د.إحسان فتحي
تشكل قضية التناسب بين العناصر المعمارية ومقياسها أهمية أساسية لا مفر منها لأي مصمم سواء كان طالبا أو أستاذا أو ممارسا في المهنة. لا مفر من فهم النسب الجمالية المألوفة لان "منظومة القيم الجمالية" عند جميع الحضارات كانت ولا تزال تعتمد عليها. طبعا هناك من يرفض وجود أي قواعد أو أسس أو حتى قيم كما نراه حاصلا الآن عند عدد معين من كبار المعماريين، ولكن التفحص الدقيق لأعمالهم يكشف تبنيهم لنسب معينة و مقاييس معينة أيضا. وبرأي إن احد أهم أسباب الخلل الواضح في فهم أهمية التناسب والمقياس هو الجهل في الثقافة المعمارية التاريخية والتنظيرية أولا، ثم الاعتماد الكلي على البرمجيات الحاسوبية في التصميم المعماري كما هو واضح جدا في أعمال طلبتنا وحتى الكثير من معمارينا الممارسين في سوق العمل. إن هذه البرمجيات تسبب فصلا كاملا بين عناصر التصميم والفراغات المختلفة، وتفقد النظرة الشمولية للتصميم ككل، كما هي غير معنية بالمقياس أبدا.
الطالب الآن يرتب الفعاليات والوظائف لأي تصميم دونما أي اعتبار للمقياس إطلاقا ولا للعلاقات البينية بين الفضاءات المختلفة. الدليل على ذلك هو طبع المخططات بمقاييس غريبة جدا لكي تلاؤم مساحة الورق ليس إلا! فعندما أسأل الطالب ما هو مقياس هذا المخطط يقول انه تقريبا 1:240 مثلا! أما المقياس فذهب هو الآخر ضحية لهذا "التطور" التقني! فكثيرا ما اكتشف بان الطالب لا يدرك أهمية الأبعاد واختلافها والفرق بين باب المدخل الرئيسي والأبواب الأخرى، أو الطابق الأرضي والطوابق الأخرى. كما إن اغلب الوقت التصميمي يخصص على المخططات الأفقية وقليلا على المقاطع التي قد تكون هي الحاسمة في الكثير من الحالات.
ولكي اقرب الصورة لكم أكثر، فالعديد من الطلبة يطلبون مني أن اخبرهم بأفضل نسبة بين القبة والمأذنة في تصميم المساجد، ذلك لان هذه "القضية" ليست محسومة ولا يوجد من أفتى بها حتى الآن. وكما هو معروف للجميع بان النسبة المفضلة في العمارة الإسلامية هي الجذر التربيعي للعدد 2 وهي اقل بقليل من النسبة الذهبية الشائعة في الغرب. لكنني بعد دراسة العديد من الأمثلة التاريخية والمعاصرة وجدت بان أفضل نسبة بين ارتفاع القبة والمأذنة هي بين (1 إلى 1.5) و(1 إلى 2.5). وبمعنى آخر، فان هذه النسبة بالذات لا تلتزم بنسبة 1.414 بل تتجاوزها أحيانا لتصل إلى ضعفها! ووجدت بان هذه النسبة في احد أجمل الجوامع الإسلامية، وهو جامع ومدرسة السلطان حسن في القاهرة، تبلغ الضعف فقط، وهي نفس النسبة التي اعتمدها سنان في جامع السليمانية المذهل.
وفي الكثير من الجوامع المعاصرة نرى اختلالا واضحا ومزعجا في هذه النسب حيث وصل ارتفاع المأذنة إلى 6 أضعاف ارتفاع القبة في احد جوامع عمان كما هو واضح في الصورة المرفقة! ويبدو إن مسألة التناسب لا تعطى الأهمية الكافية في التعليم المعماري، بل تهمل تماما أحيانا وهو مؤشر خطير يدل على الضياع أو التخبط في احد أهم أركان التصميم المعماري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق