السبت، 1 أكتوبر 2016

أدونيس ... والمباغتة السرية والسريعة- قيس مجيد المولى


أدونيس ... والمباغتة السرية والسريعة

 قيس مجيد المولى

لاشك بأن التجديد هو إدامة ومضاعفة التفرد في الطاقة الشعرية وهذا التفرد نابعٌ من استثناءات لم تطرق من قبل على صعيد مايحتويه اللفظ وما يتجدد من معنى أي أن المغايرة هنا ليست باستخدام كلماتٍ غير مسبوق استخدامها بل و‘نما بشحذ القدرات اللافتة لمتشابهات أوبدائل تسطيع خلق غير المألوف وهنا يكون حراك اللغة  ضمن السعة النفسية القصوى واستخدام المباغتة السرية والسريعة لما تجول به النفس دون التورط بخداع الأنا بشكل مكشوف حيث الدلالات يُكتفى بإضاءتها دون إعطاءها بنيتها الوصفية وكذلك الإنهماك مع الوسائل المنتجة حد التعقيد كشفاً للمخبوء من رقتها ، وهو شكل من أشكال التقصي أو شكل من أشكال الأسئلة الحرة التي يريد أدونيس أن لاتعوم إجاباتها ضمن منطق أسئلته التي تتصل أحيانا بغرضها وأحيانا بغرض بعيد ولكنه يصب في غاية ما :

سألَ الفجرُ عنها
سألت سريري
كي يُجيبَ
الوسادةُ مالت
والغطاءُ تكومَ في صمتهِ
كانت الشمسُ تلقي على جسد الفجرِ
في غرفة النومِ
قفطانها ،


يقدم أدونيس  إضافة للشكل الذي ذكرناه بالتقصي  شكلا أخر من أشكال تحشيد الصور الشعرية بتحريك أخر لوظائف الحواس ليتمكن من تحريك تطور لغته في النص وهذا النسق من التجريب يستدعي وجود مساحة فائضة من الحرية وغير مقيدة بتأثير الوعي المسبق لتتمكن العاطفة من الاستدلال على أماكنها السرية وخلق مفهوم الضرورة الداخلية لبناء سرية النص الذي يحافظ على خصائصه داخل وحدته وهو شكل أخر من أشكال الاطمئنان على تحييد العقل لإستغلال قدراته الفلسفية التي تنعكس بفلسفة أخرى ضمن مجريات الحدث الشعري ، أن أدونيس يذكر ويتذكر مايجب التوقف إزاءه لمنحه المزيد من متطلبات الرعاية سواء بحجم العاطفة أو بحجم المدرك المحسوس أو الحاجة لنسب ما من الحركات الإنتقالية ومن شاء أن يأتي الخاص ضمن جغرافية شعرية غير مكانية وكأنه يريد أن لايكون التعبير بها عن إيحاء لتطبيق أو إطلاق خزين مرئي أو عرض ذاكرة أو تجريد لقصد كوني ، وبذلك يكون الإحساس بالمفارقة أولوياته هذا الصراع الذي يعول على
وجود رابط ما بين متحسسين متقابلين متحاورين ينأيان ولكن بينهما صلة مشتركة :


هوذا بيته
كلُّ أبوابه جراحٌ
والنوافذُ مكسوةُ
بستائرَ أطرافها
نسجُ ورد غريب
لاتويج له
في ظلام الستائر ليلٌ
ليلُ هجر ويأس
تترسبُ أشباحه النازفه
في قرارة أحشائي العاصفة


إن تصريف اليأس وتسويقه للمعنى من خارج المعنى أحد إشتغالات أدونيس ويريد بذلك التعويض عن الإستعانة بالرمز الدال القصدي والذي سرعان مايقف عند مدلوله لذا فأنه وضمن مساحة الجسد ومساحة البحر أراد تقديم متطلب أخر من متطلبات الإغراء وكمن للقارئ في وسيلة تشتيت الإنتباه الوقتي أي الكتابة في حيز من التغريب ضمن عتمة مفرحة ينتظر منها المتلقي شيئا ما يربك فيه ذائقته ليطمأن على صلاحيتها وأدونيس قد نظر للمتعة من عليانيها بتصعيد عمل بؤرها الخاملة وكأنه يقول ليست هناك مناطق عازلة وغير منتجه وغير داعمه شريطة أن تلتقي حلقات المكون وتترابط بعضها مع البعض الأخر:

تلك مرآتك : الجحيم وأبوابها
وأدراجها
سُفنُ من دمِ
لإله الجحيم وأبنائه وأحفاده
ومرافئُ مخبوءةٌ
في شواظٍ وطين
لمجيئك في جلدك الأن ينمو
قلقلٌ أكلٌ للرحيل – الرحيل السؤال الذي
لاتقول لك الأرضُ ، من أين جاء
لاتقول السماء

إن أدونيس لايقرر بل أن موجوداته تدركه حين تفتح باب عاطفته على أيما طريق يؤدي ولايؤدي في أي شئ عبر مراجعة مستمرة لغيبياته ،،
ليملئ حلمه الذي يعيش فيه وينهي صراعه مع الفراغات ،


شاعر عراقي- مقيم في قطر



ليست هناك تعليقات: