حوار مع الشاعر السوري شوقي بغدادي
"مطلوب
تواصل حضاري من دون دونية أو فوقية"
أجرت المقابلة: عفراء محمد
يرى الشاعر السوري الكبير شوقي بغدادي أن الرؤية الإسلامية المنفتحة تجاه العالم لم تعد موجودة، وأن العقل العربي أغلق نوافذه واكتفى بذاته، كما يرى أن المسلمين هم من أخطأوا بحق أنفسهم وحرموا من الديمقراطية من خلال تعويلهم على الأنظمة المركزية. عفراء محمد حاورت شوقي بغدادي في دمشق.
هل يمكن الحديث عن ثقافة عربية رغم وجود 22 دولة ضمن الجامعة العربية لكل منها حالته الخاصة؟
"توقف الإبداع في الثقافة العربية يأتي في سياق صدمة الحضارة الحديثة وانبهارنا بالحضارة الغربية وعدم قدرتنا على مسايرتها"
شوقي بغدادي: مما
لا شك فيه أن الفروق الثقافية كبيرة بين بلد وآخر إذا نظرنا إلى حصيلة إنتاج عناصر
الثقافة المحلية من كتب وأفلام ومسرحيات. أما إذا نظرنا إلى الثقافة بشكل أشمل على
أساس أنها سبل المعرفة البشرية باختلافها سواء أكانت كتابية أو شفهية أو ممارسة،
يمكن الحديث عن ثقافة واحدة رغم أنها لا تسر الناظر إليها لتوقفها عن الإبداع منذ
فترة طويلة.
وعلى ضوء هذه النظرة يدخل في سياق الثقافة التقاليد والعادات وطقوس الزواج والأعياد ووضع المرأة في المجتمعات، إضافة إلى المعتقدات الدينية والسياسية. وعلى ذكر توقف الإبداع في الثقافة العربية فإن ما زاد الطين بلة هو صدمة الحضارة الحديثة وانبهارنا بالحضارة الغربية وعدم قدرتنا على مسايرتها ومواجهتها بسبب اختلاف الوضع الاقتصادي والاجتماعي، الذي جعلنا متفرجين ومتأثرين ومستوردين. والصورة الحقيقية للثقافة العربية تتمثل في أن هناك تشابه ووحدة بين 22 دولة ولكن من خلال علاقتها بالغرب وابتعادها عن بعضها.
ارتبطت الثقافة العربية سابقاً بالمضمون الحضاري الإسلامي، الذي حرّرها من اشتراط العرق أو الأصل القبلي أو الإثني، وجعلها ثقافة حاضنة واستيعابية لثقافات محلية وغريبة تنتمي إلى أعراق وأديان مختلفة. ماذا بقي من هذا الدور في أيامنا هذه؟
بغدادي: لم يبقى من هذا الدور شيء، الآن نحن مسلمون ونمارس الطقوس الإسلامية شكلاً، أما المحتوى الفكري والأخلاقي العميق للإسلام فقد ابتعد عنا. نحن نعيش حالياً حالة تمزق، فهناك متشددون ومتطرفون مما يجعل الآخرين ينظرون إلينا بشكل من الخوف. وربما لم يكن أحداً من المسلمين يريد أن تكون هذه الحالة موجودة ولكنها وجدت لأسباب خارجة عن الإرادة مثلاً النقمة على الاستعمار وتحولها إلى تعصب أحيانا، كما أن النضال التحرري تحول شيئاً فشيئاً إلى تطرف ديني.
وكردود فعل حضارية وجدت حالة من اليأس بسبب استيقاظ العرب والمسلمين على حاضر بائس في حين كانوا في ماضٍ عظيم، وهو ما يعود إلى عجزهم عن النهوض واللحاق بركب الحضارة، خاصة أنهم قاموا بإلقاء اللوم على الآخر بسبب تأخرهم. صحيح أن العوامل الخارجية لعبت دوراً في تخلف العالم الإسلامي، لكن هناك عوامل داخلية ساهمت أكثر من غيرها في تخلف العالم العربي كغياب الحرية والديمقراطية.
"صحيح أن العوامل الخارجية لعبت دوراً في تخلف العالم الإسلامي، لكن هناك عوامل داخلية ساهمت أكثر من غيرها في تخلف العالم العربي كغياب الحرية والديمقراطية" ما هي الأسباب التي تحول برأيك دون الانتماء إلى ثقافة واحدة مشتركة تحتضن مختلف الأقليات كما كان هو الحال على امتداد القرون الماضية؟
بغدادي: السبب هو فقدان الرؤية الإسلامية الأولى، التي كانت رؤية منفتحة أغنت الثقافة بعناصر جديدة أخذتها من الرومان واليونان والفرس بحيث شعر الجميع بانتمائهم إليها. هذه الطريقة في رؤية العالم والتعامل مع الآخر توقفت تقريباً مع قدوم الاحتلال والاستعمار والكفاح الوطني. وهو الأمر الذي جعل ردود الفعل تصبغ هذه العلاقة بحالة استفزازية غير طبيعية، فمن يقبل على الحضارة الغربية يتهم بالخيانة ومن يمتنع عنها يتسم بالتخلف ولذلك لم يكن سهلاً اتخاذ موقف حول ما يجري في العالم.
لكن هناك من يقول إن المشكلة تكمن في غياب الاجتهاد والتسليم بمعتقدات ومفاهيم غيبية منتشرة في العالم الإسلامي؟
بغدادي: العقل العربي أغلقت نوافذه وأبوابه واكتفى بذاته بسبب اعتقاده أن ظاهرة التقدم البشري هي ظاهرة ذاتية، في حين إنه لا يوجد في العالم من الصين إلى اليابان ظاهرة تقدم أبدعت وتفتحت وأنتجت إلا من خلال عراكها بين أخذ ورد بعيدا عن الاستفزاز والرفض. فاليابان مثلا استفادت من الغرب كثيراً، والآن يقوم الغرب بالاستفادة منها، وهذه هي الرؤيا المنفتحة على الآخر دون اتخاذ موقف العداوة منه.
يعتقد الكثيرون، حتى في العالم العربي نفسه، أن الثقافة العربية لا تستوعب القيم الديمقراطية بسبب طابعها الإسلامي. هل تتفق مع هذه المقولة؟
بغدادي: المشكلة هي في التاريخ الإسلامي، فالرسول لم يكاد يؤسس للدولة حتى وافته المنية وترك الناس في حالة ارتباك كبيرة. ما نوع النظام أو السلطة التي ستنشأ بعد ذهاب صاحب الرسالة. الرسول ترك للأمة القرآن وبعض الأحاديث التي اختلف المسلمون على تفسيرها. نستطيع القول إن الاتصال الديني والاجتماعي والسياسي للإسلام اثر إلى حد بعيد في حيرة المسلمين وظنهم بأن المرجع الديني الوحيد، أي الرسول، يجب أن يبقى المرجع الوحيد. وهذا أكبر خطأ لأن الرسول توفي والناس الذين تركهم متساويين وهذا ما يفسر قوله: " تركت الأمر شورى بينكم" بمعنى إن " شورى " تفسر المسلمين بكاملهم وليس ستة أو عشرة أشخاص. لكن المسلمين أساءوا الظن وما يزالوا يعتقدون إن النظام التالي شبيه بالنظام الذي كان موجود على أيام الرسول أي نظام العودة إلى مرجعية مركزية واحدة.
ولكن لماذا قطعت معظم المجتمعات في عالم اليوم شوطاً أبعد في الحياة الديمقراطية من الشوط الذي قطعته الدول العربية حتى الآن؟
يرى شوقي أن غياب الديمقراطية في المجتمعات العربية أثر بشكل كبير على مسيرة تقدمها بغدادي : هذا يعود إلى علاقة تلك المجتمعات بالغرب، مصر على سبيل المثال أتيح لها مبكراً أن تتخلص من الحكم العثماني المستبد وتلجأ إلى حكم آخر بريطاني ظنته سيحررها، لكنها وجدته احتلال آخر وبدأت تقاومه. هذه العملية الانتقالية من حكم استبدادي إلى حكم استبدادي حديث اضطر الإنكليز للقيام بتغيير صورتهم إذ سمحوا ببرلمان وانتخابات وحققوا شكلاً من أشكال الديمقراطية وإن كانت ناقصة.
كما أن الديمقراطية توفرت في سوريا بعض الشيء في فترة الانتداب الفرنسي، لكن تدخله المستمر في وأد الاتفاقيات جعل الديمقراطية غير مرغوب فيها. لكن دول عربية أخرى لم تتوفر فيها هذه الشروط، مثلاً الفرنسيون حاولوا تحويل الجزائر إلى مستوطنة وألغوا الشعب من المشاركة في الحياة السياسية حتى عن اللغة العربية ألغيت هناك.
أين ترى دور المثقف عموماً ودورك كشاعر بشكل خاص في النهوض بالثقافة العربية؟
بغدادي: دوري يتمثل في التعبير عن رأي بشجاعة، دورنا يتمثل في أن نقول الحقيقة ونتحمل المسؤولية في كل ما ننتجه من أساليب الكلام واللغة والتفاهم مع الناس. فإذا لم يوجد مثقف جريء ومؤمن بأهمية الحقيقة فهو متفرج على المجتمع وليس من المشاركين في صنع الوعي الديمقراطي الحقيقي.
هل بقي من دور للشعراء وللشعر العربي في الثقافة العربية مقارنة بثقافات أخرى كالثقافة الأوربية؟
بغدادي: دور الشعر تراجع كثيراً بعد أن كان الشعر ديوان العرب، لكنه أصبح الآن من الأجناس الأدبية المتخلفة. فالأمسيات الشعرية لا تجمع عدداً كبيراً من الناس إلا إذا كان الشاعر نجماً من النجوم أو تابعت للدولة التي تجيش له جمهوراً لا يفهم شعره. وعلى عكس فترة الخمسينات فإن الصالات كانت تمتلئ حتى في حال لم يكن الشعر من النجوم الكبار.
إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر صحيح ما يقال إن هناك حرب ثقافية غربية ضد الثقافة العربية؟ أم إن هذا الكلام يستخدم من قبل البعض لاختلاق أعذار لما وصلت إليه حال الثقافة العربية؟
بغدادي: هناك عداوة، وهنا يمكن الحديث عن عداوة غربية عريقة، والحروب الصليبية نوع من العدوانية الذي تميز بها الغرب للسيطرة على الشرق باسم الدين، لكن القرون الماضية ولت من غير رجعة . هناك من لديه أفكارا عدوانية من المستشرقين، وهناك من لديه أفكار صديقة. وعليه فإنه لم يبقى من نظرية المؤامرة سوى الظلال والغبار.
العلاقة الحالية تجاه الآخر يجب أن تكون صحية وخالية من الأفكار المسبقة بحيث لا ينظر الغربي إلى الشرقي نظرة الدونية، ولا الأخير ينظر إلى الغربي نظرة فوقية. ولحسن الحظ إن هذه المسألة بدأت تؤثر في بعض وسائل الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والروائي.
كيف تنظر إلى محاولات إحياء الحوار بين الغرب والعالم العربي عبر الأنشطة الثقافية، مثلاً معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، أو الأسبوع الثقافي العربي الألماني؟
شوقي بغدادي: المعارض الثقافية تعتبر من أجمل التظاهرات الثقافية التي تتناسب مع العصر. عصرنا الآن هو عصر العولمة والتقارب بين الشعوب هو المطلوب بدلا من الهيمنة على الآخر، إما إذا كانت بمعنى تقارب الشعوب والاستفادة المتبادلة والدخول في نقاشات بناءة فمرحباً بها كونها تمثل دور العصر الحقيقي.
ولد في بانياس في عام 1928 .و تخرج من جامعة دمشق حاملاً إجازة في اللغة العربية وآدابها، ودبلوماً في التربية والتعليم - عمل مدّرساً للعربية طوال حياته في سوريا وخمس سنوات في الجزائر. شارك في تأسيس رابطة الكتاب السوريين عام 1951 والتي تحوّلت إلى رابطة للكتاب العرب عام 1954 وانتخب أمنياً عاماً لها حتى مطلع عام 1959. وبعدها شارك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب الحالي وكان عضواً في مجلس الاتحاد في معظم دوراته إلى أن اختير بعد انتخابات الاتحاد عام 1995، عضواً في المكتب التنفيذي وأسند إليه منصب رئاسة تحرير مجلة "الموقف الأدبي" الشهرية الصادرة عن الاتحاد. لديه العديد من القصائد الشعرية والقصص القصيرة والروايات المسرحية ومن مؤلفاته: - أكثر من قلب واحد، لكل حب قصة، أشعار لا تحب، صوت بحجم الفم، بين الوسادة والعنق.
وعلى ضوء هذه النظرة يدخل في سياق الثقافة التقاليد والعادات وطقوس الزواج والأعياد ووضع المرأة في المجتمعات، إضافة إلى المعتقدات الدينية والسياسية. وعلى ذكر توقف الإبداع في الثقافة العربية فإن ما زاد الطين بلة هو صدمة الحضارة الحديثة وانبهارنا بالحضارة الغربية وعدم قدرتنا على مسايرتها ومواجهتها بسبب اختلاف الوضع الاقتصادي والاجتماعي، الذي جعلنا متفرجين ومتأثرين ومستوردين. والصورة الحقيقية للثقافة العربية تتمثل في أن هناك تشابه ووحدة بين 22 دولة ولكن من خلال علاقتها بالغرب وابتعادها عن بعضها.
ارتبطت الثقافة العربية سابقاً بالمضمون الحضاري الإسلامي، الذي حرّرها من اشتراط العرق أو الأصل القبلي أو الإثني، وجعلها ثقافة حاضنة واستيعابية لثقافات محلية وغريبة تنتمي إلى أعراق وأديان مختلفة. ماذا بقي من هذا الدور في أيامنا هذه؟
بغدادي: لم يبقى من هذا الدور شيء، الآن نحن مسلمون ونمارس الطقوس الإسلامية شكلاً، أما المحتوى الفكري والأخلاقي العميق للإسلام فقد ابتعد عنا. نحن نعيش حالياً حالة تمزق، فهناك متشددون ومتطرفون مما يجعل الآخرين ينظرون إلينا بشكل من الخوف. وربما لم يكن أحداً من المسلمين يريد أن تكون هذه الحالة موجودة ولكنها وجدت لأسباب خارجة عن الإرادة مثلاً النقمة على الاستعمار وتحولها إلى تعصب أحيانا، كما أن النضال التحرري تحول شيئاً فشيئاً إلى تطرف ديني.
وكردود فعل حضارية وجدت حالة من اليأس بسبب استيقاظ العرب والمسلمين على حاضر بائس في حين كانوا في ماضٍ عظيم، وهو ما يعود إلى عجزهم عن النهوض واللحاق بركب الحضارة، خاصة أنهم قاموا بإلقاء اللوم على الآخر بسبب تأخرهم. صحيح أن العوامل الخارجية لعبت دوراً في تخلف العالم الإسلامي، لكن هناك عوامل داخلية ساهمت أكثر من غيرها في تخلف العالم العربي كغياب الحرية والديمقراطية.
"صحيح أن العوامل الخارجية لعبت دوراً في تخلف العالم الإسلامي، لكن هناك عوامل داخلية ساهمت أكثر من غيرها في تخلف العالم العربي كغياب الحرية والديمقراطية" ما هي الأسباب التي تحول برأيك دون الانتماء إلى ثقافة واحدة مشتركة تحتضن مختلف الأقليات كما كان هو الحال على امتداد القرون الماضية؟
بغدادي: السبب هو فقدان الرؤية الإسلامية الأولى، التي كانت رؤية منفتحة أغنت الثقافة بعناصر جديدة أخذتها من الرومان واليونان والفرس بحيث شعر الجميع بانتمائهم إليها. هذه الطريقة في رؤية العالم والتعامل مع الآخر توقفت تقريباً مع قدوم الاحتلال والاستعمار والكفاح الوطني. وهو الأمر الذي جعل ردود الفعل تصبغ هذه العلاقة بحالة استفزازية غير طبيعية، فمن يقبل على الحضارة الغربية يتهم بالخيانة ومن يمتنع عنها يتسم بالتخلف ولذلك لم يكن سهلاً اتخاذ موقف حول ما يجري في العالم.
لكن هناك من يقول إن المشكلة تكمن في غياب الاجتهاد والتسليم بمعتقدات ومفاهيم غيبية منتشرة في العالم الإسلامي؟
بغدادي: العقل العربي أغلقت نوافذه وأبوابه واكتفى بذاته بسبب اعتقاده أن ظاهرة التقدم البشري هي ظاهرة ذاتية، في حين إنه لا يوجد في العالم من الصين إلى اليابان ظاهرة تقدم أبدعت وتفتحت وأنتجت إلا من خلال عراكها بين أخذ ورد بعيدا عن الاستفزاز والرفض. فاليابان مثلا استفادت من الغرب كثيراً، والآن يقوم الغرب بالاستفادة منها، وهذه هي الرؤيا المنفتحة على الآخر دون اتخاذ موقف العداوة منه.
يعتقد الكثيرون، حتى في العالم العربي نفسه، أن الثقافة العربية لا تستوعب القيم الديمقراطية بسبب طابعها الإسلامي. هل تتفق مع هذه المقولة؟
بغدادي: المشكلة هي في التاريخ الإسلامي، فالرسول لم يكاد يؤسس للدولة حتى وافته المنية وترك الناس في حالة ارتباك كبيرة. ما نوع النظام أو السلطة التي ستنشأ بعد ذهاب صاحب الرسالة. الرسول ترك للأمة القرآن وبعض الأحاديث التي اختلف المسلمون على تفسيرها. نستطيع القول إن الاتصال الديني والاجتماعي والسياسي للإسلام اثر إلى حد بعيد في حيرة المسلمين وظنهم بأن المرجع الديني الوحيد، أي الرسول، يجب أن يبقى المرجع الوحيد. وهذا أكبر خطأ لأن الرسول توفي والناس الذين تركهم متساويين وهذا ما يفسر قوله: " تركت الأمر شورى بينكم" بمعنى إن " شورى " تفسر المسلمين بكاملهم وليس ستة أو عشرة أشخاص. لكن المسلمين أساءوا الظن وما يزالوا يعتقدون إن النظام التالي شبيه بالنظام الذي كان موجود على أيام الرسول أي نظام العودة إلى مرجعية مركزية واحدة.
ولكن لماذا قطعت معظم المجتمعات في عالم اليوم شوطاً أبعد في الحياة الديمقراطية من الشوط الذي قطعته الدول العربية حتى الآن؟
يرى شوقي أن غياب الديمقراطية في المجتمعات العربية أثر بشكل كبير على مسيرة تقدمها بغدادي : هذا يعود إلى علاقة تلك المجتمعات بالغرب، مصر على سبيل المثال أتيح لها مبكراً أن تتخلص من الحكم العثماني المستبد وتلجأ إلى حكم آخر بريطاني ظنته سيحررها، لكنها وجدته احتلال آخر وبدأت تقاومه. هذه العملية الانتقالية من حكم استبدادي إلى حكم استبدادي حديث اضطر الإنكليز للقيام بتغيير صورتهم إذ سمحوا ببرلمان وانتخابات وحققوا شكلاً من أشكال الديمقراطية وإن كانت ناقصة.
كما أن الديمقراطية توفرت في سوريا بعض الشيء في فترة الانتداب الفرنسي، لكن تدخله المستمر في وأد الاتفاقيات جعل الديمقراطية غير مرغوب فيها. لكن دول عربية أخرى لم تتوفر فيها هذه الشروط، مثلاً الفرنسيون حاولوا تحويل الجزائر إلى مستوطنة وألغوا الشعب من المشاركة في الحياة السياسية حتى عن اللغة العربية ألغيت هناك.
أين ترى دور المثقف عموماً ودورك كشاعر بشكل خاص في النهوض بالثقافة العربية؟
بغدادي: دوري يتمثل في التعبير عن رأي بشجاعة، دورنا يتمثل في أن نقول الحقيقة ونتحمل المسؤولية في كل ما ننتجه من أساليب الكلام واللغة والتفاهم مع الناس. فإذا لم يوجد مثقف جريء ومؤمن بأهمية الحقيقة فهو متفرج على المجتمع وليس من المشاركين في صنع الوعي الديمقراطي الحقيقي.
هل بقي من دور للشعراء وللشعر العربي في الثقافة العربية مقارنة بثقافات أخرى كالثقافة الأوربية؟
بغدادي: دور الشعر تراجع كثيراً بعد أن كان الشعر ديوان العرب، لكنه أصبح الآن من الأجناس الأدبية المتخلفة. فالأمسيات الشعرية لا تجمع عدداً كبيراً من الناس إلا إذا كان الشاعر نجماً من النجوم أو تابعت للدولة التي تجيش له جمهوراً لا يفهم شعره. وعلى عكس فترة الخمسينات فإن الصالات كانت تمتلئ حتى في حال لم يكن الشعر من النجوم الكبار.
إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر صحيح ما يقال إن هناك حرب ثقافية غربية ضد الثقافة العربية؟ أم إن هذا الكلام يستخدم من قبل البعض لاختلاق أعذار لما وصلت إليه حال الثقافة العربية؟
بغدادي: هناك عداوة، وهنا يمكن الحديث عن عداوة غربية عريقة، والحروب الصليبية نوع من العدوانية الذي تميز بها الغرب للسيطرة على الشرق باسم الدين، لكن القرون الماضية ولت من غير رجعة . هناك من لديه أفكارا عدوانية من المستشرقين، وهناك من لديه أفكار صديقة. وعليه فإنه لم يبقى من نظرية المؤامرة سوى الظلال والغبار.
العلاقة الحالية تجاه الآخر يجب أن تكون صحية وخالية من الأفكار المسبقة بحيث لا ينظر الغربي إلى الشرقي نظرة الدونية، ولا الأخير ينظر إلى الغربي نظرة فوقية. ولحسن الحظ إن هذه المسألة بدأت تؤثر في بعض وسائل الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والروائي.
كيف تنظر إلى محاولات إحياء الحوار بين الغرب والعالم العربي عبر الأنشطة الثقافية، مثلاً معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، أو الأسبوع الثقافي العربي الألماني؟
شوقي بغدادي: المعارض الثقافية تعتبر من أجمل التظاهرات الثقافية التي تتناسب مع العصر. عصرنا الآن هو عصر العولمة والتقارب بين الشعوب هو المطلوب بدلا من الهيمنة على الآخر، إما إذا كانت بمعنى تقارب الشعوب والاستفادة المتبادلة والدخول في نقاشات بناءة فمرحباً بها كونها تمثل دور العصر الحقيقي.
ولد في بانياس في عام 1928 .و تخرج من جامعة دمشق حاملاً إجازة في اللغة العربية وآدابها، ودبلوماً في التربية والتعليم - عمل مدّرساً للعربية طوال حياته في سوريا وخمس سنوات في الجزائر. شارك في تأسيس رابطة الكتاب السوريين عام 1951 والتي تحوّلت إلى رابطة للكتاب العرب عام 1954 وانتخب أمنياً عاماً لها حتى مطلع عام 1959. وبعدها شارك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب الحالي وكان عضواً في مجلس الاتحاد في معظم دوراته إلى أن اختير بعد انتخابات الاتحاد عام 1995، عضواً في المكتب التنفيذي وأسند إليه منصب رئاسة تحرير مجلة "الموقف الأدبي" الشهرية الصادرة عن الاتحاد. لديه العديد من القصائد الشعرية والقصص القصيرة والروايات المسرحية ومن مؤلفاته: - أكثر من قلب واحد، لكل حب قصة، أشعار لا تحب، صوت بحجم الفم، بين الوسادة والعنق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق