الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

الهولندي لاورنس فان دير زي: الحنين إلى الزمن المغاربي- ترجمة عبد الرحمن الماجدي

ثقافات
الهولندي لاورنس فان دير زي: الحنين إلى الزمن المغاربي

 ترجمة عبد الرحمن الماجدي

 لاورنس فان دير زي  Laurens van der Zee شاعر وقاص هولدني. ولد عام 1948. بدأ النشر عام 1972في بعض المجلات الأدبية الجادة. ونشر عددا من أعماله في الاعوام 1988 و1994 ضمن طبعات محدودة. وصدر له عام 2003 كتاب "لا توجد معجزة" إضافة لكتب شعرية ونثرية أخرى مثل "الهولندي الطائر" و "الفتاة ذات الشعر الذهبي" عام 2003 و "ثمة هواء في أذني" 2004 و "ذلك ماسوف نفعله" عام 2006. إضافة لعدد من الكتب الشعرية والقصصية الاخرى. أختير عام 2012 شاعرا لمدينة فاخنينيغن لمدة 3 سنوات.
النص التالي كتبه لفعالية "نقطة اللاعودة" التي يحييها شعراء وكتاب وتشكيليون هولنديون في مدينة فاخنينغن الهولندية مطلع شهر نوفمبر المقبل. يصور فيه بعضا من مشاعره وانطباعاته حول رحلة آنفة قام بها لدول المغرب العربي.
الحنين إلى الزمن المغاربي..
لم أكن أعلم، إنما البحوث تشير إلى أني في العام 1971 كنت أدرس علم الاجتماع في المجتعات غير الغربية، حيث كنت شابا في الثانية والعشرين من العمر، في قرية جبلية بتونس، فكانت نقطة اللاعودة- شيء لايمكنك الفكاك منه أو العيش بدونه.

مع مضي السنوات أصبح واضحاً بأن انطباعاتي التي تكونت خلال مايقارب الأربعين سنة قد حددت أفكاري وتصرفاتي. حيث لم أكن أعلم، وكيف كان لي أن أعلم: بالحيرة والاحباط والشعور بالوحدة الذي كان يقطر من رسائلي للمنزل.

فاذا كانت لي أمنية هي بانتهاء رحلتي والذهاب للبيت ونسيان كل شيء بسرعة! وهذا ماحصل بالفعل: فخلافا لما معتاد لدينا في الجامعة، فقد غيرت موضوع دراسي، وكان بالامكان إنجاز أكثر من مقدمة للموضوع لكنها لم تمر من بين أصابعي (فقط بيننا كعلماء أنثربولوجيا: بدأت تقريري بالقول: إنني كنت في القرية
A، أنجزت عملي الميداني، حيث كل شخص يعمل لنفسه لايجاد موديلات وأنواع غير موجودة في كتبنا).

بعد بضع سنوات، دأبت على تلقي طلبات من طلاب القرية ومساعديّ الثقاة تستجدي سنتات معدودة تسبق طلب الكتب المدرسية.
اذا ماتجاهلت خجلي الدائم من عدم التجاوب معهم، فإن الخجل الأكبر أن القرية التي كنت أعيش فيها تقع في الطريق نحو الجزائر، بحيث لا يمكنني العثور عليها في الخارطة في وقت لاحق، "أوجيا"، لم أسمع بها أبداً من قبل.

باختصار، ما من شيء حدث، أنا لم أعش هناك، كان حلماً. كابوس منذ البداية، فمترجمي الاول من الفرنسبة للعربية؛ من خلال محادثاتنا بالفرنسية مع القرويين، فخخ أبحاثي المتقلبة، فدون أن أعلم، وربما هو لم يكن يعلم ذلك، حين كان ينتقي مايراه مناسبا من إجابات السكان، وكان يهين كبار السن بعبارات غير مهذبة، ويتعامل بطريقة غير لائقة مع بنات القرية.

الكابوس كان في أكل الماعز للنصوص من آلة طباعتي، وفي البراغيث التي على سريري القش في كوخ طيني معتم في قرية فقيرة، وفي الكلاب البرية التي تحتم عليك أن تحمل بيدك دائما حجراً، والأسوأ: هو الخوف من الاعتراف أن القرية كلها تبدو بلا فائدة، وما من أحد يود أن يكون أنثربولوجياً فاشلاً مثلي.

بعد عقود، يمكن التنبؤ بأني، سأدفع آخر مالدي من سنتات لشراء دروس اللغة العربية، وسابحث في الأسواق عن أشرطة أم كلثوم المستعملة.
وسأنفق مئات الخلدنات واليوروات على المزيد من الدروس والكتب، وحتى على استحصال شهادة اللغة العربية الفصحى، ستكون حزيناً على هدر تلك المعارف بوقت سريع، وستظن بأني أحمق.

لكن ربما كنت هناك، سراً، في العام 1971، فمن وراء شجرة زيتون قديمة جداً كنت ترى، عند الغروب، الرعاة عائدين من الحقول، وأعداداً كبيرة من الأطفال العابثين. مشاعر كل هؤلاء الناس كانت ترنو بعيداً نحو مصر حيث يُبث حفل غنائي لأم كلثوم في كل أنحاء المغرب العربي، الهدوء عمّ كلَ شيء هناك، جاءت القرية كلها مجتمعة تحت شجرة، كانت كل أجهزة الراديو ترانسيستور والناس تغني معاً.

 تلك الروائح، تلك الأصوات، تلك الطبيعة، و أوئلك الناس الطيبون...
 الدموع تنزل من عيوني وأنا أكتب كل هذا، إنهم لن يعودوا، إنهم يسمعوني، دائما وأبداً.



ليست هناك تعليقات: