤال عما إذا كانت الحرّية الفنِّية تتوافق على الإطلاق مع الأنظمة المستبدة.
فالفنّ المعاصر يكون في بعض الأحيان مزعجًا ومثيرًا. ولكن الفنّ لا يمكن أن يزدهر في مناخ يشعر فيه الفنَّانون والمبدعون بأنَّهم ملزمون بفرض الرقابة الذاتية على أنفسهم. والفنّ لا يعتبر وسيلة مناسبة للعناية المجرَّدة بصورة البلاد أو من أجل تشجيع السياحة الفاخرة. وربما يكمن هنا أكبر سوء فهم لدى حكام الخليج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق