الفيلم الوثائقي "قواعد العمل
المعتادة":
سجن
أبو غريب- مأساة باسم أداء الخدمة العسكرية
أريانا ميرزا
ترجمة: يوسف حجازي
حاز الفيلم الوثائقي "قواعد العمل المعتادة" Standard Operation Procedure جائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي "برليناله" لهذا العام. الفيلم يعالج خلفيات ممارسات التعذيب في سجن أبو غريب، بيد أن محصلة هذه المعالجة السينمائية جاءت متباينة كما ترى أريانا ميرزا.
يطرح الفيلم مسألة غياب الحدود الفاصلة بين الجريمة والشعور بالذنب وممارسة الخدمة العسكرية
ثمة صور فوتوغرافية تنحفر في الذاكرة الجماعية.
والصور التي كشفت مشاهد التعذيب في سجن أبو غريب للرأي العام في عام 2004 تُعتبَرُ
بالتأكيد من قبيل هذا النوع من الصور. "اللقطات الفوتوغرافية"
للابتسامات الشامتة المرسومة على وجوه السجانين الذين يمارسون التعذيب أساءت
للسمعة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، كما لم يحدث إلا من خلال الصور
الفظيعة في حرب فيتنام. ولم يفضِ الانتهاء من التحقيقات الرسمية بهذه الأعمال
الوحشية التي مورست في أكبر سجنٍ عسكري أمريكي في العراق إلا إلى إدانة عسكريين من
ذوي الرُتب المتدنية. أما أن تكون مراكز قيادية على معرفة بالجرائم أو أنها ربما
كانت قد أعطت التعليمات بنفسها فهذا ما تنكره الإدارة الأمريكية بشدة.
من هنا لا يمكن لرغبة صانع الأفلام الوثائقية الأمريكي الشهير "إرول موريس" Errol Morris الحائز جائزة الأوسكار بتقصّي الحقيقة الكامنة وراء هذه الأعمال الهمجية والكشف عن العارفين الحقيقيين بها إلا أن تحظى بكل بالاحترام. بيد أن فيلم "قواعد العمل المعتادة" لا يكشف عن معلومات جديدة للأسف، مع أنه يؤكد مرارًا على الشك بعدم معرفة أو"ببراءة" الضباط القياديين والمسؤولين الحكوميين، إلا أن اهتمام "إرول موريس" ينصب على جوانب مختلفة تمامًا، إذ يلتفت المخرج بالدرجة الأولى إلى النواحي التي يستطيع تصويرها بطريقة مثيرة.
إعادة تمثيل الواقع بتقنيات عالية
بهرت تحريات المحققين "إرول موريس"، حيث يمكن بمساعدة التقنيات الحديثة معرفة الكاميرا التي التقطت صورة معينة وتحديد وقت التقاطها. فإذا كانت الصورة الأولى قد التُقطت عند الساعة العاشرة صباحًا والصورة الأخيرة عند الساعة العاشرة مساءً، يمكن حينئذ تحديد الفترة الزمنية التي جرى خلالها تعذيب الضحية. لا بأس من معرفة ذلك، إلا أن "إرول موريس" لا يكتفي بإيصال هذه المعلومة ببساطة وحسب؛ فهو يصنع مجددًا صورًا لمجمل مسار البحث مستخدمًا تقنيات الحاسوب المعقدة.
اعتمد المخرج على التقنيات الحديثة في إخراج مشاهد الفيلم وإيصال رسالته وتلوح على الشاشة أشكال مربعة تتكثف لتأخذ شكل الشبكة، وتُزاح الصور الفوتوغرافية وتُربط ببعضها بعضا بحسب الترتيب الزمني، لتملأ فراغات الشبكة. يُذكِّر فيلم "عمليات عسكرية تقليدية" في بعض مشاهده بالمسلسلات البوليسية القائمة على تقنيات عالية على نمط مسلسل "سي إس آي" مثلاً.
كما أن وقع مقاطع الأفلام المُدخَلة إشكاليٌّ أيضًا؛ فمشاهد ممثلة تطابق ما وقع، أُريد منها أن تُدخِل الرعب "إلى القلوب" بمساعدة حركة الصورة البطيئة ومقاطع الإضاءة المعاكسة واللقطات القريبة وخلفية موسيقية مخدرة، بيد أن تأثيرها بقي مصطنعًا ليس إلا.
هذه الألعاب الجمالية يجري استخدامها دائمًا، كلما رأى "إرول موريس" أن عليه أن يعرض إفادات الجناة بالصور. ويبدو أن المخرج لا يثق بأن الصور المعروضة بغزارة كبيرة في فيلمه الوثائقي كفيلة بإثارة الاشمئزاز والسخط لدى المشاهدين.
إلا أن فيلم "قواعد العمل المعتادة" لا يتألف من مشاهد مثيرة ومن استخدام أحدث التقنيات السينمائية وحسب، لا سيما وأنه دخل المسابقة بوصفه فيلمًا وثائقيًا في نهاية الأمر، بل يعطي الفرصة أيضا لعددٍ من المحكوم عليهم، ومنهم الجنرال التي كانت مسؤولة حينذاك عن السجن العسكري وأخصائي الاستجوابات وأحد المسؤولين الحكوميين الذين أوكل إليهم التحقيق بالقضية.
مشاهد المقابلات مع السجانين الذين مارسوا التعذيب مثل الجندية "ليندي إنغلاند" شكلت بالتأكيد المقاطع الأكثر فظاعة التي يعرضها الفيلم الوثائقي على المشاهدين، إذ لا يشعر المشاهد بأن لدى أيّ من هؤلاء أدنى شعور بأنه مارس الجور والظلم، ولا يرى السجّانون في أنفسهم إلا ضحايا للظروف.
إماطة اللثام عن الجرائم
غياب الإحساس بالذنب لدى السجانين ومن قام بعملية التعذيب يؤرق مخرج هذا الفيلم يُعتبَر فيلم "قواعد العمل المعتادة" في هذه النقطة فيلمًا قيِّمًا، لأنه يشرح بشكلٍ لافتٍ سبب غياب الإحساس بالجور والظلم لدى الجناة: فيعاد عرض صور سجن أبو غريب الفوتوغرافية الفظيعة، لكنها مدموغة هذه المرة بأختام حمراء. نقرأ على نصف الصور عبارة "عمل إجرامي"، وتحديدًا عندما يكون جليًا أن الأسرى قد جرى تعذيبهم جسديًا أو تم إذلالهم عبر الإساءات الجنسية.
لكن رؤية النصف الثاني من الصور الفوتوغرافية مؤلمة بدورها وهذه الصور مدموغة بالعبارة التي أخذ المخرج عنوان الفيلم عنها: "عمليات عسكرية تقليدية"؛ بمعنى أساليب استجواب مشروعة. ولدى استعراض هذه الصور تضيع الحدود الفاصلة بين الجريمة وممارسة الخدمة العسكرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هنا لا يمكن لرغبة صانع الأفلام الوثائقية الأمريكي الشهير "إرول موريس" Errol Morris الحائز جائزة الأوسكار بتقصّي الحقيقة الكامنة وراء هذه الأعمال الهمجية والكشف عن العارفين الحقيقيين بها إلا أن تحظى بكل بالاحترام. بيد أن فيلم "قواعد العمل المعتادة" لا يكشف عن معلومات جديدة للأسف، مع أنه يؤكد مرارًا على الشك بعدم معرفة أو"ببراءة" الضباط القياديين والمسؤولين الحكوميين، إلا أن اهتمام "إرول موريس" ينصب على جوانب مختلفة تمامًا، إذ يلتفت المخرج بالدرجة الأولى إلى النواحي التي يستطيع تصويرها بطريقة مثيرة.
إعادة تمثيل الواقع بتقنيات عالية
بهرت تحريات المحققين "إرول موريس"، حيث يمكن بمساعدة التقنيات الحديثة معرفة الكاميرا التي التقطت صورة معينة وتحديد وقت التقاطها. فإذا كانت الصورة الأولى قد التُقطت عند الساعة العاشرة صباحًا والصورة الأخيرة عند الساعة العاشرة مساءً، يمكن حينئذ تحديد الفترة الزمنية التي جرى خلالها تعذيب الضحية. لا بأس من معرفة ذلك، إلا أن "إرول موريس" لا يكتفي بإيصال هذه المعلومة ببساطة وحسب؛ فهو يصنع مجددًا صورًا لمجمل مسار البحث مستخدمًا تقنيات الحاسوب المعقدة.
اعتمد المخرج على التقنيات الحديثة في إخراج مشاهد الفيلم وإيصال رسالته وتلوح على الشاشة أشكال مربعة تتكثف لتأخذ شكل الشبكة، وتُزاح الصور الفوتوغرافية وتُربط ببعضها بعضا بحسب الترتيب الزمني، لتملأ فراغات الشبكة. يُذكِّر فيلم "عمليات عسكرية تقليدية" في بعض مشاهده بالمسلسلات البوليسية القائمة على تقنيات عالية على نمط مسلسل "سي إس آي" مثلاً.
كما أن وقع مقاطع الأفلام المُدخَلة إشكاليٌّ أيضًا؛ فمشاهد ممثلة تطابق ما وقع، أُريد منها أن تُدخِل الرعب "إلى القلوب" بمساعدة حركة الصورة البطيئة ومقاطع الإضاءة المعاكسة واللقطات القريبة وخلفية موسيقية مخدرة، بيد أن تأثيرها بقي مصطنعًا ليس إلا.
هذه الألعاب الجمالية يجري استخدامها دائمًا، كلما رأى "إرول موريس" أن عليه أن يعرض إفادات الجناة بالصور. ويبدو أن المخرج لا يثق بأن الصور المعروضة بغزارة كبيرة في فيلمه الوثائقي كفيلة بإثارة الاشمئزاز والسخط لدى المشاهدين.
إلا أن فيلم "قواعد العمل المعتادة" لا يتألف من مشاهد مثيرة ومن استخدام أحدث التقنيات السينمائية وحسب، لا سيما وأنه دخل المسابقة بوصفه فيلمًا وثائقيًا في نهاية الأمر، بل يعطي الفرصة أيضا لعددٍ من المحكوم عليهم، ومنهم الجنرال التي كانت مسؤولة حينذاك عن السجن العسكري وأخصائي الاستجوابات وأحد المسؤولين الحكوميين الذين أوكل إليهم التحقيق بالقضية.
مشاهد المقابلات مع السجانين الذين مارسوا التعذيب مثل الجندية "ليندي إنغلاند" شكلت بالتأكيد المقاطع الأكثر فظاعة التي يعرضها الفيلم الوثائقي على المشاهدين، إذ لا يشعر المشاهد بأن لدى أيّ من هؤلاء أدنى شعور بأنه مارس الجور والظلم، ولا يرى السجّانون في أنفسهم إلا ضحايا للظروف.
إماطة اللثام عن الجرائم
غياب الإحساس بالذنب لدى السجانين ومن قام بعملية التعذيب يؤرق مخرج هذا الفيلم يُعتبَر فيلم "قواعد العمل المعتادة" في هذه النقطة فيلمًا قيِّمًا، لأنه يشرح بشكلٍ لافتٍ سبب غياب الإحساس بالجور والظلم لدى الجناة: فيعاد عرض صور سجن أبو غريب الفوتوغرافية الفظيعة، لكنها مدموغة هذه المرة بأختام حمراء. نقرأ على نصف الصور عبارة "عمل إجرامي"، وتحديدًا عندما يكون جليًا أن الأسرى قد جرى تعذيبهم جسديًا أو تم إذلالهم عبر الإساءات الجنسية.
لكن رؤية النصف الثاني من الصور الفوتوغرافية مؤلمة بدورها وهذه الصور مدموغة بالعبارة التي أخذ المخرج عنوان الفيلم عنها: "عمليات عسكرية تقليدية"؛ بمعنى أساليب استجواب مشروعة. ولدى استعراض هذه الصور تضيع الحدود الفاصلة بين الجريمة وممارسة الخدمة العسكرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق